البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه محمد وسلم وهب الله لك حسن الاستماع وأشعر قلبك حب التثبت وجعل أحسن الأمور في عينيك وأحلاها في صدرك وأبقاها أثراً عليك في دينك ودنياك علماً تفيده وضالاً ترشده وباباً من الخير تفتحه وأعاذك من التكلف وعصمك من التلون وبغض إليك اللجاج وكره إليك الاستبداد ونزهك عن الفضول وعرفك سوء عاقبة المراء وقد علمت مع ذلك من مدح بقوله: من رأي ذي بدآت لا تزال له بزلاء يعيا بها الجثامة اللبد وأن الآخر قد قال: ليت هنداً أنجزتنا ما تعد وشفت أنفسنا مما نجد واستبدت مرة واحدة إنما العاجز من لا يستبد ولا أعلم الموصوف بالاستبداد إلا مجهلاً مذموماً ولا أعرف المنعوت بالبدوات إلا مدفعاً مضعوفاً.
وإنما الشأن في وجدان آلة التصرف وفي تمام العزم بعد التبين لا أعرف إلا هذين.
والنوادر وكل ما خف على قلوب الفراغ وراق أسماع الأغمار إلا بعد إقامة العمود والبصر بما يلثم من ذلك العمود فإن بعض من كلف برواية الأشعار بدأ برواية أشعار هذيل قبل رواية شعر عباس بن الأحنف ورواية شعر ابن أحمر قبل رواية شعر أبي نواس وناس من أصحاب الفتيا نظروا في العين والدين قبل أن يرووا الاختلاف في طلاق السنة وناس من أهل الكلام نظروا في ".
" والكفر والمداخلة والمجاورة قبل أن ينظروا في التوحيد والعدل والآجال والأرزاق.
وسئل بعض العلماء عن بعض أهل البلدان فقال: أبحث الناس عن صغير وأتركهم لكبير وسئل عن بعض الفقهاء فقال: أعلم الناس بما لم يكن وأجهلهم بما كان وقد خفت أن تكون مسألتك إياي كتاباً في تسمية العرجان والبرصان والعميان والصمان والحولان من الباب الذي نهيتك عنه وزهدتك فيه.
وذكرت لي كتاب الهيثم بن عدي في ذلك وقد خبرتك أن لم أرض بمذهبه ولم أحبه له حظاً في حياته ولا لولده بعد مماته.
وأنا أحذرك اللجاح والتتايع وأرغب إلى الله لك في السلامة من التلون والتزيد وفي الاستطراف والتكلف فإن اللجاج لا يكون إلا من خلل القوة وإلا من نقصان قد دخل على التمكين واللجوج في معنى المغلوب والمتصرف في معنى الغالب والمكتفي ولا يكون إلا والعقدة منحلة والنفس منقوصة ثم لا بد أن يتصل ضعف المنة بقلة المعرفة ومتى نقصت المعرفة لم تكن المنة فاضلة وكان الفاعل إما لجوجاً مسارعاً وإما ذا بدوات متلوناً.
فاعرف فضل ما بين التصرف والتلون وليس الاعتراض من صفة اللجاج.
وقد يكون الاعتراض محموداً ومذموماً ولا يكون اللجاج إلا مذموماً والتلون أن تكون سرعة رجوعه عن الصواب كسرعة رجوعه عن الخطأ واللجاج وأن يكون ثبات عزمه على إمضاء الخطأ الضار كثبوت عزمه على إمضاء الصواب النافع.
والذهول عن العواقب مقرون باللجاج وضعف العقدة مقرون بالبدوات.
قيل لبعض العلماء: من أسوأ الناس حالاً قال: من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء فعله.
وقال عمر بن الخطاب: لن ينتفع بعقله حتى ينتفع بظنه.
وقال محمد بن حرب: صواب الظن الباب الأكبر من الفراسة.
وقال بلعاء بن قيس: وأبغي صواب الظن أعلم أنه إذا طاش ظن المرء طاشت مقادره ألا تراهم يمدحون ضرباً من الظن ويذمون ضرباً آخر.
وأما الصواب ففي الحال التي بين الحالتين.
وقال الله عز ذكره: " اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم " وهذا البعض هو ذاك الكثير الذي ذكره لأن قليل الكثير ربما كان كثيراً.
وقيل لثقيف: بم بلغتم المبالغ قالوا: بسوء الظن.
وإلى ذلك ذهب الشاعر حيث يقول: أسأت إذ أحسنت ظني بكم والحزم سوء الظن بالناس وذلك على ما قدر ما تصادف عليه الزمان وتشاهد من حالات الناس.
وليس سوء الظن في الجملة بالمذموم ولا بحسن الظن بالمحمود وإنما المحمود من ذلك الصواب على قدر الأسباب القوية والضعيفة والذي يتجلى للعيون من الأمور المقربة وعلى ما جرت عليه العادة والتجربة ولقد قال الله تعالى: " ولقد صدق عليهم إبليس ظنه " اعلم أنه لم يرد تصويب ظن إبليس وليس مذهب الكلام وصف إبليس بشيء من الصواب وإنما أراد ذم الذين كثرت ذنوبهم حتى طرقوا على أنفسهم سوء الظن فصار كل من ظن بهم سوءاً يصير ظنه موافقاً للذين يحاولون والذين هم فاعلون.
فاطلب العلم على تنزيل المراتب وعلى ترتيب المقدمات وليكن لتدبيرك نطاق فإنه أمان من الخطأن وللذي تعتقد رباط فإنه لا بد للبنيان من قواعد.
وليكن أحب العلم إليك أطوعه لله فإن لم تفعل فاكسبه للحال الجميلة والذي لا بد للشريف من معرفته علم الأخبار ومعرفة علل النحو ولولا أن الذي أكتبه لك مجانب لطرق الهيثم وخارج مما يشتهيه الريض المتكلف الملول وأنه كتاب جد غير هزل لما كتبته لك وبالله التوفيق.
قال الهيثم بن عدي: العرج الأشراف: أبو طالب معاذ بن جبل عبد الله بن جدعان الحارث بن أبي شمر الحوفزان بن شريك عمرو بن الجموح الأنصاري الربيع بن مسعود الكلبي عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وذكر القعقاع بن سويد المنقري وسليمان بن كيسان الكلبي ولم يك يذكر غير هؤلاء.
وذكر العميان وكان الذي ترك منهم أكثر مما ذكر.
والعرج الأشراف - أبقاك الله - كثير والعمي الأشراف أكثر ولكن ما معناه في أن أبا فلان كان أعمى إذا لم يكن إنما اجتلب ذكر العرج والعمى ليجعل ذاك سبباً إلى قصص في أولئك العرجان وإلى فوائد أخبار في أولئك العميان وإلى أن جماعة فيهم كانوا يبلغون مع العرج ما لا يبلغه عامة الأصحاء ومع العمى يدركون ما لا يدركه أكثر البصراء ولما جاء أيضاً في ذلك من الأشعار الصحيحة ومن الأمثال المضروبة وكيف تهاجوا بذلك وتمادحوا به وكيف جزع من جزع وصبر من صبر وما رووا في ذلك من الأخبار النافعة والأحاديث السائرة واللفظ المونق ولو ذكرنا - حفظك الله - أن ممن سقي بطنه: عثمان بن أبي العاص وعمران بن الحصين وخباب بن الأرت وقبيصة بن المهلب وفلان وفلان ثم لم نذكر حسن عزائهم ونوادر كلامهم عند نزول تلك الحوادث وعند توقع الفرج من تلك المضايق وأي شيء كرهوا من أصناف العلاج وحرموه وأي شيء استجازوه واستحلوه والذي رووا من الأحاديث في ذلك الداء أو من الروايات في ذلك الدواء وكيف كانت تعزية العائد وجواب المعود وكيف كان دعاؤهم وبأي ضرب من الكلام كان ابتهالهم فإن ذلك عظة لمن سمعه وأدب لمن وعاه وصلاح لمن استعمله فمن لم يذكر هذه العلل لذكر هذه الفوائد لم يكن ذكره لزمانة قوم أشراف بالمحمود ولا تنويهه قوماً بأدواء مستورين بالمرضي.
وأول الشروط التي وضعت في أعناق الأطباء ستر ما يطلعون عليه في أبدان المرضى وكذلك حكم من غسل الموتى.
وسألتني أن أبدأ بذكر البرصان وأثني بذكر العرجان ثم أذكر ما قالوا في الأيمن والأعسر وفي الأضبط وفي كل أعسر يسر واختلاف طبائع الحيوان في ذلك مع اختلاف حالات البشر في الصغر والكبر وكيف القول في الأشل والأقطع وفي الأضجم والأفقم وفي صاحب اللقوة والأشدق وفي سعة الأفواه وضيقها وفي عظم الأنوف وصغرها وكيف مدحوا الرؤوس بالعظم وذموها بالصغر وما قالوا في الدمامة والنبالة وفي القصر والطول ثم الذي قالوا في الأجلح والأنزع وفي الأصلع والأقرع وفي الأزعر والأمعر.
وما قالوا في الثط والسنوط وفي الأحدب والأعلم وفي الآدر والأفقح وما ذكروا به الأعضاء ووصفوا به الجوارح وما جاء في ذلك من الأشعار والأخبار والأمثال والآثار.
وقد فخروا بالعمى وذلك كثير واحتجوا بالعرج وذلك غير قليل.
وإذا كان الأعرابي يعتريه البرص فيجعله زيادة في الجمال ودليلاً على المجد فما ظنك بقوله في العرج والعمى وهما لا يستقذران ولا يتقزز منهما ولا يعديان ولا يظن ذلك بهما ولا ينقصان من تدبير ولا يمنعان من سؤدد وهذا المعنى نفسه قد ذكره شاعر قريش حين عدد أسماء من عمي من أشرافهم فقال في كلمة له: ومطعم وعدي في سيادته فذاك داء قريش آخر الزمن وخير دائك داء لا تسب به ولا تبيت تمنى لذة الوسن داء كريم فلا دعوى فتحذره فالحمد لله ذي الآلاء والمنن وقد يفر الأعرابي في الحرب فلا يقر بالجبن عن الأعداء وبالنكول عن الأكفاء بل يخرج لذلك الفرار معنى ويجعل له مذهباً ثم لا يرضى حتى يجعل ذلك المفخر شعراً ويشهره في الآفاق معاذ إلهي أن تقول حليلتي ألا فر عني مالك بن أبي كعب أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا غم الجبان من الكرب يقول: أنا وإن وليت هارباً حين لا أجد لي مقاتلاً فقد وليت ومعي عقلي وأتم الفرار في الحرب آلة من عرف المفر كما يعرف المكر يقول: فلست كمن يستفزعه وهل الجبان ولا كالذي يعجل فيلجم ذنب فرسه ويركبه مشكولاً ويركله برجله وهو مقيد وينزل عن ظهره ويظن أن سعيه على رجليه أبلغ من ركض فرسه في النجاة وقال زيد الخيل: أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلاً وأنجو إذا لم ينج إلا المكيس ولست بذي كهرورة غير أنني إذا طلعت أولى المغيرة أعبس وقال الحارث بن هشام: الله يعلم ما تركت قتالهم حتى رموا فرسي بأشقر مزبد فصددت عنهم والأحبة فيهم طمعاً لهم بعقاب يوم مفسد وعلمت أني إن أقاتل واحداً أقتل ولا يضرر عدوي مشهدي يقول: ليس من الصواب أن أقف موقفاً أقاتل فيه باطلاً.
وقال عمرو بن معدي كرب: ولقد أعطفها كارهة حين للنفس من الموت فرير كل ما ذلك مني خلق وبكل أنا في الروع جدير فزعم أن الفرار من أخلاقه كما أن الإقدام من أخلاقه وهذا خلاف قول ابن مطيع: أنا الذي فررت يوم الحره والشيخ لا يفر إلا مره ولا بأس بالكرة بعد الفرة وقول ابن مطيع شبيه بقول عتيبة بن الحارث بن شهاب حيث يقول: نجيت نفسي وتركت حزره نعم الفتى غادرته بإمره لا يترك المرء الكريم بكره وقد أقر كل واحد من هذين على حدته بالعيب فأما الآخر فإنه حين فر ألزم نفسه وجميع الجيش وهو قوله: فإن يك عاراً يوم ذاك أتيته فراري فذاك الجيش قد فر أجمع وأما عامر بن الطفيل فقال: أعاذل لو كان البداد لقوتلوا ولكن أتونا في العديد المجمهر قال لبيد: أتونا بشهران ومذحج كلها وما نحن إلا مثل إحدى القبائل وأقر قيس بن الخطيم بغير هذا الجنس من الفرار فقال: إذا ما فررنا كان أسوا فرارنا صدود الخدود وازورار المناكب وقد علم قيس أن هذا المقدار لا يسمى فراراً ولا يعير به أحد.
قال: ولما انهزم الناس يوم أبى فديك كان عباد بن الحصين من المنهزمين وهو يصيح بأعلى صوته: أنا عباد بن الحصين فقال له بعض المنهزمين: فلم تنوه باسمك على هذه الحال قال عباد: لكي لا تركبني غمرة.
ألا ترى أن عباداً صحيح التدبير في حال انهزامه وقد ترك القتال عن غير جبن وترك القتال كي لا يقتل ضياعاً وعباد فارس الناس غير مدافع وإياه عنى الشاعر حيث يقول: من مبلغ عني نهيك بن محرز فدونك عباداً أخا الحبطات فدونكه يستهزم الجيش باسمه إذا خاضت الفرسان في الغمرات والشاهد من الشعر على تقديم عباد على الفرسان كثير موجود.
ويكون الأعرابي شختاً مهزولاً ومقرقماً ضئيلاً فيجعل ذلك دليلاً على كرم أعراقه وشرف ولادته.
قال الأصمعي: قلت لغلام أعرابي: مالي أراك ضعيفاً نحيفاً وصغير الحجم قليلاً مهزولاً! قال: قرقمني العز.
وأنشدوا قول الآخر: قد علمت أنا أتاويان من كرم الأعراق ضاويان وأنشدوا: قرقمه العز وأضواه الكرم وليس العجب في قوله: إن الأعراق تضوى وإنما العجب في قوله: إن العز يقرقم لأن الأول قد قال: فتى لم تلده بنت عم قريبة فيضوى وقد يضوى رديد القرائب وقال الأسدي: ولست بضاوي تموج عظامه ولادته في خالد بعد خالد تقارب من آبائه أمهاته إلى نسب أدنى من الشبر واحد بنو أخوات أنكحوهن إخوة مشاغرة فالحي للحي والد وهكذا كثير.
والضوى في البهائم أوجد منها في الناس فليس العجب من ذكرهم الضوى إذا ترددت الأولاد في القرابات وإنما العجب في قولهم: العز يقرقم لأن الأعرابي حين ابتلي بالدمامة والعلة ثقل عليه أن يقر بالذل والضعف فاحتج لذلك وأحال الناس على معنى لا يدركونه بالمشاهدة وهذا من ذكائه ودهائه.
فبهذه النفوس - حفظك الله - حفظوا أنسابهم وتذاكروا مآثرهم وقيدوا لأنفسهم بالأشعار مناقبهم وحاربوا أعداءهم وطالبوا بطوائلهم ورأوا للشرف حقاً لم يره سواهم وعملوا على أن الناس كلهم دونهم.
وسأنشدك - إن شاء الله - بعض ما افتخر به الأعمى واحتج به الأعرج قبل أن تصير إلى قراءة الجميع لأعجل عليك معرفة الجملة من مذاهبهم وبالله التوفيق.
فمن العرجان أبو الدهماء وهو الذي عيرته امرأته بالعرج فقال: ما ضر فارسهم في كل ملحمة تزحف العرج بين الصف والنضد إن كان ليس بمرقال إذا نزلوا ففي الفروسة وثاب على الأسد وخطب الطائي الأعرج امرأة فشكت عرجه إلى جاراتها فأنشأ يقول: تشكى إلى جاراتها وتعيبني فقالت معاذ الله أنكح ذا الرجل فكم من صحيح لو يوازن بيننا لكنا سواء أو لمال به حملي وقال أبو العملس في امرأته: وقال أبو طالب بن عبد المطلب واسمه عبد مناف وأول هاشمي في الأرض ولده هاشميان بنوه الأربعة وعيره بعض نسائه بالعرج فقال: قالت عرجت فقد عرجت فما الذي أنكرت من جلدي وحسن فعالي وأنا ابن بجدتها في صبابتها وسليل كل مسود مفضال أدع الفراجة لا أريد نماءها كيما أفيد رغائب الأموال وأكف سهمي عن وجوه جمة حتى تصيب مقاتل البخال الرفاجة: النجارة والتثمير.
وقال أبو طالب قولاً هو أجمل وأرجح من قول الجميع وذلك أنه قال وفسر: أنا يوم السلم مكفي ويوم الحرب فارس أنا للخميسة أنف حين ما للخمس عاطس فزعم كما ترى أنه إذا كان في السلم فهو لا يحتاج مع الكفاية إلى ابتذال نفسه في حوائجه وإذا كان في الحرب فهو فارس يبلغ جميع إرادته.
وما ضر - أكرمه الله - هرثمة بن أعين ونصر بن شيث وغيرهما من الرؤساء المحاربين المقربين الذي كان يمنعهم من المشي إذا كانوا على ظهور الخيل أمثال العقبان.
رأيت أوفى بعيد الشيب من كثب في الدار يمشي على رجل من الخشب جعلت للعرج مجداً لم يكن لهم وللقصار مقالاً آخر الحقب وكان أوفى مع شرفه وسؤدده قصيراً نحيفاً وهو الذي يقول: إذا كنت قصداً في الرجال فإنني إذا حل أمر ساحتي لجسيم وهذا أشبه بقول الآخر: إذا كنت في القوم الطوال فضلتهم بعارفة حتى يقال طويل فهؤلاء بعض من فخرج بالعرج وسنذكر ذلك في باب القول في العرجان إن شاء الله.
وأما من فخر بالعمى فمنهم بشار بن برد وكنيته أبو معاذ ولقبه المرعث مولى لبني عقيل وهو الذي يقول: إذا ولد المولود أعمى وجدته وجدك أهدى من بصير وأحولا عميت جنيناً والذكاء من العمى فجئت عجيب الظن للعلم معقلا وغاض ضياء العين للعلم رافد وقلب إذا ما ضيع الناس حصلا وشعر كنور الروض لاءمت بينه بقول إذا ما أحزن الشعر أسهلا وممن فخر بالبرص ثم من بني رزام المحجل وكان بساقيه وضح واسمه معاوية بن حزن بن موألة بن معاوية بن الحارث وقد رأس وسمى المحجل على الكناية من البياض والكناية أيضاً من البرص وهو الذي يقول: يا مي لا تستنكري تحويلي ووضحاً أوفى على خصيلي فإن نعت الفرس الرجيل يكمل بالغرة والتحجيل وهو الذي يقول: وما أنا بالبهيم فتذكروني ولا غفل الإهاب من الوشوم وأصل تسميتهم المحجل مأخوذ من الحجل والحجل هو الخلخال فإذا كان في الفرس في موضع المخلخل بياض قيل: مخلخل وقال النعمان بن بشير: ويبدو من الخود الغريرة حجلها وتبيض من وقع السيوف المقادم وقال الفرزدق: مائلة الحجلين لو أن ميتاً ولو كان في الأكفان تحت الصفائح وإذا ابيض من خلف الناقة موضع الضرار فهم يسمون ذلك الخلف أيضاً محجلاً وأنشد: نيط بحقويها رعيب أقمر محجل مقدم مؤخر وقال في ذلك أبو النجم: وقد يقال أيضاً للغراب محجل على غير هذا المعنى وذلك أنهم يسمون حلقة القيد محجلاً على التشبيه بالحجل.
والغراب إذا مشى فكأنه مقيد والمحجل هو المقيد فذلك الحجل وقال الشاعر: وإني امرؤ لا تقشعر ذؤابتي من الذئب يعوي والغراب المحجل وقال الطرماح: شنج النسا قذف الجناح كأنه في الدار بعد الظاعنين مقيد وقال الآخر: وصاح بصرمها من بطن قو غداة البين شحاج حجول من اللائي لعن بكل أرض فليس لهن في بلد قبول ولذكر المحجل مكان غير هذا.
وإذا كان الشيء مشهراً معلماً شبهوه بالفرس الأغر المحجل فإنه إذا كان في الخيل كانت العيون إليه أسرع ولذلك قال زفر بن الحارث: كلا ورب البيت لا تقتلونه ولما يكن يوم أغر محجل ومن البرصان الذين فخروا بالبرص الحارث بن حلزة اليشكري الشاعر قال أبو عبيدة: لما قال ألا هبي بصحنك فاصبحينا وأنشدها الملك قال الحارث بن حلزة قصيدته التي فخر فيها لبكر على تغلب وهي التي أولها: آذنتنا ببينها أسماء ثم أتى عمرو بن هند فأنشده إياها قال: وكان الحارث أبرص وكان الملك لا يملأ عينه من رجل به بلاء فأنشده من وراء الستر فلما سمعها استخفه الطرب وحمله السرور على أن أمر برفع الحجاب ثم أقعده على طعامه وصيره في سماره.
وقالوا: هو المفتخر بالبرص حيث يقول: يا أم عمرو لا تغرى بالروق ليس يضر الطرف توليع البلق إذا حوى الحلبة في يوم السبق فهذا قول الشاعر فأما محمد بن سلام فزعم أنه لم يسبق الحلبة قط أبلق ولا بلقاء.
قال الأصمعي: لم يسبق الحلبة أهضم قط.
وقد يجوز أن يكون الشاعر أراد نفس الحلبة يوم الرهان وأراد غير ذلك من أبواب المسابقة على أن صديقاً لي قد أخبرني أن فرساً للمأمون جاءت سابقة.
إني امرؤ حنظلي حين تنسبني لا ملعتيك ولا أخوالي العوق لا تحسبن بياضاً في منقصة إن اللهاميم في أقرابها البلق فقول ابن حبناء وقول الحارث بن حلزة يردان على محمد بن سلام ما قال وكان زياد الأعجم قد ألح على بني الحبناء يهجوهم بالبرص فمن ذلك قوله: عجبت لأبلق الخصيين عبد كأن عجانه الشعرى العبور فلما قيل له: قد رفعتهم يا أبا أمامة قال: والله لأرفعنهم أيضاً فقال: لا يبرح الدهر منهم خارئاً أبداً إلا حسبت على باب استه القمرا والبياض والأوضاح تستعير ذكره العرب وتنقله في الأماكن قال الرعل بن جبلة: والناس كالخيل إن ذموا وإن مدحوا فذو الشباب كذا في الناس أوضاح يقولون: فرس كريم وفرس جواد وفرس عتيق وفرس رائع وليست هذه الأسماء الكريمة إلا للإنسان والفرس.
وأصل البلق إنما هو في الفرس والعرب تستعير ذلك وتضعه في مواضع كثيرة وقال الشاعر وهو يريد بياض الصبح المخالط بسواد في بقية الليل: حبسناهم حتى أضاء لنا من الصبح مشهور الشواكل أبلق وسموا أيضاً قصر السموءل بن عادياء: الأبلق قالوا ذلك حين كان بني بالحجارة البيض والسود قال الأعشى: بالأبلق الفرد من تيماء منزله حصن حصين وجار غير غدار وقال السموءل بن عادياء: وبالأبلق الفرد بيتي به وبيت المصير سوى الأبلق وقال خالد بن يزيد بن معاوية: إني أرقت لعارض متألق ليل التمام وليته لم يؤلق ما أن ينام ولا ينيم كأنه بلقاء تضرب عن فلو أبلق وأنشدوا قول الراجز في صفة السحاب: كأنه في ريقه إذا ابتسم بلقاء تطفي الخيل عن طفل متم وقال محرز بن مكعبر الضبي: أقر العين أن طارت عليهم شميك اللون ليس لها حجول ولذلك سموا الأبرص الأسيدي الراقي المتكهن: أبلق وإياه عنى ذو الرمة فقال: وعندي أسيدي عليه علامة من السوء لا تخفى على من توسما هل الأبلق الراقي الأسيدي مبرئ فؤادي من حبي جواري بني بدر ليس يعني رهط حذيفة بن بدر.
وكان جرير بن الخطفى زوج أبلق بنته أم غيلان على أنه رقاها فأفاقت فعند ذلك قال العلبان: أخزيت نفسك يا جرير وشنتها وجعلت بنتك نسلة للأبلق وهجا جرير أيضاً الأبلق بأنه أبلق وبغير ذلك فقال: يا أبلق الكشح إن الناس قد علموا أن المهاجر يخزي كل كذاب لو كنت شاورت ذا عقل فأرشدني يوم الفريقين ما دنست أثوابي قد كنت عندك قبل الفعل ذا أرب مستحكماً بعراقي الدلو أكرابي لو كنت صاهرت إن الصهر ذو نسب في مازن أو عدي رهط منجاب ما كنت ذا الجلدة البلقاء تعجبني سوف السوابق ريح الكودن الرابي واعترض على جرير البلتع العنبري لأن عمرو بن تميم ولدهم جميعاً فقال: أتعيب أبلق يا جرير وصهره وأبوه خير من أبيك وأمنع أتعيب من رضيت قريش صهره وأبوك عبد بالخورنق أوكع هلا سوائي كنت أوعدته يوم أكب الناس في الخندق وأحمل الأبلق في صفهم ثم أناديك فلا تنطق وفيما قالوا في تلك الحرب: يا أبلق الكشح على أبلق وصاحب الراية والخندق ولزم الأبلق مكان غير هذا وهو أن الفارس يشهر بركوبه في الحرب ليس يجترئ على ركوب الأبلق في الحرب إلى غمر أو مدل بنفسه معلم يقصد إلى ذلك.
ولما رأى إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن عمر بن سلمة الهجيمي على فرس أبلق أنشد قول الشاعر: أما القتال فلا أراك مقاتلاً ولئن فررت ليعرفن الأبلق قال ذلك وهو يمازحه وكان عمر بن سلمة شجاعاً.
ولذلك قال طفيل الغنوي: بهجر تهلك البلقاء فيه فلا تبقى ونودي بالركاب وقال في ذلك النابغة: بوجه الأرض لا يعفو لها أثر يمسي ويصبح فيها البلق ضلالا وصف طول الجيش وعرضه وكثافته وكثرة عددهم فلذلك خفي مكان الأبلق مع كثرة الأوضاح التي تشهره.
وروى عن يحيى بن حماد عن عاصم عن زر عن عبد الله قال: " قلت: يا رسول الله! كيف تعرف من لم تر من أمتك قال: هم غر محجلون من آثار الوضوء ".
معن عن مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله عليه السلام: " أنتم الغر المحجلون من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل ".
ومن البرصان ممن فخر بالبرص سويد بن أبي كاهل وهو الذي يقول: نفرت سودة مني أن رأت صلع الرأس وفي الجلد وضح قلت يا سودة هذا والذي يفرج الكربة عنا والكلح هو زين الوجه للمرء كما زين الطرف تحاسين القزح وممن فخر بالبرص من الرؤساء والشعراء بلعاء بن قيس بن يعمر وهو الشداخ بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر قالوا: اعتراه البرص بعد أن أسن وكان سيد بني ليث فاشتد ذلك عليهم فقيل له في ذلك فقال: سيف الله صقله.
هذه رواية أبي عبيدة والمفضل فأما الذي لم أزل أسمعه فإن أهل الحجاز يزعمون أنه قال: سيف الله حلاه من الحلية ويقول أهل العراق: بل قال: سيف الله جلاه من الجلي وكل عربي.
وهو أبو مساحق وله لقبان أحدهما مدح والآخر ذم فأما المدح فالحجب والمحجوب ويقول بنو ليث بن بكر: كان بلعاء يحجب بالنبل من مكان بعيد واللقب الآخر: باكغ الجيران لأنه كان نكداً لجوجاً شكساً وداهية لا يرام ما وراء ظهره وهو الذي يقول: وأبغي صواب الظن أعلم أنه إذا طاش ظن المرء طاشت مقادره وهو الذي يقول: ومغير حجر " قد " جررت برجله بعد الهدو له قوائم أربع وهو الذي يقول: معي كل مسترخي الإزار كأنه إذا ما مشى من أخمص الرجل ظالع وقال كلثوم بن رزين بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل في تسمية بلغاء ببالع الجيران: تمنى بالع الجيران سيفي وأنت إذا تلاقيني فرور منت لك أن تلاقيني المنايا أمام القوم أو وحد أسير وقال في بالغ الجيران ربيعة بن أمية بن زعر بن يعمر بن نفاثة بن عدي بن الديل: وأفلت بالع منا وخلى حلائله وقد بدت المعاري ومن البرصان السادة القادة الذين مدحتهم الشعراء بالبرص أبو أسيد عمرو بن هداب المازني مدحه بذلك أبو الشعثاء العنزي قال أصحابنا: ما رأينا أحداً قط أبل ريقاً ولا أتم نقساً ولا اربط جأشاً من أبي أسيد عمرو بن هداب كانوا عنده والناس يغزونه على ذهاب بصره إذ مثل أبو عتاب الجرار بين يديه وهو مثل المحجوم وأبو عتاب هو إبراهيم بن جلع بن مصاد مولى بلعدوية فقال: يا أبا أسيد! لا تحزن على ذهابهما فإنك لو قد رأيت ثوابهما في ميزانك لقد تمنيت أن يكون الله قد قطع يديدك ورجليك ودق ظهرك وأدمى ظلفك.
قال: فلم يبق من القوم أحد إلا استغرب ضحكاً أو صاح بأبي عتاب وأراد إسكاته إلا أبا أسيد نفسه فإنه لم يتغير لذلك ولم يظهر منه قبول ولا إنكار وأقبل على القوم فقال: يرعى له حسن نيته ويلغى سوء لفظه.
قالوا: ثم ما لبثنا إلا يسيراً حتى دخل أبو الشعثاء العنزي وعليه بت وكور ضخم وخف جاف فقال: أنشدك أبا أسيد ما حبرته فيك من أراجيزي قال: هات فأنشده أرجوزة أعرابية فصيحة فبينا نحن نستحسن معانيها ونستجيد حوكها إذ قال: أبرص فياض اليدين أكلف والبرص أندى باللهى وأعرف مجلوز في الرجفات يزحف قال: فصحنا حتى قطعنا عليه إنشاده.
فقال عمرو: ارفقوا بشاعرنا وزائرنا فإن أكثر الشعراء الذين توضحت جلودهم قد افتخروا بذلك وقد قال الشاعر: أيشتمني زيد بأن كنت أبرصا فكل كريم - لا أبا لك - أبرص أراد: كل أبرص كريم فقال: كري كريم أبرص.
وهذا من المقلوب.
وزعم كثير من الناس أن ذلك البياض إنما أصابه بسبب يمين حلف بها عند أستار الكعبة.
وسمعت غير واحد من جيرانه وأصحابه يزعمون أنهم ما زالوا يعلمون به وضحاً إلا أن الوضح يزيد ولا يقف وقد ذكرنا شأن عمرو بن هداب والذي حضرنا من مناقبه في كتاب العميان فلذلك لم نذكره في هذا الباب.
حدثني علي بن رياح بن شبيب الجوهري عن أبيه رياح.
وكان خاصاً بالبرامكة يدخل عليهم متى أحب وكان يصل إلى مواضع لا يكاد يصل إليها الخاص عندهم قال: دعاني يوماً جعفر بن يحيى وهو كئيب حزين خاشع الطرف شديد الانكسار فرفع لي عن بطنه فإذا على بطنه مقدار الدرهم برص فقال: يا أبا علي! هذا ثمن العقوق.
قال: وكان الذي بينه وبين أبيه قد ساء.
قالوا: وهذا شيء أخذه جعفر بن يحيى عن أطباء الهند.
وأطباء الهند تزعم أن العقوق وآفات الدنيا كثيرة وأمراضها الشداد معروفة المقادير عند الأطباء.
وقد بينوا المستغلق العضال المؤيس من غير ذلك فقالوا في مثل الجذام والبرص العتيق والسرطان قال جالينوس: السرطان لا يبرأ.
فإن برئ فإنه لم يكن سرطاناً والماء الأصفر والقروح التي تكون في الكلية والمثانة من الباب أيضاً الذي يعسر التخلص منه والعرب تخاف إعداء الجرب والصفر والعدسة والجدري وهم وإن استعظموا هذه الأشياء ولم يقدموا البرص عليها في الشدة فإن القرآن أصدق منهم ولولا أن البرص العتيق أشد امتناعاً وأبعد برءاً لما ذكر الله البرص دون هذه الأدواء.
والفرس أشد نفاراً من البرص والدليل على ذلك ما خبرتك به من شدته وامتناع التخلص منه قوله: " وأبرئ الأكمه والأبرص وأحيي الموتى بإذن الله " " فأشار إلى إبراء الأبرص " وإلى إبراء الأكمه وهو الأعمى المطموس ولم يذكر غير ذلك من جميع الأدواء والمعاضل والعلل والمؤيسة.
وقال في وجه آخر من معارضة البرص بخلافه وضده قال: أو لو جئتك بشيء مبين قال فأت به إن كنت من الصادقين فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين " وقال الله لموسى: " أدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ".
هذا إلى ما حدث عبد الله بن عمرو عن يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: جاءت قريش إلى اليهود فقالوا: ما جاءكم به موسى قالوا: عصاه ويده بيضاء للناظرين ثم أتوا النصارى فقالوا: ما جاءكم به عيسى قالوا: كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحي الموتى فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ادع لنا ربك يجعل لنا الصفا ذهباً.
فهذا أيضاً مما عظم شأن البرص إذ كان مذكوراً في الحالات كلها وإذا اجتمع على تشديد أمره القرآن والآثار.
وأما قولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا الصفا ذهباً فإن الله لا يعطي الناس الأعلام على قدر شهواتهم وامتحانهم وتمنيهم ولا على سبيل التفكه فإذا لم يعطهم ذلك على سبيل التفكه فإعطاؤهم إياها على سبيل التعنت أبعد ولا يجب ذلك إلا لمن لم يسمع بآية ولم ير علامة.
فأما المغموس فيها ومن قد غمرته البرهانات فليس من الحكمة تمكين السفهاء من مسألة ذلك وإنما ينزل الله الأعلام على قدر المصلحة لا على أقدار الشهوة وعلى إلزام الحجة لا على الطلب والمسألة ومتى كان الطالب لذلك معانداً وجاسياً لم يكن إلا بين أمرين إن جلاها لعنته وإجابته إلى مسألته قال: هذا سحر وإن منعها قال: لو كان صادقاً لأتى بها وآيات الله وبرهاناته أجل خطراً من أن توضع في هذا المكان إلا أن يريد الله ببعض ذلك تعذيبهم قالوا: والبرص أصله من البلغم وإذا رأيت الرجل القضيف اليابس أبرص الجلد فاعلم أن المرة هي التي اعتصرت بدنه حتى قذفت بالبلغم ومجته في ظاهر جسده فلما لم يقو ذلك المكان على إنفاذه وهضمه تحير هناك فأفسد ما هناك.
وربما كان من حرق النار وربما كان من الكي إما من كي البلاء وإما من التعالج.
وليس يعتري السودان من كي البلاء كالذي يعتري الشقران والحمران وكذلك الوسم فإذا خاف النخاس أن يكون ذلك البياض برصاً قرص ذلك المكان فإن احمر فهناك دم وإن لم يحمر عزم على أن به عيباً وفحشة.
ويعترى غراميل الخيل وخصاها وجحافلها وتكون العظاء والحيات والوزغ برصاً بكل ذلك جاء الشعر وكل ذلك قالت العرب وفي الحديث المرفوع أن الوزغة لما نفخت على نار إبراهيم صمت وبرصت فمن ذلك قيل: سام أبرص فهذا الحديث شهد لأولئك الشعراء بالصدق.
ولولا الأخبار والأشعار والآثار وكان كل بياض يكون في أصل التركيب في نفس الخلقة لا يسمى برصاً ولا يسمى البرص لولا العارض الحادث.
وقال صاحب المنطق: لا يقال لباطن جلد الكف أقرع ولا للطفل آدر لأن ذلك لم يكن يذهب.
وحشفة المختون ربما برصت من حز الموسى وليس ذلك مما يزداد ويتفشى.
ويعتري مواضع المحاجم ويصيب أشياء من النبات كنحو البطيخ وغير ذلك وقد رأيت من نزفه الدم من جراح فبرص.
وربما جرى من ذلك على عرق وهو عندهم مما يعتري الأولاد ويعدي إلى الصحيح.
واللطع: ضرب من البرص وهو يصيب بواطن شفاه الخصيان من الحبشان وربما كان الحبشي منهم ضخماً أهدل أدلم ألطع فيكون هولاً من الأهوال.
وشعر الرأس واللحية يبيض عن الهول الشديد ويبيض الشعر الحدث إذا كانت المرة تقذف بالبلغم إلى ما هناك ويبيض على الأعراق المتقدمة.
ويبيض الشعر من جبهة المرأة إذا طال نتفه والغالية تشيب الشعر وغسل الرأس بالسدر يرقه.
وقد ينتتف أصحاب الخيل جبهة الفرس البهيم مراراً بمقدار القرحة فيبيض شعر ذلك المكان ويصير ذا قرحة وذلك إذا كرهوا أن يكون بهيماً واسم هذه القرحة المعمولة فيها: الغريب.
وتصيب الدابة الدبرة فيبيض شعر ذلك المكان وذلك هو التوقيع والجلد نفسه هو الموقع.
وقال محرز بن المكعبر الضبي: فما منكم أفناء بكر بن وائل لغارتنا إلا ذلول موقع وجلد الحافر كله وجلد الظلف كله إذا كان أسود كان أسود الشعر وإذا كان أبيض كان أبيض الشعر.
والخيول تتحول في ألوانها فيصير الأشهب الأبيض أرقط مدنراً ويسقى الفرس الحليب المحض فإذا طال ذلك عليه صار لونه أشنع وقال الشاعر: وداويتها حتى مشت حبشية كأن عليها سندساً وسدوسا والناقة إذا كانت حمراء ثم صارت عشراء صارت خلساء بعد أن كانت حمراء ولذلك قال الشاعر: حمراء لا خلسية الإتمام وقد تحمر أوبار الإبل جداً على بعض المراعي وقال الفزاري في صفة إبله: كأنما علت بحناء ودم من حرض القيعان والهرم الخضم وتبيض الإبل ورؤوسها ووجوهها من أكل الحمض قال عمر بن لجأ: شابت ولما تدن من ذكائها وقال الآخر: أكلن حمضاً فالوجوه شيب شربن حتى نزح القليب والمرأة الجميلة الرقيقة اللون إذا كان العشي ضرب لونها إلى الصفرة وبالغداة يضرب لونها إلى البياض قال الأعشى: بيضاء ضحوتها وصف - راء العشية كالعرارة وقال الآخر: قد علمت بيضاء صفراء الأصل وأحسن ما تكون المرأة وأرق ما تكون لوناً وأعتق وجهاً وأدق محاسناً في نفاسها وغب ليلة عرسها وأطيب ما تكون خلوة إذا رقصت في مناحة أو تعبت من طواسين وأنشد ابن الأعرابي لرجل قال لامرأته: أغبتني غب البناء ونافساً وغب الكلال كل ذلك معجب وقال بشار: كأن الذي يأتيك من راحتيهما هدي غداة العرس أو نفساء والهدي: العروس وقال المتلمس أو غيره: وطريفة بن العبد كان هديهم ضربوا صميم قذاله بمهند وأنا أعلم أن عامة من يقرأ كتابي هذا وسائر كتبي لا يعرف معاني هذه الأشعار ولا يفسر هذا الغريب ولكني إن تكلفت ذلك ضعف مقدار كل كتاب منه وإذا طال جداً ثقل فقد صرت كأني إنما أكتبها للعلماء والله المعين.
وجلد الشيخ يسود ويبيض ويقول المتطببون وناس من المتفلسفين: الصقلبي من لم تنضجه الأرحام فهو فطير.
وأرحام الزنجيات جاوزت الإنضاج وأحرقت الأولاد واحتج بعضهم بقول عبيد الله بن زياد بن ظبيان لعبد الملك بن مروان: أنا والله أشبه بأبي من التمرة بالتمرة والجمرة بالجمرة والذباب بالذباب والغراب بالغراب ولكن إن شئت خبرتك بالذي لا يشبه أباه قال: ومن ذلك قال: الذي لم تنضجه الأرحام ولو يولد لتمام ولم يشبه الأخوال والأعمام.
وعبيد الله بن زياد لم يرد معنى هذا المتطبب إنما ذهب إلى أن عبد الملك كان ولد لسبعة أشهر وكذلك عامر الشعبي وكذلك جرير بن الخطفى وكذلك قال الفرزدق: وأنت ابن صغرى لم تتم شهورها ولم يرد اللون إنما أراد تمام البدن في الطول والعرض لأن لون من ولد لسبعة أشهر ليس بالفاسد.
وقد زعموا أن البقير من الناس والخيل يخرج متغير الجلد وأن ذلك يكون ملازماً وحكوا ذلك عن لون خارجة بن سنان وعن جلد الفرس الذي قال فيه ابن أقيصر ما قال وعن بعض أولاد نساء بني تغلب ليلة نفر الجحاف بن حكيم ولست أعرف تأويل قول عبيد الله بن زياد لأن عبد الملك كان موصوفاً بحسن اللون ولما قال عبد الله بن قيس الرقيات في عبد الملك: يعتدل التاج فوق مفرقه على جبين كأنه الذهب قالوا: نشهد أنه قد كان رآه وإن كان إنما أراد أنه لم يكن بتام اللحم والعظم فما سمعنا أحداً عاب عبد الملك بقصر ولا نحافة وإنما كان أراد ولد لسبعة أشهر فإن الذين يولدون لسبعة أشهر ليس القصر والنحافة فيهم بأفشى وأشد استفاضة منه في غيرهم.
وقال عبد الملك للشعبي: مالي أراك ضئيلاً قال: يا أمير المؤمنين! زوحمت في الرحم.
يقول: إني ولدت توأم أخي ولم يقل لأني ولدت لسبعة أشهر وقال معاوية بن سنان الكلبي وكان أخا سنان بن أبي حارثة لأمه: سناناً دعوت وأشياعه وعوفاً دعوت أبا قهطم فقام فتى وشوشي الذرا - ع لم يتلبث ولم يهمم تمطن به أمه في النفا - س ليس بيتن ولا توأم فكره أن يكون توأماً لأن التوأم يكون ضئيلاً وقد رأيت أنا غير الذي يقولون ولعل بعض من رأيت وأكثر كانوا أغلظ عظماً وأوثج وثاجة ممن ولد لتمام رأيت الحكم ومروان ابني بشر بن أبي عمرو بن العلاء وكان كل واحد منهما كالبغل المزنوق ورأيت الأخوين اللذين كانا يلقبان بمنكر ونكير كل واحد منهما كالجمل المحجوم ورأيت الأخوين المازنيين وكان أحدهما إذا حم حم الآخر وإذا رمد رمد الآخر فلما مات أحدهما أوصى الآخر ومات بعده بقليل وكان كل واحد منهما كأنه الرمح الرديني ولم أر فيهم نحيفاً إلا عبدان تلميذ يحيى بن ماسويه.
حدثني الحسن بن إبراهيم العلوي أن الحسن بن علي بن أبي طالب ولد لسبعة أشهر فمن كان أبرع عقلاً وأتم قواماً منه وليس بمستنكر أن ترى الواحد منهم بعد الواحد نحيفاً.
قالوا: وإنما صارت ألوان سكان إقليم بابل السمرة وهي أعدل الألوان لأنهم لم يولدوا في جبال ولا على سواحل بحار فخرجت عقولهم الباطنة من الاعتدال والاستواء على حسب ألوانهم وشمائلهم الظاهرة.
قالوا: ويولد بالمغرب.
والأقشر ولا يعدونهما في البرصان.
وإن كان بياضهما خارجاً من المقدار ولو أن بعض جلد المغرب صار لبعض السودان والأدمان لعدوهما لا محالة في البرصان.
ويسود من الزنجي كل شيء إلا أسنانه وبياض مقلتيه وعلى أن لون راحته وظفره لون بين وسأل بعض المعترضين: كيف اعترى أهل البادية البرص مع كثرة التعسر وقلة الغذاء والجفاف.
قالوا: وجدنا ذلك في عدد كثير من أهل الشرف والنباهة وقد علمنا أنه في أهل الخمول على أضعاف ذلك إذا كان الخامل ليس فيه معنى يذكر من أجله بسلامة ولا آفة.
قالوا: فإن قالوا لمكان اللبن وكل ما يجنى من اللبن قيل له: فإن الزط في الآجام يداومون بين السمك واللبن وهم مغتمسون في جميع أصناف الرطوبات وأهل البدو في بلاد الجفاء والجفاف يداومون بين اللبن والتمر.
وليس في الزط من البرص ما ينكر إلا أن تكون الحرارة هي التي تقذف بالبلغم من أجواف أهل البدو إلى ظاهر جلودهم وليس هو عندي كذا كما قالوا ولكن العرب تتهاجى بالأشعار التي تشهر كل خير وشر وتتعايب بالألفاظ المتعسفة المستحسنة التي تستدعي الرواية والحكاية والرواة لا تعنى بلسان الزط وسكان الآجام لهوانهم عليهم ولأنهم لم يتعايبوا بينهم بالكلام الذي يحفظ الرواة مثله ولو جمعتهم أيضاً كلهم لم يكونوا كقبيلة من قبائل بني سعد.
وهذا المقدار من عدد البرصان إنما وجدتموه في جميع جزيرة العرب منذ كانت العرب إلى يومنا هذا فهذا المقدار قليل ولو قصدتم إلى أمة من الأمم يكون عدد جماعتهم على الشطر ولولا طعن الحاسد لهم والباغي عليهم لكنت عسى ألا أتحمل لك نسخ هذا الكتاب مع ثقله علي وبالله التوفيق.
قالوا: والإنسان يعتريه البرش من شرب اللبن وأكل التمر وقد هجا بذلك الفرزدق بني سعد لقربهم من التمر فقال: ولست بسعدي على فيه حبرة ولست بعبدي حقيبته التمر ولكنني من دار وهب بن مالك وليس بحمد الله والدي الفزر والفزر هو سعد نفسه.
وأما البرش الذي يعتري الأظفار فإن ذلك شيء يعتري الأظفار في حداثة السن والسواد يعتري الناس كثيراً في مواضع من جلودهم يعتري الحصا والمذاكير وربما اعترى جلود الآباط وجلد العجان وإذا كبر الشيخ جداً وصلع وطال عمره عاد لرأسه شعر أسود كالقنازع وقال الشاعر وهذا الشعر مبهم: لنصر بن دهمان الهنيدة عاشها وعشرون حولاً ثم قوم فانصاتا وعاد له شرخ الشباب الذي مضى وراجع حلماً بعدما كان قد فاتا وعاد سواد الرأس بعد ابيضاضه ولكنه من بعد ذا كله ماتا ولم أرد هذا الشعر لرداءة طبع صاحبه ولكن لجهله شأن الشيوخ الهرمين والشاعر الجاهل الذي أضيف هذا الشعر إليه لا يجهل أمر الشيوخ في ذلك وإنما فسد لقوله: وعاد له شرخ الذباب الذي مضى وراجع حلماً بعد ما كان قد فاتا وهذا باطل البتة.
ومن البهق الأسود والأبيض وإنما ذلك على قدر النقص فإن كان من المرة السوداء كان أسود وإن كان من البلغم كان أبيض وإذا ابيض لم يؤمن.
وتزعم العرب وناس من جمال أصحاب الأخبار أن ناساً من العرب ومن قريش خاصة أصابهم الماء الأصفر والبرص جميعاً وأن بعضهم اكتوى فبرأ منهما جميعاً وبعضهم وجأ بطنه بحديدة فبرأ منهما جميعاً وبعضهم اكتوى فمات.
فمن الذين ماتوا مسافر بن أبي عمرو بن أمية وأما الذي وجأ بطنه فبرأ منهما جميعاً أبو عزة الجمحي.
قال ابن الكلبي: سمعت أبي وأبا مسكين قالا: كان عمرو بن عبد الله بن وهيب بن حذافة بن جمح وهو أبو عزة الشاعر أصابه برص فسقي بطنه فأخرجته قريش من مكة مخافة العدوى وهم يخافون عدوى الجذام والبرص والجرب والصفر والعدسة والجدري قالا: وكان إذا جن عليه الليل أوى إلى شعاب في تلك الجبال فإذا حميت عليه الشمس استدرى بظلال الأشجار فلما طال عليه البلاء أخذ مدية فوجأ بها جنبه ليموت فيستريح فسال ذلك الماء وذهب ما كان به من برص فأقام أياماً ثم دخل إلى قريش كما كان يدخل فقال: لاهم رب وائل ونهد واليعملات والخيول الجرد ورب من يسعى بأرض نجد أصبحت عبداً لك وابن عبد أبرأت منى وضحاً بجلدي من بعدما طعنت في معدي وقالوا: ممن كشح بالنار مسافر بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس كان وفد على النعمان فسقي بطنه هناك وأصابه وضح فقيل للنعمان: ليس له دواء إلى الكي وخبروه بشأن أبي عزة فكواه فمات وهو الذي قال عند الكي: قد يضرط العير والمكواة في النار فأرسلها مثلاً فرثاه أبو طالب في كلمة له طويلة: ليت شعري مسافر بن أبي عمرو وليت يقولها المحزون رجع الوفد سالمين جميعاً وخليل في مرمس مدفون بورك الميت الكريم كما بورك نضح الرمان والزيتون ومكشوح لدى النعمان أمسى هبالة بيته بيت الحمار يفوق بنفسه ويرى بياضاً بكشحيه كتلماع النهار لأنه مات بموضع يقال له هبالة.
وممن اكتوى فبرص: الكواء واسمه عمرو وهو أبو عبد الله بن الكواء وإخوته النسابون الذي يقال لهم بنو الكواء وفي الكواء وأخيه يقول الشاعر: غرابان هذا أبقع اللون منهما وهذا غراب فاحم اللون مصمت وممن اكتوى فبرص: المكشوح المرادي.
واسمه هبيرة بن عبد يغوث وهو أبو قيس بن المكشوح الفارس الرئيس.
والمكشوح الذي يقول: فما وضحي من داء سوء علمته ولكن كي النار في الجلد موضح وفي بني الكواء يقول الشاعر: إلى معشر بيض الكشوح مصاقع عليهم جلود النمر خنس المعاطس وإنما قال مصاقع لأنهم خطباء وابن الكواء يذكر في الخطباء وفي النسابين وفي العوران: ولذلك لما قال له معاوية: فما تقول في نفسك قال: أعور سمين.
كانوا يميلون إلى قول الخوارج وأما قول الشاعر: عليهم جلود النمر.
فإنما يعني التبقيع والتفليس الذي كان في ومن البرصان عبد العزى بن كعب بن سعد قال أبو نخيلة واحد حمان كقوم حم وإنما سمي حمان لأنه كان ألطع فكان يحمم شفتيه والتحميم: التسويد في هذا الموضع ولذلك قال الشاعر في أبان بن عثمان بن عفان في أول ما ظهر به البياض قال: له شفة قد حمم الدهر بطنها وعين يغم الناظرين احولالها وكان أحول أبرص أعرج وبفالج أبان يضرب أهل المدينة المثل.
وكان في بني عثمان عوارن وعرجان وحولان وبرصان كان سعيد ابن عثمان أعور وكان أبان أحول وقال مالك بن الريب: وما كان في عثمان عيب علمته سوى ابن في نجله ثم أدبرا فلولا بنو حرب لطلت دماؤكم بطون العظايا من كسير وأعورا لأن بطن العظاية أبرص.
وكان أيمن بن خريم لمكان الوضح الذي في يده وأصابعه وشفتيه ووجهه يدلك هذه المواضع بالحص والحض هو الورس ليكون أخفى للبياض فقال الأقيشر يهجوه بذلك: يعالج بالحص البياض فلم يصب دواء وما داواك عيسى بن مريما ومن البرصان السادة والفرسان القادة الربيع بن زياد وهو أحد الكملة وهو كان قائد عبس وعبد الله بن غطفان في حرب داحس وبنو زهير بن جذيمة تحت لوائه وكان رحالاً وكثير الوفادات شاعراً وكان بالمنذر خاصاً وله نديماً وكان الملك لا يشعر بالذي به من الوضح حتى قال لبيد بن ربيعة: مهلاً أبيت اللعن لا تأكل معه إن استه من برص ملمعه وإنه يدخل فيها إصبعه يدخله حتى توارى أشجعه كأنما يطلب شيئاً أطمعه قال: فلما ترك الملك مؤاكلته ومنادمته تجرد ثم عدا بين يديه ذاهباً وجائياً فقال الملك: قد قيل ذلك إن حق وإن كذب فما اعتذارك من شيء إذا قيلا وأنا لا أظن هذا البيت كان قيل إلا قبل ذلك اليوم.
قال: ومن البرصان الأشراف المذكورين ومن آباء القبائل والعمائر يربوع بن حنظلة وإياه عنى أوس بن حجر حين قصد إلى تقريع عامر بن مالك ملاعب الأسنة ببعض الوقائع فقال: كان بنو الأبرص أقرانكم فأدركوا الأحدث والأقدما إذ قال عمرو لبني مالك لا تعجوا المرة أن تحكما والله لولا قرزل إذ نجا لكان مثوى خدك المخرما باتوا يصيب القوم ضيفانهم حتى إذا ما ليلهم أظلما قروهم شهباء ملمومة مثل حريق النار أو أظلما ففات من قد فات من عامر ركضاً وقد أعجل أن يلجما ومن البرصاء الرؤساء والأشراف الشعراء ومن الرحالين إلى الملوك والحكام من العرب: ضمرة بن ضمرة النهشلي وهو الذي لما رآه الملك نحيفاً قال: تسمع بالمعيدي لا أن تراه.
وزعم أبو عبيدة أنه أحد من حكم بالرشوة وهو الذي يقول: بكرت تلومك بعد وهن في الندى مهلاً عليك ملامتي وعتابي أأصرها وبني عمي ساغب فكفاك من إبة علي وعاب وهو الذي يقول: الآن ساغ لي الشراب ولم أكن آتي التجار ولا أشد تكلمي وأبأت يوماً بالنسار بمثله وأخذت يوماً في حديث الموسم ومسست مساً في الرقاق عباءها من بين عارفة السناء وأيم لحق الرماح ببعلها فتركنه في صدر معتدل القناة مقوم أضمرة ترجو الأبلق الاست والقفا وما مثلنا في مثلها لك عاقر أتنسى دفاعي عنك إذ أنت مسلم وقد سال من جمع عليك قراقر قال أبو عبد الرحمن: من البرص الأشراف ومن الرؤساء المتوجين مالك ذو الرقيبة وهو الذي أخذ فداء حاجب بن زرارة وغصب الزهدمين ذاك وكان حاجب أسير الزهدمين من بني عبس وفي مديح مالك يقول المسيب بن علس: ولقد رأيت الفاعلين وفعلهم فلذي الرقيبة مالك فضل كفاه مخلفة ومتلفة وعطاؤه متخرق جزل واحتجوا بشعر عوف بن الخرع في الوضح الذي كان على ظهر كفه حيث يقول: ولقد أراك وما تؤبن هالكاً عدل الأصرة في السداد الأكرم حتى تروحت المخاض عشية فتركت مخلوطاً مخاطك بالدم عبد رضعت بثدي ذات رضاعة مثل الرباءة بظرها لم تكلم تبكي إليك إذا عرفت سوادها كبكا الفقير إلى الغني المنعم ومن البرصان الأشراف المذكورين والفرسان المشهورين شيطان ابن عوف بن مزيد لم يكن يوم مبايض فارس مثله وكان أبرص على فرس كثير الأوضاح فلما رجعت بنو تميم عن تلك الوقعة لامهم وقال: خرجتم برؤساء ثلاثة إلى حيي حريد ثم جئتم منهزمين وقد قتل منكم رئيسان قالوا: والله ما لقينا إلا شياطيناً برصاً على خيل بلق.
ومن البرصان والخطباء ومن الأشراف الرؤساء قيس بن خارجة بن سنان بن أبي حارثة خطيب غطفان وهو الذي لما ضرب بسيفه مؤخرة رحل أبيه خارجة بن سنان والحارث بن عوف الحاملين وقال لهما: ما لي في هذه الحمالة أيها العشمتان قال: فما عندك قال: عندي رضا كل ساخط وقرى كل نازل وخطبة من لدن وتطلع الشمس إلى أن تغرب آمر فيها بالتواصل وأنهى فيها عن التقاطع.
فلما خطب بتلك الخطبة التي سميت العذراء ضربوا بها المثل.
فقال عجلان بن سحبان: ولا كأخي ذهل إذا قام قائلاً ولا الأسلع الحمال حين يجيب فجعل قيساً أيضاً حاملاً وضرب به المثل.
وقولهم: الأسلع والأبرص سواء ولذلك قال جرير في قتل أنس الفوارس عمرو بن عدس وكان من المشهرين بالبرص: هل تذكرون على ثنية أقرن أنس الفوارس حين يهوى الأسلع وكانوا ثلاثة إخوة: الربيع الكامل وعمارة الوهاب وأنس الفوارس بني زياد وهم الكملة من بني عبس وقيل لأمهم: أي بنيك أكمل قالت: أنس لا بل عمارة لا بل الربيع ثكلتهم إن كنت أدري أيهم أكمل وهي التي قالت في بعض الكلمة: ما حملته وضعاً ولا وضعته يتناً ولا سقيته غيلاً ولا أبته على مأقة.
ولما سعموا بأن الأسلع هو الأبرص قالوا في قول مساور بن هند: منا بنو بدر ومنا هاشم والحارثان ومالك والأسلع فمزعموا أن الأسلع القيسي كان أبرص وهذا لا يجب قد يجب أن يكون اسمه الأسلع ويجب أن يكون ذا سلعة ويجب أن يكون أبرص ولا بد من أن يكون على ذلك دليل إما شعر وإما حديث وإما أن يقول ذلك العلماء فإن جاءوا مع ذلك بشاهد فهذا أصح للخبر وإن لم يأتوا بشاهد فليس قولهم حجة.
وأما قول عجان: ولا كأخي ذهل.
فإنما عنى دغفل بن حنظلة الخطيب العلامة غرق دغفل يوم دولاب حين عبر الناس في دجيل مع حارثة بن بدر الغداني أيام الأزارقة.
قال ابن الكلبي: من البرصان الأشراف سعد الأثرم بن حارثة بن لأم أخو أوس بن حارثة بن لأم وكان شريفاً نبيهاً ولكن إفراط نبأ أخيه هذا غيره.
قال: ومن البرصان الأشراف المرقع بن صيفي بن رباح وأنشدوا قول الشاعر: الوضح وضح الصبح يقال: أبين من وضح الصبح والوضح من الدرهم والوضح اللبن قالوا: جيد الوضح والوضح كناية عن البياض والبياض كناية عن البرص وأوضاح الخيل ما فيها من البياض وحلي الفضة تسمى أوضاح قال كميت: ولاح من الكعاب مخبآت من الأوضاح والقدم الخضيب ومن البرصان الأشراف: عامر بن حوط الأبرش قيل له ذلك كما قيل لجذيمة: الأبرش بعد أن كان يقال له الأبرص إكباراً له وكناية عما يكره وهو أخو عبد مناة بن بكر بن ضبة وهو القائل: ولقد علمت لتأتين عشية ما بعدها خوف علي ولا عدم وولجت بيت الحق ليس بباطل ما إن أبالي من تقوض وانهدم وليس في هذين البيتين دليل على أنه كان أبرص إلا أن رواة أشعار بني ضبة زعموا ذلك.
وأنشدني جعفر الضبي بيتاً كان يجعله دليلاً على برصه وهو بيت لا يقطع الشهادة ولكنه يقرب إلى ما قالوا وهو قوله: لو كان ينجو من الآفات ذو كرم كان ابن حوط مكان الشمس والقمر ومن البرصان السادة والأشراف الخطباء والفرسان المذكورين والخوارج المقدمين ابن الفجاءة وكذلك كان ابنه وكذلك كان أخوال أبيه لا يعرف في البرص أعرق من ابن قطري المذكور في قال أبو عبيدةوأبو الحسن: خرج جرموز المازني إلى قطري بن الفجاءة وهو بين الصفين فقال: بلغني أنك تشتري السيف بعشرين ألف درهم وأكثر قال: " نعم " قال: أفلا أبعث إليك ببني تجبرهم وتغنيهم قال قطري: إن بعثت إلي بهم ضربت أعناقهم وبعثت إليك برؤوسهم قال جرموز: يا عجباً! بنوك وعيالك في منزلي بالبصرة أمونهم وأبعث إليك ببني تضرب أعناقهم! قال قطري: إن الذي صنعت بعيالي تراه في ديناك والذي أصنع بعيالك شيء أراه في ديني قال له جرموز: هل أصبت بعدي ولداً قال: نعم قال: فدعا بغلام شاب على برذون فقال جرموز: لعلك أفسدته بشيء من هذه الأعاجم ومن هذه السبايا قال: معاذ الله أمه الوجناء بنت الحبناء ثم قال: يا جرموز! إن به العلامة التي بنا أهل البيت - يعني الوضح - يقول: إن رأيته فاعرفه وهو جرموز بن الفجاءة أخو قطري بن الفجاءة.
قالوا: وكان الأقيشر الأسدي أبرص ولذلك سموه الأقيشير وكان مع ذلك يهجو البرصان بالبرص وقد فعل ذلك بأيمن بن خريم وغيره وكان الأقيشر يلعب بالحمام ويشرف في جوف منزل أبي الصلت الثقفي وكان إذا طير الحمام يصفر بفيه ويصفق بيديه وإن سقط فرخ على حائط جاره رماه فقال أبو الصلت: بطن العظاية كم تمكو على شرف وكم تراجم جار البيت من كثب فالمكو: صفير أو شبيه بالصفير وكان من عمل أهل الجاهلية قال الله عز وجل : " وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية " وقد ذكر غيره المكو حيث يقول: تمكو فريصته بشدق الأعلم والمكو: شيء بين النفخ والصفير لأنه لما طعنه نفخ بالدم فخرج منه الدم مكانه.
قال: وكان بالحكم بن أبي العاص بياض ولذلك حين اطلع في منزل النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من يعذرني من الوزغة ".
وقال حسان أو عبد الرحمن بن حسان أو سعيد بن عبد الرحمن بن حسان للحكم وأولاده وبني عثمان: بطون العظايا سرع ما قد نسيتم بموسم أهل الجمع لطمة أسعد وللنصف الثاني من هذا البيت تفسير يدخل في المثالب سمعت الأصمعي وسأله رجل عن بعض المثالب " يقول ": إني والله ما أقول إني لا أحسنها ولكن أدعها تحرجاً ولكن - والله - إن علمنيها الله قط.
قال أبو الحسن وأبو عبيدة: قال الزبير لعثمان بن عفان في شأن ابنه عبد الله: إني والله ما ألد العوران والعرجان والبرصان ولا الحولان.
قال: ومن البرصان أبو هوذة بن شماس الباهلي أحد بني قتيبة قال أبو الحسن قال معاوية يوماً: والله لهممت أن أملأ سفينة من باهلة فأبعث بها إلى اليم فإذا توسطوا غرقتهم قال: فقال له أبو هوذة بن شماس: إذاً ما رضينا بعددهم من بني أمية قال: اسكت أيها الغراب الأبقع فقال هوذة: إن الغراب ربما مشى إلى الرخمة حتى ينقر عينها.
فلما كان بعد ذلك قال له ابنه يزيد: هلا قتلته.
ثم إن معاوية أرسله في بعض البعوث فقتل فقال معاوية ليزيد: هذا أخفى وأعفى قال أصم باهلة في شماس بن هوذة بن شماس: أشماس لو كانت صحاحاً جلودكم عذرت ولكن الشآمى أرقط فبهذا البيت حمل بعض الناس كل من قيل في الشعر إنه أرقط أنه أبرص وليس ذلك بالواجب يقولون حميد الأرقط وهو حميد بن مالك الراجز ولم يزعم أحد أنه كان أبرص وخلاد بن يزيد الأبرص ولم يكن بأبرص وأم جميل الرقطاء صاحبة المغيرة بن شبعة ولم يزعم أحد أنها كانت برصاء وعبيد الله بن زياد كان أرقط وقد جاء ذكره في الشعر.
والرقط في البراذين والدجاج والحيات والسمك ويوصف به قميص الحمار قال الشاعر: كأن دجاجهم في الدار رقطاً وفود الروم ترفل في الحرير وقال حسان بن ثابت إن كان قاله: إذا ذكرت قهقاء حنوا لذكرها وللرمث المقرون والسمك الرقط وهذا الشعر كفر لأن خديجة الواسطة من آل خويلد والزبير بن العوام كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الزبير ابن عمتي وحواريي من أمتي ".
وحسان لم يكن كافراً.
وفي الحيات الرقط وغير الرقط فأما الوزغ والعظاء فإن الرقط فيها عام وأما سربال الحمار فكما قال معاوية بن أوس: وزق سبأت لدى تاجر تملأ كالرجل الأسحم ضربت بفيه على نحره وقائمه كيد الأجذم يرى العار في جلده واضحاً وسرباله رقط الأرقم فليس يجب لقولهم: فلان الأرقط أن يكون أبرص إلا أن يكون عليه شاهد من شعر أو مثل أو حديث أو يقول ذلك بعض الثقات من العلماء فيكون مقبولاً.
وربما سموا الأبقع ثم يصغرون ذلك فيقولون: بقيع من ذلك حديث يزيد بن عياض بن جعدبة الليثي قال: أراد عبد الله بن جعفر أن يفد إلى عبد الملك وعلى المدينة أبان بن عثمان فأرسل إليه بديحاً ليستأذنه فقال أبان: فليبعث إلي بجاريته فلانة فرجع إليه فأخبره فقال: أما الجارية فلا ولا كرامة وقال له: ارجع إلى بقيع فقل له: أما الجارية فلا فقال أبان: فليبعث إلي ومن البرصان الأشراف من الملوك جذيمة بن مالك صاحب الزباء وقصير وكان يقال له جذيمة الأبرص فلما ملك قالوا على وجه الكناية: جذيمة الأبرش فلما عظم شأنه قالوا: جذيمة الوضاح ولم يقولوا: جذيمة الأوضح لأنهم يضعون هذا الاسم في موضع الكناية عن الأبرص وذلك كثير وليس في الأرض أبرص يقال له الوضاح غير جذيمة ومن يقال له الأوضح كثير والكناية إذا طال استعمالهم لها صارت كالأوضاح.
فمن ذلك أنهم كنوا عن الفرج فقالوا: كشف علينا متاعه فصار المتاع والفرج سواء والفرج والقبل والدبر كله أيضاً كنايات وكذلك الخلاء والحش والغائط كلها كنايات وكذلك التراب والزبل والنجو كنايات والاسم الخرء وجمعه خرءان.
وقالوا في الكناية: فلان يدعو إلى نفسه فلما طال ذلك وكثر قام في القبح مقام الأول.
وقالوا في الكناية عن قولهم زنت فلانة: قحبت والقحاب -: السعال وقال الشاعر في شاة له: وإذا ما قحبت واحدة جاوب المبعد منها فخضف فكأنهم كانوا في التقدير يضعون سعلت مكان زنت فلما طال ذلك صار قولهم قحبت أقبح من قولهم زنت.
وربما قيل للأبرص: أبرش وأقشر وأرقط وأبقع ومبقع وبقيع ومولع ومرقع وبكل ذلك جاء الشعر قال السيد الحميري وكان إذا قضى وطره من الكلام لم يكن يحفل بما وراء ذلك والسيد حميري وهو السيد بن محمد ويكنى أبا هاشم ومولده بعمان ومنشأه بالبصرة ومات في خلافة الرشيد - قال في هجائه أبا بكر وعمر وعبد الله بن عمر ولغيرهم من الصحابة: فبعداً وسحقاً لتلك الوجوه - ه للخبت والعدل والأبرش .
صاحبه الظالمين وعجلهما ذلك الأرقش فيا نفس حتى مت تليطي - ن على الخائن الأول المرتشي ثم قال: فهذا ولا قول نعمانهم ولا قول سفيان والأعمش أما العلماء فلم يقل أحد منهم إن أبا بكر كان أبرش وكذلك عمر ولا قال أحد منهم: إن عبد الله بن عمر كان أرقش وهو الذي سماه العجل وكان شديد الأدمة أتاه ذلك من قبل أخواله آل مظعون ومن العجب خبر ضبر الأعمش مع أبي حنيفة وسفيان وهذان من المرجئة والأعمش من الغالية.
وقال ابن عنقاء الفزاري في المرقع بن ذي الرأسين وهو أبو شوال بن المرقع: فقلت لشوال توق ذبابه ولا تحم أنفاً أن يخيم مرقع فأرغم الله أنفاً أنت حامله وزاد جلدك في تسفيعه بقعا جلد تسربل ثوب الذل ظاهره واستبطن اللؤم حتى ضاق فانصدعا قالوا: ومن البرصان ثم من بني ضبة عامر الأبرش وأجمعوا على أنه كان أبرص وأن الأبرش كان كناية.
وممن سمي الأبرش ولم يكن أبرص الأبرش الكلبي وهو سعيد ابن الوليد وكنيته أبو مجاشع وكان أخص الناس بهشام وأغلبهم عليه وقد كان به برش وكانت فيه عفة ولم يقل أحد من أجل أنه كان يدعى الأبرش أنه كان أبرص.
ومنهم البرشاء أم قيس بن ثعلبة وأخته تسمى الجذماء فزعم بعض الناس أنها كانت برصاء ولم يأت على ذلك دليل.
وذكر سحيم بن حفص: أن الجذماء كانت ضرة البرشاء وأنها رمت البرشاء بجمر كان في يدها فبرش جلدها من النار وقال بعضهم: بل إنما قيل ذلك لها من مخافة العين عليها كما يسمون الرجل الجميل: شيطان والغراب النافذ البصر: الأعور والأرض السباريت: المفازة والنهيش: السليم والفرس العتيق إذا كان أنثى: شوهاء وكذلك سموا بنت ضبة: العوراء وكانت عند تميم.
وكذلك العوراء بنت أبي جهل وكذلك الجرباء بنت عقيل وكذلك بني العوجاء في همدان وعلى ذلك سموا بناتهم بكلفاء وسوداء ودلماء وخشناء وخنساء.
وزعم أبو عثمان البقطري: أن أم سراقة بن مالك بن جشم المدلجي كانت برصاء وأنشد قول أمية بن الأسكر: قد جرت البرشاء أو سراقة رمته بها البغضاء بين الحواجب وقد نيل شطر الليل حتى تغضنت مشافره كالقنفذ المتحارب إذا غمزته الكف قال لآله واحسنه لو أنه غير شائب فهو لعمري شعر أمية بن الأسكر وليس في ذكر البرش دليل على البرص والذي هجا به أمية بن الأسكر نفسه في هذا الشعر السخيف السفيه أسمج وأشنع مما هجا به سراقة وهذا المثل يرغب بمثله عنه.
وسمعت شيخاً من مزينة يقول: لولا الذي كان من زهير من الفحش في هجاء بني أسد لما كان في الأرض أتم من مروءة شعره ولا أقصد ولا أقل تزيداً من زهير لأنه وصف الملوك والسوقة والفرسان والسادة بالذي يكون فيهم.
ويقول أهل العلم: ثلاثة رجال سادوا في الجاهلية والإسلام أحدهم سراقة بن مالك بن جشم وقالوا في المولع قال أبو عبيدة: كان ثمامة بن عبد الله بن أنس أسلع بن أسلع بن أسلع ولذلك قال خليفة الأقطع أبو خلف بن خليفة الشاعر: وكنا قبل مستقضى بلال من السنخ المولع في عناء تقيل سنخه وأبا أبيه كما قد الحذاء على الحذاء ويقال: إن ولد أنس بن مالك لا ينفكون في كل زمان أن يكون فيهم رؤساء إما في الفقه وإما في الزهد وإما في الخطابة ولم يكن بالبصرة أنظر من أبي ثمامة ومن موسى بن حمزة.
وولد لأنس عشرون ومائة من صلبه وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا له بكثرة الولد والسعة في الرزق ويستدل على مصداق ذلك بكثرة قطائعه قالوا: ولم يكن يعتريهم عطاس مذ صار فيهم قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم وزعم أصحاب المسند: أنه ليس في جميع المسند أكثر منها فوائد من مسنداته.
وإمامة مسجد الجامع بالبصرة مقصور " ة " على الأنصار لما فيهم من الصلاح والحال الجميلة.
وليس لأحد من أهل البصرة من الموالي مثل ما لهم فمن مواليهم الحسن وابن سيرين ولم يتلطخوا بشيء من الفتن في طول ما حاربت الأزد بالبصرة لتميم هذا وهم فرسان الأزد.
وزعموا أن بني نمير برصاء واستشهدوا قول كعب بن سعد الغنوي: ولا البرص الفقاح بني نمير ولا العجلان رائدة الظليم أولئك معشر كبنات نعش رواكد لا تسير مع النجوم قال: وهذا هو معنى قول جرير: ولو وضعت فقاح بني نمير على خبث الحديد إذاً لذابا قالوا: ومن البرصان الأبرص الكلبي قال المختار بن أبي عبيد حين أيقن بالقتل: إن يقتلوني يجدوني جزرا محمداً قتلته وعمرا والأبرص الكلبي لما أدبرا قال: ومن البرصان شمر بن ذي الجوشن الضبابي قال الحسين بن علي بن أبي طالب رحمه الله عليه - قبل أن يقتله بليلة -: إني رأيت في المنام كأن كلباً أبقع يلغ في دمائنا فعبرته هذا الأبرص الضبابي يعني شمر بن ذي الجوشن كان الرئيس في قتل الحسين بن علي والملك يزيد بن معاوية وكان أمير العراق الذي جهز الجيش وعقد اللواء عبيد الله بن زياد وكان صاحب الجيش وأمير الجماعة عمر بن سعد وكان قائده الأكبر شمر بن ذي الجوشن وكان الذي تولى قتله يزيد بن خولى والذي حفظ ظهر يزيد حتى نزل إليه وحز رأسه سنان بن أنس.
وسألت مشيخة بني ضبير عن برص البهلول بن سليمان بن عبيد بن علاق بن شماس الصبيري وكان البهلول فتى بني يربوع وشيخها فقالوا: إن أم عيسى - يعنون أم ولد سليمان بن عبيد - كانت برصاء لم تلد قط إلا أبرص أو برصاء إلا أنه في بعضهم أخفى وفي بعضهم أظهر.
ومن البرصان بنو عبد الأعلى الشيباني الشعراء الخطباء: عبد الله وعبد الصمد وأخوهما وكان هشام بن عبد الملك بعث بهم إلى يوسف بن عمر وكانوا أصحاب الوليد بن يزيد وخاصته والوليد يومئذ القائم بعد هشام فدفعهم يوسف بن عمر إلى محمد بن بانة فطين عليهم إلا بمقدار ما يدخل عليهم منه الطعام فأطعمهم ولم يسقهم فلما أجهدهم العطش صاحوا: يا سمي رسول الله! إنا مسلمون.
ألا ترى أن اسم أبينا عبد الأعلى وأسماؤنا عبد الله وعبد الصمد فلم يمسوا حتى اسودوا ثم اسودوا ثم برصوا ثم تسلخوا.
وإنما قالوا ذلك لأن هشاماً بعث بهم إلى يوسف على أنهم زنادقة وأراد بذلك التشنيع على الوليد.
وهجا بعض أولادهم شاعر فقال: وجدك أبيض القرنين داج أسير الذل والعطش والطويل وعبد الله بن عبد الأعلى هو الذي يقول: من هنا من صديق فليعد ليعدني إنني اليوم كمد من هموم تركتني قلقاً قلق المحور بالقت المسد بينما المرء شهاب ثاقب ضرب الدهر سناه فخمد أو لبيب استوت حنكته موفي المرة مأمون العقد غاله الدهر وغطى حزمه وانتضاه من عديد وولد وهو الذي يقول: يا ويح هذي الأرض ما تصنع لكل حي فوقها مصرع نذرعهم حتى إذا ما أنوا عادت لهم تحصد ما تزرع ويزعم كثير من الرواة أن القصيدة التي تضاف إلى لقيط الإيادي إنما هي لعبد الله.
ومن البرصان سعد المطر وهو الذي يقول: ليتني كنت مغربا منتن الريح أجربا أو غراباً مطرداً يرقب الذيب أحنبا ذهب إلى قول رؤبة: تشقى بي الغيران حتى أحسبا سيداً مغيراً ولياحاً مغربا يقول: ليتني كنت شيئاً يهرب الناس منه أو غراباً يرقب ذئباً على جيفة فإذا تنحى الذئب أكل الغراب وإنما قيل له سعد المطر لأنه كان يقول في شعره: إن المواعيد والأعياد قد منيا منه بأنكر ما يمنى به بشر أما الثياب فلا يغررك إن غسلت صحو قديم ولا شمس ولا قمر وفي الشخوص له نوء وبارقة فإن بليت فذاك الفالج الذكر ومن البرصان والعميان الشعراء علي بن جبلة وكان يكنى أبا الحسن وكان مع عمائه وشنعة برصه يتعشق جارية ويتعشقها شاعرة ظريفة أديبة وكان أنشد حميد بن عبد الحميد شعراً فوهب له مائتي دينار فانصرف من دار حميد إلى منزل المعشوقة فصب الدنانير في حجرها ثم مضى إلى منزله وليس فيه درهم ولا شيء قيمته درهم وكان أحسن خلق الله إنشاداً ما رأيت مثله بدوياً ولا حضرياً وهو القائل: ودم أهرقت من رشأ لم يرد عقلاً على هدره إنما الدنيا أبو دلف بين مغزاه ومحتضره فإذا ولى أبو دلف ولت الدنيا على أثره وهو الذي قال في حميد: دجلة تسقى وأبو غانم يطعم من يسقي من الناس ومن البرصان ثم من بني قشير بن كعب عبد الأبرص بن هبيرة بن زفر بن عبد الله بن الأعور ومن البرصان عمرو بن بانة وهو عمرو بن محمد بن سليمان بن راشد وكان ذا قدر وولى ولايات جسيمة ويقولون: مولى أمير المؤمنين وثقيف تدعيه وأمه بانة بنت روح كاتب سلمة وكنيته أبو الفضل وهو شريف الأبوين وإنما أضيف إلى أمه كما قيل محمد بن حفص بن عائشة وكما قيل حفص بن بانة وعلى ذلك المعنى أضافوا بني سلول إلى أمهاتهم وباهلة إلى أمهم وكذلك مزينة وكذلك يصنعون إذا كانت للأم نباهة.
وعمرو أروى الناس للغناء وأعلمهم به وأجودهم له صنعة وله سخاء على الطعام ومروءة في نفسه وهجاه بعض البغداديين فقال: أقول وقد مر عمرو بنا فسمل تسليمة جافيه لئن تاه عمرو بحسن الغنا لقد فضل الله بالعافيه بئس ما قال لأنه ذهب مذهب التعيير فعيره بشيء لا يدري لعله ينزل به.
ومن البرصان أبو عبد العزيز الأسلع وكان صاحب أخبار وقد روى لنا الهيثم عنه.
أبو الحسن عن عوانة قال: قدم على سليمان بن عبد الملك وفد من المدينة وحضر طعامة فدعاهم إليه فدنوا فقال رجل منهم - وجاءت ثردة -: ما هذا الرمكا يا أمير المؤمنين فقال له سليمان: ما هذا الأنس قبل الخلطة! ثم حسر الرجل عن ذراعه وعن يده فإذا في ذراعه وضح فقال: وهذا أيضاً قال: فلما أمر لهم بجوائزهم قال: زيدوا الرجل مائة دينار لما كلمناه به.
قال أبو الحسن: وكان أيمن بن خريم أبرص وكان خاصاً ببشر بن مروان ثم غضب عليه ومضى إلى عبد العزيز وهو على مصر فوهب له قيمة ألف ألف درهم ثم جرى بينه بعد ذلك وبين بشر كلام فقال أيمن: لا والله ولكنك ملول مستطرف فقال له بشر: أنا ملول مستطرف وأنا أؤاكلك منذ كذا وكذا.
ومن البرصان بشر بن المعتمر وهو معلم أبي موسى المدرار وبشر القلانسي وأبي عمران الرقاشي وروح العبدي وأبي عبيد الله الأفوه وهاشم بن ناصح وكان متكلماً رصيناً شاعراً مفلقاً ورواية ناسباً ولم يقو أحد من المخمس والمزدوج على مثل ما قوي عليه بشر حتى كان في ذلك أكثر من أبان بن عبد الحميد اللاحقي لأن أباناً إنما نقل كتاب كليلة ودمنة وبعض كتاب المنطق مخمساً ومزدوجاً فقط وبشر أصح في أصناف الكلام ودقاق المعاني بالمخمس فلم يستكره قافية واحدة وهجاه معمر بن عباد مولى بني سليم ورئيس أصحاب المعاني وكان يكنى بأبي عمرو وأبي المعتمر بشعر فضح فيه المتكلمين وهو أول شعر قال وآخره وذلك أنه قال: ومن البرصان أبو حماد المروزي صاحب لواء أبي مسلم صاحب الدعوة.
ومن البرصان مسمع بن مالك بن مسمع ولي شرطة سليمان بن علي قال: وكان فاحش البرص.
ومن البرصان الصفري صاحب السبعين قتله ابن راعول أيام المبيضة ولا أظنه كان متسلحاً وقد رأيته وكان ضخماً أقشر أرقط مغرباً وكان ذلك لونه ولا يقال لمن كان لون جسده كله لون البرص أبرص إذا كان ذلك اللون ليس بحادث.
قالوا: ومن البرصان ثم من الرواة والنسابين وأصحاب الأخبار الحكماء ومن الصحابة عبد الله بن عياش الهمداني المنتوف وكنيته أبو الجراح وهو الذي لا نعلم أحداً أكثر عنه إلا الهيثم بن عدي.
قال أبو عبيدة والهيثم: عبث شبة بن عقال بعبد الله بن عياش على باب الخليفة وكان على كف عبد الله وضح فقال: ما هذا على ظهر كفك يا ابن عياش قال: سلح النعامة قال: وكان شبة يلقب بسلح النعامة وأنشدوا: فضح المنابر يوم يخطب قائماً سلح النعامة شبة بن عقال وليس هكذا روى الناس الشعر بل إنما قال الشاعر: لأنه كان مفرط الطول وإنما ذلك على معنى قول الشاعر: لعمري لئن طال الفضيل بن ديسم مع الظل ما إن رأيه بطويل وقال جرير: إذ ظل يحسب كل شخص فارساً ويرى نعامة ظله فيحول وأنشد البطين: وطول حديث كطول الشروق تقضى الدهور وما ينقضي لأنهم يزعمون أن ظل الشخص مع طلوع الشمس ليس له غاية ينتهي النظر إليه.
وقال أبو زيد النحوي واسمه سعيد بن أوس من ولد القارئ الأنصاري: يقال: سام أبرص وسامان أبرص وسوام أبرص: وبإسقاط سام من سام أبرص ويقولون: أبرص وأبارص وأنشد: والله لو كنت لهذا خالصاً لكنت عبداً يأكل الأبارصا وقال عبد الله بن عمر بن الخطاب حين هجاهم بعض القرشيين بمحالفة عدي لبني بكير بن عبد ياليل وكانوا أربعة إخوة قد شهدوا بدراً وكانوا برصاً فقال عبد الله: أبالأبارص تهجوهم وتثلبهم وكلهم قرح الوجعاء مثقار وأمكم كل مئنات مجددة وأم غيركم مقاء مذكار قال: وبهق البرص يعرض لخصى الخيل وغراميلها وهذا غير الباب الأول فإذا لم يعرض ذلك لها فإن خصاها وغراميلها هي المثل المضروب في شدة السواد وكذلك الحمير في هذا المعنى قالت ليلى بنت المحلق: لحا الإله أبا ليلى بفرته يوم النسار وقنب العير جوابا والقنب هو الخصية هجته بشدة السواد وكذلك قال الربيع بن زياد الكامل ليزيد بن عمرو بن خويلد بن الصعق وفخر بنفسه وبإخوته عمارة وأنس على يزيد وزرعة وعلس: عمارة الوهاب خير من علس وزرعة الفساء شر من أنس وأنا خير منك يا قنب الفرس وكان يزيد شديد السواد وكذلك جواب وجواب هو الذي ذكره لبيد فقال: حتى نحاكمهم إلى جواب ومن البرصان عمرو الثقفي الذي كان يلقب جزره وكان يكنى أبا عثمان وكان سليطاً ذا شهامة وعارضة.
ومن البرصان من ثقيف الحكم بن صخر يكنى أبا عثمان وتزعم ثقيف أن الحكم قد بان بشيء لم يكن لأحد قبله قالوا: لم يبغض أحداً قط ولا أبغضه أحد قط.
ومن البرصان ثم من بني الأعرج الأسلع وقد صحب النبي وكان قد رحل له وأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يرحل له يوماً فقال: إني جنب وليس عندي ما أغتسل به فأنزل الله آية الصعيد.
باب ذكر البرص من الآباء والأمهات
فمنهم البرصاء أم شبيب بن البرصاء وهو شبيب بن يزيد بن حمزة بن عوف بن أبي حارثة بن نشبة بن غيظ بن مرة بن سعد بن ذبيان وهذه البرصاء بنت الحارث بن عوف الحمال وكنيته أبو أسماء وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم خطبها إليه فقال: بها سوء يعني برصاً فقال النبي: ليكن كذاك فيرجع النبي وقد برصت.
وهذا لا يكون إلا أن تكون قد شاركت أباها في كراهة النبي عليه السلام بمعنى استحقت به ذلك.
ومن هؤلاء البرص أبو عبيد بن الأبرص الشاعر ربما غلب هذا الاسم الأول كما غلب على يربوع بن حنظلة ولذلك قال أوس بن حجر: كان بنو الأبرص أقرانكم فأدركوا الأحدث والأقدما والدليل على ذلك أنه لم يقرع ببني يربوع عامر بن مالك إلا وهو راض عنهم.
ومنهم الأبرص أبو حارث بن الأبرص والحارث الذي يقول: أتعجب من سراري أم عمرو وما أنا في تأسيهم بغمر فكم من فارس لم تزدريه لحى الفتيان في عرف ونكر لقد آمرته فعصى إماري بأمر حزامة في قتل عمرو أمرت به لتخمش حنتاه فضيع أمره قيس وأمري ومنهم البرصاء أم خالد بن البرصاء ذكر أن عياض بن جعدبة قال: استعمل النبي عليه السلام على النفل في بعض الأيام أبا الجهم ابن حذيفة فجاء خالد بن البرصاء فتناول زماماً من شعر فمنعه أبو الجهم فقال خالد: نصيبي أكثر من هذا فعلاه أبو الجهم بعصاً فشجه منقلة فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: خذ خمسين شاة فما زال يزيد ويأبى حتى قال له النبي عليه السلام: " لا أقصك من عامل عليك ".
وعلى ذلك المعنى قال أبو بكر الصديق: " لا أقص وزعة الله.
قال: وكان خارجة بن سنان بقيراً والبقير الذي يبقر عن أمه فيستخرج لتمام قالوا: ماتت أمه وهي تطلق به فاستخرج من بطنها فسمي خارجة ويزعمون أن البقير من الناس والخيل يعرف ذلك في لون جلده.
قالوا: وكان مسلمة بن عبد الملك أصفر الجلد كأنه جرادة صفراء وكان يلقب ويقال له جرادة مروان وكان بشر بن مروان مصفراً.
وكان عمر بن عبيد الله بن معمر أحمر غليظاً يحتجم في كل سبعة أيام مرة ولذلك كان يقال: أفرس الناس أحمربني تيم وحمار بني تميم يريدون عباد بن الحصين ولذلك قال عمر بن عبيد الله في خطبته لعائشة بنت طلحة: تخرجون من عند أصفر إلى أحمر مشهور.
وأما قولهم في الأصفر القحطاني فإنا لا ندري أي المعاني أرادوا: الصفرة التي تنسب إليها الألوان أم اصفرار الجلدة كجلد جرادة مروان وقد خرج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث ويزيد بن المهلب على تحقيق الرواية في الأصفر القحطاني ولم يكن بين ألوانهما وبين الصفر سبب وخرج على ذلك ثابت بن نعيم الخامدي بالشام وكان كأنه لم ير مغموساً في الورس وخبر أبو عبيدة قال: رأيته مصلوباً.
ومن الصفر يزيد بن أبي مسلم قالوا: وكان كأنه الزعفران واسم أبي مسلم دينار ولم يكن مولى الحجاج وكان يرى قتل الأمة زعم بعضهم أنه كان يرى رأي الخوارج وكان لسناً خطيباً شديد العارضة حسن الملبس حسن المأكل لا يخون ولا يدع أحداً يخون ولم يكن يحب الولائد إلا لقتل الناس وكان على ديوان الرسائل فلشهوته لقتل الناس سأل الحجاج أن يوليه ديوان ومن الصفر المضايق القاسم التغلبي الفارس الخطيب قتله المنصور بعد خروجه مع إبراهيم بن عبد الله صبراً وخبرني من رآه يوم المربد وهو أصفر على برذون أصفر عليه عمامة صفراء وخفتان أصفر.
وكان كل شيء من المأمون على لون جسده إلى ساقيه فإنه كان في لونهما صفرة وكان يجد في رجليه حصراً شديداً وكان ربما لبس في الصيف خف لبود وهو جالس في الخيش.
وزعم ناس أن العيص بن إسحاق كان أصفر اللون ولذلك قيل للروم بنو الأصفر والروم تزعم أنهم أضيفوا إلى الذهب الأصفر.
ومن البرصان المجاهيل قال الكلبي: حدثني رجلٌ من جرم قال: وذهب عني اسمه قال: وفد رجلٌ من النخع يقال له قيس ابن زرارة بن الحارق في نفرٍ من قومه وكان نصرانياً فقال: رأيت في طريقي رؤيا فقدمت على النبي عليه السلام وأسلمت وقلت: يا رسول الله! إني رأيت في سفري هذا إليك رؤيا قال: وما هي قلت: رأيت أتاناً لي تركتها في الحي وأنها ولدت جدياً أسفع أحوى ورأيت عجوزاً شمطاء خرجت من الأرض ورأيت النعمان بن المنذر في أعظم ما كان ملكه عليه قرطان ودملجان ورأيت ناراً أقبلت وهي تقول: لظى لظى بصير وأعمى أطعموني أكلكم قال: فحال بيني وبينها ابن لي يقال له عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " أنا الأتان التي وضعت جدياً فهي جاريةٌ لك أحببتها فولدت غلاماً فانتفيت منه قال: نعم فما باله أسفع أحوى قال: ادن مني فدنوت منه فقال لي: أبك بياضٌ قال: قلت: نعم والذي بعثك بالحق ما رآه إنسي علمته قال: وأما النار فإنها فتنةٌ تكون في بعض الزمان وإن مت أدركت ابنك وإن مات ابنك أدركتك وفيه كلام غير هذا.
أبو الحسن وغيره عن ابن جعدبة قال: كان بأبي جهل برص بإليته وغير ذاك فكان يردعه بالزعفران فلذلك قال عتبة ابن ربيعة: وسيعلم مصفر استه أينا ينتفخ سحره ويقول بعضهم: بل كان مستوهاً مثفاراً ولكن عتبة كنى عن ذلك قالت مخزومٌ: فقد قال قيس بن زهير لأصحابه وهو يريدهم على قص أثر حذيفة بن بدر وأصحابه: إن حذيفة رجل مخرفج محرق الخيل نازهٌ ولكأني بالمصفر استه مستنقعٌ في جفر الهباءة فاتبعوهم فألفوهم على تلك الحال التي ظن وقدر.
وقد بلغني أيضاً بأن حذيفة كان مستوهاً مثفاراً ولم نر أحداً قال ذلك وإنما هذه الكلمة تقال لأصحاب الترف والدعة.
عبيد الله بن محمد عن حماد بن سلمة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الحجر الأسود من الجنة كان أشد بياضاً من وزعم ابن الكلبي وغيره أن خالد الأصبغ بن جعفر بن كلاب ولد أبيض الناصية.
وزعم أبو سعد الرفاعي عن مقاتل أن الأبرص الذي دعا له عيسى بن مريم ولد أبرص.
وزعم بعضهم أن أم الفرزدق كانت برصاء أما عورها وعمى غالب فهذا ما لا يدفعونه لأن الشاهد عليه من الأشعار كثير فأما ما ادعوا عليها من البرص فلسبب قول جرير: ترى برصاً بأسفل اسكتيها كعنفقة الفرزدق حين شابا وإنما هذا سفهٌ وتفحشٌ يلتمس به غيظ المسبوب وأكثر من يتكلم بمثل هذا الغضبان السفيه الضيق الصدر والذي يقول لصاحبه يا ابن الفاعلة ليس يقدر فيه أن الناس يجعلون قوله ذلك شاهداً إنما هو تشفي غضبان يريد بذلك الفحش وإدخال الغيظ وهذا كما ذكر عمرو الأعور الخاركي أم عمرو المخلخل الشاعر الذي كان يهاجيه: وقد طولت الإسب فصار الإسب قاريه علاها برص الصدغ فصارت بردانيه وقال أبو الحسن وغيره: قدم يزيد بن أسيد السلمي رسولٌ من قبل المنصور فدخل الرسول وكان شديد السواد وعليه عمامةٌ خضراء وعليه خفتان أحمر فجعل يتكلم فقال يزيد: حسبك يا غراب البين.
هل تذكرون على ثنية أقرنٍ أنس الفوارس يوم يهوي الأسلع قال: وهجا بعض الشعراء ولده بذاك ورماهم بالبرص فقال: وما كان أفواه الكلاب وبقعها لترحل إلا في الخميس العرمرم أما البقيع فقد قلنا فيه وقد زعموا أنهم إنما قيل لهم أفواه الكلاب لمكان البخر وقد كذبوا إنما يقال ذلك لأصحاب الخطوم والخراطيم وكل سبع يكون طيب الفم كالكلب وما أشبهه فإنه لا يوصف بذلك وإنما يعتري ذلك مثل الأسد والصقر وكل شيء جاف الفم ألا ترى أن طيب الأفواه عام في الزنج وفي كل مجنون يسيل لعابه ومن استنكه النائم السائل الفم والنائم الجاف الريق عرف اختلاف ما بينهما.
ويزعمون أن الظباء أطيب البهائم أفواهاً وفيها جملة ليست في شيء من الحيوان وذلك أن أبعار الظبي موصوفة بطيب البنية نعم حتى صاروا إذا سلوا السمن طيبوه بها قال الفرزدق: من السمن ربعيٌ يكون خلاصه بأبعار أرآم وعود بشامٍ والدليل على نتن أفواه الأسد قول الحكم بن عبدل لمحمد بن حسان بن سعد: ونكهته كنكهة أخدري شتيم شابك الأنياب ورد ومن البرصان أيمن بن خريم بن فاتك كان عند عبد العزيز بن مروان فدخل عليه نصيب أبو الحجناء مولى بني ضمرة فامتدحه فقال عبد العزيز: كيف ترى شعره قال: إن كان قال هذا فليس له ثمن وإن كان رواه قيمته كذا وكذا فقال عبد العزيز: هو والله أشعر منك قال: لا والله ولكنك طرف ملول قال: أنا طرفٌ ملولٌ وأنا أؤاكلك منذ كذا وكذا وكان بأيمن بياضٌ في يده فتركه أيمن ولحق ببشر بن مروان وقال: ركبت من المقطم في جمادى إلى بشرٍ بن مروان البريدا فلو أعطاك بشر ألف ألفٍ رأى حقاً عليه أن يزيدا فأعطاه بشر بن مروان مائة ألف وكان أيمن يخضب يده ليغطي البياض بالورس وكان بشر لا يؤاكله فاشتهى بشر لبناً فأتي بثريدة لبن فقال لحاجبه: انظر من يأكل معي فخرج فوجد أيمن بن خريم فلما رآه بشر ساءه دخوله فقال: يا أيمن اشتهيت البارحة لبناً ثم إني نويت الصوم فلا أرى أحداً أحق به منك فأكل أيمن فلم يلبث أن صفر اللبن فقال نصيب: تعالج بالحص البياض فلم تجد دواء وما داواك عيسى بن مريما ومن البرصان جعفر الخياط وهو جعفر بن دينار اصطنعه المأمون فقاد الجيوش وفتح الفتوح وولي الولايات وله في منزله مروءةٌ ظاهرة وهو يعد في هذه الأقوال وفي الطوال اللحى وفيمن لا يكاد يسكت.
ومن البرصان علوية المغني وهو علويه الأعسر وأبوه الذي كان يقال له: ابن القدري وكان راوية للغناء عالماً به جيد الصنعة وهو أحد مطربي عصره لم يكن في ذلك العصر أبلغ في الإطراب من مخارقٍ وعلويه وكان يضرب بالعسراء من غير أن يغير الأوتار وكان صحيح الضرب صافي الوتر وكان إذا تحدث بعد أن يضع العود من يده لم يستوحش من حسن حديثه إلى غنائه وصوته فإن حكى تصور في كل صورة وأضحك الثكلان والغضبان وكان جيد الفرشة ظريف الآنية.
وحدثني عن نفسه حديثين عجيبين قال لي ونحن في منزل بعض مياسير أهل الكرخ: لو أخبرك مخبرٌ أن علويه دخل الكرخ اليوم ليبتاع طيلساناً مطيقاً إذا كان لا يملك طيلساناً أكنت تصدق قلت: لا والله قال: فإن الأمر كما خبرتك قال لي: وأحدثك بحديثٍ هو أغرب من هذا وأعجب رب والله ما أصبحت في يوم دجنٍ من أوله إلى آخره فيتفق إلا يبعث إلي أحد ولا يمكنني أن أبعث إلى بعض إخواني لتوقعي في كل حالٍ رسول من لا أمتنع من إجابته فلا يبقى من أولئك أحدٌ إلا والذي يمنعه من الإرسال إلي أنه لا يجوز أن يكون الخليفة وأشباه الخليفة يتفق أمرهم وقولهم على مثلي لا يتفق أن يتركه الجميع إلا توهم كل واحد على حدته أن غيره قد سبق إلي واتفق منهم التدافع وبقيت أتثاءب وحدي وإنما يتهيأ ذلك أن يدعني في ذلك وكان وضحه في حلقومه حيث تغطيه اللحية وذكر يوحنا بن ماسويه أن موته إنما كان لسبب دواءٍ كان دفعه إليه لهذه العلة فلما دعا به السحر غلط الخادم فسقاه دواءً كثير الأفيون فشربه فمات وكان يكنى أبا الحسن.
بسم الله الرحمن الرحيم قد قلنا في البرصان وأسمائهم وأنسابهم وصفاتهم وأقدارهم والدليل على ذلك والشاهد عليه بالشعر الصحيح والحديث المسند وسنذكر شأن العرجان وأسمائهم وأنسابهم وصفاتهم وأقدارهم بمثل ذاك من الأشعار الصحيحة والأسانيد المرضية.
ومن العرجان الحارث الأعرج الملك الغساني وهو الحارث الأصغر بن الحارث الأوسط بن الحارث الأكبر وما أقل ما يجيء مثل هذا.
وفي آل أبي طالب حسن بن حسن بن حسن وكان في بني مخزوم الوليد بن الوليد بن الوليد فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قد جعلتم الوليد حناناً " تسموا بغير الوليد.
فإن قال قائلٌ.
فلم جاز حسن بن حسن بن حسن ولم يجز الوليد بن الوليد بن الوليد قلنا: كأنهم أرادوا تعظيم شأن الوليد الأول وإحياء ذكره والتيمن باسمه وكان الوليد بن المغيرة أحد المستهزئين فكره النبي صلى الله عليه وسلم مع قرب العهد بالجاهلية تعظيم شأن أولئك العظماء والتنويه بأقدار أولئك الكبراء.
وكان الحسن الأول الذي سمي الثاني باسمه والثاني الذي سمي الثالث باسمه ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسليله وأشبه الناس خلقاً وخلقاً به وسيد شباب أهل الجنة وأرفع الناس في الإسلام درجة فحكمهما يختلف ولو فعل مثل ذلك اليوم بعض بني مخزوم لم يكن حكمه اليوم كحكمه يومئذٍ كأمور كثيرةٍ قد كانوا ينهون عنها يومئذٍ كالذي كان من عدد المسلمين وكثرة عدد المشركين من ذلك ترك الحرص على طلب الولد والشغف لكثرة الرزق والرغبة في المكاثرة للتهيب والتخويف للمناهضة وبالقدرة والإقرار للعدو.
ومن ذلك حضور صلاة الجماعة لم يجعل رسول الله في ذلك الدهر لابن مكتوم وهو أعمى عديم القائد عذراً في التخلف إذا كان يسمع النداء ولو قصر في ذلك العميان في بعض الحالات لم يكن حرجاً ولا عند تلك الجماعة مبهرجاً وإنما جاز ذلك اليوم لاستفاضة الإسلام ولتمكنه وعلوه على أعدائه وظهور بنيانه وتمكن أركانه فصاروا كما قال الله: " ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون " ألا ترى أنه ليس على ظهرها بلد يناله الأخفاف والحوافر إلا وهو مأخوذٌ عنوة أو صلحاً على إعطاء الجزية ولم يبق إلا من اعتصم برؤوس الجبال ولجج البحار وبالوعول في وقد ذكر الحارث الأعرج النابغة الذبياني فقال: هذا غلام حسنٌ وجهه مستقبل الخير سريع التمام للحارث الأصغر والحارث ال - أوسط والأكبر خير الأنام ومن العرجان الأعرج وهو الحارث بن كعب بن سعد وهو أبو قبيل من قبائل بني سعد وهم بنو الأعرج الذي سمعت بهم رهط زهرة بن جوية الفارس البطل وإنما أعرجه عبد شمس بن سعد في حرب وقعت بينهم في شأن الهيجمانة بنت العنبر بن عمرو بن تميم وكذلك اسم سليط بن يربوع وكذلك اسم مقاعس وهو الحارث بن عمرو بن كعب بن سعد وكذلك شقرة وكذلك الحرماز وهو الحارث بن مالك بن عمرو بن تميم قالوا: وكذلك القباع المخزومي الخطيب اسمه الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي وقالوا من كان ذا لقبٍ في بني تميم فإن اسمه الحارث وكان ينبغي أن يقول: كل حارث في بني تميم فهو ذو لقب وقال شاعرهم في رجل الأعرج وهو الحارث بن كعب بن سعد: لا نعقل الرجل ولا نديها حتى ترى داهيةً تنسيها ومن أشراف العرجان الحارث بن شريك الشيباني وهو الحوفزان وكنيته أبو حمار وقال مقاعس العائذي لبني تغلب: فتى هو خيرٌ من أبيكم بقيةً كما نحن حيرٌ أنفساً ومواليا به تحلم العذراء في خدر أهلها ولو ضمها جمع الأراقم شانيا لأنه كان غزاء لم ندرك في هذا الباب مثله قال أبو عبيدة: كان جراراً ولم يكن زجاء.
قال: وكان يقال: أمر بكر بن وائل إلى أعرجها حمران ابن عبد عمرو والحوفزان بن شريك هذا قول بعضهم وقال آخرون: أمر بكر بن وائل إلى أعرجها عمران بن مرة والحوفزان بن الحارث بن شريك والقول الآخر أحق بالصواب لمكان الشاهد قال شاعرهم: رأيت الأعرجين أبا حمارٍ وعمران بن مرة قد ألاما أتاني أن حارثة بن وعلٍ تبدل بعدنا ملكاً هماما وأنت لواء رمحك في عمودٍ وما ألويته إلا غراما ستبني العنكبوت عليه بيتاً تجد نسوجه عاماً فعاما وكان الذي أعرج الحوفزان قيس بن عاصم المنقري قالوا: كان قيس بن عاصم المنقري على أنثى وكان الحوفزان على حصان فلما خاف قيس بن عاصم أن يفوته نجله بالرمح في غرابة وركه فعرج منها فسمي الحوفزان حين حفز بالرمح وقال قيس بن عاصم في ذلك: أفي كل عامٍ أنت ناجي طعنةٍ سوى يوم ما أشويت يوم روام تركوا الحوائم عاكفاتٍ حوله عجلن بين حجاجه والمعصم والحوفزان تداركته سربٌ بالمنقري جرا بحل الألجم حفزوه والأبطال تحفز بالقنا بشباة أسمر كالجديل مقوم والدليل على أن الحوفزان يكنى أبا حمار قول ابن عنمة الضبي وكان نازلاً في بني شيبان ويغزو معهم: لو كنت في حبس بسطام لعيمنى أبا حمار وأنت المرء تتبع أكان حظى من نهبٍ تقسمه نابٌ كزومٌ وبكرٌ ناحفٌ جذع وفي عمران بن مرة أخي دب بن مرة يقول ابن مفرغ وعمران هذا هو الذي أسر الأقرع بن حابس والأقرع أعرج وآسره أعرج فقال ابن مفرغ: لو كنت جار بني هندٍ تداركني عوف بن نعمان أو عمران أو مطر قومٌ إذا حل جارٌ في بيوتهم لم يسلموه ولم تسنح له البقر وقال أبو أوس يذكر الحوفزان الحارث: لعمرو أبيك ما ضمت حسانٌ إلى كشحين مثلك من نزار أعز إذا نفوس القوم ذلت وأوفى عند نائبةٍ لجار لمن الديار بجانب الغمر آياتهن كواضح السطر يا حار أعطاك الإله كما أثنى عليك أخو بني جسر فلأنت أكسبهم إذا افتقروا ولأنت أجودهم إذا تثرى وكان حنظلة بن عمرو بن بشر بن مرثد أسر الحوفزان وجز ناصيته ومن عليه قيس بن عاصم طعنه في وركه حفزه بها فسمى الحوفزان.
وذكر شاعر بني شيبان فرة كانت من قيس بن عاصمٍ والحوفزان يطلبه فقال: بحال جد يفلق الصخر بعدما أظلتك خيل الحارث بن شريك ألمت بنا وجه النهار قيسٌ بأرضنا لأمسى بجبل المال غير مليك وقيس بن عاصم أحد بني مالك الأعرج ولم يكن إبله تمت ألفاً ولو تمت ألفاً لقد كان فقأ عين فحلها ولو فعل لرفع شعراؤهم ذكر ذلك على أن قيساً نفسه قد كان شاعراً وكان أحد حلماء العرب وقد جاء في الحديث " أنه سيد أهل الوبر " وكان أحد الفرسان المعدودين وكان بعيد الصوت في العرب.
ومن العرجان الأشراف الأقرع بن حابس وكان أحد حكام العرب بعكاظ وقد تحاكمت إليه العرب في النفورات وقد ساير النبي عليه السلام في مرجعه من فتح مكة وقال له النبي صلى قال: لم يتأخر عنك قومٌ معك منهم ألف رجل يعني مزينة وفي تصديق ذلك يقول عباس بن مرداس: صبحناهم بألفٍ من سليمٍ وألفٍ من بني عثمان واف وبنو مزينة هم بنو عثمان ومزينة أمهم ولكن الأم إذا كانت ذات نباهة أضافوا الولد إليها وإن كان الأب نبيهاً.
وزعم أبو عبيدة: أن أول حكم في الجاهلية جار في الحكم الأقرع بن حابس وقال: لأنه نفر جرير بن عبد الله على الكلبي حين وجده أقرب إلى مضر فلعله إذا كان أقرب إلى مضر وإلى نزار أن يكون أحق بالنفورة لفضله في مضر أو في نزار ولعله رأى مع ذلك جريراً في نفسه أكثر من هذا الرجل الذي نافره وإنما ينبغي أن يحتج بهذا رجلٌ من قضاعة فأما أبو عبيدة فما يدعوه إلى هذا.
وليس به فقرٌ إلى هذه الحجة كفقر القضاعي إليها.
وكان الأقرع أقرع الرأس سنوط اللحية أعرج رجل اليسرى ولذلك قال له الحصين بن عوف بن القعقاع: يا أقرع الرأس من القذال وأعرج الرجل من الشمال وسنذكر الأقرع في موضع ذكرنا للقرعان في آخر الكتاب إن شاء الله.
ومن العرجان هميم بن صعصعة بن ناجية بن عقال وهو عم الفرزدق وبه سمي الفرزدق همام وكان غالب بن صعصعة يسمي الفرزدق هميم وهميم بن صعصعة هو الذي قال: لعمرو أبيك فلا تكذبن فقد ذهب الخير إلا قليلا وقد فتن الناس في دينهم وخلى ابن عفان حزناً طويلا وهو الذي قال في عرجه وعرج وهو شاب: أعوذ بالرحمن من سوء العرج ومن خماع وظلاع وعرج إن الفتاة بالفتى جد سمج وكنت كالظبي إذا الظبي معج ومن العرجان الأشراف أبو الأسود الدؤلي ظالم بن عمرو بن سفيان وهو يعد في العرجان وفي مفاليج الأشراف وفي رجال الشيعة وهو رأس النحويين وبنوه بعده وكان شاعراً داهياً ويعد في البخر وفي البخلاء وهو الذي قال له ابن عباس لما مر به وهو يعرج: لو كنت جملاً كنت ثفالاً.
وقال مسلمة بن محارب: من العرجان بنو الأدرم وأصابهم ذلك في حرب كانت وقال الشاعر: وتيم غداة الكوم أدبر مقبلاً وأقبل إقبال الليوث الضراغم كأنه رماهم وهو مولٌ كما يحكون ذاك عن الأتراك فرد عليه الآخر وقلب الكلام: وذكر آخر فقال: وصادف سيف الجعد أخمص رجله فعاد دريم الكعب يمشي على العصا ولما أهوى قرت أبي الزبير إليه بالسيف سقط على قفاه ورفع رجليه فلم يجد مضرباً إلا أخمص رجليه فعرج من ذلك وكان إذا مشى أخذ عصاً بيمينه وعصاً بشماله فقال ابن أبي كريمة: لقد زادك الرحمن فضل تزيد على كل مشلول القوائم أعرج ومن العرجان الربيع بن زياد بن أبي سفيان فداه سلم بن زياد حين أسرته الخزر بمائة ألف درهم وكانت عنده بنت القعقاع بن شور.
ومن العرجان إبراهيم البيطار قاتل يحيى بن زيد بن علي قتله أبو مسلم وهو شيخ كبير ووقف بنفسه على بابه وأمر بإخراجه والذي تولى ذلك سليمان بن كثير الخزاعي النقيب فقال له أبو مسلم: أكنت شهدت قتل يحيى بن زيد قال: نعم وكنت مع مولاي مكرهاً قال: هذا كان خروجك مكرهاً أفأكرهت على الرمي قال: نعم قال: فهذا أكرهت على الرمي أفأكرهت على الإصابة والتسديد ثم أمر بضرب عنقه وكان أبو مسلم لا ينظر إلى مضروب العنق إلا ما كان من ضرب عنق إبراهيم البيطار وسليمان بن كثير.
قال: ومن العرجان ابن أنف الكلب الصيداوي طعنه سمير بن الحارث الضبي فأعرجه وقال: تركت ابن أنف الكلب ينقل رجله يخر على حر الجبين ويعثر إذا قام لم يحمس على الأرض رجله وزيدٌ سريعٌ عنده متمطر أردت التي إن مت أورثت مجدها وإن عشت يوماً كان الحي مفخر ومن العرجان ومن يجوز في النوكي الأعرج المسعودي وهو الذي قال لرقبة بن مصقلة متى يحرم الطعام على الصائم قال: إذا طلع الفجر قال: فإن طلع الفجر نصف الليل قال: الزم الصمت الأول يا أعرج.
ومن العرجان ثم من النساك الزهاد ومن القصاص الخطباء ومن المفوهين البلغاء أبو حازم الأعرج مولى بني ليث بن بكر ثم أحد بني شجع بن ليث مات في خلافة أبي جعفر سنة أربعين ومائة وهو الذي قال: اضمنوا لي خصلتين أضمن لكم الجنة اعملوا ما تكرهون إذا أحب الله واتركوا ما تحبون إذا كره الله.
ومن العرجان ثم من أصحاب الفتوح والزحوف موسى بن نصير قال أبو الحسن: رأى الوليد بن عبد الملك في المنام أن رجلاً من أهل الأندلس أعرج يكنى أبا عبد الرحمن من أهل الجنة يفتح الله على يديه المغرب فكتب إليه موسى بن نصير: أنام الله عينك يا أمير المؤمنين أنا أبو عبد الرحمن وأنا موسى بن نصير وأنا أعرج وأنا بالأندلس فكتب إليه الوليد: أنت موسى بن نصير من أهل كفر هندا ولست به فاطلب إلى الرجل الغربي الذي وصفت لك ثم احمله إلي فسأل عنه بعد ذلك فإذا كما وصف وإذا هو عبد الله فحمله إليه.
ومن العرجان الأحوص بن محمد الأنصاري الشاعر قال يونس بن حبيب النحوي قدم الأحوص البصرة فنزل على عمرو بن عبيد.
فجاء يتوكأ على عصاً حتى جلس في الحلقة فتلاحيا فأخذ عمرو عصاه فضرب بها رجله الأخرى فكسرها ثم حمل إلى منزله ثم مر به الفرزدق فقال له الأحوص: مذ كم عهدك بالزنا قال: مذ ماتت العجوز.
قال: ومن العرجان ثم من أهل الشرف والجمال المنعوت عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وقد ولي اليمن لأبي العباس وكان يدع الخروج لكثرة نظر الناس إليه.
ومن العرجان أبان بن عثمان البجلي الأعرج وكان صاحب أخبار وقد أكثر عنه محمد بن سلام الجمحي.
ومن العرجان أبو راشد الضبي وكان أعرج ثم عمي ثم أقعد من رجليه فقال حين عمي وقد كان ابن حبيب وهب له عصاً حين عرج وكان يمشي عليها: فقد صرت أعمى بعد أن كنت أعرجا أنوء على عودٍ أصم صليب فلما صار أعرج أعمى لم يتعاط المشي فلما طال قعوده أقعد من رجليه فقال: أرى كل داءٍ فيه للقوم راحةٌ وداؤك مسمور الرتاج عسير قصيراً فإن الصبر أجدى مغبةً عليك وأنواع البلاء كثير فقال حين جفاه أصحابه وجيرانه وأهله: قد كنت أنضي الخافقين برحلتي فصار جماع الأرض كفة حابل أبول وأنجو في مكاني ومقعدي وعندي عجوزٌ ما تعين بطائل وأبكار صدقٍ من عقائل معشرٍ كواسد قد عودن بعض المغازل كشأن فتاة الحي في الدار مغزلٌ وما البعل إلا محفلٌ للعقائل وفي الموت للزمني جمالٌ وراحةٌ وفي القبر ستر للفقير المحامل وما كل محتاجٍ يجود بعرضه ويؤثر في الأقوام لؤم المداخل كذاك وما للمرء صبر وحسبة إذا ما ابتلي فيها بجوع مطاول وليس بمعذورٍ إذا طال صمته فيهلك بؤساً من مخافة عاذل يقيم حشاشات النفوس بمذقةٍ ويشرب غباً من فضول المناهل ويضبر ضبر العير من دون رهطه ويجشا حديثاً غبة غير طائل ويشكو بطرف العين إيماض مشفقٍ إلى كل مجهول المناسب خامل سأعرف قومي ثم أعرف جبيرتي وما أنا عن ذم القريب بغافل ولا أشتهي ذكر اللئام تكلفاً فأصبح فيهم عارفاً مثل جاهل وأسأل ربي أن ينشطني لهم ويشرح صدري بالهجاء المذاحل ويرزقني فيهم عروضاً محببا وصدق مقال غير قيل الأباطل فيصبح وسمي لائحاً بجلودهم وأعلم أني مدركٌ بطوائل وكان أبو بكر بن بكار إذا أنشد قوله: ولكنه ما دام حياً كميتٍ فلا بد أن يحيا ببعض المآكل أنشد قوله الآخر: على كل حالٍ يأكل المرء زاده على الضر والسراء والحدثان قال: وقتل لبعض العرب بنون فاشتد حزنه وترك كلام الناس دهراً فقيل له بعد أن رأوه قد ترتع ما غفلت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار وقال أبو العتاهية: فكما تبلى وجوه في الثرى فكذا يبلى عليهن الحزن قال: ولما نظرت نائلة بنت الفرافصة في المرآة فرأت حسن ثناياها تناولت فهراً فدقت به ثناياها فقيل لها في ذلك فقالت: إني أرى أن الحزن يبلى كما يبلى الثوب فخفت أن يبلى حزني على عثمان فأتزوج بعده.
ومن العرجان الأشراف ممن له صحبة مجالد بن مسعود السلمي ذكر إسماعيل بن علية عن يونس عن الحسن قال: كان الأسود ابن سريع يقص في ناحية المسجد ورفع الناس أيديهم فأتاهم مجالد بن مسعود وكان فيه قزل فأوسعوا له فقال: والله ما جئت لأجالسكم وإن كنتم جلساء صدق ولكني رأيتكم صنعتم شيئاً فشفر الناس لكم فإياكم وما أنكر المسلمون.
قالوا: والقزل أسوأ العرج هكذا الحديث.
ومن العرجان المنهال العنبري وهو الذي يقول: ألفت العصا وابتزني الشيب وانتهت لداتي وأودى كل لهوٍ ومقصد وظلت أزج النفس وهي بطيئة إلى اللهو زجي بالثفال المقيد وهذا الشاهر وإن خبر أنه يمشي على العصا فلم يخبر أنه أعرج وقد تعرض للكبر من الضعف ما يدعوه ذلك إلى أخذ العصا وفيه قال الأول: الدهر أفناني وما أفنيته والدهر غيرني وما يتغير والدهر قيدني بقيدٍ مرملٍ فمشيت فيه وكل يوم يقصر إن امرأً أمسى أبوه وأمه تحت التراب لحق من يتفكر ومن هذا الشكل قوله: آتى الندى فلا يقرب مجلسي وأقود للشرف الرفيع حمارا ومن هذا الشكل قوله: إذا أقوم عجبت الأرض معتمداً على البراجم حتى يذهب البقر ومن هذا الشكل قوله: يا للكواعب يا دهماء قد جعلت تزور مني وتلقى دوني الحجر قد كنت فراج أبواب مغلقة تعشو إلي إذا ما خولس النظر وهو الذي يقول: وكنت أمشي على رجلين معتمداً فصرت أمشي على رجل من الخشب وممن تعرج ولم يكن به عرج الزبير وهو مولى الزبير والزبير هذا هو أبو الأشعب الذي يقال: أطمع من أشعب وكان خرج مع المختار بن أبي عبيد على مصعب بن الزبير ورآه مصعب في الطريق وإذا هو يتعارج ويتعاور فأثبته مصعب فقدمه فضرب عنقه.
وتزوج أبو الغول الطهوي امرأته فوجدها عرجاء من رجليها جميعاً فقال: أعوذ بالله من زلاء فاحشةٍ كأنما نيط ثوباها على عود لا يمسك الحبل حقواها إذا انتطقت وفي الذنابي وفي العرقوب تحديد أعوذ بالله من ساقٍ بها عوجٌ كأنها من حديد القين سفود وأنشدني لأعرابي: ليست من العوج العملجات كأن رجليها كراعا شاة في قدمي عوجاء كالمسحاة ومن العرجان أبو الفوارس الباهلي كان رسول ابن هبيرة إلى هشام بن هبيرة في الجيش قال: فقدمت غدوة وقدم ابن هبيرة نفسه بالعشي.
قال: ومن العرجان الأعرج الضبي ثم الكوزي وكان شاعراً وهو الذي يقول: متى تلق حياً من جوية لا تكن تحيتنا إلا ببيض صفائح هنالك لا قربى تناصر بينا سوى نسبٍ في أول الدهر نازح ومن هذا الشكل وليس من ذكر باب العرجان قول كنانة بن عبد ياليل: يا عمرو لا تأخذك فيهم رأفةٌ احذرهم حذر امرئ لا يمزح واحذرهم كالمصطلى بجحيمها إن القرابة كل يومٍ تنزح ومن العرجان سعيد بن أبي عروبة واسم أبي عروبة مهران مات سنة تسع وخمسين ومائة وقد لقي الحسين وهو صاحب قتادة وروى عنه المخالف والموافق وله تصنيف كتاب الطلاق يقولون: طلاق سعيد بن أبي عروبة وقد سمعت أنا من عبد الأعلى السامي وأصحاب سعيد كبارٌ ثقاتٌ فحدث عنهم المخالف والموافق ومن أعاجيب سعيد أنه لم يمس امرأة قط من غير عجزٍ.
قال يزيد بن قبيصة المهلبي: قدمت على أبي مسلم صاحب الدولة من البصرة فسألني عما أراد ثم قال لي: ما فعل الأعرج سعيد بن أبي عروبة كأني أنظر إلى نظافة بيته قال: قلت: سالمٌ صالح قال: فما فعل هشام الدستوائي كأني أنظر إلى دموعه على خديه قال: قلت: سالمٌ صالح.
قال: أما أني إن دخلت العراق قتلتهما قلت: ولم ذاك أيها الأمير قال: لأنهما يزعمان أن عثمان أفضل من علي.
قال: وقدم العراق فلم يعرض لهما.
ومن العرجان إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله سمع أبا هريرة وعبد الله بن عمر ومات بالمدينة سنة عشر ومائة.
ومن العرجان الشعراء مجلودة الأعرج وهو الذي يقول: وتعرفني هنيدة من بنيها وأعرفها إذا امتد الغبار متى ما تلق منا ذا ثناءٍ تؤز كأن رجليه شجار فلا تعجل عليه فإن فيه منافع حين يبتل العذار وقال أبو مخنف في الزراية على الشجاع الذي لا دواء له وليس هذا من ذكر باب العرجان ولكنه يناسب شعر مجلودة وهو قوله: ألم تسأل فوارس من سليم لنضلة وهو موتور مشيح رأوه فازدروه وهو خرقٌ وينفع أهله الرجل القبيح ولم يخشوا مصالته عليهم وتحت الرغوة اللبن الصريح وقال المسرهد في زنبور التغلبي: يا أعرج الرجل صغير الجرم وناقص الصور خبيث الاسم وقال أبو خراش الهذلي: ومن العرجان الهيثم بن مطهر الفأفاء ونوادره كثيرة.
العرجان من الحيوان وفي أصناف الحيوان عرج وأشباه العرج وأشكالٌ من المشي واختلاف في العدو وتفاوت في الوطء وللإنسان نفسه اختلاف شديد على قدر الحالات المختلفة عليه وبكل ذلك نطقت الأشعار واستفاضت الأخبار وشهد عليه العيان وميزته العقول.
فمن العرج الضبع عرجاء ألبتة وهي أشد السباع حرصاً على لحوم الناس وأشد الخلق معاد وأسنان ويقال إنها ممطولة في فكيها وهي تنبش القبور وتحفرها حتى تنتهي إلى أبدان الموتى.
ثم الذئب وهو أقزل والقزل أقبح العرج.
والفرس شنج النسا كأن به عقالاً وقال عمرو بن العاص: شنج المرسن مجبول القرى شنج الأنساء في غير فحج والغراب يحجل ويمشي مشي المقيد وقال الطرماح: شنج النسا واثي الجناح كأنه في الدار بعد الظاعنين مقيد وقال أبو عمران الأعجم: كتارك يوماً مشيةٌ من سجيةٍ لأخرى ففاته فأصبح يحجل والأسد يتبهنس ويتخلع.
وكأنه إذا مشى يتقلع من طين علك أو دهاس كثير الرمل وكذلك السنور على قدره والأسد والببر والنمر والفهد والسنور متشابهٌ في عمود الصورة وكذلك متشابه في جهات أخر قال أبو زبيد في مشية الأسد: إذا تبهنس يمشي خلته وعثاً وعت سواعد منه بعد تكسير وذلك أن العرب تزعم أن رب عظمٍ إذا جبر بعد الكسر يصير أشد وقال في ذلك أيضاً زهير: رأيتكم آل البروك كأنما تصدون عن ذي لبدةٍ عركٍ جهم أزب طويل الساعدين كأنما وعت بعد كسرٍ ساعداه على عثم وفي المثل: كأنما كسر ثم جبر وللأسد تحت المطر مشي آخر وقال في ذلك عمرو بن الإطنابة: خزرٌ عيونهم لدى أعدائهم يمشون مشي الأسد تحت الوابل وقال سويد بن أبي كاهل: هل سويد غير ليث ضيغم ثادت الأرض عليه فظلع وللخماع الذي في قوائم الأسد.
قال أبو زبيد: كأنما يتفادى أهل ودهم من ذي زوائد في أرساغه فدع والعصفور على خلاف الحيوان وذلك أنه لا يمشي ألبتة وإنما يجمع رجليه فيضعهما جميعاً ويرفعهما جميعاً لا يقدر على غير ذلك.
وأما الزرازير وواحدها زرزور فإنه طائر شديد الطيران خفيف البدن صغر الجرم وهو لا يمشي ألبتة يرسل نفسه من وكره طائراً ثم يعود إلى جوف وكره طائراً.
والظبي يمشي وإذا شاء جمع قوائمه ووثب فإن شاء واتر بين ذلك وإن شاء لم يواتر إلا أن الظباء ليس لها عدوٌ ولا ضبر مذكورٌ إلا على بسيط الأرض وليس للأوعال عمل مذكور إلا في الجبال قال الشاعر: وخيل تكدس بالدارعين كمشي الوعول على الظاهره والجرادة تمشي وتجمع نفسها وقوائمها إذا أرادت ثم تشب كل ذلك عندها وكذلك البرغوث يمشي وإذا شاء وثب والوثب أكثر عمله وإنما قيل له طامرٌ لطموره قال الراجز: فكم وكم من طول طموح لم ينجه طموره في اللوح من صلتان فلتان شيح وقال في البرغوث: أو طامري واثبٍ لم ينجه منه وثابه ويوصف مشي النساء بضروب البقر وإذا قاربت الخطو وحركت منكبيها شبهوا مشيها بمشي القطا قال الشاعر: وعلى يبرين صف - وان شحباً بازلات يتمشين كما يم - شي قطاً أو بقرات يتخاصرن ويدع - ون مجيب الدعوات وقال الكميت بن زيد: يمشين مشي القطا البطاح تأوداً قب البطون رواجح الأكفال وقال الغطمش: أبلغ سمية أني لست ناسيها عمري ولا قاضياً من حبها حاجي خودٌ كأن بها وهناً إذا نهضت تمشي رويداً كمشي الظالع الواجي وفي شبيه بهذا المعنى في صفة مشيها يقول الشماخ بن ضرار: تخامص عن برد الوشاح إذا مشت تخامص حافي الخيل في الأمعز الوجى وقال عمرو بن العاص: ففداً لهم أمي غداة ال - روع أن يمشون قطعا ووصفوا مشي الهلوك من النساء وهي التي تهالك إلى الرجال وتزيف في مشيها إذا رأتهم وقد أخطأ من زعم أن الهلوك البغي لا محالة وقد تكون بغياً وغير بغي قال الهذلي: ويل أمه رجلاً تأبى به بدلا إذا تجرد لا خالٌ ولا بخل السالك الثغرة اليقظان كالئها مشي الهلوك عليها الخيعل الفضل وقال آخر ووصف العجمة وفحلها فقال: يقودها منه جلالٌ فهد كأنما رجسٌ لهاه الرعد يمشي إليها ذو سمات نهد مشي العذارى بينهن ود وقال الفرزدق: كأن تطلع الترغيب فيها عذار يطلعن إلى عذار وقال قطران العبشمي في تخزلها إذا مشت: من الماشيات الخيزلي وتهاديا إذا العشة العضلاء خف نقيلها وقال في تثنيها وتأودها في المشي وفي بعدها من الخفة: تأطرن حتى قلت لسن بوارحا وذبن كما ذاب السديف المسرهد وقال يربوع الجرمي: وقال ابن همام في الأبد: أتيح لها من شرطة الحي جانبٌ عريض القصيري لحمه متكاوس أبد إذا يمشي كأنما به من دماميل الجزيرة ناخس الأولى صارت بداء لعظم ركبها وغلظ شفريها والثاني صار لعظم أيره ولذلك قالت عمرة بنت الحمارس: أير يبد الأسكتين بداً وهذا غير قوله: فأبدهن حتوفهن فظالعٌ بدمائه أو ساقطٌ متجعجع يقول: قسم الحقوق بينهن سواء وإلى هذا المعنى ذهب عمر بن أبي ربيعة: أمبد سوالك العالمينا ويضم إلى بيت قطران العبشمي قول الشاعر: أوانس لا يمشين إلا تخزلا ولا ينتهزن الضحك إلا تبسما ووصفوا مشي العجوز ومشي الشيخ فقال أعشى همدان: أسمعت بالجيش الذين تمزقوا وأصابهم ريب الزمان الأعوج فأمتهم هزلاً وأنت ضفنددلإ ملآن تمشي كالأبد الأفحج ووصفوا مشي العجوز ومشي الشيوخ ومشي الرهلة والأرملة وقالوا في العجوز: جاءت بوسقٍ وحنين وزجل تمشي الهوينى وهي قدام الإبل مشي الجمعليلة بالخف النقل وقال: وقد اغتدى قبل طلوع الشمس للصيد في يومٍ قليل النحس بأحجن الخطم كمى النفس يمشي كمشي الخاظيا المقسى مشي النصارى في ثياب ورس وقال أبو النجم: أقبلت من عند زياد كالخرف أجر رجلي بخط مختلف تخط رجلي في الطريق لام ألف وقال أبو نواس في مرثية خلف الأحمر: لا تئل العصم في الهضاب ولا شغواء تغذو فرخين في لجف غدا كوقف الهلوك ينهفت ال - قطقط عن متنتيه والكتف كأن شذراً وهت معاقده بين صلاه فملعب الشنف وأخدرى صلب الصواهل صل - صال أمين الفصوص والوظف لما رأيت المنون آخذةً كل قوي وكل ذي ضعف بت أعزي الفؤاد عن خلفٍ وبات دمعي إلا يفض يكف أقسى الرزايا ميتٌ فجعت به أمسى رهين التراب في جدف وله أيضاً: لو كان حي وائلاً من التلف لوألت شغواء في أعلى لجف أم فريخ أحرزته في لجف مزغب الألغاد لم يأكل بكف كأنه مستقعدٌ من الخرف هاتيك أم عصماء في أعلى شعف ترود في الطباق والمغد الألف أودى جماع العلم مذ أودى خلف من لا يعد العلم إلا ما عرف فليذم من العياليم الخسف أسأرت ليلةً ويماً فلما دخلت في مسربخٍ مردون أصبحت تعرف الحلاء بعي - نيها وتمشي تخلع المجنون وقال الهذلي: كمشي الأقبل الساري عليه عفاءٌ كالعباءة عفشليل وأنشد مسعود بن هند: تمشي على حسن اعتدال وركها مشي العروس طهرت من عركها قد خلطت محلبها بمسكها وهجا آخر رجلاً فشبه مشيته بمشية الضب فقال: هو القرنبي ومشي الضب تعرفه وخصيتا صرصراني من الإبل وأصحاب الخيلاء في المشي ثلاثةٌ: بنو مخزوم وبنو بدر وبنو جعفر بن كلاب.
وكانت لعيينة بن حصن مشيةٌ عجيبة ولعيينة في ذلك حديثٌ.
وقال الأخطل: إذا شرب الفتى منها ثلاثاً بغير الماء حاول أن يطولا مشي قرشيةً لا عيب فيها وسحب من جوانبه الفيولا ورأى النبي صلى الله عليه وسلم أبا دجانة سماك بن خرشة وهو يمشي الخيلاء بين الصفين في الحرب فقال: " إن هذه لمشية يبغضها الله إلا في هذا المكان ".
قال الشاعر في مرثية أبي دؤاد بن جرير وذكر حرب إياد وفارس فقال: ترى المغضب الغيران يمشي بسيفه ويخطر في كابٍ من النقع أصهب ويذكر مأثور الحديث حفيظةً فيعنق نحو الفارس المتلبب خالد الأحول عن خالد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بينا رجلٌ في الجاهلية يتبختر في حلة له مشتملاً بها فأمر الله الأرض فأخذته فهو يتخلخل فيها إلى يوم القيامة ".
وقد أخبرنا قبل هذا عن قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي دجانة حين رآه يتبختر بين الصفين: " إن هذه مشيةٌ يبغضها الله إلا في هذا المكان ".
وقد خبر الله عن قوله: " ولا تمش في الأرض مرحاً إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا ".
وعرك عمر بن الخطاب أذن فتىً من بني المغيرة رآه يتبختر في مشيته وقال: نخوة بني مخزوم.
وقال حسان بن ثابت: وخبر الله عن قول لقمان لابنه: " يا بني لا تشرك بالله " الآية.
ومن مشي العدو إذا رأى عدوه قال الشاعر: تلقى العدو إذا ما مر تحسبه من العداوة والبغضاء مشكولاً وقال بلعاء بن قيس: معي كل مسترخي الإزار كأنه إذا ما مشى من أخمص الرجل ظالع وقال آخر في مشي العدو إلى العدو: مشى السبنتا واجه السبنتا وإنما سموا الناقة بالسبنتا حين سبهوها بالسبع.
ومن ذلك مشية المجنون وقال عبد الرحمن بن حسان: إن اللعين أخوك فارم عظامه إن ترم ترم مخلخلاً مجنونا ومن العرج من أصناف الحيوان الجعل والجعل أفحج والأفحج والأفلج سواءٌ وفي قوائمه تفريض وحزوز وقال الشماخ: وإن يلقيا شأوا بأرض هوى له مفرض أطراف الذراعين أفلج وقال سعد المطر يهجو رجلاً من الحبشان: وقال الأصمعي في صفة الجعل: كأربية النوبي نخست ظهره ومن تحته عوجٌ لهن أشور لهن على الأنقاء مشيٌ كأنه مهاريق جادي لهن سطور تراوح رجلاه يداه فينثني على القهقري رجلاه حين يغير وقال الشاعر في الجعل: يبيت في مجلس الأقوام يربأهم كأنه شرطي بات في حرس وهذا البيت وإن كان في الجعل فليس هو في معنى الشعر الأول.
ويقال للبرذون مشى مشية النعاج ويقال للفرس مشى مشي الثعلبية وقال امرؤ القيس: له أيطلا ظبيٍ وساقا نعامة وإرخاء سرحانٍ وتقريب تتفل وقال آخر: يعدو كعدو الثعلب ال - ممطور بلله العشى بقوائم عوجٍ شما - طيط وهادورٍ عييى والماشي أيضاً صاحب الماشية قال آخر: أعيني فابكي لي شبيباً وأعولي إذا أجدب الماشي وقل اللواقح ويمشي إن أريد به المشاء ووصفوا ضروب الاعوجاج والحنو والإكباب وعطف العنق والجنوح قال الكميت: جنوح الهالكي على يديه مكبا يجتلي نقب النصال وقال جعيفران: كأنهم والأيور غامدةٌ صياقلٌ في جلاية النصل وقال الطرماح: يمشي بعقوتها الهجف كأنه حبشي حازقةٍ غدا يتهبد وقال قيس بن زهير: سوالفها كخدود الإما - ء صدت عن الذنب أن تلطما وقال الحادرة: بمحبس ضنك والرماح كأنها دوالي جرورٍ بينها سلب جرد تصب سراعاً بالمضيق عليهم وتثنى بطاءً لا تخب ولا تعدو إذ هي شك السمهري نحورها وخامت عن الأعداء أقحمها القد سوالفها عوج إذا هي أدبرت لكر سريع فهي قابعةً حرد يغدو بها قرم بني هاشم مقلصٌ ذو خصل أشقر كأنه من طول تمعاجه والطعن في منحره أشتر وقال الآخر: وإذا قصرت لها الزمام سما فوق المقادم ملطمٌ حر فكأنها مصغ لتسمعه بعض الحديث بأذنه وقر وأضداد العرجان الذين كانوا يعدون على أرجلهم فيبلغون مبالغ أصحاب الخيول المضمرة وما ظنك بالمنتشر بن وهب وللشاعر يقول فيه: لا يغمز الساق من أين ولا وصب ولا يعض على شرسوفه الصفر لا يأمن الناس ممساه ومصبحه من كل أوب وإلا يغز ينتظر وأعجب من المنتشر بن وهب من أوفى بن مطر الذي يحكى عن مهره بأن الرجل منهم يقيم ثلاثة أحمال بعضها إلى جنب بعض ثم يقوم دونها بأذرع ثم يجمع جراميزه ثم يثب فيجوزها واعجب من ذلك ما حدث به أبو الحسن عن رجاله قال: أرسلوا الحلبة بمكة وأرسلوا معها امرأة حبلى فجاءت سابقة.
قال: ومشي الحيات على ثلاث طبقات والحيات سوى الأفعى والقزه تمشي مستقيمة ومعوجة أذاك أم بعض القزاة العرجان والضبع عرجاء نباشة للقبور شديدة الحرص على أكل لحوم الناس وقال الشاعر: وجاءت جيالٌ وبنو أبيها أحم المقلتين به خماع فظلا ينبشان الترب عني وما أنا ويب غيرك والضباع وقال الهذلي: وغودر ثاوياً وتأوبته مذرعةٌ - أميم - لها فليل وقال الآخر: له الويل من عرفاء ترقل موهناً كأن عليها حلي صقبٍ مخلد معاودةً حفر القبور متى تجد لها ملحداً في جانب القبر تلحد وقال أبو أسامة حليف بني مخزوم: فدونكم بني وهب أخاكم ودونك مالكاً يا أم عمرو فلولا مشهدي قامت عليه موقفة القوائم أم أجر دفوعٌ للقبور بمنكبيها كأن بوجهها تحميم قدر فلا تدفنني في صوى وادفننني بديمومةٍ تنزو على الجنادب وإن أنت لم تعقر على مطيةً فلا قام في مال لك الدهر حالب ولا يأكلني الذئب فيما دفنتم ولا فرعل مثل القصيرة دارب أزب هلب لا يزال مطابقاً إذا انتشبت أنيابه والمخالب وقال مدرك بن حصن في عرجها وخماعها وفي نوكها والغثارة التي فيها: رغا رغوةً بعد البكاء كما رغت موشمة الجنبين رطبٌ عرينها من الغثر ما يدري أرجلٌ شمالها بها الظلع إما هرولت أم يمينها وذكرها المفضل النكري بالعرج فقال: وأشبعنا الضباع وأشبعوها فراحت كلها تئق يفوق تركنا العرج عاكفةً عليهم وللغربان من شبع نعيق وقال الآخر: وكم غادرن من خرقٍ صريعٍ يطوف بشلوه عرج الضباع وذكر عنترة عرج الضباع فقال: وقال عباس بن مرداس في الضبع ولم يذكر عرجها: فلو مات منهم من جرحنا لأصبحت ضباعٌ بأكناف الأراك عرائسا والضبع تكنى أم عامر قال الكميت بن زيد: كما خامرت في حضنها أم عامرٍ لدى الحبل حتى عال أوس عيالها وقال الشنفرى: لا تقبروني إن دفني محرمٌ عليكم ولكن أبشري أم عامر لقلت لها قد كان ذلك مرةً ولست على ما قد عهدت بقادر وقال الآخر: فإنك إن يجدوك أم عويمرٍ لذو حاجة جافٍ مع القوم ظالع وكان أسيراً يقاد مع الأسرى ويزعمون أن الضباع والذئاب تتبع الأسرى والجيوش وفي هذا الموضع كلام كثير.
ومن العرجان الذئب وهو يوصف في مشيه بالقزل وهم يزعمون أن القزل أقبح العرج وقال الشاعر: كأنه إذا ما مشى مستكره الرجل أقزل شد المماضغ منه كل مضطمرٍ وفي الذراعين والخرطوم تأسيل كالرمح أرقل في الكفين واطردت منه القناة وفيها لهذم غول ويقولون ذئبٌ وذئبة ولا يقولون ضبعٌ وضبعة ولقد قال رجلٌ من كبار الناس وأشرافهم في بعض المقالات وهو يذكر رجلاً: " هذه الضبعة " فإنها لتؤثر عنه إلى يومنا هذا.
وقال زهير بن مسعود وهو يشبه مشي فرس بعسلان الذئب: يعسل عسلاناً كما يعسل تحت الثلة الذيب قال: وليس الشأن في الاستقامة ولا في الاعوجاج وإنما الشأن في المصالح والمنافع وما هو أرد وأربح ألا ترى أن أموراً كثيرة وفوق الكثيرة من الأمور الملتوية والمعوجة لو كانت مستوية مستقيمة لعظم الضرر وظهرت الخلة فمن ذلك: الأضلاع والمفاتيح والمزاليج وأطلال السفن والعقود والنقوش والمناخل والأهلة والعراجين والمحاجين والكلاليب والشصوص وشوك القنافذ ومغاليق رمانات القبانات والقرسطونات والبرادات ومن الأشياء المخلوقة المناسر والبراثن والقرون وإبر العقارب وأنياب الفيلة والأفاعي وقد بين الشاعر في شعره هذا المعنى فقال: لئن كنت محتاجاً إلى الحلم إنني إلى الجهل في بعض الأحايين أحوج ولي فرسٌ للحلم بالحلم ملجمٌ ولي فرس للجهل بالجهل مسرج ولست براضي الجهل خدناً وصاحباً ولكنني أرضى به حين أحرج فإن قال بعض القوم فيه سماجةٌ فقد صدقوا والذل بالمرء أسمج وما ذكروا في الاعوجاج وفي حد الشيء إذا كان معوجاً وما يشبه ذلك وما سمى بأعوج قال الشاعر: يا رب هيتٍ يجتنى من هيت ومن طريق الأعوج المقيت ونفحات القير والكبريت والأعوج معروف المواضع من شاطئ الفرات والعوجان نهر من أنهار الروم واكتنوا بأبي العوجاء منهم أبو العوجاء بن قبيصة بن مخارق الهلالي وقال أبو الشيص الأعمى: سروا يخبطون الليل فوق ظهورها إلى أن بدا قرنٌ من الليل أبلج وأضحوا وبعضٌ ما يقيم لسانه وبعضٌ إذا ما حاول المشي يعرج هذا يقع مع ذكر مشي السكران.
وقال حكيم بن جبلة: وأهلكني وقومي كل يوم تعوجهم علي وأستقيم رقابٌ كالمواجن خاظيات وأستاه على الأكوار كوم ومحنب مثل العقا - ب تخاله للضمر قدحا والتحنيب الاعوجاج ويسمون الفرس أعوج والعوجاء قال مسكين الدارمي: دعتنا الحنظلية إذ لحقنا وقد حملت على جملٍ ثفال فأدركها ولم يعدل شريحٌ وأعوج عند مختلف العوالي وقال الشماخ بن ضرار: وعوجاء مجذامٍ وأمر صريمةٍ ترمت بها الشك الذي هو عاجر كما يقال: خطةٌ عوجاء ومن أمثال العامة: قيل للشحم: أين تذهب قال: أسوي كل معوج.
وقال محمد بن واسع الأزدي: ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث: صاحبٌ إن تعوجت أقامني وفوز من رزق ليس لأحد علي فيه منة.
ولا لله فيه تبعة وصلاة في جماعة يرفع عني سهوها ويكتب لي فضلها.
وقال الآخر: فسيرة الدهر تعويج وتقويم شبابة عن ورقاء عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " خلقت المرأة من ضلع ومتى أردت أن تقيمه كسرته وليست تستقيم لك المرأة وقال طفيل الغنوي: إن النساء كأشجار نبتن معاً منها المرار وبعض المر مأكول إن النساء متى ينهين عن خلق فإنه خلق لا بد مفعول وقال آخر: عريانة الساق في أنسائها شنج وفي قوائمها طولٌ وتحنيب وقال آخر: بكل كميت مشرفٍ حجناته تقاربت الوعساء فيه وأعوج وقالوا في المنازلة والمشي بالسيف وفي مديح الذي يقاتل على ظهر الأرض كما يقاتل على ظهر الفرس وفي القلع الذي ينبو عن ظهر الفرس إذا اشتد ركضه وفي الكفل يستمسك بقربوسه وبغير ذلك مخافة السقوط عن ظهره فال مهلهل: لم يطيقوا أن ينزلوا ونزلنا وأخو الحرب أطاق النزولا وقال القحيف: وبيض يجعلون الهام فيها إذا ابيضت من الخلل النصال ولما أن دعوا كعباً وقالوا: نزال وعادةٌ لهم نزال وقال ربيعة بن مقروم: ولقد شهدت الخيل يوم طرادها بسليم أوظفة القوائم هيكل فدعوا نزال وكنت أول نازل وعلام أركبها إذا لم أنزل وقال ابن هرمة: والمشرفية والمظاهر نسجها يوم اللقاء وكل وردٍ صاهل ولكل أرعن كالحريق مطاعن فمسايفٍ فمعانقٍ فمنازلٍ ومن القلعين حارث بن موسى بن سمرة وكان على فرس زمن الفتنة قتله ابن الأشعث ولا عقب له وكان قلعاً يشد منطقته بسرجه.
وكان المخارق بن عباد قلعاً وكان خفيفاً نحيفاً وضئيلاً دميماً وكان يوفن بسرجه وكان شجاعاً بطلاً.
قال أبو عبيدة: أطنب المسور بن عمرو بن عباد ذات يوم في وصف حسكة بن عتاب الحبطي فقال لهم قائل: لقد كان حسكة قلعاً قال: وما يضره ذلك والفارس النجيد في كفه كالخرنق في كف العقاب.
وكان جرير بن عبد الله قلعاً حتى شكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا له وكان عيسى بن يزيد الجلودي قلعاً وكان إذا حمى الوطيس ضرب بنفسه الأرض فقاتل بالرمح والسيف ورمى بالحجارة وكان يفخر بذلك على جميع الأفارقة.
وكان حذيفة بن بدر لا يثبت على ظهر فرسه مع شدة الركض وطول السير ولذلك قال قيس بن زهير لأصحابه: إن حذيفة رجل مخرفج محرق الخيل نازه ولكأني بالمصفر استه في الهباءة.
وأراد أعرابي سفراً طويلاً فقالت امرأته: اخرج بي معك فقال: إنك لو سافرت قد مذحت وحكك الحنوان فانفشحت وقلت: هذا حسك تحت استي وقال خزز بن لوذان: لا تذكري مهري وما أطعمته فيكون لونك مثل لون الأجرب إن العبوق له وأنت مسوءةٌ فتأوهي ما شئت أو فتحوبي كذب العتيق وماء شن باردٌ إن كنت سائلتي غبوقاً فاذهبي إني لأخشى أن تقول حليلتي هذا غبارٌ ساطعٌ فتلبب إن العدو لهم إليك وسيلةٌ إن يأخذوك تكحلي وتخضبي وأنا امرؤ إن يأخذوني عنوة أقرن إلى سير الركاب وأجنب وأراد رجل من الخوارج الهرب مع أصحابه فقالت له امرأته: اخرج بي معك فأنشأ يقول: إن الحرورية الحرى إذا ركبوا لا يستطيع لهم أمثالك الطلبا إن يركبوا فرساً لا تركبي فرساً ولا تطيقي مع الترحالة الخببا وقال الطرماح: وإن أشمط فلم لئيماً ولا متخشعاً للنائبات ولا كفل الفروسة شاب غمراً أصم القلب حشوى الطيات وقال آخر: والتغلبي على الجواد غنيمةٌ كفل الفروسية دائم الإعصام القول في الساق العليلة والساق السليمة قالوا: إذا كانت ساق الإنسان منتصبةً وكانت القدم على الأرض وضربها ضاربٌ بعصاً لم تنكسر إلا أن تصيبها الضربة وهي على غير الهبة.
سفيان عن زياد عن سعيد عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي وعن ابن عباس عن النبي عليه السلام قال: " كأني أنظر إليه أصلع أفحج يهدمها حجراً حجراً ".
ومحمد بن فضيل عن المغيرة عن أم موسى عن علي قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن مسعود أن يصعد شجرة فيأتيه بشيء منها فنظر أصحابه إلى حموشة ساقيه فضحكوا منها فقال النبي عليه السلام: " ما تضحكون لرجلٍ عند الله في الميزان أثقل من أحد ".
والذي سمي شريح بن ضبيعة الحطم رشيد بن رميض حين رجز به في الحرب فقال: قد لفها الليل بسواقٍ حطم ليس براعي إبل ولا غنم ولا بجزارٍ على ظهر الوضم خدلج الساقين خفاق القدم وهذا غير قول الشاعر: لا يغمز الساق من أين ولا وصب ولا يعض على شرسوفه الصفر وممن كان دميماً دقيق الساق فاحش الدقة عوير بن شجنة العطاردي وهو الوافي وكان خفير امرئ القيس بن حجر فبينا هو يقودهم ليلاً طلع القمر فأبصر نساء امرئ القيس ساقيه فقالت: ما رأيت ساقي واف أقبح فقال عوير: هما ساقا غادر أقبح وإياه يعني امرؤ القيس لا حميري وفي ولا عدس ولا است عير يحكها الثفر لكن عويرٌ وفي بذمته لا قصرٌ عابه ولا عور وقال: عويرٌ ومن مثل العوير ورهطه وأفضل في حال البلابل صفوان وممن كان يوصف بدقة الساق أبو حنبل الطائي.
وفي المثل: قد قامت الحرب على ساق.
ويزعم الناس أن الساق اسمٌ من أسماء الحمام الذكر قال الطرماح: كالساق ساق الحمام وقال الآخرون: بل اسمه ساق حر والأصمعي يخالف في ذلك.
وقال الله تعالى: " والتفت الساق بالساق " وهذا مثل.
ويقال: إن جميع نبات الأرض على ثلاثة أصناف: نجم وشجر ويقطين فما كان قائماً على ساقٍ فهو نجم وما كان منفرجاً ذا أغصان ومتشعباً بأفنان فهو يقطين وفي القرآن " والنجم والشجر يسجدان " فمن ذهب في النجم إلى غير هذا فليس يذهب إلى الثريا إنما يذهب إلى قول الشاعر: وإنما وصف جفنةً غراء كثيرةً الإهالة قدمها إلى أضيافة ليلا فكانوا يرون صورة النجوم فيها ولا يسقيم في هذا الوضع أن يعني نجم الثريا وحدها والنجم اسم الثريا إلا أن التأويل الآخر أعم وأشبه بالتأويل.
قال: وبابٌ آخر من العرج الحادث الذي يزول بزوال العلة من الظلع العارض الذي لم يكن في أصل الخلقة وهو أن البعير يسمن جداً ويتراكم عليه الشحم واللحم فيصير به ظلع ويخلط في المشي ويهاب بسيط الأرض ويحسب المستوى هبطةً والسهولة وعورة قال طفيل الغنوي وذكر إبله: تهاب الطريق السهل تحسب أنها وعورٌ وراطٌ وهي بيداء بلقع وقد سمنت حتى كأن مخاضها تفشغها ظلعٌ وليست بظلع ويقال: إنها إذا سمنت جداً وتراكم عليها اللحم وصار ظل أبدانها أعظم استهالته وفزعت منه وأنشدني أبو العاص بن عبد الوهاب قال: أنشدني يونس بن حبيب وخلف بن حيان قول العكلي: مضت فزعاتٌ من زوائد ظلها فعدن وقد عادت لهن قلوب يقول: رجعن من تلك السفرة وقد تواضعن وذهب عنهن ذلك الشحم فذهب عنهن ذلك معاقيل من أيديهم وأنوفهم بكاراً وثنياً تربت الحزن ظلعا هجاهم بأخذ الديات وجعلها سماناً على زجه السخرية وقال محرز ابن المكعبر: وجئتم بها مذمومةً حرشيةً تكاد من اللوم المبين تظلع يقول: قد امتلأت لؤماً وأثقلها ذلك وفي سمن الإبل قال الشاعر: أرى غيثاً كأفواه الغزالي غزيراً تستدير به السحاب به تمشي العشار مخرماتٍ وتنفع أهلها المعزى الزناب يقول: خرموا مشافر الإبل كي لا ترتع في ذلك المكان فتزداد سمناً فتهلك.
وحدثني مهدي بن إبراهيم قال: ربما رأيت البعير في بعض مراعي مضر وقد قتله الشحم وإنه لمتصدعٌ جلد الكركرة على مثل شط السنام.
وحدثني أبو البهلول الهجيمي وكان شاعراً فصيحاً داهياً قال: إذا جفنا على الإبل أن تموت سمناً عدلنا بها عن وداي بلهجيم إلى موضع هو أرق نباتاً وأقل دشماً وزعم أنهم يحصدون السنبل في واديهم كل عام مرتين ونحن قد نرى الدجاجة تسمن في بعض البيوت وكذلك البطة فإذا فرط عليها السمن فربما ماتت ولا بد من أن تعمى قبل ذلك وذلك إذا جعلوها في وعاءٍ وحيطوا عليها ومنعوها من الحركة وقد يتخذون للصبي طمرين وكذلك الفصيل فلا يزال ذلك قال: وقال أبو مجيب: تعقم ولا تعقم الأصلاب كأنه يذهب إلى أن المرأة والشاة والأتان والناقة إذا سمن جداً صرن عقراً ولا يعتري ذلك الرجل والتيس والعير والجمل.
وإذا نزل الغيث وعم ودر كان حزن الممعز والمصرم بقدر سرور صاحب الهجمة ممن يقولون كلأ تيجع به كبد المصرم ويقولون عند ذلك: مرعىً ولا أكولة وقد قال الشاعر في الدعاء على رجل: وجنبت الجيوش أبا زهيرٍ وجاد على مسارحك السحاب لأن الفقير لا يغزوه أحد وإذا جاء السحاب على مسارح المصرم كان أشد لحسرته وقال آخر: غيث سماكي أجش رعده هيهات من نوءٍ الثريا عهده أرزم عشواء يحر صعده حات معاً كماته وربده ويقال غمامةٌ خرساء ورعدٌ أجش كذلك يجدون في الغيوم الثقال المرجحنة وفي في السحاب المتكاثف القليل المخارق والظاهر الرطوبة القريب من الأرض وقال شاعرهم في صفة الغيث واشتراطه صفة دون صفة: سحائب لا من صيفٍ ذي صواعقٍ ولا محرقاتٍ صوتهن حميم ووصف امرؤ القيس المرعى الموفر النبت فقال: تحاماه أطراف الرماح تحامياً وجاد عليه كل أسحم هطال وإلى ذلك ذهب أبو النجم في قوله: تبقلت من أول التبقل بين رماحي مالك ونهشل وقال الهذلي: إنها لجوابا خروقٍ وشرابان بالنطف الطوامي كأنهما في طول ما ينقبان في البلاد ويجوبان في المفاوز ويهجمان على مياه ليست لها أربابٌ ولا هي على طرق الغزاة والبغاة والماء طاف يطفح ورب موضعٍ هو ضد هذا وهو كما قال امرؤ القيس: مجر جيوش غانمين وخيب ووصف النمر بن تولب الروضة والأرض المحمودة والبطن الخصيب العشيب والوادي الكريم فقال: وكأنها دقرى تخيل نبتها أنف يغم الضال نبت بحارها عزبت وباكرها الشتاء بديمةٍ وطفاء تملأها إلى أصبارها كأن حمدة أوعزت لها شبهاً في العين تلاقينا بأرمام ميثاء جاد عليها واكفٌ هطلٌ فأمرعت لاحتيال فرط أعوام إذا يجف ثراها بلها ديمٌ من والكف بزل بالماء سحام لم يرعها أحدٌ واربتها زمناً فأو من الأرض محفوفٌ بأعلام تسمع للطير في حافاتها زجلاً كأن أصواتها أصوات جرام كأن ريح خزاماها وحنوتها باليل ريح ألنجوجٍ وأهضام وقال آخر في صفة روضة: كانت لنا من غطفان جاره حلالةٌ ظعانةٌ سياره كأنها من دبلٍ وشاره والحلى حلى التبر والحجاره مدفع ميثاء إلى قراره إياك أعني واسمعي يا جاره وقال بشار بن برد: وحديث كأنه قطع الرو - ض وفيه الصفراء والحمراء وأنشد الأصمعي في هزال المال: ويقال: إن الحيوان بحتشي من اللحم والشحم على قدر سعة جلده ويقال: إن سعة الجلد من أعون المور على بعد الوثبة وإذا كان فضفاض الإهاب واسع الإبطين ضابعاً وكان طويل العنق لا يسبقه شيء فالبعير بطول عنقه وبه ينهض بحمله الثقيل بعد بروكه والثور يسرع بسعة جلده ويبطئ بالوقص الذي في عنقه والحمار يسرع بطول عنقه ويبطئ بضيق جلده والفرس يسرع بسعة إبطه وبطول عنقه وعظم جفرته ولذلك قال الشاعر: ببطنه يعدو الذكر وزعم أبو عبيدة وأبو الحسن: أن الفرس ليس له طحال قالا: ولذلك لا يحتشي ريحاً ولا يناله من الربو ما ينال غيره من ذوات الأربع قال الشاعر: رحيب الجوف معتدلٌ قراه هريت الشدق فضفاض الإهاب وقال آخر: وضاق عنه جلده الفضفاض وأما قول الآخر: يا سعد كيف أنت إذ أصحابي عاتبتهم فتركوا عتابي وحل جسمي وانحنت أصلابي وكثرت فواضل الإهاب وهذا عيبٌ لأنه وصف شيخاً قد نحل جسمه وذهب شحمه ولحمه ودق عظمه ورق عصبه فماج إهابه وصار فارغاً بعد أن كان مملوءاً وإذا صار الجلد كذلك وذهب الذي كان يملأه وتمدد وتبسط وذهبت البلة وأعقب مكانها التيبس تقبض جلده وتشنج إهابه ولذلك قال النمر بن تولب: كأن محطاً في يدي حارثيةٍ صناع علت مني به الجلد من عل والمحط: مدلكة ممتلئة يحط بها أصحاب المصاحف ظهور جلود رقاب المصاحف ليجعل ذلك الحزوز نقوشاً وما أحسن ما قال النمر بن تولب ولقد جهدت أن أصيب بيت شعر مثل هذا للعرب فما قدرت عليه وكذلك قول عنترة: فترى الذباب بها يغني وحده هزجاً كفعل الشارب المترنم غرداً يحك ذراعه بذراعه فعل المكب على الزناد الأجذم ووصف الشاعر الثور فقال: وأغلب فضفاض جلد اللبان يدافع غبغبه بالوظيف ووصف أبو موسى الأشعري البقرة فقال: إذا صغر رأسها ودق قرنها واتسع جلدها فإنها قد تكون كريمة.
وليس للأنسان من بين جميع الحيوان جلدٌ إذا سلخ تبرأ من اللحم وفرق ما بين جلده وسائر الجلود فرق ما بين القرقمان والحوصلة.
وقال البقطري: سابقوا بين فرس وحمار وثور فجاء الفرس سابقاً وشهد ذلك بعض الأعراب فقال: ليبس المطبق كالضابع ولا أوقص كالأعنق.
يقول: لأن الحمار طبقٌ كزه رجع الإبطين لا يستطيع إذا عدا أن يمد صبعيه كالفرس والكلب قال الشاعر: كم تضبعون وكم تأسو كلومكم وأنتم ألف ألف أو تزيدونا وقال رؤبة: ولاتني أيدٍ علينا تضبع بما أصبناها وأخرى تشفع يقول: إذا دعا الله علينا مد ضبعيه ورفعهما إلى السماء وقال الراجز: إن الجياد الضابعات وقال بعض اللصوص وهو يتمنى أن تستاق أموال عبد القيس: نجائب عبدي يكون بغارةً دعا وقد جاوزن عرض الشقائق يقول: ليس عندهم من بذل المجهود إلا الدعاء والابتهال على من ظلمهم.
وصلهما جميل وهم لا يذكرون جلد الجاموس ولا يعرفون النعال إلا من البقر والإبل ومن رديء الجلود عندهم جلد الضبع وجلد العث قال الراجز: يا ليت لي نعلين من جلد الضبع وشركاً من استها لا ينقطع كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع فعد ذلك بقوله: كل الحذاء يحتذي الحافي الوقع على أنه قد وضعه في موضع التجوز والاحتمال.
وقال الآخر: إهابه مثل إهاب العث ثم رجع بنا القول في العرج والظلع قال الحطيئة: تسديتها من بعد ما نام ظالع ال - كلاب وأخبى ناره كل موقد قال الأصمعي في ظلع الكلاب وزعم أن الكلب إذا أصاب رجله شيء قطع وهو يريد سفاد الكلبة ويخاف أن تمنعه الكلاب السليمة الأبدان وهو ينتظر نومها وهي لا تنام حتى تمل من النباح والتجاوب ويهدأ كل رجل منها ولذلك قال: وقال الآخر: لا ولكن الكلب الظالع هو الهائج ويقال للكلب ظلع إذا هاج وأنشد: يبيت يشكو وجعاً ولا وجع وهو إذا أعطى زاداً ابتلع أسرع شيء عدوه إلى الطمع كأنه الكلب إذا الكلب ظلع وقال الآخر: بل الكلب إذا هاج اعتراه بعض الخماع فإذا مشى رأيته كأنه يظلع وقد قال الطفيل: وقد سمنت حتى كأن مخاضها تفشغها ظلع وليست بظلع وقال ابن عنقاء الفزاري: أمرا على عوج طوال كأنها وليس به ظلعٌ من الخمص ظالع يقول: ليس به ظلع من علة حادثة سوى الظلع الذي ركب عليه في أصل الخلقة لأنه أقزل والأقزال أسوأ حالاً من كثير من العرجان لأن الذئب لا يزال مضطرباً في مشيته ونساه أشد تشنجاً من نساء الفرس والغراب والذئب أقزل مرثوم الخطم بسواد سائل الأنف وكذلك أنف البقرة يكون سائلاً ومرثوماً بسواد وكذلك الكلب وأما قول الشاعر: غاداك ذئب سلجم أنيابه يسبق حد نابه لعابه فإنما ذكر ذلك على جهة المثل كما قال الشاعر: وقال الآخر: ضبت لثات بني عمرو لوقعتهم يوم النجير وكانوا معشراً حشدا وإنما هذا على جهة المثل لأن الإنسان ما دام له ريق فهو حي وصاحب النزع والذي يكيد بنفسه يجف ريقه جفوناً شديداً وعلى حساب ذلك يصيب المحزون والجبان في الحرب والخائف يشتد عطشهما ويجف ريقهما وقال ابن أحمر: هذا الثناء وأجدر أن أصاحبه وقد يدوم ريق الطامع الأمل وقد قال الآخر: إذا ما استيبس الريق عاصبه. وقال الزبير بن العوام وهو يرقص عروة بن الزبير: أبيض من آل أبي عتيق مبارك من ولد الصديق ألذه كما ألذ ريقي وقال بشار: رهبةً أو رغبةً في وده إنه إن شاء أحلى وأمر يتقي الموت به أشياعه حين جف الريق وانشق البصر مألولة الأذنين كحلاء العين ومنخرين حلقا مسودين وقال الطرماح أيضاً في سواد لثام الذئب: وفلاة يستفز الحشا من صواها ضبج بومٍ وهام تفجا الذئب بها قائماً أبرق النحر أحم اللثام فزعم كما ترى أنه أحم اللثام وكذلك وصف الشاعر الكلب فقال: وأغضف الأذن طاوي البطن مضطمرٍ لوهوهٍ رذم الخيشوم هرار وقال كعب بن زهير يذكر سيلان أنف الذئب: قالت أراهط من عوفٍ ومن جشمٍ يا كعب ويحك هلا تشتري غنما من لي منها إذا ما أزمةٌ أزمت ومن أويس إذا ما أنفه رذما واسم الذئب أوس فلما صغره قال أويس وقال الشاعر: ما فعل اليوم أويسٌ في الغنم وقال الطرماح: أبرق النحر هو مثل قول عمرو بن معدي كرب: وكم من غائطٍ من دون سلمى قليل البوم ليس لها كتيع يرى السرحان مفترشاً يديه كأن بياض لبته الصديع لأن الأبرق يكون سواده مخالطاً للبياض والصديع هو الفجر والفجر مختلط بياض النهار ببقية سواد الليل وأما قوله: لكل ريح لقحت معدين فقد وصف الراجز استرواح الذئب وحرصه على استنشاق الريح فقال: يستبخر الريح إذا لم يسمع بمثل مقراع الصفا الموقع ومن العرجان ثم من رؤساء المتكلمين ومن مشايخ المعتزلة ومن أرباب النحل ومن العلماء باختلاف الملل وكان أعلم من رأينا من الخوارج وكان من أربى على المائة وهو أبو كلدة وهو الذي قال له النضر بن إسماعيل القاص البليغ الشجاع وكنيته أبو المنذر وكان رئيس الشعوبية: قبلت بالبصرة يا أبا كلدة إن لك شرجاً وإن لي شرجاً فاطلب شرجك فيما بينهما وفيما بين بينهما إن كان بين بينهما بون قال أبو كلدة: يا أبا المنذر هذه رقية وأنا رجل أعرج فاقصد بها رجلي فلعل الله أن يرزقني على يديك الشفاء.
والنضر هو الذي لما سئل عن خلق الكلام قال: منه الحروف ومنك التأليف كما كان منه النتاج ومنك الكنيف.
وقال له رجل: أضحى بالجذع من الضأن فقال: إذا تجنبت المسان والمهازيل من السمان.
ومن العرجان الفقهاء البلغاء أبو العلاء يزيد بن الشخير أخو مطرف بن عبد الله بن الشخير.
ومن العرجان الأشراف ومن أهل العارضة واللسن والجلد إبراهيم بن محمد بن طلحة بن عبيد الله أخو حسن بن حسن لأمه قالوا: وكان قد غلب على أموالهم حتى شكوا ذلك إلى أبي هاشم عبد الله محمد بن علي بن أبي طالب فدخل على والي المدينة فلما رآه عنده قال: ألا أدلك أيها الأمير على الظالم الضالع الظالع في كلام غير هذا قد عرضه الرواة.
وقال حميد بن ثور الهلالي: كفى حزناً ألا أرد مطيتي.
.
مستزاد إلى أهلي وألا أدل القوم والليل دامسٌ فجاج الصوى بالليل في الغائط المحل ولا يتقي الأعداء شري وقد يرى مكان سوادي لا أمر ولا أحلي وطرحي سلاحي واحتبائي قاعداً لدي البيت لا يبلى شراكي ولا نعلي وإيصابتي أهلي الضعيف مخافةً علي وما قام الحواضن عن مثلي أعين العصا بالرجل والرجل بالعصا فما عدلت مثلي عصاي ولا رجلي هذا رجلٌ يصف الكبر والضعف الذي يعتري الهرمي وليس يحمل أحدهم العصا على جهة حمل الأعرج ولكنه مما يجوز أن يدخل في هذا الباب.
والعرج أيضاً يعرض من أمور كثيرة وقد علمنا أن صاحب النقرس أسوأ حالاً إذا تكلف المشي من الأعرج كما كان يصيب هرثمة بن أعين ونصر بن شبث وإسماعيل بن نيبخت.
وكان العلاء بن الوضاح يوتد سكة حديد في الأرض حتى يغرقها ثم يشد ساقه بها ثم يضع رجله اليسرى في الركاب ويثب فيقلع السكة ويستوي على ظهر الفرس كأنه لم يصنع شيئاً من شدة متنه وقوة عصبه وتوتير نساه فانقطعت في بعض ذلك عصبةً من ساقه فكان أسوأ حالاً من الأعرج ولقد رأيته بالمنازل في غداة قرةٍ وهو على فرس له سرج ولجام في قباطان فما رأيت مثله أشد ولا أفرس.
ومن العرجان الأشراف السادة ومن قدمته العشائر طوعاً ورأسته الخلفاء اختياراً وتحفظ الناس كلامه ودونوا ألفاظه واقتبسوا من علمه وفي طول ما مدح الله به عباده والصالحين بالأسماء الكريمة ووصفهم بالخصال الشريفة لم يمدحهم بشيء أقل من ذكره لهم بالحلم ولم نجد ذلك في القرآن إلا في موضعين وقد وصف الناس بالحلم عاداً في الجملة كما قال النابغة: أحلام عادٍ وأجسادٌ مطهرةٌ من المعقة والآفات والأثم وقد ذكروا في الشعر حلم لقمان ولقيم بن لقمان وذكروا قيس بن عاصم ومعاوية بن أبي سفيان ورجالاً كثيراً ما رأينا هذا الاسم التزق والتحم بإنسان وظهر على الألسن كما رأيناه تهيأ للأحنف بن قيس وكان مع ذلك رئيساً في أكثر تلك الفتن فلم تر حاله عند الخاصة والعامة وعند النساك والفتاك وعند الخلفاء الراشدين والملوك المتغلبين ولا حاله في حياته ولا حاله بعد موته إلا مستوياً.
فينبغي أن تكون قد سبقت له من النبي صلى الله عليه وسلم دعوة أو قال فيه خيراً كما رووه وذكروه أو كان قد ظهر منه من حسن النية ومن شدة الإخلاص ما لم يكن عليه أحد من نظرائه.
فإن قال قائل: أنتم تزعمون أن عبد المطلب أحلم الناس وكذلك العباس بن عبد المطلب قلنا: إن الأحنف كان الحلم غالباً عليه فبان من سائر أعماله ومحاسن عبد المطلب وخصال العباس في المجد والشرف كانت متكاثفة متساوية كل خصلة منها تنتصف من أختها وكانت كما قال الشاعر: أنى غرضت إلى تناصف وجهها غرض المحب إلى الحبيب الغائب وكذلك قوله: جاءت تهض الأرض أي هض يدفع منها بعضها عن بعض مثل العذارى شمن عين المغضي وقال جرير في شبه ذلك: وقال قيس بن الخطيم: تغترق الطرف وهي ساهمةٌ كأنما شف وجهها النزف وهذا البيت ليس من الشكل الأول ولكنه مما يتعلق به ويروى معه.
وإذا كانت الخصال كذلك لم يغلب على صاحبه اسم دون اسم ورجع الأمر فيه إلى أن يسمى سيداً وما أشبه ذلك والنبوة تأتي على الغايات وتجوز النهايات.
وكان الأحنف أحنف من رجليه جميعاً ولم يكن له إلا بيضةٌ واحدة وكان قد ضرب على رأسه بخراسان فماهت إحدى عينيه وقال الحتات: إنك لضئيلٌ وإن أمك لورهاء وقال أبو الحسن: ولد الأحنف مرتتق حتار الاست حتى فتق وعولج فإن كانت هذه الصفات كذباً وباطلاً فإنا لا نشك أن الحسد الذي أخرج من أعدائه هذه الأمور لم يكن إلا على نعمة سابغة غامرة وإلا على خصال عالية فاضلة ثم لم يضره ذلك ولا وضع منه ولا زادته الأيام إلا رفعةً معلومةً معروفة لم تنقض من قدره عروة ولا فتحت من معاقد رياسته عقدة فيعلم الطاعن عليه أنه إنما يريد أن يطمس عين الشمس ويرد هبوب الريح كان أبين الناس في كل حال وأخطبهم في يوم حفل ومصنع وفي يوم أنس واسترسال وهو صاحب الراية بخراسان وقد انغمس في حومة الحرب ثلاث مرات وهو يقول: وسار تحت لوائه الأقرع بن حابس وكان واليه على الجوزجان ومشى في جنازته مصعب بن الزبير بغير حذاء ولا رداء مع علمه بما قال الناس في شأنه وشأن ابن جرموز وكان مع ذلك لا يرى الحكمين وهو الذي قال لرسول قطري ولرائده وبغيه والمبلغ عنه: إن ركبوا بنات شحاج وقادوا بنات أعوج وأصبحوا ببلدة وأمسوا بأخرى طال أمرهم.
وهو الذي قال لما طمع فيه عبد الملك للجفوة التي حدثت بينه وبين مصعب وجرد إليه رسولاً فقال للرسول: أبلغ صاحبك أنه إن لم يغزنا لم نغزه وإن أتانا لم نقاتله فعندها قوى عبد الملك في نفسه.
ومما يدل على تواضعه وحسن نيته وعلى أنه لم يعم بالرأي ولم يخص مما رووا من شأن الرجل الذي قال له: ما يمنعك من دخول المقصورة قال: فأنت ما يمنعك من دخولها قال: لا أترك قال: فلذلك لا أدخلها.
وتكلم الناس عند معاوية في توكيد بيعة يزيد والأحنف ساكت فقال معاوية: لم لا تتلكم يا أبا بحر قال: أخافك إن صدقتك وأخاف الله إن كذبتك.
وأطرى رجل من قريش يزيد بن معاوية عند معاوية فلما خرج الناس أقبل على الأحنف فقال: إني والله وإن قلت الذي قلت رغبةً أو رهبة فإنه ما علمت للذي.
.
وإن ابنه ما علمت وشهد مصعباً يوماً وهو يوبخ رجلاً ويقرعه ويقول: أبلغني عنك الثقة كذا وأبلغني عنك الثقة كذا فقال الأحنف: كلا أيها الأمير إن الثقة لا يبلغ.
هذا الذي كتبت لك قليلٌ من كثير ولم نرد الإخبار عن بلاغة لسانه ولا عن كثرة معرفته وإنما أردت أن تعرف حسن نيته وكتب عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص: " يا سعد سعد بني وهيب إن الله إذا أحب عبداً حببه إلى خلقه فاعتبر منزلتك من الله بمنزلتك من الناس واعلم أن ما لك عند الله مثل ما لله عند ".
فنحن نظن أن هذه المنزلة التي صارت للأحنف في قلوب الناس لمنزلة الإسلام من قلبه وهو الذي لما دخل في الوفد على مسيلمة الكذاب فخرج من عنده فقال له بعض رؤساء القوم: كيف رأيته قال: والله ما هو بنبي صادق ولا متنبئٍ حاذق.
وهو الذي لما وفد على عمر وتنازعوا الكلام عنده أمسك حتى كان عمر هو المستنطق له الكلام وخص القوم بالكلام عمر وذكروا شأن أنفسهم وتكلم الأحنف عمن غاب من مجلسهم فتكلم في مصلحة البلاد والعباد وسنذكر فقراً من كلامه في كتاب " البيان والتبيان " إن شاء الله وبالله التوفيق.
ومن العرجان ثم من الملوك يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن كسرى برواز وطئ بخراسان أيام خرج من العراق امرأة فولدت له ابناً مخدجاً ذاهب الشق وكان عرج يزدجرد من قبل نقصان كان بوركه وقيل لجده: إنه سيكون ذهاب ملككم على رأس غلام أعرج ناقص الورك فعزم على قتله حتى صرفته عن ذلك سيرين.
قال أبو عبد الرحمن: كان أنو شروان أعور وكان يزدجرد أعرج والحارث الملك الأصغر الغساني أعرج وكان جذيمة ابن مالك الوضاح أبرص وعمى صصة أبو زاهر بن صصة ملك الهند قبل أن يموت بسنة وكان يزيد بن عبد الملك أفقم وكان هشام أحول وكان مروان الحمار أشقر أزرق.
وكان النعمان بن المنذر أحمر العين أحمر اللون.
ولم يكن في أصحابنا مذ هلك أبو العباس إلى ملك المتوكل إلا سليم الجوارح نقياً من الابن صحيح الأعضاء جميل المنظر بهي الرواء فأما الصلع فإنه انقطع بعد مروان بن الحكم فلم يكن في ملوكهم ولا في خلفائنا أصلع إلى يومنا هذا.
ومن العرجان: سلمان بن ربيعة الباهلي وهو سلمان الخيل كان أبصر الناس بعنق دابة وأبصرهم بإقراف وهجنة وأعلمهم بخارجي وعريقٍ وبهم وبعير ويعرف السابق من المصلى قالوا: وكان ابن أقيصر على مثاله يحتذي وإياه يحكى وفي قبره وقبر قتيبة بن مسلم يقول شاعرهم: فأما الذي بالصين عمت فتوحه وسلمان يسيسقي بها سبل القطر وكان على المقاسم وأول من قضى لعمر بن الخطاب على الكوفة قالوا: جلس للناس شهرين فلما لم يتقدم إليه خصمان لصلاح الزمان واصطلاح الناس طوى بساطه وحمد الله على ذلك وله أخبار وأحاديث.
قالوا: وكانت دار سلمان بن ربيعة لسعيد بن قيس الهمداني حتى رحل سلمان إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين رجل أعرج ولا قوة لي على المشي إلى المسجد فكتب عمر إلى سعد بن أبي وقاص: أن أقطعه أقرب المواضع إلى المسجد وكلم سعد سعيد بن قيس فقال له: يا أبا عبد الرحمن هذا رجل زمن فتحول عن دارك وأعطاك مثلها فتحول عنها سعيد ونزلها سلمان ووفى له سعد بالذي قاله.
قالوا: وكان عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب والي الكوفة وكان أعرج وكان على شرطه القعقاع بن سويد المنقري وكان أعرج وكان على كتابته سلمان بن كيسان وكان أعرج فكان صاحب الشرطة يخرج وهو يخمع ثم يخرج الأمير وهو يخمع ثم يخرج الكاتب وهو يخمع وكان الحكم بن عبدل الشاعر أعرج فرآهم وخاطب نفسه فقال: ألقى العصا ودع التخادع والتمس عملاً فهذي دولة العرجان لم أر الشعر دل إلا على عرج الأمير وصاحب الشرطة وعلى عرج الحكم الشاعر.
وفي حديث الهيثم زيادة أعرجين أحدهما ابن أبي موسى والآخر سليمان بن كيسان وهذا عندي عجب.
وكان الحكم بن عبدل قد خافه الناس وهابته الأمراء بعد هجائه لمحمد بن حسان وكان بعد ذلك لا يغشى أبوابهم ولكنه كان يكتب على عصاه حاجته ويبعث بها مع غلامه فيدخل الحاجب العصا ويقضي حاجته والناس والشعراء محجوبون فلما رأى يحيى بن نوفل وحمزة بن بيض وأبو جسرح ما صنع الحاجب بعصا الحكم وهم بمزجر الكلب قال يحيى بن نوفل: عصا حكم في الناس أول داخل ونحن لدى الأبواب نقضي ونحجب ومن العرجان ثم من العبيد الشعراء وممن يعد في الحدب والعرج: ذو الركبة العوجاء وأظنه السائل المثري وهو الذي يقول فيه الشاعر في قصيدته التي ذكر فيها شعر العبيد وقد ذكرنا هذه في كتاب " الصحراء والهجناء " وإياه يعني في قوله: وفي درك والعبد ذكوان والذي أراح على بشرٍ بقاصمة الظهر وعبد بني الحسحاس والشيخ مورقٍ وذي الركبة العوجاء والسائل المثري فذو الركبة الذي يقول: ورأى البيوت فجاء يأمل خيرها مهرى حدي فعليه وسلوك والركبتان مفارلاقٌ رأساهما والظهر أحدب والمعاش ركيك سئم الحياة ولاح في أعطافه قشف الفقير وذلة المملوك مثل البلية برحت بحياته خرق البطون قليلة التبريك يقول: أنا راعي ضأن والضائنة آكل كل شيء وأدومه رغبة وأكلاً وهي لا تبرك كبروك الإبل فيستريح الراعي ولغظ مؤونتها على الراعي قالوا: أحمق من راعي ضأن ثمانين لأنه يتعايا بها وتغلبه فيعجز عنها والنعجة موصوفة بشدة الأكل ودوامه وهي آكل من الكبش.
والرمكة آكل من البرذون وقيل لأعرابي: أي الدواب آكل قال: برذونةٌ رغوثٌ فإذا كانت البرذونة آكل الدواب فعلى حساب ذلك أكلها إذا أرضعت ويقال: إنه لو جمع أكل المرأة من غدوة إلى الليل لكان أكثر من غداء الرجل وعشائه هكذا يحكون في أكثر النساء وهي تمضغ من غدوة إلى الليل وكذلك الحجر والفرس.
ومن العرجان معاذ بن جبل قالوا: وكان معاذ أمة وكان يشبه إبراهيم خليل الرحمن ولم يكن في السلف أحسن جردةً ولا أنعم بدناً من معاذ وسهل بن حنيف.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم " آمن كل شيء من معاذ حتى خاتمه " وكان يعد من الزهاد الستة وقد شهد المشاهد وولى للنبي الولايات وقبض الصدقات وتعليم الناس الإسلام وتدريسهم القرآن.
وهو ابن أقل من عشرين سنة وكان عند رسول الله وجيهاً وفي عيون المسلمين عظيماً وقال الهيثم: أنبأنا أبو الهذيل سعيد بن عبيد الطائي في إسناد له قال: بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل إلى اليمن فنزل في حي منهم وقال: لا تروني أصنع شيئاً إلا صنعتم مثله وكان به عرج فكان إذا صلى قدم إحدى رجليه قال: فلما صلوا لم يبق منهم أحدٌ إلا قدم إحدى رجليه قال: فلما انصرفوا قال لهم: إني إنما فعلت هذا من عرجٍ فلا تفعلوا مثل هذا.
وزعموا أنه صلى إلى قرب شجرةٍ فكان غصنٌ منها قد ضرب إحدى عينيه فتناوله فكسره فلم يبق أحد ممن خلفه إلا تقدم إلى الشجرة فكسر منها غصناً.
قالوا: ولما قدم معاذ على النبي عليه السلام ومعه أصحابه الذي قدم بهم سجدوا للنبي عليه السلام وكان يرون ذلك من صنيع العامة تعظيماً للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي: " اسجدوا لربكم وأكرموا أخاكم ولو أمرت أحداً يسجد لأمرت المرأة أن تسجد لبعلها ".
وكان أبو عبدان المخلع مولى بلعنبر واسمه مرثد وكان أطيب الناس شعراً وكان صعترياً صاحب نيزكيةٍ وتخلع وكان ذا نشال وإذا تكلم عقف أصابعه فلم يزل يتكلف ذلك حتى صار مخلعاً بالحق وصار أسوأ حالاً من الأشل وكان في صغره خياطاً فصار في حال لا الدين أدناني وما كنت بالدني وأدنى من الدين الذي لديات وهو الذي يقول في أبيات له فحشةٍ يذكر فيها الغلمان: وكل نكش بالكشح مغترف أصبح نحوي مزاجراً ذربا صار له خاضباً فواحزناً لو عز هذا النمير ما خضبا ومثله ما خبرني به أبو عباد النميري واسم أبي عباد مروان قال: كنت وأنا غلام أشتهي الصعترية والمواثبة والتكاتف والنشال وتعقيف الأصابع إذا تكلمت فصرت والله كأني أفرغت في ذلك القالب إفراغاً فلما عقلت احتجت إلى أن أستوى فما أجابتني الطبيعة ولا أجابتني تلك الجوارح إلا بشدة الاستكراه وبقيت والله خمصر أصابعي ما تنبسط إلا بأن أمدها ومتى تركتها عادت معقفة وأبو عباد هو الذي يقول لما وجهه بعض العمال في السعاية وحفظ البيدر وما فيه فقال: كنت بازاً أضرب الكر - كي والطير العظاما فتقنصت بي الصعو فأوهنت القدامى وإذا ما أرسل البا - زي على الصعو تعامى وكان يتمثل في ذلك في بقول الفرزدق حين بعثوه يرعى الغنم فضيعها وعاث فيها الذئب فقال وما كنت مضياعاً ولكن همتي سوى الرعي مفطوماً وإذ أنا يافع أبيت أسوم النفس كل عظيمةٍ إذا وطئت بالمكثرين المضاجع وقد كان أبو عباد أراد بقول أبي النجم في صفة الراعي: يميس بين الغانيات الجهل كالصقر يجفو عن طراد الدخل وقد وصف عبيد الراعي كيف تتحول صورة الراعي وتتبدل خلقته وكذلك كل صناعة تصور صاحبها على ما يشاكلها ألا ترى أن الحائك يعرف بصدرته وتفحج رجليه ولا يكون أبداً إلا وجلد بطنه أسود وقد ذكر خلف بن خليفة - وقال عبيد الراعي: ترى وجهه قد شاب في غير لحيةٍ وذا لبد تحت العصابة أنزعا ترى كعبه قد كان كعبين مرةً وتحسبه قد عاش حولاً مكنعا وقال يزيد بن مفرغ ما يؤكد قولنا ويفسره قال: يقولون أوسٌ شاعرٌ فاحذرنه وما أنا إن لم أهج أوساً بشاعر رأيت لأوس خلقةً فشنأتها لهازم حراثٍ وتقطيع جازر وقال آخر: وصفت بجهدي وجه حفص وخلقه فما قلت فيه واحداً من ثمانيه ولحية قوادٍ وعيني مخنقٍ وجبهة مأبون يناك علانيه وراحة صباغٍ وصدرة حائكٍ ومرفق سقط رد في الرحم ثانيه وممن هجى بالخلقة وليس بشيء اجتلبه جعفر بن يحيى قال أبو نواس في جعفر بن يحيى: قالوا امتدحت فماذا اعتضت قلت لهم: خرق النعال وإخلاق السراويل قالوا فسم لنا هذا فقلت لهم أو وصفه يعدل التفسير في القيل ذاك الوزير الذي طالت علاوته كأنه ناظرٌ في السيف بالطول وقال أبو نواس فيه أيضاً: عجبت لهارون الخليفة ما الذي يومله من جعفر خلقة السلق قفا خلف وجهٍ قد أطيل كأنه قفا ملك يقضي الهموم على بثق وأعظم زهواً من ذباب على خراً وألأم من كلب عقور على عرق أرى جعفراً يزداد بخلاً ورقة إذا زاده الرحمن في سعة الرزق ولو جاء غير البخل من عند جعفر لما وضعوه الناس إلا على حمق ومن العرجان هرثمة بن النضر الجبلي وما رأيت أحداً قط يمشي وهو أعرج إلا وقد كان قال العمري: كان عمر بن الخطاب يمسك أذنه اليسرى بإصبعه اليمنى ثم يثب على ظهر الفرس كأنما خلق هنالك وكان يقول: اقطعوا الركب وانزوا على الخيل وتمعددوا واخشوشنوا وكان يقول: إياكم والسمنة فإنها عقلة وامشوا حفاةً فإنكم لا تدرون متى تكون الجولة.
قال: وجمع الوليد بن يزيد جراميزه ووثب من الأرض على ظهر فرسه كأنه لم يزل فوقه ثم أقبل على ابن هشام وكان الوليد ولي عمه هشام فقال: أبوك يحسن مثل هذا قال: لأبي مائة عبد كلهم يحسن مثل هذا.
قالوا: ولم يكن من ولد العباس إلى يومنا هذا خليفة إلا وهو فارس صبورٌ على شدة الركض وعلى طول السرى.
ومن العرجان أبو مالك الأعرج الشاعر وهو الذي عناه اليزيدي بقوله: لعمري لئن كان العيرج آرها فما الناس إلا آير ومئير وأبو مالك الذي يقول: تلوط دهراً ثم عاذ بدبره فيالك من دبرٍ ترد المظالما ومن العرجان المجاهيل ما حدث به أبو الحسن عن أبي الوليد: قال: بينما عمر بن الخطاب إنك مسترعىً وإنا رعية وإنك مدعو بسيماك يا عمر أرى يوم شرٍ شره متفاقم وقد حملتك اليوم أحسابها مضر فقال عمر: لا حول ولا قوة إلا بالله.
وشكا عرج رجله وظلع ناقته فقبض عمر الناقة وحمله على جمل وزوده ثم خرج عمر حاجاً في عقب ذلك فبيناه يسير إذا لحق راكباً وهو يقول: ما إنما رأينا مثلك يا ابن الخطاب بعد النبي صاحب الكتاب أبر بالأدنى وبالأحباب فنخسه عمر بمخصرة معه.
وفي بني النضير عرجان وحولان فلذلك قال خفاف بن ندبة السلمي في تعيير الربيع بن أبي الحقيق: فسوف ترى إن ردت الأوس حلفها وزالت وأحساب الرجال تزيل ولاقيتها شهباً تخطر بالقنا وشعبة يدعى وسطها والسمول وأبصرتها وسط البيوت كأنها إذا برقت في عارض الصبح أغيل وغودر وسط القوم لما اصطففتم ثلاثة رهطٍ أعرجان وأحول قالوا: وكذلك يقال في بارق أن الأعمى والأعرج فيهم كثير ولذلك قال حشية: وقال الصحيح للأعرج ذكرت الاعوجاج فمدحته وقلت: ليس الشأن في الاستقامة والاعوجاج وإنما مدار الأمر على المصالح ونحن نجد جميع أعضاء الجسم إذا دخله الاعوجاج فسد كما يقال للرجل أعرج وأفحج وأفلح وأفدع وأقفد وأحنف وأصدف ومثل: خامع وظالع وفي الظهر مثل: أحدب وأزور وأبزخ وأقعس ومثل: أحنف وأعرج وأعصل وأصدف وأعقف وأجنى وفي الفم: ملقم وأضجم وأفقم وأشغى وفي العين: أشتر وأحول وأقبل وفي الأذن أخذى وأذقى وأفد وفي الضرع والثدي الحضون والشطور وفي اليد المكنع والمقفع وقد قالت مرةٌ في صفة ساق شيخ: عجبت للشيخ إذا ما اجلخا وسال غرب عينه فلخا وصار أكلا دائماً وشخا تحت رواق البيت يغشى الدخا وقال بعض الشيوخ في انحناء ظهره: لما رأت في ظهري انحناء والمشي بعد قعس إجناء أجلت وكان حبها إجلاء وجعلت ثلثي غبوقي ماء ثم تقول من بعيد هاء دحرجةً إن شئت أو إلقاء ثم تمنى أن يكون داء لا جعل الله لها شفاء مزملين على الأقتاب بزهم حقائب وعباء فيه تفنين مقدمين أنوفاً في غطائهم حجناً فلا جدعت تلك العرانين وقال الهذلي: ولو سمعوا منه دعاء يروعهم إذاً لأتته الخيل أعينها قبل وقال بشامة بن الغدير في صفة ناقته: توقر شازرةٌ طرفها إذا ما ثنيت إليها الجديلا بعينٍ كعين مفيض القداح إذا ما أفاض إليها الحويلا وقال سويد بن صامت يذكر ما كان في قريظة والنضير من الحولان والرمصان والحدب: قل لليهودي إن اللؤم حالفكم من قبل عادٍ فأخفوا الشخص واقتصدوا حولٌ ورمص لئام في مجالسهم منهم خنازير أهل الأرض والقرد وأحدب الظهر ما ترجى مروءته مشوه الخلق في أطرافه أود وأنشد أبو الرديني العكلي في الأعصل والمعوج: يا صاحبي حملاه ما حمل ولا تخافا جفوتي ولا بخل وذكروا أن أخوين من أهل اليمامة أو من بعض بلاد النخل كان أحدهما صاحب إبل والآخر صاحب نخل فقال صاحب الإبل يفخر على صاحب النخل فلما أراد الزراية على الفسيل وتهجين شأنها بأنها مقيمة لا تبرح ولا تمشي ولا تتصرف جعلها عرجاً فقال: ألهاك عن سوق المخاض الثبج وبدها لغائطٍ ملتج أحوى كلون الليل مزمئج تنبت أولات الأشاء العرج محنبات كسبايا الزنج فرد عليه صاحب النخل فقال: إني وجدت النفس في حياضها والجدول العاسل من فراضها خيراً من القعد أو اعتضاضها ونزوات القلب من أمراضها كوم الذرا لم تثن من إباضها ولم يحوط خشية ارفضاضها ومن العرجان الطائي وخطب امرأة فشكت إلى جاراتها وقالت: أيخطبني أعرج! فقال: تشكو إلى جاراتها وتعيبني فقالت معاذ الله أنكح ذا الرجل فكم من صحيح لو يوازن بيننا لكنا سواء أو لمال به حملى والأعرج الطائي هو الذي يقول: فكونوا كداعي كرة بعد فرة ألا رب من قد فر ثمت أقبلا فإن أنتم لم تفعلوا فتبدلوا بكل سنانٍ معشر الغوث مغزلا وبالدرع ذات الفرج درجاً وعيبةً وبالترس مرآةً وبالسيف مكحلا وأعطوهم حكم الصبي بأهله وإني لأرجو أن يقولوا بأن لا وحكم الصبيان مضروب به المثل وقال الآخر: ولا تحكما حكم الصبي فإنه كثير على ظهر الطريق مجاهله ومن العرجان الأشراف وأصحاب الولايات الحكم بن أيوب الثقفي ولاه الحجاج البصرة ثلاث مرات فلما كان أيام يزيد ابن المهلب وصالح بن عبد الرحمن قتل في العذاب.
ومن العرجان محمد بن ثابت مولى نصير أتلف الناس لدرهم وأبصرهم بكل شكل وزي ولباس وفرشة ومركب وأداة ومن لم ير فيه متنزهاً وأحمد بن خلف البريدي لم ير نزهة قط.
وكل ذي رجلين في الأرض وكل ذي أربع إذا قطعت واحدة أو انكسرت واحدة فإنه يمشي على الأخرى شيئاً قليلاً كان أو كثيراً وإن كان ذلك على التحامل والوثوب على رجل واحدة أو على ثلاث إلا النعامة من بين جميع الخلق فإن الظليم متى انكسرت إحدى رجليه لم يبرح مكانه أبداً مات أو عاش.
وأنشدنا ابن الأعرابي أو بعض إخواني من النحويين الثقات لبعض الأعراب يخاطب امرأةً في جفائها بأخيه وكان اسم أخيه رحبة: أرحبة عني تطردين تبددت بلحمك طير طرن كل مطير قفي لا تزلي زلةً ليس بعدها جبور وزلات النساء كثير فإني وإياه كرجلي نعامةٍ على كل حالٍ من غنىً وفقير وذكر العرج إذا عم أهل البيت وجرى القوم منه على عرقٍ أو غير ذلك من العلل والآفات كان بنو الحذاء عرجاً وكانت أرجلهم معوجة شديدة الاعوجاج فقال بشر بن أبي خازم: لله در بني الحذاء من نفرٍ وكل جار على جيرانه كلب إذا غدوا وعصى الطلح أرجلهم كما تنصب وسط البيعة الصلب قال الأصمعي: عصى الطلح وأغصانه أشد الأغصان اعوجاجاً فوصف أرجلهم بها ومن ذلك قول البطين لرجل من بني تغلب: موقع الوجه قليل الصفح له كلامٌ كعصى الطلح لأنه كان معوج الكلام مخرجه على غير الاستقامة وأنشدني أبو الرديني العكلي: فتىً كان يعلو مفرق الحق قيله إذا الخطباء الصيد عصل قيلها وبينا بيان بن سمعان في غرفة بالمدائن مع أصحابه وهو يخبرهم بما يكون من الملاحم ومر به رجلٌ أعور سكير فقال: نعم والله لا تنقضي الفتنة حتى يملك هذا الأعور أعنة الخيل إذ أشرف رجل منهم فرأى رجلاً على الباب في زي السلطان وكان الرجل رسول صاحب الخراج إلى رب الدار ولم يكن رسول السلطان إليهم فقال المشرف: أتيتم قد جاءتكم رسل السلطان فتطافروا الجدران وسقط بيان بن سمعان فانكسر ساقه وتهشم وجهه فلما علموا أن الرسول لم يكتب بسلطان وأنه إنما جاء الي رب الدار تراجعوا فقال له بعضهم: أنت تخبرنا عن الأمور الكائنة ولا تعلم بشأن هذا الرجل حتى قتلت نفسك قال: قد عرفت شأنه ولكنني أردت أن أبلو أخباركم فقال معدان الأعمى وهو أبو السري الشميطي - من أهل المازج والمديبر - يذكر بيان في قصيدته التي يذكر فيها أصناف الغالية وغيرهم ممن خالف قول الشميطية: والذي طفف الجدار من الرع - ب وقد بات قاسم الأنفال يعد الأعور المدامن سكراً أن سيقتاد ضمراً كالسعالي وإليه مع الخزائن طراً نقمات الورى وقود الرعال فغداً خامعاً بوجه هشيمٍ وبساق كعود طلح بال أناس ترى الأفخاذ منهم بسوقها مرادى سفينٍ في البطائح تمهر وصف اعوجاج سوق هؤلاء العرجان بالمرادى إذا رأيتها فإنك لا ترى المرادى إلا وهي معوجة في العين أو متكسرة وقوله: تمهر يريد تسبح وذلك لأن الماهر هو السابح.
وكان زيد بن عمارة صاحب البريد بالأهواز أعرج من رجليه جميعاً وكانت ساقه شديدة الاعوجاج فقال أبو الشمقمق: رجل زيد بن عماره مثل مفتاح مناره لأن مفاتيح المزاليج أشد أعوجاجاً من القسى الفارسية.
وبنو كابية بن حرقوصٍ صلعانهم كثيرٌ فقال القائل: أنتم بنو كابية بن حرقوص كاكم هامته كالأفحوص ولذلك قاال الآخر لبنى حمان: أجشةٌ خلقت في صدر أولكم أم كلكم يا بني حمان مزكوم وقال الآخر: نحن بنو جعدة قرعٌ صياب فطحٌ أباهيم عراض الأعقاب وقال نهيك بن أساف: في يوم غرب وماء البئر مشترك وفي مباركها الجون المصابيح يسعى بها بازلٌ فتخ قوائمه كأنهن إذا استقبلته روح والفتخ والفطح سواءٌ وقال أبو زبيد في صفة الأسد: فيضرب بالشمال إلى حشاه وقد نادى فأخلفه الأنيس بسمر كالمحاجن في فتوخ يقيها قضة الأرض الدخيس لأن الأسد وأشباه الأسد إذا وطئت الأرض دخلت أظفارها في أكمام فهي لا تمس الأرض فتأكلها فهي أبداً مصونةٌ كأنها حراب مذربة وكذلك ناب الأفعى إذا فتحت فاها فإن نابها في كم وهي كالغلاف يقال له: نابٌ أغلف فذلك قال الشاعر وهو جاهلي: فابعث له في بعض أعراض اللمم لميمةً من حنشٍ أعمى أصم قد عاش حتى هو ما يمشي بدم فكلما أفضل منه الجوع شم حتى إذا أمسى أبو عمرو ولم تمس به داهيةً ولا سقم قام وود بعدها أن لم يقم ولم يقم لإبل ولا غنم حتى دنا من رأس نضناض أصم فخاضه بين الشراك والقدم ليس إذا قلتم أبونا وأمنا هناك مدان ولا متقارب ولكن أبوكم فقعسٌ قد علمتم ومنصبكم إن عدتم في المناصب فها هذه أقدامنا في نعالكم وآنفنا بين اللحي والحواجب وإعطاؤنا في خيمنا وإباؤنا إذا ما أبينا لا ندر لغاصب وقال في ذلك مرارٌ الأسدي: رأيت بني خفافة من عقيل كرام الناس مشتبهي النعال كمثل بني أمية في قريش لكل قبيلة منهم عوالي وقال في العراق والإعداء ونزع الشبه: إذا أردت امرأة تعليها كريمةً فانظر إلى أخيها يخبرك عنها وإلى أبيها فإن أشباه أبيها فيها كما قال ابن الدمينة: إذا كنت مرتاداً لنجلك أمه بنفسك فانظر من أبوها وخالها فإنهما منها كما هي منهما كما قيس من نعل بنعل مثالها تقارب من آبائه أمهاته إلى نسبٍ أدنى من الشبر واحد بني أخوات أنكحوهن إخوةً مشاغرةً فالحى للحي والد وقال آخر في التسوية بينهم في موضع الذم والهجاء: سواسٍ كأسنان الحمار فلا ترى لذي شيبةٍ منهم على ناشئٍ فضلا وقال الهيثم: الزرقة في همدان فاشية ولذلك قال الشاعر: وما أنزل الكذاب من حل مالنا ولا الزرق من همدان غير شريد وقال آخر: إذا ما قلت أيهم لأي تشابهت المناكب والرءوس وقال آخر: إذا ما قيل أي الناس شر فشر الناس من ولد الزبير كبيرهم وطفلهم سواءٌ هم الجماء في اللؤم الغفير ثم من هذا الباب إلا أنه من المدح قوله: هينون لينون أيسارٌ ذوو يسرٍ سواس مكرمةٍ أبناء أيسار من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فأما الذي يجعل أولاد المكدين عمياناً وعرجاناً وعمشاً وحدباً فهو يسمى المشعب فلا أدري أيهم أعظم كفراً وأقسى قلباً الآباء أو الأمهات الذين يسلمون أولادهم إلى المشعب وهم أطفال حتى يعمي أبصارهم ويعرج أرجلهم ويزمنهم ويشوه بهم أو المشعب نفسه الذي ترك كل صناعةٍ في الأرض وتعلم هذه الصناعة فجعلها مكسبه التي لا يفارقها وأنا رأيت من هذه الصفة جماعةً قد أزمنوا أولادهم وكتبت عنهم تصنيف " المكدين ".
وباب آخر ونحن ذاكرون إن شاء الله كل من كان عرجه من قبل قطع رجله في الحرب وفي غير ذلك وكل أقطع وأحدب ومقعد وآدر وأعسر وأشباه ذلك والأجذم والأقطع سواءٌ قال عنترة: فترى الذباب بها يغني وحده هزجاً كفعل الشارب المترنم غرداً يحك ذراعه بذراعه فعل المكب على يديه الأجذم يريد: فعل الأجذم المكب على الزناد ويريد: المقطع اليدين ومن ذلك قول إياس بن غسان التغلبي حين قطعت يده يوم البشر: قد علمت قيس ونحن نعلم أن الفتى يضرب وهو أجذم وقطعت رجلا عبد الله بن وهب الراسبي إمام الخوارج فقاتل وهو يقول: الفحل يحمي شوله معقولا وقال أخر شعراً في هذا المعنى وهو قوله: رجل الفتى يمشي بها وبها يساعي من سعى فإذا أصيبت رجله ألف القعود وأسرعا وقطعت في الحرب رجل حاتم بن عتاب بن قيس بن الأعور بن قشير وهو الذي كان ينشد رجله وهو يقاتل فسمي ناشد رجله وهو الذي كان يحجل يوم اليرموك على الأخرى ويقاتل الروم وذهب إلى قدر زيت تغلي فأدخل رجله فيها لتكويها ويقطع عنها النزف وقال شاعرهم: أبو حمل أعني ربيعة لم يزل لدن شب حتى مات في الحمد راغبا ومنا ابن عتاب وناشد رجله ومنا الذي أدى إلى الحرب حاجبا ومن بني قيس بن ثعلبة عمر بن عبد الله ذو الكف الأشل وقد رأس وكان سيداً وهو يقول: يمدهم بالماء لا لهوانهم ولكن إذا ما ضاق أمر توسعا ومنهم الأجذم أبو ربيع بن عمرو بن الأجذم رأس الناس يوم عبيس والأزارقة.
وممن شلت يده وبقي كذلك عمر بن وازع الحنفي ضربه دلم بن صامت بن مالك أحد بني الحارث بن نمير فقال النميري: نحن صبحنا عمراً حين ظلم ملمومةً ذات غبار وقتم فيها غتيم ورياح ودلم ندقهم دقاً كنثيج الغتم وقال دلم بن صامت: أنا النميري الذي عمى عمر يرفع من أبصارهم فوق البصر مبارك الراية مرزوق الظفر بالطعن والشدات أجواف الثغر حتى يكون الناس أبناء مضر وخبرني صديق لي قال: رأيت أعرابياً مقطوع يد اليمنى ورجل اليسرى وهو يمشي على عصا ذات زج وأنشدني لنفسه: الله يعلم أني من رجالهم وإن تخدد عن متني أطماري وإن رزئت يداً كانت تجملني وإن مشيت على زج ومسمار وقال الآخر وقدموه لتقطع يده: يدي يا أمير المؤمنين أعيدها بك اليوم أن تلقي مكاناً يشينها وقال جحدر اللص لعياش الضبي: أعياش إذ وطنت نفسك فاصطبر غداً لملماتٍ سباً وسعير وأنت قطيع الرجل تمشي على العصا وكفك من عظم اليمين جذير وأحموقة وطنت نفسك خالياً بها وحماقات الرجال كثير فإن وطن الضبي نفساً لئيمةً على الذل ما نفسي لها بصبور قال: وقطعت بنو تغلب يمين عمير بن الحباب قبل أن ترضخه بالحجارة وتقتله قتله عاصم بن الأجذم الملعي.
قال أبو عبيدة: ولكن زياداً لما كان ابنه من أخيه عاصم أضيف إليه فمنهم الأجذم وأبو عاصم.
ومنهم عمير بن الحباب ويدل على ذلك قول الجحاف بن حكيم السلمي: ولقد وجدت على عمير حرةً برد الغليل وحرها لم يبرد قطع النصارى رأسه ويمينه طلب الإله للحمه المتبدد ومنهم حكيم بن جبلة أحد بني عثمان بن وديعة بن عبد القيس شهد قتل عثمان وزعم أنه الذي جاء بالزبير بن العوام إلى علي حتى بايعه وهو الذي يقول: رقابٌ كالمآجن خاظياتٌ وأستاهٌ على الأكوار كوم قتل يوم الزابوقة بالبصرة مع ابنه الأسرف وأخيه رعل فقالت أمه: ليس الرزية بالتنبال تفقده بل الرزية مثل الرعل والحكم قالوا: قطعت رجله بفخذها فتناولها فرمى بها قاطع رجله فكبده بها فسقط فزحف إليه حتى ذبحه ثم استرخى من النزف فاتكأ على قتيله وهو قاطع رجله فمر به رجل فقال: من بك قال: وسادي.
فهذا مما ينكره أصحاب الحرب وأعجب منه حديث أبي عبيدة عن أبي عمرو بن العلاء فإن كان أبو عبيدة قد صحح هذا الخبر عن أبي عمرو فإنا لله وإنا إليه راجعون.
قالوا: ولما أثبت ربيعة بن مكدم وهو على فرسه قتله نبيشة بن حبيب قال للظعن اللواتي معه: اذهبن فإني أحميكن ما دمت واقفاً على ظهر فرسي ولا يتبعونكم ما داموا يرون سواد شخصي وإن كنت ميتاً قال: فلم يتبعوهن لما رأوه منتصباً.
قال أبو عبيدة قال أبو عمرو: ما نعلم قتيلاً ميتاً حمى ظعائن غير ربيعة ولو كان الأمر كما حدثوا لما كان التي خص بها سليمان بن داود فضيلةً على حال ربيعة بن مكدم قال الله عز وجل: " فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن " الآية.
فهذا إنما كان شيئاً خص الله به سليمان وهو من علامات النبيين وبرهانات المرسلين فأما ما ترويه رواة السوء من شأت المغيرة بن الفزر ومردويه كرداني بالأهواز فهو من المحال الذي لا يخيل على ذي عقل قالوا: التقيا فاختلفا ضربتين فضرب المغيرة وسطه فمن حدته وجودته ومن شدة ضربته وقوته مر السيف في وسطه حتى نفذ من الجانب الآخر والمضروب لم يشعر به ثم قال المضروب للمغيرة: ما صنعت شيئاً قال المغيرة: فإن كنت صادقاً فتحرك فلما تحرك تباين نصفاه فسقط أحدهما عن يمين الفرس والآخر عن يساره.
فهذا من أحاديث الخرافات وليس يحتمل هذا الضرب من الأحاديث إلا من لا علم له.
وهم
يزعمون أن حلحلة بن أشيم الفزاري لما قدموه لتضرب عنقه قيل له: اصبر حلحلة قال: أصبر من عود بد
فيه جلب وقال: اصبر حلحلة قال: أصبر من