Translate

الجمعة، 18 فبراير 2022

تفسير جزئي تبارك وعم من القرآن للشيخ / عبدالرحمن اليحيا التركي



  1. فتح الرحيم الرحمن في تفسير جزئي تبارك وعم من القرآن
    للشيخ / عبدالرحمن اليحيا التركي
    المحتويات :
     المقدمة:
    مقدمة تفسير جزيء تبارك وعم من القرآن عبر وفوائد وعظات :
    الحمد لله المبتدئ بحمد نفسه قبل أن يحمده حامد والمتكلم بالقرآن والخالق للإنسان والمنعم عليه بالإيمان والمرسل رسوله بالهدى والبيان محمدا صلى الله عليه وسلم ما اختلف الملوان وتعاقب الجديدان. أرسله بكتابه المبين الفارق بين الشك واليقين . شرح فيه واجبات الأحكام وفرق فيه بين الحلال والحرام وكرر فيه المواعظ والقصص للأفهام وضرب فيه الأمثال وقص فيه غيب الأخبار فقال تعالى: {ما فرطنا في الكتاب من شيء}.
    فالواجب على من خصه الله بحفظ كتابه أن يتلوه حق تلاوته ويتدبر حقائق عباراته ويتفهم عجائبه ويتبين غرائبه قال الله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته}. وقال الله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها}.جعلنا الله ممن يرعاه حق رعايته ويتدبره حق تدبره ويقوم بقسطه ويوفي بشرطه ولا يلتمس الهدى في غيره وهدانا لأعلامه الظاهرة وأحكامه القاطعة الباهرة وجمع لنا به خير الدنيا والآخرة فإنه أهل التقوى وأهل المغفرة.
    وحاجة الأمة ماسة إلى فهم القرآن فقد امرنا الله بتدبره وعاب على الكفار والمنافقين عدم تدبره ام على قلوب اقفالها فهناك من عاش مع الفاظة وما عاش مع معانيه ونحن نعلم قبل كل شيء ان القران كلام الله تكلم به بحرف وصوت سواء كان مكتوبا في اللوح المحفوظ او في الصحف التي بين ايدينا فالقران كلام الله وهو حبل الله المتين والذكر الحكيم والصراط المستقيم الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلبس به الألسن ولا يخلق عن كثرة الترديد ولا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن عمل به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط المستقيم ومن تركه من جبار قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله القرآن رسائل من الله لكل مكلف فهو هدى للناس هدايه علمية وهدي للمتقين هداية علمية وعمليه وبينات من الهدى على صدق مااخبر به سبحانه وعدل ما حكم به والفرقان بين الحق والباطل والهدى والضلال والخير والشر والمؤمن والكافر وايضا هدى للمتقين فقد تكفل الله لمن اتبع القرآن بان لايضل ولا يشقى .
    فالقرآن يحي الله به القلوب الميته والقرآن يشفي الله به القلوب المريضه والقرآن يلين الله به القلوب القاسيه فاما القلوب الميته فالله يقول اومم كان ميتا فاحييناه وجعلنا له نورا فالقرآن حياة القلوب والقرآن يشفي الله به القلوب المريضه من الشبهات والشهوات وشفا لما في الصدور ومإذا في الصدور إلا القلوب والقرآن يلين الله به القلوب القاسيه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله لان القلوب إذا ماتت أو مرضت أو قست ثقلت عليها الطاعات ومالت إلى الشهوات فنحن بحاجة ماسة إلى تلاوة كتاب الله .
    ولنا ثلاث وقفات مع تلاوة كتاب الله الوقفة الاولى مع تلاوته فتلاوته نوعين تلاوة لفظيه رتب عليها الشرع اجرا بكل حرف حسنه والماهر بالقرآن مع الكرام البررة والنوع الثاني تلاوة حكميه وهي الغاية من تلاوته وعليها تقوم السعاده والشقاوة تصديق اخباره وتنفيذ احكامه فيفهمون معناه ويعملون بمقتضاه قال ابن تيميه من فهم القرآن فهما كاملا فهو من اعلم الناس ) فالكافر قد يحفظ القرآن لكن لايفهمه وجعلنا على قلوبهم اكنه ان يفقهوه فلم ينزل القرآن كلام يتلى فقط بل جعله الله منهج للحياة وفيه تجارب الدعوة في الارض واسباب هلاك الامم فالقرآن حجة لك أو حجة عليك فيا صاحب القرآن : إذا أخذت في تلاوة أو استماع حزب المفصل (ق-الناس) فتنبه فإنه مسك ختامه، وأفضل أحزابه، قال ابن مسعود فيه: "هو لباب القرآن" وسماه ابن عباس "المحكم" لندرة متشابهه، ولا يزهدنك فيه قصر سوره، فالمعوذتان أحب إلى الله من سورتي هود ويوسف بالنص الثابت عن رسوله، وقد تواتر أن غالب قراءته صلى الله عليه وسلم في الفريضة كانت من المفصل. فأحضر قلبك وتدبره تجده يهدي الى الحق والى طريق مستقيم (
    أما بعد) فقد أكرمني الله تعالى -وهو الكريم الذي لااكرم منه والعظيم الذي لا أعظم منه والرحيم الذي لا ارحم منه - بصحبة كتابه وقد عُنيت بدراسة التفسير في مرحلة مبكرة من عمري بعد تخرجي من كليه الشريعه ولقد كان من أكبر أمنياتي التي أرجو الله أن يحقِّقها لي، أن أتوجَّه لكتابة التفسير حفظا وتفسيرا وعلما وعملا وبدأت بتفسير سورة الفاتحة وقد وفَّقني الله تعالى لإتمام تفسير هذاالجزئين من كتاب الله سبحانه (جزءتبارك وعم مع تفسير سورة الفاتحة واية الكرسي وايتين بعدها وخواتيم سورة البقرة وسميته فتح الرحيم الرحمن في تفسير جزيء تبارك وعم من القرآن ) وكل سورة تحت عنوان اجمل ما قرات في تفسيرها وقد شرعت في تفسير بقية المفصل جزء ق وقد سمع و الله اسال أن يبارك في الوقت والعمر لإنجاز ما أؤمِّله من تفسير كتاب الله سبحانه. وقد بدات بالجزئين الاخيرين من الأجزاء التي تكثُر قراءة آياتها في الصلوات، ويحفظه أكثر أبناء المسلمين ، وفيه تقرير لحقائق العقيدة ومكارم الأخلاق، وأصول الدعوة، ومجادلة المشركين. وقد أفرده في التأليف عدد من العلماء القدامى والمعاصرين ولكلِّ مفسر منهجه وطريقته، وأسلوبه وقراؤه وهذا الكتاب الذي أقدِّمه اليوم في "تفسير جزء تبارك وعم " زادٌ نافع مبارك -إن شاء الله- للداعية والمحاضر والمدرس والخطيب. وقد تحدثتُ في عدد من الخطب بتفسير هاذين الجزئين المباركين وما أزال أتابع الخطب حول هذه الموضوعات القرآنية، فما من درس من دروسي، ولا محاضرة من محاضراتي، ولا خطبة من خطبي إلا وللدروس القرآنيه النصيب الاكبر وكان القاء هذه الدروس في جامع ابن حمران بالواديين والحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه، شافيا من كل داء، هاديا إلى كل خير وأسأل الله سبحانه أن يبارك فيما بقي من أعمارنا في خدمة كتاب الله سبحانه، وإخراج ما يوفق الله إليه من تفسير، وأن يتقبَّل مني هذا العمل وينفع ب
    وانا اعلم ان تفسير القرآن ليس بالأمر الهين لان تفسير القرآن يعنى انك تشهد على ان الله اراد به كذا وكذا فلابد ان يكون هناك دليل إما من القرآن نفسه وإما من السنة وإما من تفسير الصحابة اما ان يحور الانسان القرآن على المعنى الذى يراه بعقله او برأيه فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم " من قال فى القرآن برأيه فليتبؤ مقعده من النار) وقد قلت ما قلت في هذا التفسير وحسبي اني مقلد لمن سبق وما اردت الا الاصلاح وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب
    فالحمد لله الذي جعل صدورنا اوعية لكتابه العظيم والحمد لله الذي بنعمته وعزته وجلاله تتم الصالحات
    رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} {وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيم . {
    كتبه الفقير إلى الله تعالى عبدالرحمن اليحيا التركي 14في جماده الاخر1438هـ
    تفسير سورة الفاتحة:
    حديثي معكم عن سورة الفاتحة فهي اول سورة في القرآن وهي نزلت مرتين مرة بمكة ومرة بالمدينة وهي السورة التي يجب على كل مسلم حفظها إلا إذا عجز ولا تصح الصلاة إلا ان تقرا الفاتحة في كل ركعه من ركعاتها فعند مسلم ( كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحه الكتاب فهي خداج خداج خداج) اي غير تمام .
    ونكررها كل يوم وليلة أكثر من سبع عشرة مرة عدا النوافل والكثير منا لا يفقه معانيها.
    ومن قرأها وتدبرها وفهم معناها وجد لذة وراحة وطمأنينة فهي سورة عظيمة جمعت جميع معاني الخير .
    1- لمإذا سميت سورة الفاتحة بالفاتحة ؟ لأنها فاتحة كتاب الله وبها تستفتح الصلاة .
    2- لمإذا سميت بأم القرآن ؟ لأنها تضمنت جميع معاني القرآن وام الشيء الاصل الذي يرجع إليه لأنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصلاة.
    3-وسميت بالسبع المثاني : لان عدد آياتها سبع وتسمى بالمثاني لأنها تثنى قراءتها في كل ركعه والقرآن يسمى بالمثاني لان القصص والمواعظ تثنى وتكرر.
    4- وسميت بالصلاة : قولِ النبيِّ – صلى الله عليه وسلم - في الحديثِ الذي يرويه عن ربِّهِ أنَّ اللهَ – عز وجل - يقول: " قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَلِعَبْدِي مَا سأل " يعني الفاتحةَ " فَإذا قَالَ الْعَبْد : "الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" قَالَ اللهُ تَعَالى : حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإذا قَالَ : "الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، قَالَ اللهُ تَعَالى : أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإذا قَالَ :"مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ"، قَالَ : مَجَّدَنِي عَبْدِي - وَقَالَ مَرَّةً فَوَّضَ إِلَيَّ عَبْدِي - فَإذا قَالَ : " إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" قَالَ : هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سأل، فَإذا قَالَ : "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ " قَالَ : هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سأل".
    5- وتسمى بالرقية: لأنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم - قال عنها : " وما أدراكَ أنها رقيةٌ ". لحديث أبي سعيد في الصحيح حين رقى بها الرجل السليم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يدريك أنها رقية؟) ].هذا الحديث له قصة، وهي: أن الصحابة استضافوا بعض العرب فلم يضيفوهم، فلما ذهبوا عنهم لدغ سيدهم، فالتمسوا له الأطباء فلم يفد في شيء، ثم جاءوا إلى الصحابة وقالوا: إن سيدنا لدغ، وقد عملنا له كل الأسباب فلم ينتفع بشيء، فهل عندكم من راقٍ؟ فقال بعض الصحابة: نعم انا أرقي، ولكن لا أرقيه إلا بجعل، فقد استضفناكم فلم تضيفونا، فاتفقوا معه على ثلاثين رأساً من الغنم، فجاء رجل من الصحابة لم يكن معروفاً بحفظ القرآن، فأخذ العضو الذي فيه اللدغة وجعل يقرأ عليه: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:2] ويتفل ويرددها حتى خرج السم، فقال الصحابة: فكإنما نشط من عقال، فاستاقوا الثلاثين رأساً من الغنم، ثم تحرجوا وقالوا: كيف نأخذها ولم نسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وما يدريك أنها رقية؟! خذوها واضربوا لي معكم منها بسهم)؛ تطييباً لخواطرهم، وسمي اللديغ سليماً تفاؤلاً له بالسلامة
    6- وسميت بالشفاء :ويقال لها: الشفاء؛ لما رواه الدارمي عن أبي سعيد مرفوعاً: (فاتحة الكتاب شفاء من كل سم)
    7- وتسمى بالكافية ؛ لأنها تكفي عن غيرها وغيرها لا يكفي عنها .
    8- أعظم سورة في القرآن عن أبي سعيد بن المعلى رضي الله عنه قال: (كنت أصلي فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أجبه حتى صليت، قال: فأتيته فقال: ما منعك أن تأتيني؟ قال: قلت: يا رسول الله إني كنت أصلي، قال: ألم يقل الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24]، ثم قال: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، قال: فأخذ بيدي فلما أراد أن يخرج من المسجد، قلت: يا رسول الله! إنك قلت: لأعلمنك أعظم سورة في القرآن، قال: نعم الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي اوتيته).هذا صريح في أن الفاتحة أعظم سورة في القرآن، وأعظم آية هي آية الكرسي
    9- أعظم سورة نزلت في التوراة والانجيل والقرآن فعند مالك في الموطأ: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نادى أبي بن كعب وهو يصلي فلما فرغ من صلاته لحقه فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده وهو يريد أن يخرج من باب المسجد فقال إني لأرجو أن لا تخرج من المسجد حتى تعلم سورة ما أنزل الله في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن مثلها قال أبي فجعلت أبطئ في المشي رجاء ذلك ثم قلت يا رسول الله السورة التي وعدتني قال كيف تقرأ إذا افتتحت الصلاة قال فقرأت الحمد لله رب العالمين حتى أتيت على آخرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي هذه السورة وهي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيت
    فأنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب، جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع معاني القرآن في المفصل، وجمع معاني المفصل في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}. وهي إخلاص العبادة لله وحده
    وما بلغت هذه السورة هذه المنزلة إلا لما اشتملت عليه من الإلهيات، وإثبات النبوة، والتوحيد والمعاد، وإخلاص العبادة لله عز وجل، والرد على أهل البدع، وتقسيم الناس إلى الذين أنعم الله عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين
    10 تسمى بالنور : فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ :(( بَيْنَمَا جِبْرِيلُ قَاعِدٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، سَمِعَ نَقِيضاً مِنْ فَوْقِهِ ، فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَقَالَ : هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ الْيَوْمَ لَمْ يُفْتَحْ قَطُّ إلا الْيَوْمَ ، فَنَزَلَ مِنْهُ مَلَكٌ ، فَقَالَ : هَذَا مَلَكٌ نَزَلَ إلى الارض لَمْ يَنْزِلْ قَطُّ إلا الْيَوْمَ ، فَسَلَّمَ وَقَالَ : أَبْشِرْ بِنُورَيْنِ اوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤْتَهُمَا نَبِيٌّ قَبْلَكَ :فَاتِحَةُ الْكِتَابِ . وَخَوَاتِيمُ سُورَةِ الْبَقَرَةِ . لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهُمَا إلا أُعْطِيتَهُ )) .هذا حديثٌ صحيحٌ أخرجه مسلم
    وتشرع الاستعاذة قبل قراءتها وليست واجبة. فإذا أراد القارئ يقرأ القرآن شرع له الاستعاذة بالله من الشيطان . ومن استعاذ بالله بقلب صادق اعاذه
    وتطلب الوقاية من الشيطان وكيده مع كل قول وعمل
    ومعناها أي الاستعاذه : اعوذ والوذ واعتصم واتحرز وأتحصن بالله من شر الشيطان الرجيم ان يضرني في ديني ودنياي أو يصدني عن طاعة أو يوقعني في معصيه أو يحول بيني وبين كتاب الله وفهمه
    ومعنى الشيطان مأخوذ من شطن أي من بعد عن كل خير بفسقه
    ومعنى الرجيم اي المطرود من رحمه الله
    فالاستعاذة هي استجاره بالله واعتصام من شر الشيطان ان يضرني بضرر في ديني أو دنياي أو يصدني عن فعل طاعة أو ارتكاب ما نهيت عنه لان الشيطان نصب نفسه لعداوة الإنسان فاقسم ا ياتي الانسان عن يمينه أي الحسنات او الخير وعن شماله عن طريق السيئات او الشر ومن امامه أي يزهده في الاخرة ومن خلفه يرغبه في الدنيا ولن ينجوا منه إلا عباد الله المخلصين فلا ينجوا من حبائله إلا أهل الاخلاص واهل الاستعاذة
    والاستعاذة طلب اللجوء إلى الله وهي عمل قلبي
    وأشهر صِيغها الواردة في السُّنة: "أعوذ بالله من الشيطان الرجيم"، "أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم"، وزِيد عليهما في بعض الروايات "من همزه ونفثه ونفخه" قال: نفثه: الشِّعر، ونفخه: الكبر، وهمزه: أي موتة وهو الصرع
    الاستعاذة لها شأن عظيم شرعت قبل القراءة سواء كنت في الصلاة أو خارجها
    قراءة القرآن بدون استعاذه وبدون افتقار انا مفتقر الي معونتك وبدون تبري من الحول وطلب للتوفيق يخلط عليه صلاته وقراءته ودعاءه
    فليس كل قاري للقران قاري إنما القارئ من يتلوه فيفهم معناه ويعمل بمقتضاه
    12- وتشرع البسملة وهي ايه من كتاب الله واصلها جزء من ايه النمل انه من سليمان وانه بسم الله الرحمن الرحيم فأظهر الأقوال أنها آية مستقلة، لا تدخل في عدد آيات السورة ولا حتى الفاتحة، فالفاتحة سبع آيات بدونها فليست من الفاتحة ولا من غيرها إنما نزلت لافتتاح القراءة بها
    ومعناها ابتدئ تلاوتي متبركا باسم الله أو بكل اسم لله بسم الله نكره دخلت فيها جميع اسماء الله ابتدئ تلاوتي متبركا بكل اسم لله جل وعلا، ابتدئ تلاوتي مستعينا بالله جل وعلا، متبرئا من الحول والقوة، فإنه لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يتبرأ من الحول والقوة
    وشرعت البسملة عند كل امر أبدا تلاوتي مثلا، أو شربي، أو طعامي، أو لباسي، أو قراءتي، أو نحو ذلك، متبركا بكل اسم هو لله جل وعلا
    واختلف العلماء هل هي من الفاتحة أم لا ؟ والذي عليه أهل التحقيق انها ليست من الفاتحة وان صراط الذين انعمت عليه ايه وغير المغضوب عليهم ولا الضالين ايه في الحديث القدسي: ( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة:) ولم يقل: فإذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم، بل ابتدأ بالحمد.
    فائدة البسملة بركة وتحصين واستعانة
    امرنا الله بالبسملة مصلحة لنا لنطلب البركة والزيادة من الخير ومن الثواب في الصلاة والتلاوة ونطلب المنفعة ودفع المضرة في الطعام والشراب
    والبركة نوعان بركة ذوات وهذه خاصة بالأنبياء وبركة أعمال فالقرآن مبارك والسنة كذلك .
    والراجح أن البسملة آية من القرآن مستقلة، ليست من الفاتحة ولا من غيرها، وإنما أنزلت لافتتاح القراءة بها وهي اي البسملة من سنن الصلاة وبعضهم اوجب قراءتها في الركعة الاولى
    قوله الحمد لله رب العالمين
    الحمد لله ثناء على المنعم بكل نعمه انعم بها علينا فله المحامد والمدائح كلها بقلبي وجوارحي ولساني
    والحمد نوعان لما يستحقه بنفسه من نعوت الكمال والجمال فنحمده على ذاته واسمائه وصفاته وافعاله فليس فيها ما يذم فهو منزه عن كل عيب ونقص فالله محمود على كل شيء فله الحمد كله
    ونحمد على عطائه واحسانه فقد ربانا بجميع النعم فله المحامد كلها وهو مستحق لها وما استحقها غيره الامن الله لأن الله الذي اعطاه فالانسان يحب الشيء اما لشيء فيه صفه عظيمه فمثلا تحبه لان صوته جميل او لانه شجاع او لكونه كريم واما ان تحبه من اجل الحصول على شيء وكلها اجتمعت في الله
    فالحمد مدح وثنا ء على الله بصفات الكمال مع المحبة والتعظيم
    فقد تمدح بشرا وانت لا تحبه إما خوفا واما طمعا والحمد في الحقيقة كله لله فكل نعمة هو مسديها موليها بواسطه أو بغير واسطه لكن من صنع لك معروفا من البشر فاشكره وكافئه نعم كل نعمة فمن الله ولكن نشكر من كان سببا في ايصال النعم الينا مع اعتقاد انها من الله تصور انسان قام بضيافتك ثم تقول لا فضل لك المنة لله وحده نعم الفضل كله لله ولكن جعله الله سببا في ايصال النعمة لك من لا يشكر الناس لا يشكر الله
    فافضل الدعاء الحمد والحمد لله تملأ الميزان والحمد كله لله ونحن حينما نتذكر نعم الله نحبه فمحرك المحبة في القلب ذكر نعمة وكثرة ذكره
    والحمد أنواع كثيرها
    النوع الاول : أنه جل وعلا محمود على أنه واحد في ربوبيته ،وانه هو الرب المالك الخالق الرازق المحي المميت
    النوع الثاني : أن الله جل وعلا محمود على الوهيته فهو الاله الحق وما عداه فهو باطل فهم لا يخلقون ولا يسمعون ولا ينفعون ولا يضرون
    النوع الثالث : أن الله جل وعلا محمود على أسمائه وصفاته فنحمده على كمال صفاته فكل صفة من صفاته نحمده عليها وعلى اثارها ومتعلقاتها فالحمد يكون اما من اجل حصول نعمه او لصفة فيه
    فتقول حمدت فلان من البشر لشجاعته أو لكرمة أو لحلمه حمدت فلان لتواضعه وهذه الصفات الحميدة للبشر الله هو الذي منحها فنحن نحمد الله لكمال أسمائه وصفاته
    النوع الرابع: أن الله عز وجل محمود على ما شرعه من الشرائع وما انزله من الكتب لان البشر بدون شرع يصبح ون كالبهائم (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا)
    النوع الخامس ان الله عز وجل محمود في كل ما قضاه وقدره فهو المحمود على كل حال فانه لا يظلم مثقال ذرة سواء علمت الحكمة أو لا فكل قضاء قضاه فهو خير علمته أو لم تعلمه هذا الخضر في سورة الكهف كان موسى مصاحبا له ولكن الخضر عنده علم من الله ولو كان من فعل الخضر فهو مذموم لان تصرفات البشر عشوائية وإذا كان عن امر الله فهو محمود ولذلك قال الخضر وما فعلته عن امري تصور انسان تجده منقطع ثم تحمله في السفينة ثم يقوم بخرقها فانكر عليه موسى فقال ان وراءهم ملك يأخذ كل سفينه صالحه ثم قتل الغلام وقال ابواه مؤمنين فخشينا ان يرهقهما طغيانا وكفرا
    فكل ما قضاه الله خيرا . عجبا لأمر المؤمن ان امره كله خير إذا شكر وصبر
    ومن هنا إذا أراد الله بك خير والخيرة فيما اختار الله ولو كنت تكره ذلك فمن فقد مالا أو ولدا أو زوجه وواجه ذلك بالرضا ، فالله أراد بك خيرا وقابلته بالرضا . فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط فهو محمود على افعاله وقضاءه وقدره لأنه أراد بالمصاب ثوابا أو رفعه على المصيبة
    والمصاب من حرم الثواب لان الله خبأ له ثوابا عظيما كما في حديث المراءة التي تصرع فمنا من يرضى ومن من يسخط
    والنوع السادس يحمد على توفيه لاوليائه وثوابهم ويحمد على عدله وعقوبته لأعدائه
    السابع يحمد على كل نعمة انعم بها على خلقه
    الثامن يحمد على انجازه لوعده
    فحمده ملأ الكون كله له الحمد اولا واخرا وظاهرا وباطنا وله الحمد في الاولى والآخرة
    وفي سورة الفاتحة نحمده على اربعة امور كما سياتي في قوله مالك يوم الدين
    قوله الرحمن الرحيم
    اسمان من اسمائة يتضمنان صفة من صفاته وهي الرحمة فالرحمن والرحيم اسمان والرحمة صفه وفي الدعاء يا حمن الدنيا والاخرة ورحيمهما
    الرحمن ذو رحمة واسعة شملت جميع الخلائق في الدنيا بر وفاجر مؤمن وكافر وللمؤمنين في الآخرة
    اما الرحيم فهو ذو رحمه بالمؤمنين وكان بالمؤمنين رحيما
    فقد وسعت رحمته كل شيء فأعظم مخلوق خلقه الله العرش وأعظم صفة لله سعة رحمته وعلمه ورحمتي وسعت كل شيء ورحمته سبقت غضبه عن أبي هريرة كما في كتاب في الرقاق للبخاري إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ولمسلم من رواية عطاء عن أبي هريرة إن لله مائة رحمة وله من حديث سلمان إن الله خلق مائة رحمة يوم خلق السماوات والارض ، كل رحمة طباق ما بين السماء والارض فأمسك عنده تسعة وتسعين جزءا ) وأنزل في الارض جزءا واحدا فبها يتعاطفون ، وبها يتراحمون ، وبها تعطف الوحش على ولدها )
    والله ارحم بعبادة من الوالدة الشفيقة على ولدها
    واتصاف الإنسان بالرحمة فهو خلق عظيم مدح الله بها من تخلق بها «مَنْ لَا يَرْحَمِ النَّاسَ لَا يرحمه الله» . متفق عليه. «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الارض، يرحمكم من في السماء» .حديث: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء".
    الرحمة لها شان عظيم والانسان حينما يقرأ الرحمن الرحيم يرجوا رحمه الله ويتذكر كرمه
    قوله (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) وفي القراءة السبعية الأخرى المتواترة (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) (مَلِكِ) و(مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الملك صفة ذاتيه والمالك صفة فعليه
    مالك يوم الدين الملك الشامل المطلق الدائم الذي لايشاركة فيه احد لله وملك البشر مؤقت وقليل ومحدود ومنحه ويسلب ويزول فالملك كله لله اصبحنا وامسينا والملك كله له ولكنه حصر الملك له يوم القيامة وله الملك يوم ينفخ في الصورلان لا احد يامر في ذلك اليوم فالامر يومئذ لله وهذا يورث في القلب الخوف من الله لأنه يوم القصاص
    الله له ملك السموات والارض ولكن اعطى الناس ملك مجازي فلا يتصرفون فيه إلا بإذن الله وكذلك اعطانا المال والولد وحدد لنا حدود ليبلوكم فيما اتاكم ولكن يوم القيامة تذهب الاملاك والملوك (يقبض الله الارض يوم القيامة ويطوي السماء بيمينه ثم يقول: انا الملك أين ملوك الارض)
    تذهب الاملاك والملوك يوم القيامة الدنيا ذهبت وذهب معها سلطة الملوك الدنيا ذهبت وذهب معها غنى الاغنياء الدنيا ذهبت وذهب معها فقر الفقراء وعنت الوجوه للحى القيوم
    يخرج ملوك الارض يوم القيامة والناس جميعا حفاه عراه بهما ليس معهم شيء كان لهم في الدنيا صوله وجوله ولكن إذا بعث ما في القبور وحصل ما في الصدور تتساوى الاقدام كلها حفاه عراه لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله فلا أحد يأمر بشيء
    والفقير يوم القيامة من عنده سيئات وليس عنده حسنة واحدة ذهبت الدنيا وما بقى إلا الحسنات والسيئات
    (يَوْمِ الدِّينِ) يوم الجزاء، يوم الحساب يَوْمَ القيامة ( اليوم تجزى كل نفس بما كسبت ) يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ) يوم العدالة يوم القصاص يوم يقتص المظلوم من الظالم يوم اداء الحقوق ففي الحديث (لَتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة )
    ولله ما في السماوات وما في الارض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى ) وقوله تعالى قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا )
    ومن هنا إذا قرانا مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي
    فالله ذكرنا في بداية الفاتحة بان نحمده ونذكر نعمة حتى نحبه فاثنى الله على نفسه بان له الحمد وانه مخصوص له واثنى على نفسه بانه رب الخلق اجمعين
    وذكرنا بسعة رحمته لنرجوه وندعوه فاثنى على نفسه بانه رحمن رحيم رحمن الدنيا والاخرة ورحيمهما
    وذكرنا بيوم الحساب يوم لا تملك نفس لنفس شيئا لنخافه فاثنى على نفسه بان مالك يوم الدين ( وله المك يوم ينفخ في الصور ) ويحاسب الناس على أعمالهم ثم جاء بعدها
    اياك نعبد
    كأنه يقول لنا من يستحق العبادة لاشك ان الله وحده هو من يستحق العبادة لان جميع الاله الاخرى كلها لا تخلق ولا ترزق ولا ترحم ولا تملك يوم الحساب نفعا ولا ضرا ولا تملك حياة ولا موتا ولا نشورا ومن ثم قلنا بعد الحمد والثناء والتمجيد اياك نعبد واياك نستعين
    فبعد الثناء أعقبها التوسل بالعبودية وهذان التوسلان بالحمد والأسماء والتوسل بالتوحيد لا يكاد يرد معهما دعاء إذا وافق حضور قلب
    قولة تعالى اياك نعبد واياك نستعين
    وهذا تعهد والتزام بإخلاص العبودية لله ولمإذا حصرت العبودية في الله لأنه لا معبود بحق يستحق العبادة غيره
    فالله هو الاله الحق والعبادة حق له لأنه الخالق الرازق المالك لكل شيء ولهذا أنكر الله علي من عبد غيره أروني مإذا خلق الذين من دونه
    الفاتحة فيها حقان حق لله وحق للعبد حق الله العبادة وحق العبد الاستعانة ومن ثم اشرف المنازل العبودية لان الله خلق الخلق ليعبدوه وبألوهيته يوحدوه فإذا قام العبد بما خلق له شرف وكمل
    واياك نستعين
    طلب العون على اداء حقه فانه لاحول وقوة إلا بالله وهي تجمع أصلين الثقة والاعتماد علي الله
    وكلما كانت العبودية لله أتم كانت الإعانة من الله أتم
    وفيها أنفع الدعاء طلب العون على مرضاته ولذلك اعلم انه إذا لم يعينك الله على عبادته لا تستطيع ومثال ذلك طاولة ثقيلة حاولت حملها فلم تستطيع فقلت لرجل ساعدني عليها ولو لم يساعدك ما استطعت عليها
    واذا تبين هذا فإخلاص العبادة لله وحده هو توحيد العبادة لا نعبد إلا الله واركان العبادة ثلاثة الحب والخوف والرجاء
    فأساسُ العِبادةِ اجتماعُ المحبةِ، والرَّجَاءِ، والخوفِ. خلافا لفرق الضلال فالصُّوفيةُ تعبدُ اللهَ بالمحبةِ فقطْ دونَ الخوفِ والرَّجَاءِ، ويقولون : لا نعبدُ اللهَ خوفًا من نارِهِ، ولا طمعًا في جنتِهِ، وإنما نعبدُهُ لأننا نُحِبُّهُ. وهذا ضلالٌ والعِيَاذُ باللهِ؛ لأنَّ الرُّسُلَ والملائكةَ أفضلَ الخلقِ يخافون اللهَ ويرجونَهُ اولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا
    وهناك مَنْ عبدَ اللهَ بالرَّجاءِ فقط وهم الْمُرجِئَةِ الذين يعتمدون على الرجاءِ، ولا يخافون من الذُّنُوبِ والمعاصِي، يقولون : الإيمان بالقلب ويرتكبون المحرمات ويتركون الواجبات بحجه ان الله غفور رحيم
    وهناك من يعبدونَ اللهَ بالخوفِ، فيأخذونَ بنصوصِ الوعِيدِ، ويتركُونَ نُصوصَ الوعْدِ والخوفِ والرَّحمة. احد الاخوه سمع موعظة فقال إذا سمعته تيأس من النجاة كله تخويف وتقنيط من رحمه الله
    ومن هنا أساس العبادة الحب والخوف والرجاء فالحب مقصود لذاته لِأَنَّهَا تُرَادُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ولا تحصل العبودية بدون محبه وتعظيم فالتوحيد تحب الله بقلبك كله وترضيه بجهدك كله والذين امنوا أشد حبا لله ومحرك الحب كثرة ذكر الله لتعلق القلب به ومطالعة آلائه ونعمة ففي الحديث احبوا الله لما يغذوكم من نعمة )
    والخوف والرجاء مقصود لغيره
    المحبة مثل: المركب الذي يركب عليه الإنسان.
    • والرجاء مثل: الحادي الذي يحدو الإنسان إلى المسير. يقوده إلى الخير
    • والخوف مثل السائق الذي يسوق الإنسان، ويزجره إلى المواصلة والغرض طمعا في الثواب وخوفا من العقاب
    ابن القيم -رحمه الله- يذكر في المدارج مثلاً آخر جميلاً: أن القلب مثل الطائر، الحب رأسه، والرجاء والخوف جناحاه.
    أيهما أهم: الرأس أم الجناحان ؟
    الأهم هو الرأس؛ فلو قُطع الرأس مات الطائر، لكن لو قطع الجناحان لا يموت, وإنما يظل عُرضة لكل من يريد أن يصيده, أو يذبحه.
    لذلك لابد من التوازن مثل الطعام هناك مقدار من الماء، ومقدار من الملح، ومقدار من الزيت، ومقدار من البهارات لكن لو زاد واحد منها على الآخر ما الذي يحدث؟ هذه الوجبة تفسد، إما فساداً كلياً، أو فساداً جزئياً؛ فتذوق الطعام تجده مالحاً، أو تجده غير مناسب
    وطريقةُ المؤمنين هي الجمعُ بين المحبةِ والرَّجَاءِ والخوفِ. هذا هو الإيمان، وهذا هو طريقُ الحقِّ.
    وبما ان التوحيد يقوم على المحبة والتعظيم فتحب الله بقلبك كله وترضيه بجهدك كله
    المحبةُ تنقسمُ إلى أربعةِ أنواع :
    1- محبَّةٌ شِرْكِيَّةٌ : وهي محبةُ الأصنامِ، والاوثانِ، وكلِّ ما يُعبدُ من دونِ اللهِ. يقولُ اللهُ – تعالى -: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أشد حُبًّا لِلَّهِ".
    2- محبةٌ محرمةٌ : وهي محبةُ مَنْ يُبْغِضُهُ اللهُ – سبحانه وتعالى - من الممنوعاتِ، والمنهياتِ، والمحرماتِ، ومن ذلك محبَّةُ المشرِكينَ، والكفَّارِ.
    3- محبةٌ طَبِيعيةٌ : وهي محبةُ الإنسان لاولادِهِ، ولأبويهِ، ولزوجتهِ، ولأصدقائِهِ. لكن متى يُؤَأخذ الإنسان على المحبةِ الطبيعيةِ ؟ لا يؤأخذ عليها الإنسان إلا إذا قَدَّمَهَا على محبةِ اللهِ ورسولِهِ، فإنَّهُ حِينئذٍ يأثمُ ( قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) فإذا قدَّمَ محبةَ هذهِ الأشياءِ على ما يحبُّهُ اللهُ ورسولُهُ، فإنه متوعَدٌ بهذا الوعيدِ.
    4- محبةٌ واجِبَةٌ : وهي محبةُ اولياءِ اللهِ، وهي المحبةُ في اللهِ، والموالاةُ للهِ – عز وجل فاوثقُ عُرَى الإيمان، وأعظم ما يعبدُ به العبدُ ربَّهُ حُبُّ أهل التوحيدِ، وبغضُ أهل الشِّرْكِ
    ومختصر القول
    اياك نعبد افراد الله بالعبادة وهي الاخلاص ونظيرها واياي فارهبون لا تخافون إلا اياي واياي فاتقون لا تتقون إلا اياي ( بل الله فاعبد وكن من الشاكرين
    قوله اهدنا الصراط المستقيم :اول السورة ثناء على الله وغايتها اياك نعبد ووسيله العبادة الاستعانة بعدها جاء الطلب وهو أعظم مطلوب وهو افضل دعاء واوجب دعاء وأعظم دعاء وبه سعادة الدنيا والاخرة
    ووقوف الإنسان في الصلاة وهو يقرأ الفاتحة ساهيا لاهيا غافلا خيبة وحرمان وخسران
    بل ان انصراف القلب عن الله في الصلاة بلاء عظيم
    ونحن حينما نطلب الهداية
    نطلب هداية الارشاد والتوفيق ونقول اللهم زدنا هدى وثبات
    وكأن سائل يسال اي صراط فجاء بعدها
    صراط الذين انعمت عليهم
    وهم من عرف الحق واتبعوه فعرفوا الحق من الباطل واثروا الحق على الباطل فانه لا يكفي معرفه الحق مالم تعمل به فالصراط هو الاسلام ولا اسلام بدون قران وسنه
    غير المغضوب عليهم
    وهم من عرف الحق وتركه وصف الله إليهود ( يعرفونه كما يعرفون ابناءهم ) لكن كفروا به
    غير المغضوب عليهم
    وهم من عبد الله على جهل تصور رجل عرف ان الصلاة حق ولم يصلى ورجل آخر ذهب يصلي المغرب خمسا فكان على ضلال من فارق الدليل ضل السبيل
    المحتويات
    شرح ايه الكرسي أعظم ايه في كتاب الله
    حديثي معكم اليوم عن آية عظيمة في كتاب الله بل هي أعظم آية في كتاب الله.
    آية كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرؤها كثيراً في مواضع كثيرة فكان يقرؤها في كل صباح ومساء وفي دبر كل صلاة وعند النوم وعندما يريد أن يرقي نفسه أو يرقي غيره صلى الله عليه وسلم.
    والسؤال لمإذا هذه الآية أعظم اية في كتاب الله لأنها لا تشتمل على اوامر ونواهي وليس فيها احكام ولا اخبار فكلها صفات لله وتوحيده وتنزيهه عما لا يليق به ولم يجتمع ذلك في اية مثلها وقد ورد في فضائلها احاديث كثيرة ابرزها ان من قرأها عند نومه فهي حرزاً من الشياطين والجن والسحرة والمشعوذين ففي الحديث عند البخاري انه من قراها ( فإنه لن يزال عليك حافظ من الله تعالى ولا يقربك شيطان حتى تصبح ) تصور لو قال رجل اريد حارس عند نومي كم يكلفه كل يوم فهذه الآية تحرسك من جميع الشرور فما ايسر هذا الأمر وما أكثر من يتهاون بهذا
    هذه الآية تحرسك ولا يزال عليك من الله حافظا ولا يقربك شيطان حتى تصبح فاحرص على قراءتها
    اشتملت على عشر صفات لله :
    1- الله لا إله إلا هو اي لا معبود بحق إلا الله فمن اعتقد ان النافع أو الضار غير الله لم يحقق معناها ولا ينفعه فيتعين على العبد صرف جميع أنواع العبادة والطاعة والتأله له تعالى؛ لكماله، وكمال صفاته، وعظيم نعمه
    2- الحي القيوم هذان الاسمان الكريمان يدلان على سائر الأسماء الحسنى
    الحي حياة الله كامله وهي تستلزم جميع صفات الذات وحياة الله لا يشبهها حياه فحياته لا يسبقها عدم ولا يلحقها فناء بخلاف الإنسان فحياته سبقها عدم ويلحقها فناء وجميع المخلوقات فالله حي باقي دائم وتوكل على الحي الذي لا يموت فالله قهر بالمخلوقات بالموت
    القيوم هو الذي قام بنفسه وقام بغيره، وذلك مستلزم لجميع الأفعال التي اتصف بها رب العالمين
    فهو قائم بنفسه ومقيم لغيره مستغن عن خلقه وجميع خلقه محتاجون إليه فهو سبحانه قائم على كل شيء والقائم بشؤون خلقه من حيث رزقهم ونعمهم ودفع الضر وجلب النفع يقال قيم البيت القائم بشؤونه
    الحي القيوم هما الاسم الأعظم لله لانهما يدلان على سائر اسماء الله الحسنى
    لا تأخذه سنة ولا نوم
    من تمام حياته وقيوميته انه سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم
    الإنسان له حياة ويتخللها نوم والنوم جزء من الموت
    والسنة مقدمه للنوم
    ولكن الله لا تأخذه سنة ولا نوم حياة الله دائمة فلو نام سبحانه لغفل عن جميع خلقه وفي الحديث ان الله لا ينام ولا ينبغي ان ينام ) رواه مسلم فهو القائم على خلقه بما يصلحهم لا يغفل ولا ينام
    {له ما في السماوات وما في الارض} أي: هو المالك وما سواه مملوك، وهو الخالق الرازق المدبر وغيره مخلوق مرزوق مدبر فالملك لله وحده لا شريك له وكل صباح نقول اصبحنا واصبح الملك لله والحمد لله
    فله ملك السموات والارض ولا شريك له في ذلك وملك الناس في الدنيا ملك مجازي لا تتصرف فيه إلا بإذن وتحاسب عليه فالله يملك الناس وما ملكوا كما في تلبية كفار قريش تملكه وما ملك
    تذهب الاملاك والملوك يوم القيامة الدنيا ذهبت وذهب معها سلطة الملوك الدنيا ذهبت وذهب معها غنى الاغنياء الدنيا ذهبت وذهب معها فقر الفقراء وعنت الوجوه للحى القيوم والفقير من لقي ربه وعنده سيئات وليس معه حسنة واحدة
    قوله من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه
    لا أحد يستطيع يشفع ويتوسط لاحد عند الله إلا ان يأن الله له
    فلا يشفع أحد لاحد يوم القيامة إلا بعد أن يأذن الله له بالشفاعة، حتى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا يشفع لاحد إلا بعد أن يأذن الله له، فيُقال له: "يا محمد، ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع".
    والشرط الثاني فبعد ان يأذن للشافع ان يرضى عن المشفوع له فلو كان كافر فلا يأذن له ( فما تنفعهم شفاعه الشافعين لا)
    فالشفاعة بيد الله، ولن يشفع أحد إلا بعد أن يأذن الله له بأن يشفَّع ويرضى عن المشفوع؛ يقول الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاواتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ﴾.
    قوله ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾؛ أي: يعلم ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم
    علم الله كامل وعلم الإنسان ناقص فالله يعلم ما ضيك وحاضرك ومستقبلك ويعلم الأشياء قبل وقوعها
    قوله ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء
    أي: لا يطَّلع أحد من علم الله على شيء إلا بما أعلمه الله
    فعلم الله لا يستطيع أحد ان يعلمه إلا إذا علمة الله ( ولا يأبى كاتب ان يكتب كما علمه الله )
    قولة وسع كرسيه السموات والارض
    عنِ ابنِ عبَّاسٍ أَنَّهُ قالَ الكُرسِيُّ موضِعُ القَدمَينِ والعَرشُ لا يَقْدُرُ قدْرَهُ إلا اللهُ عزَّ وَجَلَّ
    وهذا يدل على كمال عظمته، وسعة سلطانه، إذا كان هذه حالة الكرسي أنه يسع السماوات والارض على عظمتهما وعظمة من فيهما، والكرسي ليس أكبر مخلوقات الله تعالى، بل هنا ما هو أعظم منه وهو العرش، وما لا يعلمه إلا هو، وفي عظمة هذه المخلوقات تحير الأفكار فكيف بعظمة خالقها ومبدعها
    قال ابن عباس : " كرسيه موضع قدميه ، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عز وجل " فيه اثبات صفة القدمين لله وهي .صفة لله تعالى حقيقة على ما يليق بعظمته
    عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " يُلْقَى فِي النَّارِ، وَتَقُولُ: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ حَتَّى يَضَعَ رِجْلَهُ أو قَدَمَهُ فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ "
    فالبخاري قال قدمه
    فأمَّا النَّارُ فلا تمتلئُ حتَّى يضعَ اللَّهُ تبارَك وتعالى رجلَه تقولُ قَطْ قَطْ قَطْ فَهنالِك تمتلئُ ويزوي بعضُها إلى بعضٍ ولا يظلِمُ اللَّهُ من خلقِه احدا وأمَّا الجنَّةُ فإنَّ اللَّهَ ينشِئُ لَها خلقًا )
    ولِكليكما عليَّ ملؤُها
    ﴿ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ﴾؛ أي: لا يُعجزه ولا يثقله ولا يشتد عليه حفظ السموات والارض
    فالله سبحانه مع سعة ملكه وكثرة خلقه لا يعجزه ولا يثقله حفظهما
    وهذه الآية تحكي على قدره الله في حفظ خلقه وسماوته وارضه وهي من آيات الحفظ
    وهو العلي العظيم
    العلى في ذاته والعلي في قهره والعلي في صفاته فهو العلي علو الذات وعلو الصفات و
    والعظيم في ذاته والعظيم في صفاته
    فاشتملت هذه الآية على أنواع التوحيد وعلى إحاطة ملكه، وإحاطة علمه، وسعة سلطانه وجلاله ومجده، وعظمته وكبريائه، وعلوه على جميع مخلوقاته، فهذه الآية بمفردها عقيدة في أسماء الله وصفاته، متضمنة لجميع الأسماء الحسنى والصفات العلا
    لا اكراه في الدين
    بعد ان بين الله لنا صفاته وعظمته وسعه ملكه وكثرة خلقه وقدرته فمن الذي يستحق العبادة وما دام هذه صفاته فلا معبود بحق إلا الله
    والمعنى ان هذا الدين بيِّن واضح تقبله الفِطَرُ والعقول وأن احدا لا يدخله عن كراهية وإنما يدخله عن اقتناع وعن محبة ورغبة
    فالأمر واضح فلا اكراه في الدين اي لا اكراه في الدخول في الاسلام اي ما أحد يكره على الدخول في الدين إلا عن قناعة فلا يجبر لأنه شيء في القلب واقتناع في القلب ولا يمكن أن نتصرف في القلوب وأن نجعلها مؤمنة هذا بيد الله عز وجل هو مقلب القلوب ، وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء
    قوله قد تبين الرشد : الرشد في الاصل هو حسن المسك أو حسن التصرف والمراد به هنا الاسلام والإيمان بالله
    والغي : هو سوء التصرف أو سوء المسلك وهو الكفر والمراد به الضلالة على علم فاختار الضلالة طريق الضلالة على علم
    فلا يكر أحد على الدخول في الاسلام بعد ان تبين الرشد وهو الاسلام من الغي وهو الكفر
    بمإذا تبين الرشد من الغي قالوا بأربعة أمور
    1- تبين الرشد من الغي بكتاب الله فقد تبين الحق من الباطل والصلاح من الفساد والرشد من الغي فالقرآن تبيانا لكل شيء
    2- السنة المطهرة تدل على الرشد فوضحت المجملات والمبهمات
    3- ومما يدل على الرشد هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلوكه في عبادته ومعاملته ودعوته
    4- ومما يدل على الرشد سلوك الخلفاء الرأشدين وطريقتهم
    هذه الأمور والطرق الأربعة تبين الرشد من الغي فمن دخل في الاسلام دخل في الرشد ومن ابى بقي على الغي وهو الكفر
    ومن هنا لا يكره أحد على الدخول في الاسلام
    اي ما أحد يكره على الدخول في الدين إلا عن قناعة فلا يجبر لأنه شيء في القلب واقتناع في القلب ولا يمكن أن نتصرف في القلوب وأن نجعلها مؤمنة لان القلوب بيد الله ان شاء اقامها وان شاء ازاغها وهو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء وبالمثال يتضح المقام
    الاب لو أرسل ابنه ليشتري له غرضا ما ثم تفاجء الاب ان الاب لم يشتري الغرض وأخذ شيئا آخر فالأب عاجز عن ان يغير أو يحبب لابنه ما يريد هو ولكن الله سبحانه وله المثلى الأعلى قادر ان يلقي في قلوب العباد الخير والشر فمن يؤمن بالله يهدي قلبه فمن يرد الله يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا
    الله سبحانه علم ان فرعون كافر وعلم ما في قلبه انه إذا تبين له الحق لن يتبعه ومع ذلك أرسل له موسى من باب اقامة الحجه عليه وتبين منهج الدعوة
    فواجبنا الدعوة إلى الله عز وجل والبيان والجهاد في سبيل الله لمن عاند بعد أن عرف الحق وعاند بعد معرفته فهذا يجب علينا أن نجاهده ، وأما أننا نكرهه على الدخول في الإسلام ونجعل الإيمان في قلبه هذا ليس لنا ، وإنما هو راجع إلى الله سبحانه وتعالى
    فنحن نبيّن للناس هذا الدين ، وثانيًا نجاهد أهل العناد وأهل الكفر والجحود حتى يتبين الرشد من الغي
    فلا اكراه في الدين هذا عند الدخول في الاسلام
    لكن بعد الدخول في الاسلام يلزم الداخل في الاسلام بجميع الاحكام ومن ارتد فهذا يقتل ؛ لأنه كفر بعد إسلامه وترك الحق بعد معرفته فهو عضو فاسد
    فمن يكفر بالطاغوت
    فسره ابن القيم بانه يتبرا ويتخلى عن كل معبود أو متبوع أو مطاع
    فالتبري عن كل معبود كالأصنام ونحوها
    والتبري عن المتبوع كالأحبار والرهبان طواغيت إذا حللوا ما حرم الله
    والتبري عن المطاع كالأمراء وذوي الجور والسلطة تشريعيه أو نظاميه
    فمن يكفر بالطاغوت اي يتبرا منه
    قوله ويؤمن بالله
    الإيمان هو التصديق المتضمن الاستسلام والانقياد وهو يتضمن اربعه أمور
    1- الإيمان بوجود الله هل رايته والجواب لا ولكن امنت به بالعقل والفطرة علمت بوجود الله فكيف عرفته عرفته باسمائه ومخلوقاته
    اما مخلوقاته فسماء ذات ابراج وارض ذات فجاج وبحار ذات امواج إلا تدلان على السميع البصير
    وكيف عرفته بأسمائه عرفت ذلك عن طريق الوحي فيجتمع العقل والوحي في معرفه أسمائه وصفاته
    وإذا تبين لنا هذا فمن يستحق العبادة إذا كان الله سبحانه وتعالى الخالق الرازق المدبر الذي له ملك السموات والارض ولا شريك له في ذلك فهو وحده من يستحق العبادة
    وما عداه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر ولا يملك شيئا
    ومن هنا الإيمان بالله يكون بالإيمان بوجود وبربوبيته واسمائه وصفاته والوهيته اي انه هو المستحق للعبادة
    قوله فقد استمسك بالعروة الوثقى
    استمسك صيغه مبالغة حينما تحذف الالف والسين اي تمسك بالإسلام واوامره ونواهيه حتى الممات
    استمسك اي تمسك
    العروة الوثقى هي الاسلام والعروة هي التي لا تنفك ولا تنقطع لأنها كلمة التوحيد
    لا انفصام لها لأنها محكمة وقويه
    فلا اكراه في الدخول في الاسلام لان الدخول في الاسلام يكون باقتناع ولا يجبر أحد لان أعمال القلوب لا يصلح فيها الاكراه لكن من دخل في الاسلام يلزم بجميع احكام الاسلام
    والله سميع عليم
    فيجازي كلا منهما بحسب ما علمه منهم من الخير والشر، وهذا هو الغاية لمن استمسك بالعروة الوثقى ولمن لم يستمسك بها.
    قوله الله ولي الذين امنوا
    بعد ان بين الله طريق الجنة والنار وامرنا بالإسلام ونهانا عن الكفر وتبين الرشد من الغي بين لنا هنا النتيجة
    فمن اسلم واتبع الرشد فالله يتولاه ويخرجه من الظلمات إلى النار وهو على نور من ربه
    ومن كفر بالله واتبع سبيل الغي تولاه الشيطان ويهديه إلى عذاب السعير ويخرجه من النور إلى الظلمات ومن يعش عن ذكر الرحمن وهو القرآن نقيض له شيطانا فهو له قرين ومن لم يقبل
    المحتويات
    خواتيم سورة البقرة :
    حديثي معكم اليوم عن خواتيم سورة البقرة فقد أعطى الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم خواتيم (سورة البقرة)من كنز تحت العرش لم يعطهن نبي قبله) رواه احمد .ومن تدبر هذه الآيات وفهم ما تضمنته من حقائق الدين، وقواعد الإيمان الخمس، والرد على كل مبطل، وما تضمنته من كمال نعم الله تعالى على هذا النبي صلى الله عليه وسلم وأمته، ومحبة الله سبحانه لهم، وتفضيله إياهم على من سواهم
    علم عظم هاتين الآيتين فهي فذلكة لسورة البقرة وهي تكفي صاحبها الشرور وتكفيه عن العمل وقيام الليل وغيره ففي البخاري (مَنْ قَرَأَ بالْآيَتَيْنِ مِنْ آخر سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ"[1]. قيل: كفتاه أي دفعتا عنه الشر، والمكروه، وقيل: كفتاه من كل شيطان، فلا يقربه ليلته ولاشك ان لها نورا معنويا للملازم لقراءتهما ونفعا حسيا ملموسا
    وعند مسلم (لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم انْتُهِيَ بِهِ إلى سِدْرَةِ المنتهى فأعطي رَسُولُ اللَّهِ صلى اللهُ عليه وسلم ثَلَاثًا، أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا، الْمُقْحِمَاتُ )
    لما كانت (سورة البقرة) سِنام القرآن، وأكثر سوره أحكاما، وأجمعها لقواعد الدين؛ أصوله وفروعه وذكر فيها اسم الله الأعظم وأعظم ايه في كتاب الله وذكر منشا البشر ومخازي بني اسرائيل ثم تشريع الصلاة والصيام والحج والزكاة والقصاص والأحوال الشخصية وحقوق الابناء والنساء وحقوق المال وتحريم الربا فكانت هي سنام القرآن لطولها وكثرة الاحكام فيها وفي الحديث ( اقروا سورة البقرة فإنها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة ) وهكذا شيئاً فشيئاً إلى آخر السورة، فختمها الله تعالى بآيات جوامع مقررة لجميع مضمون السورة فقال تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الارض وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ الله
    فاخبر سبحانه ان له ما في السموات وما في الارض وانه ملكه وحده لا يشاركه فيه مشارك، وهذا يتضمن انفراده بالملك الحق والملك العام لكل موجود
    وان تبدوا ما في انفسكم
    فهذا متضمن لكمال علمه سبحانه وتعالى بسرائر عباده وظواهرهم، وأنه لا يخرج شيء من ذلك عن علمه، كما لم يخرج شيء ممن في السموات والارض عن ملكه، فعلمه عام وملكه عام. ثم أخبر تعالى عن محاسبته لهم بذلك
    هذه الآية الكريمة قد أشكلت على كثير من الصحابة رضي الله عنهم لمّا نزلت، وهي قوله تعالى: لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الارض وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[2]، شق عليهم هذا الأمر، وجاءوا للنبي صلى الله عليه وسلم وذكروا أن هذا شيء لا يطيقونه، فقال لهم صلى الله عليه وسلم: ((أتريدون أن تقولوا كما قال مَن قبلكم: سمعنا وعصينا، قولوا: سمعنا وأطعنا)) فقالوا: سمعنا وأطعنا، فلما قالوها وذلت بها ألسنتهم أنزل الله بعدها قوله سبحانه: آمن الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إليه مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمن بِاللّهِ وملائكته وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أحد مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إلا وُسْعَهَا
    ومن هنا فان قوله تعالى (وان تبدوا ما في انفسكم )قيل هي اصلا تابعه للآية التي قبلها كتمان الشهادة فالله يحاسبك على ما اضمرته وما اظهرته من خير وشر
    والصحابة رضي الله عنهم ظنوها تكليف فقالوا كلفنا بالصلاة والزكاة والصيام فاطعنا فهم استجابوا من اول السورة إلى اخرها إلا هاهنا كلفنا ما لا نطيق فارشدهم نبينا صلى الله عليه وسلم فقال قولوا سمعنا واطعنا
    فزال هذا الإشكال والحمد لله، وصار المؤمن غير مؤأخذ إلا بما عمله أو قاله أو أصرّ عليه بقلبه، عملاً بقلبه، كإصراره على ما يقع له من الكِبر والنفاق ونحو ذلك.
    أما الخواطر والشكوك التي تعرض ثم تزول بالإيمان واليقين، فهذه لا تضر، بل هي عارضة من الشيطان لا تضر
    وقيل انها منسوخه بقوله لا يكلف الله نفسا إلا وسعها وهو قول أكثر المفسرين
    فخواتيم سورة البقرة هي فذلكة للسورة كامله ومجمله في هاتين الآيتين فكل ما امر الله به ونهى عنه من الاوامر والنواهي في سورة البقرة اختصر في هاتين الآيتين
    قوله: ﴿ آمن الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إليه مِن رَّبِّهِ
    فهذه شهادة من الله تعالى من فوق سبع سماواته لرسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنون ـ بكمال إيمانه بما أنزل إليه من ربه
    وَالْمُؤْمِنُونَ ﴾
    قال ابن كثير والمؤمنون عطف على الرسول بمعنى
    ثم شهد تعالى للمؤمنين بأنهم آمنوا بما آمن به رسولهم، ثم شهد لهم جميعا بأنهم آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله، فتضمنت هذه الشهادة إيمانهم بقواعد الإيمان الخمسة التي لا يكون أحد مؤمناً إلا بها، وهى: الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر.
    ثم قالوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}، فهذا إقرار منهم بركن الإيمان الذي لا يقوم إلا بهما، وهما السمع المتضمن للقبول
    والثاني: الطاعة المتضمنة لكمال الانقياد وامتثال الأمر
    فتضمنت هذه الكلمات كمال إيمانهم، وكمال قبولهم، وكمال انقيادهم
    {غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
    لما علموا أنهم لم يوفوا مقام الإيمان حقه مع الطاعـة والانقيـاد الذي يقتضيه منهـم طلبوا من الله المغفرة إذا حصل منهم تقصير وزلل
    {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}. اعترفوا أن مصيرهم ومردهم إلى مولاهم الحق لابد لهم من الرجوع إليه
    فتضمنت هذه الكلمات إيمانهم به، ودخولهم تحت طاعته وعبوديته، واعترافهم بربوبيته، واضطرارهم إلى مغفرته، واعترافهم بالتقصير في حقه، وإقرارهم برجوعهم إليه.
    لاَ يُكَلِّفُ الله نَفْسًا إلا وُسْعَهَا}
    هنا بين الله لهم ما توهموه وانه لا يكلف نفسا إلا وسعها حينما توهموه من أنه يعذبهم بالخطرات التي لا يملكون دفعها، وأنها داخلة تحت تكليفه، فأخبرهم أنه لا يكلفهم إلا وسعهم
    وأن جميع ما كلفهم به أمراً ونهيا فهم مطيقون له قادرون عليه
    لها ما كسبت اي من الخير
    وعليها ما اكتسبت اي من الشر
    رَبَّنَا لاَ تُؤَأخذنَا إِن نَّسِينَا أو أَخْطَأْنَا
    الهمهم الله وأرشدهم إلى أن يسألوه مسامحته إياهم في ذلك كله من صلاة وحج وصيام
    فقال الله قد فعلت اي عفوت عنكم واعطوا كل ما سألوه من ذلك
    {رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} هنا سالوا التخفيف في الأمر والنهى والتكليف، فسألوه التخفيف في النوعين.
    {رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ} وهنا سالوا التخفيف في القضاء والقدر والمصائب
    قوله وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ
    ثم سألوه العفو والمغفرة والرحمة والنصر على الأعداء؛ فإن بهذه الأربعة تتم لهم النعمة المطلقة، ولا يصفو عيش في الدنيا والآخرة إلا بها
    فالعفو متضمن لإسقاط حقه في تقصيرهم في طاعته
    والمغفرة متضمنة مغفرة ما اقترفوه من معاصي
    والرحمة متضمنة لترك المعاصي في المستقبل
    فالثلاثة تتضمن النجاة من الشر والفوز بالخير
    انت مولانا
    اعترافهم أنه مولاهم الحق الذي لا مولى لهم سواه، فهو ناصرهم، وهاديهم، وكافيهم، ومعينهم، ومجيب دعواتهم، ومعبودهم.
    فانصرنا على القوم الكافرين
    والنصر يتضمن التمكين من إعلان عبادته وإظهار دينه، وإعلاء كلمته، وقهر أعدائه
    فلما تحققت قلوبهم بهذه المعارف وانقادت وذَلَّتْ لعزة ربها ومولاها
    أعطوا كل ما سألوه من ذلك، فلم يسألوا شيئاً منه إلا قال الله تعالى: (قد فعلتُ)، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم
    انتهى تفسير خواتيم سورة البقرة فلله الحمد والمنه
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الملك:
    حديثي معكم اليوم عن سورة الملك وهي تسمي المانعة والمجادلة والواقية والمنجية وورد فيها اثر( وددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي.) يعني: : {تبارك الذي بيده الملك}.قال الألباني في السلسلة الضعيفة ضعيف .وعن ابن عباس قال لرجل: إلا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال الرجل: بلى يا ابن عباس! رحمك الله، قال: اقرأ: {تبارك الذي بيده الملك}، واحفظها، وعلمها أهلك وجميع ولدك،وصبيان بنيك، وجيرانك، فإنها المنجية، وهي المجادلة التي تجادل وتخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له إلى ربها أن ينجيه من النار إذ كانت في جوفه، وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر.
    قوله تبارك الذي بيده الملك :أي تعاظم وتقدس وتنزه وكلها تدل على عظمة الله وتنزيهه فمجد الله نفسه في هذه السورة فهي تتحدث عن عظمه الله وقدرته وهدد فيها من كفر به وعصاه وتكبر واعجب بقوته. وكلمة (تبارك ) لا يجوز ان تطلق إلا على الله لان المتبارك هو الله فلا تصلح إلا لله اما الإنسان فلا يتبارك بنفسه إنما الله هو الذي يعطيه البركة .
    والبركة نوعان تأتي بمعنى صفة لله تبارك الله مثل عزة الله ورحمة الله وبركة الله
    والنوع الثاني مخلوقه اضافه مخلوق إلى خالقه بارك الله لكما وبارك عليكما
    اثنى الله على نفسه بصفتين عظيمتين:
    الصفة الاولى : الذي بيده الملك :أي هو المتصرف في جميع المخلوقات فله الملك كله ولا أحد يشاركه في ذلك فالملك المطلق والباقي والدائم لله وحده اما ملوك الدنيا فملكهم محدد ومؤقت وقصير وضعيف وهو منحه من الله
    والصفة الثانية : وهو على كل شيء قدير . كمال القدرة فهو على كل شيء إذا اراده قدير فله الملك المطلق وله كمال القدرة فلا يعجزه شيء. ثم ذكر من معالم ملكة وقدرته خمس معالم خلق الموت والحياة وخلق السموات وتذليل الارض وتسخير الطير في الهواء وختمت السورة بتذكيرهم بأعظم النعم نعمة الماء.
    قوله الذي خلق الموت والحياة : الموت مخلوق خلقه الله من جمله مخلوقاته وخلق الحياه . فالموت والحياة مخلوقان من مخلوقات الله. فهي من خصائص الله فلا يوجدهما إلا الله فلا يستطيع أحد ان يوجد الموت ولا ان ينفخ الروح في مخلوق ميت فيجعله حيا إلا الله. فالله هو الذي يحي أي يوجد من العدم ويميت الاحياء بعد حياتهم ويبعثهم بعد موتهم . قدم الموت على الحياه لان الإنسان بدايته ميت فلم يكن شيئا مذكورا فسبقه عدم ثم أو جده الله فكل الأشياء ميته ثم يحييها الله . وقدم الموت على الحياه لان من جعل نصب عينيه الموت عمل لما بعد الموت فهو أكبر داعيا للعمل الصالح وقد ورد في الترغيب والترهيب للمنذري أكثر من ثمانين حديث كلها تامر بالإكثار من ذكر الموت . لما ذكر الله انه خلق الموت والحياه بين بعدها ان ذلك لحكمة عظيمة وهي :
    ليبلوكم ايكم أحسن عملا : الله اوجدنا على أرض لتكون العبادة لله فخلق الدنيا لنا وخلقنا للآخرة وجعل الدنيا مزرعة للآخرة فمن عاش في الدنيا ونظر إلى ظاهرها ونسي الموت والبلى وعمل للدنيا وغفل عن الآخرة خسر الدنيا والاخرة ومن اراد الآخرة وسعى لها سعيها ربح الآخرة والاولى . ليبلوكم أي ليختبرنا يقول الله انا جعلنا ما على الارض زينة لها ) وقال سبحانه ليبلوكم فيما اتاكم أي ليبلونا فيما اتانا
    والسؤال متى يكون العمل صالحا ؟ قالوا بثلاثة شروط :
    اولا الإيمان: فالله لا يجازي إلا أهل الإيمان في جميع الأعمال .
    وثانيا وان يكون الباعث على العمل ابتغاء مرضاة الله: فلا يكون فيه شرك ولا رياء ولا سمعه .
    وثالثا ان يكون العمل موافقا لهدي رسول الله" فلا يقبل الله عملا إلا وفق هدي رسول الله .
    قوله وهو العزيز الغفور: فالله العزيز أي ذو القوة والغلبة فله الكبرياء والعزة والقوة والغلبة على جميع خلقه فهو العزيز الذي لا يغلب . وهو الغفور أي كثير المغفرة فمع عزته وغلبته لخلقه هو غفور لان الغالب في الخلق إذا عنده شيء من التعاظم والعزة ما يتسامح ويكون طبعه الغلظة والظلم وعدم العفو والرحمة والله مع عزته وعظمته غفور وكثير المغفرة والرحمة
    قوله الذي خلق سبع سموات : الله اوجدها من العدم . فالله هو الذي خلق هذه السموات وخلقها محكمه وقويه ومستويه على شكل قبه ومع انها مخلوق عظيم فلا يوجد أرض و مكان لا تغطيه السماء وجعل سمكها خمس مائه سنة. وبدون عمد ترفعها من تحتها وبدون علائق تمسكها من فوقها سبحان الله المهندس إذا اراد يخرج من السقف متر ونصف يحتاج إلى اعمده ترفعها فكيف بسماء سميكة وتغطي كل مكان وبدون عمد وسبق طباق انه الله يمسكها بقدرته. وهي مستويه لا اعوجاج فيها وهي ايضا مستويه لا شقوق فيها . وليست سماء واحدة بل سبع سموات طباقا .أي يطابق بعضها البعض محكمه متقنه مستويه . ليس فيها تفاوت أي متناسبة ومتناسقة لا عيب فيها ولا خلل.
    قوله ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح : أي زين السماء الدنيا بنجوم مضيئة وللنجوم اربع فوائد : اولا جعلها مضيئة ثانيا جعلها وزينه للسماء ثالثا جعلها علامات يهتدي بها في ظلمات البر والبحر ورابعا جعلها رجوما للشياطين فيخرج منها شهاب أي نار . والنجم ثابت مكانه فجعل الله النجوم رجوما للشياطين فلا تصل للسماء .ولا يتمكنون من استراق السمع
    فإذا تبين هذا كله : ان الملك المطلق والباقي والدائم كله لله وعلمنا كمال قدرته وان الموت والحياه خلقهما للابتلاء والامتحان و خلق العالم العلوي فمن يستحق العبادة غيرة سبحانه فمن كفر بعد ذلك فله عذاب عظيم
    قوله وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم : هنا ذكر الله مصير من كفر ان له عذاب جهنم فالنار خلقها الله وأعدها للشياطين . وللذين كفروا بربهم ثم بين مصيرهم وحالهم في النار
    قوله إذا القوا فيها سمعوا لها شهيقا : إذا طرحوا في النار تشهق فيسمعون لها صوتا منكرا ومفزعا
    سبحان جعل الله النار لها ادراك وإحساس وإرادة وتغتاظ وتبصر وتتكلم فكل المخلوقات تكره من عصى الله وتحب ايضا من طاعة
    قوله وهي تفور :أي تغلي بهم غليان القدر
    لها إذا ما غلت فور يقلبهم *** ما بين مرتفع فيها ومنحدر
    قوله تكاد تميز من الغيظ :أي تكاد تتقطع من الغيظ علي الكفار
    قوله كلما ألقي فيها فوج :أي جماعه فهم يدخلون جماعات وافواج
    قوله سألهم خزنتها : هذا فيه بيان عدل الله بسؤال خزنتها ألم يأتكم نذير . قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء ان أنتم إلا في ضلال كبير . فذكروا تكذيبهم وموقفهم من رسلهم فأقام الله عليهم الحجة قبل دخولهم باعترافهم
    قوله لو كنّا نسمع أو نعقل : ازمه أهل النار في النار ومشكلتهم ملخصه في قولهم :لو كنّا نسمع أو نعقل .كل الناس معهم سمع سواء كانوا كفار أو مؤمنين ولكن المراد سماع انتفاع على سبيل المثال هناك من يسمع المؤذن فيستجيب وهناك من يسمعه فلا يستجيب . وكل الناس معهم عقول لكن المراد العقل الذي يفهم وينتفع
    قوله فاعترفوا بذنبهم: فاعترفوا على انفسهم والاعتراف سيد الأدلة .
    فسحقا لأصحاب السعير أي بعد وهلاكا لأصحاب النار.
    وبعدما ذكر الله حال أهل النار ذكر ما للمؤمنين في مقابل ذلك.
    قوله ان الذين يخشون ربهم بالغيب: وهم المؤمنون الذين يخشون الله والخشية من أعظم أنواع العبادة .ومعني يخشون ربهم أي في حاله غيبتهم عن الناس كخشيتهم له في العلانية فاستوت علانيتهم وسرائرهم فيخافون الله دائما في السر والعلن أو يكون المعنى يخشون عذاب الله قبل المعاينة. بخلاف من يراقب الله في العلن ولا يتورع في السر فهو وليا لله في العلانية وعدوا له في السر. فما لمن اتصف بهذه الخصال العظيمة : لهم مغفرة من الله لأنه لا يسلم من الذنب أحد ولهم اجر كبير على ايمانهم وعلى أعمالهم الصالحة
    قوله وأسروا قولكم : كان مشركي مكة ينالون من رسول الله ويقولون لا تجهروا حتي لا يسمعكم الملائكة والنَّاس . فانزل الله هذه الآية وانه عليم بذات الصدور وانه عالم بالضمائر قبل الجهر والإسرار بها فكيف بما تقولون به ويعلم ما في النفوس وان لم تتكلم فلا يخفى عليه شيء ومن هذه صفته يستحق الخوف والخشية والمراقبة.
    قوله إلا يعلم من خلق : إذا كان الله خلق المخلوقات فكيف يخفي عليه امرها . كيف لا يعلم بالضمائر ولا يعلم بالسر والجهر من خلقها . والله خلقكم وما تعملون خلق الإنسان وخلق فعله وخلق قوله.
    قوله وهو اللطيف الخبير : اللطيف العالم بدقائق الأمور لان اللطيف له عده معانٍ منها من لا يخفى عليه شيء ومنها من يلطف بعباده أي رؤوف رحيم. والخبير العالم بحقائق الأمور أي يخبر كل شيء بخبرته.
    قوله جعل لكم الارض ذلولا : أي جعل لكم الارض مذللة ومسهله لكم .
    قوله فامشوا في مناكبها : الأمر للإباحة امرهم بالمشي في سهولها وفجاجها وطرقاتها.
    قوله وكلوا من رزقه :الله قدر الأقوات ووزعها وأمرك بطلب الرزق. فارض تولد فيها ، وارض ترزق فيها ، وكائن من دأبه لا تحمل رزقها (وما من دأبه في الارض إلا علي الله رزقها) الله لطيف لم يحصر الرزق في مكان واحد
    قوله وإليه النشور : فبعد الحياة موت وبعد الموت حياة ويحشره الله من مرقده أينما دفن فيه ان الإنسان لا يغتر بالحياة ولا ينسى اخرته .
    قوله أأمنتم من في السماء: هذا تهديد للكفار أأمنتم من في السماء ان يعاقبكم علي كفركم. أأمنتم من في السماء استفهام انكاري أي لا يليق بكم ان تأمنوا من في السماء أي من على السماء على الذات وفيها اثبات صفة العلو لله فالله مستو على عرشه والعرش سقف المخلوقات وليس فوق العرش إلا الله . ففيها اثبات صفة العلو لله فليس فوقه سيء فهو مستو على عرشه بائن من خلقه ولي حالا في السماء إنما هو فوق وانكار الجهة ضلال فالله في جهة العلو فليس فوقه شيء ولا يقال انه منزه عن الجهة فله علو الذات واما امرة وعزة وسلطانه ففي كل مكان
    قوله يخسف بكم الارض : لما امتن الله على خلقه بتذليل الارض فجعلها مذللة وقارة وساكنه هددهم وخوفهم ايضا خوفهم ايضا بالارض ان يخسف بهم الارض فيحركها والخسف من أشد العقوبات ويكثر الخسف والكسوف إذا كثر الإلحاد والكفر.
    قوله فإذا هي تمور: أي تضطرب وتتحرك بعد ان كانت ساكنه وقاره.
    قوله أأمنتم من في السماء : هذا ايضا استفهام استنكاري فيه تهديد
    قوله ان يرسل عليكم حاصبا : أي ريح فيها حصباء وهذه العقوبات أرسلها الله علي الامم التي قبلنا
    قوله فستعلمون كيف نذير: أي فسوف تدركون ساعتها حقيقه نذيري وانكاري ولكنه علم لا ينفع لان العلم الذي ينفع قبل معاينة العذاب اما العلم عند معاينة العذاب فلا ينفع العلم ولا ينفع الإيمان
    قوله ولقد كذب الذين من قبلهم: سنة الله في خلقه ان التكذيب في الامم كثير والهداية قليلة فكيف كان نكيري وعذابي وعقوبتي
    قوله ألم يروا الي الطير : هنا ذكر الله معجزة الطير وهذا شيء يرونه كيف تطير في الهواء والطير لا تستطيع تطير بذاتها لو لم يمكنها الله فأعطاها الله قدرة علي الطيران وسخر له
    قوله ألم يروا استفهام انكاري ومعناه اغفلوا وعموا عن الطير .
    قوله صافات اي مرسلات اجنحتها .
    قوله ما يمسكهن إلا الرحمن : أي من السقوط والوقوع على الارض إلا الله فسخر لها من الهواء ومن لطفه ما يسر لها الطيران ولذلك تجد الطائرات الان تعتذر وقت سوء الأحوال الجوية عن الطيران
    قوله الرحمن :اتى بهذا الاسم لانهم انكروه وقالوا ما عرفنا إلا رحمن اليمامة وقالوا محمد يأمرنا ان نعبد الله وحده وهو يعبد اثنين يعبد الله ويعبد الرحمن فرد الله عليهم قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا
    قوله انه بكل شيء بصير : اي بكل شيء من مخلوقاته بصير فيعطيه ما يناسبه فأعطى الطير القدرة على الطيران فكل مخلوق ميسر لما خلق له. بكل شيء بصير . يعطي كل شيء من مخلوقاته ما يناسبه
    قوله أم من هذا الذي هو جند لكم : خاطب الله الكفار بان هذه المعبودات التي تعبدونها لا تخلق ولا ترزق ولا تدبر من يدافع عنكم وينصركم ان ارادكم الله بشيء. وكل هذه الأدلة العقلية والبراهين المرئية تدل على ان الاله الحق المستحق للعبادة وان جميع المعبودات لا تخلق ولا ترزق ولا تدفع عنكم شيئا ولا تستحق العبادة إنما يستحق العبادة من يخلق ويرزق ويدافع عنك .
    هذا استفهام للتقريع والتوبيخ ومعنى أم بمعنى بل اي بل من ينصركم ان اتاكم عذاب الله
    قوله ان الكافرون إلا في غرور : معنى ان نافيه اي ما الكافرون إلا في غرور يمليه عليهم الشيطان .
    قوله آمن هذا الذي يرزكم : الرزق بيد الله وأعظمه المطر الذي ينزل من السماء والخلق مهما اعطوا وبذلوا فهم لا يغنون عنك شيئا فما مقدرتك ايها الإنسان هل تستطيع تطعم بلدا كاملا لمدة يوم وحتى لو استطعت فبقيه الأيام من يطعمهم فما مقدرتك ان الله يرزق ويطعم جميع المخلوقات حتى الحشرات في جحورها يرزقها الله
    قوله بل لجو في عتو ونفور :اي تكبر وتعاظم فاستمروا في ضلالهم وطغيانهم وعنادهم واستكبارهم
    قوله أفمن يمشي مكبا :هذا مثلٌ ضَرَبَه الله للكافر والمؤمن . فالكافر يمشي تائها وحائرا وضالا والمؤمن يمشي على الحق وعلى طريق مستقيم فالكافر حاله مثل المكب على وجهه وعلى طريق معوج لا يبصر شيء هل هو اهدى آمن يمشي سويا معتدلا قائما يرى ما امامه وخلفه ويبصر الطريق ويتجنب المهالك. العاقل يدرك ايهما خير . فالمؤمن يمشي على صراط مستقيم لا اعوجاج فيه والكافر يمشي على طريق الضلال المعوج فالكافر لا يرى إلا الدنيا والمؤمن نظرة بعيد يرى الآخرة .
    وهذا ايضا مثل للمؤمن والكافر فهذا مثلهم في الدنيا وكذلك يكونوا في الآخرة
    قوله قل هو الذي انشأكم : اي اوجدكم من العدم إلى الوجود فخلق الله الإنسان وجعل له هذه الحواس سميعا يسمع الاصوات وبصيرا يبصر المبصرات وله فؤادا يدرك بها الأشياء فأعطى الله الإنسان وسائل العلم فمن استخدمها في طاعة الله ابصر الحق وطاع الله ومن استخدمها في معصية الله سلب نعمتها
    ومن هنا قال سبحانه قليلا ما تشكرون . اي قلما تستخدمون هذه الحواس في طاعة الله.
    قوله قل هو الذي ذرأكم في الارض : أي نشركم في الارض واسكنكم فيها وفرقكم فيها .
    قوله وإليه تحشرون :أي اي رجوعكم إلى الله تجمعون في صعيد واحد ليحاسبكم على أعمالكم .
    ومع هذا كله يقولون متى هذا الوعد بعد هذه الأدلة.
    قوله متى هذا الوعد : سؤال تهكم ويقولون متى هو أي متى البعث والعذاب فعلى سبيل المثال لو جاء شخص صادق واخبرك بان هناك أناس يتمالؤون على قتلك فليس من العقل تقول متى ذلك ولكن العقل أخذ الحذر والاستعداد لكن الكفر يعمي ويصم
    قوله قل إنما العلم عند الله : علم متى يكون ذلك عند الله .
    قوله وإنما انا نذير : مهمة النذير البلاغ وقد بينت لكم .
    قوله فلما رؤاه زلفة : اخبر عن حالهم حين يرون العذاب و {زُلْفَةً} قريباً منهم وذكره قبل قوعه كأنه وقع لأنه واقع لا محاله
    سيئت وجوه:أي علت الكآبة وجوة المكذبين
    قوله هذا الذي كنتم تدعون اي تطلبون وقيل هذا الذي كنتم تنكرون وكلاهما حاصل
    قوله قل أرءيتم : ان أهلكني الله ومن معي . كان كفار مكة يدعون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين بالهلاك
    والمراد أرءيتم ان أهلكنا الله أو رحمنا فمن يجيركم من عذاب الله
    قوله قُلْ هُوَ الرحمن : أي الذي أدعوكم إليه الرحمن {ءَامَنَّا بِهِ} صدقنا به ولم نكفر به كما كفرتم {وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} فوضنا إليه أمورنا وقدم المعمول (عليه ) لافادة الحصر {فَسَتَعْلَمُونَ} إذا نزل بكم العذاب
    فاخرج هنا الكلام مخرج الانصاف عند نزول العذاب أو الهلاك فسوف تعلمون من الذي على الحق ومن الذي على باطل.
    قوله قُلْ أَرَءيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً:
    ختمت السورة بذكر أعظم النعم نعمة الماء فمع وجودها قد لا يهتم بها الكثير من الناس ولكن مع فقدها يتضرر بها أعظم الضرر هي ارخص موجود واغلى مفقود والمعنى : ان حبس الله عنكم مطر السماء واغار الماء في الارض فمن يأتيكم بماء معين . جعل الله الماء سبب الحياة وفي السماء رزقكم أي المطر هو الرزق جميع المخلوقات رزقها الذي ينزل من المساء وهو المطر وبه يحي كل شيء فإذا حبس من السماء وغار في الارض من يأتيكم بماء معين يجري
    تليت هذه الآية عند ملحد فقال: يأتي بالمعول والمعن فذهب ماء عينه في تلك الليلة وعمي. وقيل: إنه محمد بن زكريا المتطبب
    وجعلنا من الماء كل شيء حي هي نعمة سهله ميسرة ولكن إذا فقدت ترتب عليها الهلاك.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة القلم :
    حديثي معكم اليوم عن تفسير سورة القلم وهذه السورة العظيمة تحكي ما حصل لرسول الله r مع كفار قريش حين نزول القرآن وما أمد الله به رسوله من التثبيت والوعد بالنصر وفيها تبرئة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم مما الصقه به كفار قريش واتهامه بالجنون حسدا وعداوة ومكابرة ولتنفير الناس عنه .
    سورة القلم فيها بيان خلقه صلى الله عليه وسلم وتدافع عنه وتهدد من اتهموه بالجنون فقد واجه كفار قريش دعوته صلى الله عليه وسلم بالاتهامات الباطلة والحرب العنيفة.
    قوله ن والقلم :
    اختلف المفسرون في الحروف المقطعة في اوائل السور إلى قولين:
    القول الاول : انه من المتشابه والله اعلم بمرادها .
    والقول الثاني لجمهور المفسرين: انها للتحدي ولا يقصد بها ان لها معنى ويقصد بها اشارة للقران فانتم أهل بلاغة وفصاحة وهذا الكلام الفصيح في كتاب الله من الحروف التي تتكلمون بها ولن تستطيعوا ان تأتوا بمثل هذا الكتاب فقد حوى كل شيء ولا يوجد فيه أي خطأ . هل يوجد اعجاز أعظم من كتاب لا يوجد فيه خطأ ولا خلل . كل من كتب يعتذر انه ربما يوجد فيه خطأ فينبه عليه إلا كتاب الله لاريب فيه.
    قوله والقلم : أقسم الله بالقلم . قيل القلم الاول قلم اللوح المحفوظ اول ما خلق الله القلم قال: اكتب ؟ قال: وما اكتب ؟ قال :اكتب مقادير كل شيء ؟ وقيل اقلام الملائكة التي تكتب بها أعمال العباد وقيل الظاهر انه جنس القلم الذي في ايدي الناس يكتب به واقسم بالقلم لما فيه من المنافع والفوائد التي لا يحيط بها الوصف حيث قامت عليه مصالح العباد في المعاش وفي المعاد .
    والاقلام كثيرة منها قلم القدر وقلم الوحي وقلم التوقيع والطب والملوك والحساب والخصومات والشهادة والتعبير وهناك قصيده لأبى تمام في القلم .
    وما يسطرون : أي بالذي يكتبون وما يسطرون في الصحائف والكتب. فاقسم بالأداة والاثر وهو من آياته سبحانه واول مخلوقاته.
    وفيها فائدة افتتحت ثلاث سور بالإشارة إلى العلم سورة الرحمن والعلق والقلم.
    قوله ما انت بنعمة ربك : المقسم عليه أو جواب القسم ثلاث آيات ‏‏{مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ‏}، ‏{‏‏وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ}‏‏ ‏، ‏{‏‏وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} نفى الله عنه r النقص الذي يقدح فيه وأثبت له كل كمال وهذا يثبت عظم الحق الذي هو عليه. ونزه نبيه عما يقول فيه اعداؤه .
    ما انت بنعمة ربك بمجنون: نعمة ربك، التي هي النبوة والرسالة. وكيف يكون مجنونا وقد عجز جميع العقلاء كلهم قاطبة ان يأتوا بمثله . فيها فائدة قد يواسيك خلق كثير فتطمئن فكيف إذا كان المواسي لك هو الخالق سبحانه
    قوله بمجنون : أي لست بمجنون لان ما جاء به نبينا r من القرآن وهو في اعلى درجات الفصاحة والبيان وسليم من الاختلاف والتناقض يدعوا إلى أفضل الأعمال والأقوال والأحوال فلو اجتمعوا كلهم على ان يأتوا بمثله ما استطاعوا. فكيف يرمى بالجنون من أتى بما عجز العقلاء كلهم قاطبه ان يأتوا بمثله. يستحيل ان يصدر من مجنون لأنه يدعوا إلى كل خلق جميل وينهى عن كل قبيح ومضر فاين الجنون.
    قوله وان لك لأجرا غير ممنون : أي غير مقطوع ولا محسوب أي بغير حساب فأثبت له الاجر الدائم على ابلاغه رسالة ربه وصبره على إذاهم.
    قوله وانك لعلى خلق عظيم: سورة ‏[‏ن‏]‏‏:‏ هي سورة ‏[‏الخُلُقِ‏]‏، الذي هو جماع الدين الذي بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس‏ انك لعلى خلق عظيم أي :‏ علي دين عظيم‏.‏ وقاله ابن عُيينَةَ، وأخذه أحمد عن ابن عيينة‏.‏فإن الدين والعادة والخُلُقَ ألفاظ متقاربة المعني في الذات فالخُلق العظيم الذي وصف الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فهو الدين الجامع لجميع ما أمر الله به مطلقاً , هكذا قال مجاهد وهو تاويل القرآن كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( كان خُلُقه القرآن ) يعنى اصبحت اقواله وافعاله وأحواله مطابقه للقران فمهما امر القرآن ،فعله r . ومهما نهاه عنه تركه r مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم. وحقيقته المبادرة إلى امتثال ما يحبه الله تعالى بطيب نفس وانشراح صدر.
    فكل ما في القرآن من الاوصاف الحميدة خلق الرسول صلى الله عليه وسلم فكانوا لا يشكون منه تصرفا سيئا أبدا ولا يقابل احدا بما يكره .
    وفيها فائدة: لا قيمة لكلام البشر مدحا وذما المهم تزكية الله لك .
    قوله فستبصر ويبصرون : أي ستعلم ويعلمون ، فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك من المفتون الضال وان ذلك يوم القيامة حينما تحق الحقائق ، ومن الاحق بذلك الوصف، ومن ضيع اخرته واطاع عدوه.
    قوله بأيكم المفتون : أي المجنون أو الضال أو المخذول الذي عنده الخطأ وليس عنده حق . وقيل المفتون الضال وقيل الشيطان ومثل هذا رموا به أتباع الأنبياء كقوله‏:‏ ‏{‏‏وَإذا رَاوهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاء لَضَالُّونَ‏}
    يسخرون من المؤمنين، ويرمونهم بالجنون والعظائم التي هم اولي بها منهم‏.‏
    قوله ان ربك هو اعلم : أي لا تخفى عليه خافية . وهذه دعوى لا تروج على الله وان ادعى أهل الباطل وروجوا على الناس لكن لا تروج على الله .وهو اعلم بالمهتدين وان ادعوا العكس انهم على الحق. وهذا الأمر يدعيه أهل النفاق وهم على هذا الوصف يسخرون من أهل الاسلام ويدعون انهم على الحق .
    فيها تحذير وتهديد ووعد ووعيد وفيها تطمين للرسول صلى الله علسه وسلم واصحابه.
    قوله فلا تطع المكذبين: لا تطعهم في التنازل عن الحق أو عن بعضه . ديننا لا يقبل المساومة فلا نتنازل عنه من أجل الكفار أو من أجل جلبهم للإسلام لانهم يحاولون ان يتنازل عن دينه أو بعض دينه وأرادوه على أن يعبد الله مدة وآلهتهم مدة من أجل التعايش فأمره الله إلا يطيع المكذبين.
    وهو ما يسمى اليوم حرية العقيدة ،التعايش السلمي والتسامح وكل حر على دينه أو يطلبون التعاون معهم في الأمور المشتركة بين الجميع ما يسمى دعوة القيم و الكرم وصله الأرحام وبر الوالدين وترك الفواحش بشرط إلا تنبع من توحيد أو ايمان لكن لو دعوتهم إلى توحيد وايمان يصدر منه كل خلق كريم، رفضوه.
    ولكن هذا الأمر ليس جديدا فقد ساوم الكفار نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على ترك الدعوة وعرضوا عليه الدنيا. قال عم النبي r له : يا ابن أخي إن كنت تريد مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً. وإن كنت تريد به شرفًا سَوّدناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك. وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا. فقال نبينا هذه الأمور بسيطة والله يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه .يؤكد لنا أن أعداء الإسلام إذا يئسوا من صد الدعوة بالقوة, استخدموا أسلوب الإغراء لا يجوز التنازل عن الدين ارضاء للكفار أو من أجل جلبهم للإسلام.
    قوله ودوا لو تدهن فيدهنون : أي لو تلين معهم طلب المشركون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يذكر آلهتهم بسوء ولا يعيبها ،، فقط يسكت عنها ،، فقال الله تعالى : "ودوا لو تدهن فيدهنون"المداهنة محرمة وهي التنازل عن الدين أو شيء منه والمدارة دفع الشر من غير تنازل عن الدين فهذا لا بأس بها فنعطيهم شيئا من الدنيا لإسكاتهم لوقت اما ترك الدين أو ما في القرآن فهذه مداهنه ولا تجوز .
    فائدة : غاية عدوك ان تداهنه . فلا تترك الحق من أجل ارضاء الناس ولا تتنازل لاحد مهما كانت الضغوط
    قوله ولا تطع كل حلاف :عاب الوليد ابن المغيرة نبينا بعيب واحد كذبا وزورا فعابه الله تسعة عيوب وهذه العيوب نرجو من الله السلامة منها :1- حلاف : أي كثير الحلف بالحق والباطل. فيكثر الحلف على أمور تافهة . وفي الحديث ورجل جعل الله بضاعته لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه ) وكثير الحلف دليل على كثرة الكذب والاستهانة بحق الله وعدم توقير اليمين يقول الله( واحفظوا ايمانكم) . 2- مهين: حقير وكذاب 3- هماز : عياب وطعان ومغتاب 4- مشاء بنميم: نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه افساد ذات البين 5-مناع للخير: بخيل فلا ينفق في الخير ويمنع غيره أو اهله من فعل الخير6- معتد: أي ظالم يعتدي على الناس في أموالهم واعراضهم
    7- اثيم: كثير الاثم والعصيان 8- عتل أي غليظ وجاف قوي الجسم قاسي القلب كثير الجهل 9-بعد ذلك زنيم أي وفوق ذلك أو مع هذه الاوصاف القبيحة زنيم أي دعي لصيق لا يعرف له اصل أو منقطع الخير يعنى ما فيه خير
    قوله ان كان ذا مال وبنين: لما اعطاه الله المال والولد تكبر على طاعة الله فمن أعظم موانع الهداية التكبر والتكثر بالمال والولد.
    قوله قال اساطير الاولين : أي اكاذيب الاولين .وصف المكذبين القرآن بانه اساطير ووصفة الله بانه ذكر للعالمين
    قوله سنسمه على الخرطوم : توعده الله بالوسم على انفه اعز شيء في الوجه جزاء لمعارضته لكتاب الله ورسوله. عاقبة من استكبر} سنسمه على الخرطوم }ولم يقل سنسمه على أنفه ؟
    لما ذكر الله صفاته الذميمة التي تنافي الإنسانية جاء بوصف يدل على الحيوانية والخرطوم للفيل والخنزير فهو لا يستحق ان يوصف بالصفات الإنسانية .
    قوله انا بلوناهم كما بلونا اصحاب الجنة :الله امتحن كفار قريش وشبههم بأصحاب الجنة انعم الله علي قريش بنبينا محمد صلي الله عليه وسلم رسولا من أنفسهم وبلغتهم وجاءهم بخيري الدنيا والآخرة وعزهما. يا عم إنما اريد منهم كلمه تدين لهم بها العرب والعجم فقابلوا هذه السعادة والخير بالكفران والتكذيب فوقعوا في الضرر كما وقع اصحاب الجنة في الضرر.
    قوله كما بلونا اصحب الجنة: فيه بيان حال البخلاء، وما يعاقبون به في الدنيا قبل الآخرة من تلف الأموال، إما إغراقا، وإما إحراقا، وإما نهبًا، وإما مصادرة .
    وقصتهم: كان في أرض اليمن حديقة لرجل مؤمن من أهل الكتاب اسمه القرين رضوان علي بعد فرسخ من صنعاء وكان يعطي المساكين من حديقته فيبارك الله له فلما مات وورثه ثلاثة أبناء لكنهم أساؤا فحلفوا إلا نعطي مسكينا منها شيئا. فيها من عزم على فعل معصية عزما اكيدا اثم واستحق العقوبة -النية السيئة والمكر السيء لا يحيق إلا باهله ومنع حقوق الفقراء الواجبة سبب في سلب النعمة –
    قوله ولا يستثنون : أي لا يستثنون في اليمين بقول ان شاء الله وقيل لا يستثنون المساكين
    قوله فطاف عليها طائف : نزل عليها غضب الله وعذابه
    قوله فأصبحت كالصريم : احرقها الله فأصبحت كالليل الاسود قبل موعدهم وهم نائمون
    قوله فتنادوا مصبحين : نادي بعضهم بعضا وأمر الله قد سبقهم
    قوله ان كنتم صارمين : أي عازمين
    قوله فانطلقوا وهم يتخافتون : يسر بعضهم الي بعض أي يتهامسون
    قوله وغدوا علي حرد : علي منع وقيل علي حقد وغضب . قادرين : أي مخططين ومقتدرين
    قوله فلما راوها قالوا انا لضالون : اخطأنا أي: ضللنا جنتنا، وما هي بها،
    قوله قال اوسطهم : أي أحسنهم وخيرهم
    قوله لولا تسبحون : أي تستثنون في اليمين
    قوله قالوا سبحان ربنا : لكن بعد فوات الاوان والبخل لا يقتصر على المال فقد يبخل البعض بالسلام بالعلم بالصلاة على رسول الله يبخل بجاهه وما اعطاه الله .
    قوله كذلك العذاب : لمن خالف امر الله ولم يشكر نعمه وبخل بما اتاه الله فما حصل لأصحاب الجنة سيحصل لكفار قريش وأن عذاب الدنيا لا يغني من عذاب الآخرة إلا من تاب وتداركه الله برحمته.
    لما بين حال المشركين من أهل مكة وان مثلهم مثل اصحاب الجنة من العذاب العاجل انا بلوناهم أي أهل مكة امتحنهم الله بالقحط والجوع واكلوا الجيف بدعاء نبينا بدعاء النبي صلى الله عليه سلم حيث قال: «اللهم أشددْ وطأتَك على مُضَرَ، واجعلها عليهم سِنينَ كسِني يوسفَ وما حصل لهم ببدر هذا في الدنيا كما حصل لهؤلاء البخلاء من اصحاب الجنة .
    قوله ان للمتقين عند ربهم : أي اتقوا الله واتقوا عذابه وهم صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان لهم جنات النعيم ليست مثل جنات الدنيا فقد وصف الله الجنة ( ادخلوها بسلام امنيين ) سلام من كل افه وامان من كل خوف قال ابن القيم فجمع لهم بين آمن المكان وأمن الطعام وأمن الخروج منها فلا يخافون ذلك وأمن من الموت فلا يخافون فيها موتا. لما ادعى الكفار ان لهم في الآخرة أفضل من الدنيا طالبهم الله بالحجة والبرهان .
    قوله أفنجعل المسلمين كالمجرمين : تعجب وفيه استبعاد وإنكار على قولهم لو كان ما يقول محمد حقاً فنحن نعطي في الآخرة خيراً مما يعطي هو ومن معه كما في الدنيا. كيف يسوي الله بين المسلم والمجرم والطائع والعاصي .
    قوله مالكم كيف تحكمون : يعنى هذا حكم اعوج لا يصدر عن عاقل تسوي بين الطيب والخبيث وهذا مفسد للمجتمعات ولا يصدر عن عاقل
    قوله أم لكم كتاب فيه تدرسون : طالبهم بالحجج هل عندهم كتاب من الله تقرؤون ونضمن لكم ما تزعمون
    قوله ان لكم لما تخيرون :ما عندهم كتاب
    قوله أم لكم ايمان علينا: أي عهود مؤكده
    قوله بالغة: أي ثابته لكم يوم القيامة والحقيقة ليس لهم لا عهد ولا ضمان
    قوله سلهم ايهم بذلك زعيم :هل أحد منهم يتكفل لهم بذلك
    قوله أم لهم شركاء: هل لهم اعوان يعينونهم على ما قالوا والنتيجة ليس لهم كتاب ولا عهد ولا تكفل أحد وليس لهم اعوان ولا انصار على ما قالوا فبطلت دعواهم بسبع حج ومنه عدم أخذ الاجرة ولا عندهم علم غيب أبطل الله المساواة بين المسلمين والمشركين عقلا ووعدا ونقلا وفيها تطمين للمؤمنين وقطع لحجج الكفار. فلا ينفع إلا الصدق والحق .
    وفيها التأكيد على اداء حق المساكين وفيها يشرع لكل من تحصل على نعمة ان يعطي منها الفقراء وهذا عام في كل نعمة فلا تأخذ الشيء وتغلق عليه وتحرم من حولك
    قوله يوم يكشف عن ساق : يوم القيامة يشتد الأمر ويصعب هوله, ويأتي الله تعالى لفصل القضاء بين الخلائق , فيكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء, وذلك لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعة ، فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً ) متفق عليه .
    وما أجمل قول الشوكاني رحمه الله : ( وقد أغنانا الله سبحانه في تفسير هذه الآية بما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما عرفت ، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً ، فليس كمثله شيء دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر .
    قوله ويدعون إلى السجود : إذا كشف الله ساقه عند ذلك يخر كل مؤمنه سجدا لله تعظيما لربهم واما أهل النفاق فيمنعون عقوبة وخزيا لهم ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، " أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ ِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : نَعَمْ ، قَالَ : هَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الشَّمْسِ بِالظَّهِيرَةِ ، صَحْوًا لَيْسَ مَعَهَا سَحَابٌ ؟ وَهَلْ تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، صَحْوًا لَيْسَ فِيهَا سَحَابٌ ؟ قَالُوا : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إلا كَمَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَةِ احدهِمَا ، إذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أذن مُؤَذِّنٌ لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ، فَلَا يَبْقَى أحد كَانَ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ ، وَالأَنْصَابِ ، إلا يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ حَتَّى إذا لَمْ يَبْقَ إلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ مِنْ بَرٍّ ، وَفَاجِرٍ ، وَغُبَّرِ أهل الْكِتَابِ ، فَيُدْعَى إليهودُ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللَّهِ ، فَيُقَالُ : كَذَبْتُمْ ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ ، وَلَا وَلَدٍ ، فَمَإذا تَبْغُونَ ؟ قَالُوا : عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا ، فَيُشَارُ إليهمْ إلا تَرِدُونَ ، فَيُحْشَرُونَ إلى النَّارِ ، كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى ، فَيُقَالُ لَهُمْ : مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ ؟ قَالُوا : كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ اللَّهِ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : كَذَبْتُمْ ، مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ ، وَلَا وَلَدٍ ، فَيُقَالُ لَهُمْ : مَإذا تَبْغُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا ، قَالَ : فَيُشَارُ إليهمْ ، إلا تَرِدُونَ ، فَيُحْشَرُونَ إلى جَهَنَّمَ ، كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا ، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ ، حَتَّى إذا لَمْ يَبْقَ إلا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ تَعَالى مِنْ بَرٍّ ، وَفَاجِرٍ ، أَتَاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالى فِي أَدْنَى صُورَةٍ مِنَ الَّتِي رَاوهُ فِيهَا ، قَالَ : فَمَا تَنْتَظِرُونَ ، تَتْبَعُ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ ، قَالُوا : يَا رَبَّنَا ، فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا ، أَفْقَرَ مَا كُنَّا إليهمْ وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ ، فَيَقُولُ : انا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ ، لَا نُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، مَرَّتَيْنِ أو ثَلَاثًا ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ لَيَكَادُ أَنْ يَنْقَلِبَ ، فَيَقُولُ : هَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ آيَةٌ فَتَعْرِفُونَهُ بِهَا ؟ فَيَقُولُونَ : نَعَمْ ، فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ، فَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ لِلَّهِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ ، إلا أذن اللَّهُ لَهُ بِالسُّجُودِ ، وَلَا يَبْقَى مَنْ كَانَ يَسْجُدُ اتِّقَاءً وَرِيَاءً ، إلا جَعَلَ اللَّهُ ظَهْرَهُ طَبَقَةً وَاحدةً ، كُلَّمَا أراد أَنْ يَسْجُدَ ، خَرَّ عَلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ يَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ وَقَدْ تَحَوَّلَ فِي صُورَتِهِ الَّتِي رَاوهُ فِيهَا اول مَرَّةٍ ، فَقَالَ : انا رَبُّكُمْ ، فَيَقُولُونَ : أَنْتَ رَبُّنَا ، ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ ، وَتَحِلُّ الشَّفَاعَةُ.
    قوله فلا يستطيعون: يمنعهم الله من السجود ويحرمهم. كم من نفس اليوم تستطيع السجود فلا تسجد لله وهم أصحاء قادرون عليه فلا يسجدون; عنادا واستكبارا.
    قوله خاشعة أبصارهم :أي ذليله
    قوله ترهقهم ذله : أي تعلوهم ذلة ومهانه لما استكبروا عن الخضوع والخشوع لله في الدنيا تغشاهم الذلة هناك اختر الذلة هنا أو هناك
    قوله وقد كانوا يدعون إلى السجود :حرمهم الله من السجود عقوبة لهم وبين في الحديث من يمنعه من السجود هم أهل النفاق ومن يصلى اتقاء الناس واصحاب الرياء والسمعة .فيه بيان الآخرة وأهوالها وشدائدها ، وما أعد الله للفريقين : المسلمين والمجرمين
    قوله فذرني ومن يكذب : أي اتركني أو دعني ومن يكذب بهذا الحديث ثم بين كيف سيعاقبهم
    قوله سنستدرجهم : الاستدراج هو ان يملى للشخص ويفتح له باب الرزق إلى ان يدركه امر الله.
    ففي الاثر إذا رأيت الله تعالى يُنعم على عبد، وهو مقيم على معصية، فاعلم أنه مُستدرج» ثم تلا هذه الآية. سنستدرجهم بالنعم حتى يزيد طغيانهم ثم يأخذه على غرة
    قوله وأملي لهم : أي امهلهم أي تأخير العقوبة وعدم العجلة حتي يغتر ويشتد كفره
    قوله ان كيدي متين :الله يكيد بمعني يوصل العقوبة لمن يستحقها علي وجه خفي لا يشعر به فهو عدل
    وكيد المخلوق مذموم لأنه إيصال الأذى لمن لا يستحقه فهو ظلم متين عظيم وقوي
    قوله أم تسألهم أجرا : يعنى هل الذي صدهم عن الاسلام انك تطلبهم أموالهم
    قوله أم عندهم الغيب : هل اطلعوا على الغيب فكل حججهم منتفية وما يحكمون به لأنفسهم من أنهم أفضل منزلة عند الله من أهل الإيمان به؟ فما بقي إلا الحسد والمكابرة
    قوله فاصبر لحكم ربك : وجه الله رسوله بالصبر والحلم فاصبر- يا محمد- لما حكم به ربك وقضاه, وقدره عليك ومن ذلك إمهال وتأخير نصرتك عليهم
    قوله ولا تكن كصاحب الحوت : ولا تكن كصاحب الحوت, وهو يونس عليه السلام- في العجلة والغضب , حين نادى ربه, وهو مملوء غما طالبا تعجيل العذاب لهم.
    وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم :وإن يكاد الكفار- يا محمد- يسقطونك عن مكانك بنظرهم إليك عداوة وبغضا وحسد حين سمعوا القرآن, ويقولون: إنك لمجنون. وقيل وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك أي يصيبونك بالعين حسدا من عند انفسهم فانكر الله عليهم هذا الموقف وحصل منهم هذا الموقف المخزي ويقولون انه لمجنون بلغ بهم الاستكبار انهم جعلوا كلام الله مجنون وهذه حالة الكفار إلى يوم القيامة يحتقرون القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم وهذا موقفهم مع رسول الله ومع القرآن دائما .
    بدأت السورة بتبرئة نبينا من تهمه الجنون بسبب الحسد والحقد وتنفير الناس عنه وختمت ان موقفهم مستمر بسبب الحقد والحسد والعداوة .
    قوله وما هو إلا ذكر للعالمين: وما القرآن إلا موعظة وتذكير للعالمين من الإنس والجن.
    تمت ولله الحمد والمنة.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الحاقة :
    يقول الله( وذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) . حديثي معكم اليوم عن سورة الحاقة وهي القيامة فهذه السورة تؤكد وقوع القيامة وتهدد من يكذب بها .
    قوله الحاقة :أي فالحاقة تحق فيها الأمور يحق فيها جزاء الكافرين ويحق فيها جزاء المؤمنين فيتحقق فيها الوعد والوعيد ومن معاني الحاقة ايضا أي ليست بالأمر المحتمل بل هي حق لابد منه و شيء سيقع ووعد لا يتخلف ومن معانيها تظهر فيها حقائق الأمور
    ذكر في السورة عدة اوصاف للقيامة رغم قصر آياتها ذكر : الحاقة والقارعة والواقعة
    قوله ما الحاقة :تفخيماً لشأنها وتعظيماً لهولها
    وما ادراك ما الحاقة : أي انه يقع فيها أمور لا يتصورها العقل امر هائل جدا لما ذكر القيامة ووصف شدتها وهولها ذكر من كذب بها وما حل بهم بسبب التكذيب، تذكيراً لأهل مكة وتخويفاً لهم من عاقبة تكذيبهم
    قوله كذبت ثمود وعاد بالقارعة :أي كذبت كلا من ثمود وعاد بالقارعة القارعة أي تقرع القلوب والإذان بصوتها واهوالها فهي تفزع من شدة الاهوال وهذا زياده وصف لشدتها
    اما سر تقديم ثمود وعاد على غيرها لان العذاب الذي اصابهم من قبيل القرع ومن قبيل الصواعق يقول الله( فان اعرضوا فقل انذرتكم صاعقه مثل صاعقه عاد وثمود ) قال ابن عباس وقتاده نزلت عليهم صاعقه أو صواعق فأهلكتهم .
    الله ما خلقنا ليعذبنا خلقنا ليختبرنا أينا أحسن عملا. ويجزي الذي أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى
    قوله فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية : ثمود امه قوية بوادي القرى بمدائن صالح اعطاهم الله قوة وثروة وغنى ولكنهم كفروا بالله وذكرهم نبيهم بنعم الله عليهم. فقالوا: إنما انت من المسحرين وطلبوا اية؟ فأعطاهم الله الناقه اية .وفي النهاية عقروها وقاولوا : يا صالح ائتنا بما تعدنا. فعذبهم الله بالصيحة الشديدة فقطعت قلوبهم في صدورهم وماتوا عن بكرة ابيهم . صيح بهم - والعياذ بالله - مع الرجفة، ففي السماء أصوات، وفي الارض رجفان، أخذتهم الرجفة والصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين فكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر. والهشيم الشجر اليابس المتهشم المتكسر
    قوله واما عاد : عاد في جنوب شرقي الجزيرة اعطاهم الله قوة في الاجسام وطولا وأرسل الله إليهم هودا. ولكنهم عصوا رسول ربهم وقالوا: من أشد منا قوة؟ فأهلكهم الله بواسطه ريح الدبور لقوله صلى الله عليه وسلم: «نصرت بالصبا وأهلكت عاد بالدبور) أرسل عليهم ريح فلم تغني عنهم قوتهم. فكانت تنزع الناس وترفعهم إلى السماء كالريشة في مهب الريح ثم تشدخه على أم رأسه فينفصل الرأس عن الجسد . أرسل عليهم ريح عقيم ما تذر من شيء إلا جعلته كالرميم .
    قوله صرصر : أي ذات صرير لقوتها وشدتها وبرودتها وكانت ريحاً عقيمة ليس فيها مطر، ولا يرجى أن يأتي منها مطر
    قوله عاتية : أي شديده العصف والهبوب تمردت على الخزنة ولم يستطع قوم عاد ردها بحيلة- لا بنيان ولا جبل -كانت تنزعهم من اماكنهم وتهلكهم .
    قوله سخرها عليهم : أي سلطها عليهم فبدل ان تكون مسخرة لهم اصبحت مسخرة عليهم -سبحان الله- الله سخر الرياح للإنسان فجعلها للخير والزرع والتلقيح وللنبات والتبشير واما الريح فهي للعذاب والرياح للخير والرحمة
    قوله سبع ليالي وثمانية ايام حسوما : حدد المدة بدقه وكان ابتداء العذاب يوم الأربعاء آخر الشهر إلى الأربعاء الأخرى .
    قوله حسوما : أي متتابعة حاسمه قاطعه لا تنقطع . فكانت عليهم متتابعة. لا تنقطع ولا يزيد الأمر إلا شده فلم تقف لحظة واحدة ولا يوم منذ بدأت حتى انتهت وتأتي بمعنى الحسم قاطعه سمي السيف حساما لأنه يقطع وهؤلاء ابادتهم عن بكرة ابيهم بمعنى تستأصل استئصالاً
    قوله فترى القوم فيها صرعى : أي هلكي مرميين على الارض قال بعضهم: ترفعهم حتى يغيب الإنسان عن الرؤية من علوه، ثم تطرحه في الارض، وإذا سقطوا على الارض سقطوا على أم رؤوسهم ثم انفصل الرأس عن الجسد .
    قوله كأنهم اعجاز نخل خاويه: كأنهم اصول نخل ميتة وساقطة بالية شبههم بالنخل المتساقط قلعت من جذورها خاوية يعنى مقطوعه الرأس والعجز مجتث فناسب حالهم انه لا خير فيهم ولا بركة ولا شيء وهؤلاء القوم لا خير فيهم وليس لهم عقول ولا ارواح شبهوا بمثل المنافقين كالخشب المسندة التي اكلتها دابه الارض من الداخل فهي مرميه لا فائدة فيها.
    قوله فهل ترى لهم من باقية : أي من نفس باقية أو من بقاء والغرض استحضار المشهد
    قوله وجاء فرعون ومن قبله :وَمَن قَبْلَهُ: ومن تقدمه من الأمم وَمِن قَبْلِهِ: أي ومن عنده من أتباعه
    قوله والمؤتفكات بالخاطئة :المؤتفكات قرى قوم لوط والخاطئة بالكفر والتكذيب بالرسل
    قوله فعصوا رسول ربهم: كفروا بالله واصروا على الفاحشة
    قوله فأخذهم أخذة رابية : أي قوية وزائده على من قبلها من الأخذات اقتلع ديار من جذورها وقلبها عليهم أمطرهم بحجارة من سجيل
    قوله انا لما طغى الماء: أي علا وارتفع من العقوبات التي أهلك الله بها قوم نوح الغرق بعث الله إليهم نوح لما نصبوا صور الصالحين وعبدوها من دون الله واستمر نوح الف سنة يدعوهم ما ترك مجالا من مجالات التلطف بهم ودعوتهم إلا سلكه حتى اوحى الله إليه انهم لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن عندها دعا عليهم فأهلكهم الله بالطوفان حتى علا الجبال وما نجى إلا اصحاب السفينة
    قوله حملناكم في الجارية : حملنا أصولكم مع نوح في السفينة التي تجري في الماء وانتم ذرية من حملنا مع نوح
    قوله لنجعلها لكم تذكرة : لنجعل الواقعة التي كان فيها نجاة المؤمنين وإغراق الكافرين عبرة وعظة
    وتعيها أذن واعية : تسمعها وتعتبر بها كل أذن واعية. قال قتادة: وهي أذن عقلت عن الله وانتفعت بما سمعت.
    فبعدما بين الله لنا ما حصل للمكذبين من الامم السابقة من العقوبات بسبب كفرهم بالله وانكار البعث بين لنا هنا متي البعث .
    قوله فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة :الصور هو القرن والنافخ اسرافيل وهذا القرن فيه ثقوب على عدد ارواح البشر نفخة واحدة أي لا يحتاج إلى عدت نفخات بل نفحه واحدة تكفي للصعق ونفخه واحدة تكفي للبعث
    قوله وحملت الارض والجبال فدكتا دكة واحدة : كذلك الجبال والارض ضربة واحدة تصبح هباء منثورا ثم تمد الارض مد الاديم ففي الحديث : إذا كان يوم القيامة مد الله الارض مد الأديم ، حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه و زيد في سعتها ((يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي)) قال سهل – أو غيره -: ليس فيها معلم لاحد )لا علامة من سكنى، أو بناء، أو أثر، أو جبل، أو صخرة بارزة، وإنما هي مستوية
    قوله يومئذ وقعت الواقعة :أي تقع فيها الاهوال إذا حصل هذا قامت القيامة نفخة واحدة ودكة واحدة والسماء واهيه ما أعظم قدرة الله .فالحاقة تحق فيها أمور والقارعة تقرع القلوب والإذان بأهوالها والواقعة تقع فيها الاهوال
    قوله وانشقت السماء : السماء القوية المتماسكة مع صلابتها وقوتها تنشق وتفتح ابوابها
    قوله فهي يومئذ واهية أي ضعيفة والسماء كالمهل أي الفضة المذابة لضعف اطرافها
    قوله والملك على ارجائها: أي الملائكة على اطرافها اما الارض أو السماء ويظهر ان الملائكة تحيط باهل الارض واهل السماء يكونون أكثر من أهل الارض بأضعاف مضاعفه ويحيطون باهل الارض صفوف واهل الموقف كلما نزل فوج من الملائكة من السماء يسالونهم افيكم ربنا افيكم ربنا وهكذا مع كل فوج حتى يأتي الله مع الفوج الاخير من الملائكة
    قوله ويحمل عرش ربك : العرش سقف المخلوقات استواء الله عليه استواء يليق بجلاله وهو فوق جميع المخلوقات ولا يوجد شيء فوقه فالمخلوقات كلها تحت العرش. قال صلى الله عليه وسلم والله فوق عرشه يعلم ما أنتم عليه والعرش هو أكبر المخلوقات تحمله ثمانية من الملائكة كما في هذه الآية وهؤلاء الثمانية يتجاوبون بصوت رقيق جميل حَمَلَةُ الْعَرْشِ ثَمَانِيَةٌ ، فَأَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ يَقُولُونَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى حِلْمِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ ، وَأَرْبَعَةٌ يَقُولُونَ : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ عَلَى عَفْوِكَ بَعْدَ قُدْرَتِكَ " ، قَالَ : " وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ ذُنُوبَ بَنِي آدَمَ " وهو ثابت عن حسان بن عطيه وله حكم الرفع بسند صحيح قاله شيخنا الطحان.
    قال الشيخ سفر الحوالي والذي ترجح لدينا بالنسبة لما يتعلق بحملة العرش أنهم ثمانية، وأنهم من الملائكة، وأن الواحد منهم على الصفة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من عظم الخلقة.
    أما كونهم يسبحون فهذا صريح القرآن.
    واما الكرسي فهو دون العرش وفوق السموات السبع بحر وفوق البحر الكرسي وفوق الكرسي العرش وهو لا يقدر بقدر فهو أكبر المخلوقات واولها والكرسي موضع قدمي الرب سبحانه وهناك من قال ان حملة العرش اليوم أربعة من الملائكة ويوم القيامة ثمانية. وهذا القول رجحه ابن كثير هو قول الجمهور يستدل لهذا القول بعدة أدلة منها ما رواه الطبري بسنده عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يحمله اليوم أربعة ويوم القيامة ثمانية » [رواه الطبري من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خبر مقطوع وإسناده ضعيف
    وروى الطبري أيضاً بسنده عن ابن إسحاق قال: بلغنا أن رسول لله صلى الله عليه وسلم قال: «هم اليوم أربعة » يعني حملة العرش « وإذا كان يوم القيامة أيدهم الله بأربعة آخرين فكانوا ثمانية » انظر تفسير الطبري
    والمعنى وجاء ربك سبحانه لفصل القضاء ليجازي كل عامل بعمله فإذا جاء الله يراه أهل المحشر كلهم ثم يحجب عن الكافرين فيشعرون بأشد الحسرة
    فإذا حصل المجي حصلت الرؤية وحصل اللقاء ثم يحصل عند ذلك الكلام فهناك اناس يكلمون كلام تكريم وهناك اناس يكلمون كلام توبيخ وتقريع .
    قوله يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية : العرض على الله له ثلاث حالات:
    الحالة الاولى: عرض عام وهو عرض الخلائق كلهم على الله بادية له صفحاتهم لا تخفى عليه منهم خافيه
    الحالة الثانية :يعرض المؤمنين على ربهم في أحسن حال ويقررهم بذنوبهم ثم يسترها عليهم ويغفرها لهم
    الحالة الثالثة: يعرض الكفار والفجار على الله في اتعس حال واشقاه ويعدد عليهم جرائمهم ويفضحهم على رؤوس الاشهاد وتلعنهم الملائكة والاولين والاخرين وهذا لأهل الخزي والعار والفجور والكفر
    وفي الحديث عند الترمذي : «يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات: فأما عرضتان فجدال ومعاذير، وأما الثالثة فعندها تطير الصحف فيأخذ الفائز كتابه بيمينه والهالك كتابه بشماله» اما عرضة الجدال يدافعون عن انفسهم ويقولون لم يبلغنا الأنبياء يقول الله يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها
    وعرض المعاذير يعترفون ويعتذرون فمن كان عنده عذر صحيح قبله الله ففي الحديث لا أحد احب إليه العذر من الله ) البخاري
    العرضة الثالثة تطاير الصحف فيستلم المؤمن كتابه بيميه من امامه والكافر كتابه بشماله خلف ظهره
    وطارت الصحف في الايدي منتشرة فيها السرائر والجبار مطلع عليها
    وعليه يتجلى الرب سبحانه لفصل القضاء بين عباده اذ نصب الله كرسي فصل القضاء وانفصل الكافرون عن المؤمنين في الموقف إلى ناحية الشمال وبقي المؤمنون عن يمين العرش.
    قوله فأما من اوتي كتابه بيمينه :هذا هو الفوز الابدي واعطي باليمين ومن امامه تكريما له وهو موقف هائل لا يتصوره العقل فلا تدري، أتقع صحائفك في يمينك أم في شمالك؟ وعند الميزان كذلك موقف هائل
    فمن يؤتى كتابه بيمينه فاولئك هم السعداء، ومنهم من يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره وهم الأشقياء
    فيقول هاؤم أقراوا كتابيه: من شدة الفرح والسرور. هذا فرح أهل الجنة يفرحون بالفوز الابدي
    بين السبب فوزه ونجاته .
    اني ظننت اني ملاق حسابيه : قيل ايقنت وامنت بالبعث والحساب وقيل لأني خفت من سوء الحساب اليقين بلقاء الله من أعظم الاسباب الفوز النجاة
    قوله فهو في عيشة راضية : أي سعيدة الكل راضي بما هو فيه فلا ينظر بما عند الاخرين ولا أحد يشعر بالنقص كل مسرور بما هو فيه ولا يطلب مزيد
    في جنة عالية :عيشة راضيه وجنه عالية أي مرتفعة في قصورها ودرجاتها واشجارها واصحابها
    علو المكان والصفات وعلو اصحابها
    قوله قطوفها دانية : أي ثمارها قريبه
    قوله كلوا واشربوا هنيئا : ليس فيها منغص أو كدر أو ألم. اكلا هنيئا وشرابا هنيئا ولا تخاف غوائله إنما هو صحه ولذه وعافيه
    قوله بما أسلفتم في الأيام الخالية: أي أعمالهم أهلتهم لرحمة الله ان رحمه الله قريب من المحسنين وهذا يعطينا لابد من الجد والجهد والاجتهاد في طاعة الله وعن ابن عباس: هي في الصائمين أي كلوا واشربوا بدل ما أمسكتم عن الأكل والشرب لوجه الله.
    وفيها فائدة: عظم ثمرات لعمل الصالح بما أسلفتم في الأيام الخالية .
    قوله واما من اوت كتابه بشماله: فيها اعلان الخسارة الأبدية فيشقى شقاوة لا يسعد بعدها أبدا عيإذا بالله العظيم يعطى كتابه بالشمال ومن وراء ظهره وتلوى يده وراء ظهره اهانة له بخلاف اصحاب اليمين يعطى من امامه
    قوله ياليتني لم اوتى كتابيه :لا يحب أحد ان يطلع عليه لما يرى فيها من المخازي والفضائح
    قوله يا ليتها كانت القاضية : يعني يتمنى انه لم يبعث . التمني يكون للمستحيل والترجي للممكن تمنى الموت من شده اهوال القيامة مع انه كان في الدنيا اكره ما عنده الموت
    قوله ما اغنى عني مإليه: افنى عمرة في جمعه ولم ينفعه يوم القيامة.
    هلك عني سلطانيه :أي حجتي وقيل هلك عني ملكي وقوتي وعليه تطلق على الحجه والقوة
    فائدة :المال والسلطان لا قيمة لهما يوم القيامة وقد يستدرج بهما العبد فتكونا سببا في هلاكه
    قوله خذوه فغلوه :أي اجمعوا يديه إلى عنقه. الغل هو الربط تربط يده إلى عنقه اهانه له وهذه الآية احيانا تنزل على غير وجهها ولا يجوز
    قوله صلوه :أي ادخلوه عذاب النار ليذوق حرارتها وعذابها
    قوله ثم في سلسله ذرعها سبعون ذراعا : ذرعها أي طولها سلسله من حديد ذات حلق طولها سبعون ذراع
    قوله فاسلكوه: أي انظموه فيها تدخل من دبره وتخرج من فهمه أو العكس فهم مقرنين ومسلسلين. عذاب مع عذاب . عذاب نفسي وعذاب بدني سبب عذابهم , ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ عدة أمور
    قوله انه كان لا يؤمن بالله العظيم: إما انه يجحد بوجود الرب أو يؤمن بوجوده ولا يعبده ولا يؤمن بألوهيته وربوبيته والمعنى لا يؤدي حق الله عليه سبب عذابه الكافر يوم القيامة عدم معرفه عظمه الله وعدم معرفه حقه
    قوله ولا يحض على طعام المسكين :ولا ينفع خلقه ويؤدي حقهم فهو مسيء في حق الله ومسيء في حق غيره فليس له اليوم هاهنا حميم تفرد بعمله فلا أحد يساعده وليس مثل الدنيا فيها تناصر وتعاون وحميه لكن الآخرة ليس معه إلا عمله فلا صديق ولا قريب ينفعه
    قوله ولا طعام إلا من غسلين: قارن بين أهل الجنة كلوا واشربوا هنيئا وهنا طعامهم غسالة أهل النار إذا احرقت اجسامهم وما يخرج من قيح وصديد فهو منتن وحار ومر وقيل شجرة من شجر النار وعلى كل شراب خبيث
    قوله لا يأكله إلا الخاطئون: فرق بين الخاطئ والمخطئ فالخاطئ متعمد المخالفة والمخطئ لا قصد له
    لما ذكر الله طعام أهل الإيمان وشرابهم وذكر طعام أهل الكفر والعصيان وشرابهم بين بعدها مكانة القرآن وانه كلام حق لامجال للتكذيب فيه فان كل من ادعى النبوة وكذب على الله أهلكه الله وانقطع اثره واتباعه
    قوله فلا أقسم بما تبصرون ومالا تبصرون : فاقسم الله بآياته المرئية وغير المرئية فاقسم بجميع المخلوقات
    فهو اعم قسم في القرآن وجواب القسم أو المقسم عليه هو القرآن
    قوله انه لقول رسول كريم : انه أي القرآن لقول رسول كريم اسند القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه مبلغ عن الله ولذلك تارة ينسب إلى نبينا محمد وتارة إلى جبريل وفي سورة الشعراء (وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك )هذا سند القرآن كاملا واحيانا يذكر أحد السند والا فالقرآن كلام الله لا يستطيع بشر ان يأتي بمثله
    قوله رسول كريم: أي بلاغ ورساله فهو يتكلم به على وجه الرسالة من عند الله وكريم عند الله وعند عباد المؤمنين
    قوله وما هو بقول شاعر :القرآن كله حق لا كذب فيه وجد لا هزل فيه وهل هناك عاقل يقول انه شعر لا من ناحيه ألفاظه ولا من ناحيه معانيه واغراضه .فالشعراء يتبعهم الغاوون ويقولون مالا يفعلون والشعر مذموم إلا إذا كان في نصرة الحق الشعر غالبه مذموم قوله قليلا ما تؤمنون ايمان قليل لكنه لا ينفع عند الله
    قوله ولا بقول كاهن :القرآن حق والكهانة كلها كذب إلا قليلا منها مما يسترق بواسطة الشياطين . الكهان تنزل عليهم الشياطين فنفى ان يكون من كلام الكهان لان الكهان تنزل عليهم الشياطين وتنزل على كل افاك اثيم . قال الوليد بن المغيرة يا قوم عرفت الكهانة والشعر والسحر وما هو بشعر ولا سحر ولا كهانه
    قوله تنزيل من رب العالمين :هذا هو الحقيقة القرآن الكلام الله منزل غير مخلوق بخلاف الكهان تنزيل الشياطين والبرهان على انه تنزيل رب العالمين انه لو تقول على الله
    ولو تقول علينا بعض الاقاويل :لما امهلناه وأهلكناه بسرعه ومصداق ذلك اين الكذبة ممن ادعى النبوة اين هم واين آثارهم واتباعهم انقطعوا واما محمد ورسالته والقرآن فهي باقيه وهذا دليل على انه من عند الله تكفل الله بحفظه وبقاءه .
    لأخذنا منه باليمين : أي يمين الأخذ أو يمين المأخوذ وكلاهما عن شدة وقوة
    فائدة :لو تقول علينا بعض الاقاويل فيها تهديد لمن يتجرأ على الفتيا بغير علم ( ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب ان الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون ).
    قوله ثم لقطعنا عنه الوتين :عرق متصل أو معلق بالقلب إذا قطع مات القلب فلو تقول نبينا محمد وحاشاه لبادر الله بإهلاكه ولم يمهله ولأهلكه هلاك فيه عبرة لغيره انظروا إلى من ادعى النبوة أهلكه الله ورساله نبينا محمد لازالت مستمرة وخالده وهذا يدل على صدقه (ويقول الذين كفروا لست مرسلا قل كفى بالله شهيدا بيننا وبينكم ).وشهاده أهل الكتاب المراد بهم من آمن منهم اما المحرفون والمخرفون من الكفرة والكذبة فلا عبرة بهم لذلك لما ذهبت خديجة إلى ورقه بن نوفل فأخبرته بما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء، وكيف جاءه جبريل عليه السلام كما أخبرها الرسول صلى الله عليه وسلم.فقال ورقة: قدوس قدوس، والذي نفس ورقة بيده إن كنت أصدقتني يا خديجة، لقد جاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي لموسى، وإنه لنبي هذه الأمة، فقولي له: فليثبت... فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بقول ورقة.
    وشهد النجاشي للنبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ عليه جعفر سورة مريم فقال النجاشي ان هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة .
    قوله فما منكم من أحد عنه حاجزين :أي لو اردنا أخذه أو عقوبته فما أحد يمنعه من الله
    قوله وانه لتذكرة للمتقين : أي هذا القرآن تذكرة وعظة لمن كان له قلب حي أو القى السمع
    فهو يذكر بالحق وبالبعث والنشور كلام الله نور وتذكرة ونجاه لمن صدق به
    قوله وانا لنعلم ان منكم مكذبين :أي مكذبين بالقرآن رغم كثرة الشواهد على انه حق
    قوله وانه لحسرة على الكافرين :وكلام الله حسرة وندامه لمن كذب به يوم القيامة (يقول الذين نسوه لقد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء )فإذا راوا القيامة، وحقيقه ما جاء به القرآن تحسروا
    قوله لحق اليقين :أي لاشك فيه درجات العلم ثلاث علم اليقين وهي الاخبار الصادقة والاعتماد على العلم الصحيح عين اليقين ما شاهده ببصره حق اليقين ما ذاقه ولمسه والقرآن كله علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين
    قوله فسبح باسم ربك العظيم :نزه ربك عما يقول الكفار في الله وفي القرآن وفي الرسول ونزه ربك ان يرسل رسول ثم يتركه يكذب عليه وعلى الناس وقيل سبح باسم ربك العظيم أي الصلاة
    تمت هذه السورة ولله الحمد والمنة
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة المعارج :
    حديثي معكم اليوم عن سورة المعارج وهي تتحدث عن جرأة الكفار في استعجال العذاب واستهزائهم بالنبي صلى الله عليه وسلم وفيها تهديد للكفار بما سيحل بهم يوم القيامة .
    قوله سأل سائل بعذاب واقع :أي دعا داعي من الكفار على نفسه وقومه بنزول العذاب واستعجلوا العذاب من باب التكذيب والتحدي والمكابرة من أجل ان يغرروا بغيرهم من الكفرة حتى يستمروا على ما هم عليه.
    قوله بعذاب واقع: أي طلب نزول العذاب معجزا لله ومستهزأ برسوله. ولكن الله لا يغير ما قضاه وقدره من أجل تحدي الكفار ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب لكنه سبحانه حليم لا يعجل وكريم لا يبخل
    قوله للكافرين ليس له دافع :أي إذا وقع العذاب فليس له دافع فلا أحد يدفعه أثناء نزوله ولا يرفعه إذا نزل
    لطيفه يحرم سؤال العذاب لان عذاب الله لا يُطاق ولكن يسال العبد رحمه الله وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلا من المسلمين قد خفت ، فصار مثل الفرخ ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه ) ؟ ! . قال نعم ، كنت أقول : ( اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجله لي في الدنيا ) . فقال رسول الله : - صلى الله عليه وسلم - ( سبحان الله ! لا تطيقه ولا تستطيعه : أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار ؟ ) قال : فدعا الله به فشفاه الله . رواه مسلم وفيه تحريم تمني البلاء أو الدعاء علي النفس ببلاء أو لعنة
    قوله من الله ذي المعارج :طلبوا العذاب لعدم معرفتهم لله وعظمته وسعه سلطانه فذكر الله صفة من صفات عظمته المعارج أي صاحب المعارج أو مالك المعارج والمعارج المراد به الله والمعنى من الله ذي العلو والجلال رفيع الدرجات العلى الأعلى فوق سماوته مستو على عرشه تصعد إليه وتنزل الأشياء إليه فيها اثبات علو الله ذاتا وقدرا وقهرا وفيه بيان عظمة الله فله المعارج رفيع الدرجات .والله ذو العلو والجلال والأعمال تعرج إليه
    قوله تعرج الملائكة والروح إليه : بين مقدار صعودهم أي تصعد إليه الملائكة قوله والروح قيل تشمل ثلاث :
    الرواح اسم جنس يشمل ارواح بني ادم عند قبضها تصعد بها الملائكة وقيل الروح جبريل وذكر اكراما له وتنويها له وقيل الروح خلق من خلق الله لا يعلمه إلا هو ولا مانع منها كلها
    قوله في يوم كان مقداره خمسين الف سنة: فسرت بثلاث :
    قيل المسافة بين العرش والارض خمسين الف سنة تخترقه الملائكة بسرعه نزولا وصعودا
    وقيل مقدار وقوف الكفار يوم القيامة قبل الحساب لكن يخفف على المؤمن كأداء صلاة مكتوبه وقيل المراد به عمر الدنيا أو مدة الحياة .ومختصره هو يوم طويل سواء اريد به ما بين العرش والارض أو يوم القيامة أو مده الحياة الدنيا والارجح والعلم عند الله: انه يوم القيامة لحدثين قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) ما أطول هذا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إنَّهُ لَيُخَفَّفُ عَلى المُؤْمِنِ حتى يَكُونَ أخَفَّ عَلَيْهِ مِنَ الصَّلاةِ المَكْتُوبَةِ يُصَلِّيها فِي الدُّنْيا ". رواه احمد وبن حبان وصححه المنذري .وأما مقداره على المؤمنين فوردت آثار تفيد بأنه أخف من صلاة مكتوبة، وأخرى تفيد بأنه بمقدار ما بين الظهر إلى العصر، وأخرى أنه بمقدار يوم من أيام الدنيا. وأصحها ما بين الظهر والعصر والحديث الاخر: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إلا إذا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إلى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إلى النَّارِ....)(صحيح مسلم(
    قوله اصبر صبرا جميلا : فاصبر- يا محمد- على استهزائهم واستعجالهم العذاب, صبرا لا جزع فيه, ولا شكوى منه لغير الله. الله أمر نبيه بالهجر الجميل، والصفح الجميل، والصبر الجميل،
    فالهجر الجميل هجر بلا أذى والصفح الجميل صفح بلا عتاب والصبر الجميل صبر بلا جزع ولا شكوى
    قوله انهم يرونه بعيدا : أي ان الكفار يستبعدون العذاب ويرونه مستحيلا وغير واقع
    قوله ونراه قريبا : أي واقعا وقريبا وكائن لا محاله وفي هذه الآيات بيان قرب العذاب وانهم يرونه بعيدا
    وهنا ذكر الله مشاهد من يوم القيامة .
    قوله يوم تكون السماء كالمهل : تكون السماء سائله كالفضة المذابة أو حثالة الزّيت في تلونها فبعد ان كانت قويه وسميكة تصبح مثل المهل ليس لها جرم وليس لها سمك وهذا دليل علي قدرته وعظمته سبحانه
    قوله وتكون الجبال كالعهن :أي كالصوف الملون المصبوغ فتصير كالصوف الملون ألوانا غريبة لان الجبال ملونه ما بين احمر وابيض وغرابيب سود وكالصوف المنفوش في لينه فإذا بست وطيرت في الجو وكانت كالدخان اشبهت العهن المنفوش الملون اول ما تتغير الجبال تصير رملا مهيلا ، ثم عهنا منفوشا ، ثم هباء منبثا ومنثورا.
    قوله ولا يسأل حميم حميما : ولا يسال القريب عن قريبه ولا الصديق صديقه مع انهم يتعارفون
    قوله يبصرونهم : قال يبصرونهم بضم الياء وفتح الباء ولم يقل يبصرونهم لان الإنسان إذا كان مشغول يخفي عليه ما أمامه أي يرون بعضهم بعض و لكن ما يقدرون يتكلمون ولو كلمهم ما يردون عليه من شدة الاهوال كل مشغول بنفسه .
    قوله يود المجرم لو يفتدي : أي يتمنى الكافر لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامة ويسلم كلمة لو حرف امتناع لوجود ومعناه امتناع وقوع الفدية لوجود الكفر
    قوله ببنيه : يتمنى لو يفتدي بأبنائه فقد كان يشفق عليهم في الدنيا ويحبهم ويدفع عنهم الاذى يتمنى لو يفتدي بهم ويسلم مع انه في الدنيا ما يود ان تصيبهم شوكة
    قوله " وصاحبته : أي زوجته كان بينه وبينها مودة وعطف . وأخيه " اقرب الناس إليه بعد ابناءه ويستأنس به ويساعده في ورطات الدنيا
    قوله وفصيلته التي تؤويه : أي عشيرته ان تؤيده وتناصره وتحميه في الدنيا
    قوله ومن في الارض جميعا : يتمنى ان يفتدي من العذاب بالناس كلهم والاموال يتمني في ذلك اليوم لو يفدي بكل شيء من أجل نجاته ولكن لا تقبل منهم فديه ولا شفاعة ولا خلة ولا بيع فيه ولا يساعد أحد احدا ولا يدفع عنه وكل مشغول بنفسه وجريمته وعمله
    هذه الآيات تعنيك انت، انت المخاطب بها وانت المعرض للخطر فان تنجوا منها تنجوا من ذي عظيمة والخلاص من هذه الورطات الإيمان بالله والاستعداد لليوم الاخر . الآخرة ما فيها مناصرة ولا شفاعة ولا فديه ولا نصرة ما ينفع فيها إلا العمل الصالح واساس كل خير ان تعلم انك إلى الله صائر وتسأل عن هذه الروح التي انفقت ايامها وليإليها إما في طاعة الله أو معصيته فكن على حذر
    قوله ثم ينجيه : أي لا نجاة له من عذاب الله مهما بذل من أنواع الفدية فاليوم لا يؤخذ منكم فديه ولا من الذين كفروا ) أي أهل النفاق والكفر لا تؤخذ منهم فديه
    قوله كلا : كلمة ردع وزجر ونفى وتأتي للتأكيد وهنا هي ما فيه أي ان هذه المحاولات كلها منتفية ولا تنجيه من عذاب الله فلا يخلص منها
    قوله انها لظى :أي نارا تتوقد ولا تطفأ
    قوله نزاعة للشوى : تنزع بشدة حرها جلدة الرأس وسائر أطراف البدن وتعود مرة اخرى إلى ما كانت
    قوله تدعوا : أي النار تدعوا بأسمائهم وتعرف اهلها وتناديهم فهي تتكلم وتبصر وتحس ولها ايراده
    قوله من ادبر وتولى :أي من ادبر عن الحق وتولى عن الطاعة ولم يلتفت إليها
    قوله وجمع فاوعى :أي جمعه واذخره يظن ان ماله أخلده ليس له هم سوى جمع المال من أي طريق كان
    واوعى اوكى عليه وجعله في خزائنه ولم يستفد منه ومنع حقوقه الواجبة والمستحبة فهو جموع منوع وما استفاد منه إلا التعب والخوف عليه حارس مال بعد ان ذكر الله لنا عذاب الكافر وسبب هلاكه انه اعرض عن الحق وأستغني بماله وشغله عن الله بعد ان بين الله صفة النار واهلها بين طبيعة الإنسان التي خلق عليها الهلع وهذه صفات ذميمة وايضاً فيها صفة الإنسان إذا لم يهتدي
    قوله ان الإنسان خلق هلوعا: هلوعا أي الجزوع عند ورود المصيبة فلا احتمال لديه ومنوع عند ورود النعمة فلا أفضال عنده بسبب فقدان الإيمان وخصوصا الإيمان بالقدر في سورة الحديد ذكر الله عند قوله ما اصاب من مصيبه ) فبين ان كل ما هو كائن مقدر ومكتوب سواء في الارض أو في الانفس وإذا علم المؤمن ذلك قل اساه علي الفائت وفرحه علي الآتي فيكون فرحه شكر وحزنه صبر ويذم من حزنه جزع وفرحه بطر وفخر وهذا كله من صغر النفس ودناءتها وعليه ويضاد الصبر الهلع وهو شر صفات الإنسان وعند فقدان الإيمان بالله واليوم والاخر والإيمان بقضاء الله وقدره تتحرك هذه الطباع
    واستثني الله المؤمن لان مع المؤمن اصول واسس يتقون بها جميع ما يرد عليهم من خير وشر . عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله خير ان اصابته سراء شكر فكان خيرا له وان اصابته ضراء فصبر فكان خيرا له وليس ذلك إلا للمؤمن ) رواه مسلم
    فالمؤمن يتلقى الخير بشكر وصبر وفاقد الإيمان يتلقى الخير والشر بكفر وجزع فيتلقى الخير بالأشر والبطر والطغيان ويتلقى المكاره بقلق وجزع وضجر . هنا ذكر صفات المؤمنين الطيبين الذين استثناهم الله من الإنسان الهلوع وذكر لهم تسع صفات : اثنتان تخص الصلاة الاولى والأخيرة .
    قوله إلا المصلين : الصلاة من أعظم ما يبعث على الطمأنينة وأعظم ما يزيل الهلع والخوف ومن مصائب الدنيا
    قوله على صلاتهم دائمون : المداومة عليها متعلق بالاستمرار عليها معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها في جميع الاوقات لا يخلون بها ولا يشتغلون عنها بشيء من الشواغل فهناك من يصلى حينا وتركها حينا آخر
    قوله والذين في أموالهم حق معلوم : فكما انهم يؤدون حق الله ايضا يؤدون حق عباده في أموالهم السائل من يسال والمحروم من يتعفف ففي أموالهم حق معلوم وهو جزء يسير الحق الواجب والحق المستحب
    قوله والذين يصدقون بيوم الدين : أي يؤمنون بيوم الحساب وانه كائن ويستعدون له لا يكفى ان تؤمن بيوم القيامة ولا تعمل له ولا تستعد بالأعمال الصالحة
    قوله الذين هم من عذاب ربهم مشفقون : فهم يصلون ويصومون ويتصدقون ومع ذلك مشفقون خائفون يخافون إلا يتقبل الله منهم مع أعمالهم الجليلة يخافون من عذاب الله فعمل الإنسان مهما كان من الكثرة والنوعية فانه لا يفي باقل القليل من نعم الله فلو وضع عدله على الناس ما نجا أحد لان أعمالهم لا تفي بنعم الله انظر إلى نعم الله عليك وعملك
    قوله غير مأمون : أي لا يؤمن وقوعه في أي ساعه ولكن لا يجوز الباس والقنوط من رحمه الله وروحه وايضا يغلب الرجاء فيتجرا على الله الإنسان يكون بين الرجاء والخوف
    قوله والذين هم لفروجهم حافظون : يراد بحفظ الفرج امران حفظ العورة سترا واستعمالا فلا نكشفها ولا نستعملها في ما حرم الله عز وجل فلا يطؤون بها وطأ محرما عن زنى أو لواط أو وطء في دبر أو حيضه ويحفظونها من النظر إليها ومسها والابتعاد عن دواعي الفاحشة فبعض الناس يستعظم الزنا ولا يتجنب دواعيه من نظر واختلاط ونحوه الوطء الحلال يحصل بعقد زواج أو ملك يمين
    فمن ابتغى وراء ذلك : أي بغير زواج أو ملك يمين
    فاولئك هم العادون : أي المتجاوزون من الحلال إلى الحرام تركوا ما احل الله إلى ما حرمه تدل على حرمة المتعة ووطء الذكران والبهائم ونكاح الكف
    قوله والذين هم لأماناتهم : جمع امانه وهي جميع ما ائتمن عليه واستحفظ من أمانات الشرع وهي أعظم الامانات وامانات العباد وكل تحمل الأمانة بحسب حاله ومن لم يراعيها فانه سوف يسأل عنها.
    قوله وعهدهم راعون :وايضا حافظون للعهود مع الله ومع خلقه
    قوله والذين هم بشهاداتهم قائمون :الشهادة مسؤولية عظيمة ويجب ان تؤدى بدون محاباة لاحد يؤدون الشهادة بالحق دون تغير أو كتمان أو ميل
    قوله والذين هم على صلاتهم يحافظون : محفوظة من كل مبطل ومن كل نقص المحافظة متعلق بذات الصلاة بإقامتها على الوجه الاكمل ففي مسند احمد وابو داود عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله عليه وسلم يقول : ( خَمْسُ صَلَوَاتٍ افْتَرَضَهُنَّ اللَّهُ تَعَالى ، مَنْ أحسن وضوئهن وَصَلَّاهُنَّ لِوَقْتِهِنَّ ، وَأَتَمَّ رُكُوعَهُنَّ وَخُشُوعَهُنَّ ، كَانَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ، فَلَيْسَ لَهُ عَلَى اللَّهِ عَهْدٌ ، إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ ) ، وصححه الألباني رحمه الله في "صحيح سنن أبي داود " .
    حياة المؤمن سعيدة وقائمة على الطهارة والتوحيد والطاعة وحياة الكافر شقيه وتعيسة فهي قائمة على النجاسة والشرك والمعاصي ذكر الله اولا صفات أهل النار ثم ذكر شر صفات الإنسان الهلع ثم ذكر صفات الطيبين التسع وذكر جزائهم في الآخرة .
    قوله اولئك في جنات مكرمون : أي من حازوا على هذه الصفات العظيمة ومن اهمها الصلاة مداومة ومحافظة فاولئك في جنات مكرمون كما ان الكفار في لظى مهانون اللهم نسالك بأسمائك وصفاتك ان ترزقنا الاتصاف بهذه الصفات العلية اللهم يسرها لنا ويسر لنا اسباب الخير
    قوله فمال الذين كفروا قبلك مهطعين :أي شيء منعهم من اتباعك وطاعتك مع حرصه صلى الله عليه وسلم على هدايتهم ونجاتهم وما منعهم إلا الكبر والعناد مع انهم يجنون على انفسهم فقد استنكر الله عليهم على ايمانه بالرسول وبالقرآن مع انه جاءهم بنجاتهم فلم يقبلوا وقيل معنى مهطعين :هاربين من سماع ما جئت به كما قال الله فما لهم عن التذكرة معرضين وقيل يستمعون اليك لكن لا يتدبرون مجرد سماع وقصدهم الاستهزاء
    قوله عزين :جمع عزة وهي الفرقة والقطعة من الناس فقد كان المشركون يحتفّون حول النبي صلى الله عليه وسلم حلقاً حلقاً وفرقاً فرقاً يستمعون ويستهزئون بكلامه ويقولون: إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد فلندخلنها قبلهم
    قوله أيطمع كل امري منهم ان يدخل جنة نعيم : حكموا لأنفسهم بالجنة من غير اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم وبدون عمل
    وفيه فائدة من طمع في دخول الجنة بدون اتباع للسنة وبدون عمل فهو خاسر هناك من يقول ان اتباعه السنة هذا في حق العوام وهذا شبيه بحال الكفار يريدون الجنة بدون اتباع وبدون عمل
    قوله كلا: نفى هذا الطمع وأبطله أي لا يدخلون الجنة على هذه الحالة
    قوله انا خلقناهم :هذا رد على كبريائهم فكيف يستكبرون ونسوا بداية خلقهم من ماء مهين وفيه رد ايضا على من انكر البعث ولم ينظر إلى بداية الخلق فمن قدر على البداية قدر على النهاية
    قوله فلا أقسم برب المشارق : أقسم الله بنفسه واقسم بالمشارق والمغارب لأنها من أعظم آياته فاقسم بنفسه مع انه قوله حق من باب التأكيد
    قوله انا لقادرون : أي لا نعجز عن إعادتهم وقادرون على كل شيء
    قوله على ان نبدل خيرا منهم : إما ان يكون المراد نهلكهم ونأتي بخلق امثل منهم واطوع وقيل واما ان نبعثهم على شكل غير شكلهم في الدنيا اجسام قوية ومدارك قويه
    قوله وما نحن بمسبوقين: أي بعاجزين عن ذلك
    قوله فذرهم يخوضوا :أي ما عليك إلا البلاغ واقامة الحجه وهذا كان قبل الجهاد فلما انتقل للمدينة بعد الدعوة الجهاد
    قوله يلاقوا يومهم الذي يوعدون : فما طال العمر وطال التمتع بنعم الدنيا فمصيرهم يلقون يوم القيامة
    قوله يوم يخرجون من الاجداث: أي يخرجون من القبور بعد نفخة البعث يخرجون من قبورهم مسرعين لا يتخلف أحد ويخرجون خروجا قهريا
    قوله سراعا: أي مسرعين
    قوله كأنهم إلى نصب يوفضون :النصب فيها تفسيران صفة مسيرهم كأنهم إلى نصب أي إلى صنم النصب اصنام من حجار يذبحون إليها كما في قوله (وما ذبح على النصب ) كان المشركون يتسارعون إلى النصب وكذلك هم في أرض المحشر والنصب قيل هي العلم للجند يلتفون حوله ولا يتأخر أحد
    قوله خاشعة أبصارهم : وصف حالهم أثناء الخروج تغشاهم ذله وخوف وخزي من هول ما يلقون وشناعة أعمالهم
    قوله ذلك اليوم :ختمت السورة بان هذا موعدهم كذبوا به واستبعدوه وعجزوا الله ان يعيدهم وكذبوا رسوله وانكر البعث ابطل الله حججهم فهي سورة عظيمة أثبت الله فيها الرسالة والبعث والنشور وبين فيها حال الإنسان وصفات الإنسان إذا لم يهتدي وكيف تكون أحواله ثم بين صفات المهتدين وكيف تكون أحوالهم
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة نوح:
    حديثي معكم اليوم عن سورة نوح ونوح عليه السلام هو اول الرسل إلى أهل الارض تكررت قصة نوح في القرآن عشر مرات وذكر اسمه ثلاثة واربعون مرة ونزلت سورة كامله باسمه وهي سورة عظيمة ذكر الله فيها دعوة نوح لقومه ومواقفه مع قومه وكيف بدأ وباي شيء بدأ وكيف صبر على قومه ومراوغتهم معه وانه لم ييأس منهم وكيف بذل معهم كل وسيلة في الدعوة إلى الله وولم يترك مجالا من مجالات الدعوة إلا سلكه وتلطف معهم في العبارة حرصا منه على هدايتهم وانقإذا لهم من عذاب الله .
    ففي دعوة نوح عليه السلام دروس عظيمة للدعاة وللامة ومن أراد معرفه اساليب الدعوة إلى الله فهي موجوده ضمن دعوة الرسل فقد ظل الناس على التوحيد وعلى الهدى والفطرة المستقيمة عشرة قرون بعد آدم قال الله كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين ) فدخل الشيطان عليهم بطريقه ماكرة عن طريقين الغلو والتصوير.
    قد ورد في صحيح البخاري أنه لم مات رجال صالحون من قوم نوح وحزنوا عليهم وعلى أعمالهم وعلى علمهم فاستغل الشيطان هذا الأمر ووسوس للناس وزين لهم أن يجعلوا لهؤلاء الصالحين أنصاباً وتماثيل يجعلونها في مجالسهم ففعلوا ذلك ظناً منهم أن في هذا الفعل إكراماً للصالحين فلما مرت الأيام والاجيال جاء الشيطان وقال إن من كان قبلكم كانوا يعبدون هذه التماثيل فصدقوا ذلك ومن هنا أتت عبادة الاصنام. لم يتمكن الشيطان منهم بالخطوة الاولى وهي تصويرهم إلا لما طال عليهم الأمد ومات علمائهم وجاء جيل جاهل ادخل عليهم الشيطان عبادة الاصنام وانتقل بهم من الاقتداء والمحبة إلى عبادة اصحابها فوقعوا في الشرك الأكبر والشيطان استغل التصوير وتعظيم الصالحين فاوقعهم في الشرك اليوم عباد القبور يقولون لا إله إلا الله ويشركون بالله ولا يعلمون ان عبادة القبور تبطل لا إله إلا الله كفار قريش لما قال لهم رسول الله قولوا لا إله إلا الله تفحلوا قال اجعل الالهة الها واحدا فأرسل الله نوح إلى قومه وهم بنو رأسب فقال يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ) ومكث في دعوته الف سنة إلا خمسين عاما .
    وقد ذكر الله لنا سبب امتناع قومه عن الاستجابة لعدة أمور الاول : انه بشر مثلهم وان أتباعه هم الاراذل (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أرذلنا وما نرى لك علينا من فضل )أي من ميزة وقالوا ان هو إلا رجل يريد ان يتفضل عليكم أي يترأس ويترفع عليكم ثم اتهموه بانه في ضلال مبين وانه مجنون وانه مجادل
    فرد عليهم نوح انا ادعوكم إلى الله ولا اطلب منكم مالا وليس عندي اعطيات فلا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك ولا ازدري أحد ولا احتقره ولكني اراكم قوما تجهلون أي ليس في هذه الحجج منطق عقلي
    وإذا تصورنا هذا كله فتعالوا لنقف على دعوة نوح عليه السلام في سورة نوح :
    قوله انا أرسلنا نوحا إلى قومه : أي بعثنا نوحا إلى قومه لما حدث فيهم عبادة الشرك
    قوله ان أنذر قومك : أي خوفهم وحذرهم من عذاب اليم ان استمروا على الشرك بالله والله لا يعذب أحد حتى يقيم عليه الحجه
    قوله قال يا قوم اني لكم نذير مبين :هنا بين الانذار يحذرهم من عذاب اليم إذا استمرو على الشرك
    قوله ان اعبدوا الله واتقوه واطيعون : مإذا قال لهم وماهي رسالته ان اعبدوا الله أي وحدوا الله وعبدوه وحده فبدا بدعوتهم إلى التوحيد واتقوه خافوا عقابه واطيعون فيما امركم به وانهاكم عنه لأنه رسول والرسول يطاع لأنه مبلغ عن الله والنتيجة والثمرة
    قوله يغفر لكم ذنوبكم :أي يغفر لكم ان عبدتم الله واتقيتموه واطعتموني
    قوله ويؤخركم إلى أجل مسمى: أي يمد في اعماركم ويبارك لكم فيها بسبب الطاعة وان لم يؤمنوا عجلوا بالعقوبة وهذا دليل على ان الطاعة تمد في العمر وتارك فيه وان الكفر والمعاصي يقصم الاعمار
    قوله ان أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون أي ان عذاب الله إذا نزل لا تنفع معه التوبة ولا تقبل التوبة عند نزول العذاب فدعاهم إلى التوحيد والتوبة والاستغفار وهما أعظم ما يمحوا الله بهما الذنوب وهما من أعظم ما يرفع الله به العذاب العقوبة
    قوله لو كنتم تعلمون :أي لسارعتم إلى الإيمان والطاعة .
    الخطوة الثانية في دعوة نوح: لما رأى اعراضهم شكا إلى ربه موقفهم من دعوته وتآمرهم عليه واصرارهم على الاعراض عن دعوته وتمسكهم بأصنامهم .
    قوله قال رب اني دعوت قومي ليلا ونهارا: أي دعوتهم إلى الإيمان بك وطاعتك
    قوله فلم يزدهم دعائي إلا فرارا: أي اعراضا .
    قوله وانى كلما دعوتهم لتغفر لهم : كلما دعوتهم إلى الإيمان بك وطاعتك ليكون سببا لمغفرتهم
    قوله جعلوا أصابعهم في إذانهم واستغشوا ثيابهم :حجبوا أبصارهم واسماعهم لكي لا يسمعوا دعوة الحق وكراهية للنظر إلى وجه نوح كراهة وبغضا من سماع النصح ورؤية الناصح
    قوله وأصروا واستكبروا استكبارا: أي اصروا على كفرهم واستكبروا عن قبول الحق وكان الرجل يذهب بابنه إلى نوح عليه السلام فيقول: احذر هذا فلا يغرنك فإن أبي قد وصاني به
    قوله ثم اني دعوتهم جهارا: أي أظهرت لهم الدعوة في المحافل
    قوله واسررت لهم اسرارا: فالحاصل أنه دعاهم ليلاً ونهاراً في السر، ثم دعاهم جهاراً، ثم دعاهم في السر والعلن الحاصل ما ترك مجالا من مجالات الدعوة إلا سلكه ولم يبق معهم مجهودا
    الخطوة الثالثة بين له حاجتهم إلى ربهم ولا سيما الامطار فليس لهم غنى عن الله ومن الذي يستغني عن الله طرفه عين ومع ذلك لم يجدي معهم
    قوله فقلت استغفروا ربكم انه كان غفارا: وهذا منه ترغيبا في التوبة وهي التوبة من الشرك فان كان كافر فهي من الشرك وان كان مؤمنا فهي من المعاصي
    قوله غفارا : أي كثير المغفرة
    قوله يرسل السماء عليكم مدرارا: لان الله حبس عنهم القطر لان الكفر والمعاصي تسد باب الرزق ولان من رحمه الله انه ما يعاجل عباده بالعقوبة الكبرى إلا بعد ان يرسل لهم عدة نذر
    قوله ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم انهارا :كلها من ثمرات طاعة الله ورسوله وثمرات التوبة من الكفر والمعاصي
    الخطوة الرابعة :ذكرهم بعظمة الله في مخلوقاته وذكرهم بنعم الله عليهم في الخلق والايجاد
    قوله مالكم لا ترجون لله وقارا : أي مالكم لا تخافون لله عظمة فسبب كفرهم وعنادهم عدم معرفتهم بعظمة الله وقدرته ولذلك استدل على عظمته وقدرته بالخلق لان لغز الكون الخلق فالله اعطى كل شيء خلقه ثم هدى فاكبر دليل على عظمته وقدرته خلق الإنسان والسموات والارض
    قوله وقد خلقكم اطوارا : توجيه من الخالق إلى النظر في خلق الإنسان والمخلوقات لأننا إذا تفكرنا في المخلوقات عظمنا الخالق فتقويه الإيمان تحصل بمعرفه الخالق الله خلقكم فكيف تتكبرون عن عبادة من خلقكم كيف تعصونه وهو انعم عليكم بالخلق والايجاد وتذهبون إلى اصنام لا تسمع ولا تبصر ولا تخلق ولا ترزق ولا تملك ضرا ولا نفعا ففي الحديث (اني والانس والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبدون غيري أرزق ويشكرون غيري )
    قوله ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا : فالله خلق سبع سموات محكمة وقوية وطباقا بلا عمد وبعضها فوق بعض كالقبة فهي اية من آياته الدالة على وجوده
    قوله وجعل القمر فيهن نورا : فآية الليل القمر ينور للكرة الارضية كلها قمرا منيرا وجميل واية من آيات الله الدالة على عظمة وقدرته
    قوله وجعل الشمس سراجا :أي تضيئ النهار وتجلي الليل فهي جامعه للنور والحرارة ونعمة الشمس نعمة عظيمة لا يعلمها إلا الله وكون الشمس تظهر علينا كل يوم فلا نحس بأهميتها . بعض الاماكن سته اشهر ما ترى الشمس. أفضل طاقه طاقه الشمس واقوى طاقه وانظف طاقه فهي نعمة عظيمة على الإنسان والنبات والحيوان
    قوله والله انبتكم من الارض نباتا: أي انشاءكم اصلكم من الارض فخلق الله آدم من تراب يوم الجمعة في آخر ساعة بالجنة كما في صحيح مسلم .ووصف التراب بعدة صفات تراب ثم لما خلط بالماء سمي طين لازب يعني يلزق باليد ثم تغيرت رائحته فاصبح حمأ مسنون فخلقه الله وصوره ثم لما جف اصبح كالفخار المجوف ومن ثم خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا وخلقه وصوره بيده تكريما لآدم .
    قوله ثم يعيدكم فيها :أي بعد موتكم ويخرجكم اخراجا : يوم القيامة والمعنى كيف تكفرون برب هذه افعاله وهذه قدرته وهذه نعمة وتشركون به من لا يخلق ولا يرزق ولا يبصر ولا يسمع ولا يملك لكم ضرا ولا نفعا فادله التوحيد واضحه ولكن ادله الشرك ليس عليها دليل من عندهم إلا شبهات أو تقليد اعمى فليس عندهم حجة ولا برهان ومن ثم لما قال ابراهيم ما تعبدون قالوا نعبد اصناما فلما قال لهم هل يسمعونكم اذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرون ما قالوا نعم بل قالوا انا وجدنا اباءنا كذلك يفعلون ما عندهم برهان سوى التقليد
    قوله والله جعل لكم الارض بساطا: أي مبسوطة وبعدما ذكر بض افعاله وقدرته وبعض نعمه ذكر هنا الارض
    وانها بساط ممدود يعيش عليها الخلق وليست وعرة
    قوله لتسلكوا فيها سبلا فجاجا : لتسلكوا فيها طرقا واسعه فلم تكن الارض كلها جبال وعرة بل جعل بين الجبال طرق واسعه ومختلفة حتى تتواصل القرى والبلدان. هذه هي براهين التوحيد :فاين براهين الشرك ليس عندهم براهين وإنما عندهم شبهات وتقليد اعمى
    قوله قال نوح رب إنهم عصوني : بعد هذه التجربة الطويلة فقد مكث الف سنة إلا خمسين عاما وطول المدة شكا إلى ربه انهم لم يستجيبوا له وما آمن معه إلا قليل قيل عددهم ثمانين رجلا ومعهم نساء
    هذا من باب الشكوى فالله يعلم ما صنعوا
    قوله واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا: اتبعوا المستكبرين والاغنياء من أهل الدنيا وليست العبرة بكثرة المال أو قلته إنما العبرة بالحق فخذ الحق ولو كان من بعيد بغيض وأترك الباطل ولو كان من حبيب قريب
    قوله ومكروا مكرا كبارا: غرروا باتباعه وحرشوهم ضد نوح ومنعوهم من اتباعه وهذا يعطينا ان دعاه الضلال خطر على الامم ومن لا يقبل الحق يبتلى بالباطل
    قوله ولا تذرن الهتكم :هذا هو مكرهم تحريش الناس ضد نبي الله نوح وقالوا لا تتركوا عبادتها وله ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا- وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله, وكانت أسماء رجال صالحين
    قوله وقد اضلوا كثيرا :هؤلاء هم دعاه الضلالة من المستكبرين والاغنياء
    قوله ولا تزد الظالمين إلا ضلالا :أي هلاكا عندها اوحى الله إلى نوح انه لن يؤمن من قومة إلا من قد آمن
    فدعا بدعوتين
    وقال رب لا تذر على الارض من الكافرين ديارا : دعا عليهم بدعوة محيطة تستأصلهم عن بكرة ابيهم
    لاتدع أحد منهم يدور في الارض فأمره الله بصناعه الفلك بأمر ووحيه وامره ان يركب فيها هو من آمن معه ويحمل من كل زوجين اثنين حتى يبقى النسل فكان الطوفان الذي غطى الجبال ففجر الله الارض عيونا وفتح ابواب السماء بماء منهمر
    فأخذهم الله أخذ استئصال حتى أنه لم يبق لهم نسلا على وجه الارض ولم ينجوا إلا اصحاب السفينة واكرم الله نوحا ان جعل ذريته هم الباقين
    قوله مما خطيئاتهم اغرقوا فادخلوا نار :اتصل عذاب الدنيا بعذاب الآخرة ختمت السورة بدعوة نوح للمؤمنين ولوالدية ولمن دخل بيته بشرط ان يكون مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات
    قوله ولا تزد الظالمين إلا تبارا :أي هلاكا وخسرانا في الدنيا والاخرة
    تمت ولله الحمد والمنة
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الجن:
    حديثي معكم اليوم عن سورة الجن .
    الجن : أمة كالأنس منهم الصالحون ومنهم الفاسقون وليس كلهم فجرة وفسقة كما يظن الكثير. وهم عالم مخفي. ومحور السورة يدور حول الجن وما يتعلق بهم من أمور خاصة بدء من استماعهم للقران إلى دخولهم في الإيمان وذكرت السورة بعض الأمور الخاصة بهم مثل استراقهم للسمع ورميهم بالشهب المحرقة وما حصل لهم من الاستغراب وما شاهدوه في السماء.
    وقبل الدخول في تفسير السورة الجن هناك اوجه اتفاق بيننا وبينهم وهناك اوجه اختلاف بيننا وبينهم وأما صلتنا بالجن وصلتهم بِنَا فأربعة:
    اما اوجه التشابه بيننا وبين الجن فأربعة
    ١- الموت : فكلنا مخلوقون نموت ونحيا وقهر الله الجميع بالموت.
    ٢- التكليف: الجن مكلفون مثل البشر بالإيمان وشرائع الأنبياء ومطالبون بها قال تعالى (انا سمعنا كتابا انزل من بعد موسى يهدي إلى الحق والى صراط مستقيم ...)
    ٣-فيهم المؤمن والكافر ودون ذلك أي العاصي : لكن ليس فيهم رسول ولا نبي ولا مقرب لما قرا أحد المشائخ علي رجل فيه مَس فنطق الجان قال تري فينا صحابه وعلماء وعباد فكثير من الناس يري انهم كلهم فسقه وفجره بل فيهم صالحون وفيهم طرائق قددا أي جميع الفرق والناس يحكمون عليهم حكم عام وهذا خطأ.
    ٤- الجزاء في الآخرة مصير المؤمن منهم الجنة : كما قال الله عن حور الجنة لم يطمثهن أي يجامعهن أنس ولا جان ومصير الكافر النار لأملان جهنم من الجنة والنَّاس
    اما اوجه الاختلاف بيننا وبينهم اربعة:
    ١- عنصر الخلق: خلق الله الجان من نار وأبو الجن كما وروي عن ابن عباس رضي الله عنه قال:- خلق الله سوميا وهو أبو الجن وقال له تمن؟؟ فقال سوميا اتمنى ان نرى ولا نُرى ،وان نغيب في الثرى، وان يصير كهلنا شابا فأعطاه الله ذلك.
    وخلقهم قبل البشر يقول الله (والجان خلقناه من قبل من مارج من نار) فطلب ثلاث ان يري ولا يري وان يعمر وان يسكن تحت الثرى اما الإبل خلقت من شياطين مثل خلق الإنسان من عجل يعني فيها صفة من الشياطين في حركتها وشيطنتها ومن ادمن شرب واكل لحم الابل اصابه الكبر والخيلاء . والسكينة في اصحاب الغنم.
    وأما ابليس فكان واحد من الجن انفصل عنهم وصار هو و ذريته كلهم شياطين ولذلك القرين من ذرية ابليس
    ٢- رؤيتهم لنا : انه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونه
    ٣- تشكلهم : لهم قدرة علي التشكل وجعل فيهم قوه يشكلون علي صورة الإنسان والحيوان والطير ويكون تشبهك به تماما
    يتقمص الجني شخصية شخص بعينه، ويكون شبيهاً به تماماً، كما أتى الشيطان قريشاً في صورة سراقة بن مالك لما أرادوا الخروج إلى بدر، وكما روي أنه تصور في صورة شيخ نجدي لما اجتمعوا بدار الندوة.
    ٤- طعامهم فهم يأكلون ويشربون . صح عن رسول الله انه لما قرا عليهم القرآن سألوه الزاد لهم ولدوابهم فقال زادهم كل عظم ذكر اسم الله عليه وكل بعرة علف لدوابهم ونهانا عن الاستنجاء بهما
    اما صلتنا بهم وصلتهم بِنَا فأربعة:
    ١- الاستعانة بهم فهناك استعانته بهم جائزه في أمور مباحه كالبناء والغوص والمساجد فلا باس وهناك استعانة شركيه مثل أمور الغيب أو محرمه كالأذية فمن استعملهم فيما نهي عنه فهو اما شرك أو عدوان
    ٢- مناكحتهم من حيث الحكم الشرعي ذهب الجماهير الي عدم الجواز لعدم حصول المقصود والسكن واختلاف الجنس وذهب اخرون الي الحل .وهناك فرق بين امكانيه الوقوع فقد يقع وبين الحكم الشرعي
    ٣- تلبسهم بالإنس قال شيخ الإسلام ابن تيمية: دخول الجن في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة.
    .وقال الشيخ صالح الفوزان في شرح كتاب التوحيد: الجن يمسُّون الإنس ويخالطونهم ويصرعونهم، وهذا شيء ومن أنكره لا يكفر بل يضلل لأنه قد يخفي معالجة نبينا عليه الصلاة والسلام لاحد أصحابه وقوله: ( اخرج عدو الله, انا عبد الله ورسوله ) فسعل سعلة وخرج منه مثل الجرو الأسود،
    ٤- التحصن منهم بالأذكار الشرعية
    قوله قل اوحي الي: قل يا محمد اوحي الي أي بواسطه جبريل طبعا رسول الله ما درى ولا علم عن استماع الجن إليه إلا بالوحي لأنه ما يعلم من الغيب إلا ما علمه الله .ما هو الشيء الذي اوحي إليه انه استمع نفر من الجن
    قوله انه استمع نفر من الجن : الجن عالم خفي خلاف الإنس ، سُمُّوا بذلك لاستتارهم عن النَّاس وهم مخلوقات خفيّة خلقت من النار.
    سبب استماع الجن: لما حِيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم ؟ فقالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث. وكانت الفترة ما بين المسيح عيسى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم ما يزيد عن خمسمائة سنة وتسمى بالفترة بسبب طول ما بين الرسولين .
    وكانت الشياطين في هذه المدة متسلطة على البشر وكانت تسترق السمع فتسمعه من الملائكة في السماء وتلقيه على الكهان وكان كل حي من أحياء العرب لهم كاهن يستخدم الشياطين، فتسترق له السمع، فتأتي بخبر السماء إليه. وكانوا يتحاكمون إليهم في الجاهلية. ويخبرهم بأخبار الغيب مما يدعيها وما تلقيه الشياطين
    فلما أراد الله ان ينقذ البشرية ببعثه محمد صلى الله عليه وسلم وبُعث ، حرست السماء بشهب وملائكة فلم تستطع الشياطين استراق السمع. فلما حِيل بين الشياطين وبين خبر السماء، فقالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث . فانطلقوا فاضربوا مشارق الارض ومغاربها فانظروا ما هذا الذي حدث، قال: فانطلقوا يضربون مشارق الارض ومغاربها، يتتبعون ما هذا الذي حال بينهم وبين خبر السماء؛ وجاؤوا إلى مكة فوجدوا الرسول يصلي يقرأ القرآن وعرفوا سر وسبب الظاهرة . وهؤلاء الجن اسلموا لان نبينا مبعوث إلى الانس والجن . ولما سمعوه اعجبهم وتلذذوا به . فامر الله رسوله ان يخبر الناس بهذه الواقعة.
    قوله سمعنا قرانا عجبا : أي عظيما وقيل عجبا . أي في حسن نظمه وصحة معانيه. فهو عجيب من كل وجه في سلوبه واخباره وتلذذ الاسماع به هذا القرآن امره عجيب ولا يمكن ان يقاوم باي اسلوب كان . هذا القرآن كلام الله لا تنقضي عجائبه ولا يخلق عن كثرة الرد.
    أجمل شيء كان عند العرب المعلقات العشر :
    والمنصف إذا نظر إليها حقيقة وجدها تافهة وكلها تدور حول ذكر الحبيب والديار والمنازل والاثار انظر إلى هذا البيت
    قفا بنا نبكي من ذكرى حبيب ومنزل الشطر الاول له معني لكن الشطر الثاني بسقط اللوى بين الدخول فحوملي ماله معنى وجيه
    والمقصود ان الله اعطانا كتابا عجيبا ونوع فيه الاساليب بشكل لا تترك للمنصف عذرا
    قوله يهدي إلى الرشد : أي إلى الحق والصواب وفي سورة الاحقاف يهدي إلى الحق والى طريق مستقيم
    قوله فآمنا به : أي بالقرآن وبكل ما فيه
    قوله ولن نشرك بربنا احدا : تبرؤوا من الشرك لان العبادة حق لله وحده
    قوله وانه تعالى جد ربنا : أي تعالى وتعاظم شانه وارتفع . و جد ربنا أي جلاله وغناه وسلطانه وعظمته
    قوله ما اتخذ صاحبه ولا ولدا : أي لم يتخذ زوجة ولا ولدا كما يقول كفار الانس والجن فالنصارى يقولون عيسى ابن الله وإليهود يقولون عزير ابن الله والعرب قالوا اتخذ بنات . والله منزه عن الولد قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الارض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون . نـزهوا الله عن اتخاذ الصاحبة والولد لكمال غناه وعظمته وقدرته
    وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا : جاهلنا أو إبليس وقيل انه عام في كل من يقول ان لله ولد أو صاحبه فهو سفيه
    قوله شططا: أي باطلا.
    ويستفاد من هذه الآيات: ان الجن لما سمعوا القرآن، وفّقوا للتوحيد والإيمان، تنبهوا على الخطأ فيما اعتقده كفرة الجن من تشبيه الله بخلقه، واتخاذه صاحبة وولدا، فاستعظموه، ونزهوه عنه
    قوله وانا ظننا ان لن تقول الانس والجن على الله كذبا : استبعدوا ان يجتمع الانس والجن على الباطل والكذب . أي كان في ظننا أن احداً لن يكذب على الله بنسبة الصاحبة والولد إليه فكنا نصدقهم فيما أضافوا إليه حتى تبين لنا بالقرآن كذبهم. لكن العقيدة لا يعتمد فيها الظن لان الظن لا يغني عن الحق شيئا.
    قوله وانه كان رجال من الانس يعوذون برجال من الجن: كان الجن في الجاهلية مسيطرون على الانس وأنه كان رجال من الإنس يستجيرون برجال من الجن في أسفارهم إذا نزلوا منازلهم .
    فكانت الاستعاذة في الجاهلية نعوذ بسيد هذا الوادي من سفهاء الجن. فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم .
    قوله فزادوهم رهقا : أي خوفا .فصار الانس يخافون من الجن . فزاد الانس الجن تعظيما واعجابا وكبرا وتسلطا وزاد الجن الانس خوفا وقلقا ورهقا واثما لاستعاذتهم بهم .واستمتع الجن بالتعظيم لهم واستمتع الانس بمساعده الجن لهم.
    وكلاهما باطل فلما جاء الإسلام عاذوا بالله وتركوهم . لأن ذلك من الشرك، ولذا نزلت سورتا المعوذتين لتعليم الاستعاذة بالله تعالى وحده والتبرؤ من الاستعاذة بغيره. وجاء الاسلام باستعاذة عظيمة ليست مثل استعاذه الجاهلية فإذا نزل منزلا فيقول اعوذ بكلمات الله التامة من شر ما خلق فيستعذ المؤمن بكلمات الله القرآنية والقدرية التي لا يتجاوزها بر ولا فاجر .
    أعظم درس ايها المسلم لا تخاف من الجن فانه مخلوق ضعيف لا يضرون أحد إلا بإذن الله فالخوف من غير الله منهي عنه، و الخوف من الله جل وعلا مأمور به وهذا الخوف منهي عنه سواء كان من الجن أو غيرهم
    والخوف عبادة قلبية فمن لم يخف من الله اتبع هواه وهو اربعة أنواع:
    النوع الاول: الخوفُ الطبيعيُّ، كالخوْفِ مِنْ عَدُوٍّ، أو سَبُعٍ، أو حَيَّةٍ، فهذا ليسَ بعِبادةٍ، ولا يُنافِي الإيمان فلا يلام إذا انعقدت اسبابه
    النوعُ الثاني: خوفُ (السِّرِّ) وهوَ أن يَخافَ مِنْ غيرِ اللهِ مِنْ وَثَنٍ أو وَلِيٍّ مِن الاولياءِ بعيدًا عنه أن يُصيبَهُ بمَكروهٍ وهذا الخوفُ هوَ الواقِعُ بينَ عُبَّادِ القبورِ والمتعلِّقينَ بالاولياءِ
    لنوعُ الثالثُ: أن يَتْرُكَ الإنسان ما يَجِبُ خَوْفًا مِن الناسِ، كأن يَتْرُكَ الأمر بالمعروفِ والنهيَ عن الْمُنْكَرِ خَوْفًا مِن الناسِ، فهذا خَوفٌ مُحَرَّمٌ مذمومٌ.
    النوعُ الرابعُ: خوفُ تَعَبُّدٍ وتَعَلُّقٍ، فالإنسانُ إذا لم يَخَفْ مِن اللهِ اتَّبَعَ هَواهُ فيَدعوهُ الخوفُ لطاعتِهِ، وهذا النوعُ هوَ خوفُ التَّعَبُّدِ والتأَلُّهِ الذي يَحْمِلُ علَى الطاعةِ والبُعْدِ عن الْمَعْصِيَةِ، وهذا خاصٌّ باللهِ تعالى
    فالخوف : منه شرك كخوف السر ، ومنه محرم كترك طاعة ، ومنه جائز طبيعي فخرج منها خائفا يترقب .
    الخوف من الجن فيه تفصيل :
    - إذا كان خوفا طبيعيا ، كما يخاف الإنسان من كل ما يتوقع ضرره ، كالسبع والحية ، فهذا خوف جبلي كالاول
    اما إذا كان خوفا ناتجا عن اعتقاد فاسد ، كأن يعتقد أنهم يضرون وينفعون من دون الله ، فهذا من الشرك وهذا النوع من الخوف يسمونه " خوف السر " ومعناه : أن يخاف العبد من غير الله تعالى أن يصيبه مكروه بمشيئته وقدرته وإن لم يباشره ، فهذا شرك أكبر ، لأنه اعتقادٌ للنفع والضر في غير الله
    قوله وانهم ظنوا كما ظننتم : وأن الجن {ظَنُّواْ كَمَا ظَنَنتُمْ} يا أهل مكة {أَن لَّن يَبْعَثَ الله احداً} بعد الموت أي أن الجن كانوا ينكرون البعث كإنكاركم، ثم بسماع القرآن اهتدوا وأقروا بالبعث فهلا أقررتم كما أقروا. وقيل انهم ظنوا أي حسبوا إلا يبعث الله رسولا يدعوهم إلى توحيده. بعدما ذكر دخول الجن في الإيمان واستماعهم للقران هنا ذكر ما حصل لهم من استغراب وما شاهدوه في السماء.
    قوله انا لمسنا السماء : وأنا طلبنا السماء وأردناها
    قوله فوجدناها ملئت حرسا: أي حفظة من الملائكة الشداد
    قوله وشهبا: أي شهبا ترمى من الكواكب على الشياطين وهي انقضاض الكواكب المحرقة لهم والنجم ثابت إنما يخرج منه نار محرقه للشياطين فتقتله أو تخبله
    قوله وانا كنا نقعد منها مقاعد للمسع :كنا نقعد ان نتخذ مواضع أي لاستماع خبر السماء . لم يكن انقضاض الكواكب إلا بعد مبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو آية من آياته . الله حرس السماء من الشياطين بالملائكة الشداد وبالشهب المحرقة فلا يستطيعون استراق السمع
    قوله ملئت حرسا شديدا وشهبا: أي ملئت حفظة ورواجم والسبب حتى لا تسترق الشياطين الوحي فحمى الله القرآن من تدخل الشياطين وادخال باطل معه. وكان القرآن يصل إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بواسطة جبريل وليس فيه أي باطل .
    فهذا القرآن محفوظ بحفظ الله -وقت نزوله ووقت بقائه في الارض -حتى يرفعه الله ويمحوا من الكتب والصدور في آخر الزمان . ومحفوظ من الزيادة والنقصان . كما في قوله تعالى بالحق انزلناه وبالحق نزل فالقرآن نزل متضمننا للحق . وبالحق نزل أي بواسطة جبريل محفوظا محروسا لا يتطرق إليه زيادة ولا نقصان وانه لكتاب عزيز أي عزيز الجانب رفيع المكانة لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أي محفوظ وقت النزول ووقت بقائه
    قوله وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الارض أم أراد بهم ربهم رشدا : علموا ان سبب المنع لأمر عظيم إما عذاب أو رحمه
    أشر اريد بهم: أي عذاب :يقول عز وجل مخبرا عن قيل هؤلاء النفر من الجن وادبهم مه الله فما نسبوا الشر إليه وان كان من الله لكن لا يوصف بما يأتي من الله شرا لان كل ما يأتي من الله إما خيرا وفضلا أو عدلا وجزاء فنزهوا الله عن الشر
    وفي سورة الاحقاف واذ صرفنا اليك نفرا من الجن فذكر الله ادبهم مع القرآن وهنا ذكر ادبهم مع الله فأدبهم مع القرآن قالوا انصتوا فلما قضي لم ينصرفوا قبل ان ينتهي . وهذا ما ادبنا الله به .هذا ادب الجن لما سمعوا القرآن
    واما ادب الانس مع القرآن مإذا قالوا يقول الله في سورة الاسراء ( نحن اعلم بهم اذ يستمعون اليك واذ هم نجوى أي يتناجون فيما بينهم يتكلم بعضهم مع بعض اعراضا والجن يسكت بعضهم بعضا يقول الله فلما حضروا قالوا انصتوا والمفروض إذا حصلت موعظة وكان هناك من يتحدث ان يؤمر بالإنصات.
    وايضا قال كفار قريش ( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه أي شوشوا عليه وهذا يحصل في بعض الأعراس من بعض الغوغاء إذا سمع متحدث يتناجى عدة اشخاص في المجلس لأنه ينتظر الزلفة والطبل وهؤلاء يشغلونه بالاحاديث مع انها قصيرة إلا ان الشيطان يستخدم مثل هؤلاء وغرضهم التشويش .
    سبحان الله هؤلاء النفر من الجن سمعوا القرآن مرة واحدة فمإذا قالوا وما فعلوا تأدبوا مع الله وتأدبوا مع القرآن ثم امنوا ثم ولّوا إلى قومهم منذرين . سارع فرق من الجن عند سماع القرآن إلى الإيمان والدعوة إليه . واليوم يقرأ احدنا القرآن عدة مرات فلا يتأثر ولا يفهمه ولا يدعوا غيره إليه بلغوا عنى ولو اية.
    قولة أم أراد بهم ربهم رشدا: أي خيرا ورحمه فنسبوا الخير إلى الله . الخير والشر من الله كما في قوله تعالى (كل من عند الله) ثم بين بعدها ما اصابك من حسنة فمن الله وما اصابك من سيئة فمن نفسك فالحسنة فضل من الله وتوفيق والسيئة بسبب ذنوبك عدل وعقوبة من الله وما اصابكم من مصيبة فبما كسبت ايديكم ويعفوا عن كثير
    قوله وانا منا الصالحون ودون ذلك :قال العلماء هذه صفة أحوال الجن وما هم عليه وأحوالهم وعقائدهم منهم اخيار واشرار الجن ثلاثة أقسام صالح ودون ذلك عاصي وكافر ولكن ليس فيهم رسول ولا نبي ولا مقرب
    قوله كنا طرائق قددا : اعترف الجن انهم قبل نزول القرآن كانوا فرقا وطرائق .أي كنا ذوي مذاهب متفرقة أو أديان مختلفة. والقدد جمع قدة وهي القطعة من قددت السير أي قطعته أي اهواء مختلفة . أي فيهم جميع الفرق رافضة ويهود ونصارى ومجوس كما في فرق الانس. وسبب الافتراق هو الابتعاد عن الوحي فالله جمع بين بالناس بالدين والحق وحثهم على التمسك بالوحي فإذا تركوه اصبحوا فرقا واحزابا .
    فائدة : الرحمة في الاتفاق والشر في الفرقة والاختلاف كما قال ابن مسعود الخلاف شر
    قوله وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الارض: ويعتقدون ان الله غالب لا يفوته شيء. أي علمنا وايقنا انه لا أحد يعجز الله مهما كان عنده من قوة وعلم ومال
    قوله ولن نعجزه هربا : أي إن طلبنا فلن نفوته ولن نعجزه هاربين الي مكان كان فالله عزيز غالب لا يفوته مطلب
    وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به :أي القرآن امنا به وصدقنا أو امنا بالله
    قوله فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا: أي لا يخاف نقصا من حسناته ، ولا زيادة في سيئاته . فحسناته محفوظة ومضاعفة وسيئاته محفوظة وغير مضاعفة فلا بخس أي نقص ولا رهقا أي ظلما
    قوله وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون: أي بعضنا مسلمون مؤمنون
    قوله ومنا القاسطون : أي الكافرون الجائرون عن طريق الحق، قسط: جار وأقسط عدل
    قولة فمن اسلم : أي فمن خضع لله بالطاعة ، فاولئك تعمدوا وتحروا رشدا في دينهم
    قولة واما القاسطون: أي الكافرون الجائرون عن الإسلام حطب لجهنم أي وقودا لها لان نار جهنم وقودها الناس والحجارة نار القيامة لا توقد بغاز أو حطب بل وقودها الناس والحجارة
    قوله وان لو استقاموا على الطريقة : أي الكافرون الجائرون لو استقاموا على الحق
    قولة لأسقيناهم ماء غدقا: أي كثيرا وذكر الماء لأنه سبب سعة الرزق
    أي لوسعنا عليهم في الرزق ، وبسطناهم في الدنيا ( لنفتنهم فيه ) يقول : لنختبرهم فيه . لان النعمة فتنة فمن طاع الله وشكره زاده ومن كفر بالله أهلكه بالعذاب أو زوال النعمة . والمعنى الثاني : لو استقاموا على الكفر والضلالة اعطيناهم سعة رزق لنستدرجهم بها أي فسوف يستدرجهم الله ويغدق عليهم حتى إذا فرحوا بما اوتوا أخذناهم بغته
    قوله ومن يعرض عن ذكر ربه :أي طاعته أو القرآن يسلكه أي يدخله عذاب شديد وشاقا وفي قراءة اخرة نسلكه أي ندخله.
    قوله وان المساجد لله فلا تدعوا مع الله احدا :فيها عدة أمور :
    قيل المساجد المراد بها مكان العبادة وقيل مواضع السجود فهي شاملة للمساجد وشامله لأعضاء السجود
    1- اما على تفسير ان المراد بالمساجد مكان العبادة : لا تبنى دور العبادة والمساجد إلا لله تقربا لله فلا تبنى رياء ولا سمعه ولا مباهاة . ولا يمارس فيها شرك ولا بدع ولا خرفات بل تصان عن ذلك . والمراد ان تعمر المساجد وتبنى من أجل الله وتقربا إليه فلا رياء ولا سمعه وتطهر من الشرك والمشركين والخرفات والبدع والمحدثات وتصان عن الاوساخ والاقذار والروائح
    2- وعلى تفسير ان المراد بالمساجد مواضع السجود أو اعضاء السجود السبعة فيكون المعنى لا يسجد بها ولا يخضع إلا لله .
    والآية شامله للمساجد لبيوت الله وشامله لأعضاء السجود فلا يخضع بها لغير الله . هكذا تكون المساجد عند المسلمين الموحدين
    قوله فلا تدعوا مع الله احدا : خص الدعاء لأنه أعظم أنواع العبادة والا كل أنواع العبادة لا يجوز صرف شيء منها لغير الله فالشرك تعريفه صرف حق الله لغير الله . كلمة احدا نكرة في سياق العموم تعم كل شيء فلا يشرك مع الله احدا كائنا من كان .وفي المقابل- أي مقابل مساجد أهل التوحيد- مساجد أهل الشرك فهي تبنى على القبور والأضرحة فهي لا تسمى مساجد بل هي مشاهد . لان بيوت الله بنيت لعبادة الله وحده . ومساجد أهل الشرك يمارس فيها الباطل والشرك. والمساجد عند المسلمين تصان عن الاقذار وتطهر وتمارس فيها العبادة الخالصة لله الموافقة لهدي رسول الله فلا بدعه ولا محدثه
    هنا تحدث الله عن دعوة نبيا محمد صلى الله وعليه وسلم وكيف كادت العرب تكون جميعا في اطفاء نور الله
    قوله وانه لما قام عبد الله يدعوه : قيل انها في الجن تلبدت أي تجمعت عليه الجن وقيل انها في العرب جميعا وقال الامام الطبري : اولى الأقوال بالصواب في ذلك قول من قال : ذلك خبر من الله عن أن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لما قام يدعوه كادت العرب تكون عليه جميعا في إطفاء نور الله .
    وإنما قلنا ذلك اولى التاويلات بالصواب لأن قوله : ( وأنه لما قام عبد الله يدعوه ) عقيب قوله : ( وأن المساجد لله )
    قوله لبدا : أي اعوانا وقيل جميعا فاستنكروا لما يقوم به وهددوه وتوعدوه إلا يخرج عما هم عليه من الشرك وعبادة الاصنام . فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ، ويظهره على من ناوأه . هنا امر الله رسوله ان يعلن لهؤلاء الاعداء لدعوته ان يعلن اسلامه واستسلامه وخضوعه لله وافراده بالعبادة واخلاص العمل له والتبري من الحول والقوة
    قوله قل إنما ادعوا ربي : هنا حصر العبادة . أي لا ادعوا غير الله خلافا للمشركين يعبدون غير الله ويدعون غير الله
    وفيها قراءتان وكلاهما صحيح:
    1- فعلى قراءة عامة القراء جعله خبرا من الله عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم أنه قال : فيكون معنى الكلام : وأنه لما قام عبد الله يدعوه تلبدوا عليه ، قال لهم : إنما أدعو ربي ، ولا أشرك به احدا .
    2- وعلى قراءة بعض المدنيين وعامة قراء الكوفة يكون المعنى على وجه الأمر من الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : قل يا محمد للناس الذين كادوا يكونون عليك لبدا ، إنما أدعو ربي ولا أشرك به احدا . ومختصر الكلام لا يدعوا مع الله احدا كائنا من كان لان العبادة لله وحده .
    فائدة : فلا يتعلق بغير الله في اصول المطالبة ولا يستجار بغير الله في المكاره
    قوله قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا :أي قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردوا عليك ما جئتهم به من النصيحة : لا املك لكم لا ضرا ولا نفعا ولا غيا ولا رشدا . فالإنسان لا يملك لنفسه ولا لأقرب الناس إليه ولا لغير . أي اني لا أملك لكم ضرا في دينكم ولا في دنياكم ، ولا رشدا أرشدكم ، لأن الذي يملك ذلك ، الله الذي له ملك كل شيء .
    قوله قل إني لن يجيرني من الله أحد : التبري من الحول والقوة وان لا يمنع من عذاب الله مانع ان عصيته كقول صالح عليه السلام: {فَمَن ينصرني مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ
    قوله ولن أجد من دونه ملتحدا : أي ملجأ وناصر . لتأكيد نفي الاستطاعة عن نفسه وبيان عجزه.
    قوله إلا بلاغا من الله ورسالاته : قل لمشركي العرب : إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ( إلا بلاغا من الله ورسالاته ) يقول : إلا أن أبلغكم من الله ما أمرني بتبليغكم إياه
    قوله ومن يعص الله ورسوله : أي فالنار موعده ومصيره النار
    قوله حتى إذا راوا ما يوعدون: أي سوف يعلمون عند حلول العذاب من اضعف ناصرا واقل عددا اهم أم المؤمنون
    قوله قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا: لما خوفهم بالعذاب وهددهم . قالوا متى ؟ قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله من قومك : ما أدري أقريب ما يعدكم ربكم من العذاب وقيام الساعة متى هو لا ادرى أقريب أم بعيد إنما انا نذير
    عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا : الغيب لله وحده ومنه حصول العذاب وقيام الساعة .فلا يعلم الغيب إلا الله فمن ادعى علم الغيب كافر سواء كان من الكهان أو العرافين أو السحرة لأنه جعل نفسه شريكا لله في صفة من صفاته وفيما هو من خصائص الله
    قوله إلا من ارتضى من رسول: أي بعلم الغيب ان يطلعه على شيء من الغيب ليكون إخباره عن الغيب معجزة له فإن الله يطلع على غيبه من شاء.
    قوله فانه يسلك من بين يديه ومن خلفه: أي الوحي تحرسه الملائكة فلا تتدخل الشياطين فهو محفوظ ومحروس
    قوله ليعلم ان قد أبلغوا : أي ليعلم الرسول صلى الله عليه وسلم ان الأنبياء قد أبلغوا رسالات ربهم
    قوله وأحاط بما لديهم : علمه وحفظه
    قوله أحصى كل شيء عددا :علم عدد الأشياء كلها ، فلم يخف عليه منها شيء
    المحتويات
    أجمل ما قرات في تفسير سورة المزمل :
    حديثي معكم اليوم عن سورة المزمل وهي تتحدث عن جانب من حياة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في تبتله وانقطاعه وطاعته لربه وقيامه الليل وتلاوته لكتاب الله لان قيام الليل سبب في طهارة القلب والجوارح وتقبلها لاوامر الله
    قوله يا أَيُّهَا المزمل : التزمل هو التغطي لان من عادة الناس عند النوم إذا ناموا ان يتغطوا بلحاف وتناسب اسم السورة مع قيام الليل لان التزمل مأخوذ من الخفاء وكذلك قيام الليل عبادة خفيه وخاصه وهذا خطاب من الله لرسوله يا ايها المزمل أي المتغطي بثيابه من هو المزمل هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، وقد لقب بالمزمل لأنه يوم ابتدأه الوحي في غار حراء وجلس بين يديه جبريل عليه السلام عاد ترتعد فرائصه, وهو يقول لـخديجة زوجته: ( زملوني دثروني، زملوني دثروني ), أي: غطوني بغطاء حتى يخفي عني الخوف والبرد . فناداه ربه بهذا النداء: يَا أَيُّهَا المزمل
    وخاطبه الله بهذا الوصف لأمرين :
    اولا: الملاطفة لأنه عندما نزل عليه الوحي رجع إلى زوجه خديجة رضي الله عنها، وقال: (زملوني زملوني)، فاشتق الله من حالته وصفاً لقبه به وأطلقه عليه، على عادة العرب إذا أرادت أن تكرم إنساناً فتخبر عنه بالوصف الذي هو عليه أو مشتق من حالته .
    والأمر الثاني: ليشمل هذا الخطاب كل من يتصف بهذه الحالة
    قوله قم الليل إلا قليلا :قم لصلاة التهجد فأمره بالقيام لأنه كان واجبا عليه قيام الليل والسبب في ذلك أن الله جل وعلا افترض قيام الليل في مكة قبل أن تنزل الفرائض، وقبل أن تشرع الحدود، بل قبل أن تفرض الصلوات المفروضة الصلوات الخمس، وهذا لأمر عظيم؛ لأن الإنسان إذا قام الليل طهر قلبه . فامر الله رسوله بقيام الليل حتى يقرن دعوته بالعبادة ويقرن قوله بالعمل والسبب لان قيام الليل سبب في سداد القول وصلاح القلب والعمل فكيف يكون هاديا مهديا وهو لا يقوم الليل ولا يصوم النهار ولا يتلو كتاب الله وكيف يكون هاديا مهديا وهو ساهي وغافل لن يكون له اثر في النفوس إلا إذا كان له علاقه قويه مع الله .
    ففي الحديث عند احمد والترمذي ( عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله تعالى، ومنهاة عن الإثم، وتكفير للسيئات (ومطردة للداء عن الجسد). وقد صححه الألباني في صحيح الجامع
    قوله نصفة أو انقص منه قليلا : هنا بين المقدار وخيرة بين ثلثي الليل أو نصفة أو ثلثه ولم يحتم عليه مقدارا معينا فخيرة بين ثلاثة اشياء أي: انقص من النصف شيئاً يسيراً, أو حتى يصبح ثلثاً، أو زِدْ عَلَيْهِ [المزمل:4] حتى يصبح ثلثين. فأنقص من النصف حتى يصير ثلثاً، أو زد على النصف حتى يصبح ثلثين. وهكذا كان الحبيب صلى الله عليه وسلم يقوم، فقد كان أحياناً يقوم نصف الليل، وأحياناً ثلثي الليل، وأحياناً ثلث الليل، وقد كان يقوم هذه الاوقات للتهجد، ولتلاوة كتاب الله وذكر الله
    قوله ورتل القرآن ترتيلا :الترتيل هو التأني والترسل في القراءة فلا تسرع في القراءة ولا يمطط فيها بتكلف
    تكون التلاوة متوسطة فيتفق السمع والقلب معاً فيحصل القارئ على الهدى لان الترتيل وسيلة للتدبر وللخشوع وهذا من آداب تلاوة القرآن .
    قوله انا سنلقي عليك قولا ثقيلا : قولا وهو القرآن أي سننزل عليك قولا ثقيلا في معناه فمعانيه غزيرة وثقيلا في العمل به وثقيلا في قدره ومنزلته وهو من ناحية ألفاظه ميسر في تلاوته وميسر في حفظه ومن ناحية العمل به ثقيلا على النفوس لما فيه من الاوامر والنواهي فبين الله لنبيه كيف يقابل القول الثقيل بقيام الليل ففي هذه السورة بين الله ثقل الوحي الذي كلف به نبينا ويقوم بتبليغه للناس بجد ونشاط ويستعين على ذلك بقيام الليل .
    قوله إن ناشئة الليل هي أشد وطئا وأقوم قيلا :الناشئة هي العبادة التي تحدث بالليل والليل كله ناشئة ولكن أفضله الناشئة القيام بعد نوم فينام اول الليل ويريح نفسه ثم يقوم ولذلك كان نبينا يبادر بالنوم بعد العشاء ويكره الحديث بعده لأجل قيام الليل.
    قوله أشد وطأ : أي أشد موافقه بين القلب واللسان وهذا أحسن ما يكون في العبادة فيتدبر القرآن أكثر وينشط على قراءة القرآن. والمعنى انها أحسن تلاوته وتلذذا بالقرآن بالليل فهو أحسن وطأ وهذا يعطينا ان يقبل الإنسان على العبادة وهو متفرغ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار؛ لتواطؤ السمع والقلب فيها على فهم القرآن بينما الناس تغيروا . الناس يعملون بالليل أكثر من النهار غيروا الوضع
    قوله وأقوم قيلا :أصوب قراءة وأحفظ قراءة وأحسن قراءة قال مجاهد أحسن الناس قراءة أعقلهم عنه
    قوله ان لك في النهار سبحا طويلا : سبحا أي تقلبا وتصرفا والمعنى لديك وقتا كافيا لقضاء حاجاتك ومصالحك فيخص الليل بالقيام والعبادة والنهار بالمعاش فتنتظم أمور دينه ودنياه
    قوله واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا :وقد كان الذكر لا يفارق لسانه صلى الله عليه وسلم فاذكر ربك في كل الأحايين وكل الاوقات وداوم على ذكره بالليل والنهار والمعنى لا تغفل في النهار عن الذكر والعبادة فكلاهما وقت للأعمال والتعبد
    قوله وتبتل إليه تبتيلا :أي انقطع إليه بذكره وعبادته وكن مع الله وعلق قلبك به فلا تشتغل بالناس وبالقيل والقال
    قوله رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو: الكون كله بيد الله فلا يستحق العبادة إلا هو فمعنى رب المشرب والمغرب الكون كله له ومعنى لا إله إلا هو أي لا يستحق العبادة إلا هو
    فاتخذه وكيلا فحياتك بيد الله ورزقك بيد الله وصحتك بيد الله وكل خير تطمع فيه بيد الله وكل شر تخاف منه بيد الله فكن مع الله وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا. لا تطلب إلا من الله ولا ترفع يديك إلا إلى الله. فالله وحدة بيده الأمر كله. وهو من يستحق العبادة وكل المخلوقات مربوبه لله الله خالقها ورازقها ومحييها ومميتها ومرجعها إليه يحاسبها ويجازيها على أعمالها فلا يوجد إله مع الله وجهالنا عبدوا الاولياء والقبور، وحلفوا بهم، وذبحوا لهم، ونذروا لهم. وهكذا صرفوا العبادة لغير الله. وسبب ذلك: الجهل. وما زال الجهل في المسلمين إلى اليوم وقد خف بعض الشيء بهذه الوسائط العجيبة كالإذاعة والصحف والمدارس
    قوله واصبر على ما يقولون : امر الله نبيه بالصبر على أذى المشركين ولا يلتفت فيما يقوله الكفار ويصبر على اذيتهم لان الذي ليس عنده صبر لا يستمر الكثير يضايقونك ويذمونك ويعادونك ويتكلمون فيك اصبر ما دمت على الحق فلا تبالي
    قوله واهجرهم هجرا جميلا : أي هجر لا أذيه معه والصبر الجميل لا شكاية معه للخلق وصفح جميل لا عتاب معه وكل هذا قبل فرض الجهاد
    قوله وذرني والمكذبين :بين لهم ما ينتظرهم أي الله يتولى جزاؤهم فقد هلك أكثرهم يوم بدر وقبله
    قوله اولي النعمة غالبا لا يأتي التكذيب إلا ممن وسع الله عليهم بالنعم الذين بطروا النعمة ولم يشكروها أكثر رؤوس الفساد في كل عصر هم أهل الترف والنعمة
    قوله ومهلهم قليلا: أي انتظرهم قليلا وما هي إلا أشهر أو سنوات معدودة ويهلكهم الله عز وجل، فقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة, وفي السنة الثانية جاءوا, فقتل منهم رسول الله في بدر سبعين صنديداً، والعياذ بالله.
    قوله انا لدينا أنكالا وجحيما : توعد الله المشركين بالعذاب والنكال يوم القيامة ، حيث يكون فيه من الهول والفزع
    قوله أنكالا أي قيودا ثقالا :وجحيما أي نارا محرقه
    قوله وطعاما ذا غصة :أي طعاما يغص بالحلوق فبدل النعمة في الدنيا ينتقلون إلى طعام ينشب في الحلوق
    وكله جزاء على تكذيبهم الله ورسوله والسخرية بالمؤمنين والتهكم بأحكام الدين
    فلمإذا يغتر هؤلاء ويفرحون بالتطاول على كتاب الله ورسوله وأمور الدين والسؤال متى يكون ذلك
    قوله يوم ترجف الارض والجبال : تتحرك الارض كلها حركة شديده وتصبح الجبال الرواسي رملا مهيلا
    وضرب لهم المثل بفرعون الطاغية الجبار ، الذي بعث الله إليه نبيه موسى ، فعصاه وكذب برسالته ، وما كان من عاقبة أمره في الهلاك والدمار ، تحذيرا للكفار من أهل مكة ، أن يحل بهم مثل ذلك العذاب
    قوله انا أرسلنا اليكم رسولا شاهدا عليكم أي أرسلنا لكم يا كفار مكة رسولا شاهدا عليكم إلا وهو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم. شَاهِدًا عَلَيْكُمْ فمن عمل خيراً شهد له بالخير، ومن عمل شراً شهد له بالشر.
    قوله فأخذناه أخذا وبيلا : أي أخذا غليظا شديدا ففلق الله البحر لموسى بعظمته وهو سبحانه الأعز الأعلى وأغرق فرعون وقومه وهم ينظرون.
    قوله فكيف تتقون يوما :فكيف تقون أنفسكم- إن كفرتم- عذاب يوم القيامة الذي يشيب فيه الولدان الصغار; من شدة هوله وكربه وذلك حين يقال لآدم عليه السلام: قم فابعث بعث النار من ذريتك والناس كلهم في عرصات القيامة. فيأخذ من الألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى جهنم, ولا ينجو منهم إلا واحد، فنسبة الناجين في عرصات القيامة من دخول النار واحد إلى ألف. وهذا مشاهد، فنسبة المؤمنين الصالحين في البشر واحد إلى ألف. هكذا يقول تعالى هنا: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ يا عباد الله! إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا ولا يمكنكم أن تقوا أنفسكم إن لم تؤمنوا وتعملوا الصالحات.
    قوله السماء منفطر به كان وعده مفعولاً: السماء المحكمة القوية السميكة مع قوتها وغلظها تتفطر والكواكب تنتثر فما ظنك بغيرها من الخلائق
    قوله كان وعده مفعولا :أي مجي يوم القيامة واقعا وكائنا لا محاله ووعد مصدق
    قوله ان هذه تذكرة: أي كل ما توعد الله به الكفار من العذاب الشديد والاهوال يوم القيامة موعظة وذكر
    قوله فمن شاء اتخذ اربه سبيلا: باب الله مفتوح إلى يوم القيامة، فمن أراد أن يدخل الإيمان يدخل، ومن أراد أن يسلم قلبه ووجهه لله فليسلم، حتى ينجوا من عذاب الله .
    وختمت السورة الكريمة بتخفيف الله عن رسوله وعن المؤمنين من قيام الليل ، رحمة به وبهم ، ليتفرغ الرسول وأصحابه لبعض شئون الحياة
    قوله علم ان لن تحصوه: أي علم الله أنه لا يمكنكم قيام الليل كله, فخفف عليكم, فاقرءوا في الصلاة بالليل ما تيسر لكم قراءته من القرآن وواظبوا على فرائض الصلاة, وأعطوا الزكاة الواجبة عليكم, وتصدقوا في وجوه البر والإحسان من أموالكم. ابتغاء وجه الله, وما تفعلوا من وجوه البر والخير وعمل الطاعات, تلقوا أجره وثوابه عند الله يوم القيامة خيرا مما قدمتم في الدنيا, وأعظم منه ثوابا ختمت السورة بعد الأمر بالعبادات العظيمة من صلاة وزكاة وقيام وفعل للخير أمرهم بالاستغفار لأنه يجبر نقص التقوى والخلل في الطاعات
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة المدثر :
    حديثي معكم اليوم عن سورة المدثر وهي تتحدث عن جانب من حياه النبي صلى الله عليه وسلم وفيها وصايا من الله لرسوله حينما أرسله الله إلى الناس وهذه الوصايا في مقدمه السورة بمثابة الأساس التي ينطلق منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في دعوته للناس جميعا
    قوله يا أيها المدثر : هذه ملاطفة من الله لنبيه فناداه بالحالة التي كان عليها وقد مرّ النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام في بداية بعثته واصطفائه بأربع مراحل في الوحي والنّبوة
    وكانت اولى هذه المراحل مرحلة الرّؤيا الصّالحة في المنام، حينما كان النّبي الكريم يرى في منامه رؤىً تتحقّقُ على أرض الواقع كفلق الصّبح، ولأنّ الرّؤيا الصّالحة هي جزءٌ من ستّة وأربعين جزءًا من النّبوة، ثم حبّب الله إلى النّبي الكريم بعد هذه المرحلة الخلاء والبعد عن النّاس، فكان عليه الصّلاة والسّلام يلجأ إلى غارٍ شرق مكّة المكرمة اسمه غار حراء يتعبّدُ فيه ويتحنّث، وكان يقضي فيه اللّيالي ذوات العدد جاءت بعد ذلك مرحلةُ الوحي؛ حينما نزل جبريل عليه السّلام إلى النّبي محمّد عليه الصّلاة والسلّام وهو يتعبّد في غار حراء فنزل عليه جبريل وقال له اقرأ فقال ما انا بقاريء وفي الثالثة قال اقرأ باسم ربك الذي خلق ورجع إلى زوجته خائفا من رعب بداية الوحي واغتسل بماء وقال زملوني ثم فتر بعدها الوحي أربعين يوما ثم عاد إليه الملك وجاءه جبريل وهو متدثر بالفراش فقال يا أيها المدثر قم فانذر قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب :نبأ باقرأ وأرسل بالمدثر
    فحينئذ نجد أربع مراحل الرؤيا الصالحة ثم تحبيب الخلاء ثم الوحي باقرا فصار نبيا ثم أرسل بالمدثر
    فالله انزل عليه اولا اقرأ باسم ربك لان الداعية يتعلم اولا ثم أمره بقيام الليل لان الذي يدعوا لابد أن يبدأ بنفسه اولا فيتعلم ويعمل ثم يدعوا إلى الله .
    قوله يا أيها المدثر: المدثر أصلها المتدثر أي المتغطي
    قم فانذر: قم من فراشك ومنامك أنذر الناس من الشرك ومن عذاب الله وهذه هي نقطه الانطلاقة
    قوله وربك فكبر: أي كبر ربك لأنه عظيم واختص ربك بالتعظيم فعظمه ونزهه بالتوحيد والعبادة والإيمان
    قوله وثيابك فطهر: يقال غلان نقي الثياب ويراد بها تزكية النفس أي طهر قلبك وأعمالك من الشرك والمعاصي إذا المرء لم يلبس ثيابا من التقى تقلب عريانا وان كان كاسيا وثيابك من النجاسة أيضا حتى تجتمع لك طهارة الباطن والظاهر ففي الوضوء إذا انتهى تشهد حتى يجمع بين الطهارتين من الذنوب ومن الاوساخ
    قوله والرجز فاهجر:يهجر مإذا هجر الأصنام والمراد المبالغة في هجرها والابتعاد عنها ونفي الإلهية عنها والهجر أعظم وأبلغ من الترك لان علاقتنا معها علاقة عداء ونفور الأصل في الرجز انه العذاب لكن هنا المراد هنا الأصنام أي ودم على هجر الأصنام والاوثان وأعمال الشرك كلها, فلا تقربها والأصل أن المسلم ينهى عن الشرك وان لم يقع فيه فحذر من الشر لا للشر ولكن لتوقيه والحذر منه
    قوله ولا تمنن تستكثر قيل لا تعطي عطاء وتطلب أكثر منه أو تريد أن يرد عليك أكثر منه أو تكافأ عليه وقيل لا تمنن بأعمالك وتعجب بها وتستكثرها فما تقدمه يسير في حق الله ولا مانع من الأمرين
    وفيها فائدة حرمة العجب ولا يزكي العبد نفسه لو صام الدهر ولو عساه أن يقدم ما يقدم
    قوله ولربك فاصبر : أي اصبر على ما تلقى فالأمر يحتاج إلى صبر ومصابرة ومجاهدة فان طريق الدعوة صعب وشاق لأنه يتعرض لأذى المعارضين والمخالفين هذه الآيات السبع تعتبر وصايا من الله لرسوله حينما أمره الله بدعوة الخلق إلى الإيمان وأمره بالدعوة مستحضرا عظمه الله ويطهر ثيابه وقلبه مجتنبا لكل صور الشرك صابرا لله ثم بعدها هدد الكفار بصعوبة يوم القيامة عليهم
    قوله فإذا نقر في الناقور: أي تفتح في الصور إذا كان نبينا يقول (كيف أنعم وقد التق صاحب القرن القرن، وحنى جبهته، وأصغى سمعه، ينتظر أن يؤمر أن ينفخ، فينفخ، قال المسلمون: فكيف نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، توكلنا على الله ربنا)) رواه الترمذي من حديث ابي سعيد :النفخ في الصور نفختان نفخة الموت ونفخه البعث فإذا هم قيام ينظرون ثم يساقون إلى المحشر
    قوله فذلك يومئذ يوم عسير :يوم يسير على المؤمنين وعسير على الكافرين لانهم يواجهون كفرهم وأعمالهم
    قوله ذرني ومن خلقت وحيدا : تهديد من الله لمن زعم أن القرآن سحر وقد ذكر الله وعيد المعارضين المكذبين وعلى رأسهم الوليد ابن المغيرة وعدد عليه نعمة وكان مقدما في قومه وهيأ الله له حسن العيش وطول العمر والرئاسة في قريش مما ضره وأغراه بالكفر وحمل قومه على معارضة الرسول صلى الله عليه وسلم
    قوله خلقت وحيدا : أي خرج من بطن امه وحيدا بلا مال ولا ولد ثم رزقه الله فلم يشكر وقيل وحيدا لأنه كان وحيد قريش لتوحده وانفراده باجتماع مزايا لم تجتمع في غيره كثرة المال والولد ومجده وكونه مرجع في قومه
    قوله وجعلت له مالا ممدودا: فله اموال بمكة والطائف وكان يسمى زهة أهل مكة بسبب كثرة ماله وولده
    قوله وبنين شهودا قال مجاهد : لا يغيبون أي حضورا عنده لا يسافرون بالتجارات . جعل الله له بنين حضور معه وكانوا من الثلاثة عشر إلى التسعة عشر ولدا فمن نعم الله على العبد أن يكون له بنونا ومن تمامها يكونون حاضرين حوله فلا ميت ولا غائب .
    قوله ومهدت له تمهيدا : مهدت له أي تيسير أموره ونفاذ كلمته وما هيأ الله له من النعمة والسعة
    فقد مكنه الله من صنوف المال والولد وهيا الله له من حسن العيش وطول العمر والرئاسة في قريش فلم يشكر نعم الله عليه
    قوله ثم يطمع أن ازيد :من حرصه وشدة طمعه يطمع في الزيادة مع كفرانه لنعم الله عليه
    قوله كلا نفي وزجر وتهديد أن الله لن يزيده إلا اذلا ونقصا وحقارة فما زال بعد ذلك يتناقص ماله وولده حتى أخذه لله لكفرة بنعم الله عليه
    فائدة: كفران النعم سبب لقطعها فمن شكر النعم فقد قيدها ومن لم يشكرها فقد تعرض لزوالها وهذا الرجل الفاجر الشقي تجاوز حد كفران النعم إلى المعاندة والمكابرة والكفر وتجاوز حد الكفر إلى المناوأة والمعاندة
    قوله انه كان لآياتنا عنيدا :وعناده محاوله الطعن في القرآن وتمويهه بانه سحر أو كلام بشر مع تحققه بانه ليس كذلك
    قوله سأرهقه صعودا :قال مجاهد : أي مشقة من العذاب ، وقال قتادة : عذاباً لا راحة فيه ، واختاره ابن جرير
    وقيل صعودا اسم لعقبة في النار كلما وضع يده عليها ذابت فإذا رفعها عادت وإذا وضع رجله ذابت وإذا رفعها عادت وقيل صعود جبل من نار يصعد فيه سبعين خريفاً ثم يهوي ثم يصعد ثم يهوى وقيل عذابا شاقا يقاسيه في النار توعده الله بأشد العذاب لبلوغه بالعناد غايته، وتسميته القرآن سحراً فهذا الشقي الفاجر (الوليد بن المغيرة) الذي سمع القرآن ، وعرف أنه كلام الرحمن ، ولكنه في سبيل الزعامة وحب الرئاسة ، زعم أنه من قبيل السحر الذي تعارفه البشر
    قوله انه فكر وقدر: لما سمع القرآن اعجبه حلاوته واسلوبه ومعانيه فأثنى عليه وقال: والله لقد سمعت من محمد آنفاً كلاماً ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن، إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو وما يعلى. فقالت قريش: صبأ والله الوليد.فقال أبو جهل وهو ابن أخيه: انا أكفيكموه، فقعد إليه حزيناً وكلمه بما أحماه فقام الوليد، فأتاهم فقال: تزعمون أن محمداً مجنون والمجنون يخنق فهل رأيتموه يخنق؟ وتقولون إنه كاهن فهل رأيتموه يتكهن والله ما هو بزمزمة الكهان ولا سجعهم ؟ وتزعمون أنه شاعر فهل رأيتموه يتعاطى شعراً قط وقد عرفت الشعر كله وما يشبه كلام محمد ؟ وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئاً من الكذب؟ وتزعمون انه ساحر وقد عرفت السحار وسحرهم فما هو بنفثه ولا عقده فقالوا في كل ذلك: اللهم لا. ثم قالوا: فما هو؟ لان عنده خبره بالكلام وبالسحر والكهانة فتحير وفكر وقدر وكان مرجعا لقريش فانتكس وضن بالزعامة والرئاسة وصار يذم القرآن بعدما مدحه ونقض كلامه ففكر فقال: ما هو إلا ساحر، وشبهه بالسحر لان فيه ما يشبه بعض خصائص السحر من ناحيه انه يفرق بين الرجل وأهله وولده وموإليه؟
    قوله فقتل كيف قدر : أي لعن وفيها تعجب من تقديره
    قوله ثم نظر: أي تأمل ونظر في شان القرآن
    قوله ثم عبس وبسر: عبس أي قطب وجهه لأنه ما وجد مطعنا في القرآن لتحققه انه ليس كذلك وبسر أي غضب
    قوله ثم ادبر واستكبر : أي ادبر واستكبر أن يشهد للقران بما فيه من كمال اللفظ والمعنى في سبيل الزعامة وحب الرئاسة اعرض عن القرآن وعن قول الحق
    قوله أن هذا إلا سحر يؤثر: أي سحر مأثور أي مروي عن الاقدمين وغير مألوف زعم أنه من قبيل السحر الذي تعارفه البشر
    قوله إلا هذا إلا قول البشر: طعن في القرآن وانكر أن يكون وحيا من الله ما هذا إلا كلام المخلوقين تعلمه محمد منهم, ثم ادعى أنه من عند الله. فهدده الله بنار جهنم
    قوله سأصليه سقر :أي سأدخله سقر
    قوله لا تبقى ولا تذر: من يدخلها يذوب فيها ذوبان لكنه لا يموت
    قوله لواحه للبشر : محرقه للجلود ومسوده لها
    قوله عليها تسعه عشر :خزنه سقر تسعه عشر ملكا من الزبانية الأشداء يقومون عليها ويعذبون اهلها وكان عددهم فتنه للكفار وظهر به ضلال الضالين واهتداء المهتدين
    فقد استقل الكفار هذا العدد واحتقروه وسخروا منه وقال الحارث بن كلده لا يهولنكم التسعة عشر ، انا أدفع بمنكبي الأيمن عشرة من الملائكة ، وبمنكبي الأيسر التسعة ، ثم تمرون إلى الجنة ; يقولها مستهزئا . في رواية أن الحارث بن كلدة قال انا أكفيكم سبعة عشر ، واكفوني أنتم اثنين . قالوا من باب السخرية والاستهزاء لانهم لا يعلمون عواقب الأمور ويقيسون أمورهم على ما يعرفونه ويشاهدونه فتقالوا العدد وتكلموا بما يضحك العقلاء عليهم تعجبوا من قله العدد والذي يقبض أرواح الخلائق كلهم ملَك واحد فكيف يعجز أهل النار تسعة عشر ملَكا
    قوله وما جعلنا اصحاب النار إلا ملائكة : أي ما جعلنا اصحاب النار أي خزنتها إلا ملائكة ليسوا بشرا والملائكة أنتم لا تعرفونهم الواحد منهم لا يقابله البشر كلهم من قوته وشدته غلاظ شداد
    قوله وما جعلنا عدتهم إلا فتنة: وما جعلنا التسعة عشر إلا ابتلاء وامتحانا للذين كفروا لما نزلت قال أبو الأشد وكان شديد البطش: انا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم اثنين
    وذكر الله الحكم من ذكر عددهم:
    الأمر الاول: لفتن الذين كفروا فيسخروا من العدد ويخوضوا في ذلك بالتهكم والسخرية
    الأمر الثاني : وليحصل اليقين للذين أعطوا الكتاب من إليهود والنصارى بان عددهم تسعه عشر فتوافق ما في القرآن مع ما في الكتابين بأن ما جاء في القرآن عن خزنة جهنم إنما هو حق من الله تعالى, حيث, وافق ذلك كتبهم وسواء امنوا أهل الكتاب أو لم يؤمنوا
    الأمر الثالث: ويزداد الذين امنوا من هذه الامة تصديقا بالله ورسوله إذا علموا أن ما في القرآن موافق للتوراة والانجيل وفي هذا دليل على أن الإيمان يزيد وينقص
    الأمر الرابع: ولا يشك الذين اتوا الكتاب بما يقوله الكفار بان القرآن من عند محمد افتراه واكتتبه والمؤمنون كذلك يزدادوا ايمانا
    الأمر الخامس : وليقول الذين في قلوبهم مرض الشك والنفاق والكفار وان لم يكن في مكة منافقون لكن الله يعلم انه سيكون هناك منافقون في المستقبل والكفار يتعجبون من ذكر العدد وتعجبهم استنكار وتكذيب وليس تعجب اعتبار
    قوله كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء : أي مثل هذا الاضلال والهداية اشارة إلى ما قبله من الاضلال والهدى يضل الله من أراد اضلاله ويهدي من أراده هدايته أي مثل ذلك المذكور من الإضلال والهدى يعني إضلال المنافقين والمشركين حتى قالوا ما قالوا، وهدي المؤمنين بتصديقه، ورؤية الحكمة في ذلك وفيها رد على القدرية الذين يقولون أن الإنسان يكفر بفعله ويؤمن بفعله بدون ما يكون الله أرادهم منهم وقدره يعجزون الله ويجحدون قدرته على كل شيء وقد بين الله سبب اضلالهم وما يضل به إلا الفاسقون وفيه دليل خلق الأفعال للعباد
    قوله وما يعلم جنود ربك إلا هو : ما يعلم عدد الملائكة والمخلوقات إلا هو لكن له في هذه العدد حكمة
    قوله وما هي إلا ذكرى: أي وما سقر وصفتها إلا تذكرة للبشر يتعجبون من قله عدد خزنة النار ولم يتعجبوا بان أن من دخلها ومع شده إحراقها لا يموتون والسبب خرجت من قلوبهم عظمه الله وقدرته . نار الآخرة ليست مثل نار الدنيا من يدخل نار الدنيا يتفحم ثم يموت لكن نار الاخر فيها طعام وشراب وفيها ظل وشجر وفيها ثياب فراش ولحاف ولكنها كلها للعذاب فيها حيات وعقارب تعيش ولا تحرق الملائكة
    قوله كلا والقمر : كلا أي للنفي ليس الأمر كما قالوا من التكذيب للرسول وما جاء به أقسم الله بثلاثة أقسام وايمان بالقمر وبالليل وادباره وبالصبح واسفاره وإذا قرئت اذ ادبر وقرئت إذا ادابر والفرق بين القراءتين اذ ادبر للمستقبل وإذا لما مضى والمقسم عليه انها لاحدى الكبر أي النار احدى الدواهي والبلايا العظيمة يا من تستهزؤون بالنار
    قوله نذيرا للبشر: تحذيرا وتخويفا للبشر كلهم
    قوله لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر: فيه دليل على اثبات مشيئة للناس واختيار لكنها بعد مشيئة الله ردا على الجبرية الذين يقولون ليس للعبد مشيئة واختيار وهم على النقيض من المعتزلة لانهم يغلون في اثبات مشيئة البشر والجبرية ينفون المشيئة للبشر ويغلون في اثبات مشيئة الله والمعتزلة يغلون في اثبات مشيئة البشر وينفون مشيئة الله لمن شاء منكم أن يتقدم بالتوحيد والأعمال الصالحة أو يتأخر بالكفر والمعاصي ليس التقدم تقنيا أو عمرانيا أو نركب الفضاء أو نكون امة زراعيه أو صناعية لكن التقدم يكون بالتوحيد والإيمان والعمل الصالح. والتقدم إلا نعصى الله. مصير الإنسان يتحدد في طاعة الله لان هناك موتا يفرز الناس إما إلى جنة يدوم نعيمها أو إلى نار يدوم عذابها. يجب علينا أن نكون واقعيين ونضع وندخل حسابات الآخرة في أمورنا والأعمال الصالحة تقدمه للجنه والكفر والمعاصي تدخله النار فهو يعمل الصالحات بمشيئته ويعمل السيئات بمشيئته وليس مجبرا عليها لكن الله إذا علم الخير من العبد وفقه وإذا علم منه الادبار عن الخير خذله ووكله لنفسه وعدوه عقوبة له
    قوله كل نفس بما كسبت رهينه : كل نفس مرهونة ومحبوسه بما كسب عند الله وغير مفكوك ومحبوس يفكه عمله الطيب أو يغله عمله السيء فهي مرهونة ومحبوسه بأعمال الشر من الكفر والشرك والمعاصي
    قوله إلا اصحاب اليمين: اليمين هي علامة الخير وجهة أهل الكرامة وعلامة الشر أهل الشمال في تناول صحف أعمالهم ومواقفهم والحساب وعلى كل اصحاب اليمين قيل هم أطفال المسلمين لأنهم لا أعمال لهم يرهنون بها وقيل عموم المؤمنون لانهم تخلصوا من الكفر والشرك والمعاصي
    قوله في جنات يتساءلون : مصيرهم جنات النعيم وكل منهم قرير العين بما هو فيه ويتساءلون بينهم عن حال المجرمين وقيل انهم يشرفون على المجرمين ويسالونهم عن سبب دخولهم النار
    قوله ما سلككم في سقر: ويأتي الجواب من اناس يحترقون بالنار ما الذي ادخلكم النار واجاب المجرمون عن سبب دخولهم النار
    قوله لم نك من المصلين: فعلقوا الأمر على ترك الصلاة أي ضيعوا الصلاة إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون وهذا يدل على اهميه الصلاة ومكانتها وان من تركها يدخل النار سواء تركها جحودا أو تكاسلا لذلك الصلاة عماد الدين من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين
    قوله ولم نك نطعم المسكين: أي منعوا الزكاة ليس لديهم عمل صالح لا صلاة ولا عبادة ولا اطعام للمسلمين
    فمنعوا حق الله وحق عباده .
    قوله وكنا نخوض مع الخائضين :أي كنا نقول الباطل مع أهل الباطل وفيه ضرر مخالطة أهل الشر والمراد الخوض والتشكيك بما جاء به رسول الله .
    قوله وكنا نكذب بيوم الدين :كنا نجحد بيوم الدين وننكره
    قوله حتى اتانا اليقين : أي الموت أو حصل لنا علم اليقين بما كنا نكذب والمعنى انهم لم يكونوا مؤمنين وكل واحد منها مكفر من ترك صلاة ومنع زكاة وتشكيك بما جاء به رسول الله وانكار يوم الدين
    قوله فما تنفعهم شفاعة الشافعين حرم الله على هؤلاء شفاعة الشافعين من انبياء وملائكة وصالحين وافراط الشفاعة حق ولكنها لا تكون إلا لأهل الإيمان والشفاعة قسمان شفاعة منفيه وهي الشفاعة في الكافر وبغير أذن وشفاعة مثبته وهي الشفاعة لأهل الإيمان وبعد الاذن والكفار لا تنفعهم شفاعة ولا تقبل منهم شفاعة لان لها محل ولها قابليه وفيها اثبات الشفاعة في الحديث: «إن من أمتي من يدخل الجنة بشفاعته أكثر من ربيعة ومضر
    قوله فما لهم عن التذكرة معرضين : أي شيء يمنعهم عن سماع القرآن وعن سماع المواعظ وقبول التذكرة والتذكير ليس هناك مناع إلا الكبر والحسد والعناد وهذا يدخل فيه كل من اعرض عن سماع الخير ومجالس الذكر والنفر عن أهل العلم له نصيب من ذلك فان كان له عذر فهو معذور كل من ينفر عن المواعظ له نصيب وإذا اعرض فان الله يطمس قلبه فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم يعنى يسلط عليهم فساد القلب فما تقبل الحق
    قوله كأنهم حمر : شبههم بالحمر الوحشية التي تنفر من الأسد أو الصائد لكن الحمر فرت من الشر خوف الضرر وهؤلاء فروا ممن يريد لهم الخير
    قوله كأنهم حمر مستنفره: قال ابن القيم رحمه الله: وتحت المستنفرة معنى أبلغ من النافرة فإنها لشدة نفورها قد استنفر بعضها بعضا وحضه على النفور
    قوله بل يريد كل امري منهم أن يؤتى صحفا منشره : من عتوهم وعنادهم وكبرهم كل واحد منهم يطلب كتابا مستقل خاصا به ينزل عليه لن نؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه
    قوله منشرة :أي مفتوحه من الله هل بعد هذا التعنت تعنت واستكبار
    قوله كلا :إنما أهلكهم عدم ايمانهم واوصلهم إلى هذا المصير أي لن ننزل عليهم كتابا أن الذي منعهم ليس أن كل واحد ما جاءه كتاب بل منعهم عدم الخوف من الآخرة فهم لا يؤمنون ولا يصدقون بيوم الحساب
    قوله كلا انه تذكرة كلا كلمة ردع عن اعراضهم عن التذكرة وهو القرآن فهو كاف لمن يريد الهداية واما من يريد التعنت فلا حيله معه لم يترك الحق عن جهالة إنما تركه تعنتا
    فمن شاء ذكره وما تشاؤون إلا أن يشاء الله : لما امر الله بالنذارة في اول السورة اخبر هنا أن منهم من لا يستجيب وان ذلك راجع إلى مشيئة الله وانه مطالب بالبلاغ والنذارة
    قوله هو أهل التقى واهل المغفرة: فالله احق أن يخاف ويتقى غضبه وعقابه وعذابه واهل المغفرة لمن تاب واستغفر يا رب نحن أهل الذنوب وانت أهل التقوى واهل المغفرة إذا لم تغفر لنا فمن يغفر لنا فمن غيرنا يهفوا من غيرك يعفوا تمت والحمد لله اولا واخرا وظاهرا وباطنا
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة القيامة :
    حديثي معكم اليوم عن سورة القيامة وسمي بيوم القيامة لأن الناس يقومون فيه لرب العالمين قياما طويلا ويكون مع ذلك القيام هلع في القلوب والحزن والخوف، إلا من أنعم الله جل وعلا عليه من أهل الإيمان والعمل الصالح فيخفف عنهم القيام حتى يكون اخف على احدهم من اداء صلاه مكتوبه ومنهم من يكون عليه كما بين الظهر العصر وهم يتفاوتون في ذلك فهو يسير على المؤمنين وعسير على الكافرين وهو يوم واحد مثل المريض والصحيح المعافي المريض تمر عليه الساعة طويلة الصحيح الذي يلعب تمر عليه كدقائق ولذلك يكون ذلك القيام الطويل معه الحزن لأنه انتظار، كل إنسان يبدأ تذكر ما قدم وما سعى في يوم طويل يزداد معه الهم وهو يوم واحد ويسمى آخر الأيام أو اليوم الاخر فلا يوم بعده فسمي يوم القيامة لأجل وصف القيام فيه الطويل. وقيل سميت القيامة بذلك لأن الناس يقومون من قبورهم ويذهبون إلى أرض المحشر يجتمعون فيها. وسورة القيامة تتحدث عن تقرير البعث بعد الموت وانه حق لاريب فيه وان كل انسان مرتهن بعمله وتوجيه الله لرسوله كيف يتلقى الوحي وانقسام الناس يوم القيامة إلى فريقين سعداء واشقياء وصورة الإنسان على فراش الموت وختمت السورة بإثبات البعث واستدل بالبداءة على الإعادة
    قوله لا أقسم بيوم القيامة: أقسم الله سبحانه بيوم القيامة ومعنى لا زائده للتأكيد لا أقسم? معناها أقسم ولكنه عدل عن القسم إلى نفي القسم زيادة في تأكيده. وقيل لا نافيه لشيء قبلها أي ليس الأمر كما يزعم الكفار انه لا بعث ولا نشور : والمقصود أن الله أقسم بيوم القيامة
    قوله ولا أقسم بالنفس اللوامة: أي واقسم بالنفس اللوامة وهي نفس المؤمن تلوم صاحبها على ترك الطاعة وفعل المعصية وتحثه على التوبة إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه .. ما أردت بكلمتي كذا ما أردت بأكلتي كذا ما أردت بحديث كذا والنفس من مخلوقات الله وفيها عجائب
    وأنواع الانفس ثلاث :
    النفس الامارة بالسوء : وقرينها الشيطان تحب الشر وتكره الخير فهذه نفس ميتة
    النفس اللوامة : وقرينها ملك وشيطان تحب الخير والشر فخلطوا عملا صالحا واخر سيئا فهذه نفس مريضة
    والنفس المطمئنة : مطمئنه بالإيمان واليقين قرينها ملك تحب الخير واطمأنت به وتكره الشر وأبغضته ولا يصدر منها سوء أو معصية.
    فإذا ارتقت النفس فكانت مطمئنة اجمعت النفس والقلب على الخير وهذه هي اعلى الانفس ذكر النفس الامارة في سورة يوسف والنفس المطمئنة بالفجر واللوامة بالقيامة ولذلك سبب الهداية مخالفه الهوى وسبب الضلالة اتباع الهوى والهوى ما تهوى النفس وتحب وتميل إليه وهذه النفس من مخلوقات الله العجيبة واقسم الله بها لينبه على شان هذه النفس التقيه التي تلوم صاحبها على فعل المعصية وترك الطاعة والمقسم عليه لتبعثن
    قوله أيحسب الإنسان الن نجمع عظامه: أي يظن ويعتقد الكفار ان لن نجمع عظام الإنسان بعد موته ولكن الله قادر على جمع عظامه المتناثرة واعاده اللحوم المتمزقة والشعور المتفرقة والامر لا يقف عند جمع عظام الإنسان بل أن الإنسان إذا مات واصبح ترابا ورميما في القبر ويفنى منه كل شيء إلا عجب الذنب ومنه يركب الخلق يوم القيامة وإذا أراد اللهُ إخراج الـورى بعد الممات إلى المعاد الثـاني ألقى على الارض التي هم تحتها مطــرا غليظا أبيضا كالطل أو الظل كمني الرجال أربعين يوما حتى يكون الماء فوقهم اثني عشر ذراعاً وتنبت منه اجساد الناس كما تنبت الحبه من حمأ السيل ثم ينفخ النافخ فتعود الارواح إلى الاجساد التي كانت تعمرها بالدنيا في أعظم اتصال وأبلغ اتصال بما لا يكون معه انفكاك، حياة دائمة لا يقبلها الجسد الانفكاك عن الروح ولا الروح الانفكاك عن الجسد. وأرواح السعداء في الجنة وأرواح الأشقياء في النار
    قوله بلى قادرين على أن نسوي بنانه: أي الله قادر على جمع عظامه بعد تفرقها .
    قوله نسوي بنانه: قولان الله قادر يسوي بنانه ويجعلها مثل خف البعير عقوبة له فلا يستطيع يقبض أو يأخذ شيئا هذه الإصابة المختلفة والمتفرقة من عجائب قدرة الله وبها ينتظم مصالح الإنسان بالأخذ والعطاء والقبض والبسط وقيل نسوي بنانه أي نعيد اصابعه البنان فيها مفاصل وعروق فإذا فنيت فالله قادر على إعادتها مع دقة خلقها وخفاء معالمها فمن قدر يجمع عظامه الصغيرة قادر على جمع عظامه الكبيرة فمن قدر على تسوية البنان قادر على تسوية بقية الجسم فالله لا يعجزه شيء وفيها بيان قدرة الله سبحانه وتعالى في خلق الخلق وبديع صنع الله الذي اتقن كل شيء
    قوله بل يريد الإنسان ليفجر امامه : قال ابن عباس هو الكافر يكذب بيوم القيامة وقيل أي يريد أن يكفر ويستمر على الكفر والمعاصي طوال بقيه عمرة فعنده امل طويل واستبعاد للبعث فيتمادى في عمله السيء ولا يريد أن يتوب والنتيجة بسبب عدم الإيمان بالبعث يتمادى في غيه وضلاله فيفجر امامه أي يؤخر التوبة والأصل انه يبادر بها لأنه لا يدري متى يحل الاجل فالذي يتوب عند الموت أو يموت وهو كافر فلا قيمة لتوبته
    قوله يسأل أيان يوم القيامة: وهذا معنى تفسير يفجر امامه سؤاله عن يوم القيامة فيسال عن الساعة من باب التحدي والاستبعاد والانكار للبعث متى يوم القيامة فيسال عن الساعة من باب التحدي الله اخفى الساعة حتى عن الملائكة والأنبياء والرسل والكافر يسال متى الساعة لا ليستعد لها بل تعنت ومستبعد لها ولذلك بين الله بعد هذه الآية متى يوم القيامة
    قوله فإذا برق البصر: يكون يوم القيامة إذا شخص البصر من شدة الاهوال فصار البصر لا يرجع ولو مجرد نفس فلا يرتد إليهم طرفهم هواء شاخصة أبصارهم مهطعين إلى الداعي إذا بَرِقَ وجاء بفتح الراء برق أي شخص وارتفع ولم يرجع من شدة الاهوال
    قوله وَخَسَفَ القمر: أي ذهب نوره وذهب أيضا ضوء الشمس
    قوله وجمع الشمس والقمر: أي يذهب ضوؤهما ويكوران ويلقيان في البحر فيكون نار الله الكبرى فتلقى في النار اما وقود للنار أو لتبكيت لعابديهما.
    قوله يقول الإنسان يومئذ اين المفر :أي إذا حصلت هذه الدواهي العظيمة يبحث الإنسان الكافر عن المفر من العذاب
    قوله كلا لا وزر: الوزر هو الحصن والملجأ من جبل أو الحصن الحصين أي ليس لكم مكان تعتصمون فيه وتختفون ولكن يوم القيامة لا يجدون ملجأ فلا يوجد ملاذ ولا مهرب لانهم تعودوا في الدنيا عند الحوادث الهروب
    قوله إلى ربك يومئذ المستقر: أي المنتهى فلا يستطيع أن يستتر أو يهرب اللهم أحسن وفادتنا اليك يوم القدوم عليه نعوذ بك أن نقدم عليك بعمل سوء أو خاتمه سوء وامتنا على صالح زاكي ترضى به عنا وعليه فالذي كفرت به أو عصيته انت راجع إليه وواقف بين يديه ويلاقي عمله فيجب علينا الاستعداد للقاء الله سوف تعود الارواح إلى الاجساد بعد فناء الاجساد لان ليس هناك دار يستعد فيها غير الدنيا ووالله لو تحقق ذكر الموت في قلوبنا لما وجدنا لذه الحياة أن الموت رحله وذهاب بلا عوده رحله إلى حياه ابديه مإذا يحصل للإنسان حين القدوم على الله
    قوله ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم واخر : يخبر الإنسان بعمله ويحاسب عليه أي يوقف على عمله من خير وشر ويعطى كتابه ويحاسب عليه قيل ينبأ بما قدم من طاعة واخر من المعاصي وقيل ينبأ بما قدم في اول عمرة وفي آخر عمره وقيل ما قدم في حياته وما اخره. قال سليمان بن عبدالملك يا أبا حازم مالنا نكره الموت قال لأنكم أخربتم الآخرة وعمرتم الدنيا فكرهتم أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب قال أصبت يا أبا حازم فكيف القدوم غدا على الله قال أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله ضيفا واما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه مسيئا.
    قوله بلى الإنسان على نفسه بصيره: أي شاهد وحجه على نفسه فتشهد عليه نفسه وأعضاءه وإقراره على نفسه لا يحتاج إلى شهود فلا يقبل عذره مع انه يوقف على عمله من خير وشر إلا انه يشهد عليه اعضاءه فيختم على فيه وتنطق اعضاءه فيشهد كل عضو بما فعل وقيل على نفسه بصير لا يخفى عليه ما عمله وفعله وما فعله هو يعلمه وفيها أن كثيرا ما يعتذر الإنسان عن تقصيره وأخطائه بمعاذير مع قرارة نفسه بالخطأ من أبصر هذه الآية علم أن الجوارح التي يعصي بها ليمتعها ستكون شاهدة عليه يوم العرض والحساب
    قوله ولو القى معاذيره :لن تنفعه معاذيره ولا يقبل منه عذر لأنه اقر على نفسه أي لا ينفعه الاعتذار ولو اعتذر ولو جاء بكل معذرة يعتذر بها عن إجرامه , فإنه لا ينفعه ذلك. فليس بعد الموت من مستعتب لا يوجد بعد الموت اعتذار أو رب اغفر لي لقد انقطع العمل وانتقل إلى دار الحساب
    قوله لا تحرك به لسانك: أي لا تحرك لسانك وقت نزول الوحي بواسطه جبريل هذا توجيه من الله لرسوله أثناء نزول الوحي كيف يتلقى الوحي ويستقبله وكان سببه أن نبينا كان يخاف النسيان فيعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليه وحيه فبين الله له مإذا يعمل عند نزول الوحي لا تحرك لسانك بالقرآن وقت النزول
    قوله لتعجل به أي تعجل بحفظه أي بالقرآن من قبل أن يقضي اليك وحيه .
    قوله أن علينا جمعه أي لا تخاف أن يضيع أن علينا جمعه في صدرك فلا يضيع منه شيء .
    قوله وقرانه :أي تيسير عليك قراءته .
    قوله فإذا قراناه :أي قراءة عليك جبريل فاستمع فأمره أن يصغي لجبريل حتى ينتهي من الوحي .
    قوله فاتبع قرآنه :ثم اقرأه كما أقرأك إياه فيها اهميه التأدب عند سماع القرآن بالاستماع والانصات حتى ينتهي
    وفيها أن أكبر دليل على أن القرآن من عند الله
    قوله ثم أن علينا بيانه : أي تفسيره وتوضيح معانيه واحكامه بالوحي الثاني السنة فتكفل الله لرسوله بثلاثة:
    1- جمعه في صدره 2- وان يسهل عليه قراءته بلسانه 3- وان يبين له معانيه واحكامه. ولا يزال القرآن محفوظا بحفظ الله مهما حاول اعداء الله فهو محفوظ في الصدور ومحفوظ في السطور وقد تكفل الله بحفظ القرآن في حياته صلى الله وعليه وسلم وبعد وفاته فالله تكفل بحفظ القرآن وقت نزوله ووقت بقائه في الارض حتى يرفع في آخر الزمان فيمحى من الصدور والكتب.
    وحفظه نعمة للمؤمن وحجة على الكافر ومع شدة بغض الاعداء وحرصهم على التلاعب بالقرآن فما تركوا وسيلة إلا وفضحها الله وسيبقى القرآن محفوظا كما هو . اما الكتب السابقة عهد الله بحفظها للعلماء يقول الله بما استحفظوا عليه فحرفوه وضيعوه .
    قوله كلا بل تحبون العاجلة: ليس الأمر كما زعمتم- يا معشر المشركين- أن لا بعث ولا جزاء , بل أنتم قوم تحبون الدنيا وزينتها تحبون العاجلة وما فيها من متاع واموال واولاد
    قوله وتذرون الآخرة : وتتركون الآخرة والعمل لها ولا تستعدون لها فكثير من الناس لا يؤمنون بالأخرة ولا يلتفتون إليها وهناك من يؤمن بالأخرة ولكنه منشغل عنها فامن اشتغل بدنياه ونسي اخرته خسر الدنيا والاخرة ومن عمل للأخرة حفظ الدنيا والاخرة ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا ثم بين حال الناس في الآخرة ما بين سعداء واشقياء
    قوله وجوة يومئذ ناضرة: وجوه حسنة ناعمه فوجوههم مضيئة تتلألأ بالأنوار
    قوله إلى ربها ناظرة : أطيب ما في الدنيا معرفة الله وأطيب ما في الآخرة النظر إلى الله" أي ترى ربها الذي كانت تعبده فيتجلى الله لهم فيرونه يوم القيامة عيانا أبصارهم لا يضامون في رؤيته فأهل السنة يؤمنون بان الله يرى في الآخرة وفي الجنة فيراه أهل الإيمان ويحتجب عن أهل الكفر لانهم كفروا به في الدنيا فحرموا رؤيته يوم القيامة واما أهل الإيمان فيرونه رؤيته حقيقه وفيها رد على أهل الضلال حينما فسروا النظر بالانتظار لان السنة النبوية قطعت الأمر انكم سترون ربكم فقطعت الجدال
    قوله ووجوه يومئذ باسره : أي ووجوه كالحه وعابسة ومسوده لما يرون من العذاب فتنقبض وجوههم من الهلع والحزن والخوف
    قوله تظن أن يفعل بها فاقرة : أي تتوقع أن ينزل بها عذاب وعقوبة في كل لحظه فهي خائفة ومشفقة من مصيبتها
    قوله كلا إذا بلغت التراقي : لما ذكر أحوال القيامة وما فيها من اهوال ذكر الموت ونزوله بالكافر أي إذا بلغ الروح اعالي الصدر وبلغت الحلقوم والتراقي والترقوة هي العظام المحيطة بالعنق من الجهتين فهناك ملائكة وهم اعوان ملك الموت تسوق الروح من الجسم والعروق حتى تصل إلى الحلقوم فيقبضها ملك الموت
    قوله من راق: أي هل من راق فيرقيه أو يداويه أو يعالجه فقد نزل به امر عظيم لان الرقية دواء روحاني عظيم ولهذا كان رسول الله يرقي نفسه وقيل معنى راق من يذهب بروحه من الملائكة العذاب أم الرحمة
    قوله وظن انه الفراق :وايقن المحتضر انه الفراق للحياة لمعاينة ملائكة الموت هذا مشهد آخر يوم للعبد في الدنيا واول يوم ﻵخرته قوله والتفت الساق بالساق قيل معناه اجتمعت عليه الشدائد كثيرة سكره الموت وحسرة الفوت وشدة الموت وضعف الجسم وخروج الروح لان الساق يطلق ويراد به الشده والمراد شدة ألم نزع الروح وضعف البدن وشدة مفارقه الاهل والمال فاجتمعت عليه وقيل التوت ساقاه عند موته فتعطلت عن الحركة والتنقل وانطوى بعضها على بعض
    قوله إلى ربك يومئذ المساق : أي يلقى ربه
    قوله فلا صدق ولا صلى : فلا آمن بالله ورسوله ولا صلى لله وفيه تعظيم شان الصلاة وانها تأتي بعد الإيمان بالله وهذا الذي مات لا آمن بالله ولا صلى له
    قوله ولكن كذب وتولى :كذب بقلبه فما آمن وتولى بفعله واعرض عن الإيمان وعى الطاعات
    قوله ثم ذهب إلى اهله يتمطى : أي مغرور بدنياه فرجع إلى اهله متبخترا ومتكبرا ومتشاغلا بدنياه عن اخرته وهو قرير العين بما هو فيه من دنياه
    قوله اولى لك فاولى : هذا تهديد بعذاب ووعيد وكررها وقد قرأها النبي ﷺ على أبي جهل فولى وقال ( بأي شيء تهددني) وفي رواية فقال ابو جهل أتهددنى يا محمد فو الله انى لأعز أهل هذا الوادي واكرمه
    قوله أيحسب الإنسان أن يترك سدى: يعني أيحسب الإنسان الكافر المغرور بدنياه والمتشاغل بها أن يترك سدى فلا يحاسب ولا يجازى تأبى حكمة الله وعدله أن يترك الناس هملا وسدى فيسوي بين المؤمن والكافر فاقتضت حكمته وعدله أن جعل بعد الحياة ممات وبعده حساب فيجزي الذين أساوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسى
    قوله ألم يك نطفة من مني يمنى :أي كان نقطه من مني يمنى في الأرحام ثم تحول المني إلى دم ثم كان قطعه لحم فخلقه بقدرته وسوى خلقها وحواسها وعظامها وأحسن خلقها
    قوله فجعل منه الزوجين :نطفه واحدة تحولت بقدرة الله إلى زوجين ذكر وانثى وجعلهم زوجين لأجل بقاء النوع والجنس
    قوله اليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى : فمن قدر أن خلق الإنسان من ماء مهين قادر على احياءه بعد موته وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو اهون عليه والانسان إذا مات يفنى كله ويبقى منه عجب الذنب ومنه يركب غدا
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا قرأ هذه الآية يقول: "سبحانك بلى"
    تمت ولله الحمد والمنة
    المحتويات
    أجمل ما قرات في تفسير سورة الإنسان:
    حديثي معكم اليوم عن سورة الإنسان : وسميت سورة الإنسان:
    لان الله ذكر فيها أحوال الإنسان الثلاثة: 1- ما قبل خلقه ووجوده 2- وما بعد خلقه ووجوده 3- ثم بعد موته وخروجه أي حاله في الدار الآخرة
    قوله هل اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا :
    هل بمعنى قد وليست للاستفهام إنما هي للتحقيق والتقرير . والمقصود قد اتى على الإنسان وقت من الدهر قبل خلقه لم يكن شيئا يذكر .
    قوله مذكورا : أي ليس له وجود يذكر والانسان محفوف بعدمين عدم قبله وعدم بعده وملك العبد في الدنيا سواء قل أو كثر له متعه معاره في زمن يسير ونفسه وماله واهله ملك لله عز وجل حقيقه وقد جعل عند العبد عاريه وسوف يأتي ربه غدا فردا كما خلقه اول مرة بلا أهل ولا مال ولا عشيرة ولكن يأتيه بالحسنات والسيئات وفيه ان من قدر على خلق الإنسان من عدم قادر بعثه
    قوله انا خلقنا الإنسان من نطفة: أي نقطة مني
    قوله امشاج :من نطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة
    قوله نبتليه: علة وجود الإنسان وسر وجوده والحكمة من خلقه وايجاده ان يبتلى ويمتحن. والمهمة عبادة الله
    فالله ما خلق الخلق ليعذبهم ولا جعل الدنيا دار تنعم بل خلقهم ليمتحنهم فاقتضت حكمته ان يخلق دارين دار للتكليف ودار للجزاء فدار التكليف خلقها في ستة ايام وبين الحكمة من خلقها انا جعلنا ما على الارض زينه لها لنبلوهم ايهم أحسن عملا ولم يخلق البشر سدى وهملا أو عبثا خلق الخلق ليعبدوه فانزل عليهم كتبا وأرسل إليهم رسلا وجعل لنا اسماعا وأبصارا وعقولا وبين لنا طريق الخير لنسلكه وبيت لنا طريق الشر لنتركه ثم وكل بنا ملائكة يكتبون كل قول قلناه وكل عمل عملناه فإذا مات العبد طويت صحيفته وانقطع عمله وإذا خرج من قبره إلى أرض المحشر اعطي كتابه وفي الحديث ( إنما هي أعمالكم احصيها عليكم ثم اوفيكم اياها فمن وجدا خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ).
    ومن هنا أراد الله ان يمتحن الإنسان في الدنيا بما يجري عليه من خير وشر وفرح وحزن وفقر وغنا وصحه ومرض حتى يظهر شكره عند النعم وجزعه عن المصائب فيظهر من المؤمن الصابر الشاكر ويظهر الكافر بطره عند النعم وجزعه عند المصائب
    قوله فجعلناه سميعا بصيرا: فجعله من أجل ذلك ذا سمع وذا بصر مدركا يدرك بهما الخير والشر فشروط التكليف بتوحيد ربنا اربعه العقل والبلوغ ووصول الحجه أي بلوغ الدعوة وهي ارسال الرسل وانزال الكتب ورابعها سلامة احدى حاستي السمع والبصر وهما السمع والبصر يعدلان العقل وفقدهما معا مثل فقد العقل تماما والسمع والبصر لهما مدخل في إيصال العلوم إلى العقل والقلب ولذلك لا يكلف الإنسان إلا عند البلوغ لان العقل عند الإنسان لا يكتمل إلى عند البلوغ
    قوله انا هديناه السبيل :أي ارشدناه أي بينا لهم طريق الخير ليسلكوه وبين لهم طريق الشر ليتركوه ثم لهم اختيارا ومشيئة
    قوله إما شاكرا :أي مؤمنا يسلك الطريق الخير الذي بيناه له فيطيع الله
    وإما كفورا :أي كافرا يسلك طريق الشر فيعصى الله ويكفر به ثم بعد ما بين طريق الخير والشر بين بعدها جزاء الشاكر والكافر
    قوله انا أعتدنا للكافرين سلاسل وأغلالا وسعيرا: أي أعد الله للكافرين سلاسل أي قيودا من حديد في أقدامهم وأغلالا في ايديهم وأعناقهم ونارا يحرقون بها يقول الله فسوف يعلمون إذا الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في النار ثم في الحميم يسجرون أي يحرقون ويوقدون . أجمل الله عذاب الكافرين وفصل جزاء الأبرار لان الحديث جاء عن معرض الامتنان على الإنسان في خلقه واكرامه بالسمع والبصر وهدايته واختياره بعدما بين الله عقاب الكفار بين ثواب أهل الطاعة والإيمان
    قوله ان الأبرار يشربون :الأبرار جمع بر وهو المطيع المتقي والبر كلمة جامعه لكل خصال الخير واهل الإيمان ثلاثة أقسام الظالم لنفسه وهو من ضيع بعض الفرائض ووقع في بعض المحارم معاصي دون الشرك وهو تحت المشيئة والمقتصد اداء الفرائض وترك المحارم وهم الأبرار اصحاب اليمين والسابق بالخيرات هم المقربون فعلوا الواجبات والمستحبات وتركوا المحرمات والمكروهات وتركوا الشبهات التي لا يدري اهي حلال أم حرام وفضول المباحات هم درجات عند الله والله بصير بما يعملون
    قوله يشربون من كأس كان مزاجها كافورا: الجنة فيها جميع أنواع الشراب والمعنى هنا أي يشربون من كأس فيها خمر خلطها ماء الكافور وهو أحسن أنواع الطيب فهي طيبه الرائحة لذيذة الطعم فيمزج بالكافور لأنه يمتـاز بالبرد وطيب الرائحة وكافور الجنة ليس مثل كافور الدنيا والكافور في الدنيا شجرة جميله وطيبة الرائحة دائمة الخضرة ويؤخذ من اسفلها من الجذع اللثى ويصنع منه الكافور واجوده ما كان ابيض
    قوله عينا يشرب بها عباد الله :عباد الله أي العبادة الخاصة وهم أهل الإيمان والطاعة والا الخلق كلهم عباد الله العبودية العامة مؤمن وكافر كلهم يأتيه يوم القيامة فردا لا مال ولا ولد ولا عشيرة ولكن يأتيه بالحسنات والسيئات .
    قوله يشرب بها : ولم يقل منها فيها تضمين لمعنى الارتواء بها
    قوله يفجرونها تفجيرا : أي يجرونها حيث شاؤوا من منازلهم اينما أرادوها وجدوها فيقودونها حيث شاءوا, وتتبعهم وقيل تفجراي تشق حسب طلبهم وليس فيها شح ولا تنفد مع كثرة الاستهلاك أو طول الوقت
    وبعدما ذكر بعض نعيمهم ذكر بعض أعمالهم التي اهلتهم لهذه الكرامات
    قوله يوفون بالنذر: ان من وفي بما اوجب على نفسه من النذور وفي بما اوجبه الله عليه النذر هو ان يلزم نفسه بطاعة لم تكن عليه واجبه وهي من أنواع العبادات لا يجوز ان تصرف لغير الله فمن نذر لقبر أو ضريح أو ميت فهذا شرك أكبر ويقتسم هذه النذور سدنة القبور والطواغيت وهي نذور شركيه والمشروع نذر الطاعة والوفاء به ففي الحديث ( من نذر ان يطيع الله فيلطعه ومن نذر ان يعصي الله فلا يعصه (وإذا نذر وجب عليه الوفاء لأنه التزم لربه لكن لو نذر ان يعصي الله كمن نذر إلا يصل رحمه أو إلا يتصدق فلا يوفي به ويلزمه التوبة وهل عليه كفارة يمين محل خلاف فمدح الله الأبرار بالوفاء بالنذر وفي الحديث ( يأتي في آخر الزمان اقوام ينذرون ولا يوفون به (فهو الزم نفسه بطاعة والنذر من حيث هو مكروه لأنه قد لا يوفي به وضيق على نفسه و لا يأتي بخير إنما يستخرج من البخيل والمسلم في سعه والاصل ان يفعل الطاعة بدون نذر
    قوله ويخافون يوما كان شروة مستطيرا :فمع قيامهم بطاعة الله يخافون يوم تتقلب فيه القلوب والأبصار وكان شرة منتشرا يوم القيامة من الناس من كفر به وانكر ومنهم من آمن به ولم يستعد له ومنهم من آمن به وقال اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم مستطيرا أي فاشيا ومنتشرا على الناس وظاهرا للغاية إلا من رحم الله وليس شرة في مكان دون مكان أو في قت خاص
    قوله ويطعمون الطعام على حبه :أي مع حبهم له إما لحاجتهم إليه واما جوعا لان هناك من يتصدق بطعامه بعد الشبع أو فاسد أو ردي فهو يعطي تخلصا لا تقربا ولا صدقه والاصل لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون (
    قوله مسكينا وهو الفقير العاجز عن الاكتساب أو لا يجد ما يكفيه أو عنده بعض الكفاية المسكين أحسن حالا من الفقير لان الفقير ليس معه شيء ولكن إذا اطلق المسكين دخل فيه الفقير إذا افترقا وإذا اجتمعا فلكل حد ففي الحديث ( ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان ، والتمرة والتمرتان ، إنما المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ، ويستحي أن يسأل الناس )
    قوله ويتيما :اليتيم هو من فقد اباه قبل بلوغه وإذا بلغ ففي الحديث ( لا يتم بعد الاحتلام ) لأنه بحاجة إلى من يعوله أو يقوم عليه وإذا مات ابوه ولم يترك له شيئا كان أشد وإذا ترك له شيئا فهو بحاجه إلى من يحفظ ماله
    قوله واسيرا: قو له واسير الذي يؤسر في الحرب من الكفار لان المسلم لا يؤسر فيحسن إلى الكافر وكم أحسن إلى اسير فكان سببا في اسلامه وفي قصة اسلام ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة حينما اسره الصحابة وهو مشرك خارجا للعمرة فأسروه وربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال مإذا عندك يا ثمامة فقال عندي يا محمد خير إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
    قوله إنما نطعمكم لوجه الله : قال ابن كثير نقلا عن مجاهد وابن جبير اما والله ما قالوها بألسنتهم ولكن علم الله ما في قلوبهم فأثنى عليهم ) ولان التصريح فيه اذيه لهم
    قوله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا : أي لا نريد جزاء أي عوضا ولا مقابل ولا شكورا أي مدحا ولا ثناء
    وحب الظهور والمدح والثناء مفسده للأعمال ايما مفسده ومن علامة الاخلاص كراهية المدح والثناء
    قوله انا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا : عللوا سبب اطعامهم ابتغاء مرضاه الله وخوفا من الله وحتى يأمنوا يوما تعبس فيه الوجوه من هوله وشدته ويطول بلاء اهله ويشتد وقمطريرا أي صعبا وشديدا فهو أشد الأيام وأطوله في البلاء والشدة
    قوله فوقاهم الله شر ذلك اليوم :أي صانهم الله من شدائد ذلك اليوم.
    قوله ولقاهم : أي أعطاهم
    قوله نضرة وسرورا : نضرة في وجوههم ، وسرورا في قلوبهم .بخلاف الكفار فهم في هم وغم وقلق مع عبوس الوجه والفرق بينهما العمل فاختلف الجزاء بحسب العمل
    قوله وجزاهم بما صبروا: اثابهم وادخلهم الجنة بصبرهم ولا بد من أنواع الصبر الثلاثة فقد يصبر بعضهم على طاعة الله ولا يصبر عن محارمه ولا عن اقداره المؤلمة فمن الناس من يصبر على الخير ولا يصبر على الشر يعبد الله على حرف فإذا اصابه خير اطمأن به وان اصابته فتنه انقلب على وجهه
    ذكر الله الصبر في كتابه في أكثر من ثمانين موضعا اثنى على اهله واحبهم وذكر معيته لهم وحسن العاقبة
    واجر مفتوح والنصر مع الصبر وثمن الصبر في الآخرة دخول الجنة وكلها اشارة إلى ان هذه الخصلة لا تكون في عبد إلا حاز على الخير من الله
    لما ذكر الله قصة نوح وما لاقاه من قومه قال في نهاية القصة تلك من انباء الغيب نوحيها اليك والنتيجة فاصبر ان العاقبة للمتقين ولو فكر الناس في الصبر ومكانته لحصلت لهم السعادة في الدنيا والاخرة والصبر مثل الصبر له مراره وله عواقب احلى من العسل وحريرا أي لباسا بهيا فهو من ألين وأنعم وأطيب الملابس وأحسنها مظهرا
    قوله جنة وحريرا :الجنة نحن جميعا مدعون إلى جنة عرضها السموات والارض يدوم نعيمها وسرورها دائم للمؤمن فيها خيمه مجوفه طولها ستون ذراعا له فيها اهلون يطوف عليهم ليس بينهم تباغض) نعيم الجنة على أتم الوجوه ونعيمهم دائم في جميع الاوقات فلا تعتريهم شده ولا آفة من الآفات
    قوله وحريرا : أجمل نعيم الجنة ثم ذكر لباسهم الحرير يلبسون أفخر أنواع الأقمشة في لينه وطيبه وحسن مظهره
    قوله متكئين فيها على الارائك :الاتكاء يدل على الراحة وهم جلوسا على الأسرة المزينة بفاخر الثياب والستور وسرر الجنة عالية.. مصفوفة.. موضونة. أي منسوجة بالذهب
    قوله لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا :هواء الجنة معتدل لان الحر والبرد كلاهما مؤذ فما احلى الجنة نفى عنهم الحر المزعج والبرد المؤلم لان اعتدال الجو من نعيم الجنة
    قوله ودانية عليهم ظلالها : فظلها دائم وقريب اينما كانوا فهم مظللون فليس فيها شمس وظل ممدود أي لا نهاية له؛ لأن الجنة ليس فيها شمس بل هي ظل، وصفةا بعض السلف بأنها كالنور الذي يكون قرب طلوع الشمس، تجد الارض مملوءة نوراً ولكن لا تشاهد شمساً، فهو ظل ممدود في المساحة والزمن قال الضحاك الظل هو ظلال الأشجار وقيل ظل يخلقه الله عند عامة المفسرين ظلالها هنا تعني ظلال أغصان الأشجار وان كان لا شمس ولا قمر سيخلق لأهل الجنة ظلا زيادة لهم في التنعم، و إن لم تكن هناك شمس و لا حر يحتاجون معه إلا ما يظلهم لكن الكريم سبحانه زياده في التنعم في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال: ((إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، واقرؤوا إن شئتم: (وظل ممدود) وسئل نبينا عن طوبى فقال شجرة في الجنة مسيرة مائة عام ثياب أهل الجنة تخرج من اكمامها ) رواه احمد وعند الطبري وتخرج منها الحلل والحلي وقال رجل لرسول الله ثياب أهل الجنة خلق يخلق أم نسج ينسج فقال تنشق عنها ثمار الجنة وفي المسند جاء اعرابي فقال فيها فاكهه قال نعم وبها شجرة تدعى شجرة طوبى . قال: أي شجر ارضنا تشبه؟ قال: ليس شبه شيء من شجر ارضك، ولكن أتيت بلاد الشام؟ قال: لا. قال: إن فيها شجرة تسمى الجوزة تنبت على ساق واحدة ثم تتفرع ثم تنتشر ثم ينتشر أعلاها(
    قوله وذللت قطوفها : أي سهلت ثمارها لمتناوليها ومذللة ثمارها قريبه إذا طلبها أو رغبها على حسب الحاجه وهو جالس ا وقاعد أو مضطجع.
    قوله ويطاف عليهم بانيه : أي يدور عليهم الخدم بكؤوس الشراب ففي الجنة عيون كثيرة مختلفة الطعوم والمشارب
    قوله انيه من فضه : اواني أهل الجنة من ذهب وفضه و السياق هنا فضه ويظهر انهم اصحاب اليمين
    قوله واكواب :الاكواب المراد بها الكوز الذي لا أذن له أو لا عراوى له فهي في شكلها وصفائها وحسنها على شكل قوارير من الزجاج لكنها في الحقيقة فضة مخلوقة للدوام لا تنكسر ولا تنثلم
    قوله قدروها تقديرا : ي قدرها السقاة والخدم بحسب الحاجه لا تزيد ولا تنقص قال مجاهد فلا تفيض ولا تغيض الجنة ليس فيها اسراف ولا تبذير اواني الذهب والفضة لا يجوز استخدامها في الدنيا لأنها محرم واما الحلي فهي حلال للإناث حرام على الذكور
    قوله ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا: يسقى هؤلاء الأبرار في الجنة كأسا مملوءة خمرا مزجت بالزنجبيل وفيها طعم الزنجبيل وهو شراب حار وطيب ولذيذ. الجنة فيها خمر لكن خمرها طيب مسلوب عنه صفات خمر الدنيا فخمر الدنيا خبيث ومر ومحرم وضار اما خمر الجنة فطيب وحلو المذاق وطيب الرائحة وصحي واما زنجبيلا طيب الرائحة حلو المذاق وحار . وفي الزنجبيل فوائد عظيمة وصحية
    قوله عينا فيها تسمى سلسبيلا : هذا الشراب الذي يسقون منه عين جارية مستمرة سلسبيلا أي لسلامة شرابه ويسوغ له الشراب وينزل من غير تعب ويسوغ له الشراب ولسلاسة سيلها وحده جريانها فهي تنبع من اعلى الجنة فهو سلس وسهل المذاق
    قوله يطوف عليهم :يدور عليهم من الخدم غلمان مخلدون أي دائم شبابهم لا يموتون ولا يمرضون ولا يهرمون
    قوله إذا رايتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا فهؤلاء الخدم لجمالهم ونظافتهم وصفاء الوانهم وكثرتهم في منازلهم وانبثاثهم في مجالسهم مثل اللؤلؤ المنبث لأنه أجمل منظرا من المنظوم
    قوله وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا : إذا نظرت إلى الجنة ونعيمها وخدمها رؤية عامه رأيت نعيما عظيما من كل وجه نعيم الابدان والقلوب ونعيم الاجتماع ولذة النظر إلى وجه الله العظيم وحلول الرضوان . فأما نعيم الابدان فمن قصور وحور ودور يأكلون ويشربون ويتناحكون واكلهم للتلذذ والتفكه لا من جوع وظمأ ونعيم القلوب لا يموتون ولا يمرضون ولا يبأسون فلا هم ولا غم ولا حزن ولا فقر ونعيم اجتماعهم مع ابناءهم ورؤية الله التي هي اعلى نعيم في الجنة رضوان من الله أكبر فبعد الاستمتاع بنعيم الجنة اعطاهم الله الرضوان الأكبر الدائم فلا يسخط عليهم أبدا فلا يبقى عندهم خوف بعدها من الخروج
    قوله وملكا كبيرا :أي رأيت ملكا واسعا لا يحيط به البصر . أهل الجنة كلهم ملوك وملك الجنة فيه جميع المتطلبات من دور وحور ولباس وشراب وحلي وانيه وخدم وفوق هذا لا يفنى ولا يتغير ولا ينقص و الدنيا مهما ملك ومهما بنى فان يفنى ويخرب يزول وربما تكون الدنيا عنده كلها وقلبه وحياته كلها جحيم وملك العبد في الدنيا سواء قل أو كثر له متعه معاره في زمن يسير خلق الله ملكها أي الجنة للدوام والبقاء و نعيمها دائم لا يتغير ولا يمل مهما تنظر إليه فهو في جمال مستمر الواحد منهم يعطى مثل الدنيا وما فيها من قصور وبساتين ومنازلهم من ذهب يتلألأ وانهار الدنيا فيها حزن وهم وغم واهل الجنة في سرور دائم
    ذكر لباسهم
    قوله عاليهم ثياب سندس واستبرق: يعلوهم ويجمل ابدانهم ثياب الحرير وهما صنفان :السندس وهو ما رق من الثياب والاستبرق هو ما غلظ من الديباج وكلاهما اوصاف للحرير فلباسهم الحرير والحرير اجود أنواع الأقمشة ومن الين وانعم واطيب الملابس وأحسنها مظهرا والحرير حل لإناث الامه في الدنيا ومحرم على ذكورها
    قوله وحلوا اساور من فضه :الاساور ما يلبس في ايديهم على الاذرع قال ابن المسيب في يده ثلاثة أسورة: واحدة من فضة وأخرى من ذهب وأخرى من لؤلؤ. جمع الله لأهل الجنة الجمال من كل وجه جمال الملابس وجمال الحلي وجمال الصور مع لذة المطاعم والمشارب ولذه وبهجه في المناظر
    قوله وسقاهم ربهم شرابا طهورا : أي وسقاهم ربهم هذا تشريفا وتكريما فوق هذا النعيم كله سقاهم شرابا طهورا للابدان والبطون والقلوب لطهور فيه قولان : قال مقاتل : هو عين ماء على باب الجنة تنبع من ساق شجرة من شرب منها نزع الله ما كان في قلبه من غل وغش وحسد ، وما كان في جوفه من قذر وأذى . وفي الاثر (عند باب الجنة شجرة ينبع من اصلها عينان يغتسلون من ا حداهما جرت في وجوههم نظرة النعيم وإذا شربوا من الاخرى نزع الله من في قلوبهم من غل وحسد
    وثانيهما : قال أبو قلابة : يؤتون الطعام والشراب ، فإذا كان في آخر ذلك أتوا بالشراب الطهور فيشربون فتطهر بذلك بطونهم ، ويفيض عرق من جلودهم مثل ريح المسك فطهر ظاهرهم . والجملة لتطهير باطنهم ليجمعوا بين جمال الظاهر والباطن وهذا من أعظم ما يحلى به أهل الجنة
    قوله ان هذا كان لكم جزاء :هذا الجزاء كان ثوابا مقابل أعمالكم المرضية في الدنيا والجنة لا تدرك بالثمن
    لكن تنال بالدعاء والعمل الصالح فهما سببان يؤهلان العبد لنيل رحمه الله وسببا لدخول الجنة
    وفيها لا يحكم الإنسان لنفسه بالجنة مثل إليهود والنصارى أو مثل صاحب الجنة في سورة الكهف
    وفيها لا يجزم الإنسان لنفسه بالجنة مهما عمل لكن يرجوا لان العمل ليس ثمنا للجنه
    سلعه الله غإليه لأنها باقيه ودائمة ومهما عمل الإنسان فلو حاسبه الله على نعمه لم تبق له حسنة
    قوله مشكورا :الله غفور شكور من شكره يشكر العمل الصالح ويدخلهم الجنة بسببه . كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أَبى» قالوا يا رسول الله، ومَن يأبى ؟ قال «مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى». البخاري. فطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم سبب دخول الجنة
    قوله انا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا :امتن الله على رسوله بنزول القرآن مفرقا ليسهل العمل به وهذه النعمة تستحق منا شكرها والقرآن كلام الله منزل غير مخلوق
    وفيه ان القرآن نزل شيئا فشيئا ولم ينزل جملة واحدة بل نزل منجما ومفرقا حسب الحوادث لمدة ثلاث وعشرين سنة نزل حسب المناسبات والحكمة من ذلك لتثبيت فؤاده صلى الله عليه وسلم ومعنى تثبيت فؤاده كلما حصلت حادثه نزلت آيات تعاجل الموقف مع الحدث فتكون أشد وقعا ليسهل العمل به والرفق بالعباد والتدرج بهم شيئا فشيئا ومن ذلك لما توفي رسول الله واضطرب الناس قال عمر يتهدد كل من يزعم انه رسول الله مات فجاء ابوبكر فكشف عن وجهه صلى الله عليه وسلم وقال طبت حيا وميتا يا رسول الله والموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها ثم صعد المنبر فقال من كان يعبد الله فان الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمد فان محمد قد مات ثم تلا وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل الشاهد ان الآيات تأتي في الاحداث له وقع وكأنها اول مرة نزلت قال عمر "قال فوالله لكأن الناس لم يكونوا يعلمون أن ايه عز وجل أنزلها حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس فما تسمع بشرا إلا يتلوها ومن رحمه الله بنبيه وامته لم ينزل عليهم القرآن جملة واحدة فيثقل عليهم ويصعب العمل به وبعد نزول القرآن من الله على رسوله امره بخمس
    قوله فاصبر لحكم ربك :اولا ارشده لله إلى الصبر لحكم ربك ليواجه بها أذى الكفار فالله قد يمهل الكفار استدراجا لهم وقد يؤخر النصر لحكمة الله يعلمها والحكم اما قدريا أو شرعيا فان كان قدرا فليرضى بالقدر وان كان حكما شرعيا فليعمل بالحكم الشرعي والصبر عدة المتقين والصبر هو حبس النفس على الطاعة وهو من الدين بمنزله الرأس من الجسد فمن لا رأس له لا حياه فيه ومن لا صبر له فليس له دين. والصبر ثلاثة: على الطاعة أو عن المعصية أو الاقدار المؤلمة.
    ثانيا ولا تطع منهم آثما أو كفورا : سوف تلقي من الكفار واهل النفاق من يريد صرفك عن القرآن أو بعضه ولا يجوز التنازل عن الدين أو بعضه من أجل ارضاء الكفار والمنافقين
    قوله ولا تطع منهم آثما أي آثما بفعله أو كفورا بقلبه لا تطعهم لانهم يحاولون معك ان تتنازل عن دينك أو بعضه وهذه مداهنة محرمة ولا يجوز التنازل عن الدين أو بعضه تحت أي مبرر من أجل ارضا الكفار والمنافقين لكن يجوز مداراه الكفار بشيء من الدنيا كفا لشرهم أو دفعا لهم دائما يحاولون الطعن في ديننا لأنه ثقيل عليهم ويبين باطلهم ويفضحهم.
    ثالثا وذكر اسم ربك بكرة واصيلا: أي ودوام على ذكر اسم ربك ودعائه في اول النهار وآخره. والذكر يحي القلب وينشط البدن ويعينك على طاعة الله ومن لزم اذكار الصباح والمساء حفظه الله من كل مكروه . الذكر شانه عظيم فمن ذكر الله ذكره بالتوفيق والتسديد والحفظ والعناية وفيه ايضا سر عجيب في صلاح الإنسان وثباته وتقواه وإذا خرج الذكر من القلب بدون تعظيم لم ينفع لقد رأى الناس ناطحات السحاب والطائرات والسيارات فصاحوا وتكلموا ولكن لم يروا شيئا من عظمة الله لان قلوبهم غافلة . إذا كان الذكر لله تتسابق عليه الملائكة وتتنافس في كتابه حمدا كثيرا طيبا مباركا أكثر من ثلاثين كل حرف بملك فلمإذا لانذكر الله
    فائدة : نشكو إلى الله تقصيرنا في ذكره وفي شكره وفي حسن عبادته ونعترف يا رب اننا ما عظمناك حق تعظيمك ولم نقدرك حق قدرك وليس ذلك استهانة بحقك ولا استهانة بعظمتك ولكن غلبت علينا اهوائنا واشقتنا لا نشكو حالنا إلا اليك اللهم انا نسالك ان تغفر لنا ما كنا فيه من الغفلة عن ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا رب ما شكرناك حق شكرك ولا ذكرناك حق ذكرك ولا عبدناك حق عبادتك اللهم اغفر لنا تقصيرنا.
    رابعا ومن الليل فسجد :قيام الليل له تأثير عجيب في حياه المسلم ولو كان القيام قليلا فعينك الله على أمور دينك ودنياك واخرتك قيام الليل يعيينك على تحمل المسؤولية فيوفقك الله ويعينك ويبارك لك في وقتك وجهدك وقولك وعملك
    خامسا وسبحه ليلا طويلا :التسبيح هنا قد يراد صلاة الليل وقد يراد به الذكر .التسبيح عبادة جليله سبح الله نفسه وسبحته سماوته وارضه والطير وملائكته وعباده المؤمنون . والتسبيح صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء والتسبيح أي نزه عما لا يليق به هل فعلا تسبيح الله له حيزا كبيرا من حياتنا . والتسبيح معناه إلا نذكر الله إلا بالإكبار والاجلال وننزهه عن كل شريك وند وعن كل عيب ونقص
    ثم ذكر الله حال المعرضين والمعارضين من الكفار والمنافقين :
    قوله ان هؤلاء يحبون العاجلة :سميت الدنيا بالعاجلة لأنها سرعان ما تمر وتنتهي، وتزول فهي زائله ومائله وحائله ان سبب محاوله هؤلاء المعارضين المعرضين معك في ان تتنازل عن دينك بسبب محبتهم للدنيا وكراهيتهم للقران والدين والطاعة وهذا القرآن يحذرهم من الدنيا ويريد منهم العمل للآخرة وهم لا يؤمنون بها ولا يريدون والعمل لها مع ان فيه نجاتهم.
    قوله ويذرون ورائهم يوما ثقيلا: يوم القيامة يوم عظيم وثقيل .ثقيلا في طوله فمقداره خمسون الف سنة وثقيلا في اهواله فمن شدة الخوف اذ القلوب لدى الحناجر كاظمين وثقيلا في شدة الجوع يقفون خمسين الف سنة فما يأكلون اكلة ولا يشربون شربة وثقيلا في حره وثقيلا في ظمأه وفي الحديث ( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْرَى مَا كَانُوا قَطُّ ، وَأَجْوَعَ مَا كَانُوا قَطُّ ، وَأَظْمَأَ مَا كَانُوا قَطُّ ، وَأَنْصَبَ مَا كَانُوا قَطُّ ، فَمَنْ كَسَا لِلَّهِ كَسَاهُ اللَّهُ ، وَمَنْ أَطْعَمَ لِلَّهِ أَطْعَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ سَقَى لِلَّهِ سَقَاهُ اللَّهُ ، وَمَنْ عَمِلَ لِلَّهِ أَغْنَاهُ اللَّهُ , وَمَنْ عَفَا لِلَّهِ أَعْفَاهُ اللَّهُ ) وسبب ثقله عليهم كفرهم بالله وباليوم الاخر وصدهم عن سبيل الله ويبغونها عوجا . بعدما بين الله سبب حملهم على المساومات مع المسلمين بسبب حبهم للعاجلة وانكارهم ليوم القيامة اقام بعدها البراهين على خلقهم وبعثهم.
    قوله نحن خلقناهم : امتن الله على خلقه بالخلق والايجاد
    قوله وشددنا اسرهم : أي قوينا واحكمنا خلقهم
    قوله وإذا شئنا بدلنا امثالهم :قيل وإذا شئنا أهلكناهم وجئنا بأطوع منهم لله وقيل أهلكناهم وبعثناهم بعد الموت على شكل آخر والذي يظهر لي ان الراجح هنا: ان المراد البعث لان السياق يؤكد هذا واما القول يهلكهم ويأتي بمن هو اطوع فلعله ما ورد في آخر سورة المعارج
    قوله ان هذه تذكرة : هذه السورة بجملتها تذكرة بما فيها من عظات وذكر لأهل الجنة والنار ونعمة انزال القرآن
    قوله فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا: باب الله مفتوح إلى يوم القيامة، فمن أراد أن يدخل الإيمان يدخل، ومن أراد أن يسلم قلبه ووجهه لله فليسلم، حتى ينجوا من عذاب الله
    قوله وما تشاؤون إلا ان يشاء الله :مشيئة الله مقدمه على مشيئة العبد وفيها سر عظيم :الله وكّل إلى الإنسان العمل واعطاه القدرة والمشيئة والاختيار ولم يجبره على كفر أو طاعة خلافا للجبرية الذين يقولون ان الإنسان مجبور لا اختيار له وخلافا للقدرية والمعتزلة الذين يقولون العبد يخلق فعل نفسه باستقلال .
    واهل السنة والجماعة يقولون الإنسان مسير ومخير مسير في القضاء والقدر فتجري عليه افعال الله ولو لم يرد فهو مسير في القدر الكون القدري ومخير من حيث افعاله هو فله ان يسلم وله ان يكفر أو يطيع ويعصى فهو مخير في القدر الشرعي فهو مسير من جهة افعال الله ومخير من جهة افعاله هو ولكن مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله وليست مستقله فلو قال انا ذاهب إلى مكة للعمرة ان شاء الله انت مخير بالذهاب ولكن مشيئتك ليست مستقلة لأنه خاضعة وتابعة لمشيئة الله.
    فهو مجبور في المصائب فلو مرض لا يلام عليه ومخير في المعايب أي المعاصي فلو زنى فلامه الناس على ذلك فقال : انا مجبور أو قدر الله عليه. لقلنا : قدره الله بعلمه السابق فيك ولكن لم يرضه لك ونهاك عنك
    قوله ان الله كان عليما حكيما : الله عليما لا يخفى عليه شيء وحكيما في افعاله وقدرة
    قوله يدخل من يشاء في رحمته :فالله عليم بمن يستحق الهداية فييسرها له وعليم بمن يستحق الغواية فيوكله إلى نفسه وعدوه وبين الله من يستحق الهداية ومن يستحق الضلال فمن طاع الله زاده هداية ويسر أموره كلها كما في قوله فأما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ومن عصاه اضله على علم وعسر عليه أموره كلها كما في قوله واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى فمن فعل اسباب الخير يسرها له ومن فعل اسباب الشر يسرها له فصار العبد يسعد ويشقى بأفعاله الرحمة من الله لأهل الخير الاحسان والعذاب من الله لأهل الظلم والطغيان والله علق الجزاء على العمل
    تمت ولله الحمد والمنة
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة المرسلات:
    حديثي معكم اليوم عن سورة المرسلات وهي سورة صعبه ونريد ان نعرف معانيها ونربط بين اجزائها ومحورها يدور على اية واحدة فيها وهي إنما توعدون لواقع
    بداية أقسم سبحانه بالأقسام الخمسة ثلاثة بالرياح واثنان بالملائكة .
    قوله والمرسلات عرفا : أي الريح المتتابعة لان عرفا المتتابع مثل عرف الفرس وإذا فسرت بالملائكة فالعرف أي المعروف بالحق
    قوله والعاصفات عصفا : هي الرياح في شده هبوبها وبرودتها
    قوله والنشرات نشرا : هي الرياح تنشر السحاب والنشر هو الحشر والمراد الرياح تنشر السحاب الذي يحي الارض بعد موتها
    قوله فالفارقات فرقا : هي الملائكة تفرق بين الحق والباطل
    قوله فالملقيات ذكرا : هي الملائكة تنزل بالوحي
    قوله عذرا أو نذرا : إما حجه عليه أو انذارا له
    والسؤال على أي شيء يقسم الله اين جواب القسم
    أقسم الله سبحانه وتعالى للكفار المكذبين بالبعث فأقسم لهم على مجيء يوم القيامة وانه واقع لا محاله ولا يمكن ان يتأخر وما فيه من الوعد والوعيد .متى يكون ذلك ؟ يوم القيامة عند الحوادث العظيمة.
    وذكر اربعة
    قوله فإذا النجوم طمست :النجوم جعلها الله مضيئة وزينة وعلامات ورجوما للشياطين لكن إذا انتهى أجلها طمست ان ذهبت ومحيت وتساقطت وتناثرت
    قوله وإذا السماء فرجت: هذه السماء المبنية المحكمة تنفرج وتتشقق وتصبح ابوابا لأنه انتهى اجلها ومهمتها يقول الله والسموات مطويات بيمينه
    قوله وإذا الجبال نسفت :تنسف الجبال أي ذهبت وصبحت دخانا سرابا لا شيء حتى تصبح الارض صعيدا واحدا فلا ترى فيها عوجا ولا امتا لا ارتفاع ولا انخفاض أرض مستويه هي الساهرة
    قوله وإذا الرسل اقتت أي جعل لها ميقاتا ووقتا تجمع فيه يحضرون للشهادة على أممهم
    قوله ليوم الفصل :سمي يوم القيامة بيوم الفصل لان الله يفصل بين الخلائق فيفصل بين السعداء والاشقياء وامتازوا اليوم ايها المجرمون لأنه كانوا في الدنيا مختلطين الكفار مع المؤمن مع المنافق والامر الثاني يفصل بينهم فيما كانوا فيه يختلفون
    قوله ويل يومئذ للمكذبين : هؤلاء الكفار الذين أرسل الله لهم الرسل وانزل عليهم الكتب وبين لهم البعث ومجيء يوم القيامة ليجزي الذي أساءوا بما عملوا ويجزي الذي أحسنوا بالحسنى ولكنهم كذبوا بكل وعد ووعيد فاقسم الله لهم انه واقع لا محاله ومع ذلك لم يصدقوا .
    وذكر لهم عدة ادله واقعية منها الامم السابقة ممن كذب بالبعث وما وقع بهم .
    قوله ألم نهلك الأولين : هذا سؤال تقرير وليس استفهاما كيف انهم كذبوا بالبعث واستكبروا وعذبهم الله وأهلكهم
    قوله ثم نتبعهم الآخرين : أي الذين بعدهم ممن ساروا على منهجهم في الاستكبار والتكذيب
    قوله كذلك نفعل بالمجرمين :أي سنة الله فيمن كذب واستكبر يناله الهلاك والعذاب ثم ذكر لهم دليلا آخر على البعث
    استدل الله بالبداءة على الإعادة.
    قوله ألم نخلقكم من ماء مهين : سؤال تقرير وليس استفهاما . ويؤيد هذا ما ورد في الحديث : عن بُسْر بن جحاش رضي الله تعالى عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في كفِّهِ فوضع عليها أصبعه ثم قال : قال الله عز وجل : بني آدم أنَّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سوَّيتك وعَدَلْتُكَ ، مشيت بين بردين وللارض منك وئيد ، حتى إذا بَلَغْتَ التراقي قلت: أَتَصَدَّق ، وأنى اوان الصدقة )رواه أحمد
    قوله فقدرنا فنعم القادرون :اختلفت القرّاء في القراءة فعامة قرّاء المدينة ( فَقَدَّرْنا ) بالتشديد وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة بالتخفيف. فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ .
    فعلى قراءة التشديد بمعنى التقدير للشيء كما في قوله خلقه فقدره .
    وعلى قراءة التخفيف من القدرة أي قادر على الخلق .
    ثم ذكر دليلا ثالثا :ألم نجعل الارض كفاتا : هذه سؤال تقرير ايضا أي جعل الله الارض نعيش فوقها ونحن احياء وندفن في بطنها بعد الوفاه وخص الإنسان بالدفن والقبر وهذه تكريم من الله للإنسان فقد اعتنى الله به .لان دفن الميت اكراما له وحتى لا ينكر ايضا عذاب القبر
    قوله وجعل فيها رواسي :هذه مما امتن الله به على الإنسان فجعل الارض له فراشا يعيش فوقها ويسكن ويأكل ويشرب وجعل الجبال فيها رواسي تستقر بها الارض وجعلها شامخات أي مرتفعات
    قوله اسقيناه ماء فراتا : أي عذبا
    وملخص ما سبق :جعل الله الارض يعيش فوقها الإنسان ويدفن فيها ثم يبعث بعدها حيا ليحاسبه الله .ثم بعد بيان الأدلة والتوضيح واقسم له بأن مجي يوم القيامة وانه واقع لا محاله . لكنهم استمروا على تكذيبهم بيوم القيامة استكبارا وعنادا فنقلهم إلى أرض المحشر واخبرهم بما يكون لهم قبل ان يكون لتأكيد علمه السابق لتتبين لهم حقيقة ما انكروا ولكن انى لهم الذكرى بعد فوات الاوان .
    قوله انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون : هنا الله يقول لهم وهم لا زالوا في الدنيا انطلقوا يخاطبهم كأن الأمر قد وقع لأنه يخبر بما يكون قبل ما يكون لان علمه سابق . انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون سوف ينطلقون إلى عذاب الله مسرعين لا يتخلف أحد ولا يختفي ولا يهرب ولا يأتي متباطئ بل يأتون إليها مسرعين لانهم لا يملكون اعضائهم نعم كانوا في الدنيا يملكون اعضائهم وجوارحهم لكن في الآخرة لا يملك من امره شيئا لا سمع ولا بصر ولا جوارح .
    وهل ممكن ان يسرع الإنسان إلى عذاب الله وناره : نعم هذا يوم القيامة ينطلقون مسرعين لان اعضائهم تتحرك بغير أرادتهم .
    نسال الله الفوز بالجنة والنجاة من النار وان يجيرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة
    وانقل لكم مشهد حصل لي مع أحد الاخوة حينما كنت انقل له هذه المشاهد كان يبكي وانا أنقل المشهد لأنه تصور المشهد في ذلك اليوم يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والامر يومئذ لله ما احد يأمر هناك لا اعضاءه ولا غيرها والامر يومئذ لله .
    قوله انطلقوا إلى ظلا ذي ثلاث شعب : هنا بين الله إلى أي شيء ينطلقون . قوله الظل هو دخان جهنم له ثلاث شعب أي السنة فهو ظل غير ظليل
    لا ظليل : لا يجدون فيه ظل ولا يقيهم من لهب النار .
    قوله إنها ترمي بشر كالقصر :أي مثل القصور المبنية العظيمة وقيل كالقصر مثل قطع الخشب الضخمة وأيا ما كان الأمر فشررها ضخم وحار .
    قوله كأنه جمالة صفر :أي مثل الابل الضخمة وقوله صفر أي سود فيها صفار يسير . وعلى كل حال أهل النار وجوههم مسوده حتى ولو كان احدهم في الدنيا أشد بياضا فانه يسود وجهه وقلبه اسود لان له بكل معصية ينكت في قلبه نكته سوداء وأعظم المعاصي الكفر ودارهم جهنم ليس فيها ضياء بل هي سوداء مظلمة ، لا يضيء شررها ولا يطفأ لهبها .
    قوله ويل يومئذ للمكذبين : أي ويل لمن كذب بالوعد والوعيد فبعد ان كانوا يخبرون به في الدنيا اصبحوا يرونه عيانا يوم القيامة ويباشرونه
    قوله هذا يوم لا ينطقون :أحوال الآخرة مختلفة عرصات يتكلمون ويجادلون واخرى لا ينطقون وهم صاغرون وداخرون
    قوله ولا يؤذن لهم فيعتذرون :أي لامجال فيه للاعتذار والتوبة
    قوله هذا يوم الفصل :أي هذا يوم القيامة جمعناكم والاولين أي في صعيد واحد لا يتخلف أحد ولا يفر . يجمع الله جميع البشر فلا يتخلف أحد
    قوله فان كان لكم كيد فكيدون : إن كانت لكم حيلة تحتالونها في التخلص من عقابه اليوم فاحتالوا ولكن لا قدرة ولا حيله ولا كيد
    قوله ويل يومئذ للمكذبين : تكرر هذه الآية بعد كل نوع من أنواع التهديد وبعد كل الادلة والبراهين الدالة على البعث والنشور
    قوله ان المتقين في ظلال وعيون :فبعد ان بين الله جزاء الكافرين وانهم في حر وعطش وجوع وبلاء عظيم بين بعدها جزاء المتقين
    والمتقين هم من اتخذوا من عذاب الله وقاية في ذلك اليوم
    قوله في ظلال :ظلال الجنة دائمة ( اكلها دائم وظلها ) فهم في ظل ظليل
    وعيون : أي انهار تجرى بالأشربة الطيبة
    قوله وفواكه مما يشتهون : فواكه يجدون لها شهوة ورغبه فهم في صحه وسرور وامن
    قوله كلوا واشربوا هنيئا : أي بلا ألم ولا مرض ولا كدر فانك في الدنيا قد تأكل اكله لذيذة وربما تصاب بعدها بمرض أو ألم .لكن طعام الجنة بلا منغص ولا كدر ولا ألم .
    قوله بما كنتم تعملون : أي بسبب أعمالكم فالباء سببية وليس عوضيه فليس للجنه ثمن
    قولك انا كذلك نجزي المحسنين : فيه حث على الاحسان كما في قوله في الذاريات ( أخذين ما أتاهم ربهم انهم كانوا قبل ذلك محسنين ثم بين احسانهم بعدها . وفي سورة الطور بعد ذكر نعيم الجنة قالوا ( انا كنا قبل في اهلنا مشفقين ) .فيكون الاحسان فيما بينهم وبين ربهم والاحسان فيما بينهم وبين خلقه فقد كتب الله
    الاحسان على كل شيء امراه دخلت الجنة بالإحسان إلى الكلب والعكس بالعكس دخلت النار امرأة مؤمنه بحبس هرة
    قوله كلوا وتمتعوا قليلا انكم مجرمون :خاطب الله الكفار الاحياء في الدنيا المنكرين للبعث أثناء نزول القرآن كلوا تمتعوا قليلا انكم من اصحاب النار انكم مجرمون بسبب خرجوهم عن طاعة الله
    قوله وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون: فيه بيان اهميه الصلاة وانها من أعظم المكفرات والمنجيات من عذاب الله
    كثير من المصلين عندهم مخالفات ونقص ولكن الصلاة مكفرة لهم لكن من استكبر عن الصلاة فقد ترك أعظم المكفرات ووقع في أعظم الذنوب إلا وهو الكبر فقد خرج الشيطان به من الجنة .
    قوله فباي حديث بعده يؤمنون :أي من لم ينتفع بالقرآن فأي شيء يؤمن به وفيه حث على تدبر القرآن وانه طريق النجاة
    أي لا هداية للبشر إلا بهذا القرآن والسنة فخير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة النبأ
    حديثي معكم اليوم عن سورة النبأ وهي اول سورة في الجزء الأخير من كتاب الله وهي تتحدث عن خبر هام وعظيم إلا وهو القيامة والبعث والنشور حيث ان كفار مكة أنكروا البعث واستبعدوا إعادتهم مرة ثانية لانهم لا يعرفون قدرته سبحانه. فمحور السورة يدور حول إِثبات "عقيدة البعث" التي طالما أنكرها المشركون.
    قوله عم يتسألون : عن أي شيء يتسألون استفتح الله هذه السورة بهذا السؤال .
    قوله عن النبأ العظيم :هنا بين السؤال أنهم يتسألون عن الخبر العظيم والهام وهو القيامة والبعث والنشور لان هناك أنباء غير هامة فقد أخبر به رسول الله والرسل من قبله ان هناك بعثا وبعده حساب .وهذا من رحمة الله بنا حتى نستعد لهذا اليوم .
    قوله الذي هم فيه مختلفون : صاروا فيه ما بين مصدق ومكذب قاطع بإنكاره ومشكك فيه .واستبعدوا إعادة الاموات مرة ثانية والسبب لانهم لا يعرفون قدرة الله وهل من الحكمة ان يخلق الله الخلق من غير حكمة "أفحسبتم إنما خلقناكم عبثا وانكم إلينا لا ترجعون "
    هل من الحكمة تأكل وتشرب وتفجر ثم ينتهى الأمر .لابد من نتيجة وهي البعث الجزاء على أعمالهم حتى لا تذهب سدى هل يخلق الله الكون العظيم ويخلق الانسان ثم يكفر من يكفر ويؤمن من يؤمن ثم ينتهى الأمر هذا عبث منزه عنه الله سبحانه وتعالى.
    قوله كلا سيعلمون: أي سوف يعلمون بما أخبر به رسول الله حينما يرونه عيانا ان ما يتسألون عنه حق .
    قوله ثم كلا سيعلمون: من باب التأكيد. هنا ذكر الأدلة والبراهين على قدرة الله على البعث فمن قدر ان يخلق هذه العجائب لا يعجزه إعادة الخلق بعد فناءه . وغالبا السورة المكية تتكلم عن العقيدة وعن خلق الله وقدرة الله لان الكفار انكروا البعث لانهم لا يعرفون قدرة الله. ولذلك غالبا ما يستدل الله بالخلق على قدرته لان لغز الكون: هو الخلق .
    ومختصر القول :الذي يقدر يخلق هذه الأشياء يقدر على إعادة الخلق فذكر الله تسعة أدله تدل على قدرته .
    1- قوله ألم نجعل الأرض مهادا: أي فراشا تسكنون فيها وتغدون وتروحون وتسكنون فجعلها قارة ساكنها فمن قدر يخلق الأرض يقدر على البعث.
    2- قوله والجبال اوتادا: أي تثبت الأرض حي لا تميد وتضطرب وتتحرك.
    3- قوله وخلقناكم ازواجا: أي من ذكر وانثى . وقد تكون عامة ومن كل شيء خلقنا زوجين ،من أجل بقاء النسل والسكن والتعاون وتكميل التربية.
    4- قوله وجعلنا نومكم سباتا: قاطعا لأشغالكم وقاطعا للتعب فهو راحه . النوم سبات أي راحه واصل السبت القطع.
    5- قوله وجعلنا الليل لباسا: أي جعلنا الليل كاللباس يغطي بسواده فيغشاكم ويستركم بظلامه وليل كموج البحر ارخي عليه سدوله . فيه فوائد عظيمة للإنسان والحيوان والنبات بل كان الناس فيما مضي يسكنون في غرفه واحدة ويحتاجون لأمور مباحه فيكون الظلام ستر ويحتاجون قيام الليل وغير ذلك.
    6- قوله وجعلنا النهار معاشا: تتحركون فيه لطلب الرزق وداول بين الليل والنهار لحكم عظيمة ومن خلق هذه الأشياء قادر على البعث .
    7- قوله وبنينا فوقكم سبعا شدادا: هنا انتقل إلى خلق الله سبع سموات بعضها فوق بعض كالقبة وقال الجويني في العلو ان الأرض بالنسبة للسماء مثل البطيخة داخل البطيخة فالسماء تحيط بها .فالسماء سبع طباق محكمة قوية سميكة واسعه اينما تتجه تكون السماء فوقك فالسماء كالسقف للأرض ومع سمكها خمسمائة سنه وثقلها فهي محكمة قوية واسعة رفعها الله بلا عمد وامسكها الله حتى لا تسقط على الأرض .فيجب على الانسان ان يعظم ربه .
    8- قوله وجعلنا سراجا وهاجا: السبع الشداد فيها كواكب نيرة وأعظمها الشمس سراجا مضيئا ووقادا جامعا للنور والحرارة ففيها فائدتان:
    الاولى : اضاءة للكون حينما تطلع .
    والثانية : فيها حرارة لمصالح العباد فتنضج الثمار وتنشف الأشياء .
    كل يوم تطلع فيه الشمس نعمة عظيمة لا يعلمها إلا من فقدها فيها اماكن لا تطلع فيها الشمس إلا بعد سنة اشهر يقول سيد قطب. ما علمت ان الشمس نعمة إلا لما دخلت السجن كان نقف صفا ونتناوب بالدور امام ثقب . الشمس افضل طاقة واقوى طاقة وانظف طاقة
    9- قوله وانزلنا من المعصرات :هي السحب التي قاربت على انزال المطر فتضغطها الرياح فتعصرها فشبهت السحابة التي حان وقت إِمطارها بالجارية التي قد دنا حيضها :المعصر في الاصل المرأة التي قارب حيضها
    قوله ماء ثجاجا أي كثيرا : قوله لنخرج به حبا ونباتا. أي لنخرج بهذا الماء أنواع الحبوب الكلأ.التي تنبت في الأرض غذاءً للإِنسان والحيوان.
    قوله وجنات الفافا: أي وحدائق وبساتين كثيرة الأشجار والأغصان، ملتفةً بعضها على بعض لكثرة أغصانها وتقارب أشجارها.الأرض ميته وبماء واحد أخرج هذه النبتات فهو يحي الأرض بعد موتها. وورد في الحديث من رواية لقيط بن عامر المنتفق أبي رزين العقيلي قلت: يا رسول الله كيف يجمعنا بعد ما تفرقنا الرياح، والبلى، والسباع؟ فقال: «أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، الأرض أشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت: لا تحي أبدا، ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك إلا أياما حتى أشرفت عليها وهي شرية واحدة، فلعمر إلهك لهو أقدر على أن يجمعكم من الماء على أن يجمع نبات الأرض، فتخرجون من القبور ومن مصارعكم فتنظرون إليه، وينظر إليكم». ذكر تعالى هذه الأدلة التسع على قدرته تعالى، كبرهانٍ واضح على إِمكان البعث والنشور، فإِن من قدر على هذه الأشياء قادرٌ على البعث والإِحياء .بعد ان بين قدرته على البعث حدد وقته وميعاده :
    قوله ان يوم الفصل كان ميقاتا: يوم الفصل يوم يفصل الله بين الخلائق فيفصل بين السعداء والاشقياء والأمر الثاني يفصل بين الخلائق فيما كانوا فيه يختلفون
    قوله ميقاتا :أي مؤقتا بزمن فإذا حان وقع.
    قوله يوم ينفخ في الصور :أي يكون ذلك يوم ينفخ في الصور والصور قرن ينفخ فيه اسرافيل والصور الناقور بمعنى واحد وينفخ فيه نفختين نفخة الصعق أي الموت يموت الخلق إلا من استثنى الله ونفخة البعث يقوم الناس من قبورهم لرب العالمين فإذا قيام ينظرون لا يتخلف منهم أحد فإذا نفخ النافخ اسرافيل تخرج الارواح وتطير من ثقوب في الصور فتملأ ما بين السماء والأرض وترجع إلى اجسادها "ذلك حشر علينا يسير "
    قوله فتأتون أفواجا: فتحضرون جماعات للقاء الله كل امة مع رسولها.
    قوله وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا : أي تشققت السماء من كل جانب، حتى كان فيها صدوعٌ وفتوحٌ كالأبواب في الجدران فالسماء تنشق بعد ان كانت قوية ومحكمة ولكن لها أجل تنتهي فيه فتتشقق وتنفطر وتتنزل الملائكة
    قوله وسير الجبال فكانت سرابا: أي ونسفت الجبال وقلعت من أماكنها وسحقت إلى درجة الدخان حتى أصبح يخيَّل إلى الناظر أنها شيء وليست بشيء، كالسراب يظنه الرائي ماءً وليس بماء، قال الطبري: صارت الجبال بعد نسفها هباءً منبثاً لعين الناظر، كالسراب وهو ما ينعكس من اشعه الشمس على القيعان في الحر فيتراء للناس انه ماء وليس بماء وهو في الحقيقة هباء .كل هذه الأحداث الهائلة والمروعة تحدث في يوم الفصل
    قوله ان جهنم كانت مرصادا :هنا تحدثت عن جهنم التي أعدها الله للكافرين، وما فيها من ألوان العذاب
    قوله مرصادا :أي طريق وممر يمر عليه الخلائق فالكافر ورودا أي دخولا والمؤمن عبورا ومرورا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا
    قوله للطاغين مآبا : أي للكافرين مرجعا كل من تجاوز حدود الله وتجبر على عباد الله
    قوله لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا: أي سنين عديدة ومديده بلا نهاية
    قوله لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا : لا روح ولا راحه ولا شراب أي لا يجدون فيها هواء يخفف حر النار ولا شرابا يسكن عطشهم . فيمنع عنهم ا الهواء البارد والنوم والشراب البارد لان النوم يطلق عليه برد.
    قوله إلا حميما وغساقا :يذوقون فيها حميماً ماء حاراً انتهي غليانه يحرق بطونهم وغساقا صديد اهل النار يسيل من جلود أهل النار. والمعنى يمنعون من كل نوم وهواء يخفف الحر ولا شراب يسكن العطش ولا يذوقون إلا شراب يزيدهم عذاب .
    قوله جزاء وفاقا: أي مطابقا لأعمالهم . فكل ما حصل لهم جزاء لأعمالهم فما قدموا إلا الكفر والضلال .يا عبادي إنما هي أعمالكم احصيها لكم فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ما هو الذي سبب لهم هذا كله : والسبب هو قوله انهم كانوا لا يرجون لله حسابا: أي لا يؤمنون بلقاء الله ويكذبون بالبعث لفساد العلم والعمل
    قوله وكذبوا بآياتنا كذبا: أي كذبوا بالأدلة الدالة على البعث
    قوله كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا: أي وكل ما فعلوه من أعمال أحصيناه
    قوله فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إلا عَذَابًا: فينقطع رجاءهم وهذه الآية أشد ما في القرآن على أهل النار
    بعدما ذكر الله مصير الكافرين وما أعده لهم في النار وسبب دخولهم فيها . ذكر مصير المتقين أيضا في يوم الفصل
    قوله ان للمتقين مفازا : أي منجاة من يوم الفصل نجوا من عذاب الله ومع النجاة لهم كرامات
    قوله حدائق وأعنابا: بساتين فيها أنواع الشجر المثمر جمع حديقة وخص الاعناب لكثرتها في الجنة ذكره ابن القيم، وأنه من أفضل الفواكه وأكثرها منافع وهو يُؤكل رطباً ويابساً، وأخضر ويانعاً، وهو فاكهة من الفواكه، وقوتٌ من الأقوات، ودواءٌ من الأدوية، وشرابٌ من الأشربة، فهو مقوٍ للبدن، وغذاؤه كغذاء التين والزبيب.
    نهى رسول الله عن تسميه العنب بالكرم لان هذه اللفظةَ تَدُلُّ على كثرة الخير والمنافع في المسمَّى بها، وقلبُ المؤمن هو المستحِقُّ وعلى النهي يستخدم في الخمر والعرب يكرمون بعضهم بعضا بهذا الشراب فكره النبي صلى الله عليه وسلم هذه التسمية، فقال: »الكَرْمُ قَلْبُ المُؤمِنِ
    قوله كواعب أترابا: الكواعب النواهد قد برزت أَثْداؤهنَّ وليست متدلية ولذلك يتخذ نساء الدنيا حمالات .اتراباهنَّ في سنٍ واحدة
    قوله وكاسا دهاقا :لا يسمى كاسا إلا إذا كانت مملؤة بالشراب دهاقا مملؤة بالشراب اللذيذ المنوع
    قوله لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا: لا يسمعون كلاما باطلا ولا كلاما لا فائدة فيه ولا كذابا أي ليس فيها كذب بل حق لان الجنة منزه عن ذلك
    قوله جزاء من ربك عطاء حسابا : أي مقابل أعمالهم وعطاء ليس له حد وحسابا كافيا جزاء وفاقا أي عدل من الله موافقا لأعمالهم للكافرين وهنا للمتقين عطاء لاحد له وكافيا
    قوله رب السموات والأرض : معاودة تأكيد وقوع يوم القيامة . كلها ملك لله وحده فماذا بقي كلها ملك له
    قوله لا يملكون منه خطابا : لا أحد يتكلم إلا بأذنه لعظمته وهيبة واجلالا ولا يقدر أحد أن يخاطبه تعالى خوفاً منه
    قوله يوم يقوم الروح والملائكة صفا: عند مسلم إلا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ " ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا ؟ قَالَ : " يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الاول وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ "
    قوله لا يتكلمون :لا يتكلمون مع قربهم من الله وعظم مكانتهم . والبشر أيضا لا يتكلمون
    قوله إلا من اذن له الرحمن: أي لا يتكلم أحد منهم إلا من أذن الله له بالكلام والشفاعة ونطق بالصواب وشرط شرطين: الاذن والصواب
    قوله ذلك اليوم الحق: أي الثابت وقوعه ولا بد ان تلاقوه
    قوله فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبا :أي مرجعا بالعمل الصالح فبادروا بالأعمال الصالحة
    قوله انا انذرناكم عذابا قريبا :ختمت السورة بالتحذير من يوم القيامة
    قوله عذابا قريبا لأنه آت :قوله يوم ينظر المرء ما قدمت يداه أي يرى كل انسان عمله
    قوله يوم يقول الكافر :يتمنى الكفار ان يكونوا ترابا ولا يحاسبون
    دروس وعبر وعظات :
    1- اثبات عقيدة البعث والنشور التي انكرها الكفار واختلفوا فيها فمنهم من يقطع بإنكاره ومنهم من يشك لان من اركان الإيمان واساسيات لا اله إلا الله الإيمان بالله وباليوم الاخر .
    2- استدل الله بالخلق على البعث فغالبا ما يستدل الله بالخلق على قدرته لان لغز الكون الخلق فمن قدر يخلق هذه العجائب الدالة على قدرته وحكمته قادر على الإعادة بعد الفناء وما تنكرون من البعث والجزاء مؤد إلى انه عابث في كل ما فعل والله منزه عن العبث .
    3- بعد ان بين قدرته على البعث بخلق المخلوقات ذكر يوم الفصل ووقته وميعاده وبدايته يوم ينفخ في الصور .
    4- ذكر الله جهنم وما أعده للكافرين .
    5- ختمت السورة بالحديث عن هول يوم القيامة حينما يتمنى الكافر انه تراب ولا يحاسب.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير النزاعات :
    حديثي معكم اليوم عن تفسير سورة النازعات في الجزء الأخير من كتاب الله وهذه السورة العظيمة تعالج قضيه من قضايا الإيمان إلا وهو الإيمان باليوم الاخر أقسم الله بخمسة أمور وكان المقسم عليه هو تأكيد قدرته على البعث والنشور والرد على من استبعد البعث واحياء الموتى بعدما يصيرون رفاتا وفعلوا ذلك بسبب فساد فطرتهم وسذاجة عقولهم .
    قوله والنزعات غرقا : هي الملائكة تقبض أرواح الكفار بشده
    قوله والنشطات نشطا : هي الملائكة تقبض أرواح المؤمنين أي تسل أرواح المؤمنين بكل سهولة ويسر
    قوله والسابحات سبحا :هي الملائكة تسبح في الفضاء صاعدة ونازله بأمر الله
    قوله والسابقات سبقا: هي الملائكة تسبق الشياطين بالوحى إلى رسل الله فلا تتمكن من استراق السمع لان الملائكة اقوى من الشياطين والجن اقوى من الانس
    قوله والمدبرات امرا: هي الملائكة تسير الكون بأمر الله وقضاءه والمراد الملائكة الذين وكلهم الله لتدبير أمر الكون فهناك ملائكة موكلون بالنار والجنة وملائكة موكلون بالأرواح وملائكة موكلون بالقطر وبالنبات وبأعمال العباد وبقبض الارواح
    على ماذا أقسم الله أقسم على ان البعث حق ومع ذلك استبعده الكفار فأقسم الله بحقيقة البعث وانه واقع لا محاله وان له اجلا محدودا لا يعلمه إلا هو وحده ومع ذلك استمر الكفار في الاستكبار والعناد وانكار البعث :والسبب لانهم يقيسون قدرتهم على قدرة الله من جهلهم عنادهم .متى يكون البعث : يوم ترجف الراجفة وهو النفخة الاولى موت الخلائق كما في
    قوله يوم ترجف الراجفة :هنا بين الله موعد القيامة بانه حينما تهتز الأرض وتضطرب بسبب النفخة الاولى نفخة الموت أو الصعق يموت الخلائق
    قوله تتبعها الرادفة: وهي الصيحة الثانية نفخة البعث والقيام والنشور . ما هو حال الناس يومئذ قلوبهم واجفه كما في
    قوله قلوب يومئذ واجفة :أي خائفة اذ القلوب لدى الحناجر من شده الخوف
    قوله أبصارها خاشعة: أي ذليلة من شدة الاهوال هنا ذكر سبب الذي اوصلهم لهذه الحال انكارهم للبعث
    قوله يقولون ائنا لمردودون في الحافرة :يستبعدون احياء الموتى في قبورهم
    قوله أإذا كنا عظاما نخرة: أي باليه
    قوله تلك إذا كرة خاسره: وكله من باب السخرية والاستهزاء والاستبعاد هنا بين الله قدرته على البعث ذلك حشر علينا يسير
    قوله فإنما هي زجرة واحدة: نفخة واحدة أي صيحة واحدة. قال تعالى" ثُمَّ إذا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأرض إذا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ "
    قوله فإذا هم بالساهرة : أي الساهرة هي الأرض المستوية ارض المحشر ليس فيها معلم لاحد لا جبل ولا شجر ولا حجر ولا جدار .بعدها ذكر الله للمنكرين للبعث قصة فرعون . فقد جاءهم من الآيات والعبر الشيء الكثير ومع ذلك استمروا في كبريائهم وتكذيبهم حتى اخذهم الله .
    قوله وهل أتاك حديث موسى :فيها تسلية لرسول الله وبيان عاقبة المكذبين ان الله اخذهم وماذا حل بالأمم المكذبة قوله وهل أتاك حديث موسى أي يساله عن علمه بحديث موسى .
    قوله هل لك إلى ان تزكى :أي تتطهر من الشرك إلى التوحيد .
    قوله واهديك إلى ربك فتخشى :وأرشدك إلى معرفة الله فتعرفه.{فتخشى} لأن الخشية لا تكون إلا بالمعرفة وذكر الخشية لأنها ملاك الأمر، من خشي الله: أتى منه كل خير. ومن اجترأ على الله اتى منه كل شرّ
    قوله فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخرة وَالْاولى :أي نكل الله به نكال الآخرة والاولى قال ابن عباس: نكال كلمتيه الآخرة، وهي قوله: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى} والاولى وهي قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} [القصص: 28]، وقيل: كان بين الكلمتين أربعون سنة.ثم بعد ذلك ذكر الله سبحانه برهانا محسوسا ومرئيا ودال على قدرته على البعث واحياء الموتى بخلق السموات والأرض وهي اكبر من خلق الانسان
    قوله أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا :أي يا من تنكرون البعث أأنتم اشد خلقا أي اصعبا خلقا ام السماء بناها .تطلق السماء على قسمين :
    1- يقال سماء لكل من سماء وارتفع وسمى السحاب سماء انظر إلى الطائرة في السماء
    2- ويقال السماء المبنية المحكمة يقول الله والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون أي بنيناها بقوة
    ثم بين البناء فقال {رَفَعَ سَمْكَهَا}: أي الكثافة وغلظها وارتفاعها وسمت العلو مديداً رفيعاً مسيرة خمسمائة عام رفع السماء بغير عمد ترونها .
    قوله فسواها: جعلها مستويه لا انخفاض فيها ولا ارتفاع ولا شقوق يقال سطح غير مستوى أو سطح فيه شقوق لكن السماء مستويه ولا فطور فيها ولا شقوق. فسواها أي مستوية ملساء وهي مخلوق عظيم فليس هناك مكان لا تغطيه السماء ومع ذلك مع عظمها وكبر حجمها فهي مستوية وليس فيها شقوق .وهذا يعطينا : عظمة المخلوقات العلوية وتباعد ما بين أجرامها، فالسموات سبع طباق بعضها فوق بعض، مسافة ارتفاعها عن الأرض مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء والتي تليها مسافة خمسمائة عام، وسمك كل سماء مسيرة خمسمائة عام، وفوق السماء السابعة الكرسي، وفوق الكرسي البحر، وبينهما مسيرة خمسمائة عام وعمق البحر مسيرة خمسمائة عام، وفوق البحر العرش، والله فوق العرش لا يخفى عليه شيء من أعمال بني آدم.
    وملخصها السموات سبع وبين كل سماء فضاء وفوق السموات السبع بحر وفوق البحر كرسي وفوق الكرسي العرش والله مستوى على العرش والعرش لا يقدر بقدر والله أعظم عظيم والله اكبر من كل شيء . والله لا يحيط به شيء فهو بكل شيء محيط فالله واسع كبير ولو علم العباد عظمة الله لما قالوا انه حال في مخلوقاته الأرض قبضته والسموات مطويات بيمينه. فالله واسع كبير السموات والأرض بالنسبة للكرسي مثل حلقه في صحراء والكرسي بالنسبة للعرش مثل حلقه في صحراء. والله اكبر من كل شيء ولا يحيط به شيء من خلقه لعظمته وجلاله فالله قائم بنفسه مستغني عن جميع خلقه وهو بكل شيء محيط . فمن عرف الله بأسمائه وصفاته عظمه حق تعظيمه اللهم ما عظمناك حق تعظيمك اللهم تجاوز عنا وليس ذلك استهانك بحقك ولكن غلبت علينا غفلتنا وشهواتنا فتجاوز عنا .
    قوله وأغطش ليلها وأخرج ضحاها :اغطش الليل أي اظلمه واية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون وأخرج ضحها ( فمحونا اية الليل وجعلنا اية النار مبصرة) وأضيف الليل والشمس إلى السماء، لأن الليل ظلها والشمس هي السراج .
    قوله والأرض بعد ذلك دحاها :فسره ما بعده: خلق الأرض اولاً، ثم خلق السماء، ثم دحيت الأرض فالمتأخر عن خلق السماء هو دحو الأرض . فخلق الأرض في يومين ثم استوى إلى السماء فسواها في يومين ثم دحا الأرض وجعل فيها رواسي من فوقها وقدر فيها اقواتها في يومين .
    والحاصل أن خلق الأرض كان قبل السماء ثم خلقت السماء بعد ذلك ثم دحيت الأرض وأخرج منها الماء والمرعى وأرسيت فيها الجبال. وأخبر الله تعالى أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وذلك في مواضع من القرآن عدة . ابتداء بالأحد وانتهاء بالجمعة وما خلق في السبت شيء لذلك يقول اليهود ان الله استراح يوم السبت ورد عليهم وما مسنا من لغوب
    فيكون بداية الخلق يوم الاحد وخلق الأرض في يومين ثم استوى إلى السماء فخلقها في يومين ثم دحى الأرض بعد خلق السماء في يومين وقدر فيها اقواتها
    قوله أخرج منها ماءها ومرعاها : هنا فسر الدحي بانه أخرج الماء والمرعى
    قوله والجبال بعد ذلك أرساها :أي ثبتها حتى لا تميد ولا تموج. فجعل الله الجبال رواسي للأرض تستقر بها ومن عليها فبعد التذكير بخلق هذا الكون وهذه المخلوقات ورتبها ونظمها هذا التنظيم والتذكير بما امتن الله به على عباده بقي هل سيستمر هذا الكون وهذه ا المخلوقات؟ والجواب : لا. لان الله كتب الزوال على كل موجود وعلى كل مقيم الارتحال فقال كل شيء هالك إلا وجهه. وينتهي هذا الكون بما فيه ويجمع الله الناس ليوم لاريب فيه عندها يحين يوم البعث والجزاء .
    قوله فإذا جاءت الطامة الكبرى :الطامة تطم ما عداها وهو حدث هائل لا اكبر منه وتقوم الساعة وتنتهي الدنيا بما فيها يجزي الله كل نفس بما كسبت .فماذا يحصل ؟
    قوله يوم يتذكر الانسان ما سعى :إذا جاءت الطامة يوم يتذكر الإنسان ما عمل في الدنيا من خير وشر فالأمر لا يقف عند العيش في الدنيا ثم ينتهي الأمر ولو أنا إذا متنا تُركنا, لكانَ المَوْتُ راحَة َ كُلِّ حَيِّ. ولكنا إذا متنا بُعثنا, ونُسأل بعده عن كل شيء.
    قوله وبرزت الجحيم لمن يرى :على تفسيرين انها تبرز للناظرين لكل الناس وقيل برزت أي اظهرت النار للغاوين والمكذبين كما في قوله وبرزت الجحيم للغاوين فقد كان يسمع بها وينكرها ويكذبها ويوم القيامة يراها ويظهر انه هناك عدة احوال في العرصات.ينقسم الناس حينما تبرز النار للناظرين إلى قسمين: 1- فأما من طغى 2- ومن خاف مقام ربه
    قوله فأما من طغى: أي من عصى الله .
    قوله وآثر الحياه الدنيا :أي افنى حياته في طلب الدنيا وما قدم لأخرته شيئا فالدنيا ذهبت والاخرة لم يعمل لها شيئا
    قوله فان الجحيم هي الماوى: أي مصيره إلى النار
    قوله ومن من خاف مقام ربى ونهى النفس عن الهوى :أي من خاف ربه في الدنيا واستعد للقاء الله . ونهى النفس : أي لم يعطها ما تشتهي وحبسها على طاعة الله فمصيره إلى الجنة. لما انقطعت حجه الكفار وقامت عليهم الحجه سالوا عن الساعة وسؤالهم تكرر كثير في القرآن وهو سؤال تعنت وتعجيز
    والمشكلة انهم يكذبون بالبعث والساعة ويسالون عن قيامها متى هو ؟ يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها .تكرر سؤالهم عن قيام الساعة وهم منكرون لقيامها ولم يؤمنوا بها ولم يعملوا من اجلها فلا سالوا عن العمل ولا عن ماذا يعملون
    قوله فيما أنت من ذكراها: لا يعلمها إلا الله وحده استأثر الله بعلمها
    قوله إنما أنت منذر من يخشاها: وظيفه رسول الله الدعوة
    قوله كأنهم يوم يرونها :أي إذا قامت ينسون ما مر بهم وكل شيء يذهب ولا يبقى إلا العمل الصالح وما عداه يضمحل ويطوى
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة عبس :
    حديثي اليوم معكم عن سورة عبس وهي في الجزء الأخير من كتاب الله تتحدث عن الدعوة إلى الله وكيف تدرج الله في عتاب رسوله ولم يفاجئه بالعتاب فلم يقل عبست بل جاء بضمير الغائب وفيها مكانة القرآن ومكانة المؤمن وجحود الانسان المكرم والمعتني به وكفره مع كثرة النعم
    بداية هذه السورة يدور موضوعها علي خمسه أمور:
    إذا تعارض دعوة الكافر مع دعوة المسلم فالاولى الحرص على المسلمين وانه اولى من متابعة الكفار وتكرار دعوتهم وهم لا يرغبون. وعلي الوجه الثاني في التفسير يتزكى أي يسلم فالناس سواء في الدعوة الي الله لا يفضلون شريفا لشرفه ولا قريبا لقربه
    قوله عبس وتولى :عبس قطب وجهه وتولى أي أعرض . من هو العابس والمتولي انه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وفيها تلطف الله عز وجل بمخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءت بالغيبة {عبس} ولم يحدد العابس فجعل الحكم للغائب كراهية أن يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الكلمات مباشرة لأنه عتاب
    قوله ان جاءه الأعمى :هو عبدالله ابن ام مكتوم أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يدعو أشراف قريش إلى الإسلام فقال: يا رسول الله علمني مما علمك الله وكرر ذلك وهو لا يعلم تشاغله بالقوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعه لكلامه وعبس وأعرض عنه فنزلت وعاتبه الله على ذلك. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه ويجله ويكرمه بعدها ويقول: «مرحباً بمن عاتبني فيه ربي» واستخلف على المدينة مرتين واتخذه مؤذنا
    قوله وما يدريك لعله يزكى: أي لعله ان يتطهر من ذنوبه . ذكر الفائدة في الاقبال عليه وقيل لعله يسلم
    قوله أو يذكر فتنفعه الذكرى: أي فيعتبر فينفعه الاعتبار والاتعاظ . فيه درس عظيم إلا يفضلوا في الدعوة إلى الله شريفاً لشرفه، ولا عظيماً لعظمته، ولا قريباً لقربه، بل يكون الناس عندهم سواء في الدعوة إلى الله الفقير والغني، الكبير والصغير، القريب والبعيد. وانه ينبغي الاقبال على طالب العلم المقبل عليه الراغب فيه .
    قوله اما من استغنى: من استغنى عن الإسلام بماله وجاهه أو استغنى بنفسه واستغنى عن ربه فأنت له تتعرض رجاء أن يسلم .
    قوله فانت له تصدى :أي تقبل وتتعرض لمن أعرض هن الحق وتعرض عن طالب الحق
    قوله وما عليك إلا يزكى: أي لا حرج عليك ان لا يزكى. أي ليس عليك شيء إذا لم يتزكى لست مسؤولا إذا لم يتزكى. " ان عليك إلا البلاغ". كان نبينا حريصا علي إسلام قومه وكان يعلم نفورهم من الضعفاء فعاتبه ربه وعلمنا منهجا ان نحترم الفقراء الأتقياء ونتعامل مع الناس سواء
    قوله واما من جاءك يسعى :جاء مسرعا حريصا على الخير طالبا للحق واولئك كانوا غير مقبلين
    قوله وهو يخشي: أي يخشى الله ويتقيه وقيل يخشى كفار قريش وأذيتهم له على اتباعك
    قوله فأنت عنه تلهى: فأنت عنه تعرض ، وتشاغل عنه بغيره وتغافل . هذه قصة عظيمة فيها انه ينبغي الاهتمام بالمسلمين وتثبيت الإيمان في قلوبهم وتعليمهم والاكتفاء بالإبلاغ للكفار والحرص على المسلمين وانه اولى من متابعة الكفار وتكرار دعوتهم وهم لا يرغبون. فمن تكبر وأعرض اتركه وبين له ثم اتركه. ولا يجوز ان نرفع نبينا فوق منزلته فهو عبد الله ورسوله كما لا يجوز ان ننزله عن المرتبة التي أعطاها الله إياه حيث جعله اشرف الخلق وقرن اسمه باسمه
    قوله كلا انها تذكرة: كلا كلمة ردع وزجر والمراد لا تفعل مثل ما فعلت .
    قوله انها تذكرة: فيه وجهان، أحدهما: أن هذا الكلام المتقدّم تذكرة أو موعظة للنبي صلى الله عليه وسلم، والآخر أن القرآن تذكرة لجميع الناس
    قوله فمن شاء ذكره :أي فمن شاء اتعظ بالقرآن وتعلمه وعمل به ومن شاء لم يتعظ وليس مجبرا ولا مكرها. والمراد فمن شاء امن ومن شاء كفر والمعنى فمن شاء الذكر ألهمه الله تعالى إياه
    وليس المراد هنا بالتخيير حربه العقيدة لكن من باب التهديد فمن امن فله الجنة ومن كفر فله النار مثل قوله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ثم هدد من كفر بعدها. فالله جعل للإنسان الخيار قدراً بين أن يؤمن ويكفر، أما شرعاً فإنه لا يرضى لعباده الكفر، وليس الإنسان ان يخير شرعاً بين الكفر والإيمان بل هو مأمور بالإيمان ومفروض عليه الإيمان، لكن من حيث القدر هو مخير وليس كما يزعم بعض الناس مسير مجبر على عمله. فمن شاء اتعظ ومن شاء لم يتعظ والموفق من وفقه الله فالحسنة من الله والسيئة من نفسك .
    ثانيا: هنا ذكر الله مكانة القرآن وان مكانته عظيمة ورفيعة فيجب الاعتناء والعمل به ومن أهان القرآن كفر أو ألقاه في المزابل إرتد ولا يمسه إلا طاهر أقل ما يقال مَس الطلاب للقران بدون طهارة خلاف الاولي والحل اجزاء منفردة .
    قوله في صحف مكرمة: أي مصونة لا مبتذلة معظمة. قيل انها مكتوبة في صحف منتسخه من اللوح أو هي خبر في صحف معظمة عند الله لكونها منه وبواسطه رسول كريم جبريل وعلى رسول كريم أيضا
    قوله مرفوعة :أي مرفوعة القدر والمكانة .الرفع حسا ومعنى فحسا يرفع القرآن ولا يهان ومعنا يعتنى به
    قوله مطهره :أي مطهرة حسا ومعنى فحسا كلها حق وليس فيها كذب ولا باطل
    قوله بأيدي سفرة :الملائكة الكرام سموا سفرة جمع سفير لأنهم سفراء بين الله وبين رسله في تبليغ الوحي .الملائكة سفراء بين الله وبين خلقه . فمن يحمل القرآن من الله إلى رسله إلا الملائكة واما الشياطين فهم ساقطون حقيرون مهانون . «الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة» أي أنه يعمل مثل عملهم في كتابة القرآن وتلاوته
    قوله كرام :مكرمون عند الله أي كرام على الله وعند عباده المؤمنين
    قوله بررة :أي اتقياء لا يعصون الله ما امرهم .لما بين الله في هذه الآيات السابقة مكانه القرآن ومكانة اهل الإيمان فالإنسان إذا امن واتقى كان من افضل المخلوقات وإذا لم يهتدي كان من اخس المخلوقات ونزل إلى أسفل سافلين
    ثالثا :قوله قتل الانسان ما اكفر:هنا بين حال الانسان وسبب كفره
    قوله قتل الانسان :أي لعن الانسان ما سبب كفره بالله وبنعم الله .ما اشد كفره بالله وبنعم الله عليه .
    قوله ما اكفره :وجهان احدهما استفهام توبيخ أي : أي شيء حمله على الكفر، أو هو تعجب أي ما أشد كفره
    قوله من أي شيء خلقه :من أي شيء خلق الإنسان حتى يتكبر ويتعظم عن طاعة ربه فيها تحقير للإنسان .ثم بين ذلك الشيء فلا توجد قوة ولا قدرة أعظم من الخلق فهمًا يدلان علي وجوده وقدرته
    قوله من نطفة خلقه :أي من ماء يسير مهين
    قوله فقدره :أعطاه سمعا وبصرا ولسانا يُبين عما يجيش في صدره واعطاه يدا ورجلا. الله خلق كل شيء فقدره تقديرا . كل شيء في محله. أي قدر خلقه وقدر اعضاءه واعصابه وعقله وعمله شقي أو سعيد وقدر مصابه ورزقه .الله اعتنى بهذه الانسان ليس كالحيوانات خلقت لنفع مؤجل ثم ينتهي الأمر .ومع هذه العناية كفر الانسان بربه الذي خلقه فقدره
    قوله ثم السبيل يسره:من مكان ضيق خرج من بطن أمه. قال ابن عباس أي سهل له الخروج من بطن أمه. مجاهد: يسره لطريق الخير والشر؛ أي بين له ذلك.
    قوله ثم اماته فأقبره:ثم قبض روحه ، فأماته بعد ذلك . واقبره : أي أمر بقبره صونا له وتكريما. أي جعله ذا قبر يواري فيه لا كالبهائم كرامة له فإكرام الميت دفنه. وهذا من عناية الله بالإنسان سواء كان كافر أو مؤمن
    قوله كلا لما يقضي ما أمره :فيها وجهان: الوجة الاول : فالله خلق الانسان وكرمه ورزقه واعتنى به هذه العناية ومع ذلك استكبر وتمرد مع انه عاقل وبلغ اعلى الدرجات وقد يصنع الطائرات .ومع هذه العناية لم يفعل هذا الكافر ما أمره الله به من الإيمان
    الوجه الثاني : يقضي ما أمره :لما حرف نفي وانتظار لشي يحصل والمعنى ان الأمر هنا كوني لان الله لايزال يخلق فإذا تكامل خلق بنى ادم يبعثهم الله
    والمعنى حتى إذا تكامل العدد الذي اراده الله من البشر قامت الساعة واختاره ابن كثير وهو وجيه. لما عدد نعمة على هذا الانسان في نفسه وكيف خلق الانسان من بدايته وحتى نهايته اتبع بعد ذلك كيف خلق طعامه وقوام حياته
    قوله فلينظر الانسان إلى طعامه:هنا نبه الي أمر يغفل الناس عنه قضيه معاشه. أي فلينظر إلى طعامه الذي يأكله ويحيا به أمر بالاعتبار في الطعام كيف خلقه الله بقدرته ويسره برحمته فذكر أيضا بدايته ونهايته .وهي نظير فلينظر الانسان مما خلق شبه الماء النازل من السماء بماء الرجل الذي يقع في الأرحام فالطعام يعود للأرض والجسد يعود للأرض . وكذلك إذا كان أصل الانسان حقير فطعامه ما مآله فلينظر إلى طعامه إذا صار رجيعاً، فينظر حقارة الدنيا وخساسة نفسه
    قوله أنا صببنا الماء صبا :أي من السحاب وهي من خصائص الربوبية.
    قوله ثم شققنا الأرض شقا : أي بالنبات
    قوله فأنبتنا فيها حبا :أي حبوبا كالبر ونحوه
    قوله وعنبا وقضبا:العنب هو الكرم وسمي كرما لكثرة منافعه .وقضبا هو علف يقطع مرة بعد مرة وهو ما يسمى بالبرسيم
    قوله وفاكهة وأبا: الفاكهة ما يتفكه به وأبا العلف
    قوله وحدائق غلبا :أي بساتين كثيرة الشجر وقيل غلبا غلاظ الأشجار فهي قوية وغليظة
    قوله وأبا :أي العلف أو الحشيش تأكله الانعام
    قوله متاعا لكم :هذه آيات دله على نعم كثيرة وعلى قدرة الله وعلى وجوده ولا أحد يوجدها إلا الله فالله هو وحده المستحق للعبادة والشكر .دائما يذكر المثل علي قدرته وفي الأرض قطع متجاورات مناخ واحد تسقى بماء واحد نفضل بعضها علي بعض في الاكل هذه ايه وعبره وقدرة.لابد ان نصحب القرآن. فمن خلق ومن رزق يستحق العبودية ففي الأثر اخلق ويعبدون غيري ارزق ويشكرون غيري.
    ختمت السور بالنهاية فلكل شيء نهاية ففي الاثر إن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم.هنا بين الله النهاية فبعد ان ذكر أمر المعاش من المآكل والمشارب والرفاهية ذكر أمر المعاد فمتى هو. فمهما اكلنا وشربنا ومهما تمتعنا فهذه كلها متع استهلاكيه لا نستفيد منها في القبر لو تمتع احدنا بكل لذيذة لا ينفعه إلا شيء واحد العمل الصالح
    ففي رائعة ابن عبد البر:
    تالله لو عاش الفتى في أهله *** ألفاً من الأعوام مالك أمره
    متلذذاً معهم بكل لذيذة *** متنعماً بالعيش مدة عمره
    لا يعتريه النقص في أحواله *** كلا ولا تجري الهموم بفكره
    ما كان ذلك كله مما يفي *** بنزول اول ليلة في قبره
    كيف التخلص يا أخي مما ترى؟***
    قوله إذا جاءت الصاخة :أي صيحة القيامة لأنها تصم الإذان أي تصمها لشدة صوتها وهذه الآية نظير قوله تعالي فإذا جاءت الطامة الكبرى لأنها تطم علي كل أمر هائل ومفظع لا يتصوره العقل
    قوله يوم يفر المرء من اخيه: بسبب الحقوق يفر ولذلك لابد من الحرص علي اداء الحقوق .لاشتغاله بما هو مدفوع إليه ويشتد الخطر والهول .وبدأ بالأخ .لان الاخ يساعد اخاه عند الشدائد ومع هذا لا يساعده ويأنس به لأنه مكان للإنس .ثم بالأبوين لأنهما اشفق عليه لامجال للرحمة .ثم بالصاحبة والبنين لانهما .اقرب وأحب كان يشفق عليهم فلا رحمه ولا عطف .هذا اليوم هائل وصعب لا يتصوره أحد ونحن غافلون عنه وكانه لا يوجد يوم حساب ولابد من مواجه هذا الموقف
    قوله لكل امرى منهم شان يغنيه :كل مشغول بنفسها ما أحد يسال عن أحد.يفر منهم لاشتغاله بنفسه؛ وقيل: إن فراره منهم لئلا يطالبوه بالتبعات والاول اظهر. بقي ماذا يكون حال الناس ينقسمون إلى قسمين
    قوله وجوة يومئذ مسفرة :أي وجوه المؤمنين مسفرة بالنور والفرح والسرور
    قوله ضاحكة مستبشرة :أي ضاحكون مسرورون هذه هي نتيجة العمل الطيب والتمسك بالقرآن لا نتلوه تلاوة وترنم بل تدبر وعمل
    قوله ووجوه يومئذ عليها غبره:يجمع إلى سواد وجوههم الغبرة أي يعلوها الغبار وترهقها أي يغشاها سواد.فيعظم قبحها باجتماع الغبار والسواد.
    قوله اولئك هم الكفرة الفجرة:كفرة لا يؤمنون بالله وفجره لا يخافون الله. كفرة في الاعتقاد وفي شكر النعم وفجرة في الأعمال .اللهم اجعلنا من حملة القرآن . الذي حملوه واهتدوا به وعملوا به تمت ولله الحمد والمنه وبه الحول والقوة
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة التكوير
    اشتملت هذه السورة على اثني عشر مشهدا من مشاهد القيامة ستة في الدنيا وستة في الآخرة . ولما قرئت هذه السورة على ابن عقيل فقالوا إذا كان الله سيبعث الانسان ليحاسبه ويجازيه فلماذا يدمر هذا الكون. فقال ان الله خلق هذه الدار وخلق لها ساكنا فلما ذهب الساكن خربت الدار واصبح وجودها بغير فائدة .
    روى الترمذي وأحمد من حديث ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى يوم القيامة كأنه رأي العين فليقرأ: إذا الشمس كورت، وإذا السماء انفطرت، وإذا السماء انشقت. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، وصححه الألباني في السلسلة وصحيح الجامع.
    1- قوله إذا الشمس كورت :أي لفت وجمع بعضها على بعض وذهب ضوؤها
    2- قوله وإذا النجوم انكدرت: أي تساقطت وتناثرت وذهبت
    3- قوله وإذا البحار سيرت :أي ذهبت وقلعت فكانت سرابا أي دخانا وهذا حال من احوالها تسير وتصبح هباء وتنسف وقال أيضا وسيرت الجبال فكانت سرابا
    4- قوله وإذا العشار عطلت :أي اهملت لانشغالهم بأنفسهم من شده الاهوال
    5- قوله وإذا الوحوش حشرت:الحشر هو الجمع أي الوحوش النافرة جمعت من كل ناحيه وهناك مثال محسوس رعاه الغنم يرون الغنم تنتشر اثناء الرعي فإذا احست بالذئب اجتمعت من الخوف ويحشر الله الوحوش ليقتص بعضها من بعض ثم يقول كوني ترابا
    6- وإذا البحار سجرت :أي اختلط بعضها مع بعض المالح مع العذب وصارت بحرا واحدا ثم توقد .وقيل سجرت اوقدت فأصبحت نارا فلا يبقي فيها قطرة واحدة
    اما المشاهد السته فبعد وقوعها :
    1- قوله وإذا النفوس زوجت :أي قرنت الارواح بأجسادها وقيل قرنت الانفس بنظرائها في العمل الكافر مع الكافر والمؤمن مع المؤمن فيحشر كل ذي عمل مع نظيره في العمل. احشروا الذين ظلموا وازواجهم وما كانوا يعبدون
    2- قوله وإذا الموءودة سُئلت :تسأل الموءودة عن سبب قتلها وهذا توبيخ وتبكيت للقاتل وهناك قراءه وإذا المؤدة سَألت بأي ذنب قتلت .وإذا سئلت عن سبب قتلها؟ فالإجابة : لا تعلم فيرجع السؤال للقاتل. ففي الحديث ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ يَوْمٌ لَا يَدْرِي الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ ، وَلَا الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ، فَقِيلَ : كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : الْهَرْجُ ، الْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ ) رواه مسلم ومن ثم يقال هلموا إلى ربكم وقفوهم انهم مسؤولون )
    لماذا خص الله الموءودة ؟ لشناعة التنفيذ وشناعة الباعث وهو في القرآن بسبب خوف العار أو خشيه الفقر.
    3- قوله وإذا الصحف نشرت :تطوى صحفه كل عبد عند الموت ولكن تنشر الصحف وتفتح يوم القيامة ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا
    4- قوله وإذا السماء كشطت :الكشط الإزالة والأرض قبضته جميعا يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه فتزال السماء وتدك الأرض وتموت النفوس
    5- قوله وإذا الجحيم سعرت :يزاد في ايقاد النار يوم القيامة لان الله يغضب غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وبرزت الجحيم للغاوين
    6- قوله وإذا الجنة ازلفت :أي ادنيت وازلفت الجنة للمتقين غير بعيد
    قوله علمت نفس ما احضرت : هذه جواب القسم هناك تعلم كل نفس ما اسلفت وما قدمت واخرت
    ونستفيد من ذكر هذه المشاهد اهميه الاستعداد ليوم القيامة ساحة العدالة. غدا تسأل عن الشباب وعن عمرك وعن مالك وعن علمك فماذا اعددت لها
    قوله فلا أقسم بالخنس :هنا أقسم الله على احقيه القرآن وانه حق من عند الله ورد على من زعم من الكفار انه لا بعث ولا نشور وان القرآن سحر وكذب وانه من اساطير الاولين فأقسم الله على احقيته .قوله فلا أقسم بالخنس أقسم الله بالنجوم التي تختفي في النهار وهي الكواكب الرواجع تذهب وترجع وخنوسها رجوعها
    قوله الجوار الكنس :الجوار التي تسير في افلاكها تسبح .والكنس التي تظهر بالليل .وهذا شأن النجوم تظهر بالليل وتختفي بالنهار .
    قوله والليل إذا عسعس : قيل ادبر بظلامه وقيل أقبل بظلامه .
    قوله والصبح إذا تنفس :أي أقبل بضيائه
    قوله انه لقوله رسول كريم :أي جبريل فذكر الله روابط الوحي الثلاثة النازل بالوحي وهي جبريل وذكر صفاته انه قوي امين ومطاع في السماء .وذكر اوصاف الموحى إليه وهو نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وذكر الوحي وانه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين .
    ختمت السورة بان مشيئة العبد متعلقة بمشيئة الله .وان مشيئة الله نافذه لا تمانع ولا ترد .رد على الجبرية الذين ينفون مشيئة العبد وانه مجبور يتحرك بدون اختيار .وردا على القدرية ان العبد يشاء ما لا يشاءه الله .والصحيح انه للعبد مشيئة لكنها لا تخرج عن مشيئة الله .فما شاء الله كان وما لم يشاء لم يكن .فمشيئة الله نافذه لا راد لها ولا ممانع .
    الفوائد والعبر والدروس :
    1- ان الله خلق هذا الكون لهذا الانسان وسخر له ما في السموات والأرض جميعا منه من أجل القيام بمهمه عظيمة إلا وهي عباده الله وحده لا شريك له فجعل السماء له سقفا والأرض له فراشا والجبال اوتادا والشمس ضياء والقمر نورا والنجوم يهتدي بها والانعام منها ركوبهم ومنها يأكلون .فما دامت عبادة الله وطاعته موجودا الكون موجود فخلق الله الدنيا للإنسان وخلق الانسان للأخرة وجعل الدنيا مزرعة للأخرة .فمن امن بالله وعمل صالحا وعبد الله وحده دخل الجنة ومن اشتغل بالدنيا عن الدين ونسي الله والدار الآخرة فالنار موعده ومصيره .
    2- الله خلق الدنيا للإنسان فإذا ذهب الساكن خربت الدار لان الله حكم على كل موجود بالزوال وعلى كل مقيم بالارتحال
    3- في آخر عمر الدنيا يحصل التدمير الشامل للكون كله فالسماء تتفطر والأرض تندك والنجوم تتساقط والبحار تسجر وتتفجر والجبال تنسف والنفوس تموت وكل شيء هالك إلا وجهه.
    4- هذه الاهوال العظام تحصل حينما لا يبقى في الأرض إلا شرار الناس ولم يوجد عباده الله وعليهم تقوم الساعة والسؤال على من تقوم الساعة تقوم على شرار الخلق واما الاموات فلا يحسون بشيء من هذه الاهوال ففي صحيح مسلم (ثمَّ يرسل الله ريحًا باردة من قِبَل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرَّة من خير أو إيمان إلا قبضتْه، حتَّى لو أنَّ أحدكم دخل في كبد جبَل لدخلتْه عليه حتَّى تقبضه»، قال: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فيبقى شرار النَّاس في خفَّة الطير وأحلام السّباع، لا يعرفون معروفًا ولا ينكرون منكرًا، فيتمثَّل لهم الشَّيطان فيقول: إلا تستجيبون؟ فيقولون: فما تأمرنا؟ فيأمرهم بعبادة الاوثان، وهم في ذلك دارٌّ رزقُهم، حسنٌ عيشُهم، ثمَّ ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى لِيتًا ورفع لِيتًا، قال: واول مَن يسمعه رجل يلوط حوضَ إبلِه، قال: فيَصعَقُ، ويَصعَق النَّاس، ثمَّ يرسل الله -أو قال: ينزل الله- مطرًا كأنَّه الطّلّ أو الظّلّ -نعمان الشَّاكّ- فتنبت منه أجساد النَّاس، ثمَّ يُنفَخ فيه أخرى، فإذا هم قيام ينظرون، ثمَّ يُقال: يا أيُّها النَّاس، هلمَّ إلى ربِّكم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ}.فالله خلق الدنيا وجعل لها بداية ونهاية وخلق الانسان وهيأ له المكان فإذا تركوا طاعة الله خربت الدار وهلك الساكن .
    5- هذه السورة تتحدث عن احداث ومقدمات القيامة وما كان بعد قيامها .
    6- يحشر الانسان مع قرينه في العمل .
    7- مع شده الاهوال يلتمس الانسان ماذا قدم لنفسه فمن اتقى الله كان امنا ومن لم يقدم لنفسه سوف تصيبه هذه الاهوال.
    8- الوقاية والمخرج من اهوال القيامة تقوى الله لان هذه الاهوال تصيب من كفر وعصى الرحمن .
    9 هذه الاهوال لا تصيب كل الناس فمقدمتها تصيب الاحياء من الاشرار دون الاموات.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الانفطار
    حديثي معكم اليوم عن سورة الانفطار هذه السورة في الجزء الأخير من القرآن واشتملت على عدة مواقف عظيمة فلا تعالج موضوعا واحدا بل انها تعالج أمورا هامة .
    استفتح الله سورة الانفطار بذكر اربعة مشاهد بداية تدمير الكون:
    المشهد الاول : قوله إذا السماء انفطرت: أي انشقت فالسماء مبنيه قوية محكمه ليس فيها شقوق وهي مستويه ولكن يأتي عليها يوم تتشقق وتنفطر .وهذا يدلنا على ان السماء يحصل لها تغيير واختلال في نظامها لأنه انتهى اجلها الذي قدره الله
    المشهد الثاني :قوله وإذا الكواكب انتثرت أي تساقطت وذهبت بعد ان كانت ثابته في فلكها تسبح لأنه انتهى اجلها . فتسير الكواكب في غير فلكها. سبب المد والجزر في البحار دوران القمر في منتصف الشهر حول الأرض فكيف إذا خرجت عن مدارها ماذا يحدث للبحار تنفجر .ومن هنا شرع لنا صيام منتصف الشهر اقصد الايام البيض لان المد والجزر يحصل في منتصف الشهر واكتمال القمر من فورة الدم الذي تتسع به مجاري العروق فشـرع الصوم لتضييقها علــى الشيطان، لأن الشيطان يجــري من ابن آدم مجـرى الـدم . ولذلك تزداد الجريمة في منتصف الشهر بسبب دوراه القمر حول الأرض فيحدث اضطراب .فكيف إذا خرجت هذه الكواكب عن مجراها يحصل تدمير للكون .
    المشهد الثالث :قوله وإذا البحار فجرت : أي اصبحت بحرا واحدا واخلطت فأصبحت بحرا واحدا عذبها ومالحها .ولذلك جعل الله بينها حواجز فإذا انتهى اجلها زالت الحواجز واختلطت البحار فصارت بحرا واحدا
    المشهد الرابع : قوله وإذا القبور بعثرت الأرض مليئة بالموتى فقد ملئت القبور الفجاج ولا يعلم عددها إلا الله كما قال الشاعر
    هذي قُبورُنا تملأ الرُحبَ *** فأين القبور من عهد عاد.
    خفّف الوَطْءَ ما أظنّ أَدِيْمَ الـ *** أرض إلا من هذه الأجساد
    لكن سياتي يوم تبعثر القبور ويخرجون منها احياء .ما هي النتيجة .لان كلمة إذا حصل كذا فماذا يحصل بعدها. إذا حصلت هذه الاهوال يعقب قيام الساعة بعث الموتى للحساب والجزاء .هنالك علمت نفس ما قدمت واخرت من خير وشر . سبب بعثه حسابه. ففي الحديث ( يبعث كل عبد على ما مات عليه ) فيبعث على ما كان عليه في الدنيا وبعدها الحساب
    فمن قدم لنفسه الأعمال الصالحة وجدها . ومن ترك خلفه اثارا طيبة من بناء مسجد أو صدقة أو لد صالح لحقه اجرها . ومن عمل السيئات وترك اثارا من المعاصي فكما قال بعض السلف من سعادة ابن ادم ان يموت وتموت معه ذنوبه فلا يترك خلفه معاصي يلحقه اثمها .ان العبد إذا خرج من الدنيا لا ينتهي الأمر بالموت لابد من الحساب
    الموقف الثالث في السورة :بعد ذكر مقدمات الساعة والموقف الثاني يعقبه الحساب والجزاء .جاء الموقف الثالث سؤال موجه لكل انسان ؟
    ما غرك بربك: أي شيء ما خدعك وصرفك وأنساك ربك حتى كفرت وما شكرت وعصيت وما أطعت ربك
    قوله الذي خلقك: ذكر الله له نعمة الله عليه في خلقه وتسويته وتعديل صورته .قوله خلقك أي اوجدك من العدم فلا خالق إلا الله
    قوله سواك : أي جعلك بشرا سويا سواك أي جعلك كامل الاعضاء
    قوله فعدلك: أي عدل خلقتك فجعلك معتدلا تقوم وتمشي
    في أي صورة ما شاء ركبك : أي الصور المشكلة الجم طويل قصير صحيح مريض تام الخلقة ناقص وكله دليل على قدرة الخالق .انظروا إلى اصل بني ادم واحد من ادم وحواء لكن فاوت الله بينهم في العقول وفي الصور وفي الالسنة والاولوان .
    الموقف الرابع سبب اغترار الانسان بربه : هو تكذيبه بيوم الدين.
    قوله كلا بل تكذبون بالدين :بين الله ان الذي غر الانسان وخدعه وصرفه وانساه ربه هو بسبب انكار يوم الدين. وقد ذكر الله في عدة آيات بسبب الكفر والمعاصي انه بسبب عدم الإيمان باليوم الاخر ..لا بلا يخافون الآخرة .وانها لكبيرة إلا على الخاشعين ( الصلاة صعبه وشاقه إلا على الخاشعين استثنى الخاشع وبين بعدها سبب سهوله الصلاة على الخاشع علل ذلك بقوله ( الذين يظنون انهم ملاقوا ربهم وانهم إليه راجعون ) قل اني اخاف ان عصيت ربي عذاب يوم عظيم حتى عصاه الموحدين .كل من ضعف ايمانه بالموت وما بعده تجرأ على الله وعلى المعاصي
    الموقف الخامس لم يترك الله الانسان سدى :بل بين الله لنا انه لم يخلقنا عبثا بل انزل لنا كتبا وارسل لنا رسلا وبين لنا طريق الخير لنسلكه وبين لنا طريق الشر لنتركه ووكل بنا كراما كاتبين كل قول قلناه يكتبونه وكل عمل عملناه يكتبونه بلى ورسلنا لديهم يكتبون
    قوله كراما كاتبين :كراما على الله وعلي عباده المؤمنين وينبغى الحياء منهم فهناك من لا يستحى منهم وهم ملائكة يحفظونه ويضبطونه
    قوله يعلمون ما تفعلون:أي لا يخفى عليهم شيء
    قوله ان الابرار لفي نعيم :البر ضد الاثم ولكن البر من اتقى. الابرار في نعيم دائم ويكون النعيم في القلب وهو انشراح وطيب نفس بسبب الطاعات. وهؤلاء الابرار لهم نعيم في الدنيا ونعيم في القبر ونعيم في الآخرة
    وقوله وان الفجار لفي جحيم: الفجار في جحيم دائم عيشهم في عذاب سواء في الدنيا والاخرة فربما يكون كثير الأموال شقي وينتحر لأنه في عذاب
    قوله يصلونها يوم الدين: أي يدخلونها يوم الحساب
    قوله وما هم عنها بغائبين:أي لا يخرجون منها
    قوله وما ادراك يوم الدين: هنا عظم يوم الدين وهول من شانه فهو لا يتصوره عقل
    قوله يوم لا تملك نفس لنفس شيئا :لا ينفع أحد احدا. ولا يساعده لا قريب ولا بعيد
    قوله والأمر يومئذ لله :أي لا أمر إلا لله تعالى وحده فهو القاضي فيه دون غيره
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة المطففين
    حديثي معكم اليوم عن سورة المطففين والتطفيف هو التنقيص والبخس ويدخل في كل شيء ولكنه ظاهر في الكيل والميزان ففي الحديث التجار يبعثون فجارا إلا من بر واتقى والتطفيف ظلم وغش وخيانة واكل لأموال الناس بالباطل ولا يحوز كيف تصطلح أمه علي الغش والله لو حققنا الإسلام لحصل بيننا تحاب وتألف وتناصح وإيثار ولا ينجي من هذه الرزايا إلا الصدق وتحب لأخيك ما تحب لنفسك يذكر ابو هريرة رضي الله عنه ان هذه الآيات نزلت في رجل يعرف بابي جهينة كان له صاعان يأخذ بأحدهما ويعطي بالأخر فهذا الرجل لديه صاع كبير فإذا اشترى كال به ولديه صاع صغير يستخدمه حين يبيع على الناس وهذه صورة مقززة جدا .كما يقال يكيل بمكيالين انسان غشاش اناني فجاء الإسلام وعالجه هذه القضية .
    فبدأت السورة بتهديد من يبخس الناس حقوقهم بالكيل والوزن والتطفيف فيه دناءة وخيانة وغش
    قوله ويل للمطففين : ويل كلمة عذاب وتوعد بالعقوبة والهلاك أو وادي في جهنم. وويل تكررت في القرآن وَيْل للمصلين وويل لكل همزة لمزة وويل للمطففين . ما جناية المصلين ساهون يؤخرون الصلاة عن وقتها وويل لمن يسخر ويستهزأ بالناس وويل لمن يغش.
    بدأت السورة بإعلان الحرب ويل تهديد بعذاب شديد لان الاموال مترسخة في نفس الانسان ولن يتركها إلا إذا علم انه سيهلك .فلهم عقوبة في الدنيا ولهم عقوبة في الآخرة ففي الدنيا ولا يكسب عبد مالا من حرام فيتفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق به فيقبل منه ولا يتركه خلف ظهره إلا كان زاده الي النار. و أيضا يأخذ حقه كاملا يوم القيامة لا يأخذ من المال أو الأرض بل يأخذ حسنات يا رسول الله إن لي أعبدا يشتمونني ويؤذونني فأضربهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن كان ضربك لهم أكثر من شتمهم، فسوف يأخذون من حسناتك ) رواه احمد. ولذلك بدأت سورة المطففين بتهديد يخلع القلوب ويل للناقصين للناس في الكيل والميزان.
    سورتان في القرآن بدأت بـ الويل : “ويل للمطففين“ “ويل لكل همزة لمزة“ الاولى: في أموال الناس والثانية: في أعراض الناس فاحذرهما. وكلمة وَيْل كلمه عذاب فلهم عذاب في الدنيا ولهم عذاب في الآخرة.
    قوله للمطففين هو البخس والتنقيص
    قوله إذا اكتالوا على :كلمة على الناس تدل على العلو. أحسن تعبير عن المطففين إذا اكتال لنفسه اكمله ويوفي لنفسه وإذا كال لغيره ينقصه ويظلمه فكيف بمن يسرق ويختلس ويبخس الناس حقوقهم . فصاحبه يكيل بمكيالين انسان غشاش اناني . قدم نبينا صلى الله عليه وسلم المدينة وهم من ابخس الناس كيلا فانزل الله هذه السورة فصاروا من أحسن الناس كيلا . يجب على التاجر ان يعود نفسه على الأمانة وعلى الصدق ففي الحديث ( فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما))؛ متفق عليه. نعم المال يجعل الانسان يضعف امامه ولا يخشى الله وهناك من يطفف في الأشياء المعنوية في الصلاة الصيام الزكان الحج المدح الذم
    ومما يذكر ان شاعرا مدح أحد الولاة فبالغ في مدحه ورفعه فوق قدرة وبعد مدة غضب منه فنظم فيه قصيده وبالغ في ذمه فكلمة بعض الناس في ذلك وقال كيف تمدحه ثم تذمه فقال الشاعر انا إذا رضيت فقلت فيه خير ما اعلم وإذا غضبت قلت فيه اسوأ ما اعلم . فأساء حين رضي ولم يحسن حين غضب
    الإسلام وجهنا ان نكون عادلين مع من نحب ومع من نكره. قال اسالك كلمة الحق في الغضب والرضا لان البعض إذا رضي أدخله رضاه في الباطل وإذا غضب أخرجه غضبه من الحق
    ففي الحديث( من أحب ان يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأتيه منيته وهو يؤمن بالله واليوم الاخر وليات إلى الناس الذي يحب ان يؤتى إليه ) رواه مسلم. التطفيف يكون في كل شيء لكنه ظاهر في الكيل والميزان .التطفيف لا خير فيه . لا يزول التطفيف إلا بالمعالجة .الحياه تقوم على التعود والتمرين عود نفس على عدم الغش ولا الكذب وعلى مواجه الحقيقة . عود نفسك بالخير تحظى به .الصفات البطالة حاول تخفف منها الله لما حرم الخمر تدرج فيها لان الناس الذين نزل عليهم القرآن كانوا متشبثين بها .
    ونشربها فتتركنا ملوكا *** فإذا صحيت فانا رب الشاه والبعير
    فاول شيء قال في الخمر ( تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا ) فجعل السكر مقابل الرزق الحسن اشارة خفيه انه ليس رزقا حسنا .ثم قال اثمهما اكبر من نفعهما ثم قال لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى ثم قال فاجتنبوه .خطورة التطفيف يصبح صاحبه مدمنا واخطر شيء ان تفعل شيئا أنت لا ترض عنه غير مقتنع بصحته فيؤنبه ضميره وينعكس عليه لا تعمل إلا ما تؤمن به وبصحته أنت مقتنع ان هذا الشيء خطا لا تفعله وكن مع من تكون إذا كان العمل صحيحا افعله .الكفار منعوا الضرب لانهم اخذوا الاف الطلاب وضربوا بعضهم وتركوا البعض الاخر فوجدوا ان من عنده ضرب تحصل له مشاكل . رسول الله ما ضرب أحد خدمه انس عشر سنوات ما ضربه عنده تسع زوجات ما ضرب واحدة منهن .لذلك التربية التعود على الخير والفضيلة .التطفيف غش وخيانة ولا يجوز وهو دليل على ضعف الإيمان ففي الحديث ( لا يؤمن احدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) فهل هذا الذي طفف يحب لأخيه مثل نفسه وايضا دعاءه ما يقبل وعبادته في خطر من ناحيه القبول .
    قوله إلا يظن اولئك انهم مبعوثون: تعجب الله ممن يطفف وكأنه ليس هناك حساب وكانه لا ينتظرهم يوم البعث. إلا يخاف اولئك من يوم القيامة فمن يغش ويتنقص فله عقوبة شديده بشر من يغش بنار جهنم ويأخذ الغرماء من حسانته . توعدهم الله بيوم البعث لان من عرف يوم القيامة وأهوالها صغرت الدنيا في عينيه. لا اله إلا الله ما ابلغ هذا الكلام واشده إلا يظن اولئك انهم مبعوثون : توعدهم الله ان البعث قادم والحساب قادم إلا يعتقد هؤلاء انهم مبعوثون من قبورهم. للحساب لكن يغيب الإيمان بالحساب عند غلبه الطمع. سوف يرد حقوقهم يوم البعث لكن يردها مال لا يأخذون من حسناته وربما لا يبقى شيء خسروا أعمالهم . مبعوثون لا شيء .
    قوله ليوم عظيم: خطير اتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله
    يوم يقوم الناس لرب العالمين: أي يقومون من قبورهم للحساب ولقاء الله .يوم القيامة يقوم الناس كلهم حتي لو كان العبد مشلولا فالله يقيمه علي قدميه وهي من اشد العرصات . يوم القيامة ليس يوم تفاضل ولا منازلات ساعة القيام ساعة تطيش فيها العقول وتتقلب فيه القلوب والأبصار ويعظم فيه الكرب يوم لا جلوس فيه وهذا حال الكافر والفاجر اما حال المؤمن فتمر عليه هذه المدة الطويلة اخف من اداء صلاة مكتوبة عندها تقول يا ليتني كنت مؤمنا. خوف الله المطففين بالبعث والحساب وانه يجب عليهم التوبة والندم قبل يوم الحساب الحمد لله نحن لازلنا بالدنيا من عنده معصية فليتب منها .المشكلة على من مات ولم يتب كفت يده عن العمل وشاهد الحقيقة . قسمهم الي قسمين فجار وأبرار .اما الفجار:
    فقوله كلا ان كتاب الفجار :هنا ذكر موضع كتاب الفجار وانه مكان ضيق وفي أسفل سافلين وفيه من السفول والضيق ما لا يوصف .قوله كلا: ليس الأمر كما يزعمون انه لا بعث . فأخبر سبحانه ان كتاب الفجار أي ما كتب من أعمال الفجار مثبت في كتاب جامع لأعمال اهل الشر.
    قوله سجين :من السجن والضيق والسفول فهو مكان ضيق وحبس وشده وفيه من الضيق والشر والنار ما لا يعلمه إلا الله
    تصور سجن وسجين بالنار وكيف يكون حالهم الأغلال في أعناقهم والسلاسل مقيد ومكبل في النار
    سجين اما سجن ومكان ضيق أو توابيت تحت الأرض السفلي
    قوله كتاب مرقوم: أي مكتوب كتابة حقيقة أو مسطور بخط واضح أو مختوم لا يزاد فيه ولا ينقص ولا يغير ولا يمزق. كتاب ملازم لصاحبه ومحفوظ ولا يضيع منه شيء. فأرواح الكفار وكتاب أعمالهم في سجين وسجين من السفول والضيق وذكر الموضع دليل على خساستهم وانه منزل هوان وذله
    قوله ويل يومئذ للمكذبين:وعيد من الله للمكذبين
    قوله الذين يكذبون بيوم الدين :هنا بين موضوع التكذيب وحقيقة المكذبين يكذبون بيوم البعث والحساب
    قوله وما يكذب به إلا كل معتد اثم :معتد أي ظالم واثيم كثير العصيان
    قوله إذا تتلى عليه آياتنا قال اساطير الاولين :لا يصدق بالقرآن يقول عنه انه أكاذيب الاولين
    قوله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون:كلا أي ليس الأمر كما يزعم هؤلاء ان القرآن أكاذيب الاولين .قوله بل ران
    الرين هو غلاف على القلب أو حجاب كثيف يمنع القلب من رؤية الحق والانقياد له وسببه الذنوب فمهما سمع من القرآن لا يتأثر .ارحم نفسك من المعاصي فمن عصى الله فسد قلبه اصلا . فهو وان تاب تبقى اثار تلك المعاصي في القلب. الذنوب تؤثر في القلب فقد يعمى وقد يمرض وقد يموت
    الرين هو ان يسود القلب بسبب الذنوب وهو غطى على القلب فلا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا فيلتبس عليه الحق بسبب الاصرار على المعاصي ففي الحديث " إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر سقل منها قلبه ، وإن زاد زادت حتى يعلق بها قلبه فذلك الران الذي ذكر الله في كتابه : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) . فالذنب على الذنب على الذنب حتى يسود القلب ولما اصبح القلب اسود كيف يرى الحق مثل المرآه لو اسودت أو اتسخت كذلك القلب إذا عمي كيف يبصر الحق .الصحابة بسبب معصية واحدة استزلهم الشيطان يوم أحد وتسلط عليهم فكيف بمن عنده معاصي كثيرة .وسبب وقوعهم في المعاصي عدم الإيمان باليوم الاخر فلو آمنوا بالبعث ما فعلوا ما فعلوا من الكفر والمعاصي. قوم شعيب لم يكن اصل معصيتهم التطفيف فقد بل بسبب كفرهم باليوم الاخر حملهم على التطفيف ولذلك بين الله مع كفر الامم السابقة بعض معاصيهم. فالذي منعهم من الإيمان ما غطى على قلوبهم من الذنوب والمعاصي.
    قوله كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون :كلا أي ليس الأمر كما يزعم هؤلاء ان القرآن اساطير الاولين وتوعدهم وجمع عليهم نوعي العذاب .عذاب الحجاب فلا يرون الله يوم القيامة.قال الشافعي هذه الآية دليل رؤية للمؤمنين لربهم يوم القيامة يرونه عيانا بأبصارهم ويتجلى لهم وتقر اعينهم بذلك فأعظم دافع في الحياه وأعظم لذة في الجنة ان ترى الله وتكلمه ويكلمك ان يقبل عليك وهو يضحك .ورؤية الله أعظم من نعيم الجنة يوجوه يومئذ ناضره إلى ربها ناظرة اما وجوه ناضرة أي من النظرة والحسن إلى ربها ناظرة من النظر والمعاينة.ولهم أيضا وعيد آخر
    قوله ثم انهم لصالوا الجحيم :أي يدخلونها ويقاسوا حرها ويقال لهم هذا الذي كنتم به تكذبون .لما ذكر الله موضع كتاب الفجار وما سطر في صحائفهم من أعمال سيئة وان هذا الكتاب في سجين تحت الأرض السابعة وان ارواحهم وكتابهم في أسفل شيء واضيقه دليل على خبث أعمالهم وتحقير الله لهم ثم بعد ذلك يبعثون بعد الموت إلى ما هو اشد منهم وجمع لهم نوعي العذاب الحجب والنار.
    قوله كلا ان كتاب الابرار لفي عليين :كلا أي ليس الأمر كما يزعمون ان القرآن أكاذيب الاولين . ذكر هنا موضع كتاب أعمال الابرار وانه في اعلى عليين علو في علو . عليين هو اسم لموضع مرتفع وواسع .فموضع كتاب الابرار في السماء السابعة تحت العرش . فكتاب الفجار في أسفل شيء واضيقه وفيه من العذاب والشقاء ما لا يوصف وكتاب الابرار في اعلى شيء واوسعه وفيه من النعيم والسرور ما يعلمه إلا الله .
    قوله كتاب مرقوم أي مكتوب كتابه حقيقة خط واضح الحروف بخط كبير
    قوله يشهده المقربون: أي يحضره الملائكة المقربون من كل سماء .
    قوله ان الابرار لفي نعيم:أي ان اهل الطاعة لفي الجنة يتنعمون
    قوله على الارائك ينظرون :الارائك مجالس مرتفعة. ينظرون اطلق النظر ولم يقيده بمنظور دون منظور ولذل قال ابن القيم ينظرون إلى أربعة .ينظرون إلى وجه ربهم وينظرون إلى اعدائهم يعذبون وينظرون إلى نعيم الجنة وينظر بعضهم إلى بعض . والنظر إلى وجه الله أجل انواع النظر وافضلها نسال الله ان يرزقنا لذة النظر إلى وجهه الكريم وهو أعظم من نعيم الجنة .
    قوله تعرف في وجوههم نضرة النعيم :ترى في وجوههم بهجة النعيم لان الفرح يظهر على الوجه والوجه هو الصحفة التي يظهر عليها حاله الانسان من فرح وحزن.
    قوله يسقون من رحيق مختوم :الرحيق هو الخمر الصافي الخالص طيب الطعم والرائحة ومختوم ومسك .قوله مختوم :أي غير مفتوح محكمة الافواه :الختم له معان اما محكم الافواه مختوم على فمه أو يكون اخره وتمامه مسك أو يخلط بالمسك
    قوله وفي ذلك فليتنافس المتنافسون :أي يتسابق المتسابقون فأهل الدنيا يتسابقون على الدنيا الفانية ولو جمعها كلها في النهاية يتركها بينما يملك كل شيء يترك كل شيء واهل الطاعة والاخرة يتسابقون على الاخرى الباقية . مشكلة الدنيا : لا تصفى كلها . هم في هم متقلبه الاحوال سريعة الزوال تخاف من الفقر وإذا لم تفتقر تخاف من المرض وإذا لم تمرض تخاف من الموت ولا بد لك منه نهاية المشد فراق ووداع لكن الجنة امان من كل خوف وسلام من كل أفة
    قوله مزاجه أي يخلط من تسنيم :قوله تسنيم أي عين مرتفع تصب من اعلى الجنة يشربها بها المقربون فتسنيم شراب خالص صرف يشربه المقربون واما الابرار أصحاب اليمين فيشربونه مخلوطا مع غيره.لما ذكر الله موضع كتاب الابرار وما سطر فيه من الأعمال الطيبة وانه في اعلى عليين اعلى مكان واوسعه وهذا دليل على عظم مكانتهم عند الله وشهود ملائكة وحضوره من المقربين فيه اشهار لهم ولمكانتهم وعلو منزلتهم عند الله
    قوله ان الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون: ختمت السورة بموقف الفجار من الكفرة والمنافقين والفسقة من المؤمنين وفيها بيان عقوبة من يستهزأ بالمؤمنين في الدنيا والاخرة .قوله ان الذين أجرموا. يطلق الفاجر على الكافر والمنافق والفاسق.قوله يضحكون :أي في الدنيا استهزاء بهم لان من شان القوي المعتز بماله وعزه ان يضحك ممن خالفه .فهم قوم مجرمون كان من صنيعهم عندما يرون اهل الإيمان يضحكون مستهزئون وهذه الخصلة مع الاسف قد يفعلها بعض المسلمين يرون رجلا قد اطاع الله فيضحكون عليهم متنقصين لهم ويتندرون بكلمة مطاوعة متشددين
    قوله وإذا مروا بهم يتغامزون :يتغامزون بالأبصار أو باليد أو بإشارات سخريه طعناً فيهم وعيباً لهم.
    قوله وإذا انقلبوا إلى اهلهم انقلبوا فكهين :{انقلبوا فَكِهِينَ} متلذذين بذكرهم والسخرية منهم. وقرأ غير حفص {فاكهين} أي فرحين.فهم أساؤوا في حق الخلق وحق الخالق
    قوله وإذا راوهم قالوا ان هؤلاء لضالون : يرمونهم اهل الحق بالسخف وقله العقل . ومع الاسف نسمع من يقول الناس تقدموا وهؤلاء متمسكون بالتراث.
    قوله وما ارسلوا عليهم حافظين :أي لم يرسل الله الكفار رقباء على المؤمنين
    حكم الاستهزاء بالمؤمنين:
    ان كان الاستهزاء بهم من أجل الدين كفر وان كان الاستهزاء بهم يعنون شخصهم أو زيهم فكبيرة من كبائر الذنوب اما سخرية الانسان بمن يسخر منه فجائز
    قوله فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون:هذه عقوبة من استهزأ بالمؤمنين في الدنيا يوم القيامة يسخر الذين آمنوا من الكفار يوم القيامة .فأهل الإيمان يضحكون منهم وهم على أرائك الجنة، واولئك في دركات الجحيم.
    قوله عَلَى الأرَائِكِ يَنْظُرُونَ:أي: إلى الله -عز وجل-، في مقابلة من زعم فيهم أنهم ضالون، وليسوا بضالين
    قوله هل ثوب الكفار :علي جوزي الكفار على افعالهم في الدنيا
    فوائد وعبر وعظات من سورة المطففين
    1- بدأت السورة بداية تخلع القلوب وبالتهديد بويل وهو عذاب شديد لان النفوس متشبثة بالمال ولن تتركه إلا إذا علمت انها ستهلك ولا يردعها إلا العقوبات والا سيكثر السفهاء
    2- مفتاح التغيير في هذه السلوكيات الخاطئة من التطفيف ومحاربه الدين والاستخفاف باهله لا يكون إلا بالإيمان بالله وباليوم والاخر وهو من اساسيات لا اله إلا الله فالتغيير والاصلاح مرتبط بالخوف من الله وتذكر الآخرة ومن أجل هذا اهل الفساد دائما ينتقدون اهل الدين لانهم يتحدثون عن الموت والقيامة ويقولون لماذا تكرهون الناس في الدين وتخوفونهم بالموت لانهم لا يريدون الناس تتغير وتزكو. ابنك إذا لم يخف من الله لم يقبل يدك ، المطفف إذا لم يخف من الله يغش ويخون
    3- اعلن الله الحرب على المطفف وتوعده بويل لأنه يريد ان يمص دماء المسلمين من أجل . يبني حياتهُ على موت الناس ، وغِناهُ على فقر الناس ، ومجدهُ على أنقاض الناس ، وأَمنهُ على خوف الناس . بينما المؤمن من سِماتهِ الأساسية : أنهُ يُؤثِرُ الآخرين على نفسه ويحب لهم ما يحب لنفسه
    4- سورة المطففين تتكلم عن نموذجين احدهما يتنافس على الدنيا الفانية والاخر يتنافس على الآخرة الدائمة الباقية فأهل الدنيا الفانية في سباق في جميع ميادين الحياة سباق على الاموال والوظائف والعقارات وهناك من يسابق على الدرجات العلا وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا
    5- يسعى اهل الباطل على ضرب اهل الحق بالتنقص منهم والسخرية من أجل اسقاطهم وتنفير الناس عنهم وتشويه صورة الحق
    6- إذا اصبحت الناس تجرى وراء الدنيا فسوف تنسى الآخرة وتترك الدين وإذا ابتعد الناس عن الدين ظهر الفساد في البر والبحر وإذا تتبعنا الغش في كل مكان وجدناه انه بسبب فقدان الإيمان والأمانة
    7- كان نبينا يستفتح يومه اسالك علما نافعا ورزقا طيبا وعملا متقبله وكلها مرتبطة مع بعض
    تم تفسر سورة المطففين ولله الحمد والمنه وبه الحول والقوة
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الانشقاق :
    حديثي معكم اليوم عن سورة الانشقاق هذه السورة افتتحت بمشهدين من مشاهد القيامة وتحدثت عن مصير الانسان الذي يكدح وموقف الكفار من القرآن . فالله ما خلق الخلق ليعذبهم ولا جعل الدنيا دار تنعم بل خلقهم ليمتحنهم فاقتضت حكمته ان يخلق دارين دارا للتكليف ودارا للجزاء فدار التكليف خلقها في ستة ايام وبين الحكمة من خلقها انا جعلنا ما على الأرض زينه لها لنبلوهم ايهم أحسن عملا .وخلق الانسان وكلفه بمهمة عظيمة وهي كما قال الشيخ حافظ :اعلم بان الله جلا وعلا لم يخلق الخلق سدى وهملا .بل خلق الخلق ليعبدوه وبالألوهية يفردوه.
    فالله ما خلقنا عبثا بل خلقنا لعبادته وارسل إلينا رسلا وانزل إلينا كتبا وجعل لنا عقلا وسمعا وبصرا وبين لنا طريق الخير لنسلكه وبين لنا طريق الشر لنتركه فقال سبحانه ( وان هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ) فبعد ان اقام علينا الحجه القرآن حجة لك أو عليك .ووكل بنا ملائكة يكتبون عنا كل شيء ونحاسب بعدها على ذلك .فما اوجد الانسان في هذا الكون إلا للقيام بهذه المهمة وهي عبادة الله فالإصلاح في الأرض لا يكون بالتقدم التقني أو العمراني بل الاصلاح يكون بالتوحيد وطاعه الله .والافساد في الأرض يكون بالشرك والمعاصي فمن اشتغل بالدنيا ونسي ربه والاخرة خسر الدنيا والاخرة . كما وصف جعفر بن أبي طالب حال الجاهلية بقوله : " إنّا كنا أهل جاهلية وشر، نعبد الاصنام وناكل المية ونأتي الفواحش و نقطع الأرحام ، ونسيء الجوار ويأكل القوي منا الضعيف فبعث الله رجلا منا نعرف نسبه وصدقه وامانته فدعانا لنعبد الله وحده ونترك عبادة الاصنام وامرنا بالأمانة والصدق وصلة الارحام وحسن الجوار.فما دامت عبادة الله موجودة فالكون موجود .ففي الحديث عند احمد واسناده صحيح (لا تقوم الساعة حتى يأخذ الله شريطته من أهل الأرض فيبقى فيها عجاجة لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ) فعليهم تقوم الساعة .متى هي؟
    قوله إذا السماء انشقت :السماء يطلق على كل ما على وارتفع.ويطلق السماء المبنية . فهي قوية ومحكمه ولها ابواب فهذه السماء يأتي عليها يوم إذا اراد الله نهاية الدنيا تنشق رغم غلظها وسمكها وصلابتها فهي السبع الشداد القوية المحكمة المستوية
    قوله واذنت لربها وحقت :أي سمعت واطاعت واستجابت لأمره قوله وحقت أي حق لها ان تطيع أمر بها وخالقها لأنه أحق من يعبد واحق من يخشى واحق ان يتقى فقد سمعت واطاعت في ابتداء خلقها وسمعت واطاعت في انتهاء خلقها فكل هذا الكون مستجيب ومطيع وليس له اختيار
    قوله وإذا الأرض مدت :إذا ذهب الساكن خربت الدار . قدر الله خلق الدنيا وجعل لها مدة محددة فلها بداية ونهاية وخلق الانسان للعبادة وهيأ له المكان فإقامتنا محدودة واجالنا مكتوبة وارزاقنا مقسومة . فإذا انتهت مهمته وذهب الساكن خربت الدار .ومعنى مدت أي: تمد الأرض يوم القيامة مد الاديم فتصبح مستويه وتزال جبالها وكل ما على عليها حتى يحشر الناس عليها فتبسط وتوسع . قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تمد مد الأديم" لأن الأديم إذا مد زال كل انثناء فيه وامتد واستوى. "إذا مُدت صار أقصاهم مثل أدناهم كما جاء في الحديث: «يجمع الله تعالى يوم القيامة الاولين والآخرين في صعيد واحد، فيسمعهم الداعي، وينفُذُهُم البصر»)
    قوله والقت ما فيها وتخلت :أي أخرجت من في بطنها من الموتى من أجل الحساب .وتخلت أي فرغت منهم فخلا ما في بطنها فأصبحت فارغه من الموتى بأمر الله وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا
    قوله واذنت لربها وحقت :استمعت لربها واطاعت وحق لها فهو ربها وخالقها فتطيع أمره وليس لها اختيار .فالله إذا أمر السماء تنشق فتنشق وإذا أمر الأرض تتصدع فتتصدع .فخاطب الله الانسان .لأنه تمرد على ربة ونسي مهمته وجعل له اختيار .
    قوله يا ايها الانسان: كلمة الانسان جنس تشمل جميع البشر .
    قوله كادح إلى ربك :الكدح يأتي لمعان السعي بجد مع مشقه. وقيل الكدح هو السير الحثيث كلنا نسير إلى الله سيرا مسرعا يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة حتى ينقضي العمر ثم لا يتخلف منا أحد لا طائع ولا عاصي فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا أي إنما نعد لهم» الأيام والليالي أو الأنفاس «عدا» إلى وقت عذابهم .فالكل سائر إلى الله سيرا إليه مسرعا
    قوله فملاقيه :أي فملاقي الله أو ملاقي عملك وكلاهما بمعنى واحد .أي فملاقي الله افعل ما تشاء ففي الحديث عش ما شئت فانك ميت واعمل بما شئت فانك مجزي به عشت في هذه الدنيا ما شاء الله يكون ثم تلقى ربك ويعرض عليك كتابك وترى كل ما صدر عنك .ماذا يكون مصير الانسان حينما يلاقي الله أخذ بيمينه واخذ بشماله
    فأما من اوتي كتابه بيمينه :أي يعطي كتابه بيمينه ومن امامه تكريما له وهذه هي علامه الفوز الابدي . نعم الله ما خلقنا عبثا .
    قوله فسوف يحاسب حسابا يسيرا:الناس في الحساب على درجات
    1- منهم من يدخل الجنة بغير حساب ولا سابقه عذاب وهؤلاء هم المقربون والسابقون
    2- ومنهم من يحاسب حسابا يسيرا فعرض المؤمن على ربه في أحسن حال ويقرر بذنوبه ثم يسترها الله عليه ويغفرها له حتى يعلم فضل الله عليه وانه مستحق للعقاب لكن تفضل الله عليه
    3- ومنهم من يدقق عليه في الحساب ويناقش ومن نوقش الحساب هلك وعذب لكن مآله إلى الجنة
    4- وما الكافر لا يحاسب حساب موازن بين حسنات وسيئات وانما يقرر بعمله ثم يدفع إلى النار وقبل دخوله تساله الملائكة ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى. في ارض المحشر لما ينكر الكافر يختم الله علي فمه وتشهد عليه جوارحه ثم يفرج عن لسانه ليرد عليها فيوجه اللوم عليها والي نفسه فتقول الله أنطقها فالله ترك كل جارحه تنطق بما فعلت . موقف صعب لو ابنك شهد عليك فما بالك لو شهدت عليك جوارحك
    النتيجة : قوله وينقلب إلى اهله مسرورا:ينقلب المؤمن مسرورا لأنه تخلص من تلك المواقف الصعبة
    ومن تأمل الآيات كيف كانت عاقبة المؤمن سرورا ابديا وأهلها فرحون ومسرورون بالجنة
    قوله واما من اوتي كتابه واراء ظهره: فيعطي كتاب أعماله بشماله ومن وراء ظهره اهانة له وهذه هي علامة الخسارة الابديه .
    قوله ويدعوا ثبورا: أي هلاكا وخسر خساره ابديه فعاين حياه لا تطاق.كان بالدنيا اكره ما عنده الموت فلم عاين الآخرة واهوالها تمنى الموت وقال يا ليتها كانت القاضية
    قوله ويصلى سعيرا :أي يدخل نارا مستعرة ويقاسي حرها . والسبب في هذا
    قوله انه كان في اهله مسرورا :عاش غافلا عن ربه وينكر الآخرة ويأكل ويتمتع ونسي الموت الآخرة
    قوله انه ظن ان لن يحور :انه ظن ان لن يرجع إلى ربه .وعاش غافلا عن ربه فكفر وفجر وموضوع الموت لا يخطر له على بال فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون. يجب علينا ان نكون واقعيين إذا دخلت الآخرة في حساباتنا اليومية نجونا وإذا خرجت حسابات الآخرة من حياتنا هلكنا وكم في الحياة من يعيش ولا يدخل في حساباته لا موت ولا اخره اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياه الدنيا
    قوله بلى ان ربه كان به بصيرا :بلى يعني أن ظنه باطل لأن ربه أنبأه بأنه يبعث .وسيوقف بين يدي ربه الذي خلقه وامره ونهاه وانعم عليه وامهله .وهو بصير بأعماله .فالإنسان مكشوف امام الله.
    قوله فلا أقسم بالشفق:لا زائده للتأكيد . وأقسم الله بالشفق فله سبحانه ان يقسم بما يشاء وإذا أقسم بشيء فله اهميه وعبره ويلفت الانظار إليه .اما الشفق فهي الحمرة بعد الغروب وتستمر وتبقى إلى إذان العشاء وهي الحمرة بسبب شعاع الشمس بعد مغيبها
    قوله والليل وما وسق :أقسم بالليل لأنه من آياته الدالة على عظمته . وما وسق أي جمع وضم لان الليل يجمع المخلوقات المنبثة تاوي إلى اوكارها.
    قوله والقمر إذا اتسق :أي تم وكمل وصار جميلا منيرا وهو ايه الليل ومن اعجب مخلوقاته .
    المقسم عليه ؟ لتركبن طبقا عن طبق :قيل حالا بعد حالا اي حالا في الزمان وفي المكان وفي الابدان وفي القلوب .وتلك الايام نداولها بين الناس فاما في الزمان فتقلب الانسان بين الغنى والفقر والصحة والمرض والفرح والحزن والضحك والبكاء والاجتماع والافتراق فجعل الله الدنيا سريعه الزوال متقلبه الاحوال ولا يدوم على حال لها شان .واما في المكان فالانسان يتقلب بين البلاد من بلد إلى بلد فتارة في بلد وتارة في بلد ثم ينتقل من الدنيا إلى الاخرة ثم إلى القبر ثم إلى ارض المحشر ثم في دار القرار .اما تلقب الابدان فكان الانسان نطفه ثم علقه ثم مضغه ثم عظام ثم كسى اللحم عظما ثم نفخ فيه الروح ثم اصبح بشرا سويا ثم طفلا ثم بلغ اشده ثم شيخا كبير ثم الموت واالفناء ثم ايعاده الاجساد بعد فناءها .اما تقلب القلوب فهذا اشد الاحوال واكثرها خطرا ولايدوم القلب على حالا ومن هنا قال نبينا اكثروا من قول يا مقلب القلوب قلب قلوبنا على طاعتك ودينك .فالقلب لايدوم على حال تارة ينشرح للطاعه وتارة ينقبض وتاره يزداد الايمان واخرى ينقص وتجد القلب متقلب فمنهم من يكون كافر ثم ينقلب إلى حال الايمان ومنهم من هو مؤمن ثم يكفر .فالانسان يتقلب حالا بعد حال وما على الانسان الا ان يجد ويجتهد على ان يكون على حاله واحدة وهي الايمان والعمل الصالح .أقسم الله للانسان انه سيمر على اهوالا وشدائد في الاخرة عصيبه اخرها النار .ومع هذا كله لازال الانسان مصر على كفره وفجوره وغافلا عن ربه . فما تفكر في خلق نفسه ولا في مخلوقات ربه.
    قوله فمالهم لا يؤمنون :أي شيء يمنعهم من الإيمان وقد بينا لهم
    قوله وإذا قري عليهم القرآن :هذا القرآن فيه عبر وعظات وفيه عجائب ابلغ الكلام واصدق الحديث وأحسنه وافضله
    قوله لا يسجدون قيل لا يخضعون لاوامره ولا يستجيبون له أو لا يلتفتون إليه .
    وقيل لا يسجدون لا يصلون وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون.
    قوله بل الذين كفروا يكذبون :أي شيء يمنعهم من الإيمان بالله وبالقرآن رغم كثرة شواهد الحق السبب في ذلك التكذيب والعناد والمكابرة .
    قوله والله اعلم بما يوعون :أي يعلم ما يضمرون من الكفر . وعاقبة كفرهم وعنادهم
    قوله فبشرهم بعذاب اليم :وسبب ذلك كفرهم بالله وبالرسول وبالقرآن .وهذا كله يعطينا موقف الكفار من القرآن
    قوله إلا الذين آمنوا :إلا من امن بقلبه وصدق بجوارحه فله اجر غير منقطع.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة البروج
    حديثي معكم اليوم عن سورة البروج وهي تتحدث عن تعذيب المؤمنين بسبب ايمانهم بالعزيز الحميد وفيها تسلية لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم وتهديد للكفار وان الابتلاء سنة ماضيه لان كل من آمن لابد ان يبتلى . فعلة وجودنا في الدنيا من أجل الامتحان وتأكدوا ان وراء كل محنة منحه وان وراء كل ضيق فرجا وأن وراء كل ابتلاء سعادة .ليس الشأن ان يبتلى العبد ولكن الشأن كل الشأن ان تبتلى فتنجح .ما قيمه الدنيا بالنسبة للآخرة لا شيء ( ما الدنيا في الآخرة إلا كما يدخل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما ترجع) .فمن عرف قيمة الدنيا لم تغرة نعمة ولم يجزعه ابتلاء وقال الذين آمنوا ان الخاسرين الذين خسروا انفسهم واهليهم يوم القيامة )..إذا عاين المؤمن الجنة فيغمس غمسة في الجنة، فيقال له: هل رأيت شرا قط؟ قد مر بك شر قط؟ فيقول: لا والله، ما رأيت شرا قط ولا مر بي شر قط) والعكس بالعكس . لنكن واقعيين لو دخلت حسابات الآخرة في حياتنا لهانت علينا مصائب الدنيا .تضحيه رسول الله سيد الخلق وحبيب الحق .تقول عائشة يا رسول الله هل مر عليك يوم اشد من أحد لقد أخفت في الله وما يخاف أحد . ولقد اوذيت في الله وما يؤذى أحد . ولقد أتت علي ثلاثون ، من بين يوم وليلة ، وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه ابط بلال ) .
    قوله والسماء ذات البروج :أقسم الله بالسماء صاحبه المنازل وله ان يقسم بما يشاء وأقسم بها لما فيها من العبرة والقوة والدالة على عظمته وقدرته فهي من آيات الله العظيمة .قوله ذات البروج:أي صاحبة المنازل أو الكواكب العالية والمراد بالبروج منازل الشمس والقمر والكواكب اثنا عشر منزلا كل منزل تجري فيه شهرا. فالبروج هي النجوم والكواكب وكلها داله على عظمة الله وقدرته فكل في فلك يسبحون
    قوله واليوم الموعود : أي يوم القيامة فأقسم بالله بالسماء وكواكبها ان حسابهم في ذلك اليوم على الله فهو يوم القصاص
    قوله وشاهد ومشهود :اكثر المفسرين ان الشاهد يوم الجمعة يشهد لصاحبه بما عمل فيه من خير .ومشهود يوم عرفه يشهده المسلمون من اقطار الأرض .وقد ورد في تفسير الشاهد ستة عشر قولا ومشهود ورد فيه اثنان وثلاثون قولا والسبب القرآن حمال وجوه وهو خلاف تنوع لا تضاد. الشاهد عام في كل من صح ان يشهد على أمر ومشهود عام في كل من صح ان يشهد عليه. والمعنى أقسم الله بكل من صح ان يكون شاهدا وبكل من صح ان يكون مشهودا عليه
    فأقسم سبحانه بثلاثة اقسام عظيمة بيوم الجمعة ويوم عرفه ويوم القيامة وبالسماء وبالكواكب العالية والمقسم عليه لعن أصحاب الأخدود وانه قد حكم عليهم باللعن
    قتل أصحاب الأخدود : اختلف في معنى قتل هل هو خبر أو دعاء قيل معن قتل . أي لعن أصحاب الأخدود وقيل قتل خبر بانه عذب وقتل أصحاب الأخدود
    ومختصر قصة أصحابه الأخدود قوم آمنوا بالله فاحرقوا بالنار .والأخدود هي حفرة في الأرض واضرموا فيها النيران وهددوا من امن بالله بالإحراق ان يرجع إلى دينهم
    فماذا حصل لهؤلاء الكفرة لعنهم الله .
    قوله النار ذات الوقود : وصف لها بأنها نار عظيمة بسبب كثرة حطبها .
    قوله اذ هم عليها قعود :أي حضور .أنهم قعود على حافة الأخدود قعود الجبار وقومه جالسون على حفرة النار يتشفون منهم وقت تعذيبهم وهذا من الجبروت والطغيان ان يروا النيران تلتهمهم ولا يبالون وكأنهم لا يصنعون جريمة
    قوله وما نقموا منهم:وما انكروا عليهم وعابوا عليهم إلا الإيمان بالله وهل هذا عيب وهل هذا سبب للنقمة .أي سبب عذابهم كونهم آمنوا بالله وكان عذابهم كان قاسيا وهو الاحراق بالنار
    قوله العزيز الحميد :ذكر الاوصاف التي يستحق بها ان يؤمن به سبحانه وتعالى كونه عزيزا يحشى عقابه وحميدا يرجى ثوابه فهو العزيز الذي لا يغلب والحميد في اقواله وافعاله واوصافه يحمد على كل حال في الخير والشر .وله ملك السموات والأرض فله الملك التام ولا يشاركه أحد خلقا وتدبيرا وعبيدا فكلهم عبيده ولن يخرجوا عن ملكه و وهو مطلع على كل شيء فهو على كل شيء شهيد وبكل شيء محيط فهو أحق ان يعبد واحق ان يخشى واحق ان يتقى
    قوله ان الذين فتوا المؤمنين والمؤمنات :الفتنة هي الامتحان امتحنوهم بالنار فعذبوهم واحرقوهم هل يرجعون عن دينهم . ومن جملة النساء امراء معها صبي وكأنها تقهقرت وتقاعست عن النار فقال لها يا أمه اصبري فإنك على الحق)
    قوله ثم لم يتوبوا :مع قبح فعلهم اعطاهم الله فرصة اخرى للتوبة .قال ابن كثير انظروا إلى كرمه وجوده سبحانه قتلوا اولياءه ويدعوهم إلى التوبة وطلب المغفرة
    قوله فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق:لهم عذابان في الآخرة لكفرهم ولفتنتهم. وصدهم عن سبيل الله كما في قوله زنداهم عذابا فوق العذاب بسبب الكفر والصد وشتان بين نار الدنيا والاخر فنار الآخرة فضلت على الاولى بتسع وستين جزءا .ولا يجري في هذا الكون شيء عبث ولا يفوت شيء أعمال الكفار محفوظه مهما خططوا ومهما بغوا فأعمالهم محفوظه وسيحاسبهم الله عليهم .وفيها ان الله قد يسلط اعداءه على اولياءه استدراجا لهم وامتحانا لاوليائه وقال ابن كثير قبضت ارواحهم قبل ان يمسهم حرها فالله لطيف بعباده .فقد جاءت ريح فقبضت أرواح المسلمين وأخرجت النار من الأخدود واحرقت من حولها من الكفار فمن حفر حفرة وقع فيها .هنا ذكر الله جزاء المؤمنين الذين حرقوا فللكفار عذاب الحريق وعذاب النار وللمؤمنين جنات
    قوله ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات:أي الذين آمنوا وصبروا على عذاب الحريق لهم جنات النعيم .ووصف فوزهم بالفوز الكبير لان الفوز فوز ابدي فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز .فقد فازوا عقب امتحان والكفار خسروا وخابوا وان كانوا تشفوا في وقت محدد لكن خسارتهم خسارة ابديه
    ولنا وقفات مهمه :
    * الابتلاء سنة ماضيه لان كل من آمن لابد أن يبتلى ومن ثم في قصة عبدالله ابن الثامر قال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني؛ قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي .ففي مسند احمد عن صهيب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر الساحر قال ادفع لي غلاما لأعلمه السحر فدفع إليه غلاما وكان بين الساحر والملك راهب فأتى الغلام الراهب فسمع من كلامه فأعجبه كلامه وفي يوم من الأيام حبست الناس دابة فقال : الغلام اليوم اعلم أمر الراهب أحب إلى الله أم أمر الساحر؟ فاخذ حجرا فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة. ورماها فقتلها. ومضى الناس فأخبر الراهبَ بذلك فقال: أي بني أنت اليوم أفضل مني وانك ستبتلى فان ابتليت فلا تدل علي( وسوف ترى فعلا أن الغلام أفضل من الراهب لان الله استجاب دعوته وكان نفعه متعدي والراهب نفعه قاصر على نفسه وكيف يسعى الغلام في هداية الناس ) فكان الغلام يبرئ الأكمه والأبرص ويداوي الناس من سائر الأمراض (وليس هو مثل عيسى عليه السلام وإنما كان مستجاب الدعوة) وكان للملك جليس فعمي فسمع به فآتاه بهدايا كثيرة وقال: إن أنت شفيتني فكل ما هاهنا لك فقال: أنا لا اشفي أحد إنما يشفي الله فان أنت آمنت به دعوت الله أن يشفيك . فامن فدعا الله له فشفاه. ثم أتى الملك فقال : من رد عليك بصرك . فقال: ربي. فقال: أنا. قال لا ولكن ربي وربك الله. قال: فما زال به يعذبه حتى دل على الغلام فجيء به فما زال يعذبه حتى دل على الراهب فجيء بالراهب فقال: ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار على مفرق رأسه حتى وقع شقاه. وقال: للأعمى ارجع عن دينك فأبى فوضع المنشار في مفرق رأسه حتى وقع شقاه . وقال : للغلام ارجع عن دينك فأبى . فبعث به مع نفر فقال: إذا بلغتم ذروة الجبل فان رجع عن دينه والا فدهدهوه . فذهبوا به فلما صعدوا الجبل. قال: اللهم اكفنيهم بما شئت . فرجف بهم الجبل فدهدهوا أجمعون ورجع الغلام إلى الملك . فقال: أين أصحابك . فقال: كفانيهم الله. فبعثه مع نفر في قرقورة فقال : إذا توسطتم البحر فأغرقوه. فلما توسطوا به البحر. قال: اللهم اكفنيهم بما شئت . فغرقوا أجمعون ورجع الغلام إلى الملك فقال: أين أصحابك . فقال: كفانيهم الله ثم قال للملك انك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به . قال : وما هو . قال: تجمع الناس في صعيد واحد ثم تصلبني على جذع ثم تأخذ سهما من كنانتي ثم قل بسم الله رب الغلام ففعل به ووضع السهم في كبد القوس ثم رمى وقال بسم الله رب الغلام فوقع السهم في صدغه فوضع الغلام يده على موضع السهم فمات فقال الناس آمنا برب الغلام فذلك عند قوله قتل أصحاب الأخدود فخدت الأخاديد وأضرمت النيران ومن رجع عن دينه وإلا أقحموه فيها ).وفيها التضحية بالنفس في سبيل نشر دين الله وإسناد الفعل كله لله، إنما يشفي الله. رفض الداعي إلى الله الأجر على عمله وهدايته
    2- اسباب النصر على الاعداء : النصر من عند الله ولكن لابد من الاخذ بالأسباب ولينصرن الله من ينصره عندنا صالحون ولكن نحن نريد مصلحين حتى يصلح نفسه ويصلح غيرة انهلك وفينا الصالحون قال نعم وما كان ربك ليهلك القرى بظلم واهلها مصلحون
    فتعالوا لنرى اسباب النصر :
    1- النصر يتحقق بالإيمان والعمل الصالح ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم لهم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ) والظلم بشرك أو معاصي لهم الامن في الدنيا ولهم الامن في القبر والحشر وعلى الصراط
    2- يتحقق النصر بالدعاء نحن ندعوا ولكن هناك موانع اجابة الدعاء والامة واقعه في اكبر موانع اجابة الدعاء اكل الحرام وعلى راسها الربا وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
    3- من اسباب النصر اقامة الصلاة. الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر الناس وقعوا في الشهوات لما اضاعوا الصلوات وتضييعها قد يكون بعدم ادائها بالشكل الصحيح
    4- ويتحقق النصر بأداء الزكاة حتى تحصل المودة بين الناس والمحبة الفقير يحب الغني والغني يعطف على الفقير
    5- اقامة حدود الله حتى يامن الناس على اموالهم واعراضهم وانفسهم
    6- شكر النعم وعدم كفرها واستغلالها في معاصي الله واتقوا الله لعلكم تشكرون فهناك كفران للنعم ملئت البيوت والجوالات بالمنكرات
    قوله ان بطش ربك لشديد : هناك ذكر الله قدرته وعظمته وفي هذه الآيات وعد ووعيد وعد لاوليائه ووعيد لا عداءه وذهب بعضهم إلى ان جواب القسم هذه الآية وما قبلها مؤكدا لها.ان انتقام ربك من أعدائه وعذابه لهم لَعظيم شديد فبقدر ما تطمع في فضله ورحمه بقدر ما تخاف من سطوته وبطشه فقد أدخل الجنة رجلا بغصن شجرة نحاه عن طريق المسلمين وفي المقابل أدخل النار امرأة بحبسها هرة
    قوله انه يبدىء ويعيد :فله الأمر ابتداء وإعادة ولم يذكر الأمر
    قوله وهو الغفور الودود:الغفور كثير المغفرة لمن تاب والودود يغفر لهم ويحبهم سبحان الله الناس إذا سامحت يبقى في النفس شيء والله يغفر لك ويودك . والودود أي كثير الود والمحبة لاوليائه . قرن الودود مع الغفور ليدل اهل الذنوب انهم إذا تابوا أحبهم لله اشد فرحا بتوبه عبده المسافر ضلت راحلته وعليها طعامه وشرابه فنام تحت شجرة فلما استيقظ وجدها عند راسه فقال من شدة الفرح اللهم أنت عبدي وانا ربك اخطأ من شدة الفرح
    قوله ذو العرش المجيد :أي صاحب العرش المجيد الذي لامثيل له والعرش أعظم المخلوقات واولها .المجيد صفه للعرش وصف بالكريم والعظيم والمجيد
    قوله فعال لما يريد : لا يعجزه شيء إذا اراد شيئا فعله ولا يمنعه أحد وهذه صفة لربنا لا يمكن لاحد ان يشاركه فيها يفعل كل شيء يريده
    قوله هل أتاك حديث الجنود :أي قد أتاك حديث الجنود فذكر لنبيه ما جرى لفرعون وثمود حينما كذبوا رسله وكيف اخذهم الله اخذة رابية.وذكر فرعون لأنه اهل الكتاب يعرفونه وثمود لان اهل مكة يعرفونهم وكلا من ال فرعون وثمود قد عرفوا الآيات على صدق انبيائهم ومع ذلك كفروا بعدما عرفوا الحق وأعرضوا عنه ولم يتبعوه كبرا وعنادا و وفيها تهديد للمكذبين من اهل مكة .
    قوله في تكذيب :أي يكذبونك عنادا
    قوله والله ومن ورائهم محيط :أي محيط بهم علما وقدره فلا يفوتونه ولا يخفي عليه شيء من أعمالهم
    قوله بل هو قران مجيد :أي ذو مجد وعظمه فهو عظيم كثير النفع والخير والبركة والاحكام وهو تبيان لكل شيء
    قوله في لوح محفوظ :قراءتان بالخفض وبالرفع . فعلى قراءة الرفع مكتوب باللوح المحفوظ فالله كتب باللوح المحفوظ ما يفعله وما يقوله قبل وجود الخلق
    وعلى قراءة الخفض مكتوب بالألواح أي المصاحف لا يناله تحريف ولا تبديل
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الطارق :
    حديثي معكم اليوم عن سورة الطارق وهي تتحدث عن ركن من اركان الإيمان الستة الإيمان باليوم الاخر والبعث والنشور فبين الله احوال الانسان من حيث نشأته واعادته بعد الموت والفناء وصدق القرآن وما جاء به النبي صلى الله عليه وصلى وحفظ القرآن والرسول واتباعه من كيد الكافرين وانه لا يظهرهم كيدهم شيئا
    قوله والسماء والطارق أقسم الله بأمرين :أقسم سبحانه بالسماء المبنية وبكل ما علا وما فيها من العجائب والمنافع للناس وهي سقف للأرض والأرض فراش والناس ينتفعون بالسماء وبالنجوم وما فيها من الكواكب وهذا من نعم الله العظيمة وهي داله على قدرته وعظمته.
    قوله والطارق فسرة ما بعد النجم الثاقب جنس يشمل جميع النجوم . ومعنى الثاقب أي يثقب الظلام بنوره فيظهر بالليل ويختفي بالنهاروايضا يضرب الشياطين ويحرقهم ويصيبهم .المقسم عليه :بين الله عناية بالإنسان وحفظة من اعداءه واحصاء عمله.فأقسم انه ما من نفس إلا عليها حافظ لبدنها وعملها وما تكتسب من خير وشر .
    قوله ان كل نفس لما عليها حافظ :كل شيء مسجل عليك. {لَّمّاً} إن كانت مشددة بمعنى (إلا) والمعنى ما هناك نفس إلا عليها حافظ. وإن كانت مخففة فماء زائده للتأكيد والمعنى إن كل نفس لعليها حافظ يحفظها من الآفات، أو يحفظ عملها ورزقها وأجلها، فإذا استوفى ذلك مات. ومختصر القول الانسان مخلوق عظيم وما هو بسهل وليس بمهمل لان عليه مسؤوليه والله شرفه وكلفه وليس مثل باقي المخلوقات . وكل الله به حفظة يحفظونه من اعداءه ويحصون عمله وينبغي للإنسان ان يتأدب فحوله حفظة وحرس لا يفارقونه ويراقبونه ويكتبون عنه أي شيء ينبغي على العبد ان يعرف نفسه ويحترمها ولا يؤذي الملائكة فيأكل الأشياء الكريهة أو يتعرى من غير حاجه أو يتكلم أو يفعل اشياء قبيحة.
    قوله فلينظر الانسان مما خلق :هنا لفت نظر الانسان إلى اصله ومن أين جاء وكيف وجد والى أين ينتهي . فأمره بالنظر في اول أمره لان اكثر الناس غافل عن هذا يأكل ويشرب ويلعب ويلهو ويظن انه مهمل. الانسان مخلوق اوجده الله فمن أي شيء خلقه الله .الانسان الذي يفسق ويتجبر ويتكبر ونسي اصل نفسه . يساله ربه من أين وجد ومن أي شيء خلق حتى يعرف قدر نفسه وقدر ضعفه .
    يا مدعي الكبر اعجابا بصورتــه *** انظــر خلاك فان النتن تثريــب
    لو فكر الانسان فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
    يا ابن التراب ومأكول التراب غدا *** أقصــر فإنـك مـأكــول ومشــروب
    قوله خلق من ماء دافق: هذا دليلة على ضعفه.خلق من مني منصب بسرعة في الرحم وقيل انه ماء الرجل ووصفه الله بانه ماء مهين أي ضعيف السيلان وفي ايه اخرى نطفه أي قليل.من أين هذا الماء له مصدر خاص
    قوله يخرج من بين الصلب والترائب :الصلب صلب الرجل وترائب المراءة أي اعلى صدرها وقيل من بين صلب الرجل وترائبه لأنه قال من بين واكده من ماء دافق وهذا يدل على عمق مخرج الماء . فيخلق الانسان من مائين ماء الرجل وماء المراءة . يتكون نطفه ثم علقه ثم مضغه قطعه لحم ثم يتشكل على صورة انسان ثم ينفخ فيه الروح فيتحرك في بطن أمه .ثم يعيش في هذه الحياه حتى إذا انتهى رزقه وعمله تحدرت عليه الملائكة فتقبض روحه
    قوله انه على رجعه لقادر:فكما هو قادر على خلقه من ماء دافق قادر على إعادته بعد فناءه .إن الذي خلق الإنسان من هذا الماء لقادر على رجعه إلى الحياة بعد الموت. والفناء . فمن قدر على البداءة قادر على إعادته واقامة من قبره بعد ان فني. متى يكون البعث بعد الفناء .
    قوله يوم تبلى السرائر :الانسان عنده ظاهر وباطن فنحن ننظر الى ظاهر الانسان والباطن علمه عند الله فينبغي ان نهتم بكل قول نقوله وكل عمل نعمله ماذا اردنا به
    عبر عن الأعمال بالسرائر لأنها نتائجها فلا عمل إلا بنيه .يوم تختبر وتمتحن السرائر فتنكشف وتظهر السرائر وما يضمره الانسان من نيات ومقاصد وعزائم سواء كانت حسنة أو سيئة .السرائر اللاتي يخفين على الناس هن بواد عند الله لو اطلع الناس على سريرة الواحد وهو يظهر من المودة والمحبة لأخيه وهو خلاف ذلك فتصور لو ظهر ما في قلبه للناس لاستحيا فكيف والله مطلع عليها وهو لا يبالي . حذرنا ربنا من يوم تنكشف فيها السرائر ويظهر ما فيها من الصدق والاخلاص والمحبة والتعظيم لله ويظهر ما يضادها من الغش والكذب والنفاق والرياء والكبر والحسد .السريرة إذا صلحت صلح شان العبد كله وإذا فسدت فسد شان العبد كله .السريرة محط نظر الرب وعليها يكون القبول والرد . وبحسب صلاح السريرة تكون حسن الخاتمة وسوؤها .وهذا ما يفسر لنا تفوق الصحابة على من بعدهم بسبب ما وقر في قلوبهم وشدة حبهم للأخرة وزهدهم في الدنيا .فانه لا يتحقق الاخلاص في القلب إلا إذا امن العبد باليوم الاخر ايمانا كاملا وتاما وايمانا تفصيليا لا ايمانا مجملا . والنفس تحب البروز والظهور وتحب المدح ولذلك يهون على الانسان ان يضحي بنفسه ويلقي بها إلى التهلكة من أجل مدح الناس وتهون عليه انفاق الاموال والتعب ويهون عليه القتل من أجل المدح والثناء
    الاخلاص شانه عظيم لا تغتر بنشاطك في الخير وراجع نيتك ما كان لله اتصل واثمر وما كان لغير الله ذهب واضمحل . ان الذين يزعمون ان يعملوا للإسلام والدين كثير في كل زمان ومكان ولكن إذا رفع لواء الاخلاص يوم القيامة فإذا الذين ينضوون تحته قليلون.
    قوله فماله من قوة ولا ناصر :لا يستطيع ان يدفع عذاب الله ساعتها.ليس للإنسان عندما تنكشف السرائر وتظهر الفضائح . من قوة أي حيله من داخل نفسه يدفع بها. وليس له ناصر يعينه ويدفع عنه .
    هنا قسم آخر
    قوله والسماء ذات الرجع :أي أقسم بالسماء ذات المطر فتمطر ثم تمطر مرة بعد مره .
    قوله والأرض ذات الصدع : أي أقسم بالأرض ذات النبات .فلو لم يصدع الله هذه الارض ما نبتت انظر للصخور يخرج منها النبات
    قوله انه لقول فصل : أقسم الله بالقرآن العظيم انه حق يفصل بين الحق والباطل ويفصل بين الصدق والكذب ويفصل بين الجد والهزل .وليس سحر ولا كهانة
    قوله وما هو بالهزل القرآن كله صدق وحق وجد لا هزل فيه وحق لا باطل فيه ولا يتطرق الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولا يتطرق اليه زيادة ولا نقصان .
    ثم بين حال الكفار مع القرآن ومع رسولنا صلى الله عليه وسلم
    قوله انهم يكيدون كيدا :أي الكفار والمكذبين يكيدون بالقرآن وبالرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه من أجل اهلاكهم واطفاء نور الله والله مبطل كيدهم وان تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا
    ومن حكمة الله انه لا يعاجل احد بعقوبه ممن يصد عن سبيل الله اما امهالا له او ليزداد اثما
    كفار قريش كادوا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه وصبر على كيدهم وصدهم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ثم صبروا حينما اضطروا صحابته بالهجرة مرتين واذوهم حتى هاجروا في النهاية الى المدينه واذوا رسول الله حتى هاجر من مكة وووقف على جبلها وقال انك احب ارض الله الي وامر الله رسوله الا يستعجل عليهم حتى نزلت عليه العقوبات بالخوف والجوع وسلب عنهم الامن ورغد العيش ثم عاقبهم بالقتل يوم بدر واسر منهم من اسر الله يمهل الكفار والعصاه حلم منه
    قوله واكيد كيد : من باب المقابلة والجزاء وكيد الله عدل وكيد الكافرين ظلم والله غالب على أمره وكم يخططون للإسلام والمسلمين وما يلبثون إلا ويرتكبون حماقه فتنسف مخططاتهم بعد عشرين سنة من التخطيط والترتيب
    قوله فهمل الكافرين: لا تستعجل عليهم واعلم انهم ليسوا بمهملين ولن ينجوا من شر عملهم ولكن قد يتأخر الأمر لحكمة يعلمها الله
    قوله رويدا :أي قليلا. وكله تهديد من الله للكافرين ووعيد لهم والله لا يعجزه شيء . في هذه السورة العظيمة بين الله سبحانه انه حفظ السماء بالنجوم وحفظ الانسان من اعداءه واحصى عليه عمله وانه مطلع على سريرته قبل عمله وذكر الانسان بأصل نشأته واستدل بالبداءة على الإعادة ومتى يكون ذلك في يوم تجتمع في الاهوال وتنكشف السرائر وتظهر الفضائح ثم اكد على صدق القرآن وما جاء به نبينا وحفظ القرآن والرسول واتباعه من كيد الكافرين
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في سورة الاعلى:
    حديثي معكم اليوم عن سورة الاعلى وهي تتحدث عن علو الذات العلية وانه سبحانه العلي الاعلى ذاتا وقدرا وقهرا وامرنا بتسبيحه وتمجيده وسورة الاعلى سورة عظيمة كان نبينا شغوفا بها يقرؤها في الجمعة ويقرؤها في الاعياد ويقرؤها في اجتماع الناس . روى البخاري عن البراء رضي الله عنه أنه قال : (اول من قدم علينا من أصحاب النبي مصعب بن عمير وابن أم مكتوم فجعلا يقرأننا القرآن ، ثم جاء عمار ، وبلال ، وسعد ، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين أي من المهاجرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به صلى الله عليه وسلم ، حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون : هذا رسول الله قد جاء ، فما جاء حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها) البخاري كتاب التفسير. بدأت السورة بتنزيه الله الذي خلق فابدع وصور فأحسن وأخرج النبات والعشب رحمه بالعباد
    قوله سبح اسم ربك الاعلى: أمر الله نبيه وامته تبع له ان يسبحه فلا يذكره إلا بالإجلال والاكبار: وان ينزهه عما لا يليق به من الشريك والند :قيل نزه جميع اسماء الله أي عظمها ونزها وادعوا الله بها .وقيل معناها سبح ربك أي نزة ربك فقل سبحان ربي الاعلى حتى يجمع بين التعظيم الفعلي والقولي .وقيل سبح ربك أي صلي له . قوله الاعلى :صفة للرب ان ربك الاعلى وهي داله على علوه وعظمته والعلو لله علو الذات والقهر والقدر فهو مستو على عرشه بائن عن خلقه وهو فوق مخلوقاته هذه الآيات الاربع تعريف بالله حتى يتم تعظيمة وتعظيم اسمه
    افتتح الله هذه السورة بان امرنا ان ننزة ونعظمه عن كل عيب ونقص وان له العلو والعظمة فله علو الذات والقهر والقدر فيعظم الله بقوله وقلبه وقالبه ثم ذكرلنا بعدها الادله الداله على عظمته وقدرته
    قوله الذي خلق فسوى :خلق كل مخلوق فمن بالايجاد اولا ثم اتقن خلقها واحسن تسويتها فهو وحده المتفرد بالخلق والايجاد. لما سمع عمر بن الخطاب ألا له الخلق والأمر فقال ما بقي شيء لغيره. أعظم شيء الخلق وهو من خصائص الله وحده الدالة على عظمته وقدرته .قوله فسوى :خلق كل مخلوق مع تسويه خلقها في أحسن تقويم . اتقن المخلوقات وأحسن خلقه . أي عدل المخلوقات فسوى خلقه تسويه ووازنها وجعل كل شيء سويا في خلقه وفي اعضائه وفي جسمه فجعله متوازنا معتدلا.
    قوله والذي قدر فهدى : الله قدر الأشياء كلها على مقتضى حكمته وهداها لمنافعها ومصالحها فبعد ان خلقها واحسن خلقتها هداها لمصالحها فالله سبحانه خلق الأشياء وقدرها بمقاديرها واحجامها ووازنها فلا تفاوت بينها .وهدى أي دل كل مخلوق إلى مصالحه ومنافعه دون ان يعلم هو بفطرته يستدل على مصالحه ومنافعه
    فبين سبحانه انه هو من من بالايجاد واتقن المخلوقات وقدر الاشيئا على مقتضى حكمته وهدى هذه المخلوقات لمصالحها ومنافعها بين بعدها خلق النباتات من ناحيه احياءها بعد موتها وفنائها بعد احيائها
    قوله والذي أخرج المرعى :تذكير بخلق النباتات وفيها التذكير بفنائها بعد احياءها . الأرض يابسه فإذا انزلنا علي الماء اهتزت وانبتت من كل زوج بهيج على اختلا فأنواعها وروائحها وطعومها
    قوله فجعله غثاء احوى :بعد الخضرة والبهجة يصبح يابسا ثم يصير هشيما اسودا. فمعنى غثاء أي يابسا ومعنى احوى اسود فجعله بعد الخضرة والنضرة هشيما بين السواد والبياض.
    فبعد ان نزه الله سبحانه نفسه عن كل عيب ونقص وان له العلو والعظمة وذكر الأدلة الدالة على عظمته وقدرته
    ذكر بعدها الوحي والقران وفيه بشارة لنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم بتحفيظه هذا الكتاب المجيد ، وتيسير حفظه عليه ، بحيث لا ينساه أبدا
    قوله سنقرئك فلا تنسى:وعد من الله وتكفل لرسوله بان يحفظه القرآن فلا ينساه وكان سببها ان نبينا كان يخاف النسيان فيحرك لسانه مع الملك . وفيها تطمين له بان الله يحفظه فلا ينسى استمع للقران من الملك واطمئن .
    قوله إلا ما شاء الله : أي إلا ما شاء الله ان ينسيه من النسيان العارض أو النسخ . والمقصود إلا ما شاء الله ان ينسخه والأمر الثاني إلا ما شاء الله ان يعرض للنبي من النسيان العارض . مما اقتضت حكمته أن ينسيه لمصلحة يعلمها. كما حصل في ليله القدر اراد خبر الامة فتلاحى رجلان فرفعت قال أهل العلم: كان يعرفها صلى الله عليه وسلم فأنسيها من الله عز وجل
    قوله انه يعلم الجهر وما يخفى: هذه جمله تعليلة ان الله يعلم كل شيء ومطلع على كل شيء. فالله يعلم ما أسررتم وما أعلنتم من أقوالكم وأفعالكم وما ظهر وما بطن من أحوالكم.
    قوله ونيسرك لليسرى: هذا وعد من الله لنبيه بان ييسر له جميع أموره من ناحية حمل اعباء الرسالة ومن ناحيه تيسير الشريعة وتيسير الخير على يديه فيجعل دينه يسرا لا عسرا. والمعنى نوفقك للطريقة الاسهل والايسر ونجعل شريعته سمحه ايسر الشرائع
    قوله فذكر ان نفعت الذكرى : بعدما تكفل الله لرسوله بحفظ القرآن ودفع النسيان لما يوحى إليه وتيسر أموره كلها وشريعته . امرة بالتذكير والتبليغ عموما والله يعلم من يهتدي ومن لا يهتدي وان الواقع يكشف المقدور . وان من القوم من تنفعه الذكرى وفيهم من لا تنفعه الذكرى . وان الذكرى لن تنفع الجميع وانما تنفع اولياء الله ولا تنفع اعداءه . و الذكرى معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون . والتذكير واجب والتوفيق بيد الله وحده, وما عليك إلا البلاغ. والذكرى لا تعدم من يقبلها
    بقي متى تنفع الذكرى قالوا بشرط تصديق الخبر وتنفيذ الامر وسبق تفصيل ذلك في الذاريات
    قوله سيذكر من يخشى :سيتعظ بالقرآن من يخاف ربه والخشية لله مراتب . ونخشى ان نخرج من الدنيا وما قدرنا الله حق قدرة وما عظمناه حق تعظيمة . يقول بعض العلماء خشية الله منزلة ما بلغناها لااله الا الله اذا نزلت خشية الله في القلب وكيف تعرف انك تخشى الله اذا انت تعظم امر الله ونهيه فكم من قائم لليل وتقوى الله مفقود او ضعيفه هذا القران .سيتعظ منه المؤمنون ويتعظ بهديه المتقون
    قوله ويتجنبها الاشقى: ويتباعد عن الذكرى كل شقي فلا يقبلها ويسخر منها الذي لا يقبل النصيحة انه شقي ويسخر من الدعاة انه شقية .ذكر الله هنا عاقبة وجزاء الاشقى الذي يتجنب الذكرى دخول النار.
    قوله الذي يصلى النار الكبرى :ان يصلى جلده النار وحرها نار جهنم .وماذا تكون حاله هل يحترق ويذهب لا بل يكون بين الحياة والموت لا يحيا حياة لذيذة ومريحه ولا يموت ويستريح. بل هي حياة شقاء وعذاب والموت خير منها . وهناك خمس طلبات في النار. وهذه عاقبة من لا يقبل هدى الله ولا يقبل التذكير والدعوة إلى الله ولا يصغي لكلام الله وكلام رسوله . لما ذكر جزاء وعقوبة من أعرض وكفر بين بعدها جزاء وثواب الأتقى وعاقبة اهل الإيمان . فإذا كنتم تريدون النجاة فالفوز: هو النجاة من النار ودخول الجنة مع الأبرار. فختمت السورة ببيان فوز من طهر نفسه من الذنوب والآثام ، وزكاها بصالح الأعمال
    قوله قد افلح من تزكى: وهو من يخشى وهذا هو سبب انتفاعهم بالذكرى واستفادتهم منها وذكر لهم ثلاث خصال . حرف قد : يأتي للتحقيق مثل قد افلح ومثل قد قامت الصلاة وقد تأتي للتقليل . من تزكى التزكية تكون بالنفس وتكون بالمال . وتزكية النفس تطهيرها من الشرك والمعاصي وتطهيرها بالتوحيد وبالإيمان والطاعات . وتزكية بالمال بالزكاة والصدقة تزكوا به النقوس والاموال . حياة المؤمن سعيدة وقائمة على الطهارة والتوحيد والطاعة .وحياه الكافر شقيه وتعيسة فهي قائمة على النجاسة والشرك والمعاصي .
    قوله وذكر اسم ربه فصلى:هنا نص على العبادة القولية . وصلى عباده عمليه ونص على الصلاة لأنها مفتاح الخير ومقدمة الأعمال والصلاة تشمل الفريضة والنافلة . لما ذكر الله سبب المنتفعين بالذكر والتذكير وذكر لهم ثلاث خصال الخشية والذكر لله في كل احيانه والصلوات الخمس والنوافل . ذكر بعدها سبب اعراض الاشقياء عن الذكر بسبب حبهم للدنيا يقول الشيخ محمد -صلى الله عليه وسلم- بن عبدالوهاب قد لا يمنع الانسان من قبول الحق عدم معرفة الحق ولكن بسبب حب الدنيا اثرها على الدين ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخرة.
    قوله بل تؤثرون الحياة الدنيا: ما هلك من هلك إلا بسبب حب الدنيا فأما من طغى واثره الحياة الدنيا فان الجحيم هي الماوى . كل من اثر عمل من أعمال الدنيا على أمور الدين فقد اثر الدنيا على الآخرة . غالب من يصلى الفقراء ومن يحضر المساجد والمواعظ ويحب الخير غالبهم فقراء . قال نوح رب انهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا . اتبعوا الاغنياء والمستكبرين واهل الدنيا . ففي مسند احمد الدنيا دار من لا دار له ، ولها يجمع من لا عقل له " .وحديث ( من أحب دنياه أضر بآخرته ، ومن أحب آخرته أضر بدنياه ، فآثروا ما يبقى على ما يفنى وهو في السلسلة
    قوله والاخرة خير وابقى : والدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم, خير من الدنيا وأبقى.
    قوله ان هذا لفي الصحف الاولى: روى ابن مردويه والآجُري عن أبي ذر قال : «قلت يا رسول الله هل أُنزل عليك شيء مما كان في صحف إبراهيم وموسى؟ قال : نعم { قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحياة الدنيا والأخرة خير وأبقى }
    قوله صحف ابراهيم وموسى: جمع صحيفه أي أن إبراهيم كانت له صحف وأن موسى كانت له صحف كثيرة وهي مجموع صحف أسفار التوراة .تمت ولله الحمد اولا واخرا وظاهرا وباطنا
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الغاشية:
    حديثي معكم اليوم عن سورة الغاشية وهي تتحدث عن موضوعين اساسيين وهما :الغاشية وهي القيامة واحوالها واهوالها وما يلقاه الكفار فيها من العناء والبلاء وما يلقاه المؤمن فيها من السعادة والهناء . والأمر الثاني نبه سبحانه على آياته الكونية الدالة على قدرته وهي التي بين ايدي العرب والا آيات الله كثيرة .
    قوله هل أتاك حديث الغاشية :هل أتاك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- وامته تبع له . حديث الغاشية هذا استفهام تنبيه وتشويق. والغاشية هي القيامة سميت غاشيه. لأنها تغشى الناس بهولها وشدائدها واحداثها والغاشية هي التغطية تغطي الناس بأهوالها واحداثها. ثم ذكر احوال الناس عند الغاشية وانهم ينقسمون إلى قسمين: اشقياء وهم الكفار لان الله لما غضب على الكفار جعلهم خالدين في النار نعوذ بالله من غضبه وعقابه
    قوله وجوه يومئذ خاشعة :أي ذليلة ومنكسرة لما اعترى أصحابها من الخزي والهوان.
    قوله عاملة ناصبة: أي عاملة خاسرة. أي عملها لا ينفعها اما لفقد الإيمان أو فقد الاخلاص أو عدم صحة العمل فهو على غير هدى فاهتموا بالعمل ولم يهتموا بصحته فمصير اهل الضلال مع كثرة عملهم التي وصلت إلى مرحله النصب ضلال العمل قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا. فهناك من يصلي تخلصا وهناك من يصلي تقربا . فالمتخلص ينقر صلاته وفي الحديث ارجع فصلي فانك لم تصلي فكان له نصيب من قوله عامله ناصبه وبعضهم يصلي كالطفل لا يرجوا ثوابا ولا يخافا عقابا ينقرها فقال له رجل لماذا تسيء في صلاتك فقال راحت . ولذلك قيل عامله لكنها على غير هدى أو تعمل أعمالا لا تنفعها . وقيل عامله تكلف أعمالا شاقه في النار فكان عملها غير مفيد لجرها السلاسل والأغلال اذلالا لهم وتعذيب
    قوله ناصبة :النصب هو التعب لا يمسهم فيها نصب وهو اهل الجنة بخلاف اهل النار هم في تعب ونصب . ناصبه أي تاعبه اما بالعذاب أو بالعمل الذي لا يفيد لان العمل الذي لا يفيد صاحبه في عذاب . روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قدم الشام ، أتاه راهب شيخ كبير عليه سواد ، فلما رآه عمر بكى ، فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين إنه نصراني ؟ فقال : ذكرت قول الله عز وجل [ عاملة ناصبة تصلى نارا حامية ] فبكيت رحمة عليه. وكل من لا يخلص ولا يتبع هدي نبينا له نصيب من هذه الآية.قل لمن لا يخلص: لا تتعب! إنَّ الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما تحقق فيه شرطان: الإخلاص والمتابعة. قال ابن القيم العمل بغير إخلاص، ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً يثقله، ولا ينفعه.
    فائدة جليه :وهي ان الناس يهتمون بالأعمال الظاهرة وينسون ذنوب الباطن وهي تفسد الأعمال .من أعظم ما يحبط الأعمال الرياء وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا لانهم اهتموا بالظاهر ونسوا الباطن تصوروا اناس قمم فتح الله لهم أعمالا جليلة منهم العالم ظن انه لما تعلم العلم وعلمة واهملوا النية والهدف من العلم فهلكوا وهناك من تصدق بالأموال وبنى المساجد وانفق الاموال الطائلة ولكنه غفل ماذا اراد بها فلم تكن لله فخسروا . لا اله إلا الله ما اصعب الاخلاص على النفس يهون عليها ان تموت ويهون عليها ان تنفق الاموال مع حبه ويهون عليها ان تمضي الاوقات وتحبس نفسها على طلب العلم وتعليمه ولكن يصعب عليها اخلاصه لله .انظروا النية الصالحة كيف تجعل الواجب الذي تفعله قربه ففي البخاري عن سعد ( قال إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في فم امرأتك ). كل شيء تفعله سل نفسك ماذا اردت به .ان معصية العالم و العابد المرائي اشد من الزاني والسارق وشارب الخمر لان الرياء شرك وخلل في العقيدة .والزنى والمعاصي شهوة وخلل في الأعمال الظاهرة لذلك اول من تسعر بهم النار الثلاثة العالم والمتصدق والمجاهد دعوة شرقا وغربا ما الغرض منها . هل يريد الله . فابشر بالخير لان العلم والدعوة شهوة فماذا أردت بها. ابليس كان عابدا لكن جريمته بقلبه الكبر. والكبر هلاك . وأعظمه التكبر على الله ورسوله . والكبر هو بطر الحق وعدم قبوله وغمط الناس وما اكثر الناس اليوم لا يقبلون الحق . لان النفس تحب ان تعلوا على غيرها .لان النفس صاحبه هوى وأعظم الهوى حب الظهور والبروز. ومن ذنوب الباطن الحسد ففي الحديث دب اليكم داء الامم قبلكم الحسد والبغضاء واقرب مثال ابنا ادم واخوة يوسف . والحسد يحمل صاحبه على ارتكاب أعظم الجرائم .ومن ذنوب الباطن وتفسد العمل .العجب ففي الحديث لو لم تذنبوا لخف عليكم ما هو أعظم من ذلك العجب ) يعجب بقوله أو بعمله وهي من المهلكات .واعجاب المرء بنفسه واعجابه برأيه مهلكة. فتراه معجبا بنفسه دائما يذكر نفسه انا قلت انا فعلت
    وعلق الامام الغزالي علي إعجاب المرء بقوله ظهور الغرور في آخر الزمان .ومنها اصلاح السرائر امام الناس وحينما يخلفون بربه يبارزه بالعظائم .فما على الانسان إلا ان يتفقد نفسه كل حين وكثير من الناس يغفلون عن هذه الأمراض .والنجاة من هذه الأمراض . دائما يقرن الله بين الإيمان والعمل الصالح .
    متى يتحقق الاخلاص:
    اولا بمراقبه الله والخوف منه لأنه مطلع على الضمائر فمن علم ان الله مطلع عليه في اقواله وافعاله حجبه عن المعاصي وإذا كثرت الذنوب حجبت عظمة الله عن قلبه تقول للرجل اتق الله فيمر وكأنه لا يسمع شيئا.
    وثانيا إذا امن باليوم الاخر ايمانا كاملا وتاما الإيمان باليوم الاخر تفصيلا لا مجرد معرفة سطحيه. فسحرة فرعون لما آمنوا بالله وباليوم الاخر هانت عليهم الدنيا وهانت عليهم انفسهم
    قوله تصلى نارا حاميه: تدخل ناراً قد أحميت مدداً طويلة فلا حر يعدل حرها . ثم ذكر الله طعامهم وشرابهم
    قوله تسقى من عين انيه :يشربون من عين آنيه متناهيه في الحرارة وصل حرها وغليانها درجه النهاية . من عين شديده الحرارة .لانهم ليس لهم إلا هذا الشراب فيضطرون إلى شربه من شدة الظمأ . وشراب اهل النار انواع منه الصديد يخرج من اجسام المعذبين يسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه . ويسقى أيضا من عين انيه أي شديده الحرارة .
    قوله ليس لهم طعام إلا من ضريع:الضريع قال قتادة شر طعام واخبثه واشبعه وطعام اهل النار انواع. فمنهم أكلة الزقوم، ومنهم أكلة الغسلين، ومنهم أكلة الضريع . شجرة الزقوم اطعام الاثيم تنبت في قعر جهنم وهي شجرة ملعونه وثمرها كريه المنظر وطعمها مر ومنتن وفي منتهى الحرارة . والغسلين غساله اهل النار . والضريع نوع من الشجر لا ينفع نبت ذي شوك لاصق بالأرض, وهو من شر الطعام وأخبثه لا يجلب نفعا ولا يدفع ضرر الجوع . وهو الطعام ذا غصة شوك من نار أو طعام كريه ينشب بالحلق لا يدخل ولا يخرج ويغصون به لخبثه وقبحه وفساده فيذكرون أنهم كانوا في الدنيا يدفعون الغصص بالماء ، فيستغيثون بالشراب فيرفع لهم الحميم بالكلاليب ، فإذا دنا من وجوههم شواها . يسلط عليهم الجوع حتى يكون اشد عليهم من عذاب النار فيضطرون إلى الاكل من الضريع
    لا يسمن البدن ولا يدفع الجوع فيأكلون وكأنهم لا يأكلون ولا يفيدهم شيئا . هذا عذابهم وشرابهم وطعامهم نعوذ بالله من سخطه وعذابه . فحياة الكفار تعيسة وشقيه بسبب الكفر والشرك والمعاصي.
    فائدة : قد يقول قائل لماذا يعذبهم الله عذابا لا يطاق إلا يرحمهم الله عالم بحال الانسان يقول الله ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه فلو ردهم لا يؤمنون لأنه علم حقيقة امرهم لا يؤمنون إلا عند الشدة كما حصل لبني اسرائيل نتق الجبل فوقهم كانه ظله فسجدوا فلما رفع رجعوا إلى معاصيهم الانسان إذا نزل به مرض تاب واناب فإذا شفاه الله رجع إلى غيه إذا هبطوا من الطائرة وبعد كثرة الدعاء والتسبيح فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون وهناك من يعبد الله لحاجته فإذا انتهى الأمر لا صلى ولا صام إذا هبط من الجبل واحس بالخوف تعلق قلبه بالله فلما بلغ الامان مر كان لم يدعنا إلى ضر مسه
    إذا خرجوا من الورطة انقطع التسبيح والدعاء والمفترض فيه يعترف بالنعمة ويتضاعف العمل نبينا لماذا كثرة الصلاة قال افلا اكون عبدا شكورا . ثم ذكر الله حال السعداء في الجنة. وحياة المؤمن سعيدة في الجنة بسبب الإيمان والتوحيد والعمل الصالح لان الأعمال الصالحة تؤهل العبد لرحمة الله
    قوله وجوة يومئذ ناعمه :نعومة الوجه من اثار السعادة ففيها بهجة وسرور لما عندهم من النعيم والسرور فوجوههم ناعمه من النعيم ليست كالحه أو شأحبه أو عابسة تعرف في وجوههم نظرة النعيم .
    قوله لسعيها راضة :أي حامده وسعيدة فعملها له ثمرة وعملها مقبول ولم يكونوا عامله ناصبه بل عامله حامده وسعيدة لصحة ايمانهم وصحه قصدهم وصحه عملهم فوجوههم ناعمه ولأعمالها حامده. فالعبرة بصحه العمل لا بكثرة العمل
    قوله في جنة عالية :أي مرتفعة علو الصفات والمكان والدرجات لان أحسن الجنات ما كان في المرتفعات . اهل الجنة في اعلى عليين والكفار في أسفل سافلين . فالمنازل مرتفعة وسقفها عرش الرحمن
    قوله لا تسمع فيها لاغية : أي لا تسمع كلاما باطلا أو كلاما لا فائدة فيه فلا مكان للكلام فيها للغو . فكلامهم طيب السلام والتسبيح وهدوا إلى الطيب من القول
    قوله فيها عين جاريه : عين جنس يشمل عيون كثيرة ومتنوعه الطعوم والروائح . عيون جارية لا تنقطع ولا تنضب هذا شاربهم. ثم ذكر مجالسهم في الجنة
    قوله فيها سرر مرفوعة: وهى تتواضع لأصحابها فإذا صعدوا عليها ارتفعت. السرر مرتفعة وليس واطيه من أجل التنعم فيرتفعون عليها وينسون بها ليتمكن اهلها من النظر إلى نعيم الجنة
    قوله واكواب موضوعة : اواني للشراب وضعت للشرب على اطراف العيون معده لشربهم
    قوله ونمارق مصفوفة :أي وسائد ومخدات صفت بعضها فوق بعض يستند عليها
    قوله وزرابي مبثوثة:أي بسط فاخره مبسوطة في انحاء الجنة في كل مكان مهيئ للجلوس تكريما لسكان الجنة. هذا ثواب وجزاء السعداء بسبب ايمانهم وسعيهم الصالح في الدنيا . ثم نبه الله على آياته الكونية الدالة على عظمته وقدرته وهي التي بين يدي العرب والا آياته كثيرة
    قوله إلا ينظرون إلى الابل كيف خلقت . وذكر الابل لأنها اقوى الانعام وافضل دواب العرب واكثر استعمالا لها وفيها عبره وامرنا بالنظر اليها نظر اعتبار كيف خلقها الله خلقا عجيبا فهي من آيات الله الدالة على قدرته لان الخلق دليل على قدرة الله العظيم وعظمته. فالابل ذات الخلق العجيب في خلقها و قوتها وصبرها ومنافعها . فمن ناحيه الخلق في خفها وسنامها وانفها. فمعجزة في الخلق لو كان خف الجمل مثل حافر الحمار كان غاصا في الرمال ولكن الخف يفرد على الرمل . وشفته مشقوقة فجعلها ترعى كل نابت في البراري حتى الاشواك. انفه ينغلق امام العواصف الرملية الجفون. وسنامه يختزن الدهن ويكفيه عن الطعام والشراب إلى سبعه ايام مع بذل الجهد. كيف سخرها الله مع ضخامتها وقوتها ومع ذلك تنقاد للطفل الصغير . أيضا تناخ عند الحمل عليها ولا تمتنع بطلب صاحبها ثم يقوم بما تحمله . وفيها منافع كثيرة من الركوب والحمل عليها واكل لحومها وشرب لبنها فحليبها ولبنها غذاء كامل . وصبرها على العطش والجوع الايام المعدودة وتقطع المسافات البعيدة والطويلة.
    قوله والى السماء كيف رفعت : النظر إلى السماء البديعة المحكمة . كيف رفعت عن الأرض بلا عمد ولا دعائم فرفع بنيانها واعلى سمكها فارتفاعها بعيد جدا . خلق السماء من أعظم الآيات .في علوها وارتفاعها وسعتها وقرارها فلا عمد تحتها ولا علاقه فوقها بل هي ممسكة بقدره الله الذي يمسك السموات والأرض ان تزولا ثم تأمل استوائها فلا شقوق ولا فطور ولا امت ولا عوج ثم تأمل هذا اللون الذي هو أحسن الاولوان واشدها موافقه للبصر وتقويه له فمن اصيب في بصرة يوصى بالإدمان الاطلاع على خضرة مملوءة ماء.من تأمل هذه السماوات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب الكبار والصغار المنيرة من السيارة ومن الثوابت ، وشاهدها كيف تدور مع الفلك العظيم في كل يوم وليلة دويرة ولها في أنفسها سير يخصها
    قوله والى الجبال كيف رفعت: فخلقها ومنافعها من اكبر الشواهد على قدرة باريها وداله على علمه وحكمته ووحدانية.وهي تسبح وتخشع وتسجد وتهبط من خشيه الله
    خلق الله سلاسل الجبال . يظنها الجاهل فضله لا حاجة اليها وفيها من المنافع ما لا يحصيه إلا الله وفي حديث ضمام بن ثعلبه حينما وفد على نبينا فقال اسالك بالذي نصب الجبال واودع فيها المنافع الله امرك بهذا.نصبت على الأرض مثبته لها ان تميد بكم واوتاد ورواسي وهي من أعظم المخلوقات تسقط عليها الثلوج فتبقى في قممها وتجي منها السيول والاودية والانهار . ومن منافعها فيها مغارات وكهوف ومعاقل وحصون واكنان للإنسان والحيوان وفيها معادن وينحت منها احجار ومن منافعها ترد الرياح والسيول ومن منافعها اعلام يستدل بها على الطرقات ومن منافعا الأدوية والعقاقير . والجبال الموضوعة في الأرض لتقر ويسكن ساكنوها مع اختلاف أشكالها وألوانها .
    قوله والى الأرض كيف سطحت :تأمل إلى الأرض التي يعيشها عليها البشر كيف بسطت ومهدت . وكيف خلقها الله وجعلها ساكنه غير متحركة الله الذي جعل لكم الأرض قرارا . وقوله تعالى الذي جعل لكم الأرض مهدا .فجعلها ساكنه غير متحركة لتكون مستقرا للحيوان والنبات والناس ولو كانت متحركة كيف يهنون بالعيش عليها وهي ترتج من تحتهم . في جامع الترمذي أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما خلق الله الأرض جعلت تميد فخلق الجبال عليها فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال قالوا يا رب هل من خلقك شيء أشد من الجبال قال نعم الحديد قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الحديد قال نعم النار فقالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من النار قال نعم الماء قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الماء قال نعم الريح قالوا يا رب فهل من خلقك شيء أشد من الريح قال نعم ابن آدم تصدق بصدقة بيمينه يخفيها من شماله)
    وتأمل الحكمة في ليونة الأرض مع يبسها فلو كانت يابسه كيف يزرعون ولو كانت لينه كيف يبنون فجاءت بتقدير باريها على أحسن ما يكون من الاعتدال بين اللين واليبوسة فتهيأ عليها مصالح الخلق. هل هذه المخلوقات العظمية و تخصيص هذه الأربعة المخلوقات باعتبار أن هذا خطاب للعرب وحث لهم على الاستدلال، والمرء إنما يستدل بما تكثر مشاهدته له، والعرب تكون في البوادي ونظرهم فيها إلى السماء والأرض والجبال والإبل. فالله خالق كل شيء ومن خلق ورزق فهو يستحق العبودية ففي الاثر ( اخلق ويعبدون غيري وارزق ويشكرون غيري ) . هذا ما نطق به لسان الفطرة السليمة عند الأعرابي عندما سئل وقد سئل : ما الدليل على وجود الرب تعالى ؟ فقال : يا سبحان الله ، إن البعرة لتدل على البعير ، وإن أثر الأقدام لتدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ؟ إلا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير ؟. .فهذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة هل ليس لها صانع . بل الله وحده خالق كل شيء فاعبدوه .
    قوله فذكر إنما أنت مذكر :أمر الله رسوله ان يذكر هؤلاء الكفرة ويعظهم وبين لهم . إنما أنت مذكر . أي مبلغ عن الله والهداية بيد الله القلوب بيده
    قوله لست عليهم بمصيطر :أي لست بمتسلط عليهم ولا قاهر لهم حتى تجبرهم أو تكرههم على الإيمان . أو أنت غير مسؤول عن عدم اهتدائهم وما أنت عليهم بجبار أي يجبر القلوب على الهداية
    قوله إلا من تولى وكفر :إلا بمعنى لكن لأنه استثناء منقطع.لكن من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الاكبر أي عذاب النار فعذاب القبر هو العذاب الأدنى أو عذاب الدنيا واما عذاب الآخرة فهو العذاب الاكبر
    قوله ان إلينا إيابهم:أي رجوعهم
    قوله ثم ان علينا حسابهم . فعلى رسول الله البلاغ والحساب عند الله يحاسب كل واحد على عمله فيعتقه ايمانه أو يوبقه كفره وعصيانه. فالله لا ينعم عبدا بغير عمل ولا يعذب احدا بغير ذنب. اساس كل خير ان تعلم انك إلى الله صائر وتسال عن هذه النفس وما انفقت ايامها ولياليها اما في طاعة الله أو معصيته ومن علم انه إلى الله صائر استعد للقاء الله اكيس الناس اكثرهم ذكرا للموت واكثرهم استعدادا له
    تمت السورة ولله الحمد والمنه
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الفجر:
    حديثي معكم عن سورة الفجر وهي تتحدث عن ثلاثة أمور عن عاقبة الامم المكذبة لرسلهم وما حل بهم من العذاب .وبيان سنة الله تعالى في ابتلاء العباد في هذه الحياة ، بالخير والشر ، والغنى والفقر ، وطبيعة الإنسان في حبه الشديد للمال .وذكر الدار الآخرة وأهوالها وشدائدها ، وانقسام الناس يوم القيامة ، الي سعداء وأشقياء. أقسم الله في فاتحه هذه السورة بخمسه أشياء وهذه الاقسام والآيات داله على عظمة الله وقدرته وانه لا يستحق العبادة غيره
    قوله والفجر وليال عشر :الواو واو القسم وأقسم بالفجر ولا يراد منه فجر معين على التحقيق لان هناك من فسر الفجر بيوم النحر وفجر يوم عرفه والصحيح ان الفجر هو الصبح مطلق الفجر . الفجر الذي خلقه الله ايه من آيات الله يفصل بين ايه الليل واية النهار . وشرع فيه عباده عظيمة صلاة الصبح والقرآن المشهود ومستودع الأعمال الصالحة قبله وعنده وبعده حتي طلوع الشمس الفجر . وفيه عبره ودلاله على قدرة الله وعظمته من حيث تجلي الظلمة بالنور والفجر ففيه بيان نعمة الله على عباده وبيان قدرة الله على تغيير الاحوال حيث يذهب الظلام ويحل محله الضياء.
    قوله وليال عشر:أي عشر ذي الحجه والليل تابع للنهار تلك العشر المباركة التي لا يوجد مثلها في الأعمال الصالحة ففي الحديث أعظم ايام الدنيا ايام العشر ) رواه البزار بسند جيد عن جابر . وسماها الله اياما معلومات فهي من الظهور بمكان. وأقسم بعشر ذي الحجه تنويها لشانها حتى يستغلها العباد في طاعة الله فالعمل الصالح فيها ثوابه يعدل الجهاد في سبيل الله.
    قوله والشفع والوتر :فيها عشرون قولا واظهرها واوجهها ان المراد بالشفع جميع المخلوقات من ذوات الازواج فلكل مخلوق له ما يزاوجه يقول الله (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ) . والوتر المراد به الله سبحانه . فأقسم الله بذاته سبحانه وبمخلوقاته من ذوات الازواج وغيرها
    قوله والليل إذا يسر : أقسم الله بالليل إذا سرى وذهب و مضى كما في قوله والليل اذ ادبر فأقسم بالليل وادباره والليل مستودع لعباده عظيمة قيام الليل وكان نبينا ينام اول الليل ويقوم اخره . ومع الاسف اليوم عكس الناس الآية سهر اوله ونوم اخره.لكل قسم جواب قسم لكن المقسم عليه محذوف لم يكن واضحا هنا وهو مقدر لتعذبن يا من كفرتم وكذبتم. وقيل جواب القسم ان ربك لبالمرصاد
    قوله هل في ذلك قسم لذي حجر: أي اليس في هذه الاقسام مقنع وكفاية لمن كان له عقل.وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه عن تعاطي مالا يليق من الأفعال والأقوال. الحجر في الاصل هو المنع لكن المراد به هنا العقل لأنه يمنع صاحبه من الزلات . والعقل من أعظم النعم على الانسان ومن أعظم آيات الله الدالة على عظمته ومما يميز الانسان عن الحيوانات. وحتى يعلم العبد نعمة العقل . فلينظر للمجانين لتعرفوا نعمة العقل .ومن نظر للفساق والمنحرفين وحمد الله على نعمة العافية حيث ان الله نجاه بنعمة العقل من كثير من الضلالات والافكار المنحرفة . ولهذا امرنا الله بالمحافظة على العقل فحرم المسكرات لضررها على العقل والمخدرات لأنها تقضي على حياته ويصبح عاله على غيره . وكذلك المفترات ففي الحديث نهى عن كل مسكر ومفتر ومخدر ) . والمعنى لا ينتفع بهذه الآيات والاقسام إلا ذو عقل. ثم ذكر الله نموذجا من المنحرفين الذين منحهم الله عقولا واعطاهم علما وبين لهم طريق الخير وطريق الشر فاستحبوا الضلالة على الهدى والعمى على البصيرة وكانوا مستبصرين وفيه تهديد لكفار قريش وتطمين للرسول صلى الله عليه وسلم
    قوله ألم تر :أي ألم تر يا محمد -صلى الله عليه وسلم- قوله كيف فعل ربك بعاد : عاد قبيله عجيبة جاءت بعد قوم نوح ونبيهم هود عليه السلام وهم يسكنون جنوبي شرقي الجزيرة بالأحقاف كانت ارضهم زراعيه واجسادهم قوية وقامتهم طويله: قال ابن كثير : كانوا أشد الناس في زمانهم خلقة وأفواههم بطشا وذكرهم نبيهم بتلك النعمة وزادكم في الخلق بسطه انعم الله عليهم بزيادة في الخلق: فكانت أسباب القوة التي اعطاهم الله سبابا في كفرهم وتكبرهم . وكانوا أصحاب قوة وصنعه. اتخذوا مصانع لعلهم يخلدون قيل سدود وقيل قصور وكانوا يبنون بكل ريع ايه يعبثون .وبناء البيوت للحاجة لا أشكال فيه .ولكن بناءها للعبث والإسراف والخيلاء فهو مذموم وسنه الله في ارضه وخلقه ما تتغير.
    قوله أرم نسبه إلى ابيهم أرم أي بني أرم وقيل أرم بلده سواء كان نسبه إلى ابيهم أو اضافه
    قوله ذات العماد: على تفسيرين قيل ذات القوة الهائلة بالأجساد والثروة . وقيل ذات الخيام لانهم بدوا يتبعون القطر ثم يرجعون إلى منازلهم في الأحقاف في حضرموت.
    قوله التي لم يخلق مثلها في البلاد:في القوة والبطش والأيدي . وقيل هذه القبيلة فعلت أشياء كثيرة لم يصنع مثلها ونسب الخلق لهم والمراد صناعه الشي وتخلقون إفكا لكن الخلق من العدم لله وحده ممكن يصنع باب يستغل الأدوات الموجودة لكن من الذي اوجد الخشب من العدم الله ومن ثم يقال للمصورين يوم القيامة أحييوا ما خلقتم. فبعث الله فيهم رسوله هودا عليه السلام، فكذبوه . ولم تنفعهم قوتهم والنعم التي امدهم الله بها لان الله اعطاهم النعم فلم يشكروها. وقالوا يا هود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين. كذبوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد . النتيجة احل الله بهم عذابه. فأهلكهم بالطف شيء ارسل عليهم ريح صرصر عاتيه . أين قوتهم لم تنفعهم امام بأس الله لكن لو استعملوا قوتهم في طاعة الله . لاستفادوا منها لكنهم اغتروا بها. لان من قابل النعم بالمعاصي وقابلها بالكفران فهو يعرضها للزوال . هذه الأرض لا يبقى فيها إلا صالحا واي انسان يطغى ويعصى ويكفر يذهب ويزول ولا يبقى إلا من عمل صالحا.
    ذكر الامام ابن خلدون في مقدمة تاريخه في سياق الأخبار الواهية للمؤرخين ما مثاله: وأبعد من ذلك وأعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون في تفسير سورة (والفجر) : أرم ذات العماد فيجعلون لفظه "أرم" اسما لمدينة وصفت بأنها ذات عماد، أي: أساطين وان قصورها ذهب . وبعضهم قالوا بدمشق مزاعم كلها أشبه بالخرافات.
    قوله وثمود الذين جابوا الصخر بالواد : ثمود هم قوم صالح عليه السلام . قوله بالواد . يسكنون في الحجر شمالي الحجاز بوادي القرى بمدائن صالح وكانوا أصحاب قوة وثروة وغنى وينحتون من الجبال بيوتا فارهين جاءهم نبيهم صالح ودعاهم إلى الله فطلبوا منه ايه فجاءت الناقه ايه لهم فلم يعتبروا بها ولم يؤمنوا . لانهم طلبوا الآية من باب التعنت والاستكبار والتحدي فلم يؤمنوا وكانت تشرب الماء يوما وتسقيهم اللبن فنهاهم عن قتلها فعقروها فأخذهم العذاب فجاءت صيحة من السماء قطعت قلوبهم في صدورهم ورجفت بهم الأرض فاصبحوا في ديارهم جاثمين . نعم هذه الأرض لا يبقى فيها إلا صالح. واي انسان يطغى ويعصى ويكفر يذهب ويزول ولا يبقى إلا من عمل صالحا.
    قوله وفرعون ذي الاوتاد: فرعون لقب لمن ملك مصر. والمراد هنا فرعون موسى عليه السلام الذي تجبر وتكبر وادعى الربوبية . قوله ذي الاوتاد:أي صاحب القوة الهائلة والجيش القوي سميت اوتادا لأنها تشد الملك كما يشد الوتد الخيمة.وقيل الاوتاد لكثرتهم . والنتيجة اهلكهم الله وصب عليهم سوط عذاب.
    قوله الذين طغوا في البلاد:عاد وثمود وفرعون طغوا في البلاد أي عم طغيانهم البلاد.كفروا ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد . واكثروا الفساد والظلم .الكفر والفساد واذيه الناس.البشر إذا ملكوا أسباب القوة افسدوا في الأرض وشيدوا البنآيات العالية وهم لا يحتاجون اليهم يتفاخرون بالصناعية وبالقوة والبغي علي الآخرين وظلم النفس. واخطر شيء على الناس الظلم لا يظلم العبد ما دام مقتدرا سواء ظلم النفس بالكفر والمعاصي أو ظلم العباد فانه ظلمات .اكثروا الفساد في الأرض .والافساد في الأرض يكون بالكفر والمعاصي والاصلاح فيها يكون بالتوحيد والطاعات.ماهي العاقبة . صب عليهم سوط عذاب .لان فسادهم كان سبب غضب الله عليهم. ففي الحديث في البخاري ( ان حقا علي الله إلا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه ). دوام الحال من المحال حتي إذا اخذوا أسباب القوة وتحكموا في كل شيء أتاها امرنا .
    قوله ان ربك لبالمرصاد:أي بالمرصاد للمكذبين ولكل طاغ ومفسد فلا يخفى عليه شيء من امرهم وهذا تهديد ووعيد لهم
    درس عظيم وفائدة :
    ارسل الله على الامم السابقة عقوبة جامعه وعذابا استئصاليا وعقوبة هذه الامه إذا كفرت وعصت يسلط بعضها على بعض لأنه بعد نزول التوراة على موسى ما نزل عذاب عام إنما يكلف المؤمن بجهاد الكافر ويسلط بعضهم على بعض ويقتل بعضهم بعضا .فهل نزل على كفار قريش لما كفروا وكذبوا عذابا عاما بل قتل بعضهم بعضا. عن معاذ بن جبل قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة فأطال فيها ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ، لقد أطلت اليوم الصلاة ، قال : إني صليت صلاة رغبة ورهبة وسألت الله لأمتي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ورد علي واحدة ، سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلكهم غرقا فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم ، فردها علي . أخرجه ابن ابي شيبه في المصنف. وعن سعد قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل ذات يوم من العالية حتى إذا مر بمسجد بني معاوية دخل فركع فيه ركعتين وصلينا معه ، ودعا ربه طويلا ثم انصرف إلينا فقال : سألت ربي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ورد علي واحدة ، سألت ربي أن لا يهلك أمتي بالسنة فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم ، فمنعنيها )
    وعن صهيب قال : ذكرت نبيا من الأنبياء أعطي جنودا من قومه فقال : من يكافئ هؤلاء ، قال : فقيل له : اختر لقومك إحدى ثلاث : إما أن يسلط عدوا من غيرهم أو الجوع أو الموت ، قال : فعرض ذلك على قومه ، قال : فقالوا : أنت نبي الله فاختر لنا ، قال : فقام إلى الصلاة ؛ قال : وكانوا مما إذا فزعوا ، فزعوا إلى الصلاة فصلى فقال : اللهم إن تسلط عليهم من غيرهم فلا ، أو الجوع فلا ، ولكن الموت ، قال : فسلط عليهم الموت ، فمات منهم سبعون ألفا في ثلاثة أيام قال : فهمسي الذي تسمعون أقول : اللهم بك أحاول وبك أصاول ولا حول ولا قوة إلا بك .
    وعند البخاري عن جابر بن عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية : ( قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أعوذ بوجهك " . ( أو من تحت أرجلكم ) قال : " أعوذ بوجهك " . ( أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض ) قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " هذه أهون - أو قال : هذا أيسر " .لأنه اهون من عقوبة الجامعة والعامة لأنه قد ينجوا بعضهم. فعقوبة هذه الامة إذا عصت الله يسلط بعضهم على بعض وما من ظالم إلا سبيلي بظالم والظالم سيف الله في الأرض ينتقم به ثم ينتقم منه . والامة إذا اذنبت سلط عليها
    قوله فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه:بين الله سنته في خلقه في الخير والشر والغني والفقر وانه إذا أعطى أعطى للامتحان وإذا منع منع للامتحان.لانهم لم يعلموا حكمة الله في المنع والعطاء فالله امتحن البشر بالمنع والعطاء ليتبن الشاكر من الصابر .ولكن الميزان عندهم أمور الدنيا وليست أمور الدين . ذكر الله في هذه الآية صفه الكافر والانسان الغير مهتد انه إذا انعم الله عليه قال الله أكرمن. وإذا ضيق عليه قال الله اهانن
    اما المؤمن إذا انعم الله عليه شكر وإذا ضيق الله عليه صبر وقد يضيق الله على اولياءه ويحميهم الدنيا وقد يزوي عنهم الدنيا ويعطيها الكفار لان الدنيا فانية. كلا أي ليس الأمر كذلك ليس العطاء دليلا علي الإكرام والرضا . وليس الفقر والحرمان دليلا علي السخط والإهانة .الله يعطي ويمنع اختبارا والله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب فالإكرام بالطاعة والإهانة بالمعصية . ثم بين الله بعدها ان هذا المال الذي منحكم الله لم تستعملوه في الاحسان إلى الخلق . فسبب هلاك الناس جاء من حب المال حبا شديدا . وترتب عليه عدم اكرام الأيتام والاحسان الي المساكين وأخذ حقوق الآخرين . والله اعطانا المال امتحان
    كلا بل تكرمون اليتيم :كلا أي ليس القضية منع وعطاء الله اعطاهم المال كثرة الحظ في الدنيا. فيحملهم ذلك على التكبر على الايتام والضعفاء فلا يحسنون إلى يتيم ولا يحضون على طعام مسكين . واليتيم هو من فقد اباه وله حق على اقاربه وعلى المجتمع حق الرحمة والعطف وحق الاكرام ورفع المعنوية فلا يحتقر ويجبر فقد ابيه الذي يعوله ويقوته يحتاج الي رعاية. ففي الحديث عند ابن ماجه والبخاري في الادب المفرد بلفظ: خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه
    قوله ولا تحاضون على طعام المسكين :يجب على الانسان ان يكون شاكرا عند النعماء وصابرا عند الابتلاء فيشكر نعمة الله ويستعملها فيما ينبغي ويحسن إلى من حوله من الايتام والضعفاء
    قوله وتأكلون التراث اكلا لما :أي يأكلون الميراث من أي جهة حصل بلا مبالاة ويأخذون حقوق الاخرين . فهؤلاء اكلوا الميراث وتركوا الايتام .وكانوا لا يورثون النساء ولا الايتام ويأكلون تراثهم مع تراثهم غيرهم
    قوله وتحبون المال حبا جما : يحبون المال حبا شديدا مع الحرص والمنع .فيأخذونه بغير حقه ويمنعون ما فيه من الحقوق .جمعه وكنزه
    فائدة : والأعمال الصالحة في الدنيا والاحسان إلى الغير تقي اهوال يوم القيامة. ختمت السورة بيان اهوال القيامة وانقسام الناس إلى سعداء واشقياء
    قوله كلا إذا دكت الأرض دكا دكا: هذه الأرض تدك وتمهد وتسوى ويزاد فيها حتى تكون كالمرآة الصقيلة وكسبيكة الفضة ارض عفراء بيضاء ليس فيها معلم لأحد . ويحشر الله الاولين والاخرين من لدن ادم إلى آخر بشر ويخرج الناس من بطنها إلى ظهرها يقول ابن عباس والسعيد من وجد موضع لقدمه خرجوا من القبور للحساب لا تخفي منهم خافيه ويطول عليهم الحشر ويقع الناس في كرب عظيم لا يعلمه الله الله حتي ان الكفار يتمنون الخلاص ولو إلى النار من شده ما نزل بهم من الضيق والوقوف علي اقدامهم ليس هناك قعود أو اضطجاع هم تحت الشمس وينصهر الناس في الحر مع الزحام عندها يطلب اهل الموقف من اولي العزم الشفاعة في ان يفصل الله. بينهم ويؤيدهم من الموقف. ويأتون إلى ادم وانتهاء بمحمد وكلهم يعتذر لان الهول شديد وغضب الله شديد لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله. حتي يأتوا محمد -صلى الله عليه وسلم- ويطلبوا منه الشفاعة وهي ان يدعوا الله فيقول انا لها فيخر ساجدا بين يدي الرب ويدعوا الله وبحمده بمحامد فيصل له سبحانه ارفع رأسك . فيجب الله دعوته وهذه هي الشفاعة العظمى والمقام المحمود فيحمده عليها. الاولون والاخرون
    قوله وجاء ربك : بعد شفاعه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- يجي الله بذاته جلا جلاله لفصل القضاء لكن مجيء وإتيان ليس مثل اتيان المخلوقين اتيان يليق لجلاله فالله موصوف بانه يأتي وبأنه يجيء. وما قدروا الله حق قدره وما عظموه حق تعظيمه فقد ذكر سبحانه عظمته في سورة الزمر . عن ابن عباس قال: "ما السماوات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم . جرير على ذلك وعضده بآثار عن ابن عباس وأبي هريرة والضحاك « في نزوله تعالى من السماء يومئذ في ظلل من الغمام، والملائكة بين يديه، وإشراق الأرض بنور ربها
    قوله والملك صفا صفا:أي ينزل ملائكة كل سماء فيصطفون صفاً بعد صف يحيطون بالجن والإنس في ارض المحشر
    قوله وجيء يومئذ بجهنم: وجيء في ذلك العظيم بجهنم وهي تزفر وتتغيظ ويشاهد الناس النار المحرقة الكبرى . ففي الحديث: «يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها».الناس قيام في ارض المحشر وحينما تأتي جهنم وتزفر الزفرات جثا الناس على ركبهم لشدة الموقف الان تدعى كل أمه إلى كتابها
    قوله يومئذ يتذكر الانسان :عندما يرى الكفار النار يتعظون ويتوبون ولكن بعد فوات الاوان وليس معهم شيء ينجيهم من النار ويتذكر تفريطه في الدنيا في طاعة الله
    قوله وانى له الذكرى :أي من أين له الاتعاظ والتذكر ومن أين له منفعة الذكرى . المراد بتذكره ندامته على تفريطه في الصالحات من الأعمال.
    قوله يقول يا ليتني قدمت لحياتي: يتمنى انه قدم لحياته في الدنيا لان الدنيا مزرعة للأخرة والاخرة دار جزاء .فإذا مات الانسان انقطع عمله إلا من ثلاث وطويت صحائف عمله ولا يزاد فيها ولا ينقص فإذا جاء يوم القيامة وخرج الناس من قبورهم إلى ارض المحشر وأخرجت لهم الصحائف تم الحساب عليها . ففي الحديث عند الطبراني (ولو أن عبداً خر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في طاعة الله لحقره يوم القيامة، ولود أنه يرد إلى الدنيا كي ما يزداد من الأجر والثواب).حديث صحيح، وإسناده جيد. بين لنا فيه صلى الله عليه وسلم أننا لو أفنينا العمر كله، منذ الولادة إلى الوفاة في طاعة الله المتوالية لاحتقرنا ذلك يوم القيامة عندما نحاسب ويقارن هذا بالنعم التي أعطانا الله إياها، فما الحال إذا كانت الطاعات موسمية، إذا كانت الطاعات مؤقتة، إذا كانت الطاعات محدودة أو قصيرة
    قوله فيومئذ لا يعذب عذابه أحد :أي لا يعذب أحد أحداً كعذاب الله ولا يوثق أحد أحداً كوثاق الله. فيوثق الكفار بالسلاسل والاغلال ويسحبون بها
    قوله يأيتها النفس المطمئنة:أي النفس المؤمنة الساكنة بطاعة الله لأنها تظمئن بذكر الله وطاعته وتنادى بهذا عند الموت وعند البعث والقيام من القبور بالنفس المطمئنة اكراما لها. لاتزال حلاوة وبشرى الجنة في قلب المؤمن حتى يدخل الجنة . ويؤكد هذا قراءة ابي {يأَيَّتُهَا النفس الآمنة المطمئنة} فيقال لها عند الموت وعند البعث
    النفوس ثلاثة :
    1- نفس مطمئنه وهي التي قرينها الملك أحبت الخير واطمأنت به وكرهت الشر وابغضته فلو عرض لها أي خير قبلته ولو عرض عليها أي شر كرهته امتلا القلب بالخير فإذا جاء الشر لم يجد مكانا فيه قلبه صحيح
    2- النفس الامارة بالسوء وهي التي قرينها الشيطان اخبث الشر واطمأنت به وابغضت الخير وكرهته امتلا القلب بالشر فإذا جاء الخير لم يجد مكانا فيه وقلبه ميت
    3- النفس اللوامة وهي التي قرينها ملك وشيطان أحبت شيئا من الخير وابغضت شيئا من الخير وكرهت شيئا من الشر وأحبت شيئا من الشر فتمدها مادتان ايمان ونفاق وسميت لوامة لأنها تلوم صاحبها على ترك الطاعات وعلى الوقوع في المحرمات والحرب فيها سجال وهذا قلبه مريض خلط عملا صالحا واخر سيئا
    قوله ارجعي: أي إلى ربك وخالقك:وقيل ارجعي أي أدخلي في أجساد عبادي كقراءة عبد الله بن مسعود {فِي جسد عبدي}. قال سعيد بن جبير رحمه الله: "مات ابن عباس بالطائف فجاء طير لم ير على خلقه، فدخل نعشه ثم لم ير خارجاً منه، فلما دفن تليت هذه الآية على شفير القبر ما يدرى من تلاها: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. وقال الحافظ محمد -صلى الله عليه وسلم- بن المنذر الهروي المعروف بشكَّر في كتابه بسنده إلى قباث بن رزين أبي هاشم قال: "أسرت في بلاد الروم، النصارى أسروا مسلمين، فجمعنا الملك ملك النصارى، وعرض علينا دينه على أن من امتنع ضربت عنقه، فارتد ثلاثة من المسلمين، وجاء الرابع فامتنع، أي عن الدخول في دين النصارى، وبقي على إسلامه وثبت وصبر، فضربت عنقه وألقي رأسه في نهر هناك، فرسب في الماء ثم طفا على وجه الماء، ونظر إلى اولئك الثلاثة، هذا الرأس المقطوع أقبل بالوجه على الثلاثة، فقال: يا فلان ويا فلان ويا فلان يناديهم بأسمائهم، قال الله تعالى في كتابه: يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إلى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَأدخلي فِي عِبَادِي * وَأدخلي جنتي سورة الفجر27-30. ثم غاص في الماء. قال: "فكادت النصارى أن يسلموا، ووقع سرير الملك، ورجع اولئك الثلاثة إلى الإسلام"، قال: "وجاء الفداء من عند الخليفة أبي جعفر المنصور فخلصها"
    والمقصود أيها الإخوة من هذه القصص أن الثبات على الدين والعلم، الثبات على السنة حتى لو دفع الإنسان حياته ثمناً لها
    قوله راضيه بما اعد الله لها . قوله مرضيه :أي مرضيه من الله بما عملت وامنت
    قوله فأدخلي في عبادي:أي في جمله عبادي الصالحين
    قوله وأدخلي جنتي :النفس المطمئنة تخرج من الدنيا إلى الجنة بسبب انه ضبط نفسه وانتصر عليها فانتصر على اعداءه كلها والنفس الامارة تخرج من الدنيا إلى النار لان نفسه وشهوته غلبت عقله واستولت عليه. يقال عند الاحتضار لها، ويقال يوم القيامة لها أيضا، فهناك البشارتان عند الموت وعند القيام من القبر. سبحان الله هؤلاء يدعون إلى دخول الجنة وتبرز لهم الجنة وتقترب منهم والدخول مع عبادي أو بين عبادي أي خواصي في الجنة . واولئك يدعون إلى النار وتبرز لهم النار ففرق بين الجزاءين. ختاما يا ايتها النفس المطمئنة بالإيمان والدين، ورجاء ثواب الله، هذه البشارة يصبر لها الصابرون، ويرجوها العاملون، نسأل الله أن يجعلنا منهم .اللهم أحسن خاتمتنا يا رب العالمين
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة البلد :
    حديثي معكم اليوم عن تفسير سورة البلد وهي تتحدث عن البلد الحرام وعن أعظم وافضل من سكن البلد الحرام تعظيما لشأنه وتكريما لمقامه الرفيع عند ربه وعن ساكنيه من المؤمنين .وتحدثت عن بعض كفار مكة، الذين اغتروا بقوتهم، فعاندوا الحق، وكذبوا رسول الله وأنفقوا أموالهم في حرب الإسلام وظنوا انه سيدفع عنهم عذاب الله. ثم تناولت أهوال القيامة وشدائدها، وما يكون بين يدي الإنسان في الآخرة، من مصاعب ومتاعب وعقبات، لا يستطيع أن يقطعها ويجتازها إلا بالإيمان، والعمل الصالح
    قوله لا أقسم بهذا البلد :أقسم الله بثلاثة أشياء والله لا يقسم إلا بعظيم . لا نافيه وزائدة للتأكيد . والاصل أقسم بهذا البلد اتفق المفسرون على ان المراد بالبلد مكة أي احلف بهذا البلد وأقسم بالبلد الحرام تنويها على عظمتها ومكانتها عند الله وعند خلقه . لأنه خيرة من ارضه وأحب البلاد إليه وقد خص الله الحرم بخائض عظيمة جعله قبله للمسلمين وجعل قصده ركنا من اركان الحج وجعل الصلاة فيه بمائة ألف صلاة وهذا لعظم مكانته ومكانه عند الله . عظم فيه الحسنات وعظم فيه السيئات فمن هم فيه بسيئة عرض نفسه لعقوبته عظيمة فكيف بمن ارتكب فيه المعاصي وترك الفرائض ووقع في الفواحش ان اكثر من يعص الله في الحرم ما يعرفون حرمة الحرم الذي اجتمعت فيه الحرمات كلها. سكني مكة فيها خيرات وبركات وترجمات وأكثر فضائلها دينيه وفيها بركات دنيوية
    قوله وانت حل بهذا البلد : اختلف المفسرون على أقوال اقواها اظهرها . وانت حل يا محمد -صلى الله عليه وسلم- أي مقيم بالبلد الحرام فلما ذكر عظمه البلد ذكر عظمه من سكن البلد فأقسم سبحانه بأفضل وأعظم من سكن البلد الحرام فكما ان الحرم خيرة الله من خلقه فنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- خيرة الله من خلقه فهو سيد ولد ادم وهذا القول اظهر واقوى الاقوال الثلاثة : وقيل أي :أُحِلّت مكة للنبي صلى الله عليه وسلم ساعة من نهار وأنها لم تحل لأحد قبله، ولن تحل لاحد بعده ان يقتل وياسر من يشاء . وقيل وانت حلال الدم يا محمد -صلى الله عليه وسلم- حينما اهدرت قريش دمه وهمت بإخراجه والاول اقوى
    قوله ووالد وما ولد : ثلاثة اقوال عام في جميع المخلوقات وقيل ادم وَذُرِّيَّتِهِ وقيل ابراهيم وَذُرِّيَّتِهِ اظهرها واقواها القول بالمؤمنين . قيل: أقسم سبحانه بساكنيه من المؤمنين ادم وذريته. وقيل: إبراهيم وولده. من الانبياء لان الانبياء بعده من ذريته. وقيل عام في كل والد ومولد من كل المخلوقات ل ورجحه ابن جرير فهو على عمومه . والذي يظهر ان الله أقسم بساكني الحرم من المؤمنين .النتيجة :أقسم بالبلد الحرام وبأفضل وأعظم من سكن البلد الحرام وبساكنيه من المؤمنين .وجاء جواب القسم فأقسم سبحانه بهذه الأشياء على انه خلق الانسان في كبد .
    قوله لقد خلقنا الانسان في كبد :واظهر الاقوال في تفسير كبد . ان عموم الانسان مخلوق في كبد سواء في خلقته أو معيشته فيما يعانيه من دنياه لأنها أي الدنيا طبعت على كدر ونكد فأما كبد في الخلقة فمنذ خلق الانسان في بطن أمه في ظلمات ثلاث وحمله ووضعه ورضاعه وما يعانيه في كسب طعامه وشرابه ومرضه ونشاءته لأنه يكابد مشاق الدنيا ويكابد المرض والجوع والفقر ومصائب الدنيا فهو في تعب ونصب وشدة منذ خلق إلى ان يموت .وينقطع الكبد عن المؤمن عند الموت نوعا ما فيستريح من نصب الدنيا وإذاها وفي الحديث الاخر في رمضان وتزين لهم الجنة ويقول الله يوشك عبادي ان يلقوا عنهم المؤنة ويصيروا اليك لكن يبقى معه شيء من الكبد وينتهي نصب المؤمن عند دخول الجنة قيل للإمام احمد متى الراحة قال إذا وضعتك قدمك في الجنة فقد ارتحت لان العيش في الدنيا يقوم على الجهد والسعي والعيش في الجنة يقوم على التكريم ويبقى الكافر يكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة لأنه لا يخرج من الكبد لا في الدنيا ولا في الآخرة. وملخصه خلق الانسان في نصب وتعب فأما الكافر نصب في خلقته ومعيشته ومآله وأما المؤمن نصب في خلقته ومعيشته ومآله الي الجنة.وفيها اعلان حقيقة ان الانسان يبقى يكابد حتى يقتحم العقبة اما إلى جنه أو إلى نار.
    قوله أيحسب الانسان ان لن يقدر عليه أحد:أيظن الانسان الكافر الذي طغى وتكبر وتجبر واغتر بقوته، فعاند الحق، وكذب رسول الله وأنفقوا أمواله في حرب الإسلام وظن انه سيدفع عنه عذاب الله وانه متروك إذا تمادى في غيه . ونسي قدرة الله عليه كلما ذهب إيمانه العبد أو ضعف نسي ربه واعتمد علي قوته وغفل عن قدرة الله عليه.
    قوله يقول اهلكت مالا لبدا : سمى الانفاق في الباطل هلاكا . فيقول متباهيأ : ويفتخر بما أهلكه من ماله في الشرّ أنفقت مالا كثيرا. أي انفق اموالا كثيرة في حرب الإسلام
    قوله أيحسب ان لم يره أحد :أي ألم يعلم بان الله يراه وهو يفعل هذه الأشياء .إذا ذهب إيمانه نسي ربه ونسي قدرته ونسي رؤيته. والله مطلع عليه ولا يغيب عنه. ثم بيّن الله سبحانه وتعالى بعض مننه على عبده الذي اغترّ بما أعطاه الله سبحانه.
    قوله ألم نجعل له عينين :فذكر مجموعة من الحواس وهي العينان واللسان والشفتان. ألم ليست للاستفهام إنما هي للتقرير . فأعطاه الله العين للرؤية فيبصر بهما المرئيات وهي من اكبر النعم ويعتبر الانسان بمن فقد عينيه كيف يكون حاله. عينان يبصر بها مصالحه وأموره ومخلوقاته فينبغي للإنسان ان يتعدى نظر المعيشة ونظر الترفه إلى مرحله نظر الاعتبار والاستدلال على عظمة الله قدرته . نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لما استيقظ من الليل مسح النوم وقَعَدَ فَنَظَرَ إلى السماء ثم تلا قوله ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأرض وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وقرأ عشر آيات ) ليجمع بين عبادة النظر والذكر. واعطاه اللسان ينطق به ويعبر عما في ضميره من حاجات فاللسان من أعظم النعم ينطق به ويذكر الله به ويدعوا به . واعطاه الشفتين تستر فمه واسنانه فيستر بهما ثغره ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب والنفخ فكيف يكون الانسان بدون شفتين كيف يكون نطقه وجماله. ثم ذكر الله انه أعطاه هذه الوسائل والحواس وسائل لاكتساب الهداية ومعرفه طريق الخير وطريق الشر.
    قوله هديناه النجدين : أي ارشدنا إلى طريقي الخير والشر المفضيين إلى الجنة والنار. لما بين الله بعض نعمة على هذا الانسان الكافر أو الفاجر سواء في المال أو في الخلق أو في العلم . .بين بعدها ان هناك عقبه لا يقطعها ولا يجتازها إلا بالإيمان، والعمل الصالح
    فلا اقتحم العقبة : اقتحام العقبة هو النجاة من النار . هناك عقبة عظيمة وهي أعظم عقبة في هذا الكون إلا وهي عبور الصراط .وهذا الذي يتباهى بماله وانه انفقه في الشر .كيف يقتحم العقبة ويتخطاها، وكيف ينجو منها. ولم يسلك طريق النجاة الذي فيه نجاته فلا يتجاوزها إلا بالأعمال الصالحة ومنها الصدقة .وفيها لفت الله نظر هذا المتباهي والمفتخر بانه انفق امواله في الشر لو انفق ماله في الخير وفيما ينجيه من النار والعقبة لكان خيرا له .ومع الاسف الشديد لازال هناك اناس كثير والى اليوم ينفقون اموالا طائله في الباطل وفي الحرام وفيما يضرهم ولا ينفعهم فبدلا ان يعطوا فقيرا أو مسكينا انفقوها في المباهاة والخيلاء والاسراف وفي الباطل
    قوله وما ادراك ما العقبة :وما ادراك ما النجاة من العقبة والنار . فذكر عدة أعمال من البر تنجي من النار ومن العقبة منها
    فك رقبة ": أي انه اعتق رقبة مؤمنة من أسر الرق. فعن أبى هريرة (رضى الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ( من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار حتى فرجه بفرجه ) [ أخرجه البخاري. أو إطعام. في يوم ذي المسغبة أي المجاعة.الاطعام في المجاعة هذا عمل عظيم ثم لو كان هناك مجاعة ايهم أعظم اجرا فاضلهم يتم قريب أو فقير ليس معه شيء .ومن تأمل احوال اللاجئين خرجوا من بيوتهم فيهم اليتيم والفقير الذي ترك كل شيء في سبيل النجاة بنفسه
    يتيما ذا مقربة ": المقربة أي القرابة أي :يتيما من ذوي القرابة يجتمع فيه فضل الصدقة وصلة الرحم,
    " أو مسكينا ذا متربة ":والمتربة هي الفقر:أي فقيرا معدما لا شيء عنده فاصبح مسكينا يجلس على التراب ليس معه شيء .هذه الأعمال تنجي من النار
    قوله ثم كان من الذين آمنوا : ليس معناه انه صار بعد ذلك مؤمنا بل المعنى وكان مع ذلك مؤمنا . ثم كان مع فعل أعمال البر كان مع ذلك مؤمنا بالله لان الإيمان أصل كل طاعة وأساس كل خير فشروط قبول العمل ثلاث ايمان واخلاص ومتابعة :
    قوله وتواصوا بالصبر : اوصى بعضهم بعضا بالصبر والمراد بالصبر بأنواعه الثلاثة الصبر على طاعة الله وعن معاصيه واقداره ولا يكفى الصبر على طاعة الله فقط فقد يصبر البعض على الطاعات ولكن لا يصبر عن المحارم أو على اقدار الله المؤلمة اختصر الله هذه الدنيا بكلمة واحدة والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم
    صبرت ومن يصبر يجد غب صبره *** ألذ وأحلى من جنى النحل في الفم
    قوله وتواصوا بالمرحمة :أي بالتراحم فيما بينهم . ارحم من حولك الضعفاء الذين لا ناصر لهم والفقير والمظلوم والمريض. أخرج البخاري عن سعد بن ابي وقاص انه رأى ان له فضلا على من دونه في القتال فقال رسول الله ( وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم ) وعند النسائي ( إنما تنصر هذه الامة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم واخلاصهم ). رحمة الحيوان ان الله كتب الاحسان على كل شيء . ارحم ترحم فارحم ابويك يقول الله( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ) ارحم زوجتك وابناءك والخدم والعمال وكل من تحت يدك امرأة رحمت كلبا فسقته فشكر الله لها فغفر لها وامرأة اخرى حبست هرة فلم ترحمها فدخلت النار فبقدر ما ترحم الناس يرحمك الله ( إنما يرحم الله من عباده الرحماء ) رواه الطبراني وفي المقابل ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي ) رواه ابو داود والترمذي ( من لا يرحم لا يرحم ) متفق عليه
    قوله اولئك أصحاب الميمنة:أي الموصوفون بهذه الصفات من أصحاب الميمنة وهم أصحاب اليمين, الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات اليمين إلى الجنة. فأهل اليمين، عنوان السعداء.
    قوله والذين كفروا بآياتنا :أي بالقرآن هم الذين يؤخذ بهم يوم القيامة ذات الشمال إلى النار وأهل الشمال عنوان الأشقياء.
    قوله عليهم نار مؤصدة ":جزاؤهم نار مطبقة مغلقة عليهم. لا يخرج منها نفس ولا يدخل اليهم هواء فهي تفور بهم مثل الحبه في المقلى عذاب الله شديد عذاب الله شديد أجارنا الله بفضله وكرمه منها.حقيقة نحن نقرا هذه الآيات والاحاديث عن النار ولا ندري ما هي الخاتمة نعوذ بالله من غضبه وعقابه وشر عباده .اخف اهل النار عذابا يظن انهم اشدهم عذابا . فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ليس فيها تخفيف فهم في زياده كلما خبت زدناهم سعيرا
    تصور سحن وسجن في النار ولما يكون في النار كيف يكون حالهم اذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل في اقدامهم مقيد ومكبل في النار ويكون في توابيت في النار مغلق عليه وضيق وفي أسفل سافلين. أخبرنا الله عن اهل النار وهم يدعون الله ويستغيثونه ويبحثون عن شفيع لهم من عذاب الله فلا يجابوا إلا بعد ألف سنه ينتظرون الإجابة نعوذ بالله ألف سنه في عذاب الله ما يجابون ويا ليتهم يخرجون بعد مليون سنه فبعد ألف سنه يرد عليهم مالك لقد جئناكم بالحق ولكن اكثركم للحق كارهون يذكرهم بما كانوا عليه من العناد والتكبر. فطلبوا الخروج ثم طلبوا الموت ثم طلبوا التخفيف. ومن هنا ذكر الله استغاثة اهل النار في النار يطلبون النجاة من عذاب الله لو دعوا في الدنيا لنفع فوقت الدعاء والاستغاثة كان في الدنيا و قبل الموت ومن ثم اتجه إلى ربك واساله المغفرة والعفو ما دمت في زمان المهلة لأنك الانسان إذا مات انقطع عمله ويحتاج إلى من يدعوا له اما بعد الموت لا ينفع ولا قيمه له . الكفار والعصاة كانوا في الدنيا يقولون سمعنا وعصينا ولكن يوم القيامة حينما يرون النار يقولون ربنا ابصرنا وسمعنا لكن عودة بعد فوات الاوان فلوا كانت استغاثه اهل النار في الدنيا لأغاثهم الله لكن جاءت استغاثتهم وهم في النار
    فلما علموا ان الله لا يستجيب لهم ولا يسمع استغاثتهم سالوا الخزنة ادعوا ربكم كما يفعل العصاة اليوم يطلبون من الغير الدعاء فتقول له لماذا لاتدعوا أنت قال انا مذنب فلماذا لا تتوب يبحثون عمن يدعوا لهم وهم مصرون على المعاصي. فلما سالوا الخزنة كان جواب الخزنة ألم يأتكم رسل منكم قالوا بلى فقالوا ادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي لا قيمه له . فلما علموا ان الخزنة لا يجيبونهم ومالك كذلك رجعوا إلى الله وطلبوا الخروج ثم الموت ثم التخفيف ثم الاعتراف ثم هذا نزلهم يوم الدين.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الشمس :
    حديثي معكم اليوم عن سورة الشمس وهي تتحدث عن موضوعين وهما :النفس البشرية وكيف خلقها الله قابلة للخير والشر وقابله للهدى والضلال والأمر الثاني تناولت الطغيان ممثلا في قصة ثمود .بداية أقسم الله بثمانية اشياء ولا يقسم الله إلا بشيء عظيم وفيه عبرة وله خاصيه من أجل ان ينبه العباد إلى هذه الأشياء التي يقسم بها لها شان
    قوله والشمس وضحاها :أقسم سبحانه بالشمس وضحاها أي ضوئها وضياءها واشراق ضحاها والضحى وقت ارتفاع الشمس اول النهار. وهذه الآية تضيء الكون كله ولها مدة قدرها الله وإذا ظهرت يستغني الناس عن كل سراج وعن كل طاقة فهي نور وحرارة تضيء الكون وتنضج الثمار والزروع وتنشف الأرض في مصالح لاتعد ولا تحصى. فأقسم سبحانه بالشمس لأنها ايه النهار وهي مبصرة . والضحى فسر بالضوء وارتفاع النهار ارتفاعا عاليا.
    قوله والقمر إذا تلاها: أي إذا تبعها في الطلوع والأفول وهو السير أو في الإضاءة فالقمر يبعد عن الشمس في منتصف الشهر والسبب لان القمر إذا اكتمل يكون في مقابل الشمس ويحصل الخسوف له إذا حال الأرض بينه وبين الشمس وهو يخلفها أي الشمس في النور ويقرب منها في اخره . وأقسم سبحانه بالقمر لأنها ايه الليل فجعل الشمس ضياء والقمر نورا
    قوله والنهار إذا جلاها :أي جلى الأرض والكون بنورة واشراقه فكيف يهنا الناس بالعيش مع فقد النور فالشمس مثل السراج يرفع ليقضي الناس حوائجهم فلو جعل الله الليل سرمدا من اله غير الله يأتيكم بضياء
    قوله والليل إذا يغشاها :أي يغطى الأرض بظلامه ليهنا الناس بالراحة والهدوء ولو جعل الله النهار سرمدا من اله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه
    قوله والسماء وما بناها :أقسم بالسماء وبناءها المحكم .فالسماء ايه من آيات الله العظيمة في ارتفاعه وسعتها واستدارتها وحسن بناءها وعجائب كواكبها وتفاوت ما بين مشرقها ومغربها ولكل سماء ابواب وحرس وحفظه موكلون بها وجعلها قوية ومحكمه وغليظة وابواب السماء تفتح لأسباب
    والأرض وما طحاها : وبالأرض وبسطها ووسعها للناس حتى تقوم مصالحهم عليها فلو كانت ضيقه لتقاتل الناس عليها فجعل السماء سقف والأرض بساطا وفراشا وقد ذكر الله في سورة الشمس المتقابلات: الشمس والقمر ،النهار والليل السماء والأرض، فجورها وتقواها، أفلح وخاب، زكاها ودساها
    قوله ونفس وما سواها :النفس ما يحيا به الانسان فالجسم بدون روح جثه هامده والنفس هي التي تحركه وهي من آيات الله الدالة على عظمته وقدرته ولا يعلم حقيقتها إلا الله . أقسم بهذه النفس ونكرها لأنه اراد نفس معينه وهي النفس البشرية فهي من مخلوقات الله العجيبة وفيها عجائب وعبر ولها صفات فإذا أحبت الخير فهي مطمئنه وإذا أحبت شيئا من الخير والشر لوامة وإذا أحبت الشر فهي اماره بالسوء وظالمه جاهله. قوله وما سواها :أي خلقها سوية مستقيمه على الفطرة السليمة ففطرها على الإسلام . ولكنها قابله للتغيير فان قابلت خير صلحت وان قابلت شر فسدت .فالتربية الصالحة تصلح النفس والتربية السيئة سبب افسادها ولا بد من بذل السبب من العبد ووالديه
    قوله فالهمها فجورها وتقواها :أي جعلها قابلة للخير والشر والهدى والضلال وهذا بقضاء الله وقدره وحكمته . فالله خلق النفس وركب فيها شهوات وجعل لها اختيارا وجعل له قدره وامكانيه وايراده وبين لها طريق الخير والشر وانزل كتبا وارسل رسلا .فكل من علم الله منه الخير وفقه وكل من علم منه الشر يسر له الشر . وسبب محبتها للشهوات واتباع الهوى لأنها ظالمه وجاهله وبالعلم يرتفع الجهل وبالعمل يرتفع الظلم . ولذلك بين الله من يستحق الهداية ومن يستحق الضلال فمن طاع الله زاده هداية ويسر اورة كلها فأما من اعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ومن عصاه اضله على علم وعسر عليه أموره واما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى . اختر لنفسك والله يجازي بعملك اعمل ما شئت فانت مجزي به . اما من اعتمد على القدر ولم يبذل السبب وترك العمل فهلك . فيحتج بالقدر في الشيء الذي لا يقدر عليه مثل المصائب كونه مريضا أو عنده أفة أو عاهة فالشيء الذي لا يقدر عليه لإيلام .ولا يحتج بالقدر في الشيء الذي يقدر عليه كالطاعة والمعصية فلا يصح الاحتجاج بالقدر لأنها فعله وكسبه واختياره فلو زنى لا يصح ان يقول انا مجبور قدره الله نعم علمه وقدره كونا ولكن لا يرضاه شرعا ونهى عنه وهذه مغالطه يغالط بها بعض الاشقياء .
    فبعد ان أقسم الله بثمانية اشياء بتعاقب الليل والنهار والشمس والقمر والسماء المبنية والأرض الواسعة والنفس البشرية القابلة للخير والشر جاء جواب القسم بانه قد افلح من زكى نفسه بالتوحيد والطاعات وخاب وخسر من دنسها بالشرك والمعاصي
    قوله قد افلح من زكاها :أي قد فاز ونجا من زكى نفسه بالتوحيد والطاعات ففي الحديث الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت أي العاقل من حاسب نفسه وضبطها فلم يتبعها هواها . لان الله لما خلق النفس وركب فيها شهوة والشهوات كثيرة وجعل في مقابلها عقلا وايده بالوحي فجعل الله العقل ضابطا للنفس حتى لا تتبع هواها ومثال ذلك مريض السكر تصور طبيب جاءه رجل كبير في السن يشكوا من مرض السكر يعقل ويدرك عواقب الأمور فارشده الطبيب إلى وصفه طبيه فمن السهولة ان يبع ارشاداته لأنه يعقل عواقب الأمور .لكن لو اتيت بطفل صغير عنده مرض السكر كيف تقنعه بعدم جدوى الحلوى وهو لا يدرك عواقب الأمور . لان اتباع الهوى نقص ايمان أو عقل .
    فائدة مهمه :التزكية تأتي على قسمين :
    احدهما يزكي نفسه فيمدحها ويثني على نفسه وهذا منهي عنه لما فيها من الكبر والترفع على الغير يقول الله فلا تزكوا انفسكم لان المؤمن يرى نفسا مقصرا وناقصا دائما لان المؤمن دائما ينظر إلى حق ربه عليه فيعلم انه غير مؤد له كما ينبغي فعلم انه لا سبيل إلى النجاة إلا بعفوه ومغفرته ورحمته فدائما ينظر في حق الله عليه ثم ينظر هل قام به كما ينبغي لذلك يشعر دائما بالنقص والتقصير وفي الاثر ( ذم نفسك فهي اولى بالذم وناجني بقلب وجل ولسان صادق .فالاولى تزكيه نفسه بالمدح والترفع على الناس
    اما القسم الثاني فتزكيه النفس بالتوحيد والطاعة فقد فاز ونجا من طهرها بالتوحيد والطاعات
    قوله وقد خاب من دساها :أي خسر وهلك من دساها أي دنسها بالكفر والشرك والمعاصي وفي الحديث والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله الاماني ) فالعاجز أي من فقد الكياسة فغلبت نفسه عقله فاتبع نفسه هواها فلم يحاسبها ولم يضبطها . وتمنى على الله الاماني أي ترك الأعمال الإيمان وطلب الجنة بدون توبه ولا ايمان ولا عمل وحاله مثل بهيمه ترى المرعى اخضر وجميل وكان بينها وبينه حائل فكانت تحاول باي وسيلة ان تصل إليه وتأكل منه ولكنها لم تفكر في كيفيه الخروج
    والنتيجة إذا استولت النفس الفاسدة على القلب اصبحت حاجزا بين القلب وخالقه فمن ضبط نفسه بالإيمان والعقل نجا ومن استولت عليه نفسه هلك .فمن انتصر على نفسه انتصر على الاعداء كلها وسبيل الانتصار عليها بالمجاهدة وكثرة الدعاء ومن هنا امرنا بالاستعاذه بالله من شر النفس والسيئات. ففي خطبه الحاجه كان رسول الله يقول ونعوذ بالله من شرور انفسنا ومن سيئات أعمالنا رواه مسلم فاستعاذ بالله من شرها عموما ومن شر ما يتولد منها من أعمال . وفي المسند وعند الترمذي أيضا عن عمران بن حصين، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: «يا حصين كم تعبد اليوم إلهاً؟ قال أبي: سبعة ستة في الأرض وواحداً في السماء. قال: «فأيهم تعد لرغبتك ورهبتك»؟ قال: الذي في السماء. قال: «يا حصين أما إنك لو أسلمت علمتك كلمتين تنفعانك». قال: فلما أسلم حصين قال: يا رسول الله علمني الكلمتين اللتين وعدتني، فقال: "قل: اللهم ألهمني رشدي، وأعذني من شر نفسي"
    قوله كذبت ثمود بطغواها :الطغيان عمل قلبي ينشأ عند الانسان حينما يشعر الانسان بالاستغناء فحينما يستغني بنفسه ويستغنى عن ربه ينشا عنده هذا الداء العضال فماذا حصل لقبيله ثمود .هذه أمه كافرة بائدة جاءت بعد قوم عاد اهلكهم الله بسبب كفرهم . كانت تسكن شمالي الحجاز بوادي القرى بالحجر في مدائن صالح . وهذا الوادي خصب فيه مياه ومزارع فكانت امة صاحبة ثروة وقوة وذكرهم نبيهم صالح بنعم الله عليهم أتتركون في ما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فرهين فاتقوا الله واطيعون . فأعطاهم الله نعم عظيمة واعطاهم قوة ويبنون بالجبال بيوتا فارهين أي حاذقين أو متكبرين . فذكرهم بنعم الله عليهم ودعاهم إلى عبادة الله فقالوا ما أنت إلا بشر مثلنا هات ايه ان كنت من الصادقين
    وطلبوا الآية تحدى وتعنت وتعجيز لنبي الله صالح : فأخرج الله لهم ناقه عظيمة من صخرة ونبأهم ان لها شرب يوم ولهم شرب يوم وقال لهم لا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب اليم فكانت تشرب من البئر وتسقيهم لبنا يكفي البلدة كلها ايه عظيمة فاستكبروا وما صدقوا في وعدهم وكذبوا واعتدوا على الناقه فعقروها فنادوا صاحبهم قدار بن سالف احيمر ثمود وهو من اقواهم واشرافهم فتعاطى أي مفتخرا بنفسه وقيل تجرا على تعاطي الأمر العظيم وقيل فتناول الناقة بيده فعقرها وهو اشقى الاولين والاخرين ففي الحديث عند احمد ( علي رضي الله عنه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أشقى الاولين عاقر الناقة )السلسلة الصحيحة مسند احمد والحاكم والنسائي
    ونسب اليهم الفعل مع ان الذي عقرها واحد لانهم تمالئوا ورضوا بفعله.وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون. قال ابن كثير أخبر سبحانه عن طغاة ثمود ورؤوسهم الذين كانوا دعاة قومهم إلى الضلالة والكفر وتكذيب صالح ، وآل بهم الحال إلى أنهم عقروا الناقة ، وهموا بقتل صالح فأتوه ليلا ليبيتوه في أهله ، فدمغتهم الملائكة بالحجارة . وهؤلاء الكفرة الفسقة ، كان من صفاتهم الإفساد في الأرض بكل طريق يقدرون عليها
    قوله فدمدم عليهم ربهم بذنبهم :أي فدمر عليهم ربهم بذنبهم وكفرهم
    قوله فسواها : أي عمهم الله بعذاب فصاح بهم جبريل صيحة واحدة فقطعت قلوبهم في اجوافهم صيحة واحدة مرة واحدة ما كررها مرات فقضت عليهم عن بكرة ابيهم
    قوله ولا يخاف عقباها :أي الله لا يخاف من تبعات اهلاكهم فهلاكهم عليه يسير ولا يخاف منهم ان ينتصروا لأنفسهم. ونجى الله صالحا والذين آمنوا معه . وهذه سنة الله في خلقه بعد اقامة الحجة على خلقه ينزل العذاب على من كفر وينجي الذين ينهون عن السوء يقول الله ( فلما نسوا ما ذكروا انجينا الذين ينهون عن السوء واخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون ). فينجي الله كل من كان امرا وناهيأ امن من كان فاسقا أو صالحا في نفسه ولا ينهى ولا يأمر يعمه الله بعذاب معهم
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الليل
    حديثي معكم عن سورة الله وفي هذه السورة أقسم الله بالزمن وبالعامل والعمل وأقسم الله فيها بالأشياء المتضادة وجاء جواب القسم أيضا متضاد
    قوله والليل إذا يغشي :أي غطى بظلامه الكون يقول الله واية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون
    قوله والنهار إذا تجلى :أي أقبل وتجلى وظهر يقول والله وجعلنا الليل النهار ايتين فمحونا اية الله وجعلنا ايه النهار مبصرة وكلاهما من ايته العظيمة الدالة على قدرته وهما أيضا ايتان متضادتان احدهما يمحو الاخر
    قوله وما خلق الذكر والانثى :وما بمعنى الذي أي والذي خلق الذكر والانثى وهما عامان لكل مخلوق ( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الأرض ومن انفسهم ومما لا يعلمون .والحكمة من أجل بقاء النوع والنسل
    قوله ان سعيكم لشتى: هذا هو جواب القسم وعظمه هذه السورة تكمن في ان السعي مختلف ومتنوع ومتعدد فهناك فاعل الخير وهناك فاعل الشر كل الناس يغدوا فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها
    قوله فأما من اعطى : رغم تعدد السعي وتنوعه إلا انه لا يخرج عن نوعين :
    1- قسم أحسن إلى خلق الله واتقى ربه وصدق بوعده وثوابه وعقابه فيصدق عليه فأما من اعطى واتقى وصدق بالحسن
    2- وقسم اساء إلى خلقه واستغنى بنفسه وعن ربه وكذب بوعده ووعيده
    قوله فسنيسره لليسرى :عقيده اهل السنة والجماعة ان من فعل الخير وبذل الاسباب فالله بيده التوفيق والهداية والتيسير فلابد من الأمرين العبد منه العمل والله منه التوفيق والتيسير والهداية .خلافا للجبرية والمرجئة تركوا العمل فالجبرية اعتمدوا على القضاء والقدر وقالوا لو شاء الله لهدانا وتركوا العمل والسبب .والمرجئة تركوا العمل وقالوا الإيمان بالقلب يكفي . والصحيح ان نجمع بين الإيمان بالقدر والعمل بما ينفع وترك مالا يضر ففي الحديث احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز . ويؤكده ان صحابة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لما أخبرهم رسول الله ان كل واحد مكتوب مقعده من الجنة أو النار فقالوا ففيما العمل يعنى نترك العمل فقال لا اعملوا فكل ميسر لما خلق له
    قوله وما يغنى غنه ماله إذا تردي : نعم الله اعطانا المال عارية واختبار فكيف يتصرف الأنسان في ماله بعد موته فمن الناس من اعطى في الدنيا ومنهم من بخل ولكن لا ينفع الانسان ماله ولو ملك الدنيا إذا تردى أي مات ولم يتصدق ويقدم لنفسه
    قوله ان علينا للهدى :الله وحده بيده هدايته التوفيق والارشاد .
    قوله وان لنا للأخرة والاولى: فكما ان الله يملك الهداية هو يملك الدنيا والاخرة والاملاك التي بيد الناس ترجع إلى ملك الله انا نحن نرث الأرض ومن عليها )
    فأنذرتكم نارا تلظى :أي حذرتكم نارا تتوقد ولا تطفا
    قوله لا يصلها إلا الاشقى : من الذي يصلها ويدخلها الاشقى سواء شقاء ابدي أو شقاء مؤقت فالشقاء الابدي لمن كفر واشرك والشقاء المؤقت لعصاة الموحدين يدخلها بمعصيته ويذوق عذابها
    قوله الذي كذب وتولى :هنا بين كيف صار اشقى بسبب التكذيب كذب بقلبه ولم يؤمن وتولى هذه ثمرة التكذيب الاعراض كما في قوله فلا صدق ولا صلي يعني لا ايمان ولا عمل وهنا كذب بقلبه وتولى بفعله
    قوله وسيجنبها الأتقى :أي لا يدخلها ولا يجد حرها الأتقى .فبالتقوى ننجو من النار وبالتقوى ندخل الجنة هناك أعمال تكون سببا في دخول النار وأعمال تكون سببا في النجاة من النار . منها تقوى الله ومنها الصدقة . بقي من هو الأتقى . الذي يؤتي ماله أي لايء شيء يعطي ماله فلا رياء ولا اسراف ولا شهوات محرمه إنما يعطي لله
    فوائد وعبر وعظات :
    1- أقسم الله بالليل والنهار وجميع المخلوقات من ذكر وانثى ولله ان يقسم بما يشاء وأقسم بالليل والنهار الدالة على وجوده وعلى قدرته
    2- أقسم سبحانه على سعى الناس انه شتى واي مختلف ومتعدد ومتنوع ثم بين نوع السعي وان منهم فاعل خير وفاعل شر
    3- بين الله من يستحق الهداية ومن يستحق الضلال فمن طاع الله زاده هدايه ويسر اورة كلها ومن عصاه اضله على علم وعسر عليه أموره
    4- كان سبب اعراض من بخل واستغنى ان اغناه الله ولكن هذه المال لا ينجيه غدا
    5- بين ان من تمام عدله انه الزم نفسه بيان الحلال والحرام والخير من الشر فقد انزل الكتب وارسل الرسل ثم هدى من يستحق الهداية
    6- كما ان الله يملك الهداية فهو أيضا يملك الدنيا والاخرة وما فيهما
    7- ختمت السورة ببيان من يستحق النار ومن ينجوا منها النار لا يدخلها إلا الاشقى الذي كذب بقلبه وتولى بفعله فلا صدق ولا صلى . وسينجو من النار الأتقى الذي اتخذ من عذاب الله وقاية وبذل ماله يتزكى أي يتطهر من الذنوب والشح والبخل وغرضه طلب رضوان الله
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الضحى:
    حديثي معكم اليوم عن سورة الضحى وهي تتحدث عن النعم الحسية للنبي صلى الله عليه وسلم و ما امتن الله به على رسوله من كرامات في الدنيا والاخرة وليشكر الله على تلك النعم لأنه اكرم الخلق عند الله واشرف مخلوق وفي الحديث ( (أنا سيد ولَد آدم يوم القيامة، واول مَن يَنشق عنه القبر، واول شافع، واول مشفَّع)).وتَحدُّثه صلى الله عليه وسلم بهذه النِّعمة العُظمى من غير فخرٍ ولا عُجْب. وفيها تسلية له عما نسب إليه ونفي لما قاله الكفار في حق نبينا . وإذا تبين هذا كله فأقسم الله بقسمين عظيمين والله لا يقسم إلا بعظيم ولو لم يقسم سبحانه فمن اصدق من الله حديثا ولكن للتأكيد والتشريف للرسول صلى الله عليه وسلم.
    قوله والضحى :أقسم سبحانه بالضحى ذا انتشر ضياؤه وارتفع النهار ارتفاعا عاليا فالله جعل النهار وقتا للحركة والمعاش أقسم الله بالضحى لما فيه من الحكم والنعم ففي الضحى صلاة الاوابين حين ترمض الفصال لأنه وقت غفله وراحه. وهي التي تُذهب الهموم وتشرح الصدور فهي صلاة شكر على نعمة الله عز وجل على سلامة البدن كاملاً وفي الحديث (ويجزئ عن ذلك ركعتا الضحى) . ثبت في الحديث الصحيح الذي تصلى اربعا : (ابن آدم اكفني أربع ركعات من اول اليوم أكفك آخره)
    قوله والليل إذا سجى: وأقسم بالليل إذا اشتد ظلامه وسكن فيه الخلق لان الله جعل لليل وقتا للهدوا والراحة . فلم يجعل الله الليل دائما ولا النهار دائما بل جعلهما يتعاقبان لمصالح العباد في دينهم ودنياهم . قسم الله بالضحى وبالليل لما فيهما من الحكم والنعم، ففي الضحى صلاة الاوابين وفي الليل قيام الليل وصلاة الوتر فقد كان ينام اوله ويقوم اخره بعكس ما يصنع الناس اليوم. قسمان عظيما من الله أقسم الله بالنهار كله وبالليل إذا سكن بالخلق واشتد ظلامه فعلى ماذا يقسم الله واين جواب القسم :
    الجواب: قوله ما ودعك ربك وما قلى:ما ودعك بالتشديد أي ما تركك ربك وما ابغضك وفي قراءة: (ما وَدَعَك) بالتخفيف والمعنى واحد .وأن ربه لم يهجره ولم يبغضه كما زعم المشركون فنفى الله مقالتي المشركين إذ قال بعضهم : ودَّعه ربه ، وقال بعضهم : قَلاه ربه. روي أن الوحي تأخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أياماً فقال المشركون: إن محمداً ودعه ربه وقلاه. فهذا نفي من الله لما قاله الكفار تهكما وسخريه في حق رسول الله. بل هو أحب الخلق عند الله اختاره الله لأعظم الرسالات، وأفضل الأمم، وجعله خاتم النبيين، فلا نبي بعده صلى الله عليه وسلم . هذه هي حال النبي صلى الله عليه وسلم الحاضرة والماضية اكمل حال واتمها محبة الله له ودوام الاعتناء به . وانقطاع الخـير عنك في بعض الاوقـات ، هو تهيئة لخير جديد. ثم بشره بالعطاء الجزيل في الآخرة وهذه هي حاله المستقبلة
    قوله وللآخرة خير لك من الاولى :اللام لام القسم فأقسم الله ان الآخرة خير من الدنيا .قال ابن جرير : أي: وللدار الآخرة وما أعد الله لك فيها، خير لك من الدار الدنيا وما فيها.لان الدنيا زائله والاخرة باقيه . ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أزهد الناس في الدنيا ، وأعظمهم لها إطراحا ، كما هو معلوم من سيرته. لما عرضت الدنيا وخزائنها على النبي - صلّى الله عليه وسلم - قال لا بل أجوع يوماً وأشبع يوماً فإذا جعت صبرت وإذا شبعت شكرت. لما رأى عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثر الحصير في جنبه (الشريف) فبكى فقال له: ما يبكيك يا ابن الخطاب؟ كسرى وقيصر ينامان على الحرير، وأنت رسول الله تنام على الحصير فقال أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة . وفي الحديث ما لي وللدنيا ؟! ما أنا والدنيا ؟! إنما مثلي ومثل الدنيا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها .
    وفيها ان من اعطاه الله الدين فجميع نعم الدنيا ومتعها لا تعدل نعمة الدين والسبب في ذلك ان الله يعطي الدينا ام فتنه للناس أو ضلالا لهم فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم ابوا ب كل شيء أو عذابا لهم ( فلا تعجبك اموالهم ولا اولادهم ).نعم الدنيا كثيرة ولا ننكرها ولكن أعظم نعمة نعمة الهداية فالله يعطي الدنيا من يحب وملا يحب ولا يعطي الدين إلا من يحب . ان نعمة القرب من الله ونعمة الهداية والاستقامة لا يعدلها نعمة ولما بين الله لنبيه انه اتى ( ولقد اتيناك السبع المثاني والقرآن العظم ) وذلك اكبر حظ ونصيب وأعظم الحظ عند الله نهاها ان يمد عينيه إلى متاع الحياة الدنيا لان من اعطاه الله الحظ والنصيب الاكبر لا ينبغي ان ينظر إلى النصيب الحقير ولاسيما انهم اعطوا الدنيا للفتنة أو ضلالا لهم أو عذاب .ورزق ربك خير وابقى .
    قوله ولسوف يعطيك ربك فترضى :أيضا هذا قسم ان يعطيه ما تقر به عينه ،في الدنيا والاخرة . ففي الدنيا انجز الله له وعده ونصر عبده و هيأ له انصارا ونشروا دينه في الأرض واعطاه معجزات وأعظمها المعجزة الخالدة القرآن وله في الآخرة خير من الاولى .قال السعدي فلم يزل صلى الله عليه وسلم يصعد في درج المعالي ، ويمكن له الله دينه ، وينصره على أعدائه ، ويسدد له أحواله ، حتى مات ، ووصل إلى حال لا يصل إليها الاولون والآخرون ، من الفضائل والنعم ، وقرة العين ، وسرور القلب. اما ما يذكره من قل حظه من العلم الشرعي بان نبينا قال :( اللهم لا أرضى يوم القيامة وواحد من أمتي في النار ) فهو من غرور الشيطان لهم.وهو سبحانه وتعالى يدخل النار من يستحقها من الكفار والعصاة. ثم عدد سبحانه نعمة على نبيه وذكره بما كان عليه في الصغر ، من اليتم ، والفقر، وعدم العلم ليستشهد بالحاضر الموجود على المترقب الموعود فيطمئن قلبه وينشرح صدره.
    قوله ألم يجدك يتيما فاوى :يطلق الإِيواء هنا على الكفالة وكفاية الحاجة. وجدك يتيما بلا ام ولا اب فقد مات ابوه وهو في بطن أمه وماتت أمه وعمر ست سنوات فكفله جده عبد المطلب ثم مات جده وكفله عمه ابو طالب حتى ايده ونصره بعد البعثة و كان ابو طالب ساعتها مشركا لكن الله عطفه عليه فحماه الله وسخر له ابو طالب
    قوله ووجدك ضالا فهدى : ليس المراد بالضلال هنا الباطل ولكن وجدك جاهلا بالشرع وبالوحي لا تدري ما الكتاب ولا الإيمان فعلمك مالم تكن تعلم حتى صار معلم البشرية.
    قوله ووجدك عائلا فأغنى :أي وجدك فقيرا فأغناك الله بما فتح عليك من البلدان.ففي الحديث واسناده صحيح عن ابن عمر بلفظ بُعِثتُ بين يديِ السَّاعةِ بالسَّيفِ حتَّى يُعبَدَ اللهُ وحدَه ، لا شريكَ له ، وجُعِل رزقي تحت ظلِّ رُمحي ، وجُعِل الذُّلُّ والصَّغارُ على من خالف أمري ، ومن تشبَّه بقومٍ فهو منهم ) ذكره الذهبي في السير واصله في صحيح البخاري . كان نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقيرا فأغناه الله بالفتوحات الإسلامية وفي المقابل مع كثرة ما أعطاه الله من الخيرات المادية وغيرها كانت مسؤولياته تجاه أمته ومصالحها العامة والخاصة أعظم فخرج من الدنيا ودرعه مرهون فلم تكن قلة ماله أخيرًا عن فقر، بل عن بذل وكرم. وفيها ان الذي ازال عنك هذه النقائص سيزيل عنك كل نقص . والذي اوصلك إلى هذه النعم فقابل نعمة بالشكر.
    وختمت السورة بتوصيته صلى الله عليه وسلم بوصايا ثلاث ، مقابل تلك النعم الثلاث :
    بشكرها : فأما اليتم فلا تقهر:فكما اواك فلا تقهر اليتيم. أي لا تسئ معاملته بل اكرمه فليتيم يحتاج إلى حفظه في نفسه وماله فنهى عن قهر اليتيم لكثرة الأسباب القهر
    واما السائل فلا تنهر : وكما اغناك فلا ترد سائل المال وكما هداك فلا ترد سائل العلم. أي فلا تزجر أي سائل لمال أو طعام أو علم أو غيره. وجعل من شكر الهداية التوسيع على السائلين.السائل له حق ولو جاء على فرس والآية عامه يدخل فيها سائل المال وسائل العلم لان اكرام سائل العلم معونه له على مقصده والرفق بسائل العلم والاحتفاء به اولى وأحرى.ولم ترد كلمة ( تَنْهَرْ ) في القرآن إلا هنا وفي حق الوالدين ( ولا تنهرهما) والجامع بينهما: وجود الضعف فاحذر. من اوى اليتيم ورفق بالسائل يبشر بانشراح الصدر وتيسير العسر
    قوله واما بنعمة ربك فحدث :هذا يشمل النعم الدينية والدنيوية فالضحى ويتحدث بها شكر لله .واركان الشكر ثلاثة التحدث بها ظاهرا والاعتراف بها باطنا وصرفها في طاعة مسديها ومهديها سبحانه. قال الإمام الغزالي رحمه الله: محنة السراء أشد من محنة الضراء. الامتحان بالسراء أشد من الامتحان بالضراء، لأن الضراء كثيراً ما تكون سبباً للانكسار، وكثير من الناس تكون الضراء سبباً للجوئه إلى الله إلا من فجر.اما نعمة السراء فكثيراً ما تكون سبباً للطغيان كما قال الله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى
    الناس في النعم على أربعة أقسام:
    1- منهم الذين يعرفون النعمة بزوالها لا بوجودها، فما دام أحدهم آمناً في سربه معافى في بدنه، لا يشكو مرضاً عضالاً ولا ألماً؛ فلا يحس بهذه النعمة
    2- يعرفون النعمة بوجودها، لكنهم يفخرون بها ويتسورون بها على عباد الله
    3- ينشغلون بالنعمة عن شكرها لم يستغلوها فيما ينجيهم بين يدي الله.
    4- الذين يعرفون النعمة بوجودها ويعرفون أنها من عند الله لا من تلقاء أنفسهم، ويستغلونها في مرضاة الله وهؤلاء هم الشاكرون وهم أقل عباد الله، كما قال تعالى: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ
    فوائد : روى ابن جرير عن ابي نضرة قال: كان المسلمون يرون أن من شكر النعم أن يحدّث بها. انتهى. والتحديث بالنعمة جائز بشرط إلا يكون محفوفاً برياء أو تفاخر أو فيه كسرا للغير واذيه له قيل لعلي رضي الله عنه حدثنا عن نفسك فقال مهلاً فقد نهى الله عن التزكية. ونبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد تحدث عن نعم الله عليه فقال .أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا اول مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأرض يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ وَأَنَا اول شَافِعٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْر ) عن ابي سعيد رواه احمد وتَحدُّثه صلى الله عليه وسلم بهذه النِّعمة العُظمى من غير فخرٍ ولا عُجْب.فقال نبينا متحدثا بنعمة الله علي لا مفتخرا بها. وينبغي كتمان النعمة وعدم التحدث بها إذا خشي الإنسان على نفسه الحسد والكيد من عدو حاقد أو صديق حاسد فان لكلِّ نعمة حاسدٌ على قَدْرها؛ دَقَّت أو جَـلَّت فليس هناك اسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد، وقد قال يعقوب ليوسف عليهما السلام: (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيداً
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الانشراح :
    حديثي معكم اليوم عن سورة الانشراح وهي تتحدث عما امتن الله على رسوله بهذه النعمة فشرح صدره بان وسعه له لتحمل اعباء الرسالة وما يأتيه من الوحي وشرح صدره أيضا لتحمل ما يأتيه من الناس من الاذى وشرح صدره للهدى ولكل خير فانشراح الصدر نعمة وضيقه بليه لذلك يقال فلان صدره واسه وفلان صدره ضيق . وفيها ايناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بقرب الفرج وقرب النصر على الاعداء لان مجيء اليسر مع العسر سنة ربانية ثابتة ويؤكدها تكرار فان مع العسر يسرا وإذا تبين هذا
    قوله ألم نشرح لك صدرك :هذا استفهام تقريري لان الهمزة للاستفهام و"لم" للنفي الاستفهام إذا دخل على النفي قرره يعني صار بمعنى الإثبات والغرض منه التأكيد ، يعني :أي قد وسعنا لك صدرك أي شرح الله صدره بالإيمان ونور قلبه بالحكمة والقرآن .وفسره ابن عباس شرح الله صدره للإسلام .وقال ابن كثير : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا . فانشراح الصدر علامة على الإيمان فمن يرد الله ان يهديه يشرح صدره للإسلام ومن شرح الله صدره فهو على نور من ربه وفي الحديث ان النور إذا دخل الصدر انشراح. وضيقه علامة على الضلال ومن يرد ان يضله يجعل صدره ضيقا حرجا . فالشرح شرح معنوي وليس شرحا حسيا فيكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه، حكم الله الشرعي وهو الدين، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان. والسبب لان النفس الامارة بالسوء تجد ثقلا وانقباضا في تنفيذ اوامر الله ونواهيه .والنفس المطمئنة تجد انشراحا في تنفيذ الاوامر الشرعية وترك النواهي .فنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- بلغ به الحال إلى ان جعل الله الصلاة قرة عينه وراحه لقلبه .وهناك من يصلي فيريد ان يتخلص من الصلاة.وشرح الصدر أعظم نعمة وأقوى عدة في تبليغ الدعوة وتحمل أعباء الرسالة ولأنه به يقابل كل الصعاب
    فائدة : وشرح الصدر نعمة كبرى.لأنه إذا انشرح صدره : فسوف يجد.إقبالاً على طاعة الله عز وجل ، وسوف يجد إقبالاً على مصالحه الدينية والدنيوية فيحييه الله حياه طيبه وحياه مستقرة ليس فيها قلق واضطراب فقد يعطي البعض دنيا عريضة ولكن جحيمه في قلبه.
    وشرح الصدر له أسباب :
    1- توحيد الله عز وجل فكلما عَظُمَ التوحيد زاد الانشراح والانبساط . ومن اسباب الشرح الاقبال عليه سبحانه وتعلق القلب به ودواد ذكره ومحبته
    2- وضيق الصدر له اسباب فمِنْ أعظم أَسباب ضيق الصدر: منها الإعراضُ عن اللَّه تعالى، وتعلُّقُ القلب بغيره، والغفلةُ عن ذِكره، ومحبةُ سواه. من يتخبط في ظلمات الجهل والكفر فلا سعادة يجدها ولا طمأنينة ولا انشراح في الصدر.فهو صلى اللَّه عليه وسلم في ذُروة الكمال مِن شرح الصدر، ورفع الذِكْر، ووضع الوِزْر، ولأتباعه من ذلك بحسب نصيبهم من اتِّباعه.
    قوله ووضعنا عنك وزرك:خففنا عنك حملك وقيل طهرك من الذنوب والاوزار .لان الوضع يكون للحط والتخفيف ، ويكون للحمل والتثقيل ، فإن عدي بعن كان للحط ، وإن عدي بعلى كان للحمل .قوله وزرك :الوزر في اللغة هو الثقل أو الملجأ وسمي الوزير وزيرا لأنه يتحمل ثقل أميره وشغله. وشرعا يطلق الوزر على الذنب كما في الحديث : " ومن سن سنة سيئة ، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة ).لفظ الوزر هنا أطلق ، ولم يبين ما هو وما نوعه ، فاختلف فيه اختلافا كثيرا .وقال ابن جرير وابن كثير : هو بمعنى : ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر .واستدلوا أيضا بقول النبي صلى اله عليه وسلم لصديق الامة ابو بكر افضل الامة على الاطلاق لما طلب دعاء فأرشده نبينا فقال قل اللهم اني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت الحديث ) وقالوا الوزر في حقه صلى الله عليه وسلم فعل خلاف الاولى فيعتبر وزر وكذلك الاجتهادات الخاطئة منه صلى الله عليه وسلك مثل اسرى بدر وقوله عفا الله عنك لما اذنت لهم ). وفي الحديث يا أبا ذر، لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظم من عصيت ). والاظهر والاقوى والعلم عند الله حملها على المعنى اللغوي :أي خففنا عنك حمل اعباء النبوة وتبليغ الرسالة، وأداء الأمانة، ونصيحة الأمة
    شعور النبي صلى الله عليه وسلم بعظم المسؤولية اثقل كاهله وتحمل اذى المعارضين و المستهزئين به، وعدم استجابتهم له، وضعف أتباعه. كل هذا اثقل كاهنه . ذكر ابن كثير في سورة " الإسراء " عن الإمام أحمد من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لما كان ليلة أسري بي فأصبحت بمكة فظعت ، وعرفت أن الناس مكذبي ، فقعدت معتزلا حزينا ، فمر بي أبو جهل ، فجاء حتى جلس إليه ، فقال له كالمستهزئ : هل كان من شيء ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعم " ، وقص عليه الإسراء " . فائدة :هذا يشعرنا بأن للذنب ثقلا على المؤمن ينوء به ، ولا يخففه إلا التوبة وحطه عنده .
    قوله الذي انقض ظهرك : أي وضع اثقالك وازاح عنك الهم الكبير .واتم الله عليه النعم ووضع الأثقال عنه وذلك بكثرة من آمن به، ودخولهم في دين الله أفواجا، وقوة أتباعه، وانمحاء الشرك والجاهلية من الجزيرة، وذل أهلها بعد العز، وانقيادهم بعد شدة الإيذاء. فبعد شرح الصدر وتخفيف حمله لكثرة من امن به رفع ذكره بعد ذلك بين الله انه اعلى منزله رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفع مقامه في الدينا والاخرة
    قوله ورفعنا لك ذكرك:قرن اسمه صلى الله عليه وسلم مع اسم الله . فلا يذكر الله إلا ويذكر معه رسول الله .قال قتادة : رفع اللهُ ذِكْرَهُ في الدُّنيا والآخرة . فأما في الدنيا فلا يذكر الله والا يذكر معه رسول الله فليس خطيب و لا نتشهد و لا صاحب صلاة ولا إذان ولا اقامه إلا وينادي : أشهدُ إلا إله إلا اللهُ ، و أشهدُ أن محمداً رسولُ على المنائر تصدح كل يوم خمس مرات في كل بلد بأعلى صوت ويذكر في كل صلاة وفي كل تشهد فيها وهذا يتكرر دائما وبادا.فلا نحتاج بعد ذلك إلى إحياء ذكرى نبينا بالمولد ولا غيره لأن الله تكفل برفع ذكر نبينا ، فنكتفي بما شرع الله لنا .ونترك البدع الضالة .فيذكر رسول الله كلما ذكر الله ..وله في الآخرة المقام المحمود الذي يحمده عليه الاولون والاخرون في كرامات كثيرة وفضائل عظيمة.
    قوله فان مع العسر يسرا :أي مع كل عسر يسر فالشدة اولا ويصاحبه ويقارنه اليسر في أي أمر يبدا الأمر صعبا ثم يتيسر فمهما ينزل بعبد مؤمن من شدة، يجعل الله بعده فرجاً. فيها وعد بقرب الفرج وقرب النصر على الاعداء فان الله قرن العسر مع اليسر فهو يصاحبه .فالعسر محفوف بيسرين، يسر قبله ويسر بعده، فلن يغلب عسر يسرين هذا كله تطمين لرسول الله وامته تبع له انه مهما اشتد اذى الكفار والمنافقين فانه يزول ويعقبه يسر وفرح وهذا يقتضي ان المسلم لا ييأس مهما اشتد العسر لان الفرج قريب. ختمت السورة بتذكير الرسول صلى الله عليه وسلم بواجب التفرغ لعباده الله بعد انتهائه من تبليغ الرسالة
    قوله فإذا فرغت فانصب : توجيه عام للأخذ بحظ الآخرة، بعد الفراغ من عمل الدنيا.ولا تقضي فراغك في اللهو واللعب لان الفراغ نعمة فيستغل الفراغ فيما ينفع فإذا فرغت من مشاغل الدنيا فانصب لربك بالعبادة قوله والى ربك فارغب:هذا يفيد الحصر أي اجعل رغبتك في الله وهذا يقتضي التوحيد لان الرغبة عباده لا تصرف إلا لله . وفيها إذا اردت حاجه من ربك فقدم عبادة بين يدي المسألة .وهذا موجود حتى بين الناس إذا اردت تطلب شيء تضطر تقدم أمور قبل طلبك ولله المثل الاعلى قدم عمل صالح بين يدي المسألة . عن معاذ بن جبل قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة فأطال فيها ، فلما انصرف قلت : يا رسول الله ، لقد أطلت اليوم الصلاة ، قال : إني صليت صلاة رغبة ورهبة وسألت الله لأمتي ثلاثا ، فأعطاني اثنتين ورد علي واحدة ، سألته أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم فأعطانيها ، وسألته أن لا يهلكهم غرقا فأعطانيها ، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم ، فردها علي . أخرجه ابن ابي شيبه . فمتى قام بهذين الأصلين التفرغ للعبادة والطاعة والرغبة إلى الله وحده وتجريد توحيده يحصل له من شرح الصدر ووضع الوزر ورفع الذكر بحسب ما قام به، وبدل عسره يسرًا"
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة التين:
    حديثي معكم عن سورة التين وهي تتحدث عن تكريم الله للبشر وانه خلقهم في أجمل وأحسن صورة ظاهرا وباطنا فالظاهر أحسن صورة وباطنا على الفطرة من أجل ان يعبدوه ويشكروه وإذا لم يعبدوه ويشكروا له فسيردهم إلى أسفل دركات الجحيم
    قوله والتين والزيتون :أقسم الله بهاتين الثمرتين ولا يقسم سبحانه إلا بعظيم لما فيهما من المنافع والفوائد . قال ابن عباس هو التين : تينكم الذي تأكلون ، والزيتون : زيتونكم الذي تعصرون . اما التين فلم يذكر الله في كتابه التين إلا في هذه السورة وسمى هذه السورة بهذه الفاكهة ففي الاثر فلو قلت : لو فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه ; لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوه قد أقسم الله بالتين والزيتون في كتابه ، لكثرة منافعه وفوائده .واما الزيتون فقد ورد في كتاب الله في سبع آيات في الانعام متين وفي النحل وفي المؤمنون وفي عبس وسورة النور والتين طعمه احلى من العسل والزيتون مر. وبعضهم قال فيها اشاره إلى بيت المقدس والتي بعث منها انبياء كثير ومنهم عيسى ابن مريم
    قوله والطور سينين: أقسم الله العظيم بهذا الجبل ولا يقسم إلا بعظيم فأقسم سبحانه بهذا الجبل وانزل سورة وسمها بهذا الجبل سورة الطور. والطور جبل عظيم كلم الله موسى وناجاه عنده وسنين هو المبارك لأن الله تعالى وصف ما حوله بالوادي المقدس. وقيل هي البقعة .
    قوله وهذا البلد الامين :المراد به مكة سمي امين من كل خوف لأنه حرم كما في قوله الله ( ومن دخله كان امن فهو حرم امن لا يسفك فيه دم ولا يعضد شجرة ولا يقتل صيده ولا يحش حشيشه ولا تلتقط لقطته .وجمع الله فيه اسباب الامن أمن المكان والغذاء والدواء (من أصبح منكم آمنًا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا)[الترمذي وحسنه الألباني].فزمزم طعام طعم وشفاء سقم فالطعام والشراب والدواء والامن وتمت ببعثة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- النعمة بالإيمان.
    قوله لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم :شامل لخلق الانسان حسا ومعنى .فحسا أي شكلا وصورة فعند كثير من المفسرين منتصب القامة معتدلها.ومعنى هي النفس التي يحيا بها الانسان خلقت على فطرة الدين. فلا يوجد أحد من المخلوقات أحسن من بني آدم خلقة.عن علي رضي الله عنه : دواؤك منك ولا تشعر وداؤك منك ولا تبصر . وتزعم أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الكبير.ومعناه ان الانسان وان كان صغير الجسم والشأن بالنسبة للكون إلا ان الكون وعظمة الخلق تجلت فيه .
    قوله ثم رددنا إلى أسفل سافين :على أحد تفسرين احدهما ان الله يرده إلى ارذل العمر فيرد إلى الكبر والهرم وضعف الجسم والعقل .ولكن يستوي فيه المؤمن والكافر الكل قد يدركه الهرم إذا طال عمره .ومن نعمره ننكسه في الخلق لكيلا يعلم بعد علما شيئا ) عمر الإنسان- له مراحل، قبل أن يخرج من بطن أمه وبعد أن يخرج في الطفولة، ثم الشباب، ثم الكهولة، ثم الشيخوخة، ثم أرذل العمر فيكون كلا على أهله ثقيلاً بينهم يتمنون موته فيعود إلى حياة الطفولة ضعيف القوة ضعيف العقل .إن الثمانين وبلغتها قد أحوجت سمعي إلى ترجمان.والمعنى أسفل سافلين: هرمه وضعفه وضعف حواسه وعدم قدرته على الأعمال فصار تقديره: لكن من كان يعمل صالحا فإنا لا نقطع ثوابهم وأجورهم بسبب ضعفهم . وقيل : معنى رددناه إلى أسفل سافلين .الذي كفر وعصى الله يرده إلى النار أسفل سافلين بسبب كفره عقوبة له .وهذا المعنى اقوى واظهر من القول الاول لان كبر السن لا يختص به الكافر .
    قوله إلا الذين آمنوا:هذا الاستثناء يؤكد المراد بالآية السابقة الكافر وعليه لا يكون ايمان بدون عمل صالح. ومن لا يعمل ليس بمؤمن .ومن امن وعمل صالحا فلهم اجر غير ممنون أي غير مقطوع دائم .
    قوله فما يكذبك بعد بالدين :هنا استدل بالبداءة على الإعادة .ما هو السبب الذي جعلك تكذب بيوم الدين .فالله يبدا الخلق ثم يعيده فما سبب تكذيبك بالجزاء؟ بعد هذه الأدلة فمن خلق اول مره قادر على الإعادة مرة اخرى.
    فالحجة الاولى استدل بالبداءة على الإعادة .
    والحجة الثانية اليس الله بأحكم الحاكمين :وهذا الاستفهام للتقرير يقرر الله عز وجل أنه أحكم الحاكمين. ومن ينكر البعث ينكر حكمة الله .و الله تعالى حكيم ولا يليق بحكمته ان يتركه العباد يعملون الخير والشر بدون حساب .ولا يليق بحكمته ان يترك الخلق ينتهون نهاية واحدة بدون حساب وبدون ما يؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة العلق:
    حديثي معكم اليوم عن سورة العلق وتتحدث عن :
    اولا : عن بدء نزول الوحي على خاتم الانبياء والمرسلين وامره بالقراءة والعلم
    وثانيا: تناولت موضوع طغيان الانسان وتمرده على اوامر ربه
    وثالثا: قصه الشقي ابو جهل ونهيه لرسول الله عليه وسلم عن الصلاة .مرّ النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عليه الصّلاة والسّلام في بداية بعثته واصطفائه بأربع مراحل في الوحي والنّبوة .فكان اول ما بدئ به الوحي الرؤيا الصالحة ، يراها فتأتي كفلق الصبح " فكان ذلك إرهاصا للنبوة وتمهيدا لها لمدة ستة أشهر .فكان يرى في منامه رؤىً تتحقّقُ على أرض الواقع كفلق الصّبح، ولأنّ الرّؤيا الصّالحة هي جزءٌ من ستّة وأربعين جزءًا من النّبوة، ثم حبّب الله إلى النّبي الكريم بعد هذه المرحلة الخلاء والبعد عن النّاس، فكان عليه الصّلاة والسّلام يلجأ إلى غارٍ شرق مكّة المكرمة اسمه غار حراء يتعبّدُ فيه ويتحنّث، وكان يقضي فيه اللّيالي ذوات العدد.
    جاءت بعد ذلك مرحلةُ الوحي؛ حينما نزل جبريل عليه السّلام إلى النّبي محمد -صلى الله عليه وسلم- عليه الصّلاة والسلّام وهو يتعبّد في غار حراء في مكان مطل على مكة فجاءه الملك فقال (إقرأ) قال: ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال (إقرأ) فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال (إقرأ) فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: إقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق إقرأ وربك الأكرم فحفظها رسول الله ورجع إلى زوجته خائف من رعب بداية الوحي واغتسل بماء وقال لقد خشيت على نفسي فذكر ما راه فطمأنته زوجته لا والله لا يخزيك الله وقال زملوني ثم فتر بعدها الوحي اربعين يوما ثم عاد إليه الملك وجاءه جبريل وهو متدثر بالفراش فقال يا ايها المدثر قم فانذر .إذا تبين هذا كله ذكر الله في بداية هذه السورة خمس آيات هي افتتاحية الوحي وكان موضع عناية المفسرين وفيها مراتب الوجود الأربعة عموم الخلق ثم خصوص خلق الإنسان التعليم بالقلم الذي هو من أعظم نعمة على عباده والخلق والتعليم إنما نشأ من كرمه وبره وإحسانه
    ومختصر القول اسند الله إليه مراتب الوجود الخلق والتعليم والكرم فهو معطيها ومسديها وحده وبين الله في فاتحه هذه السورة فضل القراءة والكتابة والعلم بجميع أنواعه.
    قوله إقرأ باسم ربك:بدأت السورة بالدعوة إلى القراءة والتعلم وختمت بالصلاة والتعبد ليقترن العلم بالعمل .لماذا أمره بالقراءة رغم ان نبينا كان أميا لا يقرأ ولا يكتب لا القراءة تكون من شيئ مكتوب أو من شيء محفوظ
    وأمره بالقراءة من المحفوظ وتلاوة ما سيلقيه عليه جبريل .إقرأ- يا محمد -صلى الله عليه وسلم-- ما أنزل إليك من القرآن مفتتحا باسم ربك المتفرد بالخلق.إقرأ لان ما أحد يأتيه علم بدون قراءه وبدون تعلم وقد اشار السياق إلى نوعي القراءة المكتوب والمحفوظ وكان رسول الله اميا لا يقرأ ولا يكتب صيانه للرسالة ولم يقل الشعر وما ينبغي له حتى لا يرتاب المبطلون
    قوله باسم ربك :أي مستفتحا ومستعينا بالله فما تقرؤه هو من ربك : ليس من عندك ولا من عند جبريل الذي يقرئك
    قوله الذي خلق :من صفات الرب الخلق لأنها أجمع الصفات للتعريف بالله لخلقه هي الخلق .وكل مخلوق لابد له من خالق ولا أحد يستطيع ان يخلق شيئا ممكن ان ينسب إلى الانسان صناعه شيء فيصنع باب لكن يوجده من العدم مستحيل فقد يستغل أشياء موجود فيجمعها فيطلق عليه صانع اما الايجاد من العدم فلا يخلق من العدم إلا الله وحده .فالخلق من براهين التوحيد لان الخلق من خصائص الله فله الخلق والأمر ومن له الخلق فله الأمر والنهي واما غيره فليس له أمر ولا نهي ولا أحد يخلق يستطيع ان يخلق شيئا إلا الله كل علماء الدنيا لا يستطيعون خلق شيئا لكن ممكن يجمعون أشياء يصنعونها اما الخلق من العدم فهو لله وحده فمثلا صناعه باب من الخشب من الذي اوجد الخشب الله وقس عليه
    قوله خلق الانسان من علق :العلق هو الدم الجامد الغليظ الاحمر الذي يعلق بالرحم بسبب اجتماع ماء الرجل مع ماء المراءة .بعد ان ذكر الله عموم الخلق ذكر خصوص خلق الانسان لأنه موضع العبرة ثم ذكر مادة خلقه من علق . أي من دم وهي حالة الجنين في الأيام الاولى لخلقه فماء المراءة والرجل حينما يبقى في الرحم اربعين يوما يتحول إلى دم ثم في الاربعين الثانية يتحول لحم علقه في الاربعين الثالثة تنفخ فيه الروح إذا تم مائة وعشرين يوماً ، يعني أربعة أشهر ، صار حينئذ إنسانا.بقي لماذا قال خلق الانسان من علق لان حياته متوقفة علي الدم
    أن للإنسان أربع دور:
    الدار الاولى: في بطن أمه. دار التكوين وليس مطلوب منه أي شيء
    الدار الثانية: في الدنيا. من الولادة إلى البلوغ تكتب له الحسنات ولا تكتب له السيئات ففي الحديث امرأة رفعت رضيع ألهذا حج قال نعم ولك اجر وبعد البلوغ يجري عليه القلم وتكتب حسناته وسيئاته
    الدار الثالثة: في البرزخ. دار الانتظار وهي مرحلة مؤقته وسميت زيارة حتى زرتم المقابر لان الزائر لابد ان يعود ولو طالت الزيارة
    الدار الرابعة: في الجنة أو النار وهي المنتهى.
    قوله إقرأ وربك الأكرم :لان التكريم حاصل بالعلم.إقرأ -أيها النبي- ما أُنزل إليك، وإن ربك لكثير الإحسان واسع الجود نعمتان متكاملتان : الإيجاد من العدم بالخلق ، والإيجاد الثاني من الجهل إلى العلم ، ولا يكون هذا كله إلا من الرب الأكرم سبحانه . فهو "الأكرم" في ذاته واوصافه وأفعاله، وهذا الخلق والتعليم إنما نشأ من كرمه وبره وإحسانه
    قوله الذي علم بالقلم :الذي علَّم خلقه الكتابة بالقلم، فما قال علم فقط بل نص على النعمة المخصوصة نعمة القلم العظيمة على عبادة فعلم الناس سبحانه بالقلم فلولا العلم بالقلم لاندثرت علوم كثيرة . فالتعليم بالقلم فيه فوائد عظيمة فلولا القلم لم يقم دين ولم يصلح معاش.علم الانسان متوقف على تعلم الكتابة والقراءة. ذكر التعليم بالقلم الذي هو من أعظم نعمة على عباده; إذ به تخلد العلوم وتثبت الحقوق وتعلم الوصايا . الانسان في بداية أمره جاهل فمن علم الجاهل بالقلم ، يعلم غيره بدون القلم . القلم من آيات الله ولولا القلم لنسي الانسان علوم كثيرة
    قوله علم الإنسان ما لم يعلم:أي نقله من ظلمة الجهل إلى نور العلم. والله أخرجكم من بُطُون أمهاتكم لا تعلمون شيئا. علم الانسان مالم يعلم عن طريق الوحي والنَّاس تعلموا علوم الدنيا وأهملوا علوم الدين فعلم الله الانسان مالم يعلم علمه الكلام فتكلم، و أعطاه الذهن الذي يعي به، واللسان الذي يترجم به، والبنان الذي يخط به.فالله الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، وكل ما تعلمه الإنسان فهو من الله تعلمونهن مما علمكم الله.لماذا ذكر الله مراتب الوجود الخلق والعلم والكرم واستدعا إليه بين بعدها حاله الانسان الكافر والفاجر مع هذه النعم هل يشكرها ام لا ؟وذكر طغيان الانسان وتمرده على اوامر ربه
    قوله كلا ان الانسان ليطغى :هذه صفه عامه في الانسان إلا المؤمن يعلم ان المال من الله والصحه من الله والقوة من الله ويعلم انه لا يستغني عن الله طرفه عين فيزاد شكره لله . لكن من كفر أو ضعيف الإيمان يطغي فان أغناه الله بطر وان أعطاه الصحة أغتر ولم يعلم انه قد يسلبه في لحظة ويتراءى له أنه استغنى سواء بماله أو بقوته أو جاهه.ومن تأمل كل صور الطغيان جميعا يجد ان الطغيان عمل قلبي ينشأ عند الانسان حينما يشعر الانسان بالاستغناء فحينما يستغني بنفسه ويستغنى عن ربه ينشا عنده هذا الداء العضال وسببه الاعجاب بما هو فيه من القوة والصحة والغنى والسلطة .ولا غنى عن الله تعالى طرفة عين والانسان لا يستطيع يستغنى عن الله .ومن استغنى عن الله طرفة عين، فقد كفر . ولذلك إذا أصيب الانسان بمصيبه فليعلم انها نعمة من الله لأنه إذا لم يبتليه الله طغي
    قوله ان إلى ربك الرجعى :توعده الله بان المرجع عنده في الآخرة فيجازي الانسان كلى كفرانه وعصيانه وفيها تهديد لهذا الإنسان الذي طغى حين رأى نفسه مستغنياً عن ربه. لما ذكر طغيان الانسان وتمرده على اوامر ربه . بين بعدها قصه الشقي ابو جهل ونهيه لرسول الله عليه وسلم عن الصلاة.
    قوله أرأيت الذي ينهى :قال المفسرون في أن الناهي أبو جهل والعبد المصلي النبي صلى الله عليه وسلم. ففي الصحيحين، ولفظ البخاري عن ابن عباس : قال أبو جهل: لئن رأيت محمدا يصلي عند الكعبة لأطأن على عنقه. فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « لو فعله لأخذته الملائكة . وروي انه لما دنا عرض لي دونه فحل من الإبل، والله ما رأيت مثل هامته ولا قصرته، ولا أنيابه لفحل قط. فهمّ أن يأكلني". وقيل انه لما اراد ان ينفذ وعده حال بينه وبين رسول الله خندقا من نار وهولا واجنحة
    قوله أرأيت ان كان على الهدى :يعني إذا كان هذا الساجد على الهدى فكيف تنهاه عنه
    قوله أو أمر بالتقوى :إذا أمر بطاعة الله فكيف تنهاه
    قوله: أرأيت إن كذب وتولى :كذب بالقول وتولى بالفعل
    قوله ألم يعلم بأن الله يرى:معناه أي ما يخاف الله والله يرى صنيعه وكفره .الله يرى سبحانه وتعالى علماً ورؤية، فهو سبحانه يرى كل شيء مهما خفي ودق، ويعلم كل شيء مهما بعد. فالله يعلم الأمر والناهي ويعلم المصلي والساجد، ويعلم من طغى، ومن خضع لله عز وجل، وسيجازي كل إنسان بعمله.المقصود من هذا تهديد الذي ينهى عبداً إذا صلى
    قوله كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية:هنا هدده الله لئن لم ينتهي عن كفره وتهديده .لنسفعن وهي جواب لقسم مقدر والله لئن لم ينته لنسفعن، ومعنى (لنسفعن) أي لنأخذن بشدة السفع هو القبض والمراد يقاد بالناصية اهانه له .ناصيه كاذبة خاطئة.أي كاذبة في القول وخاطئة بالفعل .وفي العصر الحديث وجد ان المخ الذي تحت الجبهة مباشرة "الناصية" هو المسئول عن الكذب والخطأ وانه مصدر اتخاذ القرارات . ما من دابة إلا هو أخذ بناصيتها في الحديث اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك". ولحكمة إلهية شرع الله أن تسجد هذه الناصية وأن تطأطئ له
    قوله فليدع ناديه : النادي المجلس الذي يجتمع فيه القوم، والمراد أهل النادي. لينتصر بهم .أن أبا جهل مر بالنبي عليه السلام وهو يصلي فقال: ألم أنهك فأغلظ له رسول الله عليه السلام فقال: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي نادياً فنزل.
    قوله سندعو الزبانية:وهدده الله بملائكة العذاب ولا شك ان عناك فرق بين ملائكة العذاب ونادي قريش فملائكة العذاب غلاظ شداد. ختمت السورة بتوجيه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى عدم الاصغاء لهذا الشقي المتمرد
    قوله كلا وتطعه واسجد واقترب :والمراد بالسجود هنا الصلاة، لكن عبر بالسجود عن الصلاة لأن السجود ركن في الصلاة لا تصح إلا به والصلاة أفضل أعمال العبد وكان السجود أفضل أركانها الفعليّة, وسرُّها الذي شُرعت لأجله.قال ابن القيم : السجود سر الصلاة وركنها الأعظم وخاتمة الركعة وما قبلها من الأركان كالمقدمات له. أن السجود من أعظم القرب إلى الله لما طلب الرجل مرافقة رسول الله في الجنة امرة بكثرة السجود نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في حديث الشفاعة خر ساجدا لله يوم القيامة .كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه ما يسره خر ساجداً لله. كل شيء يسجد لله حتى الشمس تسجد لله حديث أبي ذر لما غربت الشمس: ((إنها تذهب فتسجد تحت العرش) السجود يوم القيامة سجود اهل الإيمان ومنع اهل النفاق .ولما علمت السحرةُ صدق موسى وكذب فرعون؛ خرّوا سجداً لربهم, فكانت تلك السجدة اول سعادتهم وغفران ما افنوا فيه أعمارهم من السحر. لأن العبد بقدر ما يبعد عن نفسه يقرب من ربه . والسجود حالة قرب وحالة القرب مقبول دعاؤها ففي الحديث :أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد ، فأكثروا الدعاء } . رواه أحمد ومسلم. وهو موافق لقوله تعالى: { واسجد واقترب } كذا قال النووي .
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة القدر
    حديثي معكم اليوم عن سورة القدر وسميت بالقدر لأنها ذات قدر عظيم وتقدر فيها المقادير وهي تتحدث امرين عن بدء نزول القرآن العظيم في رمضان الذي به الهدى والسعادة في الدنيا والأخرة وعن فضل ليلة القدر على سائر الايام والشهور
    قوله انا انزلناه في ليلة القدر: انا الضمير يعود على الله وجاء بصيغه الجمع للتعظيم .انزلناه:الصحيح ان الانزال للقران نزولين وهما:
    1- نزل القرآن من اللوح المحفوظ في ليلة القدر من اللوح إلى بيت العزة من السماء الدنيا كاملا مكتوبا وكان ذلك في شهر رمضان ، في ليلة القدر منه.
    2- أن الله سبحانه وتعالى تكلم بالقرآن وأنزله جبريل عليه السلام إلى النبي متفرقاً في ثلاث وعشرين سنة على حسب الأحداث و الوقائع.والحكمة من نزول القرآن مفرقاً لتثبيت قلب النبي فلم ينزل جمله واحدة بل حسب الحوادث
    فنزل القرآن على قسمين :
    1- ابتدائي بمعنى: نزوله بلا سبب.
    2- سببي بمعنى: نزوله بسبب.
    كلام الله انزله لفظا ومعنا ، وتكلم به وحمله جبريل إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ليبلغه لامته هذا هو المذهب الحق ومذهب اهل السنة والجماعة ردا على من قال ان القرآن مخلوق .
    القرآن كلام الله وهو صفة ذاتية لا تنفك منه سبحانه وتعالى وصفة فعليه متى شاء تكلم سبحانه وتعالى.رؤى في المنام الإمام أحمد بأن عليه تاج ونعلين من ذهب فسأل عنها فقال: (أ كرمني ربى بقول القرآن منزَّل) رواه الحاكم. . القرآن به الهدى والسعادة في الدنيا والاخرة .فيا امة الإسلام القرآن نور والقرآن موعظة وشفاء والقرآن مخرج من الفتن والقرآن روح ورحمه وموعظة وهدى للناس وللمتقين .فمن تمسك بهذا الكتاب فلا يضل ولا يشقى
    قوله ليلة القدر:سميت ليلة القدر بذلك لأنها ذات قدر عظيم وتقدر فيها المقادير هذا على وجه الاجمال اما علي وجه التفصيل :اختلف العلماء في معنى القدر على ثلاثة اقوال:
    1- القدر يأتي بمعنى الليلة العظيمة لكونها نزل فيها القرآن كما في صدر السورة وتنزل الملائكة فيها وفيها خيرات عظيمة ولا يحصل على موافقتها إلا من رضي الله عنه وانعم عليه
    2- القدر يأتي بمعنى التضييق لأمرين ان الأرض تضيق من كثرة الملائكة وكذلك التضيق بسبب اخفائها ففي الحديث ان النبي خرج ليخبر الصحابة بليلة القدر فتلاح اثنان فرفع الله ذلك لحكمة يعلمها عن أبي سعيد الخدري قال: ـاعتكفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الاوسط من رمضان فقال: " إني أُريتُ ليلةَ القدر فأنسيتها فالتمسوها في العشر الاواخر في الوتر ) وفي ذلك خير كبير ليجتهد الناس في العشر
    3- وقيل القدر بمعنى التقدير والقضاء ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) يكتب من أم الكتاب في ليلة القدر ما يكون في السنة من رزق أو موت أو حياة أو مطر، حتى يكتب الحاج يحج فلان ويحج فلان) فيقضي الله كل أجل وأمل ورزق إلى مثلها
    ليلة القدر تقدر فيها المقادير وهي أربعة اقسام تقدير عام وهو الذي باللوح المحفوظ وتقدير عمري وهو ما يكتب على الجنين في بطن أمه وتقدير حوالي ما يكون في رمضان فيقدر في ليلة القدر ما يحصل في العام القادم وتقدير يومي فيكتب ما يجري منه في ذلك اليوم كل يوم هو في شان .وكلها ترجع إلى التقدير العام السابق
    قوله وما ادراك ما ليلة القدر :الاستفهام للتفخيم والتعظيم لشانها وهناه تنبيهات حول فضائل ليلة القدر وفي أي شهر وفي أي ليلة وما هي علاماتها .جعل الله بين القرآن والصيام صلة و علاقة متينة كما في مسند أحمد " القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام منعته الطعام والشراب و الشهوات بالنهار ، ويقول القرآن منعته النوم بالليل فشفعني فيه ، فيشفعان ). وجعل الله ثواب القيام يعدل ثواب الصيام فمن صام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان ايمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وجعل الله الحكم والفوائد التي في الصيام من حصول التقوى والوقاية من الاخلاط الرديئة ووقاية من الاخلاق الرذيلة موجودة أيضا في القيام ("عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم وقربة إلى الله تعالى, ومنهاة عن الأثم ومطردة للداء عن الجسد ") صحيح الجامع . وإذا كان القيام مسنونا وتطوعا ومرغبا فيه فانه في رمضان آكد وفي العشر الاواخر منه آكد بل كان نبينا صلى الله عليه وسلم يولي القيام وبالأخص في رمضان مزيدا من الاهتمام والجد والاجتهاد فعن عائشة قالت : كَانَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ في رَمَضَانَ مَا لاَ يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ ، وَفِي العَشْرِ الاواخِرِ مِنْهُ مَا لا يَجْتَهِدُ في غَيْرِهِ . رواه مسلم .وكان رسول الله يجتهد في العشر الاواخر وفي الاوتار منها طلبا لليلة القدر
    ويكفي في فضلها : ان الله انزل سورة كامله في فضلها . ومن فضائلها ان الله انزل القرآن فيها الذي به الهدى والسعادة في الدنيا والاخرة .ومن فضلها ان من قام ليلةا غفر له ما تقدم من ذنبه . فقد تفوت الصائم المغفرة في الصيام فلعلها لا تفوته في القيام وما شرع الله لنا الاعتكاف إلا من اجلها .والدعاء فيها مستجاب كما في حديث عائشة إذا وافقت ليلة القدر ماذا اقول فقال قولي اللهم انك عفوا تحب العفو فان عني لأنه إذا عفا عنك رفع عنك العقوبة.
    بقي ماذا ؟ بقي في أي شهر ليلة القدر وفي أي ليلة هي ؟ هي في رمضان بنص القرآن . وقد جمع عمر الصحابة وسألهم عن ليلة القدر فاجمعوا على انها في رمضان وانها في العشر الاواخر منه وحث على تحريها في الاوتار منها ثم اختلفوا في أي ليلة فقال لابن عباس مالك لا تتكلم فقال ( انها في سابعة مضت أو في سابعة بقيت ) ومعنى سابعت مضت ليلة ست وعشرين وسابعة بقيت ليلة ثلاث وعشرين )
    وهل ليلة القدر ثابته ام متنقله؟ بل هي متنقله على الصحيح ولا يلزم ان تكون مستقرة في ليلة واحدة في كل السنوات
    حكمة اخفاءها ؟ اخفاها الله عن عباده لحكمة حتى يستكثر المؤمن من العمل الصالح ويجتهد في رمضان كله ويكثر المؤمن العمل الصالح طلبا لليلة القدر.لأنه لما وسع وقت تحريها اجتهد الجميع في طلبها .لكن لو علم انها في ليلة واحدة اجتهد فيها فقط .
    وعلاماتها :يكون فيها نور واضاءة كانه فيها قمرا ساطعا وقد لا ترى أو تلحظ في المدن .ومنها حصول الطمانيه ويحس بها المؤمن في ليلة القدر ويجد انشراح وتمانينه ومنها حلاوة المناجاة ولذتها وقد يكرم الله من يشاء برؤيتها في المنام كما راها رسول الله والشمس صبيحتها بلا شعاع.
    قوله ليلة القدر خير من ألف شهر :أي خير من ألف شهر، من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر ورد في سبب نزولها ان رجلا لبس سلاحه في سبيل الله ألف شهر فتنمى الصحابة ذلك فبشرهم نبينا بان ليلة القدر تعدل ذلك ) رواه ابن ابي حاتم والطبري عن مجاهد مرسلا
    وقيل ان سبب نزولها ان نبينا تقاصر اعمار امته اعطاه الله ليلة القدر يعوضون بها ما فاتهم من طول العمر ) فهذا نوح مكث ألف سنة إلا خمسين عاما. وكلما طالت الأعمال كثرة الأعمال الصالحة .وقيل كان الرجل لا يسمى عابدا حتى يعبد الله ألف شهر فاعجب رسول الله فتمنى ذلك لامته فأعطاه الله ليلة القدر بمنه وفضله العبادة فيها خير من ألف شهر .فهذه نعمة عظيمة تفضل الله بها على امة محمد -صلى الله عليه وسلم-. ليلة واحدة يعبد الله المسلم فيها ربه تكون خيرا له من عبادة ألف شهر ويتحراها في عشر ليال وكانت في افضل الشهور وفي العشر الاواخر منه وفي اوتارها ما أحسن هذا فلله الحمد والمنه .
    قوله تنزل الملائكة والروح فيها :هذه فضيلة اخرى لليلة القدر نزول الملائكة ولا تنزل الملائكة إلا بالخير والبركة والسكينة .والملائكة عباد مكرمون وارواح لطيفه.
    قوله والروح فيها :الروح إما أن يراد منه خصوص جبريل، وهو أظهر الأقوال وخصه ربنا جل وعلا بالذكر تخصيص بعد تعميم لمزيته وشرفه ومنزلته ورفعة قدره من بين الملائكة الكرام ،، وإما أن يكون ملك آخر أو صنف من الملائكة أو خلق من خلق الله والعلم عند الله جل وعلا، والأقوال الثلاثة في كتب التفسير، وأظهرها اولها
    قوله بأذن ربهم :أي بأمر ربهم فلا ينزلون من تلقاء انفسهم قال رسول الله لجبريل : ما منعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا قال : فنزلت هذه الآية وما نتنزل إلا بأمر ..ربك )
    قوله من كل أمر :.إما أن تكون {من} بمعنى الباء وتأتي بمعنى اللام تتنزل الملائكة بإذن الله بكل أمر أمروا به. فيكون المعنى بكل أمر أو لكل أمر ففي هذه الليلة يحصل فيها التقدير بكل أمر أُمروا به، وبكل تقديرٍ أُمروا به
    قوله سلام هي حتى مطلع الفجر :وهذه فضيله اخرى لليلة القدر فهي سلام من غروب الشمس حتى مطلع الفجر سلام من العذاب والعقاب وسلام من الآفات والشرور تفر فيها الشياطين ولا يرمى فيها بنجم .ويكثر فيها سلام الملائكة على المصلين والقائمين ولكن لا يشعرون والخير فيها كثير.
    عبر وعظات وفوائد
    ١- القرآن نزل في رمضان وفي ليلة القدر ثم نزل منجما حسب الحوادث والوقائع
    ٢- فوائد ذكرها الهويسين تحت فوائد تربوية قرانية
    القرآن بعد نزوله ينقسم إلى قسمين وهما:
    1- مكي: كل ما نزل قبل الهجرة حتى وإن كان خارج مكة.
    2- مدني: كل ما نزل بعد الهجرة حتى وإن كان في مكة.
    (وهما يختلفان من حيث الأسلوب و الموضوع).
    1. سور القرآن (114) سورة والمكية منها (83) سورة والمدنية منها (20) سورة والباقي مختلف فيها وهي (12) سورة.
    2. بعض السور المكية فيها آيات مدنية و العكس وهي نادرة جداً.
    3. السورة المدنية أسهل حفظاً من السور المكية ويعود ذلك للأسلوب والموضوع.
    4. ترتيب الآيات في القرآن توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم .
    5. ترتيب السور في القرآن توقيفي من النبي صلى الله عليه وسلم وكذلك اجتهادي من الصحابة.
    6. قال الإمام أحمد: «رُتِّب القرآن على ما كان يسمونه الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم ورتبه الخلفاء الراشدون وسنتهم يجب اتباعها».
    7. جُمع القرآن كتابةً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يجمع بين دفتين.
    8. لم يكتمل القرآن إلا قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بثلاثة وثمانين يوماً.
    9. في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه جُمع القرآن في كتاب واحد وقام بكتابته وجمعه زيد بن ثابت رضي الله عنه لأنه في ذلك الوقت كان شاباً وشهد العرض الأخير من جبريل عليه السلام للقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم .
    10. سبب جمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه القرآن هو قتل القُرَّاء في معركة اليمامة في عام 12هـ.
    11. الأُسس التي جمع بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه القرآن:
    1- أن لا يُكتب إلا بما كُتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .
    2- عدم الاعتماد على الكتابة فقط بل على حفظ الرجال.
    3- لا يقبل المكتوب حتى يشهد عليه شاهدان أنه كتبها بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .
    4- عدم قبول أي حفظ من الرجال إلا من حفظ من فم النبي صلى الله عليه وسلم .
    5- عدم كتابة الآيات المنسوخة.
    6- الكتابة على الأحرف السبعة.
    7- ترتيب الآيات و السور.
    8- نسخ المصحف نسخة واحدة تكون عند أبي بكر الصديق وبعد وفاته عند عمر بن خطاب وبعد وفاته عند حفصة رضي الله عنهم أجمعين.
    12- في زمن عثمان بن عفان رضي الله عنه أُختلف في قراءة القرآن لكل مصر من الأمصار فأمر بجمع المصاحف وإحراقها وجمعهم على مصحف واحد وبقراءة واحدة وذلك في عام 25هـ.
    13- مميزات المصحف العثماني:
    1- الاعتماد على ما كُتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم .
    2- الاعتماد على العرض الأخير للقرآن من جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم .
    3- الاعتماد على ترتيب الآيات و السور.
    4- الاعتماد على نسخها وتوزيعها على الأمصار واعتمادها قراءةً لهم.
    5- الاعتماد على أن تكون النسخ على حرف واحد.
    14- قال الطبري رحمه الله في كتابة المصحف العثماني: «إن القرآن على حرف واحد ولكن الزيادة توسعة للأمة»
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة البينة:
    حديثي معكم اليوم عن سورة البينة وتسمى سورة لم يكن وهي تتحدث عن ثلاثة أمور :
    1- موقف اهل الكتاب واهل الشرك من رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم. وتكذيبهم للقران والرسول .
    2- وجوب اخلاص العبادة لله جل وعلا. ومفاصلة بين أهل الإيمان وأهل الكفر .
    3- ختمت السورة ببيان مصير خير الخليقة وشر الخليقة في الآخرة.
    روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : إن الله أمرني أن إقرأ عليك لم يكن الذين كفروا قال: وسماني لك، قال: نعم. فبكى. ورواه البخاري ومسلم . وفي رواية الإمام أحمد عن أبي حبة البدري قال: لما نزلت لم يكن الذين كفروا قال جبريل: يا رسول الله! إن ربك يأمرك أن تقرئها أبيا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي: إن جبريل أمرني أن أقرئك هذه السورة. قال أبي: وقد ذكرت ثم يا رسول الله؟ قال: نعم. قال: فبكى أبي. قال ابن كثير : وإنما قرأ عليه – أي أبي بن كعب – هذه السورة تثبيتاً له وزيادة لإيمانه ، وقال أيضا : قرأها عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم قراءة إبلاغ وتثبيت وإنذار ، لا قراءة تعلم واستذكار .وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إقرأ أمتي أبي . وابي بن كعب مشهور بضبط قراءة الفاظ النبي بالقرآن فيقرؤها كما يقرؤوها النبي صلى الله عليه وسلم واشتهر ابي بن كعب بحفظ القرآن وضبط الفاظه يقرأ كما سمع من النبي ويخرج الحروف كما نطق بها
    ولم يكن هذا الصحابي الجليل حافظًا للقرآن الكريم فقط، بل كان عالمًا بتفسيره ومعانيه، عَنْ أُبَىِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ أَتَدْرِي أي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أعظم؟». قَالَ: قُلْتُ: "اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ". قَالَ: «يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أعظم؟». قَالَ: قُلْتُ: "{اللَّهُ لاَ إِلَهَ إلا هُوَ الْحَىُّ الْقَيُّومُ} . قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ» .عن أنس بن مالك عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «إقرأ أمتي أبي بن كعب» .عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلاَةً فَقَرَأَ فِيهَا فَلُبِسَ عَلَيْهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ لأُبَيٍّ: «أَصَلَّيْتَ مَعَنَا». قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: «فَمَا مَنَعَكَ» وحديث اسْتَقْرِئُوا القرآن مِنْ أَرْبَعَةٍ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، فَبَدَأَ بِهِ وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ.
    قوله لم يكن الذين كفروا من هل الكتاب والمشركين : أي لم يكن هؤلاء وهؤلاء منفكين . سواء كفرة اهل الكتاب من اليهود والنصارى مع انهم اهل كتاب لكنهم حرفوا كتاب الله وقد وكل الله حفظ التوراة والانجيل إلى علمائهم فلم يحفظوه وحرفوا ولم يعملوا به فكفروا . واما قوله والمشركين معطوفه على اهل الكتاب وعلى قراءة والمشركون معطوفه على الذين كفروا والمراد عبدة الاوثان من الكفار وغيرهم .
    اختلف اهل التفسير في تفسير منفكين:منفكين قيل المراد الانفصال وقيل اللزوم والثبوت على ما هم عليه حتى يأتي ما يتحرونه من بعثه الرسول وعليه . قيل انها لم يكونوا منفكين عن الكفر ؟ أي أن الكفار لم يكونوا ليدعوا كفرهم حتى يأتيهم رسول من الله يبين لهم الحق ويرشدهم إلى النور.والأصل فيهم أنهم باقون على شركهم مالم يأتهم رسول. وقيل أنهم لم يكونوا متروكين حتى يرسل إليهم رسول . والمعنى : أن الله لا يخليهم ولا يتركهم ، فهو لا يفكهم حتى يبعث إليهم رسولا ، وهذا كقوله : أيحسب الإنسان أن يترك سدى ، لا يؤمر ، ولا ينهى .والاظهر والاقوى القول الثاني أي لم يكونوا متروكين. ذكره الماوردي وابن الجوزي وابن عطيه وهو اختيار ابن تيميه
    قوله حتى تأتيهم البينة :البينة هي الحجة الواضحة البينة القاطعة وهي ما يبين به الحق في كل شيء
    قوله رسول من الله :أجمل البينة ثم فصلها فيما بعدها :رسول من الله يتلو صحفا . أي محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم مرسل من عند الله بواسطة جبريل عليه الصلاة والسلام ولكن رسول الله اميا كيف يتلوا ما يعلم القراءة والكتابة والامية وصف نقص إلا في رسول الله فهي كمال فقد اتى بهذا القرآن مع انه لا يقرأ ولا يكتب فلوا كان يقرأ لارتاب المبطلون انه لا يعرف كتابة اسمه هذا ففي صلح الحديبية لما كتب كتاب الصلح هذا كتاب كتبه محمد -صلى الله عليه وسلم- رسول الله وسهيل بن عمرو " فقال: لو أقررت بأنك رسول الله ما خالفتك ، ولكني أقدمك لفضلك، ثم قال: اكتب: " محمد -صلى الله عليه وسلم- بن عبد الله " ، فقال لي: " يا علي امح رسول الله " ، فقال والله لا امحوها وفي رواية فقلت: يا رسول الله، لا تسخو نفسي بمحو اسمك من النبوة، فقال عليه السلام: " فقفني عليه " فمحاه بيده صلى الله عليه وسلم، ثم قال: " اكتب محمد -صلى الله عليه وسلم- بن عبد الله " ، ثم تبسم إلي فقال: " يا علي، أما إنك ستسأل مثلها فتعطي " فرسول الله لا يعرف كتابة اسمه ولذلك طلب من علي ان يريه كتابتها .
    قوله يتلوا صحفا مطهرة: أي القرآن مطهر من الباطل والتحريف والشياطين والكذب والزيادة والنقصان
    قوله فيها كتب قيمه :أي احكام قيمة وجليلة وواضحة لان الكتاب يطلق على عدة معان منها الحكم كتب الله أي حكم الله فهي احكام قيمة وجليه ومستقيمه لا اعوجاج فيها أخبار صادقة، واوامر عادلة تهدي إلى الحق والى صراط مستقيم
    قوله وما تفرق الذين اتوا الكتاب :وخصهم هنا بالذكر فلمعرفتهم به قبل مجيئه ، واختلافهم فيه بعد مجيئه. متى تفرقوا بعدما جاءتهم البينة فلم يتفرقوا عن جهل بل عن بينه عرفوا الرسول فالكثير منهم كفر به والقليل منهم امن وكانت المدينة مليئة باليهود وما امن به إلا عشرة منهم ابن سلام .وفيها ذم لليهود وانهم يقولون ويكذبون وانهم حسدة وسبب اختلافهم وتفرقهم لانهم يتبعون اهوائهم ولا يتبعون كتاب الله .الاختلاف من طبيعة البشر وقد أخبر رسول الله هذا ففي الحديث ( افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقة فواحدة في الجنة وسبعون في النار وافترقت النصارى على ثنتين وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واحدى وسبعون في النار والذي نفسي بيده لتفترقن امتي إلى ثلاث وسبعين فرقة فواحدة في الجنة واثنتان وسبعون في النار قالوا يا رسول الله ما هي قال الجماعة يسيرون على ما انا عليه وأصحابي ) هذا الحديث فيه تنبيهات ذكرها شيخنا الطحان حفظه الله ورعاه وجعل أعالي الفردوس ماواه.
    اولا هذا الحديث صحيح قطعا ونجزم بذلك وقد نص ائمتنا على تواتره واقل ما قيل فيه انه حديث صحيح مستفيض أي زاد على المشهور ونقص عن التواتر وروي بطرق متعددة زادت عن ثلاثة وتردد العلماء هل وصل إلى درجة التواتر فقال السيوطي في الازهار المتناثرة وصل حد التواتر. فالخلاف من طبيعة البشر ولكن الله نهانا عن الاختلاف والفرقة وفي حاله الاختلاف الرجوع إلى الكتاب والسنة فمن كان على الدليل حكمنا بقوله .فالاختلاف موجود ولكن لابد من الرجوع إلى الكتاب والسنة اما ان نترك الكتاب والسنة ونتبع الآراء فهذه طريقه اليهود اتخذوا أحبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله .الأمر محسوم فعندنا وحي معصوم
    قوله من بعد ما جاءتهم البينة :قيل هي الرسول وقيل القرآن وكلاهما حق وبينه
    قوله وما امروا إلا ليعبدوا الله :التوحيد هو دين الرسل .هذا حصر ما امروا إلا بشيء واحد ان تكون العبادة لله فلا يصح ان يعبد الله ومعه غيره إنما امرنا ان نعبد الله ونخلص له العبادة .وهذا لا يستوجب التفرق في أمره صلى الله عليه وسلم . لان ما يدعوا إليه واضح وموجود في كتبهم ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت
    قوله حنفاء :الحنيف هو المائل عن الباطل المقبل على الحق والحنيفية هي التوحيد
    قوله ويقيموا الصلاة والزكاة : لماذا خصهما لأهمية هذين الركنين ويبعثان على الأعمال الصالحة فالصلاة تنهى عن المنكر ومن اقامها اقام دينه وادى حقوق الله والزكاة تطهر من الشح والبخل ومن اداها ادى جميع الحقوق
    قوله وذلك دين القيمة :أي المله المستقيمة . فمن عبد الله مخلصا له الدين وادى حق الله وحقوق عباده فهو على المله المستقيم
    قوله ان الذين كفروا من اهل الكتاب والمشركين .اهل الكتاب من اليهود والنصارى لم يؤمنوا بالله ولا آمنوا برسلهم وان كانوا اهل كتاب فقد بشر موسى عليه السلام بمحمد صلى الله وعليه وسلم وامرهم بالإيمان بمحمد وبشر كذلك عيسى بنبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وصفته مكتوبهم عندهم وهم يعرفونه كما يعرفون ابناءهم ولكن حرفوا كتاب الله واتبعوا اهوائهم فكانوا كفارا وجرمهم عظيم لان عندهم علما .والمشركين معطوفه على التي قبلها وتأتي منصوبه ومجروره والمراد عبده الاوثان من غير اهل الكتاب وكلهم كفار لان شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- ناسخه لجميع الشرائع التي قبلها .ومآلهم ومصيرهم النار من كفرة اهل الكتاب وعبدة الاوثان
    قوله في نار جهنم :الحكم إذا قرن بوصف فدل على سبب خلودهم .أي مصيرهم ومآلهم نار جهنم ففي الحديث عند مسلم ( والذي نفس محمد -صلى الله عليه وسلم- بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار )
    قوله اولئك :اشارة إلى انحطاط منزلتهم عند الله أي المتصفون بالكفر من كفرة اهل الكتاب وعبدة الاوثان
    قوله شر البرية :قرئت البرية بالهمزة وبالياء. فعلى قراءة الهمز إن أخذت البرية من البراءة بفتح الباء والراء : أي التراب والمعنى شر بني ادم . وعلى قراءة الياء البريه أي شر الخليقة .ومع الاسف يستدل بعض ضعاف الإيمان على خيرية الكفار بما هم عليه من زهرة الدنيا وحضارة وثروة .الله وصف كل كافر بانه من شر الخليقة وان كان عندهم صناعه وثروة وحضارة ولكن هم شر الخليقة بسبب كفرهم بالله وعدم عملهم بكتاب الله . وفيها انه لا يجوز الركون إلى الكفار فليسوا صالحين للمحبة والائتمان وقد أخبرنا ربنا انهم شر الخليقة
    قوله ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات :أي آمنوا بقلوبهم وكل ما يجب الإيمان به وعملوا الصالحات بجوارحهم فالعبرة ليست بالانتساب للدين إنما العبرة بالعمل مع الإيمان .وفي نفس الوقت ليس النظر إلى أي عمل إنما بالعبرة بصلاح العمل وصلاحه بالإخلاص والموافقة لهدي نبينا
    قوله اولئك : أي المتصفون بالإيمان والعمل الصالح وفيها اشارة إلى علو منزلتهم عند الله
    قوله خير البريه :تقرأ بالهمز والياء . فعلى قراءة الهمز معناها خلقوا من تراب وهم البشر أي خير البشر . وعلى قراءة الياء يكون المعنى خير الخليقة هم المؤمنون فهم خير الخليقة على العموم دون النظر إلى ثروة أو حضارة أو صناعه أو علم إنما النظر إلى عمله الطيب وهو الإيمان والعمل الصالح . واستدل بعض العلماء على ان صالحي بني ادم افضل من الملائكة على وجه العموم ولا يقال فلان افضل من جبريل لان هناك على وجه الخصوص تفاضلا وتفاوتا بين اهل الإيمان لكن على وجه العموم يمكن يقال افضل من الملائكة
    قوله جزاؤهم جنات :هنا يبين ثواب عملهم في الآخرة
    قوله جنات عدن: ليس جنة واحدة . عدن بمعنى الاقامة الحسنة أي اقامة دائمه لا يرحلون عنها ولا يخرجون في نعيم وسرور تجري من تحت اشجارها وقصورها الانهار ولا يرحلون ولا يمرضون ولا يموتون ولا يحزنون.قوله رضي الله عنهم :فقبل أعمالهم الصالحة واعطاهم الرضى فلا يسخط عليهم ابدا . اعطاهم الله أعظم من نعيم الجنة رضوانا من الله اكبر .
    قوله ورضوا عنه :أي بما اعطاهم الله من الخيرات فلا تتطلع نفوسهم إلى زياده ولا حسد بينهم ولا تقاطع
    فائدة مهمه :عن ابي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نظر أحدكم إلى من فضل عليه في المال والخلق، فلينظر إلى من هو أسفل منه. متفق عليه.‏وعند الامام مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ : انظروا إلى من أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فهو أجدر إلا تزدروا نعمة الله . كما رواه غيره بلفظ : انظروا إلى من هو أسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم . وفي رواية : نعمة الله عز وجل .والناس في الدنيا قسمان بالنسبة إليك، دونك وأعلى منك.والمعنى انظر في أمر دنياك لمن هو دونك، وانظر في أمر آخرتك لمن هو فوقك.أرشد صلى الله عليه وسلم إلى هذا الدواء العجيب، والسبب القوي لشكر نعم الله‏.‏ وهو أن يلحظ العبد في كل وقت من هو دونه في العقل والنسب والمال، وأصناف النعم‏.‏ وأما أمر الدين فينظر المرء لمن هو أعلى منه، فيحاول أن يسبق الخلق إلى الله. لان الله امرنا بالمسابقة والمسارعة والمنافسة فيما عنده .فعكس الأمر، فصار تنافسهم في الدنيا الدنية وحظوظها الفانية. قال الشنقيطي صاحب اضواء البيان انا خائف على نفسي، جئت من بلادي بكنز عظيم جداً، والآن أخشى عليه الضياع، فقال له عطيه سالم تلميذه : وما هو هذا الكنز يا شيخ؟! قال: هو كنز القناعة، كنت قانعاً بكل ما يكون في حياتي وجدت أو لم أجد كله عندي سواء.
    قوله ذلك لمن خشي ربه :أي خافه وعمل بطاعته فهي طاعة الله وترك معاصيه الخشية طريق الرضا .وأن الذين يخشون الله تعالى هم خير البرية
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الزلزلة
    حديثي معكم اليوم عن سورة مباركه ميمونة من قصار السور تتحدث عن ركن من أركان الإيمان إلا وهو الإيمان باليوم الاخر لأنه أصل الإيمان جعلها رسول الله تعدل ربع القرآن لأنها تتحدث عما يجري يوم القيامة فَلَو ان الانسان لا يؤمن باليوم الاخر وبالجنة والنار بل لو كان الناس يعلمون انه لا بعث بعد الموت. فما فائدة العمل فإذا أنكروا البعث فيفعلون ما يشاؤون لان النفس لن تتغير إلا إذا خافت من الله واليوم الاخر يقول بعض العلماء والله ما مثل التذكرة بالآخرة في صلاح القلوب. الأمر ليس بالسهل أمامنا اهوال عظيمة لا يعلمها الله يقول نبينا والله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا
    هذه السورة تتحدث عما يجري للإنسان يوم القيامة وان مرد الانسان إلى الله وسيحاسبه على أعماله وعلى مثاقيل الذر من الخير والشر . إذا تبين هذا كله فالله خلق هذا الكون بما فيه وخلق كل شيء لحكمه وهداه لما خلقه له وخلق الانس والجن لعبادته وكلفهما بمهمه عظيمة عباده الله فجعل السماء سقفا والأرض فراشا والجبال رَوَاسِي والشمس والقمر نورا والنجوم ليعتدوا بها والأنعام منها ركوبهم وفيها منافع ومشارب والنباتات
    فمنهم من آمن وقام بمهمته ومنهم من ترك عبادته وعبدوا من لا يخلق ولا يرزق ولا ينفع ولا يضر ومن هذه صفاته لا يستحق ان يكون معبودا وبين سبحانه صفاته واسماءه وافعاله وانه المتفرد بالخلق والرزق والتدبير فمن كان عنده عقلا قاده للحق تصور انسانا كلما طلبته اعطاك وينفق عليك ويحسن اليك وانسانا آخر لا ينفق عليك ولا يحسن اليك وكلما طلبته شيئا لا يعطيك من يستحق الطاعة والمحبة والتعظيم ومع هذا كله يعرفون الله وانه الخالق والرازق ولكن لا يريدون الحق ولا الهداية
    فما دام الانسان قائم بمهمته في الدنيا – وهي طاعة الله- فإن الكون موجود. وإذا تخلى عن المهمة دمر الله هذا الكون كله ولذلك في آخر عمر الدنيا إذا تخلي الناس عن المهمة التي خلقوا من اجلها دمر الكون فيرسل ريحا تقبض روح كل مؤمن فبقى شرار الناس ففي الحديث ( لا تقوم الساعة إلا علي شرار الناس في خفة الطير واحلام السباع فيتمثل لهم الشيطان فيقول إلا تستجيبون فيقولون ماذا تامرنا فيأمرهم بعباده الاصنام وهو دار رزقهم وحسن عيشهم وفي الحديث ان شرار الناس من تقوم عليهم الساعة وهم احياء فيأمر الله اسرافيل فينفخ في الصور فيحصل التدمير الشامل للكون ويشترك في هذا التدمير الكون كله السماء تتفطر والنجوم تتساقط والكواكب تتناثر والشمس والقمر تكور وتلقى في البحار فتسجر وتتفجر والأرض تندك والجبال تنسف والنفوس تموت ولا يبقى إلا وجه ربك . فاختلف العلماء هل تزلزل الأرض بعد النفخة الاولى ام الثانية .
    والاظهر ان الزلزلة تكون عند قيام الساعه والناس احياء لانه لاحمل ولا رضاع بعد الموت فزلزلة الساعه في اخر عمر الدنيا وقد بين الله لنا المخرج من الزلزلة في سورة الحج قبل ذكر الزلزله وهي تقوى الله فهذه الارض ترجف في اخر عمر الدنيا
    قوله إذا زلزلت الأرض زلزالها :إذا ظرف لما يستقبل من الزمان وفعل الشرط زلزلت وجواب الشرط تحدث اخبارها أخبرنا ربنا ماذا سيحصل للأرض وقت قيام الساعة . بعد ان كانت ساكنه مستقرة بالجبال الرواسي ويعيش عليها الخلق سياتي عليها يوم تزلزل أكبر زلزال يضرب الأرض وتضطرب اضطرابا شديدا تتغير معه ما على وجه الأرض ويخرج ما في بطنها . زلزال عظيم للأرض ولكل الأرض وليس زلزال محدود وقت قصير ومكان محدود يضرب ناحية من الأرض، ضربت مدن بأحد الزلازل فابتلع مدن بأكملها وصارت اثرا بعد عين فكيف إذا كان شاملا للأرض كلهــا وهذا يكون بين يدي الساعة ، حيث يندك كل صرح شامخ ، وينهار كل جبل راسخ ،فوق الأرض حتى تكون مثل المرآة الصقيل أو كسبيكة الفضة ارض عفراء بيضاء ليس فيها معلم لاحد.
    قوله وأخرجت الأرض اثقالها :تخرج الأرض اثقالها من الموتى ومن كنوز ومعادن تلفظها عند هذا الهول العظيم بعد النفخه الثانيه . ويحصل من الأمور العجيبة الغريبة ، ما يندهش له الإنسان ، كإخراج الأرض ما فيها من موتى ، وإلقائها ما في بطنها ، من كنوز ثمينة من ذهب وفضة .وكانت تثقلها من كثرتها .
    قوله وقال الانسان مالها :يقول الانسان مندهشا ومتعجبا ومستغربا من تحركها
    مالها أي يتعجب من تحركها كيف كانت ساكنه فمن قوة نفخه اسرافيل للصور تتحرك الأرض وترتج
    قوله يومئذ تحدث اخبارها : فياتي الجواب من الله تحدث اخبارها لان الله امرها ان تشهد على كل انسان
    .ولذلك بدأت السورة إذا حصل كذا وهو الزلزال ماهي النتيجة تخرج الأرض مع هذا الزلزال الموتى وكنوزها وتخبر الأرض وتشهد بما عمل عليها .سبحان الله جماد يتكلم ويبصر هذه الأرض يوم القيامة تخبر وتشهد بما عمل عليها وهذا من عدل الله الأرض تشهد واعضاءه تشهد عليه والناس يشهدون .كثرت الشهود علينا ونحن غفله معرضون لاهية وساهيه وغافلة قلوبنا .وشهادتها على كل إنسان بما عمل على ظهرها .ففي الحديث اتدرون ما اخبارها فان اخبارها ان تشهد على كل عبد وامه بما عمل ظهرها ) الترمذي . كلما نزلت منزلا فتذكر هذه الآية فالأماكن التي تذكر فيها الله وتطيعه ، سوف تشهد لك فعلى أقل تقدير كفارة المجلس .قد يجد الانسان مكانا يختفي فيه لكن تأكدوا هذه البقعة التي يختفي فيها اما شاهدة له بالخير أو شاهدة عليه بالشر ففي الحديث اعمل ما شئت فانت مجزي به .تنطق الأرض بإذن ربها بما عمل عليها بل ان الأرض تبغض العاصي وتشهد عليه وتحب المطيع وتثني عليه . من الطبيعي ان يحزن الانسان على فقد شخص أحبه لكن أن تحزن الأشياء كالأرض.. على أشخاص عاشوا عليها. هنا تكمن الغرابة
    قال ابن عباس قال رضي الله عنه نعم إنه ليس أحد من الخلائق إلا وله باب في السماء منه ينزل رزقه وفيه يصعد عمله فإذا مات المؤمن فأغلق بابه من السماء الذي كان يصعد فيه عمله وينزل منه رزقه فان مات فقده ذلك الباب و بكى عليه وإذا فقده مصلاه من الأرض التي كان يصلي فيها ويذكر الله عز وجل فيها بكت عليه وإن قوم فرعون لم تكن لهم في الأرض آثار صالحة ولم يكن يصعد إلى الله عز وجل منهم خير فلم تبك عليهم السماء والأرض .
    قوله بان ربك اوحى لها : أي امرها ان تشهد وتخبر بما عمل عليها سبحان الله مع كثرة الشهود وفوقه علم رب العالمين واحاط علمه بكل شيء نبهانا ربنا لما سيحصل لنا حتى نستعد
    قوله يومئذ يصدر الناس اشتاتا : قيل من القبور الى ارض المحشر وقيل يصدرون اما الى الجنة او النار فبعد ان انتهى العرض والحساب ذكر هنا ان الناس يتفرقون افتراقا لا اجتماع معه كانوا في الدنيا يختلطون لكن هنالك كما أخبر الله في سورة الروم ويوم تقوم الساعة يومئذ يتفرقون لأجل أي شيء ليروا نتائج أعمالهم فيصدر اهل الجنة فرقا وجماعات وزمرا واهل النار كذلك فرقا وجماعات كل يتجه إلى ماواه، فأهل الجنة ـ جعلنا الله منهم ـ يتجهون إليها، وأهل النار ـ والعياذ بالله ـ يساقون إليها.يا ويل من اسقط الآخرة من حساباته وانكرها كيف يكون حاله يوم القيامة لا يريد ان يرى جزاءه .هنا بين الله سبب بعث الناس من قبورهم ليرى الناس أعمالهم ونتائجها فلا يقتصر الأمر على الشهود الخمسة رب العالمين والملائكة والأرض والاعضاء والناس وبعدها رؤية أعمالهم فهو أقوى شهيدا إقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا
    قوله ليروا أعمالهم :هنالك يرى الناس نتائج أعمالهم وسوف يحاسب كل انسان على مثاقيل الذر من الخير ومن الشر
    قوله فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره :أي وزن ذرة، والمراد بالذرة: صغار النمل كما هو معروف، وليس المراد بالذرة: الذرة المتعارف عليها اليوم. وإنما ذكر الذرة لأنها مضرب المثل في القلة. قال مقاتل : نزلت في رجلين كان أحدهما يأتيه السائل فيستقل أن يعطيه التمرة والكسرة والجوزة ، ويقول : ما هذا بشيء ، وإنما نؤجر على ما نعطي ونحن نحبه . وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير : كالكذبة والغيبة والنظرة ويقول : ليس علي من هذا شيء ، إنما اوعد الله بالنار على الكبائر . جاء أعرابي إلى نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- فقال له: عِظْنِي ولا تُطل ؟ فقرأ عليه " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يَره " فقال: كفيت قال ﷺ: فقه الرجل .هذا الميزان لا يوجد له شبيه في الأرض فغالب البشر لا يذكرون إلا السيئات وينسون الحسنات .
    بقي ما هو الشيء الذي يوزن . يوزن العامل والعمل والصحائف . فلا تحقرن من المعروف شيئا ان تعمله ولا تحقرن من الشر شئيا تتركه ففي مسلم «عُرِضَتْ عليّ أعمال أمَّتي : حَسَنُها وسَيِّئُها ، فوجدتُ في مَحاسِنِ أعمالها : الأذى يُماطُ عن الطريق ، ووجدتُ في مساوئِ أعمالها : النُّخَامَةَ تكون في المسجد لا تُدْفَنُ» . حديث عائشة حينما تصدقت بتمرة واحدة ( قالت رضي الله عنها: جاءتني امرأةٌ ومعها ابنتان تسألُني فلم تجد عندي غيرَ تمرة واحدة فأعطيتُها، فقسمَتها بين ابنتيها، ثم قامت. ) رواه البخاري .وتصدقت أيضا بثلاث تمرات عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: "جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فِيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما -يعني شقت التمرة بينهما-، فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (إن الله قد اوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار)رواه مسلم.السورة تحذرنا من يوم القيامة وفيها خث على الأعمال الصالحة والعمل لا يضيع وان كان مثقال حبة من خردل
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة العاديات :
    حديثي معكم اليوم عن سورة العاديات وهي تتحدث عن خيل الغزاة وافعالها الخمسة اظهارا لشرفها وفضلها وعن طبيعة النفس البشرية وما ركب فيها من صفات سيئة إلا النفس المؤمنة. ختمت السورة ببيان علاج هذه الطبيعة وان مرجع الخلق ومالهم إلى الله المطلع على خفايا أمورهم .بداية أقسم الله بخيل الغزاة وافعالها الخمس والله لا يقسم إلا بعظيم ولذلك حرم الله القسم بغيرة لان القسم بالشيء منتهى التعظيم .
    قوله والعاديات ضبحا :العاديات جاءت على قولين الابل والخيل والاصح والاقوى والاظهر انها الخيل وليست كل الخيل إنما خيل المجاهدين التي تعدو في الجهاد .
    من كان يتعب خيله في باطل *** فخيولنا يوم الصبيحة تتعب
    فأقسم بخيل الغزاة التي تعدو فتضبح، والضبح: صوت أنفاسها إذا عدون من شدة العزم .وليس المراد به صوت الصهيل وهذا تفسير ابن عباس
    قوله فالموريات قدحا : توري النار بحوافرها. إذا عدت بارض فيها صفا أو حجر.فالقدح قد يكون بالحافر أو الحجار من شدة العدو فتحرك الحجارة فيقع بعضها على بعض فتقدح نار
    قوله المغيرات صبحا : أي تغير على العدو وافضل ما تكون الاغارة وقت الصبح لان رسول الله كان يأتي آخر الليل وينتظر الصبح فان سمع إذانا والا غار عليهم والاغارة وقت الصبح لأنه وقت غفله فمن اراد النيل من عدوه فليباغته لان عنصر المفاجئة والمباغتة من اسباب النصر
    قوله فأثرن به نقعا :النقع هو الغبار أي اثرن بعدوها الغبار لان الخيل عند الاغارة تثير الغبار وفي الحديث ( ما اغبرت قدم ور شحب لون في عمل تبتغى به الدرجات العلى افضل من الجهاد ) . بشار بن برد رجل اعمى يصف معركة قائمة بين جيشين يقتتلان بالسيوف
    كأن مثار النقع فوق رؤوسنا *** وأسيافنا كالليل تهاوى كواكبه
    قوله فوسطن به جمعا :فتوسطن ودخلن في وسط جمع من الأعداء، ففرقته وشتته وفيها دلاله على اقدام الخيل مع ركابها إلى وسط العدو . هنا انتهى المقسم به .وأقسم الله بخيل الغزاة وبصفاتها الخمس تنويها لشأنها وعلوا قدرها والخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة والخيل من دواب الجهاد وفيها بأس وهي ضارية وفيها اقدام وينبغي الاعتناء بها وتعلم الفروسية.
    اما على تفسير ان المراد بالعاديات الابل وهو تفسير على رضي الله عنه .العاديات المراد بها انصراف الابل من عرفه إلى مزدلفه . والمرويات أي المخرجات للنار سواء ابل أو خيل . والمغيرات من مزدلفه إلى منى . فأثرن به نقعا يحصل من الابل والخيل . فوسطن به جمعا أي جمع مزدلفه . والاول اظهر وقيل في سبب نزولها : قال مقاتل: بعث رسول الله سرية إلى حي من كنانة واستعمل عليهم المنذر بن عمرو الأنصاري فتأخر خبرهم فخاف عليهم رسول الله فقال المنافقون: قتلوا جميعا فأخبر الله تعالى عنها فأنزل (وَالعادِياتِ ضَبحاً) فانزل الله هذه الآيات انهم انتصروا على العدو.
    جواب القسم : أقسم الله ان الانسان لكفور جحود .عن بُسْر بن جحاش رضي الله تعالى عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بصق في كفِّهِ فوضع عليها أصبعه ثم قال : قال الله عز وجل : بني آدم أنَّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سوَّيتك وعَدَلْتُكَ ، مشيت بين بردين وللأرض منك وئيد ،فجمعت و منعت ، حتى إذا بلغت نفسك هذه ـ و أشار إلى حلقه ـ " و في رواية : حتى إذا بلغت التراقي " قلت :أتصدق ، و أنى اوان التصدق ) رواه أحمد
    قوله ان الانسان لربه لكنود :الكنود هو الكفور اما كفران النعم فلا يشكرها ويجحدها أو كفران الجحود فيكذب بكل ما يجب الإيمان به .الكنود يعد المصائب وينسى النعم ففي الحديث يا معشر النساء اني رايتكن اكثر اهل النار فقالت أمراءه ولم يا رسول الله . قال: بكفرهن، قيل: يكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى أحداهن الدهر كله، ثم رأت منك شيئا، قالت: ما رأيت منك خيرا قط. من طبيعة الانسان : قالت امرأة ثابت بن قيس أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله، ثابت بن قيس ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتردين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أقبل الحديقة وطلقها تطليقة رواه البخاري . ما كرهته من أجل معاملته أو دينه لكنها لا تحبه .وما اكثر الجحود تجد البعض يصحح الله له سبعين سنة . ومرة واحدة تحصل له مشكلة ينسى النعم ويعد المصائب نسي ان الله حفظة سبعين سنة .نسي ان الله اوصله في مناسبات كثيرة وفي اسفار عديدة سالما كم من سنين وانت محفوظ .فقد بين أن الجحود ينسى النعم ويعد المصائب .يقول انا عندي مصائب كثيرة. لكن: كم عندك من النعم؟
    قوله وانه على ذلك لشهيد:على قولين :محتمل الضمير يعود على الانسان نفسه ومحتمل يعود الضمير على الله .فالإنسان يقر ويعترف بهذه الصفة القبيحة انها فيه دائما يندب حظه ايها الشاكي وما بك داء. فالإنسان يجحد نعم الله عليه ويشهد على نفسه بالكفر كما قال الله شاهدين على انفسهم بالكفر. وقيل الانسان يعمل ويظن ان الله لا يطلع عليه ان يعلم ان هذا الانسان كافر ومعاند ومكابر وجحود وكفور فمثلا فرعون ارسل الله إليه موسى وهو يعلم انه لا يسلم لكن ليقيم عليه الحجة.
    قوله وانه لحب الخير لشديد :الخير هو المال .الانسان بطبعه يحب المال ولا يلام عليه لأنه يقضي به حوائجه ويصون به عرضه لكن يلام الانسان على حرص الشديد على المال وجمعه ومنعه . فمن شدة حرصه وحبه للمال يحمله علي جمعه من حلال وحرام ويحمله على عدم الانفاق والبخل فصار المال وبالا عليه في الدنيا والأخرة هذا ما كنزتم لأنفسكم .ختمت السورة حث الانسان على الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة فلا يكن ن همك الدنيا وتنسى مصيرك في الآخرة فلله يوم عظيم تتساوى فيه الاقدام ويبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور
    قوله افلا يعلم إذا بعثر ما في القبور :البعثرة هي نبش ما خفي وبعث الاموات من القبور.القبور هي اول منازل الآخرة يقف الانسان علي دار ظاهرها تراب وباطنها جنه أو نار . يذكره الله بالعاقبة فلله يوم تخرج الاموات من القبور يوم القيامة فأساس كل خير ان تعلم انك إلى الله سائر وتسأل عن هذه الروح وما انفقها ايامها ولياليها في الخير أو الشر فلله يوم ينفع الصادقين صدقهم ويضر الكاذبين كذبهم . ماذا سيكون بعد بعثرة القبور ونبشها . يحصل ما في الصدور وبدا لهم ما كانوا يخفون من قبل فالحساب والثواب والعقاب يكون على ما في القلوب وعمل الجوارح تبع لها . الاحكام في الدنيا على الظاهر والباطن يوكل إلى الله فيخرج الرجلان من المسجد وكلاهما اداء الصلاة لكن من عمله لله ومن عمله لغير الله الله اعلم بذلك .قال بعض العلماء قد ألم القلب إني جاهل مالي عند الإله . أراض هو أم قالي؟ و أن ذلك مخبوء إلى يوم اللقاء و مقفول عليه بأقفال.
    تصور رجلان يصليان خلف امام ويقفان بجوار بعض احدهما تصعد صلاته ولها نور وتفتح لها ابواب السماء وتدعوا لصاحبها وينال بها رضوان الله وثوابه وجنته . والاخر مثله تصعد صلاته سوداء ولا تفتح لها ابواب السماء وتدعوا على صاحبها وتلف ويرمى بها في وجهه.والسبب ان الاول أقبل على صلاته وصلى لله واتق الله وعظم الله بقلبه وجوارحه .والاخر صلى لغير الله ولم يعظم الله ولم يتق الله في صلاته فلم تنفعه بسبب ان قلبه فاسد ونيته ليست طيبه.رجلان اظهرا الإسلام احدهما صادق والاخر كاذب فالحساب في الآخرة يكون على ما في القلوب اول من تسعر بهم النار ثلاثة لما كان عملهم لغير الله اصبح لا قيمة له في الآخرة لكن في الدنيا مثلهم مثل غيرهم .
    قوله ان ربهم بهم يومئذ لخبير :الله خبير بعباده ومحيط علهم بهم في كل وقت وليس معنى الآية ان علمه محصور بهم يوم القيامة لكن المعنى يظهر في ذلك اليوم اثر ونتيجة علم الله فيهم فهو مطلع عليهم وعلى احوالهم في الدنيا والاخرة ولكن يؤخر ليوم الحساب لتجزى كل نفس بما تسعى
    قوله لخبير أي المطلع على خفايا أمورهم فهناك فرق بين مزارع وخبير زراعي الخبير يعرف الأرض التي تصلح والتي لا تصلح وغيرها .فيه حث للمسلم على صلاح قلبه ونيته وقصده
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة القارعة
    حديثي معكم اليوم عن سورة القارعة سميت بالقارعة لأنها تقرع القلوب والاسماع بأهوالها فهي قارعة عظيمة لا نظير لها وهي تتحدث عن ثلاثة أمور عن القيامة واهوالها وما فيها من احداث عظام وعن الموازين التي توزن بها أعمال الناس وعن انقسام الناس إلى سعداء واشقياء
    قوله القارعة:هو يوم القيامة وسمي بالقارعة .القارعة اسم من اسماء يوم القيامة وسميت بالقارعة لأنها تقرع القلوب والاسماع بأهوالها وشدتها وليوم القيامة اسماء كثيرة وهذه الاسماء تدل على شدته واهواله ولا يعلم ما في ذلك اليوم من اهوال إلا الله وحذرنا ربنا من شر ذلك اليوم ليستعد العباد له فانه لا ينجي من اهواله إلا الإيمان و الأعمال الصالحة فقد ارشدنا الله إلى التقوى فالمخرج من القارعة والزلزلة هي تقوى الله يا ايها الناس اتقوا ربكم ان زلزله الساعة شيء عظيم فمن اتى بالقوى في ذلك اليوم فلا يخاف حين يخاف الناس ولا يحزن حينما يحزنون ولا يفزع حينما يفزعون و هو على الكافرين عسير وغير يسير لأنه ليس معهم زاد يؤمنهم من هول هذا اليوم وعاشوا في غفله عن هذا اليوم ومنهم من لا يأتي له على بال اصلا
    قوله وما ادراك ما القارعة :كرر هذا اللفظ تهويل وتعظيم لشانها . لما هول سبحانه من شأنه وفخمه ونبه العقول على يكون في هذا اليوم بين كيف يكون حال الناس في هذا اليوم.
    قوله يوم يكون الناس كالفراش المبثوث :أي: في انتشارهم وتفرقهم، وذهابهم ومجيئهم، من حيرتهم مما هم فيه" المبثوث: أي المفرّق". يخرج الناس من قبورهم فزعين كأنهم فراش مبثوث يموج بعضهم في بعض من شدة الفزع والحيرة وشبه الله خروج الناس بالفراش لأنه إذا ثار لم يتجه إلى جهة واحدة بل كل واحدة تذهب إلى غير جهة الاخرى فدل على انهم إذا بعثوا فزعوا . فهم يشبهون الفراش في ضعفه وحيرته يوم القيامة .تصور قيام الناس من قبورهم في هذا اليوم من لدن ادم إلى آخر بشر يقومون من قبورهم قومة واحدة ويتوجهون إلى ارض المحشر يموج بعضهم في بعض فرعين لان الهول عظيم فلا يدرون في أي اتجاه يمشون وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد وخروجهم خروجا قهريا فلا يتخلف منهم أحد يقول الله وحشرناهم فلم نغادر منهم احدا .فيحشر الناس يوم القيامة مثل هذه الحشرات الضعيفة كالفراش المبثوث أو كالجراد المنتشر ويغطون وجه الأرض من كثرتهم ويهانون ويذلون إلا اهل الإيمان لا يحزنهم الفزع الاكبر .وذكر الفراش في ضعفه وحيرته.
    قوله وتكون الجبال كالعهن المنفوش:أي وتصير الجبال الصم الصلاب تذوب وتصير هباء غبارا كالصوف المتناثر المتطاير تتفرق اجزاؤها وتتطاير في الجو. جمع بين حال الناس وحال الجبال تنبيها على ان تلك القارعة اثرت في الجبال العظيمة الصلبة حتى تصير كالصوف المندوف مع انها غير مكلفة فكيف حال الانسان الضعيف المقصود بالتكليف والحساب. فمن شدة اهوال القيامة تتغير الاحوال العلوية والسفلية فالسماء تتشقق وتصبح واهيه والأرض تندل والجبال الصم الصلاب تنسف فتمون هباء منثورا وتضمحل ولا يبقى منها شيء .فهل يستمر الناس على هذه الحال؟ لا. فحينئذ تنصب الموازين وينقسم الناس إلى قسمين
    القسم الاول: من ثقلت موازينه وهو الذي رجحت حسناته على سيئاته.
    والثاني: من خفت موازينه وهو الذي رجحت سيئاته على حسناته، أو الذي ليس له حسنة
    فإذا عرف هذا فقد أجمع أهل السنة على الإيمان بالميزان, و أن أعمال العباد توزن يوم القيامة, و أن الميزان ميزان حقيقي له لسان وكفتان, ويميل بالأعمال. (الميزان حقيقي)، و(من أعظم ما خلق الله تعالى)، و(مكانه في الآخرة عند الله عز وجل)، و(بيده سبحانه):أخرج الامام الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الالباني في السلسلة من حديث سلمان مرفوعا (يُؤْتَى بِالْمِيزَانِ يَوْمُ الْقِيَامَةِ؛ [وَلَهُ كِفَّتَانِ]. فَلَوْ وُضِعَتْ فِي كِفَّتِهِ السَّمَاواتِ وَالأرض وَمَنْ فِيهِنَّ؛ لَوَسِعَتْهُ؛ فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ: رَبَّنَا مَنْ تَزِنُ بِهَذَا ؟؛ فَيَقُولُ: مَا شِئْتُ مِنْ خَلْقِي؛ فَتَقُولُ الْمَلائِكَةُ : [سُبْحَانَكَ] رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ" ) .وحديث انس :سَأَلْتُ النَّبِيَّ أَنْ يَشْفَعَ لِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ أَنَا فَاعِلٌ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَيْنَ أَطْلُبُكَ قَالَ اطْلُبْنِي اول مَا تَطْلُبُنِي عَلَى الصِّرَاطِ قَالَ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عَلَى الصِّرَاطِ قَالَ فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْمِيزَانِ قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ عِنْدَ الْمِيزَانِ قَالَ فَاطْلُبْنِي عِنْدَ الْحَوْضِ فَإِنِّي لا أُخْطِئُ هَذِهِ الثَّلَاثَ الْمَوَاطِنَ" أخرجه أحمد والترمذي بأسناد صحيح، واللفظ للترمذي.
    ويوزن العامل والعمل والصحائف دل عليه الكتاب والسنة والاجماع :ففي كتاب الله هذه الآية (فمن ثقلت موازينه) ومن السنة حديث ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان ) واجمع اهل السنة على ان هناك ميزان ومن انكره فهو كافر .ويوزن في الميزان العامل كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يجتني سواكاً من الأراك، وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤوه، فضحك القوم منه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مم تضحكون؟) ، قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: (والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد) ، رواه أحمد .وعند مسلم ‏إنه ليأتي الرجل العظيم السمين يوم القيامة لا يزن عند الله جناح بعوضة).فلا نقيم له يوم القيامة وزنا أي قيمة وقدر لأنه ليس له حسنات وفي حديث حذيفة لا يزن عند الله حبة شعيرة
    واما وزن الصحائف :عن عبد الله بن عمرو‏:‏ ‏ "يصاح برجل من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر له تسع وتسعون سجلاً كل سجل مد البصر‏.‏ ثم يقال‏:‏ أتنكر من هذا شيئًا‏؟‏ فيقول‏:‏ لا يا رب‏.‏ فيقال‏:‏ ألك عذر أو حسنة‏؟‏ فيهاب الرجل ويقول‏:‏ لا‏.‏ فيقال‏:‏ بلى إن لك عندنا حسنة‏.‏ وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج له بطاقة - وهي الورقة الصغيرة - فيها‏:‏ أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله‏.‏ فيقول‏:‏ يا رب وما هذه البطاقة مع هذه السجلات‏؟‏ فيقال‏:‏ إنك لا تظلم‏.‏ فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة‏" ‏
    وتوزن الأعمال: لحديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إلى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ" متفق عليه. ولحديث أبي مالك الأشعري رضى الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ" أخرجه مسلم.
    جاء في الاحاديث ان ملكا بين كفتين الميزان إذا رجح ميزان العبد نادى بأعلى صوته سعد فلان ابن فلان سعادة لا يشقى بعدها ابدا وإذا خفت موازين عبد نادى بأعلى صوته شقي فلان بن فلان شقاوة لا يسعد بعدها ابدا .وقد ينجح ميزان العبد بقليل من العمل ولو بشق تمره .ولحديث أبي الدرداء قال:"مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي [مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ] أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ".كفت الميزان تسع السموات والأرض :مدة الوزن للخلائق مقدار حلب شاه قدر فواقه أي عصرة واحدة وقيل كلمح البصر
    قوله فمن ثقلت موازينه :أي من رجحت حسانته على سيئاته فالنتيجة :
    قوله فهو في عيشة راضيه :أي في حياة طيبة راضية. والمعنى عيشة طيبة ليس فيها نكد، وليس فيها صخب، وليس فيها نصب، كاملة من كل وجه
    قوله وأما من خفت موازينه :وهو الذي رجحت سيئاته على حسناته، أو الذي ليس له حسنة
    قوله فامه هاويه: على تفسيرين: أمه قيل على ام رأسه يهوي في نار جهنم تعذيبا له .وقيل أمه أي ماواه ومسكنه النار تكون له بمنزلة الأم الملازمة كما قال تعالى: إن عذابها كان غراما ولا مانع من الأمرين يرمى في النار على أم رأسه، وأيضاً ليس له ماوى ولا مسكن إلا النار
    قوله نار حاميه:أي تتوقد لا تطفأ شديدة الحرارة، قد زادت حرارتها على حرارة نار الدنيا سبعين ضعفا. نستجير . هذه السورة على وجازتها فهي موعظة جامعه نافعه ففيها بيان ما تؤول إليه الدنيا من الفناء والزوال وبيان حال الناس في الآخرة من مصيره وماله الجنة ومن مصيره وماله النار وفيها بيان من تثقل موازينه ومن تخف موازينه وبماذا تثقل الموازين بالأعمال الصالحة والايمان ومحل الأعمال في الدنيا
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة التكاثر
    حديثي معكم اليوم عن سورة عظيمة من قصار السور مخيفه فيها وعد ووعيد وتهديد لمن اتصف بصفات معينه هذه السورة هي سورة التكاثر .وهي تتحدث عن تحذير الإنسان عن التكاثر الملهي عن الله، والدار الآخرة وانطباق معناها على أكثر الخلق .ثم توعد سبحانه من ألهاه التكاثر حتى انتقل من القصور إلى القبور فعاين تكاثره قد ذهب هباء منثورا وختمت السورة عن سؤال النعيم. فكل أحد يسأل عن نعيمه الذي كان فيه في الدنيا
    قوله ألهاكم التكاثر:ألهاكم أي شغلكم .التكاثر : لم يحدد شيئا معينا من التكاثر لان المذموم هو نفس التكاثر بالشيء سواء كان مالا أو لدا أو أي شيء آخر مما يكاثر به العبد غيره من أسباب الدنيا، من مال أو جاه أو عبيد. أو إماء أو بناء، أو غراس، أو علم لا يبتغى به وجه اللّه، أو عمل لا يقربه إلى اللّه.فكل هذا من التكاثر الملهي عن اللّه والدار الآخرة.وعليه:
    فكل من ألهاه تكاثره من مال وولد وغيره وشغله عن طاعة الله ورسوله ومات ولم يقدم لنفسه خيرا فقد خسر يقول الله ( يا ايها الذين آمنوا لا تلهكم اموالكم ولا اولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذكر فاولئك هم الخاسرون )كل من شغله ماله وولده حتى ولو ربح من الدنيا ما ربح فهو خاسر إذا شغلته عن طاعة الله . وفي المقابل كل من لم يشغله ماله وولده عن طاعة الله فهو رابح يقول الله ( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله واقام الصلاة وايتاء الزكاة ) و رغم انهم يعملون لكن ما شغلهم عن طاعة الله وعلل سبب ذلك بانهم يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار.ثم بين جزاءهم ( ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله ) .ثم لما حذرنا ربنا عن التكاثر الملهي عن الله والاخرة توعد من شغله تكاثره بالقبر وبعذاب القبر فقال
    قوله حتى زرتم المقابر :فأخطر لحظة في حياة الانسان لحظة الخروج من البيت إلى القبر فبينما تملك كل شيء تترك كل شيء فجمع الاموال الطائلة وتركها وتولى ما تولى ثم ذهب وتركها نعم . الموت ما تدري متى يفاجئك فقد يفاجئك وانت ما انتهيت من بيتك أو يفاجئك وانت على جنة ثمرة تجارتك أو يفاجئك وانت في سفرك .وإذا مت إلى أين تذهب ؟ تذهب إلى القبر لماذا قال حتى زرتم المقابر . لان القبر منزل مؤقت لما سمع الاعرابي حتى زرتم المقابر قال بعث القوم ورب الكعبة فما من زائر إلا ويرتحل . دار البرزخ هي الفاصل بين دارين فهي محطة انتظار تنتقل منه إلى دار القرار .
    يالها من رحلة :تبدا اولا فينتقل الانسان من ظهر ابيه إلى بطن أمه ثم ينتقل من بطن امة إلى ظهر الأرض ومن ظهر الأرض إلى بطن الأرض ومن بطن الأرض إلى يوم العرض ثم ينتقل منها إلى دار القرار الجنة أو النار وليس بعدها رحيل . فمن لم يشغله تكاثره عن الله والدار الآخرة ماذا يحصل لها .إذا نزل قبرة يكون روضه من رياض الجنان ويفسح له مد البصر حتى في الدنيا لا يرتاح الانسان حتى يمد بصرة وإذا نزل قبرة نور له فيه والقبر لا باب له ولا نافذه له ولكن يفتح له باب إلى الجنة فآيتيه من روحها وريحانها وطيبها . ومن شغله تكاثره ونسي الموت والبلى واقبل على زينه الحياة الدنيا .فإذا نزل قبره إذا به حفرة من حفر النيران وانضم عليه قبره ويرى مكانه في النار ويرى عمله ظلمه .لما وعد الله من اشتغل بتكاثره عن الله والدار الآخرة بانه القبر موعده وتوعده بعذابه القبر هدده بعد ذلك.
    قوله كلا سوف تعلمون : هذا تهديد من الله ووعيد أي حقا سوف تعلمون مغبة هذا التكاثر عند سكرة الموت حين لا ينفع العلم
    ثم كلا سوف تعلمون: مغبة هذا التكاثر إذا دخلتم القبور وتعلمون مآلكم في الاخر .
    كلا لو تعلمون :أي سوف يتحقق له الوعيد في ارض المحشر وقبله القبر وحق اليقين دخول النار .كلها تهديد والمعنى ماذا سيكون حالكم لو كنتم تعلمون لصار حالكم غير الحال الذي انتم عليها .
    درجات العلم ثلاث :علم اليقين ما نعلمه من الكتاب والسنة من الخير الصادق والاعتماد على العلم الصحيح . عين اليقين ما شاهده ببصره وبنفسك . حق اليقين ما ذاقه ولمسه .وبالمثال يتضح المقال رجل قيل له وراء هذا الجبل نهر هذا يعتبر علما ثم صعد الجبل فرأى النهر يجري هذا عين اليقين ثم نزل من الجبل وشرب من النهر فهذا حق اليقين. الأمر ليس بالسهل أمامنا اهوال عظيمة لا يعلمها الله يقول نبينا والله لو تعلمون ما اعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ولكن نتيجة ضعف الإيمان باليوم الاخر جعل الكثير منا يشتغل بالدنيا وينسى الآخرة الجميع يؤمن بالموت كل الناس حتى الكفار لكن المطلوب منا الإيمان بما بعد الموت فما قست القلوب إلا لما غفل الناس عن الموت وذكره . وكم سمعنا وسمع غيرنا . من ينكر على من يتحدث عن الموت لماذا تحدثوننا عن الموت لانهم لا يريدون ذكر الموت والجواب عليهم. من كره ذكر الموت هذه عقوبة من الله له ففي الحديث عن ثوبان - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم وليقذفن في قلوبكم الوهن " ، قال قائل : يا رسول الله ! وما الوهن ؟ قال : "حب الدنيا وكراهية الموت". لكن عدم العلم الحقيقي بالأخرة صيركم إلى ما ترون.
    قوله لترون الجحيم:جملة مستأنفة لا صلة لها بما قبلها، وفيها قسم مقدر والتقدير: والله لترون الجحيم، أقسم الله ان العباد سوف يرون النار بأبصارهم ويشاهدونها يوم القيامة النار التي اعدها للكافرين ."ورا المجرمون النار فظنوا انهم مواقعوها "."هذه النار التي كنتم بها تكذبون اصلوها اليوم بما كنتم تكفرون "
    قوله ثم لثرونها عين القين :قوله ثم لتسألن عن النعيم . ختمت السورة بالإخبار المؤكد بواو القسم عن سؤال النعيم فكل أحد يسأل عن نعيمه الذي كان فيه في الدنيا هل قام بشكرها ام لا (إن اول ما يسأل العبد عنه يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نصح لك جسمك؟ ونرويك من الماء البارد) رواه الترمذي بأسناده عن أبي هريرة .وعند مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يلقى (الرب) العبد فيقول: أي فُل، ألم أكرمك، وأسودك، وأزوجك، وأسخر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربع؟ فيقول: بلى. قال: فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ قال: فيقول: لا. فيقول: فإني أنساك كما نسيتني.
    والسؤال عن النعيم سؤال عن شكر العبد لما أنعم الله به عليه، فإذا شكر فقد أدى حق النعمة ومن لم يشكر فقد كفر ( إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة، فيحمده عليها، أو يشرب الشربة فيحمده عليها ) رواه مسلم . وعند الترمذي عن أَبي هريرة قال : " خرج رسول الله صلَّى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلة فإذا هو بِأَبي بكر وعمر فقال : ( ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة ) ؟ قالا : الجوع يا رسول الله ، قال : ( وأَنا والذي نفسِي بيده لَأخرجني الذي أخرجكما قوموا ) ، فقاموا معه فأَتى رجلًا من الْأَنْصارِ فإذا هو ليس فِي بيتِه ، فلما رأته المرأةُ قَالت : مرحبا وأَهلًا ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أين فلان ) ؟ قالت ذهب يستعذب لنا من الماء إِذْ جاء الْأنصارِي فنظر إلى رَسول الله صلَّى الله عليهِ وسلَّم وصاحبيه ثم قال : الْحمد لله ما أحد اليوم أَكرم أَضيافًا مني ، قال : فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب فقال : كلوا من هذه ، وأخذ المُدية : فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إياك والحلوب ) ، فذبحَ لهم فأكلُوا مِن الشاة ومن ذلك العذق وشرِبوا فلمَّا أَن شبِعوا ورووا قَالَ رَسول اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم لِأبي بكر وعمر : ( والذي نفسي بيده لتسأَلن عن هذا النعيم يوم القيامة ، أخرجكم من بيوتكم الجوع ثم لَمْ ترجعوا حتَّى أَصابكم هذا النعيم.
    ولنا وقفة مع النعم : نحن نعيش ونتقلب في نعم عظيمة لاتعد ولا تحصى .فأعظم نعم الدنيا يا ترى ما هي ؟كثير من الناس يغفل عنها إلا وهي :الامن في الاوطان والصحة في الابدان وإذا فقدهما الناس فلا قيمة للحياة ويتنغص عليه العيش ويتمنى الموت كما في حديث( حتى ﻳﻤﺮ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﺒﺮ ﻓﻴﺘﻤﺮﻍ ﻋﻠﻴﻪ) ﻭﻳﻘﻮﻝ: ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﻲ ﻣﻜﺎﻥ ﺻﺎﺣﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺒﺮ, ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻪ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺇﻟﺎ ﺍﻟﺒﻠﺎﺀ).وهاتان النعمتان لا تتحققان إلا بالإيمان والعمل الصالح الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ) . قبل بعثه نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان الناس في جاهليه جهلاء وكان السلب والقتل والخوف فذكر الله الصحابة لما تحقق لهم الامن بالمدينة وذكرهم بحالهم بمكة .واذكروا اذ انتم قليلون مستضعفون في الأرض فاواكم وايدكم ينصره ورزقكم من الطيبات ) .وتحقق وعد الله وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم...) .فلو ملكت الدينا كلها وانت خائف على نفسك أو عرضك أو مالك لتنغص عليك الحياه
    فالان يتحقق بالإيمان فإذا وجد الإيمان وجد الامن .وإذا اختل الإيمان اختل الامن .وإذا فقد الإيمان فقد الامن .واليوم الناس يهتمون بالدنيا ولكنهم في غفلة عن دينهم وتركوا الصلوات واتبعوا الشهوات.نعم عظيمة يتمتع بها الناس وهم لا يشعرون ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر .إذا رأيت الطائر في الجو تذكرت نعمة الله علينا وكيف ان الله علم الانسان مالم يعلم ما كان يخطر ببال أحد فيما سبق طائرة تطير وسيارة تسير وسفينه تحمل كل شيء
    كان الناس فيما مضي بعضهم يسافر سيرا على الاقدام وبعضهم على الابل والحمير واليوم سخر الله لنا هذه وسائل النقل المختلفة والله امرنا فقال اذكروا نعمة الله عليكم .و تحمل الناس وتحمل ما يحتاجونه والسيارة تقطع مسافات بعيده وكانه جالس في البيت نعم السفن تجري في البحر لكن ما تقطع البر فمن ينقل هذه الأشياء بعد السفينة انها السيارات تصور لو كنا نحمل هذه الأشياء عن طريق الابل كم تشق علينا لكن سخر الله لنا هذه السيارات .الله انعم علينا نعمة عظيمة في سفرنا وفي اقامتنا .اليوم اصبح من السهل تحمل نقودك في جيبك وانت في سفرك لا تحمل طعام ولا فراش ولا شيء كل شيء تجده معك في طريقك جاهز الطعام والفراش والسكن ولا تحتاج إلى تطرق باب أحد .وكذلك سخر الله لنا وسائل الاتصالات كان الواحد يسافر فتنقطع اخباره سنين لا يعلم عن حاله ثم تطور الحال برسائل البريد ثم البرقية إذا عنده أمر ضروري يرسل برقيه ثم التلفون الثابت ثم البيجر ثم وصل بنا الحال إلى الاتصال بالجوال تحمله معك في جيبك وتسمع وترى من تريد الاتصال به في أي بقعه كان فهذه الاتصالات وهذه الاجهزة نعمة عظيمة توفر على الانسان الانتقال من مكان إلى مكان ومن عصى الله بها فهو شاذ لان الاصل الاستعمال بها في الطاعة والمستعمل بها في الحرام هو الاثم
    تصور انك نسيت جوالك بالمنزل وانت بالسوق ترجع إلى البيت تأخذه كان الناس وهم يسكنون بالقرى إذا له قريب يسكن بالمدينة واراد دعوته إلى عشاء أو غداء يضطر إلى ركوب السيارة ويذهب إليه ليدعوه واليوم تحمل الجوال وتتصل عليه وانت في بيتك .نعم عظيمة قل من يشكرها والكثير استعملها في المعاصي
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة العصر :
    حديثي معكم اليوم عن سورة العصر فهذه السورة -على اختصارها ووجازتها إلا انها من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره. والحمد لله الذي جعل كتابه كافيا عن كل ما سواه، شافيا من كل داء، هاديا إلى كل خير .وهي تتحدث عن موضوع واحد خسارة بني الانسان إلا من استثنى الله واتصف بأربع صفات . هذه السورة :تقرر حقيقة ضخمة وهي: "أنه على امتداد الزمان في جميع الأعصار، وامتداد الإنسان في جميع الأدهار، ليس هناك إلا منهج واحد رابح، وطريق واحد ناجٍ هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده.فمن عمل بهذه السورة نجا من الخسارة وكان من الرابحين .
    قوله والعصر :الواو حرف قسم والعصر مقسم به .اختلف في تفسير العصر الي أربعة أقوال قيل بانه الزمن وقيل العمر وقيل صلاه العصر وقيل عصر النبي صلي الله عليه وسلم . وأظهرها وأقواها بانه الزمن . فأقسم الله بالعصر وهو الزمان ولا يقسم سبحانه إلا بعظيم لما فيه من العبرة والعظة .فهو محل افعال العباد وأعمالهم من الخير والشر فهو زمان يربح فيه المؤمنون وزمان يخسر فيه المعرضون الضالون .قال الحسن البصرى..يابن ادم إنما أنت بضعة ايام كلما مرة عليك يومك ذهب بعضك وإذا ذهب البعض يوشك ان يذهب الكل. وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة. وهو أيضا وقت لفريضة عظيمة ففي الحديث عند البخاري في صحيحه : ( من ترك صلاة العصر حبط عمله ) من فاتته صلاة العصر ، فكأنما وُتر أهله وماله.
    ويحاسب الانسان على الزمن والعمر الذي اعطيه ( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أين اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ) الترمذي عن ابي برزة
    الكثير يلقي اللوم على الزمان والدهر والزمان وعاء مثل المكان .ليس السر في السنوات لكن كيف تعيشها؟ نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- لبث في قومه ثلاثة وعشرين عامًا ، أخرج الناس في هذه الأعوام القليلة من الظلمات إلى النور ، وغيّر وجه التاريخ البشري .
    نعيب زماننا والعيب فينا *** وما لزماننا عيب سوانا
    إنما يلام الناس على افعالهم واقوالهم. نصح رسول الله عبد الله بن عمروا ( كَيْفَ بِكَ إذا بَقِيَتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ، قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فَصَارُوا كَذَا - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ؟» قَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «اعْمَلْ بِمَا تَعْرِفْ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَإِيَّاكَ وَالتَّلَوُّنَ فِي دِينِ اللَّهِ. بقي على ماذا يقسم الله أو ما هو الشيء المقسم عليه أو جواب القسم
    قوله ان الانسان لفي خسر :الانسان جنس يشمل عموم الخلق أي كل الناس في خسارة وهلاك وجاءت نكرة اشارة إلى عظمة الخسارة . والسؤال لماذا هم في خسارة؟ ولم يبين هنا نوع الخسران في أي شيء ، بل أطلق ليعم ويشعر بان الخسارة من كل وجه .والخسارة الحقيقية هي خسارة الآخرة وزادها والخسران يكون بالكفر أو بترك العمل . فأما الخسران بالكفر فقد يبلغ الكافر اعلى درجات المجد في الدنيا ولكن إذا نزل به الموت خسر الدنيا والاخرة واما الخسران بترك العمل فكما في قوله تعالى: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَاولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ. خسارة المال تهون خسارة الزوجة تهون خسارة الولد تهون لأنها مصائب يؤجر المرء عليها ويعوض عنها . (وقال الذين آمنوا ان الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة):هذا دليل على ان اكثر الخلق في ضلال .فلا ينجوا من الالف إلا واحد الان عدد البشر الوقت الحالي سبعه مليار اهل الإيمان مليار والبقية مع الشيطان .استحقوا الخسارة لأنهم يفعلون غير ما خلقوا له فاستحقوا الجحيم.
    بعدما بين الله خسارة الانسان وان والخسارة مراتب متعددة متفاوتة فمن الناس من تحيط به الخسارة من كل وجه فخسر الدنيا والاخرة كحال الكافر ففاته النعيم واستحق الجحيم.وقد يكون خاسراً من بعض الوجوه دون بعض .فبين بعدها الصفات المنجية من الخسارة وهي اربع :
    قوله إلا الذين آمنوا :الإيمان محور السعادة وهو أعظم منحه ومنه وبه يحقق الله لك سعادة الدنيا والاخرة ولو اجتمع اهل الأرض كلهم على غرس هذا الأمر ما استطاعوا لأنه نور يقذفه الله في القلب فلا يستطيع أحد ان يعطي الإيمان ولا يستطيع أحد نزعه والله يعلم من يستحق الإيمان ومن لا يستحقه.وإذا عرفنا معنى الإيمان اللغوي سهل علينا معرفة حقائقه . الإيمان في اللغة :هو التصديق والذي يصدق ماذا يفعل يأخذ بالسبب يفعل الخير ويترك الشر . الإيمان أمر ونهي فلا يصح ايمان بلا عمل كما لا يصح عمل بلا ايمان .وشرعا هو الإيمان بكل ما يجب الإيمان به المراد به الانقياد والتسليم.فمن حقق اركان الإيمان السته علما ورسوخا ويقينا انقادت جوارحه لطاعة الله وابتعدت عن معصيته. يوسف- عليه السلام- ايمانه جعله يقول:" معاذ الله" ومن لم يحققه تتمرد جوارحه وتتجرأ على الله وتتفلت عليه شهوته.
    الإيمان بأركان الإيمان السته :
    اولا الإيمان بالله :الإيمان بوجوده وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته وما ضَل من ضَل إلا بسبب عدم تحقيقه تحقيقا كاملا ودلت عليها آيات الله الكونية والقرآنية.
    ثانيا الإيمان بالملائكة : وتؤمن بوظائفهم وصفاتهم ومحبتهم وموالاتهم
    ثالثا الإيمان بالكتب: نؤمن بكل كتاب إنزله الله والصحف لكن امرنا الله بالإيمان بالقرآن والعمل به
    رابعا الإيمان بالرسل: ومحبتهم وموالاتهم ولكن نتبع سنة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-
    خامسا الإيمان باليوم الاخر : ابتداء بالموت وانتهاء بالجنة والنار الإيمان باليوم الاخر يقوم علي الخوف من الله واليوم الاخر بخلاف بقيه الأركان لا يقوم علي الخوف منهم
    سادسا الإيمان بالقدر:الإيمان بالقدر هو أحد اركان الإيمان السته يقول الله انا كل شيء خلقناه بقدر وفي الحديث وتؤمن بالقدر خيرة وشره .والقدر كل ما قدره الله في الانفس والكون من خير وشر مما كان ويكون إلى ان تقوم الساعة فلا يقع شيء في الكون إلا بتقدير من الله ومكتوب في اللوح .منه ما يكون محبوبا ومنه مالا يكون محبوبا .فلا يصح ان يقول انا مجبور ويلغي الاسباب .والذي أخبرنا بان كل شيء بقضائه وقدره امرنا بالأعمال وامرنا ببذل الاسباب ففي الحديث احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فان اصابك شيء فلا تقل لو اني فعلت كذا لكان كذا وقل قدر الله وما شاء فعل .لأنه إذا خرج الأمر على غير ما تريد فما كتب لك .فيحتج بالقدر في الشيء الذي لا يقدر عليه مثل المصائب كونه مريضا أو عنده أفة أو عاهة .ولا يحتج بالقدر في الشيء الذي يقدر عليه كالطاعة والمعصية فلا يصح الاحتجاج بالقدر لأنها فعله وكسبه واختياره. فلو زنى، لا يصح ان يقول انا مجبور. قدره الله. نعم ،علمه وقدره كونا ولكن لا يرضاه شرعا ونهى عنه وهذه مغالطه يغالط بها بعض الاشقياء.
    إذا رسخ الإيمان في القلب تحقق التوحيد . إذا رسخ الإيمان في القلب آثر الآخرة على الدنيا . الإيمان يحملك على محبة الله وتوحيده والخوف منه . إذا رسخ الإيمان في القلب تولد منه التقوى والتقوى تتولد منها الزهد في الدنيا ومحبة الآخرة فلا يحصل زهد بلا ايمان .حقيقة الإيمان :ومن لم يؤمن بالأخرة لم يزهد في الدنيا وايثار الدنيا على الآخرة ضعف ايمان .اما ايمان الناس اليوم تقليدي ما حصل عندهم رسوخ بالإيمان باليوم الاخر والجنة والنار لم ترسخ علم الجنة بالأدلة ما الذي يجعله يأكل الربا مع انه يقر بحرمته ويعلم وعيده الشديد ضعف ايمانه وتغلبت شهوته . ولذلك لا يصلح القلب إلا بالإيمان واليقين ولا يفسد القلب إلا بالشرك والمعاصي . وصاحب الإيمان الكامل ينال ولاية الله ان عبادي ليس لك عليهم سلطان. الإيمان بكل ما يجب بالإيمان به، ولا يكون الإيمان بدون العلم، فهو فرع عنه لا يتم إلا به.
    فالمصدر الاساسي لهذا الإيمان: هو القرآن كشجرة طيبة. عندك شجرة بالبيت أو سراج يحتاج وقود. القرآن للقلب شفاء ونور وروح ويلين القلب.قال ابن القيم :لا يكون ايمان إلا بعلم
    قوله وعملوا الصالحات:لا يكون العمل صالحا إلا بثلاثة شروط :الإيمان والاخلاص والموافقة لهدي رسول الله .كثير من الناس يهتمون بالعقيدة وهذا مطلوب ويغفلون عن العمل الصالح والسؤال متى يكون العمل صالحا .ليس مطلوب منا أي عمل فلن ينظر الله إلى أي عمل إنما ينظر إلى العمل الصالح الموافق للكتاب والسنة ولا يكون العمل صالحا إلا إذا كان خالصا موافقا لهدي رسول الله
    قوله وتواصوا بالحق :التواصي بالحق ضرورة لأن خيرية المسلم لا تقتصر على ايمانه فحسب بل تتعداه إلى مسؤوليته تجاه الاخرين فينشر الخير والفضيلة ويحاصره الشر والرذيلة .فنشر الحق صعب وشاق والمعوقات كثيرة كلما كثر التواصي بالحق اتسعت دائرة الخير وضاقت دائرة الشر والعكس بالعكس . ولأن بالتواصي بالحق: إقامة الحق والاستقامة على الطريق المستقيم. كان الصحابة لا يفترقون حتى يتلو بعضهم على بعض سورة العصر لان الحب في الله له ثمن باهظ. قل من يدفعه. ثمن المحبة النصيحة . فإذا كنت أحبك انصحك ولكن بحكمه ومن هنا كان الصحابة حينما يجتمعون على المحبة يفترقون وهم عليها ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه فكانوا لا يفترقون حتى يقرأ احدهم على الاخر سورة العصر . فثمن الحب في الله النصيحة ومن ثم جعل رسول الله الدين النصيحة تصور لو جئت ووجدت شخصا يقوم بإتلاف متاعك ستقوم بالإنكار عليه بمراتب الانكار الثلاثة لكن لو وجدت شخصا يعبث بمتاع غيرك ستمر ولا تبالي ومن هنا من كان يحب الله فان لا يرى منكرا لا يصبر حتى يأمر أو ينهى وان غيرة المؤمن على محارم الله اشد غيرة على من يعبث بمتاعه .
    في آخر الزمان: يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير؛ إن سكت استباحوه، وإن تكلم قتلوه . (" والذي نفسي بيده ، لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ، ويقول : يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر ، وليس به الدين إلا البلاء " . رواه مسلم .
    قوله وتواصوا بالصبر :والتواصي بالصبر كذلك ضرورة؛ فالقيام على الإيمان والعمل الصالح وحراسة الحق والعدل من أعسر ما يكون على الانسان المصلح. جاء الحث على التواصي بالرحمة أيضا مع الصبر في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمنوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ}وبهذه الوصايا الثلاث: بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالرحمة تكتمل مقومات المجتمع المتكامل.وبالتواصي بالصبر يستطيعون مواصلة سيرهم على هذا الصراط. لأنه لابد ان يتعرض لأذى المخالفين والمعارضين .
    وبالتواصي بالمرحمة: يكونون مرتبطين كالجسد الواحد.جعل التواصي بالصبر قريناً للتواصي بالحق فصبروا على الحق ووصى بعضهم بعضا بالصبر عليه والثبات بمثابه التثبيت لان إذا صبر لازم على عمل الطاعات .
    وفي السورة الإشارة إلى أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن من يقوم به غالباً يتعرض لأذى الناس؛ فلزمهم التواصي بالصبر .ومراتب الكمال اربع :
    1- معرفة الحق من الباطل فعرفوا الحق وصدقوا به
    2- العمل به فعملوا بما علموه من الحق
    3- تعليمه من لا يحسنه
    4- صبره على تعلمه والعمل به وتعليمه
    الكمال أن يكون الشخص كاملاً في نفسه مكمِّلاً لغيره، وكماله بإصلاح قوتيه العلمية والعملية.فصلاح القوة العلمية بالإيمان وصلاح القوة العملية بعمل الصالحات وتكميله غيره بتعليمه إياه وصبره عليه وتوصيته بالصبر على العلم والعمل.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الهمزة :
    حديثي معكم اليوم عن سورة الهمزة فقد ذكر الله فيها صفات ذميمة للكفار فقد جمعوا مع الكفر هذه الصفات الذميمة ومن اتصف بها من المسلمين فهو على خطر عظيم .فهذه السورة تعالج أمراض العصر فقد تناولت الذين يعيبون في الناس ويطعنون .في اعراضهم وعن من ليس همه سوى جمع المال وتكديسه وتولد من شدة حرصه على المال طول الأمل حتى توهم الخلود وختمت السورة بعقوبات من اتصف بهذه الصفات ومصيره في الآخرة. فتعالوا لنقف جميعا على هذه الصفات الخطيرة التي رتب الله عليها عقوبات عظيمة لنأخذ حذرنا منها.
    قوله ويل لكل همزة لمزة :ويل تأتي بمعنى الدعاء . أي ويل له هو شر يصيب في الدنيا والاخرة .وتأتي بمعنى الخبر فأخبر بمصيرهم في الآخرة بان لهم فيها خزيا وعذابا وهلكة في نار جهنم .وقد جاءت ويل في عدة مواضع من كتاب الله فقد بدأت هذه السورة بهذه البداية التي تخلع القلوب وكذلك في سورة المطففين فويل لكل همزة لمزة لمن يتعرض لأعراض الناس والاخرى لمن يتعرض لأموالهم .وهناك آيات عدة فيها تهديد عظيم كويل للمصلين فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله.وويل لكل افاك اثيم وويل للكافرين من عذاب شديد وويل للمشركين
    قوله همزة لمزة :الهمزة اللمزة هو الطعان العياب وهما صفتان متلازمتان .وليست صفة عارضة فهناك اناس اصبحت هذه الاخلاق السيئة طبيعة ثابتة فيهم .فمن أعظم البلاء ان يبتلى الانسان بنفس ناقده وساخرة ومستخفه بالناس . اما الهمزة :فهي من ينال من الناس بطريقه خفيه فيهمز الناس بفعله . واللمزة :يلمز الناس بقوله ولسانه . وما اكثر الهمازين واللمازين بالقول والفعل والاشارة والعبارة .عليك نفسك فاشتغل بعيوبها ودع عيوب الناس للناس. ومن تكلم في عرض مسلم فليوقن بالقصاص هناك من يجتهد في الطاعات ويغفل عن حقوق العباد وسماها رسول الله مفلسا وما اكثر اليوم الذين يظلمون الناس وفي الحديث اتدرون من المفلس .عامه عذاب القبر من اللسان واكثر ما يدخل الناس النار اللسان والبعض لا يحفظ لسانه من يوم تشرق إلى ان تغرب . أفلا أخبركم بشراركم؟". قالوا: بلى. قال:" المشَّاؤُون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، البَاغُون البُرَآءَ العنت ". أخرجه البخاري في الأدب المفرد.الغيبة هي ذكرك اخاك بما يكره فان كان فيه فقد اغتبته وان لم يكن فيه فقد بهته .
    الكلام في الناس له حالات :
    1- كلام مباح أو لحاجه اما قطع الطريق بالقيل والقال أو اشغال المجلس بذكر الناس فلا.
    2- كلام مكروه اصله صحيح لكنه استطرد فيه وزاد وداخل حظ نفس .
    3- ان يكون الكلام محرما كأن يذكره بسوء وغيبه .
    4- ويكون الكلام كفرا كسب دينهم وعيرهم واستهزا بهم.
    ثم ذكر الله له وصفا آخر وعيب آخر بعد ذكر صفه الطعن والعيب
    قوله الذي جمع مالا وعدده :صفتان متلازمتان وهما الجموع المنوع .فلاهم له سوى جمع المال وتعديده والانشغال بتنميته . قوله الذي جمع مالا . اشارة إلى جمع المال من كل وجه المهم جمع المال .وعدده لها معان :منها كثرة العد وهو دليل على شدة الحرص يعدده كل وقت حبا له . وكثرة العد دليل على ضعف اليقين . المال نعمة يقضي حوائجه ولكن العيب في الحرص الشديد على كسبه من اي طريق والبخل به. وهناك معنى آخر لعدده أي أعده للنوائب لانهم كانوا يفتخرون بكثرة الانصار والاموال.
    قوله يحسب ان ماله أخلده :وذكر هنا وصفا آخر وعيب آخر تولد من شدة حرصه على جمع المال وتعديده. توهمه بالخلود . يقول أحد الاخوة مررت على رجل وهو يبني بيته وشرح لي ساعة وكان فرحا بالبيت فلما انتهى قلت له: هل عندك يقين انك تبيت هذه الليلة ؟ فبكى وحزن لما ذكر الموت. ومن هنا ورد ( صلاح اول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل".[أخرجه أحمد في الزهد، وحسنه الألباني. ( نجا اول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلِك آخِرُها بالبخل والأمل". [رواه ابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني
    ويظن ان المال سيخلده في الدنيا ويزيد في عمره فمنع حقوقه الواجبة والمستحبة ولم يدر ان البخل يقصر الاعمار ويخرب الديار ويذهب البركة" اللهم اعط ممسكا تلفا ومنفقا خلفا ""ابن ادم انفق ننفق عليك" فالبر يزيد في العمر والإنفاق في سبيل الله يبارك في المال.قال بعض العلماء: ما زالت الصدقة تطيل اعمارنا حتى سئمنا الحياه .الله قدر المقادير بأسبابها وعلم الأشياء قبل وقوعها .قدر الله زياده الاعمار وزياده الارزاق بأسبابها .عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال من ضمن لي واحدة ضمنت له أربعا: من وصل رحمه طال عمره، وأحبه أهله، ووسع عليه في رزقه، ودخل جنة ربه).
    قوله كلا :كلمة ردع وزجر والمعنى ليس الأمر كما يتوهم من ظن ان ماله اخلده .وان كانت كلا بمعنى حقا فالمعنى فيها قسم محذوف والله لينبذن .هذا الذي جمع هذه الصفات كونه جموع منوع وطعان عياب وطمع في الخلود ما هو مصيره ؟ مصيره النار. حب الدنيا عقوبة من الله ( وليقذفن الله في قلوبهم الوهن حب الدنيا وكراهية الموت ) فهم يحبون العاجلة ويذرون الآخرة حبهم من أجل الدنيا ويبغضون من اجلها مجالسهم للدنيا واجتماعاتهم ذهابهم وايابهم وجزء يسير للأخرة . فبعد العرض والحساب يوم القيامة والوقوف الطويل يساقون إلى النار صما وبكما وعميا
    كلا لينبذن في الحطمة : لينبذن النبذ هو الطرح يرمه هو وماله فيعذب بالنار ويعذب أيضا بماله في النار ذوقوا ما كنزتم لأنفسكم. لم يذكر الله موته إنما ذكر مصيره نبذه في النار .الحطمة اسم من اسماء النار وسميت جَهَنَّم الحُطمة لحطمها ما يلقى فيها، فإنها تكسر العظم بعد أكل اللحم .لما كان الهماز يحطم الناس ويحط من قدرهم جعل جزاءه النبذ في الحطمة .
    قوله وما ادرك ما الحطمة :استفهام للتفخيم شيء عظيم لا يتصور أحد شده عذابها
    قوله نار الله الموقدة :بين الله الحطمة بانها موقده دائما لا تطفأ ولا تبرد نار الدنيا تطفا وتخمد وقودها الناس والحجارة . عذاب الله شديد . النار سوداء مظلمة حرها شديد وقعرها بعيد طعامهم نار وشرابهم نار وهي تفور بهم وتغلي ويتقلبون فيها لهم فيها بكاء وصراخ .
    لها إذا ما غلت فور يقلبهم *** ما بين مرتفع فيها ومنحدر.
    ولهم كل يوم لهم في طول مدتهم *** نزع شديد من التعذيب والسعر
    هذا مصير من اثر الدنيا على الآخرة ومصير من اشتغل بالدنيا ونسي الآخرة ومصير من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها
    قوله تطلع على الأفئدة :تطلع على القلوب التي هي ارق شيء في الانسان واشد عذاب يكون في القلب لأنه بيت السوء ومكان الاستكبار والعقائد الفاسدة وبيت السوء فعمهم العذاب ظاهرا وباطنا (إن الرجل من أهل النار ليعظم للنار) يضخمه الله ويكبره (حتى يكون الضرس من أضراسه كأحد) رواه احمد وعند الترمذي مقعده في النار ( (وإن مجلسه من جهنم ما بين مكة والمدينة)(ضرس الكافر يوم القيامة مثل أحد، وعرض جلده سبعون ذراعاً، وعضده مثل البيضاء) جبل من جبال العرب ل( وفخذه مثل ورقان) جبل أيضا على طريق مكة والمدينة هذا حجم ضرسه وفخذه وعضده وسمك جلده، يرسل البكاء على أهل النار فيبكون حتى تنقطع الدموع، ثم يبكون الدم بدلاً من الدموع حتى تنقطع الدموع ولا يموتون.لماذا قال نبينا انذرتكم النار ؟
    قوله إنها عليهم مؤصدة :أي مغلقه ومطبقه فهي مغلقه الابواب والمنافذ فلا يدخل عليهم روح ينفس عليهم ولا يخرج منها غم يتمنون الخروج فما يحصل . ويطلبون الموت فلا يجابون وينادون فلا يسمعون وغلق الابواب عذاب . اغلقت عليهم الابواب ونضجت الجلود واطلعت النار على الأفئدة واصبح احدهم جمرة واحدة والالم لا يعلمها إلا الله
    قوله في عمد ممدده :الاغلاق ليس سهلا اما ان يكون اعمده طويله يربط بها الكفار أو عمد . والعمد اوتاد الابواب التي تطبق عليهم فتشد تلك الابواب والاوتاد حتى يرجع عليهم غمها وحرها .هؤلاء الكافر غضب الله عليهم غضبا شديدا فخلدهم في العذاب خلقهم فعبدوا غيره رزقهم وشكروا غيرة خيره اليهم نازل وشرهم إليه صاعد تحبب اليهم بالنعم وتبغضوا إليه بالمعاصي كفروا بالله صدوا عن سبيل الله حاربوا اولياء الله ومن تأمل احوال كفار كل امة يتعجب من تمردهم وعتوهم وعنادهم ولازالوا على ذلك حتى زهقت انفسهم وهم كافرون
    هذه السور فيها تحذير من الوقيعة في اعراض الناس وتحذير من الاشتغال بالمال عن طاعة الله ومنع حقوقه والله لم يحرم جمع المال لكن حرم جمعه من حرام ومنع حقوقه الواجبة والمستحبة. وهلاك كل أمه بكثرة النعم وترك شكرها وطول الامل
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الفيل :
    حديثي معكم اليوم عن سورة الفيل وهي تتحدث عما امتن الله به على كفار قريش وساكني الحرم حيث صد عنهم هذا الجيش العظيم وكيف حمى الله بيته العظيم ففيها عبرة لمن اراد ان يمس البيت الحرام أو اهله بسوء فان الله ينتقم منه وفيها أيضا تحذير لكل من يحاد الله ورسوله ويحارب دينه أو اولياءه
    قوله ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وامته تبع له والرؤية علمية، أي: ألم تعلم يا محمد -صلى الله عليه وسلم- علما يقينيا بأستماع الأخبار المتواترة، ومعاينة الآثار الظاهرة. آثار صنع الله بالحبشة حينما هموا بهدم الكعبة ماذا صنع الله بهم والغرض إن الله تعالى يقرر ما فعل سبحانه وتعالى بأصحاب الفيل ففيها تسلية لرسوله حينما كذبه قومه وايضا فيها تهديد لكفار قريش المكذبين
    قوله أصحاب الفيل :أصحاب الفيل هم الذين قدموا من اليمن يريدون تخريب الكعبة من الحبشة، ورئيسهم أبرهة الحبشي الأشرم. كما سيأتي.
    اما قصة أصحاب الفيل على وجه الإيجاز والاختصار والتقريب:
    كان ابرهة الحبشي واليا لملك الحبشة على اليمن وكان نصرانيا فغار حينما رأى الناس يذهبون من اليمن إلى مكة فبنى كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء ، عالية الفناء ، مزخرفة الأرجاء . سمتها العرب القليس ; لارتفاعها .وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة ، ونادى بذلك في مملكته ، فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك ، وغضبت قريش لذلك غضبا شديدا فسمع به رجل من بني كنانة فدخلها ليلا . فلطخ قبلتها بالعذرة وقيل ان نفرا من قريش اشعلوا ناراً فحملتها الريح فأحرقتها فأقسم أبرهة ليسيرن إلى الكعبة وليخربنها حجرا حجرا
    وسار ابرهه إلى الكعبة في جيش عظيم واصطحب معه ثلاثة عشر فيلا وكان معها فيلا يقال له محمود لم ير مثله عظما وجسما وقوة ليهدم به الكعبة.فخرج إليه ملك من ملوك اليمن ، يقال له ذو نفر . فقاتله . فهزمه أبرهة وأخذه أسيرا .ثم مضى حتى إذا بلغ بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي ، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب . فقاتلوهم فهزمهم أبرهة . فأخذ نفيلا ، فقال له أيها الملك إنا دليلك بأرض العرب فاستبقني خيرا لك . فاستبقاه . ثم بلغ الطائف وصانعه اهل الطائف من أجل بيت اللات وقالوا ايها الملك نحن عبيدك . ونحن نبعث معك من يدلك وارسلوا معه ابو رغال. فلما انتهى أبرهة إلى المغمس - وهو قريب من مكة - نزل به وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها ، فأخذوه . وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب
    وبعث أبرهة حماطة الحميري إلى مكة ، وأمره أن يأتيه بأشرف قريش ، وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت . فجاء حماطة فدل على عبد المطلب بن هاشم ، وبلغه عن أبرهة ما قال ، فقال له عبد المطلب : والله ما نريد حربه ، وما لنا بذلك من طاقة ، هذا بيت الله الحرام فان يمنعه فهو بيته وما لنا به طاقة . فقال له حناطة : فاذهب معي إليه . فذهب معه ، فلما رآه أبرهة أجله ، وكان عبد المطلب رجلا جميلا حسن المنظر ، ونزل أبرهة عن سريره ، وجلس معه على البساط ، وقال لترجمانه : قل له : حاجتك ؟ فقال للترجمان : إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي . فقال أبرهة لترجمانه : قل له : لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني ، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك ، وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه ، لا تكلمني فيه ؟! فقال له عبد المطلب : إني أنا رب الإبل ، وإن للبيت ربا سيمنعه . قال : ما كان ليمتنع مني ! قال : أنت وذاك .ويقال : إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت ، فأبى عليهم
    فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه ثم أخذ بأذنه وقال ابرك محمود ، وارجع راشدا من حيث جئت ، فإنك في بلد الله الحرام " . ثم أرسل أذنه ، فبرك الفيل . وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل . وضربوا الفيل ليقوم فأبى . فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فبزغوه بها ليقوم ، فأبى ; فوجهوه راجعا إلى اليمن فقام يهرول . ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك . ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى مكة فبرك .
    فأرسل الله طيرا من قبل البحر مثل الخطاطيف صغيرة اصغر من العصفور لونه اصفر ووارجلها حمر جاءت وحلقت عليهم وارسلت عليهم العذاب مع كل طائر ثلاثة أحجار يحملها امثال الحمص والعدس لا يصيب منهم أحد إلا هلك وليس كلهم اصابت فمنهم من هلك سريعا فكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره، وعلى كل حجر اسم من يقع عليه ومن اصابت جسمه تساقطت اعضاءه عضوا عضوا تعذيبا لهم وبعث الله على أبرهة داء في جسده . فجعلت تساقط أنامله حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ . وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك . ونفيل مع قريش وعرب الحجاز ينظرون ماذا انزل الله بأصحاب الفيل من النقمة .ونفيل يقول :أين المفر والالة الطالب والاشرم المغلوب ليس الغالب.
    قوله ألم يجعل كيدهم في تضليل:أي ضالا وضائعا .كادوا البيت اولاً ببناء كنيسة القليس ليصرفوا وجوه الحاج إليه فضلل كيدهم بإيقاع الحريق فيه وصرف وجوه الناس عنهم فلم يحجه أحد .وكادوه ثانياً بإرادة هدمه فضلل كيدهم بإرسال الطير عليهم .ولا زال كيد اعداء الله إلى اليوم من الشيعة وغيرهم .الله بعث محمدا نبينا و هم يجعلوها في علي و ذريته.الله إختار مكة حرما وهم جعلوها في قبور ائمتهم المزعومين في كربلاء .الله أنزل كتابه و أمر بإتباعه وهم جعلوها في الكافي . الله أمر ببناء المسا جد و هم قلبوها حسينيات واضرحه
    قوله وارسل عليهم طيرا ابابيل :أي جماعات متفرقه وهي طير سود من قبل البحر فوجا فوجا مع كل طائر ثلاثة احجار حجر في منقاره وحجران في رجليه أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة. فهي طير ترمي بحجارة صغيرة فلا تخطئ المقتل
    قوله ترميهم بحجارة من سجيل :ترميهم وهناك قراءه يرميهم والمعنى أي الله أو الطير يرميهم أو ترميهم. من سجيل أي من طين كما ورد في قوم لوط لنرسل عليهم حجارة من طين والمعنى حجارة مرسله عليهم والحجر ليس كبيراً، بل هو صغير يضرب الواحد من هؤلاء مع رأسه ويخرج من دبره ـ والعياذ بالله
    قوله فجعلهم كعصف مأكول :أي العصف هو التبن وقشور النباتات وشبههم بالعصف كنايه عن شده تدميرهم فلم يبق منهم إلا فتات
    فوائد :
    1- سلط الله العذاب على أصحاب الفيل وهم نصارى واهل كتاب ولم يسلط العذاب على كفار قريش وهم مشركون لان كل من اراد بيت الله يهلكه الله كائنا من كان .فحمى الله كفار قريش بحماية بيته فامنهم من عدوهم وحفظها من اعداءه. ففي البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف باولهم وآخرهم قالت قلت يا رسول الله كيف يخسف باولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم قال يخسف باولهم وآخرهم ثم يبعثون على نياتهم
    2- حما الله بيته لأنه سياتي جيل بعد هؤلاء الكفار ويبقى البيت عامرا بطاعة الله إلى ان تقوم الساعة .
    3- الرافضة جعلوا بيتا يضاهي الكعبة هناك ببلادهم يماثل فعل هذا الطاغية حينما بنى صومعه ويريدون صرف الناس عن بيت الله بخزعبلات وخرفات وضلالات وتبعهم الضالون واما المؤمن فلن يذهب إلى هذه القبور والله غالب على أمره وناصر دينه .
    4- عظمه مكة وحرمة مكة والبلد الحرام :الحرم اجتمعت فيها الحرمات حرمة المكان والزمان والمعصية هذا الحرم خيرة الله من ارضه ضاعف الله فيه الحسنات وعظم فيه السيئات من هم فيه بمعصية فله عذاب اليم ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب اليم فكيف بمن يعمل بمعصية الله يعرض نفسه لعقوبة عظيمة وكيف بمن يرتكب المعاصي ويترك الصلوات ويقع في الفواحش وما اكثر الذين يعصون الله في حرمه.وما اكثر الذي لا يعرفون حرمة الحرم.
    5- ليس في الدنيا مكان جعله الله قيامًا للناس إلا البيت الحرام بمكة فإذا ترك الناس العمل بالقرآن رفعه الله من الصدور ومن الكتب فإذا تخلوا عن دينهم رفع القرآن ولا يقع إلا حين لا يبقى على الأرض مؤمن، فيبقى شرار الناس وعليهم تقوم الساعة. عَنْ عبد الله بن مَسْعُودٍ قَالَ : " لَيُسْرَيَنَّ عَلَى القرآن ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلا يُتْرَكُ آيَةٌ فِي مُصْحَفٍ وَلا فِي قَلْبِ أحد إلا رُفِعَتْ " أخرجه الدارمي بسند صحيح.أخرج الدارمي بأسناد حسن لغيره : عن عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ : " أَكْثِرُوا تِلاوةَ القرآن قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ " قَالُوا : هَذِهِ الْمَصَاحِفُ تُرْفَعُ ! فَكَيْفَ بِمَا فِي صُدُورِ الرِّجَالِ ؟ قَالَ : " يُسْرَى عَلَيْهِ لَيْلا فَيُصْبِحُونَ مِنْهُ فُقَرَاءَ ، وَيَنْسَوْنَ قَوْلَ لا إِلَهَ إلا اللَّهُ ، وَيَقَعُونَ فِي قَوْلِ الْجَاهِلِيَّةِ وَأَشْعَارِهِمْ ، وَذَلِكَ حِينَ يَقَعُ عَلَيْهِمْ الْقَوْلُ " والمراد بالقول : ما جاء في الآية الكريمة : ( وَإذا وَقَعَ القَوْلُ عَلَيْهِمْ )
    فإذا اراد الله زوال الدنيا ارسل ريحا تقبض روح كل مؤمن فلا يبقى إلا شار الخلق ولا يبقى في الأرض أحد يقول الله الله وازن الله بزوال بيته سلط رجلا من الحبشة معه جند اولهم عند الكعبة واخرهم على البحر حتى يرمونه في البحر حجرا حجرا.عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُمُ السَّاعَةُ وَهُمٌ أَحْيَاءٌ ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ " .ومن هنا هؤلاء الذين يبنون المساجد على القبور هم شرار الخلق عند الله حتى ولو صلوا لأنه إذا انتهى من صلاته ذهب إلى صاحب القبر فيخشع عنده اكثر من خشوعه بين يدي الله وبعضهم لا يصلى إلا في مسجد فيه قبر ويظن انه اقرب للإجابة والصلاة فيها محرمه ولا تصح الصلاة في مسجد بني على قبر لا فرضا ولا نفلا
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة قريش :
    حديثي معكم اليوم عن تفسير سورة قريش وهي تتحدث عما انعم الله به على كفار قريش من نعمة العظيمة التي لاتعد ولا تحصى فان لم يعبدوه لنعمة العظيمة التي لاتعد ولا تحصى فليعبدوه لهاتين النعمتين نعمة الامن والغذاء . فهما من اكبر النعم الدنيوية الموجبة لشكر الله تعالى وبفقدهما تهجر الديار وتهجر الاوطان وتصبح الحياة لا قيمة لها وهما لا يتحققان إلا بالإيمان والعمل الصالح الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم لاولئك لهم الامن وهم مهتدون ) فمن استجاب لله جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة ، ومن عصاه سلبهما منه ...ويختل الامن بالكفر والمعاصي .
    كان الناس قبل مبعث نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- في جاهليه جهلاء وعماية عمياء فكان القتل ، والنهب ، والسلب واعتداء القوي على الضعيف ، وكانت الحروب تنشأ لأتفه الأسباب ، فتزهق النفوس، وترمل النساء ، وييتم الأطفال .فكان الأمن مفقوداً ، والسلب والنهب أمراً معهوداً ، حياة لا أمان فيها ، ولا استقرار ، فالمقيم مهدد بالضرر، والمسافر في وجل وخطر. فلما جاء الإسلام أقسم نبينا وهو في ظل الكعبة. والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون ) .وإذا تبين هذا كله فسورة قريش تتحدث عن أعظم نعم الدنيا نعمة الامن والغذاء وعدد الله على قريش نعمة وانزل سورة كامله في القرآن بأسمهم والسبب في ذلك لان قريشا سميت قريشا لأنهم أعظم العرب فعالا.
    جاء عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها؛ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضَّل الله قريشا بسبع خصال: فضَّلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين، لا يعبد الله إلا قريش، وفضَّلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضَّلهم بأنه نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين وهي ﴿ لإِيلافِ قُرَيْشٍ ﴾، وفضلهم بأن فيهم النبوة، والخلافة، والحجابة، والسقاية" [أخرجه الحاكم والطبراني، وحسنه الألباني لغيره].
    قوله لإيلاف قريش إيلافهم : الايلاف له معنيان :
    الايلاف يأتي بمعنى : لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين وعدم تفرقهم. فهو بمعنى الجمع والضم ويأتي الايلاف بمعنى الاعتياد والمعنى : ان هذا الايلاف الذي الفتموه واعتدتموه وامنتم به وكسبتم به المكاسب العظيمة من الرحلة في الشتاء فيتجهون نحو اليمن للمحصولات الزراعية فيه،وأما في الصيف فيتجهون إلى الشام لأن غالب تجارة الفواكه وغيرها ولأن الجو مناسب وفى الصيف إلى الشام.
    قوله رحلة الشتاء والصيف: مكة بلد غير زراعي فعيش اهلها كان صعبا فلما تراس عليهم هاشم بن عبد مناف كان اول من سن الرحلتين لقريش: رحلتي الشتاء والصيف إلى متجرتي اليمن والشام حيث كانوا يسافرون للتجارة ويأتون بالأطعمة والثياب ويربحون في الذهاب و الاياب. وهم امنون مطمئنون لا يتعرض لهم أحد بسوء لان الناس كانوا يقولون: هؤلاء جيران بيت الله وسكان حرمه لأنه لما اهلك الله ابرهه زاد احترام الناس لأهل الحرم. لما ذكرهم الله بنعمه عليهم أرشدهم إلى شكر نعمه فقال:
    قوله فليعبدوا رب هذا البيت:فليوحدوه بالعبادة ، كما جعل لهم حرما آمنا وبيتا محرما .قوله رب هذا البيت.كرامتكم عند الناس بسبب هذا البيت وامنكم بسبب هذا البيت وطعامكم بسبب هذا البيت حيث هيأ الله لكم هاتين الرحلتين بسبب هذا البيت
    قوله الذي اطعمهم من جوع :كانوا جياع فتفضل الله عليهم بالإطعام .فقد كانوا قبل الابتداء بالرحلتين فقراء فهم في بلد لا زرع فيه ولا ضرع ولكن ببركة هاتين الرحلتين وببركة دعوة ابراهيم حصل لهم رغد العيش
    قوله وامنهم من خوف: أي : تفضل عليهم بالأمن فمن استجاب لله ورسوله جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الآخرة ، ومن عصاه سلبهما منه .امنهم سبحانه من الخوف فكانوا يذهبون إلى اطراف الجزيرة امنون وغيرهم غير امن . فجعل الله لهذا البيت ما جعل من الامن ورغد العيش. والسبب ان الانسان إذا خاف لم يتلذذ بنعمة لا طعام ولا شراب ولا بين ولا راحه . وإذا امن فاشد ما يكون عليه مصيبة الجوع
    ختاما :لما قرر الله انعامه على قريش في سورة الفيل بدفع الضرر عنهم قرر بعدها في سورة قريش بعض انعامه عليهم وانه يجب ان يقبل بالشكر والعبودية . فربط بين النعمة وموجبها فمن خلق ورزق وتفضل علينا بنعمة العظيم هو من يستحق العبادة .تصور لو ان انسانا ينفق عليك وكلما طلبته اعطاك واخر لا ينفق عليك وكلما طلبته لا يعطيك شيء من يستحق الطاعة .البشر تركوا عباده الله وعبدوا من لا يخلق ولا يرزق ولا يغني عنهم شيئا ومن هذه صفاته لا يستحق العبادة .و الله وحده المتفرد بالخلق والرزق وهو من يستحق العبادة
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الماعون
    حديثي معكم اليوم عن تفسير سورة الماعون وهذه السورة يعتاد قراءتها الكثير ممن يتأخر عن الصلاة وذكر الله فيها جرائم ست وقد تضمنت الوعيد لمن اتصف بهذه الجرائم العظيمة وهذه الجرائم ترجع في محصلتها إلى فريقين من البشر وهما الكافر المكذب بيوم الحساب وبالجزاء والتحذير من اذيه الغير ومنع الخير عن الغير.والمنافق الذى يؤدي الصلاة شكلا وصورة لا حقيقة وهم لا يريدون قربه إلى ربهم ولا يدرون ماذا يفعلون ويمنع العارية للغير من الشي الذي لا يضر
    قوله أرأيت الذي يكذب بيوم الدين :الخطاب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم وامته تبع له والرؤية بمعنى العلم أي علمت والمراد التعجب من حال من اتصف بهذه الصفات وهذه الجرائم
    الجريمة الاولى :التكذيب بيوم الدين :والمراد به يوم القيامة ولا بد من وقوعه والناس في يوم القيامة بين منكر لوقوعه ولا يؤمن به .والصنف الثاني يؤمن بيوم القيامة ولكن لا يستعد له بالأعمال الصالحة فيجتنب المحرمات ويؤدي الفرائض لهم عذاب شديد بما نسو يوم الحساب. ويترتب على التكذيب بيوم القيامة الجراءة على هذه الجرائم وتتمرد جوارحه على طاعة الله
    الجريمة الثانية :قوله فذلك الذي يدع اليتيم :الدع هو الدفع بعنف فيدفعه بعنف ويتعامل معه بقسوة .فيسيء إلى اليتيم فيدفعه بعنف وقسوة ومن هنا بين رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعين من الضعفاء وحذر من التعرض لهما وبين عظم الاثم فيها ( اني احرج على حق الضعيفين المراءة واليتيم ) أي انبه على عظيم الاثم والحرج المراءة سواء كانت بنتا أو اختا أو اما أو زوجه . فمن سلم من حقوق الضعفاء سلم له دينه . بعضهم الناس تذكرة بالأخرة وتخوفه بالله فكأنك لا تذكر له شيئا فخلهم فحسابهم عسير ثلاثة انا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه فقد خصمته .فمما يخفف الحساب يوم القيامة السلامة من المظالم والبعد عن حقوق الضعفاء فان اشد الناس عذابا من كان شديدا على الضعفاء .ماذا تساوي اكله الحرام وشرب الحرام ونظر الحرام امام اهوال القيامة ذلك اليوم الحق . الناس إذا رءوا أعمالهم يوم القيامة طاشت عقولهم ووجلت قلوبهم من ربهم لانهم يرون مثاقيل الذر من الخير والشر . المؤمن إذا رأى الجنة تمنى انه لم يضيع لحظة من عمرة . فكل ما قاله اللسان واعتقده الجنان وكل ما فعلته الجوارح قد سطرته وخطته الملائكة لا يغشون ولا يكذبون . يا ويل من حمل ظلما واشد الظلم بعد الشرك ظلم العباد.
    الجريمة الثالثة : قوله ولا يحض على طعام المسكين :فلا يحظ نفسه ولا يحظ غيره على طعام المساكين فكيف بمن يمنع حق المساكين ويمنع الزكاة ويمنع الصدقات. ففي هذه الآيات الثلاث ذكر الله من تركوا حقو ق الله وحقوق عباده.
    الجريمة الرابعة ::قوله فويل للمصلين :قال ابن عباس يعني المنافقين .هل المصلي متوعد نعم وهم الذين يصلون صورة وشكلا لا حقيقة .
    قوله الذين هم عن صلاتهم ساهون :ساهون .شامل لتركها بالكلية، لتأخيرها إلى آخر الوقت، لعدم إيقاعها على الوجه المطلوب.هذا وعيد للمصلين لانهم لا يصلون صلاة مشروعه فكيف بمن لا يصلي .ميزان احوال الناس الصلاة الكثير يصلي ولكن الذي يصلي انظر إلى صلاته واساءته فيها .وإذا صلى الإنسان وما أقام الصلاة.فالويل له ثم الويل له، لأنه سارق والذي يسرق متاع الناس اهون ممن يسرق من صلاته التي هي عباده الله روى لإمام أحمد وغيره عن أبي قتادة رضي الله عنه قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها"
    وحتى يحقق الانسان اقامة الصلاة يرعي أربعة أمور :
    اولها: أن يؤدي الصلاة في وقتها.
    والأمر الثاني: حضور القلب عند مناجاة الرب في هذه الصلاة.
    الأمر الثالث: ان تخشع جوارحك روى الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التلفت في الصلاة؟ فقال: تلك خلسة يختلسها الشيطان من صلاة العبد ). ضبط النظر والجوارح وحديث (لا تمسح الحصى، فإن كان لابد فواحدة ولأن تدعها خير لك من مائة ناقة سود الحدق) رواه ابن خزيمة .روى احمد عن ابي هريرة (إن الله يحب العطاس ويكره التثاؤب، فإذا تثاءب أحدكم في صلاته فليرد ذلك ما استطاع، فإن الشيطان يضحك منه )) .
    الأمر الرابع : هيئة الصلاة واركانها وسجودها
    الجريمة الخامسة لا يصلون لله إنما رياء: قوله الذين هم يراءون :روى احمد عن محمود بن لبيد بسند جيد "أخْوَفُ ما أخافُ عليكم الشركَ الأصغر". فسئل عنه فقال: "الرياء".وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن نتذاكر المسيح الدجال فقال : ( إلا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ! قال : الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه ) . رواه أحمد و ابن ماجه .إذا تكامل الإيمان باليوم الاخر في القلب ايمانا كاملا تحقق الاخلاص في القول والعمل وسبب الرياء لان النفس تحب البروز والظهور والمدح لان النفس صاحبه هوى وتحب العلو على غيرها ومن أعظم الهوى حب الظهور ومدح النفس وتزكيتها مع ان النفس ظالمة وجاهله . ويكفي في الكبر بلاء انه يمنع صاحبه من دخول الجنة والكبر بطر الحق وغمط الناس واحتقارهم يحس ان له ميزة وخصوصيه على الناس
    روى البخاري ومسلم من حديث جندب: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به ).أن من سمع فضحه الله، وبين للناس أن الرجل ليس مخلصًا، ولكنه يريد أن يسمعه الناس فيمدحونه على عبادته، ومن راء كذلك يفضحه الله، ويبين أمره إن عاجلًا أو آجلًا.
    قوله يمنعون الماعون : لا تجد مرائي والا وهو بخيل في الحقيقة. أي: يمنعون إعطاء الشيء، الذي لا يضر إعطاؤه على وجه العارية، أو الهبة، كالإناء، والدلو، والفأس، ونحو ذلك، مما جرت العادة ببذله والسماح به . والعارية فيها فضل لان فيها مساعده للغير ولأنها ترجع إليه وسد حاجة اخيه . ففيها حث على العارية . ومن يأخذها أي العارية ويتهاون بها أو لا يردها فهو سارق عن ابن عمر: أن امرأة كانت تستعير الحلي للناس ثم تمسكه، فقال رسول الله يَةٍ: (لتتب هذه المرأة إلى الله ورسوله، وترد ما تأخذ على القوم قم يا بلال فخذ بيدها فقطعها ) رواه النسائي.وحكمها سنة .وفيها فضل وليست واجبه. واختار ابن تيميه الوجوب لان الله توعد الذي لا يؤتمن . دخلوا على بعض الصحابة في مرضه ووجهه يتهلل ، فسألوه ، عن سبب تهلل وجهه ، فقال ما من عمل اوثق عندي من خصلتين : كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني ، وكان قلبي سليما للمسلمين . توفي رجل من الصحابة . فقال رجل : أبشر بالجنة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " اولا تدري ، فلعله تكلم فيما لا يعنيه ، أو بخل بما لا يغنيه " . رواه الترمذي .وروى أسد بن موسى ، حدثنا أبو معشر عن محمد -صلى الله عليه وسلم- بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اول من يدخل عليكم رجل من أهل الجنة فدخل عبد الله بن سلام ، فقام إليه ناس ، فأخبروه ، وقالوا : أخبرنا باوثق عملك في نفسك ، قال : إن عملي لضعيف ، واوثق ما أرجو به سلامة الصدر ، وتركي ما لا يعنيني .
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الكوثر
    حديثي معكم اليوم عن سورة الكوثر قال ابن تيميه ما أجلها من سورة وأغزر فوائدها على اختصارها وحقيقة معناها تعلم من آخرها. فعلى وجازتها فقد اشتملت على فضائل عظيمة فقد تضمنت البشارة لرسول الله صلى الله عليه وسلم باعطاه الخير الكثير في الدنيا والاخرة ثم ارشده كيف يشكر هذه النعمة مقابل اعطاءه الكوثر ثم بين عاقبة مبغض رسول الله انه مقطوع الخير مقطوع العمل، مقطوع الذكر
    قوله انا اعطيناك الكوثر: الكوثر هو الخير الكثير فأعطاه الله الخير كله كاملا.وقيل هو نهر في الجنة .وقيل هو الحوض . قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - معلقا على قول سعيد: وحاصل ما قاله سعيد بن جبير أن قول ابن عباس إنه الخير الكثير لا يخالف قول غيره إن المراد به نهر في الجنة لأن النهر فرد من أفراد الخير الكثير .وعليه فالكوثر هو الخير الكثير ومن ضمنه نهر الكوثر في الجنة ويخرج منه الحوض في العرصات.
    وهذا النهر العظيم جاءت له صفات كثيرة منها: روى مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : " بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ غفا إغفاءة , ثم رفع رأسه متبسما فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : نزلت علي سورة . فقرأ . بسم الله الرحمن الرحيم . ( إنا أعطيناك الكوثر إلى آخرها) , ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ قلنا : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عليه خير كثير , وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة)
    حافتاه من ذهب وطينته :كما في حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب ومجراه على الدر والياقوت تربته أطيب من المسك وماؤه أحلى من العسل وأبيض من الثلج) رواه احمد الترمذي وقال حديث حسن صحيح.
    اما عن طيوره :في حديث أنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - مَا الْكَوْثَرُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - (هُوَ نَهَرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ فِي الْجَنَّةِ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ فِيهِ طُيُورٌ أعناقهَا كَأعناق الْجُزُرِ) فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (آكِلُوهَا أَنْعَمُ مِنْهَا) رواه احمد وحسنه الترمذي. ورواه أنس بلفظ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: (إِنَّ طَيْرَ الْجَنَّةِ كَأَمْثَالِ الْبُخْتِ تَرْعَى فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَطَيْرٌ نَاعِمَةٌ. فَقَالَ (أَكَلَتُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا) قَالَهَا ثَلَاثًا (وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ يَأْكُلُ مِنْهَا يَا أَبَا بَكْرٍ) رواه احمد
    أما موقعه: فعن أبى عبيدة بن عبد الله قال: قلت لعائشة رضي الله عنها ما الكوثر؟ قالت: نهر أعطيه النبي صلى الله عليه و سلم في بُطنان الجنة. قال: قلت وما بطنان الجنة؟ قالت: وسطها حافتاه درة مجوف .وحوض نبينا هو :حوض عظيم .
    ومكانه :يوضع في أرض المحشر يوم القيامة ترد عليه أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم وهذا الحوض يأتيه ماؤه من نهر الكوثر الذي في الجنة فان الناس يخرجون من قبورهم عطاشا فيردون هذا الحوض العظيم، يغت فيه ميزابان احدهما ذهب والاخر فضة من نهر الكوثر من الجنة، وورد أن طوله شهر، وعرضه شهر، والآنية التي يشرب فيها عدد نجوم السماء، وكلما شرب منه اتسع ويسر نبينا بكثرة الواردين عليه ويسقيهم بيده وهو أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثلج، وأطيب ريحاً من المسك، من شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً حتى يدخل الجنة. بقي من يختلج ويذاد ويمنع عن الحوض والشرب اناس فيقول النبي صلى الله عليه وسلم امتي امتي مع انه لم يراهم لان لهم علامات يأتون يوم القيامة غرا محجلين من اثر الوضوء فيعرفهم بذلك .فيقال انك لا تدري ما احدثوا بعدك فأقول سحقا سحقا . فمن حاد عن سنة رسول الله وبدل وغير وترك السنة التي قال فيها تركتكم على المحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك فيمنع عن ذلك. اعطي رسول الله الكوثر كرامته له وكرامته لامته وهو نهر في الجنة يصب في الحوض وتشرب منه الامه ما داموا في العرصات وأرجح الاقوال انه قبل الميزان وقبل الصراط وجاء في الاحاديث ان لكل نبي حوضا لكن حوض نبينا اوسعها وأحلها واوفرها وأكثرها واردا
    هذه بشارة من الله لرسوله وتفضل الله به عليه في الازال ولم يمكنه منه إلا في العرصات. حياة البرزخ تختلف عن الحياة الدنيا .كذلك حياة الانسان في بطن أمه في الرحم تختلف عن الحياة الدنيا ثم القبر يختلف عن العرصات وكل دار اوسع من التي قبلها واضيقها الرحم. لما ذكر الله منته على رسوله بإعطاء الكوثر الذي هو الخير الكثير ويدخل فيه نهر الكوثر وحوضا نبينا ارشده بعد ذلك كيف يشكر هذه النعم ويقابل هذه المنن لان المسلم إذا اعطي شكر وإذا ابتلي صبر .
    قوله فصل لربك وانحر :قال ابن كثير - رحمه الله تعالى -: أي أخلص له صلاتك وذبيحتك والمتتبع لسيرته - صلى الله عليه وسلم - يجده قد قام بهاتين العبادتين خير قيام امتثالا لأمر ربه
    فأما الصلاة :أي صلي لله الذي تفضل عليك فان الكفار يصلون لغير الله ويذبحون لغير الله .فأمره بإخلاص الصلوات لله لان هناك من يصلي رياء وسمعه عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم و نحن نتذاكر المسيح الدجال فقال : ( إلا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ! قال : الشرك الخفي ، أن يقوم الرجل فيصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل إليه ) . رواه أحمد و ابن ماجه .فالصلاة مقامها عظيم وخيرها كثير ولكن لا يقبل الله من الأعمال إلا ما كان لله ووفق هدي رسول الله.
    قوله وانحر : أي اذبح لله تقربا إليه وتعظيما لأنه عباده كذبح الأضحية والهدي والعقيقة اما الذبح للضيف أو البيت فهذا مباح لكن المقصود به هنا الذبح بقصد التقرب والتعظيم فمن ذبح تقربا وتعظيما للقبور والمخلوقين تقربا وتعظيما لهم فقد اشرك شرك اكبر . ومن هنا قرن الله الذبح مع الصلاة دليل على ان الذبح عباده عظيمة
    والمعنى لتكون صلاتك وذبحك لله وعلى اسم الله اما من يقول اذبح ديك أو خروف ولا تسم عليه أو اذر اسم فلان شيطان فهذا شرك اكبر مخرج من المله .عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ) رواه مسلم.فالمسلم إذا اعطي شكر وإذا ابتلي صبر وجدد الشكر لهذه النعمة فان كانت جاها واسي بها وان كانت صحه جدد لها عباده وشكرا واحسان للغير وان كان مالا تصدق وواسى به . قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى : أمره الله أن يجمع بين هاتين العبادتين العظيمتين، وهما الصلاة والنسك الدالتان على القرب والتواضع والافتقار وحسن الظن.
    قوله ان شانئك :أي مبغضك وذامك ومنتقصك الشاني هو المبغض . والشنآن هو البغض ولا يجوز الجور على من تبغضه حتى ولو كان كافرا وان كنت تبغضه دينت لاكن لا تجور عليه ولا يجرمنكم شنآن قوم على إلا تعدلوا . والمراد بها هنا ان شانئك أي مبغضك يا محمد -صلى الله عليه وسلم- والذي يبغض رسول الله كافر
    قوله الابتر:أي: المقطوع من كل خير مقطوع العمل، مقطوع الذكر . الابتر هو مقطوع الذكر الحسن فلا يذكر بخير ولا يثنى عليه بخير حيا وميتا .ومن هنا قالوا لا تبغض الصالحين فيقطع الله عنك الذكر الحسن ويحرمك البركة
    وسبب هذه الآية انه لما مات ابراهيم ابن نبينا فقال الكفار انه ابتر أي مقطوع الذكر حيا وميتا : ورسول الله رفع الله ذكره حيا وميتا إلى ان تقوم الساعة فلا يذكر الله والا ويذكر معه رسول الله. ورسول الله هو الكامل حقًا، الذي له الكمال الممكن في حق المخلوق، من رفْع الذكر، وكثرة الأنصار، والأتباع - صلى الله عليه وسلم-. قال ابن تيميه وحقيقة معناها تعلم من آخرها .فإنه سبحانه وتعالى بتر شانئ رسوله من كل خير فيبتر ذكره وأهله وماله فيخسر ذلك في الآخرة. ويبتر حياته فلا ينتفع بها ولا يتزود فيها صالحا لمعاده . ويبتر قلبه فلا يعي الخير ولا يؤهله لمعرفته ومحبته والإيمان برسله . ويبتر أعماله فلا يستعمله في طاعة . ويبتره من الأنصار فلا يجد له ناصرا ولا عونا. ويبتره من جميع القرب والأعمال الصالحة فلا يذوق لها طعما ولا يجد لها حلاوة وإن باشرها بظاهره فقلبه شارد عنها.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الكافرون
    حديثي معكم اليوم عن سورة الكافرون فلا يتم توحيد العبد إلا بالبراءة من الشرك واهله فهذه السورة العظيمة الموجزة فيها يتبرأ المسلم ويعلن البراءة التامة من الكفار ودينهم كما صرح ابراهيم( انا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم). ويصرح لهم بذلك وفي كل مكان . وجعلها رسول الله تعدل ربع القرآن لأنها براءة من الشرك واهله فلا يتم التوحيد إلا بالبراءة من الشرك. هذه السورة هي إحدى سورتي الإخلاص، لأن سورتي الإخلاص هي {قل يا أيها الكافرون} و{قل هو الله أحد}.
    ويستحب قراءتهما في سنة الفجر وفي سنة المغرب والطواف والوتر وعند النوم: فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح بهما النهار في سنة الفجر ، ويختم بهما في سنة المغرب ، وفي السنن أنه كان يوتر بهما ، فيكونان خاتمة عمل الليل كما كانا خاتمة عمل النهار . وحديث ( إذا أخذت مضجعك من الليل فاقرأ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثم نَمْ على خاتمتها فإنها براءةٌ من الشرك ) رواه أحمد كلمة تنجي من الشرك قراءة هذه السورة . مما يدل على فضلهما وان قراءتهما سنة لأنهما قد اشتملتا على التوحيد والاخلاص فالكافرون فيها توحيد العبادة أو الألوهية وسورة الاخلاص فيها توحيد الربوبية والاسماء الصفات
    روى مسلم وأبو داود والنسائي عن ابن عباس ، قال ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر ب (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا ) الآية البقرة ، والأخرى بال عمران (قل يا اهل الكتاب تعالوا آخر آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون ) فأما قولوا امنا بالله فيها توحيد الربوبية .وقل يا اهل الكتاب توحيد العبادة
    وحقيقة التوحيد يدور على خمسه أمور :
    اولا معرفة الله : وانه لا معبود بحق إلا الله وانه المستحق للعبادة
    ثانيا ان يعتقد معناها: فقد يعلم الشيء ولا يعتقده أو يشك فيه
    ثالثا الاقرار باللسان: قل امنت بالله فاعترفوا بالله الها وربا
    رابعا العمل بمقتضاها: ثم استقاموا على طاعة الله والاستقامة دليل على صحه الإيمان فلو ذبح لغير الله أو استغاث بغير الله لم يحققها
    خامسا البراءة من كل ما يعبد من دون الله : فلا بد من البراءة من الكفار وأعمالهم وسبحان الله وما انا من المشركين ) لان سكوته على الكفر دليل على الرضا بكفرهم .فلا يتم التوحيد إلا بالبراءة من الشرك.
    قوله قل يا ايها الكافرون: نداء واعلان وتصريح لكل كافر سبق في علم الله ان يموت على الكفر من المشركين، أو من اليهود، أو من النصارى، أو من الشيوعيين أو من غيرهم. كل كافر يجب أن تناديه بقلبك أو بلسانك إن كان حاضراً لتتبرأ منه ومن عبادته . الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وامته تبع له قل يا محمد -صلى الله عليه وسلم- لهؤلاء الكفار الذين يدعونك إلى عبادة الاوثان والأحجار. فأمره ان يعلن لكل كافر انه لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له ولا يعبد ما يعبده الكافرون من الاحجار والاشجار ومن كل ما يعبد من دون الله
    قوله لا اعبد ما تعبدون :لا اعبد اصنامكم ولا انتم تعبدون الله لا حاضرا ولا مستقبلا لأني عبادتي لله خالصه . أي: تبرأ مما كانوا يعبدون من دون الله، ظاهرا وباطنا. قال المفسرون : إن قريشا طلبت من الرسول ، أن يعبد آلهتهم سنة ، ويعبدوا إلهه سنة ، فقال : حتى يأتيني أمر ربي لأنه حريص كل الحرص على هدايتهم وكان يترفق بهم مع قسوتهم عليه . فانزل الله هذه السورة ردا على اقتراح الكفار السخيف في الحال والمستقبل وقبل سنوات كان هناك دعوة إلى وحدة الاديان وهي نفس اقتراح كفار قريش. الاديان السماوية والعقائد المنحرفة من الشيعة والصوفية كلها عقائد فاسدة لا تجتمع في قلب واحد في آن واحد مع ما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- احدهما يخرج الاخر. وكيف تكون اديانا سماوية والله يقول والهكم اله واحد والنصارى يقولون الله ثالث ثلاثة فقالوا نجتمع على ما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه
    قوله ولا انتم عابدون ما اعبد :لأنكم إذا قلتم نعبد ما تعبد ثم ترجعون إلى الهتكم ما صارت عباده لله لان الشرك إذا خالط العبادة فسدت ولا يقبل الله العبادة التي خالطها شرك وهذه الآلهة لا تقول لك لا تعبد معي غير بل ان الرجل يعبد في اول النهار حجرا فإذا وجد حجرا آخر افضل منه رماه واخذ حجرا آخر وكان احدهم يعبد صنما من تمر فإذا جاع اكله .هذا التكرار له فوائد نفي عبادة غير الله في الحاضر والمستقبل ونفي ان يعبد الكفار الله في الحاضر والمستقبل
    قوله ولا انا عابد ما عبدتم :أي لا يعبد الهتهم في المستقبل
    قوله ولا انتم عابدون ما اعبد :هؤلاء الذين عرضوا هذا الاقتراح كلهم ماتوا على الكفر ونفى الله عنهم الإيمان في المستقبل . فكانوا كذلك لم يفلحوا ولم ينجحوا، إلى أن قتل بعضهم يوم بدر بالسيف، وهلك بعضهم قبل ذلك كافرا. فائدة :من عبد غير الله مع الله فلا يقبلها الله لان الشرك يبطل العبادة. لان عباد تهم المخلوطة بالشرك ليست عباده لله فلا يقبلها الله
    قوله لكم دينكم ولي دين : لكم دينكم الذي هو الكفر والشرك بالله .ولي ديني الذي هو التوحيد والاخلاص لله .ختمت بانه لا يتم دينه وعبادته لله إلا بالبراءة من الكفر واهله .فهذه السورة :هي سورة التوحيد والبراءة من الشرك واهل الضلال واعلان البراءة الصريحة والتامة من دينهم ولا يصلح التراضي مع الكفار أو التسوية بيننا وبينهم
    وهذه السورة فيها اعلان البراءة من دين الكفار ومن يعترض على هذه السورة فإنما يعترض على الله ورسوله والعبادة إذا خالطها شرك فسدت مثل الحدث إذا خالط الطهارة فسدت والعبادة إذا خالطها شرك فسدت .وكثير من الناس عندهم صلاة وصيام وصدقه ولكن ليس عندهم ولاء ولا براء .والولاء والبراء لا يكون إلا لله ومن أجل الله لأنه المستحق لذلك
    لعب الكرة جائز بشروط ثلاثة :
    الشرط الاول: الا يشغل عن طاعة وعبادة وذكر
    الشرط الثاني: ان يكون اللبأس ساترا للعورة
    الشرط الثالث: إلا يكون هناك ولاء وبراء فان كان يحب من أجل الكورة ويبغض من اجلها ويشجع النادي كذلك ويبغض من اجله ويعادي من اجله فهذا ولاء وبراء لغير الله حتى انها لتكون الاسرة الواحدة يكره بعضها بعضا بسبب هذا
    والولاء البراء كله يكون من أجل الله ولله لأنه المستحق لذلك. الولاء والبراء هما الحب والبغض. لهذا نقول لا يمكن للإنسان أن يوالي أحد إلا وقد أحبه ونصرة وايده . ولا يمكن للإنسان أن يعادي أحد إلا وقد أبغضه ولا يحبه ولا ينصره ولا يؤيده .ولهذا نقول إن الحب والبغض نواة الولاء والبراء والولاء لأهل الإيمان والبراء لأهل الكفر . والحب والكره لابد للإنسان أن يبذله فإذا لم يبذله دينياً بذله للدنيا . وقد جاء هذا من حديث عبد الله بن عباس عند أبي شيبة وابن أبي حاتم " من عادى في الله ووالى في الله فإنه لا تنال ولاية الله إلا بذلك.
    ولاية الله الحقيقية كما في حديث البراء " اوثق عرى الإيمان : الحب في الله ، والبغض في الله . فنحب من يحب الله ونبغض من يبغض الله . ولا يتم التوحيد إلا بالبراءة من الكفر واهله انا براء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده...
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة النصر :
    حديثي معكم اليوم عن سورة النصر وهي سورة عظيمة وموجزة مع اختصارها فهي تشتمل على معاني جليلة ففيها بشارة وفيها اشارتان :
    اما البشارة : فهي الاخبار بفتح مكة قبل وقوعه وقد وقع وهو من معجزات القرآن إلا خبار بانه سياتي نصر فكان فتح مكة اعز الله به المسلمون وانتشر الإسلام .
    واما الاشارتين فهي الاشارة إلى استمرار نصر الدين حتى وصل الإسلام إلى ما وصل إليه.عن تميم الداري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزاً يعز الله به الإسلام وذلاً يذل الله به الكفر " رواه احمد
    والاشارة الثانية إلى دنوا أجل نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- وختمت السورة بماذا تختم به الاعمار والأعمال والمجالس
    قوله إذا جاء نصر الله: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وامته تبع له . أي نصر الله دينه ورسوله على اعداءه ففتح مكة لان الد اعداء رسول الله اهل مكة ففتحها في رمضان من السنة الثامنة للهجرة ففتح الله بينه وبين قومه وجعل له الغلبة عليهم . قال ابن كثير المراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا; فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة ويقولون: اتركوه وقومه، فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق. فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم . بعث الله نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم ومكث ثلاثة وعشرين سنه فدعا إلى الله وجاهد في سبيل الله وكانت الايام بينه وبين اعداءه دول نصر وهزيمه سنة الله وكان في بداية أمره يدعوا في مكة دعوة بلا جهاد لان حالة المسلمين لا تتحمل الجهاد في مكة فكان مقتصرا على الدعوة رغم ما يلقى من المعارضات والمضايقات له ولأصحابه . ثم هاجر وأخرج من مكة ثالث ثلاثة . وهاجر إلى المدينة وبعد ست سنوات خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بألف وأربعمائة رجل من المدينة يريدون العمرة في السنة السادسة من الهجرة لم يكن مع هذا الجمع المبارك من السلاح إلا السيوف
    بينما رَكْبُ الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه يسير بأمر الله تعالى بركت الناقة التي يركبها الرسول صلى الله عليه وسلم في مكان قريب من مكة يسمى الحديبية فقال الصحابة: خلأت القصواء ، خلأت القصواء (اسم ناقة الرسول صلى الله عليه وسلم).فقال صلى الله عليه وسلم: (ما خلأت القصواء وما ذلك لها بخلق، لكن حبسها حابس الفيل) [البخاري] وعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى لا يريد له دخول مكة، ولا الصدام مع قريش في ذلك الوقت، فقرر التفاوض مع قريش في شأن دخول المسلمين مكة لزيارة البيت الحرام، وقال: (والذي نفسي بيده لا يسألونني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها) وصالحهم نبينا في صلح الحديبية على وضع الحرب عشر سنين .
    وفي العام الثامن وفي آخر عمره فتح الله عليه مكة وتم له ما اراد .وسببه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما صالح قريشاً في الحديبية في السنة السادسة ـ الصلح المشهور ـ نقضت قريش العهد فغزاهم النبي صلى الله عليه وسلّم وخرج إليهم من المدينة بنحو عشرة آلاف مقاتل كان العباس بن عبد المطلب قد خرج من مكة قبل ذلك بأهله وعياله مسلما مهاجرا إلى المدينة فقابلوا الرسول في الطريق مقبلا بجيشه على مكة ، فأمره الرسول أن يعود معه إلى مكة ويرسل أهله إلى المدينة وقال له الرسول: هجرتك يا عم آخر هجرة كما أن نبوتي آخر وفي الطريق إلى مكة القي العباس ابو سفيان وحمله على البغلة حتى أدخله على رسول الله وطلب له الامان واسلم ابو سفيان فلما ذهب لينصرف قال رسول الله يا عباس أحبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها – فلا تبقى في نفسه أثارة لمقاومة – فخرج حتى حبسه بمضيق الوادي حيث أمره رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يحبسه
    و تحركت كتائب الفتح وكانت القبائل تمر على رآياتها كلما مرت قبيلة سأل العباس عنها فيقول مالي ولبني فلان ؟ حتى مر رسول الله صلى الله عليه و سلم في كتيبة فيها المهاجرون والأنصار لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد
    فقال سبحان الله يا عباس من هؤلاء ؟ قال : هذا رسول الله صلى الله عليه و سلم في المهاجرين والأنصار . فقال أبو سفيان : ما لأحد بهؤلاء قبل ولا طاقة والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملكا بان أخاك الغداة عظيم .فقال : العباس يا أبا سفيان إنها النبوة . قال : فنعم إذن. وقام أبو سفيان فصرخ بأعلى صوته يا معشر قريش هذا محمد -صلى الله عليه وسلم- قد جاءكم بما لا قبل لكم به فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن . فقامت إليه هند بنت عتبة فأخذت بشاربة فقالت اقتلوا الحميت (الضخم) الدسم الاحمس (الذي لا خير عنده) قبح من طليعة قوم. فقال أبو سفيان ويلكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاءكم ما لا قبل لكم به ، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن . قالوا : قاتلك الله وما تغني عنا دارك . فقال ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد فهو آمن فتفرق الناس إلى الكعبة والى دورهم وأغلقوا أبوابهم ينتظرون ما يراد بهم . ودخل رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة وهو خافض رأسه تواضعا لله عز وجل حين رأى ما أكرمه الله به من الفتح حتى أن ذقنه ليكاد يمس واسطة الرحل ودخل وهو يقرأ سورة الفتح ، وكان ذلك صبح يوم الجمعة لعشرين ليلة خلت من رمضان سنة ثمان من الهجرة. واجتمعت إليه قريش في المسجد وخطب فيهم وقال: يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم قالوا خيرا مع انهم اذوه وحاربوه فعفا عنهم فاسلم منهم خلق كثير
    وجاءت وفود العرب في العام التاسع وسمي عام الوفود ودخل الناس في دين الله أفواجا .وكان لفتح مكة أثر عميق في نفوس العرب فشرح الله صدر كثير منهم للإسلام ، وأقبلوا على الإسلام إقبالا لم يعرف قبل ذلك وصاروا يدخلون في دين الله أفواجا
    قوله ورأيت الناي يدخلون في دين الله أفواجا: أي ابصرتهم يدخلون جماعات بعد أن كانوا يدخلون فيه أفراداً أو يدخل احدهم مختفيا وجاءت الوفود من كل قبيله وبايعوه على الإسلام. إذا حصلت هذه العلامة ماذا يفعل هل يقابل هذا الفتح والنصر بالفخر والخيلاء والاعجاب ام يقبله بالخضوع والتواضع والشكر والتسبيح والاستغفار
    قوله في دين الله :أي دين الإسلام واضافة الدين إلى الله اضافه تشريف .
    قوله فسبح بحمد ربك :كان المتوقع ان يقال فاشكر الله على هذه النعمة واحمده عليها لان فيها اشارة إلى دنوا اجله وقربه وما بقي عليك إلا التسبيح بحمد ربك والاستغفار. ويؤخذ منها ان ختم الاعمار والأعمال والمجالس وختم لأمور يكون بالتسبيح والاستغفار . ومن ثم اجتهد نبينا بعدها في العبادة والاستغفار. روى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما صلى النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن نزلت عليه: إذا جاء نصر الله والفتح إلا يقول فيها: « سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي » . وفيه عنها أيضا: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: « سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي » يتاول القرآن.
    وفيه فضيلة الاستغفار في ختام العمر والأعمال والمجالس فان كان خيرا فهو طابع له وان كان شرا فهو كفارة له . فجعل كفارة المجلس له خمسة مواطن :
    1-عقب مجلس ذكر ولغو: عن جبير بن مطعم رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :من قال :سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك فقالها في مجلس ذكر كان له كالطابع يطبع عليه ومن قالها في مجلس لغو كانت له كفارة .رواه النسائي والطبراني والحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم وصححه الالباني
    2-يقال عقب مجلس لغط :عن أبي هريرة عن النبي صل الله عليه وسلم قال : من جلس مجلس كثر فيه لغطه فقال قبل أن يقوم سبحانك ربنا وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك ثم أتوب إليك إلا غفر الله له ما كان في مجلسه رواه الحاكم وقال حديث صحيح على شرط مسلم وصححه الألباني
    3- عقب الوضوء :عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه سلم :من توضأ ثم قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك كتب في رق ثم طبع بطابع فلم يكسر إلى يوم القيامة .رواه الطبراني والبيهقي والنسائي والحاكم قال صحيح على شرط مسلم وصححه الالباني .
    4- عقب الصلاة :عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس مجلساً أو صلى صلاة تكلم بكلمات فسألته عائشة عن الكلمات فقال : ان تكلم بخير كان طابعاً عليهن ّالى يوم القيامة وإن تكلم بغير ذلك كان كفّارة له سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك.رواه النسائي والحاكم والبيهقي وصححه الالباني
    5- عقب تلاوة القرآن :عن عائشة قالت ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسا قط ولا تلا قرآناً ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات قالت :فقلت : يا رسول الله! أراك ما تجلس مجلساً ولا تتلو قرأناً ولا تصلي صلاة إلا ختمت بهؤلاء الكلمات قال : نعم من قال خيراً ختم له طابع على ذلك الخير ومن قال شراً كن له كفارة : سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك .أخرجه النسائي وصححه الألبان
    قوله انه كان توابا :أي كثير التوبة على من تاب . فهذه سورة عظيمة تشتمل على معاني جليلة حيث جعل في مقابل النصر الشكر والعبادة ولم يجعله في مقابل الفخر والخيلاء والغفلة .وختم العمر والعمل والأمور بالتسبيح والاستغفار.
    الفوائد والعبر والعظات:
    1- لا تظنن ان الناس لما دخلوا في دين الله أفواجا ان إلا مر سيستمر بل لا تأمنن عليهم الفتنه فانهم سيخرجون منه أفواجا وهذا يتطلب الحذر والخوف وطلب الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد ففي الاثر : إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا. وقد دلت الآثار الصحيحة على أن المسلمين في آخر الزمان يضعف تمسكهم بدينهم شيئاً فشيئاً حتى يكون المتمسكون به بمثابة الغرباء أو كالقابضين على الجمر لشدة ما يلاقون من الفتن التي تصدهم عن دينهم. ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بدأ الإسلام غريباً وسيعود كما بدأ غريباً، فطوبى للغرباء.في سنن الترمذي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر. قال الترمذي: حديث غريب. وصححه الشيخ الألباني.
    2- ان النصر من عند الله ولو أخذ الناس بأسباب النصر لنصرهم الله ولينصرن الله من ينصره رسول الله نصره الله رغم قله العدد والعدة لان الله كان معه والمسلمون اليوم بحاجة إلى العودة إلى الكتاب والسنة حتى يحقق لهم الله ما وعدهم وكان حقا علينا نصر المؤمنين
    3- فتح مكة فتح عظيم ونصر عزيز للنبي صلى الله عليه وسلم وقهر وذله مهانة للكفار وهم في ديارهم رغم كثرة عددهم وعدتهم وإذا بهم يفرون ويقذف الله الرعب في قلوبهم ويدخل رسول الله مكة منتصرا وعزيزا .
    4- المسلمون اليوم مضطهدون ومهانون في كل مكان بسبب بعدهم عن دينهم ووعد الله لا يتخلف ولينصرن الله من ينصره وفي الحديث سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة المسد
    حديثي معكم اليوم عن سورة المسد أو تبت وهي تتحدث عمن يعادي ما أنزل الله على نبيه; مطاوعة لهواه وإيثارا لما ألفه من العقائد والعوائد والأعمال، و ان المال والقرابة والنسب والجاه والجمال لا ينفع الانسان مع الكفر والمعاصي وتحدثت عن هلاك وخسارة عم النبي صلى الله عليه وسلم ابو لهب وأعمام الرسول عليه الصلاة والسلام انقسموا في معاملته ومعاملة ربه عز وجل إلى ثلاثة أقسام:1- قسم آمن به وجاهد معه، وأسلم لله رب العالمين. العباس وحمزة2- وقسم ساند وساعد، لكنه باق على الكفر وهو ابو طالب فكان اخف اهل النار عذابا وكان اهون ممن عاند واثرت مواقفه السيئة على دعوة النبي صلى الله عليه وسلم3- وقسم عاند وعارض، وهو كافر. وهو ابو لهب من أشد الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأذية له وبغضة له وازدراء به وتنقصا له ولدعوته، ومات على كفره بعد وقعة بدر ولم يحضرها، بل أرسل عنه بديلا، فلما بلغه ما جرى لقريش مات غما وجمع مع الكفر الصد عن سبيل الله والبغض والأذية لرسول الله فتضاعفت عليه العقوبات ونزلت فيه سورة تبين هلاكه وخسارته في الدنيا والاخرة
    قوله تبت يدا ابي لهب وتب :فيها دعاء وخبر اما الدعاء فتبت يدا أي هلاكا له وخساره دعاء عليه من الله وعبر باليدين لانهما اداة الكسب والاكتساب "وتب" فإنه خبر، أي: عما سيحقق له في الدنيا والآخرة. وعبر عنه بالماضي لتحققه. ابو لهب: هذا اللقب أبو لهب، لقب مناسب تماماً لحاله ومآله واسمه عبد العزى.وسمي ابو لهب لأنه كان وضيء الوجه جميلا فسمي ابو لهب لحمرة وجهه ومن كفره وشدة عداوته وبغضه للنبي صلى الله عليه وسلم كان نبينا يعرض نفسه على قبائل العرب في الحج في منازلهم ويبلغهم رساله الله وابو لهب يتابعه ويكذبه ويقول انا عمه لا تصدقوه فانه كاذب هكذا كان يفعل مع النبي صلى الله عليه وسلم . وعن ابن عباس قال : صعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم الصفا فقال : " واصباحاه ! " ، فاجتمعت إليه قريش فقالوا له : ما لك ؟ فقال : أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم ، أما كنتم تصدقوني ؟ " قالوا : بلى قال : " فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " ، فقال أبو لهب : تبا لك ، ألهذا دعوتنا جميعا ؟ ! فأنزل الله عز وجل : ( تبت يدا أبي لهب وتب ) إلى آخرها . فكان هذا الرجل يسخر من رسول الله ويحقره ويبغضه وينفر الناس عنه
    قوله ما اغنى عنه ماله وما كسب: لأنه كان غنيا لكن هذا الغنى لا ينجيه من عذاب الله لما كفر وعاند
    اختلفوا في معنى ( ما ) هل هي استفهاميه أو نافيه : فان كانت استفهاميه فهي بمعنى أي شيء أغنى عنه ماله وما كسب؟ والجواب: لا شيء.وان كانت نافيه فهي بمعنى أي لم يغنِ عنه ماله وما كسب شيئاً. وأيا ما كان الأمر فلا منافاة بينهما . فالآية تشمل الاولاد، وتشمل المال المكتسب وتشمل ما كسبه من شرف وجاه. كل ما كسبه مما يزيده شرفاً وعزًّا فإنه لا يُغني عنه شيئاً
    قوله سيصلى نارا ذات لهب : توعده الله بالنار التي توقد ولا تطفا وسيقاسي حرها ولهبها . أخبر الله انه سيدخل النار فتحقق فيه علم الله فمات كافرا لعلم الله السابق فيه انه سيستمر على كفرة وعناده للحق . وهذا يعطينا ان القرابة والنسب والجمال والمال لا ينفع الانسان مع الكفر .فإن الأسباب كلها تنقطع يوم القيامة، إلا ما كان منها متصلا بالله وحده على أيدي رسله. فلا اتصال فوق اتصال البنوة والأبوة والزوجية، ولم يغن نوح عن ابنه، ولا إبراهيم عن أبيه، ولا نوح ولوط عن امرأتيهما من الله شيئا; قال تعالى: لن تنفعكم أرحامكم ولا اولادكم يوم القيامة يفصل بينكم .كما ان تصال المؤمن بالكافر لا يضره شيئا إذا فارقه في كفره وعمله
    فلم يضر امرأة فرعون اتصالها به، وهو أكفر الكافرين، ولم ينفع امرأة نوح ولوط اتصالهما بهما، وهما رسولا رب العالمين.
    قوله وامراته حمالة الحطب : قال ابن كثير : وكانت زوجته من سادات نساء قريش، وهي أم جميل، واسمها أروى بنت حرب بن أمية، وهي أخت أبي سفيان وعمة معاوية ، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده. وكانت هذه المرأة حرب على رسول الله في مكة وتؤذيه اشد الايذاء وتسميه مذمما . ومعناها كانت تجمع الحطب فتلقيه في طريق النبي صلى الله عليه وسلم. عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت : ( تبت يدا أبي لهب ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ، ولها ولولة ، وفي يدها فهر ، وهي تقول : مذمما أبينا ودينه قلينا وأمره عصينا .ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله ، قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنها لن تراني "فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا أبا بكر ، إني أخبرت أن صاحبك هجاني ؟ قال : لا ورب هذا البيت ما هجاك . فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها .زاد البزار فلما ولت قال أبو بكر ، رضي الله عنه : ما رأتك ؟ قال : " لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت " .
    وقيل حماله الحطب تمشي بالنميمة.وهي بالفعل كذلك، كانت تفعل هذا وهذا. والرجل والمراءة اتفقا على معادة رسول الله وتشابهت قلوبهم واجتمعا على الكفر والصد والبغض وربما لو صلح احدهما لصلح الاخر فلما اتفقا على الشر هلكا وتعاونا على الكفر .وكذلك الابوان إذا اجتمعا على الكفر كانا سببا في هلاك الابناء فأبواه يهودانه أو ينصرانه وربما لو صلح احدهما لصلحت الذرية وكم من انسان تزوج امرأة فاسدة كانت سببا في هلاكه والعكس بالعكس والمرء على دين خليله .
    ذكر الله في القرآن المرأة الكافرة التي لها صلة بالرجل الصالح لا تنفعها وصلتها وسببه والمرأة الصالحة التي لها صلة بالرجل الكافر لا تضرها وصلتها وسببها والمرأة التي لا زوج لها، لا مؤمن ولا كافر. لا يضرها عدم الوصلة شيئا.
    قوله في جيدها حبل من مسد :الجيد: العنق، والحبل معروف، والمسد: الليف. من النخل لكن المراد به حبل من النار . فجمع الله لهما من انواع العذاب لانهما كانا يؤذيان رسول الله . هذا مصير كل من اذى رسول الله وتنقص جنابه سيلقى نفس المصير فكل من تناول جنابه صلى الله عليه وسلم فله نصيب من هذا الذم والوعيد.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الاخلاص:
    حديثي معكم عن سورة الاخلاص التي تعدل ثلث القرآن فكيف ذلك مع قلة حروفها، وكثرة حروف القرآن. فكانت تعدل ثلث القرآن لأنها تخبر عن صفات الله وبحق الله. لان القرآن باعتبار معانيه ثلاثة أثلاث: ثلث توحيد، وثلث قصص، وثلث أمر ونهي . فكانت كلها تتحدث عن صفات الله فصارت تعدل ثلث القرآن. فهي تعدل ثلث القرآن لاختصاصها بحق الله في ذاته وصفاته من الوحدانية والصمدية ونفي الولادة والولد ونفي الكفء وكلها صفات اختص الله بها وحده.
    ٢- وسميت بالإخلاص : لأنها قد تجردت للتوحيد؛ والصفات. لان قائلها اخلص التوحيد لله. وقيل انها خالصه لله فليس فيها احكام ولا اخبار. والصحيح انها تجمع الأمرين. ومن حقق توحيد لله في ذاته وتوحيده في اسمائه وصفاته وفي افعاله وربوبيته حصل له الإيمان الكامل .
    ومن المؤسف حقا ان أحد المشائخ استضافه رجل تجاوز السبعين من عمره ووجد أمامه شاشه الأسهم وكان فيها رموز كثيرة فسألها عنها فقال المسن للشيخ وانت في هذا السن ما تعرف شيء فقال له الشيخ ممكن. تعطينا معني الله الصمد فقال لا ادري الكل يقرأها ولكن الكثير يجهل معانيها.
    ٣- سبب نزولها :ثبت عند الحاكم عن ابي ابن كعب ان المشركين قالوا صف لنا ربك الذي تدعونا إليه فنزلت هذه السورة وقيل ثبت عند البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس ان اليهود قالوا صف لنا ربك الذي تعبد فنزلت
    قوله قل هو الله أحد :كلمه الله . معناها ذو الألوهية والعبودية علي جميع خلقه. قال الله انني انا الله لا اله إلا انا فاعبدني
    قوله أحد : من معاني أحد واحد ولكن كلمه أحد أعم في النفي. فَلَو قلنا ليس في البيت ولا واحد قد يكون هناك اثنان أو اكثر وإذا قلنا ليس في البيت أحد فان أحد أعم في النفي من واحد وابلغ وهي تدل انه لا معبود بحق إلا الله وحده فهناك قاعده ثابته مهما نقرا . إلهكم اله واحد. فالله أحد في ذاته أحد في أسماءهم أحد في صفاته أحد في افعاله أحد في ربوبيته. فالله واحد أحد ليس معه اله غيره
    قوله الله الصمد : الصمد هو الغني الذي تقصده جميع المخلوقات فهو غني؛ لا يحتاج إلى أحد؛ ويحتاج إليه كل أحد. وله عدة معانٍ حتى بلغ ثمانية عشر معني . منها الغني بذاته عن جميع المخلوقات فهو مستغني عن غيرة وغيره لا يستغنى عنه فإذا عرفت هذه القاعدة عرفت انه لا يأكل ولا يشرب لان الذي يأكل محتاج الي غيره وهو غني عن جميع مخلوقاته بما فيها العرش وليس فوقه شيء حتي الهواء . فالله قائم بذاته مقيم لغيره مستغني عنه . فهو الغني الذي تصمد إليه المخلوقات في حوائجها. ومنها السيد الكامل في سؤدده من "صمد إليه"؛ إذا قصده؛ وهو السيد المصمود إليه في الحوائج. ومنها الباقي الذي لا يفنى
    وكلها صحيحه الصمد الذي تقصده المخلوقات في حوائجها والسيد الكامل في سؤدده وغني لا يأكل ولا يشرب وباقي بعد خلقه. قال القرطبي الأحد الصمد يتضمنان جميع صفات الكمال فالأحد يدل على احديه الذات بجميع صفات الكمال والصمد السيد الكامل في سؤدده. فكان مرجع الطلب منه واليه ولا يتحقق إلا لمن حاز علي جميع خصال الكمال ولا يصلح إلا لله وحده. فاشتملت السورة علي معرفة الذات المقدسة. ثبت عند الامام احمد وابو داود والنسائي وصححه الالباني من حديث محجن ابن الادرع. (اللهم إني أسألك يا الله الواحد الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد أن تغفر لي ذنوبي، إنك أنت الغفور الرحيم فقال صلى الله عليه وسلم قد غفر له قد غفر له).
    قوله لم يلد : لم يكن له ولد ولم يتبنى الولد. نفي ان يكون له فرع وهو الولد كما في قوله قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني فنفى الولد لأنه ينافي الصمدية وهي الغني ونفي الولد لأنه ينافي معنى الاحد ولو كان لكان له حظ في الألوهية. وأما قوله ولم يتخذ ولد في سوره اخري هنا يقفل الباب علي جميع العقائد الفاسدة فليس لله ولد لا بالتبني ولا غيره
    قوله ولم يولد : نفى سبحانه ان يكون له أصل لأنه ينافي الأبدية فهو الاول فليس قبله شيء وفي الحديث الصحيح كان الله ولم يكن شيئ قبله ولم يكن شيئ معه ولم يكن شيئ غيرة. نفي الأصل لأنه لا يكون . لان معناه نفي الأبدية عنه سبحانه. فنسبوا له الولد ولم ينسبوا له الوالد لأنه مستحيل في حق الله الوالد والولد
    قوله ولم يكن له كفوا أحد :نفي أن يماثله شيء. ولها عده قراءت ومعناها كلها . أي لا كفء له ولا نظير ولا شبيه لأن الكلام سيق لنفي المكافأة عن ذات البارئ. واصل الكلمة ولم يكن أحد كفوا له وهذه فيها حصر الدلالة والمعنى لا أحد نظير له ولا ند ولا كفء. وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلا يقرأ "قل هو الله أحد"؛ فقال: "وجبت"؛ فقيل: يا رسول الله؛ ما وجبت؟ قال: "وجبت له الجنة ". ولو قيل لك صف لنا ربك تقرأ قل هو الله أحد. ففي البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلا على سرية وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال سلوه لأي شيء يصنع ذلك فسألوه فقال لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن إقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه أن الله يحبه
    تمت ولله الحمد والمنه .اللهم احشرنا في زمرة العالمين بك؛ العاملين لك؛ الراجين لثوابك؛ الخائفين من عقابك؛ المؤمنين بلقائك القانعين بعطائك الراضين بقضائك
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الفلق:
    حديثي معكم اليوم عن سورة الفلق وقد اشتملت على الاستعاذة من شرور المخلوقات كلها . ويدخل فيها النفس البشرية وكل ما هو ضار ثم خصص ثلاثة شرور مع اندراجها في الشر العام لعظم خطرها وعسر الاحتياط منها وشدة الحاجة إلى الاستعاذة منها على وجه الخصوص . وهذه المعوذات :قال رسول الله" ما تعوذ المتعوذون بمثلهما ففيهما دفع للشرور قبل وقوعها ورفع للشرور بعد وقوعها و كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ وَعَيْنِ الإِنْسَانِ حَتَّى نَزَلَتِ الْمُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا أخذ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا ) رواه الترمذي وصححه الألباني. وكان رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا اشْتَكَى يقرأ على نفسِهِ بالمُعَوِّذَاتِ ويَنْفُثُ. قالَتْ: فلَمَّا اشْتَدَّ وَجَعُه كُنْتُ أنا إقرأ عليه وأَمْسَحُ عليه بِيَمِينِهِ رَجَاءَ بَرَكَتِه ) موطأ مالك. وفي الْبُخَارِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كَانَ يَنْفُثُ عَلَى نَفْسِهِ فِي المَرَضِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِالمُعَوِّذَتَيْنِ . وكان إذا اوى الي فراشه جمع كفيه وقرأ فيهما ومسح بهما سائر جسده .وهذا دفع للشر قبل وقوعه .وكان يأمر بقراءتها بعد كل صلاه وتكرر في المغرب والفجر ثلاثا.
    وخرج الصحابة في ظلمة شديدة فقرا بقل هو الله أحد والمعوذتين.:عن عقبة بن عامر رضی الله عنه ، قال: بينا أنا أسير مع رسول الله ﷺ بين الجحفة وأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة، فجعل رسول الله ﷺ يتعوّذ: [قُلْ أعوذ بِرَبِّ الْفَلَق ] ، و: [ قُلْ أعوذ بِرَبِّ النَّاس ]، ويقول: ((يا عقبة تعوذ بهما فما تعوّذ متعوذ بمثلهما ))، وقال: وسمعته يؤمُّنا بهما في الصلاة. رواه أبو داود وصححه الألباني
    هذه السورة الحكمة فيها الاستعاذة بالله من الشرور كلها وضمت معها قل هو الله أحد توسل الي الله بتوحيده في قبول الدعاء بهاتين السورتين. والنَّاس غافلون عن فوائدها والتداوي بها دفعا ورفعت لجميع الشرور.
    قوله قل أعوذ برب الفلق: الخطاب للنبي صل الله عليه وسلم وامته تبع له . وسألوا النبي صلى الله عليه وسلم : لماذا لا تقول أعوذ ؟ فقال: قال لي ربي قل فقلت .لحكمة : وهي ليعلم الناس انه مبلغ عن الله فلم يسقط امرا من اوامر الله .قوله أعوذ .أي التجئ واعتصم واتحرز واتحصن بالله. الاستعاذة هي اللجوء إلى الله والاحتماء به . وفي الحديث ( من استعاذكم بالله فاعيذوه ) بنت الجون لما قالت للنبي صلى الله عليه وسلم أعوذ بالله منك فقال لقد عذت بمعاذ الحق باهلك )
    والاستعادة ثلاثة أقسام :مستعيذ وهو الانسان ومستعاذ به وهو الله . ومستعاذ منه وهو جميع الشرور ويدخل فيها النفس وكل ما هو ضار وهي أربعة: الشر العام وشر الغاسق وشر الساحر وشر الحاسد. ومن استعاذ بغير الله فقد أشرك لان الاستعاذة عباده وقال رسول الله من اعاذكم بالله فاعيذوه. وجاء لفظ الجلالة في الاستعاذة بالله من الشيطان في تلاوة القرآن لان المقام مقام عباده والله المألوه المعبود والعبادة يتناسب معها لفظ الجلالة الله . اما الاستعاذة بالربوبية لان المقام مقام استعاذه واستعانة من شر المخلوقات التي هو ربها
    قوله الفلق :قيل انه الصبح والنور. وقيل وهو الاظهر انه يعم جميع المخلوقات فالق الإصباح وفالق الكائنات وفلق البحر لموسي .
    قوله من شر ما خلق : أي من شر جميع المخلوقات ومنها نفسه التي بين جنبيه فاستعاد بالله من جميع الشرور وكل ما هو ضار من مخلوقاته كلها . المستعاذ منه الاول الشر العام وهو كل شر خلقه الله في العالم. فانت تلتجئ إلى الله ان يقيك جميع الشرور. والمستعاذ منه الثاني الغاسق .
    قوله ومن شر غاسق إذا وقب: ففسر الغاسق بالليل .وقب أي إذا أقبل ودخل بظلامه. فالليل إذا دخل بظلامه غاسق، وكذلك القمر إذا أضاء بنوره فإنه غاسق، ولا يكون ذلك إلا بالليل. فأمر بالاستعاذة من آية الليل ودليلة وعلامته. مع ان الله جعل الليل لسكون الآدميين وراحتهم، لكن الليل وقت لانتشار شياطين الإنس والجن فأهل الشرور ما يعملون إلا في الليل والليل يسترهِم ويغطيهم . فالشر دائما مقرون بالظلمة.
    ولأن الشياطين يكون وقت انتشارها عند اول الليل عند الغروب ففي البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا استجنح الليل أو كان جُنح الليل فكفوا صبيانكم فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من العشاء فخلوهم، وأغلق بابك واذكر اسم الله)
    المستعاذ منه الثالث السحر :وهي نفوس شريرة وخبيثة تستعين بالشيطان وتعبده. والسحر هو ما خفي ولطف سببه . عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر ومن سحر فقد أشرك ومن تعلق شيئا وكل إليه ) رواه البخاري. اهل السحر يأتي بخيط ويعقد عقدة ويتكلم عليه بالسحر . ومن فعل ذلك فقد اتي بعمل من أعمال اهل الشرك والسحر. فنفس الساحر تتكيف بالشر فهذه النفوس الخبيثة تتكيف بالشر وتنفث بريقها في عقد فكانت هذه الآية تعوذ بالله من شرور هذه الانفس الخبيثة والشريرة . وهو انواع منه سحر تخييل ومنه ما هو حقيقي سحر عطف وتفريق وربط ومرض وصد .
    قوله ومن شر النفاثات في العقد:النفاثات أي الأرواح الشريرة اللاتي ينفثن. والعقد عقد الخيط حين يسحرن. أي السواحر اللائي يسحرن بعقدن وينفثون فيها مستعينين بالشيطان. نفس خبيثة وريق خبيث واستعانة بالشيطان ويحصل منه السحر. الذي هو شر ومرض وداء وضرر علي الناس. قال ابن جرير : أي ومن شر السواحر اللاتي ينفثن في عقد الخيط حين يرقين عليها، وبه قال أهل التاويل، فعن مجاهد : الرقي في عقد الخيط.
    والسحر نوع من الأمراض وقد أصيب به النبي صلى الله عليه وسلم إلا انه لم يتأثر به فيما يتعلق بالبلاغ والرسالة . فكان السحر في جسمه واطرافه ولم يتأثر قلبه وعقله . قال المفسرون: كان غلام من اليهود يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتت إليه اليهود، ولم يزالوا به حتى أخذ مشاطة رأس النبيّ صلى الله عليه وسلم وعدة أسنان من مشطه، فأعطاها اليهود فسحروه فيها. فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له: لبيد بن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخيل إليه أنه كان يفعل الشيء وما يفعله، حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليلة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم دعا ثم دعا ثم قال: يا عائشة، أشعرت أن الله أفتاني فيما استفتيته فيه، فجاءني رجلان فقعد أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي، فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذي عند رأسي: ما وجع الرجل، قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم ، قال: في أي شيء؟ قال: في مشط ومشاطة، قال: وجف طلعة ذكر أي جف طلعة ذكر: وهو الغشاء الذي يكون على الطلع النخل، ويطلق على الذكر والأنثى: قال: أين هو؟ قال: في بئر ذي أروان قالت: فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه، ثم قال: يا عائشة، كأن ماءها نقاعة الحناء، وكأن نخلها رؤوس الشياطين قالت: فقلت: يا رسول الله، أفلا أحرقته؟ قال: لا، أما أنا فقد عافاني الله فكرهت أن أثير على الناس شرًّا، فأمر بها فدفنت رواه البخاري ومسلم .
    ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنـزحوا ماء تلك البئر كأنه نقاعة الحناء، ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجفّ، فإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه، وإذا فيه وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبر، فأنـزل الله تعالى المعوذتين. ومن أنكر وقوع ذلك فقد خالف الأدلة وإجماع الصحابة وسلف الأمة متشبثًا بشبه واوهام لا أساس لها من الصحة فلا يعول عليها، وقد بسط القول في ذلك العلامة ابن القيم في كتاب [زاد المعاد] والحافظ ابن حجر في [فتح الباري]. ودلاه علي مكان السحر وأرسل من أتاه به عافاه الله بالرقية وكأن يخيل إليه أنه وطيء زوجاته وهو لم يطأهن، أو أنه يقوى على وطئهن حتى إذا جاء إحداهن فتر ولم يقو على ذلك، وهذا ما اصابه صلي الله عليه وسام يحيلني إليه انه اني اهله ولم يتجاوز ذلك إلى تلقي الوحي عن الله تعالى وعافاه الله منه
    والسحر يعالج بأمرين :
    إذا عرف مكان السحر يتلف وإذا لم يعرف بالرقية بالقرآن المعوذات والفاتحة يرقي بها من السحر .
    فائدة :دائما استعمل اسم الله في المدخل والمخرج والقيام والعقود وعند الاكل والشرب النوم واليقظة وعند كل شيء استعمل اسم الله والاستعادة بالله ولا تغفل عن نفسك تحصنها تسلم من الشرور وأصحابها وبالذكر والدعوات تدفع عنك. فان صادفتك هذه الشرور مكشوفا لا وقائع لك اثرت فيك وان صادفتك حذرا شاكي السلاح فلا منفذ فيك للسهام لم تؤثر فيك. واما مشاهدة قنوات السحر فهي من كبائر الذنوب
    الشر الرابع الحسد: و يعينه الشيطان وان لم يستعين به لأنه نائبه وخليفته. قوله ومن شر حاسد إذا حسد : يعم الحاسد من الجن والانس فان الشيطان وحزبه يحسدون المؤمن. والحاسد هو الذي يتمني زوال النعمة عن المحسود
    والحسد شر وهو يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. وهو اعتراض علي عطاء الله ومضر بإخوانه ولا يحصل علي شيء سوي اذيه نفسه فهو في كدر لما يري من نعم علي عباد الله وكان الاولي ان يسال الله من فضله. لله در الحسد ما اعدله. بدا بصاحبه فأكله. ويدخل في الحسد العائن وهو نوع من الحسد وهو شر الحسد والعين حق وتضر بأذن الله . والعين لتعرف حقيقتها ليس المقصود بها آلة العين فالأعمى قد يعين الغائب بالوصف
    ومن ثم قالوا العين هي سم اللسان لكن عبر بالعين لأنها الواصفة . فحقيقة العين هي ان يطلق الانسان وصفا لشخص ولا يذكر اسم الله والشياطين يحضرون الوصف ويؤذون الموصوف ففي الحديث (العين حق، ويحضرها الشيطان وحسد ابن آدم))؛ أخرجه أحمد . فلو ذكر الله مع الوصف لما استطاعت الشياطين ان تؤذيه . فذكر الله مع الوصف كأنها رقيه للموصوف. قال ابن القيم في زاد المعاد والعين سهام تخرج من نفس الحاسد والعائن نحو المحسود والمعين تصيبه تارة وتخطئه تارة ، فإن صادفته مكشوفاً لا وقاية عليه ، أثرت فيه ولا بد ، وإن صادفته حذراً شاكي السلاح لا منفذ فيه للسهام لم تؤثر فيه.
    العائن قسمان :
    1- ذو نفس خبيثة حاقده شريرة تريد الأضرار بالأخرين فيذكر الوصف بدون ذكر الله والعين الحاسدة تخرج من عدو وهي قاتله أو تتلف العضو فتصيب العين بأذن الله وهي مهلكة وهذا أمر محرم
    2- ذو نفس طيبه يطلق الوصف ويذهل عن الذكر فتدخل الشياطين في جسد الموصوف وهذه العين ممرضه
    وعلاج الحسد بأمرين :
    1- إذا عرف العائن يغسل له : عن ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " العين حق ، فلو كان شيء سابق القدر سبقته العين ، وإذا استغسلتم فاغسلوا " . رواه مسلم .يؤخذ بقيه غسله أو اثره أو يغسل إزاره ويصب علي المصاب فيبرا
    2- وإذا لم يعرف العائن فبالرقية فهي تبطل العين.
    سبب حدوث هذه الظواهر :
    1- ضعف التوكل على الله لان النافع والضار هو الله وحده وهذه الاسباب لا تنفع ولا تضر إلا بأذن الله بعض الناس يقول توكل على الله ولكن قلبه غير متوكل على الله مثل من يقول استغفر الله وهو مصر على الذنب فلا ينفعه ذلك . فمن علم ان الله بيده ملك السموات والأرض ولا يجري في ملكه إلا ما شاء الله اعتمد بعدها على الله .
    2- ترك التحصينات الشرعية فالأذكار دفع للشرور قبل وقوعها .
    3- الوقوع في المعاصي والذنوب لان الانسان إذا عصى الله سلط الله عليه شرار خلقه .
    4- قد يكون بذل الاسباب الشرعية فان اصابه بعد ذلك شيء فليصبر وليحتسب فانه يؤجر عليها .
    5- التداوي بالمشروع فان الله لم يجعل شفاء هذه الامه فيما حرم عليها وأعظم دواء كما في الحديث عليكم بالشفاءين : العسل ، والقرآن " رواه ابن ماجه.
    المحتويات
    أجمل ما قرأت في تفسير سورة الناس
    حديثي معكم اليوم عن سورة الناس وهي خاتمه القرآن فاول سورة في كتاب الله الفاتحة واخرها سورة الناس وهي تتحدث عن الاستعاذة بالله وبصفاته من شر واحد وافه واحدة وهي وسوسة الشيطان لان هذا الشر مصدر الشرور كلها وهو عدوا خفي وباطني وضرره على الدين .ولذلك افرد الله سورة كامله في الاستعاذة بالله من هذا العدو لأنه أعظم عدو وخفي وشديد العداوة كما في قوله تعالى (قال هذا من عمل الشيطان انه عدوا مضل مبين). فالمعوذتين تصور طبيعة الصراع بين الانسان والشيطان سواء عن طريق الشيطان نفسه أو عن طريق عملائه من البشر فالإنسان له اعداء في الظاهر وله اعداء في الباطن .فأما اعداء الظاهر فهم الكفار والمنافقون واما اعداءه في الباطن فهو عدو مستور يرنا ولا نراه وهو الشيطان .وهو يصاحبنا في كل الاحوال فلا يفارقنا ففي الحديث عند مسلم (إن الشيطان يحضر أحدكم عند كل شيء من شأنه )
    قوله قل أعوذ برب الناس: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وامته تبع له .قوله أعوذ :أي التجي واتحصن واحتمي بالله من شر اعدى الاعداء .قوله برب الناس : الرب هو رب العوالم كلها خالقها ورازقها ومحييها ومدبرها فهو يربي عباده بنعمة الظاهرة والباطنة ويربيهم بالوحي والعلم النافع فهو ربهم ومالكهم وسيدهم . قوله الناس إنما خص الناس بالذكر; لأنهم المستعيذون، فيستعيذون بربهم الذي يصونهم
    قوله ملك الناس : لله الملك المطلق فلا يشاركه أحد في ملكه فهو الذي يأمرهم وينهاهم وملك الناس ملك محدود وقليل وضعيف وهو منحه من الله
    قوله اله الناس :الاله هو المعبود أي الذي يعبدونه والمعبود على قسمين معبود بحق وهو الله ومعبود بباطل وهو ما سوى الله . فتضمنت هذه السورة الاستعاذة بالله فكان القرآن افتتح واختتم في سورتي الفاتحة والناس بتوحيد الله الألوهية والربوبية والملك لأنها اكمل الصفات واجمعها والاستعادة لا تأتي إلا بعد تعظيم من استعذت به ومن أي شيء يستعيذ به العبد من شر الوسواس الخناس
    قوله من شر الوسواس الخناس :فالوسواس: الإلقاء الخفي في النفس والمراد به الشيطان فهو اصل الشرور يحب للناس الشر ويثبطهم عن الخير لم يذكر الشيطان بأسمع إنما ذكر عمله وثنى بالخناس لأنه كيده ضعيف فاذ ذكر الله خنس .الخناس فعَّال من الخنوس وهو الاختفاء والتأخر والابتعاد فالشيطان يوسوس في قلب ابن ادم فان اطاعه تسلط عليه وان عصاه خنس وابتعد وتأخر فإذا ذكر الله تأخر وابتعد وان عصى الله وغفل عن ذكر الله استحوذ عليه
    اما عداوته للإنسان فعظيمة فهو اخبث الاعداء على الاطلاق فالعداوة معه قديمة فهو عدو بني ادم وسببها الدين فلا يهدا له بال حتى نكفر بالله وهو اقرب الاعداء إلينا وهو يصاحبنا في جميع الاحوال فلا يفارقنا ويجري من ابن ادم مجرى الدم ويسكن في كل ذرة من ذرات جسمك ومن اخفاهم عنا فهو يرانا ولا نراه وهو أعظم الاعداء ضررا علينا ويلبس علينا عداوته فيظهر في ثوب الناصح المشفق وهو عدو لذلك تعظم بليته ويعظم خطره وبعد ان يوقعنا في الجرائم يتبرأ منا ويضحك علينا ويسلك طرقا خفيه وخبيثة في اضلال المكلف و يكيد له بأنواع المكائد ، يكيد له بالضرر في بدنه ، وفي قلبه ، وفي أهله ، وفي ماله ، ولا يعصم من هذا كله إلا الله .
    وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا ذكر الله خنس ، وإذا غفل وسوس " . رواه البخاري تعليقا . فان تسلط على بدنه ولم يتسلط على دينه فهو خيرا له كما حصل لأيوب والمرأة التي تصرع . وان تسلط عليه في الدين فهو بالإغواء عن طريق الوسوسة . فتعالوا لنرى هل اطعنا الشيطان ام اطعنا الرحمن .
    فكل معصية لله طاعة للشيطان فاكل الربا ومن اسبل ازارة ومن استمع الغناء فكل مخالفه للكتاب والسنة فهي طاعة للشيطان وكل معصية هي دعوة من الشيطان والشيطان يريد بك النار وكل طاعة لله هي معصية للشيطان. ومن هنا ان صرعك الشيطان في بدنك فانت شهيد وان صرعك في دينك فانت طريد المرأة التي كانت تصرع من اهل الجنة والمرأة التي لم يمسها في بدنها ولكن مسها في دينها صفنان من اهل النار وذكر نساء كاسيات عاريات . نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم محفوف بعناية الله فإذا دخل الخلاء تعوذ بالله من الشياطين ففي الحديث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول : بسم الله ) صححه الألباني في صحيح الترمذي
    فإذا تجرد من الملابس مع انه ينبغي ان يستحي من الله وفي رواية ابن السني: ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم أن يقول الرجل المسلم إذا أراد أن يطرح ثيابه: بسم الله الذي لا إله إلا هو. يقول ابن القيم مهما حرص العبد على مخالفة الشيطان فلا بد ان يوقعه في معصية عن طريق ثلاثة أمور غضب أو غفله أو شهوة لكن المؤمن التقى سرعان ما يتدارك ذلك بالتوبة أو المؤمن العاصي فيسترسل معه في المعصية
    قال ابن القيم :أما الطرق التي يسلكها الشيطان لإضلال بني الإنسان ولإخراجهم من النور إلى الظلمات .فهي تنحصر في ستة أجناس لا يزال موسوسا حتى ينالها:
    الشر الاول : شر الكفر والشرك فلا يزال به حتى يناله منه، فإذا نال ذلك صيره من جنده وعسكره
    المرتبة الثانية البدعة: هي باب الكفر والشرك، فإذا نال منه البدعة، وجعله من أهلها، بقي أيضا نائبه وداعيا من دعاته.
    المرتبة الثالثة من الشر وهي الكبائر: على اختلاف أنواعها، فهو أشد حرصا على أن يوقعه فيها، ولاسيما إن كان عالما متبوعا لينفر الناس عنه
    المرتبة الرابعة المعاصي وهي الصغائر:التي إذا اجتمعت فربما أهلكت صاحبها كما قال النبي: (إِيَّاكُمْ وَمُحَقرأت الذُّنُوبِ، كَقَوْمٍ نَزَلُوا فِي بَطْنِ وَادٍ، فَجَاءَ ذَا بِعُودٍ، وَجَاءَ ذَا بِعُودٍ ،حَتَّى أَنْضَجُوا خُبْزَتَهُمْ، وَإِنَّ مُحَقرأت الذُّنُوبِ مَتَى يُؤْخَذْ بِهَا صاحبهَا تُهْلكْهُ) رواه أحمد
    المرتبة الخامسة وهي إشغاله بالمباحات: التي لا ثواب فيها ولا عقاب، بل عاقبتها فوت الثواب الذي ضاع عليه باشتغاله بها.
    المرتبة السادسة وهو أن يشغله بالعمل المفضول عما هو أفضل منه، ليزيح عنه الفضيلة ويفوته ثواب العمل الفاضل.
    فإن أعجزه العبد من هذه المراتب الست سلط عليه حزبه من الإنس والجن، بأنواع الأذى والتكفير والتضليل والتبديع والتحذير منه .
    قوله الذي يوسوس في صدور الناس :قال ابن تيمية: (فالذي يوسوس في صدور الناس: نفوسهم وشياطين الجنّ وشياطين الإنس، و"الوسواس الخناس" يتناول وسوسة الجنة ووسوسة الإنس). يقول الله (فوسوس لهما الشيطان ) وقال تعالى ( ونعلم ما توسوس به نفسه ) نعوذ بك من همزات الشياطين ودعاء ونعوذ بالله من وساوس الصدور
    فمصدر هذه الوساوس ثلاثة :
    1- الوساوس قد تكون من النفس فهناك وساوس تدعوا إلى المعاصي ومحبوبات النفس المحرمة شرعا ومصدرها النفس الامارة بالسوء وعلاجه الاستعاذة بالله من شر النفس والسيئات
    2- والوساوس تكون من الشيطان وهو يسكن في كل ذرة من ذرات الجسم ويجرة مجرى الدم وجاثم على القلب يحبب للناس الشر ويثبطهم عن الخير وعلاجه إذا احسسته فاستعذ بالله منه
    3- وهناك وساوس تكون من شياطين الانس عن طريق العين أو السمع
    وهناك وسواس قهري وهو مرض اغتنمه الشيطان في البداية حتى وصل إلى مرحله المرض وله عدة امثله
    المثال الاول في العبادات تكرار تكبيرة الاحرام أو ترديد الفاتحة أو تكرار غسل العضو
    الثاني في غير العبادات تكرار غلق الباب والنوافذ أو الغاز
    الثالث تكرار الهاجس انه باع أو طلق زوجته أو يحس انه دهس انسان
    المثال الرابع ترديد كلمات بسب الدين أو الخالق دون القدر على دفعها ويحس بالإثم وهو يختلف عن الضال المنحرف
    فالوسواس القهري الشيطان يغتنمه إذا وجد منه اغتنمه الشيطان . مكان الوسوسة الصدر والقلب ومن اصابه الوسواس يبادر إلى الاستعاذة بالله فانه سيذهب
    ويطرد الوسواس بأمرين: بالاستعاذة والأمر الثاني لا يتكلم ولا يعمل به فانه لا يضره . خواطر النفس حصلت للصحابة روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة، قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله ‏عليه وسلم فسألوه: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: ( وقد ‏وجدتموه؟" قالوا: نعم، قال: " ذاك صريح الإيمان". فلما كرة تلك الوساوس في جانب الله والرسول والدين كان ذلك صريح الإيمان اما إذا تكلم بها فهي تضرة
    قوله من الجنة والناس : ذكر ابن كثير في تفسيره :عن أبي ذر, أنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس قد أطال فيه الجلوس, قال فقال: يا أبا ذر, هل صلَّيت؟ قال قلت: لا يا رسول الله. قال: قم فاركع ركعتين. قال: ثم جئت فجلستُ إليه فقال: يا أبا ذر، هل تعوَّذت بالله من شرِّ شياطين الإنس والجن؟ قال قلت: يا رسول الله، وهل للإنس من شياطين؟ قال: نعم, شرٌّ من شياطين الجن ) رواه احمد.
    والخاتمة ذكر ابن القيم الحروز العشرة من الشيطان في بدائع الفوائد:
    (الحرز الاول) :الاستعاذة بالله من الشيطان قال تعالى: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}
    الحرز الثاني) : قراءة هاتين السورتين (الفلق ، والناس) فإن لهما تأثيرا عجيبا في الاستعاذة بالله تعالى من شره ودفعه والتحصن منه .ولهذا قال النبي ما تعوذ المتعوذون بمثلهما
    (الحرز الثالث) :قراءة أية الكرسي ففي الصحيح من حديث محمد -صلى الله عليه وسلم- بن سيرين عن أبي هريرة قال: "وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان فأتى آت فجعل يحثو من الطعام فأخذته فقلت لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث فقال: إذا اويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدقك وهو كذوب ذاك الشيطان" رواه البخاري
    الحرز الرابع) :قراءة سورة البقرة ففي الصحيح من حديث سهل عن عبد الله عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجعلوا بيوتكم قبورا وأن البيت الذي تقرأ فيه البقرة لا يدخله الشيطان " رواه مسلم والترمذي
    الحرز الخامس) :قراءة خاتمة سورة البقرة فقد ثبت في الصحيح من حديث أبي موسى الأنصاري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه " رواه البخاري ومسلم
    الحرز السادس) :اول سورة {حم} المؤمن إلى قوله تعالى: {إليه الْمَصِيرُ} مع آية الكرسي في الترمذي
    (الحرز السابع) : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ففي الصحيحين من حديث سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشرة رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر من ذلك " رواه البخاري ومسلم فهذا حرز عظيم النفع جليل الفائدة يسير سهل على من يسره الله تعالى عليه.
    (الحرز الثامن) :كثرة ذكر الله وهو من أنفع الحروز من الشيطان ففي الترمذي من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ".... وأمركم أن تذكروا الله فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سراعا حتى أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله
    (الحرز التاسع) :الوضوء والصلاة وهذا من أعظم ما يتحرز به منه ولا سيما عند توارد قوة الغضب والشهوة فإنها نار تغلي في قلب ابن آدم .. فما أطفأ العبد جمرة الغضب والشهوة بمثل الوضوء والصلاة فإنها نار والوضوء يطفئها والصلاة إذا وقعت بخشوعها والإقبال فيها على الله أذهبت أثر ذلك كله وهذا أمر تجربته تغني عن إقامة الدليل عليه
    (الحرز العاشر) : إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس فإن الشيطان إنما يتسلط على ابن آدم وينال منه غرضه من هذه الأبواب الأربعة .
    الحمد لله رب العالمين اولا وآخرا، وظاهرا وباطنا. ونسأله تعالى أن يتم نعمته، وأن يعفو عنا ذنوبا لنا حالت بيننا وبين كثير من بركاته، وخطايا وشهوات ذهبت بقلوبنا عن تدبر آياته. ونرجوه ونأمل منه أن لا يحرمنا خير ما عنده بشر ما عندنا، فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، ولا يقنط من رحمته إلا الضالون. وصلى الله وسلم على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلاما دائمين متواصلين أبد الاوقات، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
    تم تفسير جزيء تبارك وعم بعونه وحسن توفيقه، على يد جامعه وكاتبه، عبد الرحمن بن اليحيا التركي ، غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين في 14 جمادى الاخر1438هـ من هجرة محمد -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه وسلم . 
    ==========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه محمد وسلم وهب الله لك حسن الاستماع وأشعر ...