Translate

الجمعة، 18 فبراير 2022

الوسيط في المذهب/الجزء الثالث الوسيط في المذهب أبو حامد الغزالي{= كتاب الْعدَد = وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام عدَّة الطَّلَاق وعدة الْوَفَاة وعدة الإستبراء فِي ملك الْيَمين أما عدَّة الطَّلَاق فَفِيهَا بَابَانِ}



الوسيط في المذهب/الجزء الثالث الوسيط في المذهب أبو حامد الغزالي
 


= كتاب الْعدَد = وَفِيه ثَلَاثَة أَقسَام عدَّة الطَّلَاق وعدة الْوَفَاة وعدة الإستبراء فِي ملك الْيَمين أما عدَّة الطَّلَاق فَفِيهَا بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي عدَّة الْحَرَائِر وَالْإِمَاء وأصناف المعتدات وأنواع عدتهن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهِي ثَلَاثَة أَنْوَاع الْأَقْرَاء وَالْأَشْهر وَالْحمل فالحرة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء إِذا طلقت بعد الْمَسِيس ومقصود هَذِه الْعدة بَرَاءَة الرَّحِم وَلَكِن يَكْتَفِي بِسَبَب الشّغل وَلَا يشْتَرط عينه لِأَن ذَلِك خَفِي لَا يطلع عَلَيْهِ وَلذَلِك تجب الْعدة بِوَطْء الصَّبِي وبمجرد تغييبه الْحَشَفَة وَحَيْثُ علق طَلاقهَا بِيَقِين بَرَاءَة الرَّحِم وَمن دأب الشَّرْع فِي مظان التباس الْمعَانِي الْمَقْصُودَة ربط الْأَحْكَام بالأسباب الظَّاهِرَة كَمَا علق الْبلُوغ بالاحتلام وَالسّن لخفاء الْعقل وعلق الْإِسْلَام بكلمتي الشَّهَادَة مَعَ الْإِكْرَاه لخفاء العقيدة وَاعْلَم أَن الْحرَّة تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء وَالْأمة تَعْتَد بقرأين لِأَن الْقُرْء الْوَاحِد لَا

ينتصف فيكمل وَلَو عتقت قبيل الطَّلَاق فَهِيَ كَالْحرَّةِ وَإِن عتقت فِي الْقُرْأَيْنِ فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنَّهَا تستكمل إِذْ عتقت قبل الْفَرَاغ وَالثَّانِي لَا بل ينظر إِلَى حَالَة الْوُجُوب فيكفيها قرءان وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن كَانَت رَجْعِيَّة عدلت إِلَى عدَّة الْحَرَائِر وَإِن كَانَت بَائِنَة قنعت بقرأين فرع إِذا وطىء أمة على ظن أَنَّهَا حليلته الْحرَّة اعْتدت بِثَلَاثَة أَقراء على وَجه لِأَن للظن أثرا فِي الْعدة وعَلى وَجه يكفيها قرءان نظرا إِلَى حَقِيقَة الْحَال وَلَو وطىء حرَّة على ظن أَنَّهَا امة فَلَا خلاف أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أَقراء لِأَن الظَّن يُؤثر فِي الإحتياط وَاعْلَم أَن النسْوَة أَصْنَاف الْمُعْتَادَة والمستحاضة وَالَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا فِي أَوَان الْحيض وَالصَّغِيرَة والآيسة

الصِّنْف الأول الْمُعْتَادَة وعدتها ثَلَاثَة أَقراء على الْعَادة والأقراء هِيَ الْأَطْهَار عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله هِيَ الْحيض وَاخْتلف الْعلمَاء فِيهِ وَاسْتشْهدَ كل فريق بِدلَالَة وَالَّذِي صَحَّ عِنْد الْمُحَقِّقين أَن الشواهد متعارضة وَأَن الْقُرْء فِي اللُّغَة مُشْتَرك بَين الطُّهْر وَالْحيض كالجون مُشْتَرك بَين الضَّوْء والظلمة وَقد قَالَ الشَّاعِر ... لما ضَاعَ فِيهَا من قُرُوء نسائكا

وَإِنَّمَا يضيع الطُّهْر وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دعِي الصَّلَاة أَيَّام أَقْرَائِك وَهِي أَيَّام الْحيض لَو كن تعلق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بقوله تَعَالَى {فطلقوهن لعدتهن} فَقَالَ الْأَمر يتَنَاوَل الطَّلَاق السّني وَهُوَ الَّذِي فِي الطُّهْر فَيَنْبَغِي أَن يستعقب الإحتساب بالعدة وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذا طلقت فِي الطُّهْر لم تحتسب بَقِيَّة الطُّهْر كَمَا أَنَّهَا لَو طلقت فِي الْحيض لم تحتسب عندنَا مُدَّة الْحيض وَيشْهد لَهُ أَن مَقْصُود الْعدة الْعُزْلَة عَن الزَّوْج وَلَقَد كَانَت فِي مُدَّة الْحيض معتزلة فِي صلب النِّكَاح فجدير أَن يكون الطُّهْر هُوَ ركن الْعدة فَنَقُول لَو قَالَ أَنْت طَالِق قبيل آخر جُزْء من الطُّهْر فالجزء الْأَخير يحْسب قرءا وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول آخر أَن الْقُرْء هُوَ الإنتقال من الطُّهْر إِلَى الْحيض فَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَن يجمع لكَون الإسم مُطلقًا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ولانه يُقَال قَرَأَ

النَّجْم إِذا طلع وَقَرَأَ إِذا عزب وَهُوَ مشْعر بالإنتقال والجديد هُوَ الأول وَتظهر فَائِدَة الْقَوْلَيْنِ فِيمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق فِي آخر جُزْء من الطُّهْر حصل بالإنتقال قرء على هَذَا القَوْل وَلم يحصل على الْجَدِيد بل لَا بُد من ثَلَاثَة أطهار بعد الطَّلَاق وَهَذَا فِي طهر محتوش بدمين أما طهر الصَّغِيرَة هَل هُوَ قرء فِيهِ خلاف من حَيْثُ إِنَّه طهر وَلَكِن لم يتقدمه حيض فعلى هَذَا لَو طلق الصَّغِيرَة فَحَاضَت قبل الْأَشْهر فعلَيْهَا ثَلَاثَة أطهار بعد الْحيض وَلَو قَالَ للصغيرة أَنْت طَالِق ثَلَاثًا فِي كل قرء طَلْقَة وَقعت فِي الْحَال وَاحِدَة إِن قُلْنَا إِنَّه قرء وَإِلَّا فَلَا يَقع حَتَّى تطهر بعد الْحيض وَكَذَلِكَ يظْهر أثر الْخلاف فِي دَعْوَاهَا انْقِضَاء الْعدة وَمُدَّة الْإِمْكَان فِيهِ وَمِمَّا لَا بُد من التنبه لَهُ أَن الطُّهْر الْأَخير إِنَّمَا يتَبَيَّن كَمَاله بِالشُّرُوعِ فِي الْحيض الَّذِي بعده وَالظَّاهِر أَنه يَكْتَفِي بلحظة وَاحِدَة وَنقل الْبُوَيْطِيّ رَحمَه الله عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة حَتَّى يتَبَيَّن أَنه لَيْسَ بِدَم فَسَاد وَمن الْأَصْحَاب من حمل ذَلِك على الإحتياط وَقطع النّظر باللحظة وَمِنْهُم من قَالَ فِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن رَأَتْ على الْعَادة فاللحظة تَكْفِي وَإِن رَأَتْ قبل ذَلِك فَلَا بُد من يَوْم وَلَيْلَة ثمَّ لَا خلاف أَنه لَيْسَ من الْعدة وَإِنَّمَا هُوَ للتبيين الصِّنْف الثَّانِي المستحاضات

وَلها ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن كَون مُمَيزَة أَو حافظة للْعَادَة وَالْوَقْت فَترد إِلَى التَّمْيِيز أَو الْعَادة وَلَا يخفى أمرهَا فَإِن كَانَت مُبتَدأَة أَو ناسية للْعَادَة وَالْوَقْت فيكتفي مِنْهَا بِثَلَاثَة أشهر إِذْ الشَّهْر الْوَاحِد يَدُور فِيهِ الْحيض وَالطُّهْر غَالِبا ثمَّ إِن طلقت فِي آخر الشَّهْر يكفيها ثَلَاثَة أشهر بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ فِي وسط الشَّهْر فَكَانَ الْبَاقِي أَكثر من خَمْسَة عشر يَوْمًا يكفيها بَقِيَّة الشَّهْر وشهران بِالْأَهِلَّةِ وَإِن كَانَ أقل فَفِيهِ خلاف لأجل اضْطِرَاب النَّص وَمن لَا يحْتَسب بِهِ يَقُول يحْتَمل أَن يكون جَمِيع بَقِيَّة الشَّهْر حيضا وَمن يحْتَسب يَقُول أَن الطُّهْر يَقع آخر الشَّهْر وَالْحيض مَعَ أول الشَّهْر حَتَّى قَالُوا يحْسب بَقِيَّة الشَّهْر قرءا وَإِن لم يبْق إِلَّا يَوْم وَلَيْلَة وَهَذَا تحكم يُخَالف الْوُجُود فَإِن قيل على قَول الإحتياط فِي الْمُسْتَحَاضَة لم يكتف بِثَلَاثَة أشهر وَيحْتَمل أَن يزِيد الطُّهْر على ثَلَاثَة أشهر فَلم لَا يحْتَاط فِي الْعدة قُلْنَا ذكر صَاحب التَّقْرِيب وَجها أَنَّهَا تُؤمر بالإحتياط والتربص إِلَى سنّ الْيَأْس أَو أَربع سِنِين أَو تِسْعَة أشهر كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي الْحيض وَهُوَ مُتَّجه إِذْ الِاحْتِيَاط للنِّكَاح أهم وَلَكِن رُبمَا يفرق بِأَن حكم الْعِبَادَات مَقْصُور عَلَيْهَا وَالْعدة تَقْتَضِي السُّكْنَى وَالرَّجْعَة فيبعد أَن تتمادى وَيُمكن أَن يُقَال لَا رَجْعَة وَلَا سُكْنى إِلَّا فِي ثَلَاثَة أشهر وَيبقى تَحْرِيم النِّكَاح تعبدا عَلَيْهَا وَلَكِن الضرار يعظم فِيهِ فَلذَلِك يبعد قَول الإحتياط هَا هُنَا من وَجه الصِّنْف الثَّالِث الصَّغِيرَة وعدتها بِالْأَشْهرِ إِلَى أَن تحيض وَلَا مبالاة برؤيتها

الدَّم قبل تَمام تسع سِنِين فَإِن ذَلِك لَيْسَ بحيض وَلَو طلقت فرأت الدَّم بعد مُضِيّ ثَلَاثَة أشهر فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإستئناف وَإِن كَانَ قبل تَمام الشَّهْر استأنفت الْعدة بِالْأَقْرَاءِ فَإِنَّهَا الأَصْل وَمَا مضى من الطُّهْر هَل يحْسب قرءا فعلى الْخلاف الْمَذْكُور فَأَما الآيسة إِذا حَاضَت فيحسب لَهَا بَقِيَّة الطُّهْر قرءا لِأَن طهرهَا محتوش بدمين وَإِن طَال بهَا الْعَهْد وَمهما انْكَسَرَ الشَّهْر الأول يتمم بِثَلَاثِينَ من الشَّهْر الْأَخير وَيَكْفِي شَهْرَان آخرَانِ بِالْأَهِلَّةِ وَفِيه وَجه مثل مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه إِذا انْكَسَرَ شهر فقد انْكَسَرَ الْجَمِيع فَلَا بُد من تسعين يَوْمًا وَالْعدة بِالْأَشْهرِ لَا تكون إِلَّا فِي الصَّغِيرَة والأيسة وَهُوَ أحد نَوْعي الْعدة وَهَذَا كُله فِي الْحرَّة فَأَما الْأمة الْمَنْكُوحَة فَإِنَّهَا تَعْتَد بقرأين عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لِأَن الْقُرْء لَا ينتصف كَمَا يملك العَبْد طَلْقَتَيْنِ وَالْعدة بِالنسَاء فَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنه تَعْتَد بِشَهْر وَنصف لِأَنَّهُ يقبل التجزئة وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بشهرين بَدَلا عَن الْقُرْأَيْنِ فَإِنَّهُمَا قد تأصلا فَلَا ينظر إِلَى السَّبَب

وَقد نَص فِي أم وَالْولد إِذا أعتقت على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يكفيها شهر وَاحِد بَدَلا عَن قرء وَاحِد فِي الإستبراء وَالثَّانِي أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطبع من عَلامَة الْبَرَاءَة لَا يخْتَلف بِالرّقِّ فَيخرج من هَذَا قَول ثَالِث فِي الْمَنْكُوحَة أَنَّهَا تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر الصِّنْف الرَّابِع الَّتِي تَبَاعَدت حَيْضَتهَا نظر فَإِن تَأَخَّرت حَيْضَتهَا من الصغر فَلم تَحض أصلا فعدتها بِالْأَشْهرِ لعُمُوم قَوْله تَعَالَى {واللائي لم يحضن} وَإِن حَاضَت ثمَّ تَأَخّر إِن كَانَ بِمَرَض ظَاهر أَو رضَاع فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا تربص الْحيض أَو سنّ الْيَأْس فَعِنْدَ سنّ الْيَأْس تَعْتَد بِالْأَشْهرِ أما إِذا لم يكن الإنقطاع لعِلَّة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال الْجَدِيد أَنَّهَا تصبر إِلَى سنّ الْيَأْس كَمَا إِذا كَانَ لعِلَّة لِأَن الْأَشْهر ورد فِي الْقُرْآن فِي اللائي لم يحضن واللائن يئسن من الْمَحِيض وَلَيْسَت من الْقسمَيْنِ وَلِأَن الْحيض لَا يَنْقَطِع إِلَّا لعِلَّة وَإِن خفيت وَفِي الْعلَّة تربص قطعا فَإِن فِيهِ مَذْهَب عُثْمَان وَزيد وَعلي رَضِي الله عَنْهُم فِي زَوْجَة حبَان بن منقذ فِي مثل هَذِه الْحَالة وَفِيه

أَيْضا مَذْهَب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَالْقَوْل الثَّانِي أَنَّهَا تستضر بِالصبرِ إِلَى سنّ الْيَأْس فتتربص تِسْعَة أشهر لتتبين عدم الْحمل ثمَّ تَعْتَد بعده بِثَلَاثَة أشهر للتعبد وَهُوَ قَول قديم قلد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِيهِ مَذْهَب عمر رضوَان الله عَلَيْهِ وَالْقَوْل الثَّالِث أَنَّهَا تَتَرَبَّص لنفي الْحمل أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بِثَلَاثَة أشهر وَالْقَوْلَان الأخيران قديمان ويلتقيان على الْمصلحَة التَّفْرِيع إِن قُلْنَا تَتَرَبَّص تِسْعَة أشهر ثمَّ ثَلَاثَة فَلَو فعلت ونكحت ثمَّ حَاضَت فَالنِّكَاح مُسْتَمر لاتصاله بِالْمَقْصُودِ وَلَو حَاضَت قبل تَمام التِّسْعَة بَطل التَّرَبُّص وانتقلت إِلَى الْأَقْرَاء وَإِن لم يعاودها وَجب عَلَيْهَا اسئتناف التِّسْعَة لِأَن مَا سبق كَانَ للإنتظار وَقد بَطل فَلَا يقنع حُصُول الْبَرَاءَة فَإِن التَّعَبُّد أغلب على الْعدة أما إِذا حَاضَت بعد الشُّرُوع فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة وَرَاء التِّسْعَة ثمَّ لم يعاودها الدَّم فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف التَّرَبُّص بالتسعة وَلَكِن مَا سبق من مُدَّة الْعدة فِي الْأَشْهر الثَّلَاثَة هَل تحسب حَتَّى

تبني عَلَيْهِ الْبَاقِي أَو تسْتَأْنف كَمَا تسْتَأْنف التِّسْعَة فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْبناء أَن الإنتظار هُوَ الَّذِي يبطل بطرآن الْحيض أما مَا وَقع الِاعْتِدَاد بِهِ من صلب الْعدة فَلَا التَّفْرِيع إِن أمرنَا باستئناف الْكل فَلَا كَلَام وَإِن قضينا بِالْبِنَاءِ فَفِي كيفيته وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يتم بِثَلَاثَة أشهر بِالْحِسَابِ وَالثَّانِي أَن مَا مضى يحْسب قرءا لِأَنَّهُ طَرَأَ الْحيض عَلَيْهِ ويكفيه شَهْرَان وَإِن لم يمض من الْأَشْهر قبل الْحيض إِلَّا يَوْم وَاحِد وَهَذَا بعيد لِأَنَّهُ جمع بَين الْبَدَل والمبدل فِي عدَّة وَاحِدَة وَهَذَا لَا نَظِير لَهُ فِي الأبدال أما إِذا رَأَتْ الدَّم بعد مُضِيّ الْمَرَّتَيْنِ وَقبل النِّكَاح فالمنصوص أَنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن الْبَدَل لم يتَّصل بِالْمَقْصُودِ وَكَذَا تَتَرَبَّص فِي انْتِظَار الدَّم وَقد وجد وَمن أَصْحَابنَا من قَالَ الْحيض بعد الْفَرَاغ كالحيض بعد النِّكَاح فَلَا أثر لَهُ وكل هَذِه التفريعات جَارِيَة أَيْضا على قَوْلنَا إِنَّه تَتَرَبَّص أَربع سِنِين وَإِنَّمَا يخْتَلف الْمِقْدَار أما إِذا فرعنا على الْجَدِيد وَهُوَ التَّرَبُّص إِلَى سنّ الْيَأْس فَفِي سنّ الْيَأْس قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه أقْصَى مُدَّة يأس امْرَأَة فِي دهرها مِمَّا يعرف فِي الصرود والجروم الَّذِي يبلغ حَده فَإِن سَائِر الْعَالم لَا يُمكن طوفه وَالثَّانِي تعْتَبر نسَاء عشرتها من جَانب الْأُم وَالْأَب وَمن أَصْحَابنَا من ذكر وَجْهَيْن ضعيفين أَحدهمَا النّظر إِلَى نسَاء الْعَصَبَات دون جَانب الْأُم كَمَا فِي مهر الْمثل وَالثَّانِي النّظر إِلَى نسَاء الْبَلدة لِأَن للهواء تَأْثِيرا فِيهِ فرع على هَذَا القَوْل لَو رَأَتْ الدَّم بعد الْوُصُول إِلَى سنّ الْيَأْس لَا يَخْلُو إِمَّا أَن ترى قبل مُضِيّ الْأَشْهر أَو بعْدهَا فَإِن كَانَ قبله انْتَقَلت إِلَى الْأَقْرَاء لِأَن ذَلِك حيض بالإتفاق فَإِن لم يعاودها فترجع إِلَى الْأَشْهر وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تَعْتَد بِتِسْعَة أشهر ثمَّ بِثَلَاثَة أشهر لِأَن الْيَأْس قد بَطل بطرآن الْحيض وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَنه يكفيها ثَلَاثَة أشهر فَإِنَّهَا الْآن آيسة إِذْ لم يعاودها الدَّم لَكِن نقطع على هَذَا القَوْل بِوُجُوب اسْتِئْنَاف تَمام الْأَشْهر الثَّلَاث دون الْبناء

لأَنا فِي هَذَا القَوْل نتشوف إِلَى الْيَقِين وَلَا يبْقى ذَلِك مَعَ طرآن الْحيض بِخِلَاف التَّفْرِيع على القَوْل الْقَدِيم أما إِذا رَأَتْ بعد الْأَشْهر فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَن الْعدة بطلت سَوَاء رَأَتْ بعد النِّكَاح أَو قبله لِأَن مُطلق بِنَاء الْيَقِين على هَذَا القَوْل وَقد فَاتَ بِالْحيضِ وَالثَّانِي أَنه إِن كَانَ قبل النِّكَاح استأنفت الْأَشْهر وَإِن كَانَ بعد النِّكَاح فَلَا ينقص الحكم وَالثَّالِث أَنه لَا يجب الإستئناف فِي الْحَالَتَيْنِ لِأَن الْأَشْهر قد تمت وَحصل الْحل فَلَا ينظر إِلَى مَا بعده ويلتفت هَذَا على الْخلاف فِي المعضوب إِذا حج عَنهُ ثمَّ زَالَ العضب نَادرا أَنه هَل يجب الإستئناف

النَّوْع الثَّانِي الْمُعْتَدَّة بِالْأَشْهرِ وَذَلِكَ فِي الصبية والآيسة وَقد ذَكرْنَاهُ

النَّوْع الثَّالِث عدَّة الْحَامِل وَفِيه فصلان الأول فِي شُرُوطه وَلَا تَنْقَضِي الْعدة إِلَّا بِوَضْع حمل تَامّ من الزَّوْج فهما شَرْطَانِ الأول أَن يكون من الزَّوْج أَو مِمَّن مِنْهُ الْعدة فَلَو مَاتَ الصَّبِي أَو فسخ نِكَاحه فَولدت زَوجته من الزِّنَا لم تنقض بِهِ الْعدة عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَكَذَلِكَ زَوْجَة الْمَمْسُوح وكل ولد منفي عَن الزَّوْج قطعا

أما الْحمل الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ فتنقضي الْعدة بِوَضْعِهِ لِأَن القَوْل فِي الْعدة قَوْلهَا وَهِي تَقول إِنَّه من الزَّوْج فرعان أَحدهمَا لَو قَالَ إِذا ولدت فَأَنت طَالِق فَولدت وشرعت فِي الْعدة فَأَتَت بِولد آخر بعد سِتَّة أشهر من الْولادَة الأولى فَفِي انْقِضَاء الْعدة بِهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا تَنْقَضِي لِأَنَّهُ منفي عَن الزَّوْج وَالثَّانِي تَنْقَضِي لِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون من وَطْء شُبْهَة من الزَّوْج بعد الْولادَة الأولى فَهُوَ كالمنتفي بِاللّعانِ وَالثَّالِث أَنَّهَا إِن ادَّعَت وطئا مُحْتَرما على الزَّوْج بعد الْولادَة انْقَضتْ الْعدة وَإِن كَانَ القَوْل قَوْله فِي نفي الْوَلَد وَلَكِن الإحتمال لَا يَنْقَطِع بِهِ وَإِن لم تدع لم تنقض الثَّانِي إِذا نكح حَامِلا من الزِّنَا ثمَّ طَلقهَا وَهِي ترى الأدوار وَقُلْنَا إِن دم الْحَامِل دم فَسَاد فَلَا أثر لَهُ وَإِن قُلْنَا إِنَّه حيض فَهَل تَنْقَضِي الْعدة بِهِ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَن حمل الزِّنَا لَا يُؤثر فِي الْعدة فَينْظر إِلَى الْأَقْرَاء وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَقْرَاء تُؤثر حَيْثُ تدل على الْبَرَاءَة وَهَذَا لَا يدل عَلَيْهِ فعلَيْهَا اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد وضع الْحمل الشَّرْط الثَّانِي وضع الْحمل التَّام وَيخرج عَلَيْهِ ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت حَامِلا بتوأمين لَا تَنْقَضِي الْعدة بِوَضْع الأول حَتَّى تضع الثَّانِي وأقصى مُدَّة بَين التوأمين سِتَّة أشهر فَمَا جَاوز ذَلِك فَهُوَ حمل آخر الثَّانِيَة لَو انْفَصل بعض الْوَلَد لم تنقض الْعدة حَتَّى ينْفَصل بِكَمَالِهِ وَحكم الْمُنْفَصِل بعضه حكم الْجَنِين فِي الْغرَّة وَنفي الْإِرْث وتسرية الْعتْق إِلَيْهِ من الْأُم وَبَقَاء الرّجْعَة وَالْعدة والتبعية فِي الْهِبَة وَالْبيع وَغَيرهمَا وعزي إِلَى الْقفال أَنه إِذا صرخَ واستهل فقد تَيَقنا وجوده فَلهُ حكم الْمُنْفَصِل إِلَّا فِي الْعدة فَإِن بَرَاءَة الرَّحِم تحصل بانفصاله الثَّالِثَة لَو أجهضت جَنِينا ظهر عَلَيْهِ التخطيط وَالصُّورَة فَهُوَ تَامّ وتنقضي بِهِ الْعدة وَإِن كَانَت الصُّورَة بِحَيْثُ لَا يُدْرِكهَا إِلَّا القوابل فَإِن كَانَت علقَة فَلَا حكم لَهَا إِذْ لَا نتيقن أَنه أصل الْوَلَد

وَإِن كَانَ لَحْمًا وَلم يظْهر عَلَيْهِ تخطيط للقوابل فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على انْقِضَاء الْعدة وَنَصّ على أَن الإستيلاد لَا يحصل بِهِ وَلَا غرَّة فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَمِنْهُم من فرق بَينهمَا بِأَن الْعدة فِي الْكتاب تتَعَلَّق بِوَضْع الْحمل وَهَذَا حمل والإستيلاد يتَعَلَّق بِالْوَلَدِ وَهَذَا لَيْسَ بِولد والغرة بدل مَوْلُود وَهَذَا لَيْسَ بمولود

الْفَصْل الثَّانِي فِي ظُهُور أثر الْحمل وَحَقِيقَته بعد الإعتداد بِالْأَقْرَاءِ وَفِيه مسَائِل الأولى الْمُعْتَدَّة بِالْأَقْرَاءِ إِذا ارتابت وتوهمت حملا بعد تَمام الْأَقْرَاء فَإِن كَانَت بِحَيْثُ يحكم فِي الظَّاهِر بِأَنَّهَا حَامِل فَيحرم عَلَيْهَا النِّكَاح وَلَو استشعرت ثقلا وتوهمت فَهِيَ المرتابة فَلَو نكحت قبل زَوَال الرِّيبَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي الْمُخْتَصر أَن النِّكَاح مَوْقُوف وَنَصّ فِي مَوضِع آخر أَنه بَاطِل فَمن أَصْحَابنَا من قطع بِالصِّحَّةِ إِذْ بَان الحيال لِأَنَّهُ بني على سَبَب ظَاهر وهوالعدة فَلَا أثر للتَّحْرِيم بريبة وَلَا أصل لَهَا وَمِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَاخْتلفُوا فِي أَصله فَقيل إِن أَصله قولا وقف الْعُقُود كَمَا لَو بَاعَ مَال أَبِيه على ظن أَنه حَيّ فَإِذا هُوَ ميت وَقيل هَذَا فَاسد لِأَنَّهُ غير مَبْنِيّ على أصل بل مأخذه الْقَوْلَانِ فِي أَن من شكّ فِي عدد الرَّكْعَات بعد الْفَرَاغ هَل يلْزمه التَّدَارُك وَهَذَا الْقَائِل يفرق بَين إِن شكّ قبل تَمام الْأَقْرَاء أَو بعده وَالْقَائِل الأول لَا يفرق

الثَّانِيَة إِذا اعْتدت بِالْأَقْرَاءِ وَلم تنْكح فَأَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الزَّوْج ألحق بِهِ وأقصى مُدَّة الْحمل عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَربع سِنِين وَعند أبي حنيفَة رَحمَه الله سنتَانِ والأربع تحسب من وَقت الطَّلَاق إِن كَانَ بَائِنا وَإِن كَانَ رَجْعِيًا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا من وَقت الطَّلَاق وَالثَّانِي من وَقت انْقِضَاء الْعدة لِأَن الرَّجْعِيَّة فِي حكم زَوْجَة فعلى هَذَا لَو أَتَت بِولد لعشر سِنِين مثلا من وَقت الطَّلَاق لحق بِهِ لِأَن الْعدة يتَصَوَّر أَن تطول بتباعد الْمدَّة وَنحن نكتفي بالإحتمال وَمِنْهُم من استعظم هَذَا فَقَالَ لَا نزيد فِي الْعدة على ثَلَاثَة أشهر نضيفها إِلَى أَربع سِنِين فَإِنَّهُ الْغَالِب إِلَّا أَن مَا قَالَه لَا يَنْفِي

الإحتمال فَلَا وَجه لَهُ الثَّالِثَة إِذا نكحت ثمَّ أَتَت بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون من الأول وَمن الثَّانِي جَمِيعًا ألحق بِالثَّانِي لِأَن فرَاش الثَّانِي نَاسخ للْأولِ فَلَا سَبِيل إِلَى إبِْطَال نِكَاح جرى على الصِّحَّة أما إِذا كَانَ النِّكَاح فَاسِدا بِأَن جرى فِي أثْنَاء الْعدة بِأَن ظن انقضاءها فَيعرض الْوَلَد على الْقَائِف فَإِن ذَلِك كَوَطْء شُبْهَة وَلَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال نِكَاح صَحِيح ثمَّ الْفراش الَّذِي يبْنى عَلَيْهِ احْتِمَال الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هُوَ الْوَطْء أَو مُجَرّد العقد فِيهِ خلاف وَالظَّاهِر أَنه بِالْوَطْءِ وَلَا يلْحقهُ بِمُجَرَّد العقد وَكَذَلِكَ الْخلاف فِي انْقِطَاع هَذَا الْفراش بِالتَّفْرِيقِ أَو بآخر وَطْأَة ويلتفت هَذَا على أَن الْعدة هَل تَنْقَضِي مَعَ مجالسة الزَّوْج زَوجته وَعَلِيهِ يخرج أَن لُحُوق الْوَلَد فِي النِّكَاح الْفَاسِد هَل يقف على الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَإِن أحوجناه إِلَى الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ فَالظَّاهِر أَنه لَا يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء بل بِاللّعانِ وَفِيه وَجه أَنه كملك الْيمن الرَّابِعَة فِي النزاع فَلَو قَالَ طلقت بعد الْولادَة فلي الرّجْعَة فَإنَّك مُعْتَدَّة فَقَالَت بل طلقت قبل الْولادَة فَالْقَوْل قَوْله فِي وَقت الطَّلَاق سَوَاء كَانَ وَقت الْولادَة معينا بالإتفاق أَو مُبْهما

وَلَو اتفقَا على وَقت الطَّلَاق وَاخْتلفَا فِي وَقت الْولادَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَنَّهَا مؤتمنة على مَا فِي رَحمهَا لَو اتفقَا على الْإِشْكَال فَالْأَصْل بَقَاء سُلْطَان الرّجْعَة واستمرار النِّكَاح وَإِن جزمت الدَّعْوَى فَقَالَ لَا أَدْرِي فَعَلَيهِ أَن يحلف جزما أَو تنكل حَتَّى ترد الْيَمين عَلَيْهَا وَلَو جزم الدَّعْوَى وَقَالَت لَا أَدْرِي فالزوج على الإرتجاع وَهِي مدعية فَلَا تسمع الدَّعْوَى مَعَ الشَّك

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تدَاخل العدتين عِنْد تعدد سَببه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالسَّبَب إِمَّا الْوَطْء وَإِمَّا الطَّلَاق أما الْوَطْء فتعدده إِمَّا من شَخْصَيْنِ وَإِمَّا من شخص وَاحِد أما من شخص وَاحِد فَهُوَ أَن يطلقهَا ثمَّ يَطَؤُهَا بِالشُّبْهَةِ فتتداخل العدتان إِذا اتفقتا بِأَن لم يكن إحبال وَكَانَت من ذَوَات الْأَشْهر أَو الْأَقْرَاء فَتعْتَد بِثَلَاثَة أشهر أَو ثَلَاثَة أَقراء فتنقضي العدتان وَلَو كَانَ قد انْقَضى قرءان فَوَطِئَهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء واندرج الْقُرْء الثَّالِث فِي الْقُرْء الأول حَتَّى تتمادى الرّجْعَة إِلَى انْقِضَاء هَذَا الْقُرْء ثمَّ لَا رَجْعَة فِي الْقُرْأَيْنِ الباقيين لانهما من الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَمعنى التَّدَاخُل أَن الْقُرْء الأول الْمُشْتَرك تأدت بِهِ عدتان أما إِذا اخْتلفت العدتان بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَفِي تداخلهما وَجْهَان مشهوران أَحدهمَا أَن التَّدَاخُل كالمتفقتين وَالثَّانِي لَا لِأَن الإندراج والتداخل يَلِيق بالمتجانسات فَإِن قُلْنَا بالتداخل فَسَوَاء طَرَأَ الْحمل على الْوَطْء أَو طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل فتتمادى

الرّجْعَة وَالْعدة إِلَى وضع الْحمل وتنقضي الْعدة بِهِ وَإِن قُلْنَا لَا تتداخل نظر فَإِن طَرَأَ الْوَطْء على الْحمل انْقَضتْ عدَّة الطَّلَاق بِالْوَضْعِ وانقطعت الرّجْعَة واستأنفت الْأَقْرَاء بعده للْوَطْء وعَلى هَذَا لَو كَانَت ترى الدَّم أَيَّام الْحمل قَالَ القَاضِي وَالشَّيْخ أَبُو حَامِد تَنْقَضِي بهَا عدَّة الْوَطْء إِذا قُلْنَا إِنَّه حيض وَيُؤَدِّي إِلَى انْقِضَاء عدتين مختلفتين فِي زمَان وَاحِد لجَرَيَان الصُّورَتَيْنِ وعللوا بِأَن سَبَب لُزُوم الْأَقْرَاء مُجَرّد التَّعَبُّد وَلَا تشْتَرط الْبَرَاءَة وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد كَونهَا فِي مَظَنَّة الدّلَالَة على الْبَرَاءَة لَا بُد مِنْهُ إِذْ بِهِ يحصل التَّعَبُّد فَلَا بُد من اسْتِئْنَاف الْأَقْرَاء بعد الْوَضع أما إِذا كَانَت حَائِلا فِي عدَّة الطَّلَاق فأحبلها بِالْوَطْءِ انْقَطع عدَّة الطَّلَاق لِأَن الْحَبل أقوى فَإِذا وضعت رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الطَّلَاق وَثبتت الرّجْعَة وَسَائِر أَحْكَامهَا من الْمِيرَاث وَغَيره فِي تِلْكَ الْبَقِيَّة وَهل تثبت قبل الْوَضع فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهَا لَيست فِي عدَّة الطَّلَاق وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تعرض للرجعة وملتزمة لَهَا فِي الْمُسْتَقْبل فيبعد الْإِبَانَة فِي الْحَال ثمَّ الْعود إِلَى الرّجْعَة فعلى هَذَا لم يتَغَيَّر بِمَا طَرَأَ إِلَّا طول الْمدَّة وَإِلَّا فَهِيَ رَجْعِيَّة على الدَّوَام إِلَى انْقِضَاء العدتين

ثمَّ مهما رَاجعهَا أَو جدد النِّكَاح عَلَيْهَا انْقَطَعت العدتان جَمِيعًا أما إِذا كَانَ من شَخْصَيْنِ بِأَن طَلقهَا فَوَطِئَهَا بِالشُّبْهَةِ غَيره لم تتداخل العدتان عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن التَّعَبُّد فِي حق الزَّوْج بالعدة يَتَعَدَّد عِنْد تعددهما ثمَّ ينظر فَإِن كَانَتَا متفقتين ينظر فَإِن سبق الطَّلَاق الْوَطْء استمرت عدَّة الزَّوْج وَالرَّجْعَة إِلَى تَمام ثَلَاثَة أَقراء ثمَّ بَانَتْ واستفتحت عدَّة الْوَطْء وَلم يكن لَهُ تَجْدِيد النِّكَاح بعد شروعها فِي عدَّة الشُّبْهَة وَهل لَهُ قبل ذَلِك إِن كَانَت بَائِنَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهَا لَيست إِلَّا فِي عدته وَالثَّانِي لَا لِأَن لُزُوم الْعدة عَن الشُّبْهَة كوجودها لِأَنَّهُ لَو نَكَحَهَا لم يحل لَهُ

وَطْؤُهَا وَالرَّجْعَة تحْتَمل ذَلِك وَلَا يحْتَملهُ النِّكَاح كَمَا فِي الْمُحرمَة وَأما إِذا وطِئت فشرعت فِي الْعدة وَطَلقهَا فَفِي الإنتقال إِلَى عدَّة الطَّلَاق وَجْهَان أَحدهمَا أَنَّهَا تنْتَقل لِأَن عدَّة الطَّلَاق أقوى وَالثَّانِي تستمر لِأَن السَّابِق أولى فَإِن قُلْنَا بالإنتقال رجعت إِلَى بَقِيَّة عدَّة الشُّبْهَة عِنْد تَمام عدَّة النِّكَاح وَإِن قُلْنَا تستمر استأنفت عدَّة النِّكَاح بعد عدَّة الشُّبْهَة وَثبتت الرّجْعَة فِيهَا وَفِي ثُبُوتهَا قبل ذَلِك الْخلاف السَّابِق أما إِذا كَانَتَا مختلفتين بِأَن كَانَ إِحْدَاهمَا بِالْحملِ فَعِنْدَ هَذَا يبطل النّظر إِلَى السَّبق وَتقدم عدَّة الْحمل ثمَّ النّظر فِي كَيْفيَّة الرّجْعَة وَانْقِطَاع الْعدة والإنتقال مِنْهُمَا ذَكرْنَاهُ فِي العدتين المختلفتين من شخص وَاحِد حَيْثُ قُلْنَا إنَّهُمَا لَا يتداخلان نعم هَذَا يُفَارِقهُ فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَنه لَو رَاجعهَا وَكَانَت حَامِلا من الْأَجْنَبِيّ لم يحل الْوَطْء فَإِن كَانَت

حَامِلا مِنْهُ وَقد بقيت عَلَيْهَا عدَّة الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ فَفِي جَوَاز الْوَطْء وَجْهَان جاريان فِي وَطْء الْحَامِل من النِّكَاح بعد أَن وطِئت بِالشُّبْهَةِ أَحدهمَا الْجَوَاز إِذْ لَيست فِي عدَّة الشُّبْهَة مَا لم تضع حمل الزَّوْج وَالثَّانِي لَا لوُجُوب الْعدة الْأَمر الثَّانِي أَنَّهَا لَو كَانَت ترى صُورَة الْأَقْرَاء مَعَ الْحمل فالمصير إِلَى انْقِضَاء الْعدة بهَا مَعَ تعدد الشَّخْص بعيد وَقيل يطرد ذَلِك هَا هُنَا كَمَا فِي شخص وَاحِد الْأَمر الثَّالِث أَنه لَو أَرَادَ أَحدهمَا نِكَاحهَا وَهِي مُلَابسَة عدَّة غَيره لم يجز وَإِن كَانَت حَامِلا من الزَّوْج فنكحها وَهِي متعرضة لعدة الشُّبْهَة لَكِن بعد الْوَضع فصحة النِّكَاح تبنى على حل الْوَطْء فِي مثل هَذِه الْحَالة وَمِنْهُم من قَالَ وَإِن قُلْنَا بِالْحلِّ فَذَلِك فِي دوَام النِّكَاح أما ابْتِدَاء النِّكَاح فَلَا يحل مَعَ لُزُوم عدَّة الشُّبْهَة هَذَا كُله فِي عدَّة الْمُسلمين أما الحربيون فقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن الْحَرْبِيّ إِذا طلق زَوجته فَوَطِئَهَا حَرْبِيّ فِي نِكَاح وَطَلقهَا فَلَا يجمع عَلَيْهَا بَين العدتين فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ قَولَانِ وَوجه الْفرق أَن التَّعَبُّد فِي حق الْحَرْبِيّ لَا يتَأَكَّد فَكَأَن أهل الْحَرْب كلهم شخص وَاحِد فتتداخل وَمِنْهُم من قطع بِالْفرقِ وَفرق بِأَن حق الْحَرْبِيّ يتَعَرَّض للإنقطاع بالالستيلاد فاستيلاد الثَّانِي يقطع حق الْحَرْبِيّ الأول فَإِن قيل مَا ذكرتموه فِي عدَّة الْحمل إِنَّمَا يَسْتَقِيم إِذا علم أَن الْحمل من أَحدهمَا فَإِن احْتمل أَن يكون مِنْهُمَا فَكيف السَّبِيل قُلْنَا إِذا وضع عرض

على الْقَائِف فَإِذا ألحق بِأَحَدِهِمَا حكم بِانْقِطَاع عدته دون الثَّانِي وَإِن لم يكن قائف أَو شكل عَلَيْهِ يقْضِي بِأَن إِحْدَى العدتين انْقَضتْ على الْإِبْهَام ويتصدى النّظر فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول أَن الرّجْعَة إِن جوزناها فِي حَال مُلَابسَة عدَّة الْغَيْر فَلهُ الرّجْعَة وَإِن لم نجوزها فَعَلَيهِ أَن يُرَاجع مرَّتَيْنِ مرّة قبل وضع الْحمل وَمرَّة بعده فَلَو اقْتصر على إِحْدَاهمَا لم يستفد بِهِ شَيْئا لتعارض الإحتمالين إِلَّا أَن يقْتَصر على رَجْعَة فيوافقها إِلْحَاق الْقَائِف فنتبين صِحَّته وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَن الرّجْعَة لَا تحْتَمل هَذَا الْوَقْف كَالنِّكَاحِ الثَّانِي تَجْدِيد النِّكَاح وَلَا فَائِدَة فِي نِكَاح وَاحِد فَإِنَّهُ لَا يُفِيد حلا مَعَ الإحتمال وَلَكِن لَو عقد قبل الْوَضع وَبعده فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْمَنْع أَن النِّكَاح لَا يحْتَمل مثل هَذَا الْوَقْف وَإِن احتملته الرّجْعَة الثَّالِث النَّفَقَة إِذا كَانَت بَائِنَة فَإِنَّهَا تسْتَحقّ على الزَّوْج إِمَّا للْحَمْل وَإِمَّا للحامل فَإِن كَانَ من الواطىء بِالشُّبْهَةِ فتستحق عَلَيْهِ إِن قُلْنَا إِنَّهَا للْحَمْل وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا وَلَكِن لَا يطْلب وَاحِد مِنْهُمَا فِي الْحَال للإشكال فَإِن وضعت وَألْحق الْقَائِف بِالزَّوْجِ فلهَا طلب النَّفَقَة الْمَاضِيَة وَإِن ألحق بالواطىء لم

يُطَالب لِأَن نَفَقَة الْقَرِيب تسْقط بِمُضِيِّ الزَّمَان فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا نَفَقَة الْحمل فروع سِتَّة الأول قَالَ الْأَصْحَاب لَا تَنْقَضِي عدَّة الزَّوْج إِذا كَانَ يعاشرها معاشرة الازواج وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ هَذَا خَارج عَن الْقيَاس فَإِن الْعدة لَا تستدعي إِلَّا انْقِضَاء الْمدَّة مَعَ عدم الْوَطْء وَلذَلِك تَنْقَضِي عدتهَا وَإِن لم تعرف الطَّلَاق وَالْمَوْت وَلم تأت بالحداد وملازمة الْمسكن وَقَالَ القَاضِي لَا نَص للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ على هَذَا وَأَنا أَقُول مُخَالطَة الْبَائِن لَا تمنع فَإِنَّهُ فِي حكم الزَّانِي ومخالطة الرَّجْعِيَّة تمنع لِأَن اعتدادها فِي صلب النِّكَاح فَلَا أقل من أَن تعتضد بالإعتزال وَترك المخالطة فعلا وَهَذَا وَإِن كَانَ فِيهِ فقه فَلَا يَخْلُو عَن إِشْكَال ثمَّ على هَذَا لَا يشْتَرط الْوَطْء وَلَا دوَام المجالسة وَلَكِن الْمُعْتَاد بَين الْأزْوَاج فَإِن طَالَتْ الْمُفَارقَة ثمَّ جرت مجالسات فِي أَوْقَات مُخْتَلفَة فَيحْتَمل أَن تحسب أَوْقَات الْمُفَارقَة دون أَوْقَات المخالطة وَيحْتَمل أَن يُقَال يَنْقَطِع مَا مضى وَهُوَ خبط وحيرة وَلَا تَفْرِيع على مُشكل الثَّانِي عدَّة نِكَاح الشُّبْهَة تحسب من وَقت التَّفْرِيق أَو الْوَطْء فِيهِ قَولَانِ فَإِن قُلْنَا من الْوَطْء فَلَو اتّفق أَنه لم يَطَأهَا بعد ذَلِك مُدَّة الْعدة تبين انْقِضَاء الْعدة وَإِذا وَطئهَا انْقَطَعت وَإِن قُلْنَا بِالتَّفْرِيقِ فَلَا مبالاة بمخالطته بعد ذَلِك لِأَنَّهُ فِي حكم الزَّانِي وَلَا أثر لمخالطة الزناة فِي الْعدة وَهَذَا يدل على أَن مُخَالطَة الزَّوْج البائنة مَعَ

الْعلم لَا يُؤثر وَمَعَ الْجَهْل يُؤثر عِنْد الْأَصْحَاب ثمَّ يحْتَمل أَن يُقَال المُرَاد بِالتَّفْرِيقِ انجلاء الشُّبْهَة وَيحْتَمل أَن يُقَال إِنَّه الْمُفَارقَة بالجسد وَالظَّاهِر أَنه انجلاء الشُّبْهَة فالمخالطة بعده فِي حكم الزِّنَا الثَّالِث إِذا نكح مُعْتَدَّة على ظن الصِّحَّة وَوَطئهَا انْقَطع عدَّة النِّكَاح بِمَا طَرَأَ وَفِي وَقت انْقِطَاعه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه من وَقت العقد وَالْآخر من وَقت الْوَطْء لِأَن العقد فَاسد فَإِن قُلْنَا تَنْقَطِع بِالْعقدِ فَلَو لم تزف إِلَى الثَّانِي فَالصَّحِيح أَنا نتبين أَن الْعدة لم تَنْقَطِع لِأَنَّهُ مُجَرّد لفظ وَإِنَّمَا ينقدح ذَلِك على قَول إِذا أفْضى إِلَى الزفاف أما إِذا أفْضى إِلَى مُخَالطَة وزفاف وَلَكِن انجلت الشُّبْهَة قبل الْوَطْء فَهَذَا مُحْتَمل الرَّابِع من نكح مُعْتَدَّة بِالشُّبْهَةِ لم تحرم عَلَيْهِ على التَّأْبِيد وَفِيه قَول قديم تقليدا لمَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ أَنَّهَا تحرم للزجر عَن استعجال الْحل وخلط النّسَب ثمَّ لَا يجْرِي هَذَا القَوْل فِي الزَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَبْغِي الْحل الْخَامِس إِذا طلق الرَّجْعِيَّة طَلْقَة أُخْرَى بعد الْمُرَاجَعَة فتستأنف الْعدة أَو تبنى فِيهِ قَولَانِ مشهوران

أَحدهمَا الْبناء كَمَا إِذا طَلقهَا طَلْقَة بَائِنَة ثمَّ جدد نِكَاحهَا بعد قرء ثمَّ طَلقهَا قبل الْمَسِيس فَإِنَّهُ يكفيها قرءان وَلَا تسْتَحقّ إِلَّا نصف الْمهْر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي الإستئناف فَإِنَّهَا مَرْدُودَة إِلَى نِكَاح جرى فِيهِ وَطْء بِخِلَاف تَجْدِيد النِّكَاح أما إِذا طَلقهَا قبل الرّجْعَة فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من قَالَ تسْتَأْنف فِي تِلْكَ الصُّورَة يلْزمه أَن تسْتَأْنف هَا هُنَا فَمنهمْ من قَالَ هُوَ تَفْرِيع فَيخرج هَذَا أَيْضا على قَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا تسْتَأْنف لِأَن الطَّلَاق الثَّانِي تَأْكِيد للْأولِ فَلَا يقطع الْعدة فَإِن قُلْنَا بالإستئناف فَإِن كَانَت حَامِلا فيكفيها وضع الْحمل لِأَن هَذِه بَقِيَّة تصلح لِأَن تكون عدَّة مُسْتَقْبلَة وَلَو رَاجعهَا فَوضعت ثمَّ طَلقهَا استأنفت ثَلَاثَة أَقراء على قَول الإستئناف وعَلى قَول الْبناء وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا عدَّة عَلَيْهَا إِذْ لَا وَجه بعد الطَّلَاق للإستئناف وَلَا للْبِنَاء

وَالثَّانِي أَنا نرْجِع إِلَى قَول الإستئناف إِذْ لَا سَبِيل إِلَى إِسْقَاط حَقهم عِنْد تعذر الْبناء أما إِذا رَاجع الْحَائِل فِي الطُّهْر الثَّالِث ثمَّ طَلقهَا قَالَ الْقفال هَذَا كالمراجعة بعد تَمام الْعدة لِأَن بعض الطُّهْر الثَّالِث قرء كَامِل وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْقُرْء هُوَ الْبَعْض الْأَخير الْمُتَّصِل بِالْحيضِ وَهَذَا جرى فِي النِّكَاح وَالنّصف الأول لَا يعْتد بِهِ السَّادِس لَو خَالع زَوجته بعد الْمَسِيس ثمَّ جدد نِكَاحهَا وطلق بعد الْمَسِيس لم يكن عَلَيْهَا إِلَّا عدَّة وَاحِدَة وتندرج بَقِيَّة الأولى تَحت هَذِه وَلَو مَاتَ فَهَل تندرج تِلْكَ الْبَقِيَّة تَحت عدَّة الْوَفَاة مَعَ اخْتِلَاف نوع الْعدة فِيهِ وَجْهَان

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي عدَّة الْوَفَاة وَحكم السُّكْنَى وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي مُوجب الْعدة وقدرها وكيفيتها وَفِيه فُصُول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْفَصْل الأول فِي الْمُوجب وَالْقدر فَنَقُول الْمُتَوفَّى عَنْهَا زَوجهَا عَلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة ممسوسة كَانَت أَو لم تكن وَإِن كَانَت حَامِلا فمهما وضعت حلت وَلَو فِي السَّاعَة وَيحل لَهَا غسل الزَّوْج عندنَا بعد الْعدة وَبعد نِكَاح زوج آخر وَإِن كَانَت حَائِلا فَتعْتَد أَرْبَعَة أشهر وَعشرا وَالْأمة تَعْتَد بشهرين وَخَمْسَة أَيَّام وتنقضي الْعدة وَإِن لم تَحض فِي هَذِه الْمدَّة خلافًا لمَالِك رَحمَه الله لِأَن الله تَعَالَى لم يتَعَرَّض للْحيض مَعَ تعرض النِّسَاء لَهُ وَمَالك رَحمَه الله يَقُول لَا أقل من حَيْضَة وَاحِدَة أَو وُقُوع الْحيض الْمُعْتَاد مرّة أَو مَرَّات

فرع لَو طلق إِحْدَى امرأتيه على الْإِبْهَام وَمَات قبل الْبَيَان فعلى كل وَاحِدَة أَرْبَعَة أشهر وَعشر للإحتياط إِن كَانَتَا حائلتين غير مَدْخُول بهما وَإِن كَانَتَا حاملتين فعلَيْهِمَا التَّرَبُّص إِلَى حِين الْوَضع وَإِن كَانَتَا حائلتين من ذَوَات الْأَشْهر فعلَيْهِمَا أَرْبَعَة أشهر وَعشر إِذْ تَنْقَضِي الْأَشْهر الثَّلَاث أَيْضا وَإِن كَانَتَا من ذَوَات الْأَقْرَاء فعلى كل وَاحِدَة التَّرَبُّص بأقصى الْأَجَليْنِ وَيَكْفِي غير الْمَدْخُول بهَا تربص أَرْبَعَة أشهر وَعشر

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمَفْقُود زَوجهَا فَإِن وصل خبر مَوته بِبَيِّنَة فعدتها من وَقت الْمَوْت عندنَا وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ من وَقت بُلُوغ الْخَبَر وَإِن اندرس خَبره وأثره وَغلب على الظنون مَوته فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَنَّهَا زَوجته إِلَى أَن تقوم الْبَيِّنَة بِمَوْتِهِ وَهُوَ الْقيَاس لِأَن النِّكَاح ثَابت بِيَقِين فَكيف يقطع بِالشَّكِّ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَتَرَبَّص أَربع سِنِين ثمَّ تَعْتَد بعد ذَلِك عدَّة الْوَفَاة وَقد قلد الشَّافِعِي فِيهِ عمر رَضِي الله عَنْهُمَا فِي الْقَدِيم وَرجع عَنهُ فِي الْجَدِيد وَقَالَ لَو قضى بِهِ قَاض نقضت قَضَاءَهُ إِذْ بَان لَهُ أَن تَقْلِيد الصَّحَابَة لَا يجوز للمجتهد وَقد طول الْأَصْحَاب فِي التَّفْرِيع عَلَيْهِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي الْمَذْهَب الْبَسِيط فَلَا معنى لَهُ مَعَ صِحَة الرُّجُوع عَنهُ ثمَّ على الْجَدِيد فلهَا طلب النَّفَقَة من مَال الزَّوْج أبدا فَإِن تعذر كَانَ لَهَا طلب الْفَسْخ بِعُذْر النَّفَقَة على أصح الْقَوْلَيْنِ

الْفَصْل الثَّالِث فِي الْإِحْدَاد وَذَلِكَ وَاجِب فِي عدَّة الْوَفَاة وَغير وَاجِب فِي عدَّة الرَّجْعِيَّة وَفِي عدَّة البائنة قَولَانِ وَفِي المفسوخ نِكَاحهَا طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تجب كالمعتدة من شُبْهَة وكأم الْوَلَد إِذا مَاتَ عَنْهَا سَيِّدهَا وَوجه حداد الْمُطلقَة البائنة الْقيَاس على عدَّة الْوَفَاة وَوجه الْفرق أَنَّهَا مجفوة بِالطَّلَاق وَإِنَّمَا يَلِيق الْإِحْدَاد بالمتفجعة بِالْمَوْتِ وَالْأَصْل فِي وَجه الْإِحْدَاد قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يحل لامْرَأَة تؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن تحد على ميت فَوق ثَلَاث إِلَّا على زوج أَرْبَعَة أشهر وَعشرا فَأفَاد هَذَا جَوَاز الْحداد ثَلَاثَة أَيَّام على الْجُمْلَة وتحريمه بعد الثَّلَاث وَبعد الْعدة

وَمَعْنَاهُ ترك الزِّينَة وَالطّيب على قصد الْحداد وَإِلَّا فَلَا منع عَن ترك الزِّينَة فَإِن قيل وَمَا كَيْفيَّة الْحداد قُلْنَا مَعْنَاهُ ترك التزين والتطيب والحداد من الْحَد وَهُوَ الْمَنْع والتزين إِنَّمَا يكون بالتنظيف وَالثيَاب والحلي أما التنظف بالقلم والإستحداد وَالْغسْل وَإِزَالَة الْوَسخ فَلَا يحرم وَأما الثِّيَاب فالنظر فِي جِنْسهَا ولونها أما الْجِنْس فَتحل كلهَا سوى الإبريسم فَيحل الْخَزّ الدبيقي والكتان وَغَيره مِمَّا يحل للرِّجَال وَإِنَّمَا الإبريسم فَإِنَّمَا أحل لَهَا لأجل التزين للرِّجَال وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ الإبريسم فِي حَقّهَا كالقطن فِي حق الرِّجَال وَإِنَّمَا عَلَيْهَا ترك المصبوغات من الثِّيَاب وَالْأول أصح وَأما الْحلِيّ فَيحرم مَا هُوَ من الذَّهَب لِأَنَّهَا خاصية النِّسَاء وَالظَّاهِر أَنه أَيْضا يحرم التحلي باللآلىء الْمُجَرَّدَة لِأَنَّهَا للزِّينَة وَأما التَّخَتُّم بِخَاتم يحل مثله للرِّجَال فَلَا يحرم وَأما الْمَصْبُوغ للتزين كالأحمر والأصفر والاخضر فَهُوَ حرَام من الْقطن والكتان وَغَيره

وَإِنَّمَا الْأسود والأكهب الكدر وَمَا لَا يتزين بِهِ فَهُوَ جَائِز وَلَا فرق بَين أَن يصْبغ بعد النسج أَو قبله وخصص أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله التَّحْرِيم بالمصبوغ بعد النسج أما الثَّوْب الخشن إِذا صبغ على خلاف الْعَادة صبغ الزِّينَة حكى صَاحب التَّقْرِيب فِيهِ قَوْلَيْنِ وَوجه الْمَنْع أَنه من الْبعد تظهر بِهِ الزِّينَة وَأما الزِّينَة فِي أثاث الْبَيْت والفرش فَلَا تحرم وَإِنَّمَا الْحداد فِي بدنهَا وَأما الطّيب فَيحرم عَلَيْهَا مَا يحرم على الْمحرم وَيحرم عَلَيْهَا أَن تدهن رَأسهَا ولحيتها إِن كَانَت لَهَا لحية كالمحرم وَلَا يحرم عَلَيْهَا أَن تدهن بدنهَا إِن لم يكن فِيهِ طيب وَإِنَّمَا يمْنَع فِي الشّعْر وَأما تصفيف الشّعْر وتجعيده بِغَيْر دهن فَفِيهِ تردد وَأما الإكتحال فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَا بَأْس بالإثمد فاتفقوا على أَنه أَرَادَ بِهِ العربيات فَإِنَّهُنَّ إِلَى السوَاد أميل فَلَا يزينهن الإثمد أما الْبَيْضَاء فَلَا يجوز ذَلِك لَهَا إِلَّا لعِلَّة الرمد وَعَلَيْهَا أَن تكتحل لَيْلًا وتمسح نَهَارا هَكَذَا أَمر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَّا أَن تحْتَاج إِلَى ذَلِك نَهَارا أَيْضا فَيجوز وَعَلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن إِلَّا لحَاجَة

وَلَو تركت جَمِيع ذَلِك عَصَتْ رَبهَا وَانْقَضَت عدتهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي السُّكْنَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه أَرْبَعَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن تسْتَحقّ السُّكْنَى وتستحق الْمُطلقَة الْمُعْتَدَّة بَائِنَة كَانَت أَو رَجْعِيَّة لقَوْله تَعَالَى {لَا تخرجوهن من بُيُوتهنَّ} وَلَا تسْتَحقّ الْمُعْتَدَّة عَن وَطْء الشُّبْهَة وَنِكَاح فَاسد وَلَا الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت لِأَن الْآيَة وَردت فِي النِّكَاح نعم هَل تجب فِي عدَّة الْوَفَاة قَولَانِ وَفِي عدَّة بعد انْفِسَاخ النِّكَاح طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بِأَنَّهَا لَا تسْتَحقّ إِن كَانَ الْفَسْخ مِنْهَا بِعَيْبِهِ اَوْ عتقهَا اَوْ كَانَ مِنْهُ وَلَكِن بعيبها أَو مَا يكون بِسَبَب مِنْهَا أما مَا ينْفَرد بِهِ الزَّوْج كردته وإسلامه فَفِيهِ قَولَانِ ومأخذ التَّرَدُّد أَن الْآيَة وَردت فِي فِرَاق الطَّلَاق وَهَذَا تردد فِي أَن فِرَاق الْمَوْت وَالْفَسْخ هَل هُوَ فِي مَعْنَاهُ لِأَن إِيجَاب السُّكْنَى بعد الْبَيْنُونَة كالخارج عَن الْقيَاس وَأما الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تحْتَمل الْجِمَاع فَفِي سكناهَا من الْخلاف مَا فِي نَفَقَتهَا فِي صلب النِّكَاح وَكَذَلِكَ الْأمة إِذا طلقت فَإِن قُلْنَا الزَّوْج يسْتَحق تعْيين الْمسكن فِي صلب النِّكَاح فعلَيْهَا مُلَازمَة الْمسكن بعد النِّكَاح وَإِن قُلْنَا إِن السَّيِّد يبوئها

بَيْتا وَطلقت فِي ذَلِك الْبَيْت فَالظَّاهِر أَنَّهَا لَا يلْزمهَا مُلَازمَة الْمسكن لِأَن الْعدة تلْتَفت على النِّكَاح وَقيل إِنَّه يجب ذَلِك ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا مُلَازمَة الْمسكن فَفِي وجوب لُزُوم السُّكْنَى على الزَّوْج خلاف يلْتَفت على النَّفَقَة فِي صلب النِّكَاح فَحَيْثُ كَانَ يجب النَّفَقَة تجب السُّكْنَى بعد الطَّلَاق أما النَّاشِزَة إِذا طلقت فِي دوَام النُّشُوز قَالَ القَاضِي لَا سُكْنى لَهَا إِذْ لم يكن لَهَا نَفَقَة وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهَا إِن طَلقهَا فِي مسكن النِّكَاح فَيجب عَلَيْهَا شرعا لُزُوم الْمسكن فَإِن أطاعت فِي ذَلِك فبالحري أَن تسْتَحقّ السُّكْنَى

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَحْوَال الْمُعْتَدَّة وَهل يُبَاح لَهَا مُفَارقَة الْمسكن فَنَقُول يجب عَلَيْهَا لُزُوم الْمسكن حَقًا لله تَعَالَى فَلَا يسْقط بِرِضا الزَّوْج وَإِنَّمَا يُبَاح الْخُرُوج بِعُذْر ظَاهر والأعذار على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى مَا يرجع إِلَى طلب الزِّيَادَة كزيارة وَعمارَة واستنماء مَال وتعجيل حج الْإِسْلَام وَلَا يجوز الْخُرُوج لمثل ذَلِك الثَّانِيَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الضَّرُورَة كوجوب الْهِجْرَة والتمكين من إِقَامَة الْحَد أَو خَافت على زَوجهَا أَو مَالهَا لِأَن الْموضع غير حُصَيْن أَو كَانَت تتأذى بأحمائها أَو تؤذيهن وكل ذَلِك تسليط على الإنتقال لِأَن هَذِه الْمُهِمَّات أقوى فِي الشَّرْع من لُزُوم الْمسكن فِي الْعدة الثَّالِثَة مَا يَنْتَهِي إِلَى حد الْحَاجة كالخروج للطعام وَالشرَاب أَو تدارك مَال أخْبرت بِأَنَّهُ أشرف على الضّيَاع فَذَلِك أَيْضا رخصَة فِي الْخُرُوج فِي حق من لَا كافل لَهَا وَنَحْو ذَلِك وَإِن كَانَ هَذَا الْعذر نَادرا وَكَذَلِكَ حكم مُلَازمَة الْمنزل فِي السّفر إِذا كَانُوا ينتجعون ويسافرون اعتيادا فلهَا المسافرة مَعَهم وَمهما خرجت لحَاجَة فَيَنْبَغِي أَن تخرج بِالنَّهَارِ لِأَن اللَّيْل مَظَنَّة الْآفَات

الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا يجب على الزَّوْج وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا كَانَت الدَّار مَمْلُوكَة للزَّوْج لم يجز لَهُ إزعاجها وَلَا يجوز لَهُ مداخلتها لتَحْرِيم الْخلْوَة إِلَّا فِي موضِعين أَحدهمَا أَن تكون هِيَ فِي حجرَة مُفْردَة بالمرافق وَعَلَيْهَا بَاب فَإِن لم يكن عَلَيْهَا بَاب أَو كَانَ مرافقها وَاحِدًا كالمطبخ والمستراح فِي الدَّار لم تجز المداخلة لِأَن التوارد على الْمرَافِق يُفْضِي إِلَى الْخلْوَة وَكَذَلِكَ تحرم المداخلة وَإِن كَانَت الدَّار فيحاء مهما لم تنفصل الْمرَافِق وَلم يحجب الْبَاب الثَّانِي أَن يكون مَعهَا فِي الدَّار محرم لَهَا فَلَا خلْوَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مَعَ الرجل زَوْجَة أُخْرَى أَو جَارِيَة أَو محرم لَهُ وَلَو كَانَ مَعهَا أَجْنَبِيَّة أَو مُعْتَدَّة أُخْرَى فَهَل يمْنَع ذَلِك الْخلْوَة فِيهِ تردد مأخذه أَن النسْوَة المنفردات هَل لَهُنَّ السّفر عِنْد الامن بِغَيْر محرم وَلَو استخلى رجلَانِ بِامْرَأَة فَهُوَ محرم وَلَيْسَ ذَلِك كاستخلاء رجل بامرأتين وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَ مِمَّن يحتشم أَو يخَاف من جَانِبه حِكَايَة مَا يجْرِي من فجور إِن كَانَ فَهُوَ مَانع للخلوة وَإِلَّا فَلَا

فرع لَو أَرَادَ الزَّوْج بيع الدَّار وعدتها بِالْحملِ أَو الْأَقْرَاء لم ينْعَقد لِأَن الْمَنْفَعَة مُسْتَحقَّة لَهَا وَآخر الْمدَّة غير مَعْلُوم وَلَو كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر فَهُوَ كَبيع الدَّار الْمُسْتَأْجرَة إِلَّا إِذا كَانَ يتَوَقَّع طرآن الْحيض فِي الْأَشْهر فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من لم يلْتَفت إِلَى ذَلِك بِنَاء على الْحَال وَمِنْهُم من منع البيع لتوقع ذَلِك فَإِن صححنا وطرأ الْحيض كَانَ كَمَا لَو اخْتلطت الثِّمَار بِالْمَبِيعِ وَقد ذَكرْنَاهُ فِي البيع الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذْ كَانَت الدَّار مستعارة فعلَيْهَا الْمُلَازمَة إِلَى أَن يرجع الْمُعير فَإِن رَجَعَ فعلى الزَّوْج أَن يسلم إِلَيْهَا دَارا يَلِيق بهَا ويبذل الْأُجْرَة إِن لم يجد بعارية وَكَذَلِكَ إِذا انْتَهَت مُدَّة الْإِجَارَة فَإِن مست الْحَاجة إِلَى الْأُجْرَة وأفلس الزَّوْج ضاربت الْغُرَمَاء بِأُجْرَة ثَلَاثَة أشهر إِن كَانَت من ذَوَات الْأَشْهر وَإِن كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء وعادتها مُخْتَلفَة ضاربت بِالْأَقَلِّ وَإِن كَانَت مُسْتَقِيمَة فمقدار الْعَادة على الْأَصَح وَفِيه وَجه أَنَّهَا بِالْأَقَلِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن حصَّتهَا لَا تسلم إِلَيْهَا وَمَا يخص الْغُرَمَاء يسلم إِلَيْهِم فالإحتياط لجانبها أولى وَكَذَلِكَ الْحَامِل تضارب لتَمام تِسْعَة أشهر فَإِن الزِّيَادَة على ذَلِك نَادِر لَا يعْتَبر هَذَا إِذا كَانَ الزَّوْج حَاضرا فَإِن كَانَ غَائِبا اسْتقْرض القَاضِي عَلَيْهِ فَإِن اسْتَأْجَرت من مَالهَا بِغَيْر إِذن القَاضِي فَفِي رُجُوعهَا على الزَّوْج خلاف وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو كَانَت فِي دَار مَمْلُوكَة فَلَا تبَاع لحق الْغُرَمَاء لِأَنَّهَا كالمرهونة فَلَا تخرج مِنْهَا بِحَال الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة إِذا أسكنها فِي النِّكَاح ضيقا لَا يَلِيق بهَا ورضيت وَطَلقهَا فلهَا أَن لَا ترْضى فِي الْعدة وتطلب مسكنا لائقا بهَا وَكَذَلِكَ لَو أسكنها دَارا فيحاء فَلهُ أَن ينقلها

بعد الطَّلَاق إِلَى مَوضِع لَائِق بهَا لَكِن قَالَ القَاضِي يَنْبَغِي أَن يطْلب لَهَا أقرب مسكن يُمكن إِلَى مسكن النِّكَاح حَتَّى لَا يطول ترددها فِي الْخُرُوج وَمَا ذكره لَا يبعد أَن يسْتَحبّ وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يُخرجهَا عَن الْبَلدة الْمَسْأَلَة الرَّابِع إِن ألزمنا السُّكْنَى فِي عدَّة الْوَفَاة فَهِيَ من التَّرِكَة فَإِن لم يكن وتبرع بِهِ الْوَارِث وَأَرَادَ إسكانها كَانَ لَهَا ذَلِك وَإِن قُلْنَا لَا تسْتَحقّ فَلَو رَضِي الْوَارِث بملازمة مسكن النِّكَاح فَالظَّاهِر أَنه يجب عَلَيْهَا ذَلِك مُطلقًا وَقيل إِن كَانَت مَشْغُولَة الرَّحِم أَو متوهمة الشّغل فَلهُ ذَلِك مُطلقًا لأجل صِيَانة المَاء وَإِن لم تكن ممسوسة فَلَا يلْزمهَا ذَلِك بل يجب عَلَيْهَا مُلَازمَة أَي مسكن شَاءَت ثمَّ هَذَا التَّعْيِين للْوَارِث وَلَيْسَ للسُّلْطَان ذَلِك

الْفَصْل الرَّابِع فِي بَيَان مسكن النِّكَاح وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى دَار أُخْرَى ثمَّ طَلقهَا قبل الإنتقال لازمت الْمسكن الأول وَإِن طلق بعد الإنتقال لازمت الْمسكن الثَّانِي وَالْعبْرَة فِي الإنتقال بدنهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْعبْرَة بِنَقْل الْأَمْتِعَة وَإِن صادفها الطَّلَاق فِي الطَّرِيق فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا تَرْجِيح الأول استصحابا وَالثَّانِي تَرْجِيح الثَّانِي لِأَنَّهَا انْتَقَلت عَن الأول وَالثَّالِث أَنَّهَا تتخير بَينهمَا للتعارض وَكَذَا الْكَلَام فِيمَا إِذا أذن لَهَا فِي الإنتقال إِلَى بَلْدَة أُخْرَى فَفِي جَوَاز الإنصراف خلاف الثَّانِيَة لَو خرجت إِلَى سفر بِإِذْنِهِ فَطلقهَا بعد مُفَارقَة عمَارَة الْبَلَد فَلَيْسَ عَلَيْهَا الإنصراف لِأَن إبِْطَال أهبة سفرها إِضْرَار فَإِن فَارَقت الْمنزل دون الْبَلَد فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يجب الإنصراف لِأَنَّهَا بعد لم تَنْقَطِع عَن الوطن وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك إِضْرَار بِإِبْطَال الأهبة

وَلَا خلاف فِي أَن لَهَا الإنصراف ثمَّ إِذا مَضَت لوجهها فلهَا التَّوَقُّف إِلَى إنجاز حَاجَتهَا وَعَلَيْهَا الرُّجُوع لملازمة الْمسكن بَقِيَّة مُدَّة تَنْقَضِي فِي الطَّرِيق فَفِي وجوب الإنصراف خلاف وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب وَلَا فَائِدَة فِيهِ وَلَا يكلفها التَّقَدُّم على الرّفْقَة لأجل ذَلِك وَإِن انْقَضتْ حَاجَتهَا قبل ثَلَاثَة أَيَّام جَازَ لَهَا استكمال الثَّلَاث لِأَنَّهَا مُدَّة مكث الْمُسَافِر شرعا الثَّالِثَة مَا ذَكرْنَاهُ فِي سفر تِجَارَة أَو مُهِمّ فَإِن كَانَ سفر نزهة أَو مَا لَا مُهِمّ فِيهِ وَقد أذن لَهَا عشرَة أَيَّام مثلا فَطلقهَا فِي أثْنَاء الْمدَّة فَفِي جَوَاز اسْتِيفَاء الْمدَّة قَولَانِ وَيجْرِي الْقَوْلَانِ فِي وجوب الإنصراف إِن طَلقهَا فِي الطَّرِيق وَهَكَذَا فِي الْمدَّة الزَّائِدَة على حَاجَة التِّجَارَة فِي سفر التِّجَارَة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مُهِمّ وَلَكِن انْضَمَّ الْإِذْن فِي أهبة السّفر فَاحْتمل أَن يُقَال فِي الْمَنْع إِضْرَار وَلَو أذن لَهَا فِي الإعتكاف عشرَة أَيَّام فَطلقهَا قبل الْمدَّة فَإِن قُلْنَا لَو خرجت بِمثل هُنَا الْعذر جَازَ الْبناء على الإعتكاف الْمَنْذُور فعلَيْهَا الْخُرُوج وَإِن كَانَ الإعتكاف منذورا لِأَنَّهُ لَا ضَرَر وَإِنَّمَا هُوَ مُجَرّد إِذن فَهُوَ كَمَا لَو أذن لَهَا فِي الْمقَام فِي دَار أُخْرَى عشرَة أَيَّام فطلاقها يبطل ذَلِك الْإِذْن وَإِن قُلْنَا إِن الإعتكاف يبطل فَيكون فِيهِ

ضرار كَمَا فِي أهبة السّفر وَلَا خلاف فِي أَنَّهَا لَو خرجت مَعَ الزَّوْج فَطلقهَا فِي الطَّرِيق لَزِمَهَا الإنصراف لِأَنَّهَا خرجت بأهبة الزَّوْج فَلَا تبطل عَلَيْهَا أهبتها وَالْخُرُوج لغَرَض التِّجَارَة غير جَائِز لِأَنَّهُ طلب زِيَادَة وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِك فِي الدَّوَام للضرار فِي فَوَات الأهبة الرَّابِعَة إِذا أذن لَهَا فِي الْإِحْرَام وَطَلقهَا قبل الْإِحْرَام لم تحرم وَإِن كَانَ بعد الْإِحْرَام وَكَانَ بِعُمْرَة يُمكن تَأْخِيرهَا فَفِي وجوب التَّأْخِير وَجْهَان وَلَعَلَّ الْأَصَح جَوَاز الْخُرُوج لِأَن فِي مصابرة الْإِحْرَام ضِرَارًا الْخَامِسَة منزل البدوية كمسكن البلدية لَكِن إِن رحلوا بجملتهم فلهَا الرحيل وَإِن رَحل غير أَهلهَا فعلَيْهَا الْمقَام فَإِن رَحل أَهلهَا وَهِي آمِنَة فِي الْمقَام فَفِيهِ وَجْهَان وَهُوَ رَاجع إِلَى أَن ضَرَر مُفَارقَة الْأَهْل هَل يعْتَبر وَلَو كَانُوا يرجعُونَ على قرب فعلَيْهَا الْمقَام إِذْ لَا ضَرَر وَلَو ارتحلت مَعَهم فَأَرَادَتْ الْمقَام بقرية فِي الطَّرِيق جَازَ فَإِن ذَلِك أحسن من السّفر بِخِلَاف المأذونة فِي السّفر فَإِن رُجُوعهَا إِلَى الوطن أولى من الْإِقَامَة فِي قَرْيَة السَّادِسَة إِذا صادفها الطَّلَاق فِي دَار أُخْرَى أَو بَلْدَة أُخْرَى فَقَالَ ارجعي فَقَالَت طلقت بعد الْإِذْن فِي النقلَة فَأنْكر الزَّوْج الْإِذْن نقل عَن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن القَوْل قَوْله وَهُوَ الْقيَاس وَلَكِن نقل أَنه إِن كَانَ النزاع مَعَ الْوَرَثَة

فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِلَى الْفرق ذهب أَبُو حنيفَة رَحمَه الله وَابْن سُرَيج وَكَأن كَونهَا فِي غير مسكن النِّكَاح يشْهد لَهَا على الْوَرَثَة لَا على الزَّوْج وَمن أَصْحَابنَا من جعل الْمَسْأَلَتَيْنِ على قَول وَمِنْهُم من جعلهَا على حَالين فَنَقُول إِنَّمَا جعل القَوْل قَوْله إِذا كَانَ النزاع فِي اصل اللَّفْظ وَإِن كَانَ فِي معنى اللَّفْظ بِأَن قَالَت أردْت بِالْإِذْنِ النقلَة وَقَالَ بل النزهة فَالظَّاهِر تصديقها فَيقبل قَوْلهَا

الْقسم الثَّالِث من الْكتاب فِي الإستبراء بِسَبَب ملك الْيَمين وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِي قدر الإستبراء وَشَرطه وَحكمه أما قدره فَهُوَ قرء وَاحِد لِأَنَّهُ نَادَى مُنَادِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد سبي أَوْطَاس أَلا لَا تُوطأ حَامِل حَتَّى تضع وَلَا حَائِل حَتَّى تحيض وللمستبرأة ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن تكون من ذَوَات الْأَقْرَاء واستبراؤها بقرء وَاحِد وَهُوَ الْحيض لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى تحيض وَلِأَنَّهُ إِذا لم يعْتَبر إِلَّا قرء وَاحِد فليعتبر الْحيض فَإِنَّهُ دَلِيل على الْبَرَاءَة هَذَا هُوَ الْجَدِيد

وَفِيه وَجه آخر أَنه الطُّهْر قِيَاسا على الْعدة لِأَن التَّعَبُّد غَالب عَلَيْهِ وَلذَلِك يجب مَعَ يَقِين الْبَرَاءَة إِذا استبرأها من امْرَأَة أَو صبي التَّفْرِيع إِذا قضينا بِأَنَّهُ حيض فَلَا بُد من حيض كَامِل فَلَا يَكْفِي بقبة حيض وَإِن قُلْنَا إِنَّه طهر فَهَل يَكْفِي بَقِيَّة الطُّهْر فِيهِ خلاف لِأَن الْعدة تشْتَمل على عدد فَجَاز أَن يعبر عَن شَيْئَيْنِ وَبَعض الثَّالِث بِثَلَاثَة وَلِأَنَّهُ يجْرِي فِيهِ الْحيض مَرَّات وَلَو صَادف الْملك آخر الْحيض فانقضى طهر كَامِل بعده كفى على هَذَا القَوْل وَقيل إِنَّه لَا بُد من حيض كَامِل بعده لتحصل دلَالَة على الْبَرَاءَة فِي ملكه وَهَذَا رُجُوع إِلَى القَوْل الأول وَشَهَادَة تَضْعِيف هَذَا القَوْل الْحَالة الثَّانِيَة أَن تكون من ذَوَات الْأَشْهر وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يَكْفِي شهر وَاحِد وَالثَّانِي أَنه لَا أقل من ثَلَاثَة أشهر لِأَنَّهُ أقل مُدَّة ضربت شرعا للدلالة على الْبَرَاءَة والأمور الطبيعية لَا تخْتَلف بِالرّقِّ وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُوجب على الْمُسْتَوْلدَة إِذا عتقت ثَلَاثَة أَقراء أَو ثَلَاثَة أشهر نظرا إِلَى حريتها فِي الْحَال وَنحن نكتفي بقرء وَاحِد نظرا إِلَى جِهَة الْملك

الْحَالة الثَّالِثَة أَن تكون حَامِلا فعدتها بِوَضْع الْحمل وَإِن كَانَ من الزِّنَا لإِطْلَاق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله حَتَّى تضع وَمِنْهُم من قَالَ لَا تَنْقَضِي بِالزِّنَا كَمَا فِي الْعدة وَقيل هَذَا يلْتَفت على أَن الْمُعْتَبر حيض أم طهر فَإِن اعْتبرنَا الْحيض من حَيْثُ إِنَّه دَلِيل الْبَرَاءَة فَكَذَلِك حمل الزِّنَا دَلِيل الْبَرَاءَة وَإِلَّا فَلَا أما حكمه فَهُوَ تَحْرِيم لوجوه الإستمتاع قبل تَمَامه إِلَّا فِي المسبية وَلِأَنَّهُ لَا يحرم فِيهَا إِلَّا الْوَطْء لِأَن الْمَانِع فِي الشِّرَاء توقع ولد من البَائِع يمْنَع صِحَة الشِّرَاء وَولد الْحَرْبِيّ لَا يمْنَع جَرَيَان الرّقّ وَإِنَّمَا استبراؤها لصيانة مَاء الْمَالِك عَن الإمتزاج بِالْحملِ فَيقْتَصر التَّحْرِيم على الْوَطْء وَمِنْهُم من سوى وَحرم استمتاع المسبية أَيْضا تبعا أما شَرطه فَإِنَّهُ يَقع بعد الْقَبْض وَلُزُوم الْملك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَلَو جرت حَيْضَة قبل قبض الْجَارِيَة الْمُشْتَرَاة فَفِيهِ خلاف لضعف الْملك وَالظَّاهِر أَنه يجزىء للُزُوم الْملك نعم لم يعْتد بهَا فِي الْمَوْهُوبَة قبل الْقَبْض وَفِي الْمُوصى بهَا قبل الْقبُول فَلَا أثر للقبض فِي الْوَصِيَّة وَفِي مُدَّة الْخِيَار لَا يجزىء إِذا قُلْنَا الْملك للْبَائِع وَإِن قُلْنَا للْمُشْتَرِي فَهُوَ كَمَا قبل الْقَبْض لضَعْفه وَلَو كَانَت مَجُوسِيَّة أَو مرتدة فَأسْلمت بعد انْقِضَاء الْحيض فقد انْقَضى فِي الْملك وَلَكِن لَا فِي مَظَنَّة الإستحلال فَفِيهِ وَجْهَان

وَمن خاصية الإستبراء أَنه لَيْسَ من شَرطه الإمتناع عَن الْوَطْء بل لَو وَطئهَا انْقَضى الإستبراء وَعصى بِالْوَطْءِ فَإِن أحبلها وَهِي حَائِض حلت فِي الْحَال إِذْ مَا مضى كَانَ حيضا كَامِلا وَانْقطع بِالْحيضِ فَإِن كَانَت طَاهِرا لم ينْقض الإستبراء إِلَى وضع الْحمل

الْفَصْل الثَّانِي فِي سَبَب الإستبراء وَهُوَ جلب ملك أَو زَوَاله الأول الجلب فَمن تجدّد لَهُ ملك على الْجَارِيَة هِيَ مَحل استحلاله توقف حلهَا على الإستبراء بعد لُزُوم ملكه بقرء سَوَاء كَانَ الْملك عَن هبة أَو بيع وَصِيَّة أَو إِرْث أَو فسخ أَو إِقَالَة وَسَوَاء كَانَت صَغِيرَة أَو كَبِيرَة أَو حَامِلا أَو حَائِلا وَسَوَاء كَانَ الْمَالِك مِمَّن يتَصَوَّر مِنْهُ شغل أَو لَا يتَصَوَّر كامرأة أَو مجبوب أَو صبي وَسَوَاء كَانَت قد استبرأت قبل البيع أَو لم تكن وَقَالَ دَاوُد لَا يجب اسْتِبْرَاء الْبكر وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تُوطأ لَا تستبرأ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يجب إِذا عَادَتْ بِخِيَار رُؤْيَة أَو رد بِعَيْب أَو رُجُوع فِي هبة أَو إِقَالَة قبل الْقَبْض وَأوجب فِي الْإِقَالَة بعد الْقَبْض وَألْحق أَصْحَابنَا بِزَوَال الْملك الْمُكَاتبَة إِذا عجزت وعادت إِلَى الْحل لِأَنَّهَا صائرة إِلَى حَالَة تسْتَحقّ الْمهْر على السَّيِّد وَلذَلِك تحل أُخْت الْمُكَاتبَة وَلَا خلاف فِي أَن التَّحْرِيم بِالصَّوْمِ وَالرَّهْن لَا يُؤثر أما زَوَال إحرامها

وإسلامها بعد الرِّدَّة وَطَلَاق زَوجهَا إِيَّاهَا فَفِيهِ خلاف لتأكيد هَذِه الْأَسْبَاب وَإِيجَاب ذَلِك فِي المزدوجة اولى لِأَن الزَّوْج قد اسْتحق مَنَافِعهَا ثمَّ يرجع الإستحقاق إِلَيْهِ أما إِذا اشْترى منكوحته الرقيقة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب لِأَن الْحل دَائِم من شخص وَاحِد وَالثَّانِي يجب لتبدل جِهَة الْحل وَلَو بَاعَ جَارِيَته بِشَرْط الْخِيَار ثمَّ رجعت إِلَيْهِ فِي مُدَّة الْخِيَار فَإِن قُلْنَا لم يزل ملكه فَلَا اسْتِبْرَاء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَحرم الْوَطْء لزم الإستبراء وَإِن قُلْنَا زَالَ الْملك وَلَكِن الْوَطْء جَائِز لِأَنَّهُ فسخ فها هُنَا يحْتَمل أَن يُقَال الْحل مطرد والجهة متحدة بِخِلَاف شِرَاء الزَّوْجَة فَلَا اسْتِبْرَاء وَيحْتَمل أَن ينظر إِلَى تجدّد الْملك وَبِه يُعلل اسْتِبْرَاء الْمَنْكُوحَة الْمُشْتَرَاة فرع لَو اشْترى مُحرمَة أَو مُعْتَدَّة أَو مُزَوّجَة فَفِي وجوب استبرائها بعد انْقِضَاء الْعدة أَو بعد طَلَاق الزَّوْج من غير دُخُول نُصُوص مضطربة للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ فَقيل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب وَهُوَ الْقيَاس وَلَا يبعد أَن يتَأَخَّر الإستبراء عَن الْملك إِلَى وَقت الطَّلَاق ونزوال الْعدة

وَالثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن الْمُوجب جلب الْملك وَلم تكن إِذْ ذَاك فِي مَظَنَّة الإستحلال فَهُوَ كَشِرَاء الْأُخْت من الرَّضَاع لَا يُوجب الإستبراء وَلما حصل الْحل لم يَتَجَدَّد ملك حَتَّى يجب بِهِ السَّبَب الثَّانِي زَوَال الْملك فَنَقُول الْجَارِيَة الْمَوْطُوءَة مُسْتَوْلدَة كَانَت أَو لم تكن فَهِيَ فِي حكم مستفرشة فَإِذا اعتقت بعد موت السَّيِّد أَو بِالْإِعْتَاقِ فعلَيْهَا التَّرَبُّص بقرء وَاحِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله أما الْمُسْتَوْلدَة فتتربص عِنْد الْعتْق وَلَكِن بِثَلَاثَة أَقراء نظرا إِلَى كمالها فِي الْحَال وَأما الْأمة فَلَا تربص عَلَيْهَا وَزَاد فَقَالَ لَو وَطئهَا السَّيِّد وَأَرَادَ فِي الْحَال تَزْوِيجهَا جَازَ من غير اسْتِبْرَاء وَهَذَا هجوم عَظِيم على خلط الْمِيَاه وَعِنْدنَا أَن كل جَارِيَة مَوْطُوءَة لَا يحل تَزْوِيجهَا إِلَّا بعد الِاسْتِبْرَاء وَكَأن هَذَا الإستبراء من نتيجة حُصُول ملك الزَّوْج فَإِن ملك السَّيِّد لم يزل إِلَّا أَنه يجب تَقْدِيمه على الْملك لِأَن النِّكَاح يقْصد لحل الْوَطْء فَلَا يُمكن عقده إِلَّا بِحَيْثُ يستعقب الْحل وَأما المُشْتَرِي فيستبرىء بعد الْملك لِأَن الشِّرَاء بِقصد الْأَغْرَاض الْمَالِيَّة فَلَا يقبل الْحجر بِسَبَب الْوَطْء نعم إِن عزم على الشِّرَاء قدم الإستبراء عَلَيْهِ

فروع الأول لَو اشْترى المستفرشة المستبرأة تسلط على التَّزْوِيج وَأعْتق قبل التَّزْوِيج أَو بَاعَ وَأَرَادَ المُشْتَرِي التَّزْوِيج أَو أعتق المُشْتَرِي قبل الْوَطْء فَأَرَادَ التَّزْوِيج فَفِي جَوَاز ذَلِك ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا وَهُوَ الظَّاهِر أَنه يجوز إِذْ كَانَ يجوز قبل زَوَال الْملك فطرآن الْعتْق أَو الشِّرَاء لم يحرم تزويجا كَانَ ذَلِك جَائِزا وَالثَّانِي أَنه لَا يجوز لِأَن زَوَال ملك الْفراش سَبَب يُوجب عدَّة الإستبراء وَقد طَرَأَ فَامْتنعَ بِهَذَا الطارىء حَتَّى يَزُول وَالثَّالِث أَن ذَلِك يمْنَع فِي الْمُسْتَوْلدَة دون الرقيقة لِأَنَّهَا بالمستفرشة أشبه وَالثَّانِي الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا طَلقهَا زَوجهَا واعتدت فَأعْتقهَا السَّيِّد وَأَرَادَ تَزْوِيجهَا قبل الْوَطْء فَهَل لَهُ ذَلِك فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ كَانَ يجوز قبل الْعتْق وَالثَّانِي لَا لِأَن عتقهَا هُوَ زَوَال ملك الْفراش وَقد صَارَت مستفرشة لَهُ بِانْقِضَاء عدتهَا وَإِن لم يَطَأهَا إِذْ عَادَتْ إِلَى فرَاشه أما إِذا قَالَ أَنْت حرَّة مَعَ آخر الْعدة فها هُنَا لم ترجع إِلَى فرَاشه فَمنهمْ من قطع بِجَوَاز التَّزْوِيج وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَجعل مُجَرّد زَوَال الْملك عَن الْمُسْتَوْلدَة سَببا للعدة الثَّالِث إِذا أعتق الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة وَهِي فِي صلب النِّكَاح أَو عدته فَالظَّاهِر

أَن الإستبراء لَا يجب لِأَنَّهُ لَيْسَ الزائل فراشا لَهُ بل هِيَ فرَاش للزَّوْج وَفِيه قَول آخر أَنه يجب لزوَال ملك السَّيِّد وَقد كَانَت مستفرشة من قبل فَإِن أَوجَبْنَا فِي الْعدة فَلَا يخفى أَنَّهُمَا لَا يتداخلان وَيبقى النّظر فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير كَمَا سبق الرَّابِع إِذا أعتق مستولدته وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا فِي مُدَّة الإستبراء فَفِي جَوَازه خلاف وَالْأَظْهَر جَوَازه كَمَا لَو وَطئهَا بِالشُّبْهَةِ وَأَرَادَ أَن ينْكِحهَا وَالثَّانِي الْمَنْع لِأَن زَوَال الْملك أوجب تعبدا بالإستبراء وَلذَلِك منع من التَّزْوِيج من الْغَيْر على وَجه مَعَ أَنه كَانَ جَائِزا قبل الْعتْق الْخَامِس الْمُسْتَوْلدَة الْمُزَوجَة إِذا مَاتَ زَوجهَا وسيدها جَمِيعًا فَإِن مَاتَ السَّيِّد أَولا فعلَيْهَا عدَّة الْوَفَاة أَرْبَعَة أشهر وَعشر فَإِن مَاتَ الزَّوْج أَولا فعلَيْهَا نصف ذَلِك وَإِن استبهم فعلَيْهَا الْأَخْذ بالأحوط وَذَلِكَ ظَاهر إِذا فرعنا على الصَّحِيح فِي أَنه لَيْسَ عَلَيْهَا اسْتِبْرَاء للسَّيِّد وَإِن أَوجَبْنَا فَبعد مُضِيّ عدَّة الْوَفَاة لَا بُد من شهر آخر إِلَّا إِذا كَانَت من ذَوَات الْأَقْرَاء فتكفيها حَيْضَة وَإِن جرت فِي مُدَّة الْعدة لِأَن الْمَقْصُود وجود صُورَة الْحيض بعد موت السَّيِّد وَقد حصل وَإِن لم تجر فَلَا بُد مِنْهَا بعد الْعدة وَإِن مَاتَا مَعًا فَلَا اسْتِبْرَاء لِأَنَّهَا مَا عَادَتْ إِلَى فرَاشه وَالظَّاهِر أَن عدتهَا شَهْرَان وَشَيْء بِخِلَاف مَا لَو تقدم موت السَّيِّد بلحظة على موت الزَّوْج وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَو عتقت فِي أثْنَاء الْعدة استكملت عدَّة الْحَرَائِر فَإِذا أعتقت مَعَ مَوته فَهُوَ أولى بذلك

قَاعِدَة يجوز اعْتِمَاد قَوْلهَا إِنِّي حِضْت فَلَا سَبِيل إِلَى تحليفها إِذْ لَا يرتبط بنكولها حكم فَإِن السَّيِّد لَا يُقرر على الْحلف وَلَا اطلَاع لَهُ على حَيْضهَا وَلَو امْتنعت عَن غشيانه وَرفعت إِلَى القَاضِي فَقَالَ قد أَخْبَرتنِي بِالْحيضِ فَالْأَوْجه تَصْدِيق السَّيِّد وتسليطه إِذْ لَوْلَا ذَلِك لَوَجَبَتْ الْحَيْلُولَة بَينهمَا كَمَا فِي وَطْء الشُّبْهَة فالإستبراء بَاب من التَّقْوَى فيفوض إِلَى السَّيِّد وَذكر القَاضِي أَنه لَا يبعد أَن يكون لَهَا الْمُخَاصمَة وَالدَّعْوَى حَتَّى إِن الْجَارِيَة الموروثة لَو ادَّعَت أَن الْمُورث وَطئهَا وطئا محرما على الْوَارِث فللوارث أَن لَا يصدقها وَهل لَهَا تَحْلِيفه فِيهِ خلاف فَكَذَلِك هَذَا ويتأيد بِوَجْه ذكر أَن لَهَا الإمتناع عَن وقاع السَّيِّد الأبرص فيشعر بِأَنَّهَا صَاحِبَة حق على الْجُمْلَة

الْفَصْل الثَّالِث فِيمَا تصير بِهِ الْأمة فراشا فَنَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلَد للْفراش فَإِذا اسْتَبْرَأَ جَارِيَة فَأَتَت بِولد قبل أَن يَطَأهَا فَلَا يلْحق بِهِ إِذْ لَا فرَاش وَتصير فراشا بِالْوَطْءِ وَإِنَّمَا يلْحقهُ الْوَلَد إِذا اسْتَلْحقهُ أَو أَتَت بِهِ لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُ بعد الْوَطْء وَيثبت الْفراش بِأَن يقر بِوَطْء عري عَن دَعْوَى الإستبراء والعزل وَالصَّحِيح أَن دَعْوَى الْعَزْل لَا تَنْفِي الْوَلَد لِأَن المَاء سباق لَا يدْخل تَحت الإختيار وَالصَّحِيح أَن اعترافه بِالْوَطْءِ فِي غير المأتى لَا يلْحق الْوَلَد بِهِ أما إِذا قَالَ وطِئت واستبرأتها بعده بحيض فَالْمَذْهَب أَنه يَنْتَفِي عَنهُ الْوَلَد بِغَيْر لعان لِأَن فرَاش الْأمة

ضَعِيف وَمِنْهُم من قَالَ لَا يَنْتَفِي إِلَّا بِاللّعانِ فَإِن فرعنا على الْمَذْهَب فأنكرت فَالْقَوْل قَوْله فكأنا نقُول لم يقر إِقْرَارا مُلْحقًا وَإِن كَانَت هِيَ المؤتمنة فِي رَحمهَا وَلَو ادَّعَت أُميَّة الْوَلَد فلهَا تَحْلِيفه ثمَّ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يحلف أَنَّهَا حَاضَت بعد الْوَطْء وَمَا وَطئهَا بعد الْحيض وَالثَّانِي أَنه يضيف إِلَى ذَلِك أَن الْوَلَد لَيْسَ مني حَتَّى يَنْتَفِي وَلَو أَتَت بعد الْوَطْء لأكْثر من أَربع سِنِين فَمُقْتَضى قَوْلنَا إِنَّهَا صَارَت فراشا أَنه يلْحقهُ فَإِن قُلْنَا إِنَّه يَنْتَفِي بِدَعْوَى الإستبراء فَهَذَا أظهر وَإِن قُلْنَا لَا يَنْتَفِي فَهَذَا فِيهِ تردد وعَلى الْجُمْلَة هَذَا بِالنَّفْيِ أولى من الإستبراء وَيقرب من هَذَا أَنَّهَا لَو أَتَت بِولد ثمَّ أَتَت بِولد آخر لأكْثر من سِتَّة أشهر من الْوَلَد الأول فَإِنَّهُ ولد بعد الإستبراء بِالْوَلَدِ الأول فَمنهمْ من قَالَ يلْحق إِذْ صَارَت فراشا وَمِنْهُم من قَالَ لَا إِذْ لَيْسَ يثبت لَهَا عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ حكم المستفرشة وعَلى هَذَا يلْتَفت أَن المستفرشة إِذا طَلقهَا زَوجهَا هَل تعود فراشا بِمُجَرَّد الطَّلَاق حَتَّى يجب الإستبراء بِعتْقِهَا قبل الْوَطْء فَإِن قُلْنَا تعود فراشا لحقه الْوَلَد من غير إِقْرَار جَدِيد بِالْوَطْءِ لَكِن الْأَصَح أَنَّهَا لَا تعود فراشا فرع إِذا اشْترى زَوجته وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون فِي النِّكَاح وَفِي ملك

الْيَمين فيلحقه الْوَلَد إِذْ الْأمة لَا تنحط عَن البائنة وَلَكِن لَا تصير أم ولد لَهُ إِذا لم يعْتَرف بِوَطْء فِي الْملك وَفِيه وَجه أَنَّهَا تصير أم ولد لَهُ لِأَنَّهَا ولدت مِنْهُ فِي ملكه وَهُوَ بعيد نعم لَو أقرّ بِالْوَطْءِ وَاحْتمل أَن يكون من النِّكَاح وَملك الْيَمين فَيحْتَمل ترددا فِي أُميَّة الْوَلَد وَوجه إثْبَاته أَن يُقَال ملك الْيَمين مَعَ الْإِقْرَار بِالْوَطْءِ يثبت فراشا نَاسِخا لفراش النِّكَاح فيحال الْوَلَد على النَّاسِخ وَيُمكن أَن يُقَال ملك الْيَمين لَا يقوى على نسخ فرَاش النِّكَاح ويبتني عَلَيْهِ تردد فِي أَن زوج الْأمة إِذا طَلقهَا قبل الْمَسِيس وَأقر السَّيِّد بِوَطْئِهَا وَأَتَتْ بِولد لزمان يحْتَمل أَن يكون مِنْهُمَا فَيحْتَمل أَن يلْحق بالسيد لِأَن فرَاشه نَاسخ وَيحْتَمل أَن يعرض على الْقَائِف

= كتاب الرَّضَاع = وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وأمهاتكم اللَّاتِي أرضعنكم وأخواتكم من الرضَاعَة} وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب وَفِي الْكتاب أَرْبَعَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي أَرْكَان الرَّضَاع وشرائطه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أما الْأَركان فَثَلَاثَة الْمُرْضع وَاللَّبن والمرتضع أما الْمُرْضع فَهُوَ كل امْرَأَة حَيَّة تحْتَمل الْولادَة فاحترزنا بِالْمَرْأَةِ عَن الْبَهِيمَة وَالرجل فَلَو ارتضع صغيران من بَهِيمَة فَلَا أخوة بَينهمَا لِأَن الْأُخوة تتبع الأمومة وَقَالَ عَطاء تثبت الْأُخوة وَلَو در لبن من ثدي الرجل فَلَا أثر لَهُ وَفِيه وَجه أَنه كلبن الْمَرْأَة والصبية بنت ثَمَان إِن در لَبنهَا فَلَا حكم لَهُ بل هُوَ كلبن الرجل وَفِي لبن الْبكر وَجْهَان أَحدهمَا يحرم لِأَنَّهَا فِي مَحل الْولادَة وَإِن لم تَلد قطعا وَالثَّانِي أَنَّهَا كَالرّجلِ إِذْ اللَّبن فرع للْوَلَد وَلَا ولد أما لَو أجهضت جَنِينا فلبنها مُؤثر وَإِذا در لبن لصبية بنت سِنِين وَقُلْنَا يعْتَبر لبن الْبكر اعْتبر ذَلِك لاحْتِمَال الْبلُوغ ثمَّ لَا يحكم ببلوغها بِمُجَرَّد اللَّبن وَلَكِن كَمَا يلْحق الْوَلَد بِابْن تسع سِنِين وَلَا يحكم بِبُلُوغِهِ

وَأما الْمَرْأَة الْميتَة إِذا بَقِي فِي ضرْعهَا لبن فَلَا يُؤثر لَبنهَا لِأَنَّهَا جثة منفكة عَن الْحل وَالْحُرْمَة كالبهيمة نعم لَو حلب فِي حَيَاتهَا وارتضع بعد الْمَوْت كَانَ محرما على الْمذَاهب وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الْمَيِّت لَا يحْتَمل ابْتِدَاء الأمومة الرُّكْن الثَّانِي اللَّبن وَالْمُعْتَبر عندنَا وُصُول عينه إِلَى الْجوف وَإِن لم يبْق اسْمه حَتَّى لَو اتخذ مِنْهُ جبن أَو أقط أَو مخض مِنْهُ زبد فَأَكله الصَّبِي حرم فَلم يتبع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ اسْم اللَّبن وَإِن اتبع اسْم الْإِرْضَاع وعول على الْخَبَر فِيهِ وَلَو اخْتَلَط بمائع وَهُوَ غَالب حرم وَإِن كَانَ مَغْلُوبًا بِحَيْثُ لَا يظْهر لَهُ لون وَطعم فَإِن

اخْتَلَط بِمَا دون الْقلَّتَيْنِ وَشرب الصَّبِي جَمِيعه فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه لَا يحرم لِأَنَّهُ قد انمحق وَالثَّانِي نعم لِأَن الْعين بَاقٍ فِيهِ وَقد وصل إِلَى الْجوف فعلى هَذَا لَو شرب بعضه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يحرم لانه مُثبت فِي الْجَمِيع وَالثَّانِي لَا فَلَعَلَّهُ فِي الْبَاقِي وَالْوَجْه الْقطع بِأَنَّهُ يعْتَبر يَقِين الْإِثْبَات فَإِن شكّ فَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم أما إِذا اخْتَلَط بقلتين فالترتيب على الْعَكْس وَهُوَ أَنه إِن شرب بعضه لم يحرم وَإِن شرب كُله فَقَوْلَانِ مرتبان على مَا دون الْقلَّتَيْنِ وَأولى بِأَن لَا يُؤثر ثمَّ لم نعتبر الْقلَّتَيْنِ فِي سَائِر الْمَائِعَات بل فِي المَاء خَاصَّة واعتباره بعيد وَقَالَ الشَّيْخ أَبُو حَامِد المغلوب يَعْنِي بِهِ الَّذِي لَا يُؤثر فِي التغذية لَا الَّذِي لَا يُؤثر فِي اللَّوْن الرُّكْن الثَّالِث الْمحل وَهُوَ جَوف الصَّبِي الْحَيّ فَلَا يُؤثر الإيصال إِلَى جَوف الْمَيِّت وَلَا إِلَى جَوف الْكَبِير ونعني بالجوف الْمعدة وَمحل التغذية لِأَن الرَّضَاع مَا انبت اللَّحْم وأنشر الْعظم فَلَو وصل إِلَى جَوف لَا يغذي كالمثانة والإحليل فَحَيْثُ لَا يفْطر لَا يُؤثر وَحَيْثُ

يحصل الْإِفْطَار فَفِي تَحْرِيم الرَّضَاع قَولَانِ وَفِي السعوط طَرِيقَانِ مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ وَمِنْهُم من قطع بالحصول لِأَن الدِّمَاغ لَهُ مجْرى إِلَى الْمعدة فينتهي إِلَيْهَا بِخِلَاف الحقنة أما الشَّرْط فَهُوَ اثْنَان الأول الْوَقْت فَلَا أثر للرضاع بعد الْحَوْلَيْنِ عِنْد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا رضَاع إِلَّا فِي الْحَوْلَيْنِ وَلقَوْله تَعَالَى {حَوْلَيْنِ كَامِلين لمن أَرَادَ أَن يتم الرضَاعَة} وَلَا حكم لما بعد التَّمام وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ثَلَاثُونَ شهرا وَقَالَ ابْن أبي ليلى

ثَلَاث سِنِين وَقَالا دَاوُد أبدا وَبِه قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا واستدلت بِأَن سهلة بنت سُهَيْل قَالَت كُنَّا نرى سالما ولدا وَكَانَ يدْخل علينا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أرضعيه خمس رَضعَات فَفعلت وَكَانَ كَبِيرا وأبى سَائِر الصَّحَابَة ذَلِك وَقَالُوا كَانَ ذَلِك رخصَة لسالم فرع لَو شككنا فِي وُقُوع الرَّضَاع فِي الْحَوْلَيْنِ فَيقرب من تقَابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ الأَصْل بَقَاء الْحَوْلَيْنِ وَالْأَصْل عدم التَّحْرِيم وَالْأَظْهَر أَنه لَا يحرم فَإِنَّهُ الأَصْل كالماسح إِذا شكّ فِي انْقِضَاء مُدَّة الْمسْح قُلْنَا الأَصْل وجوب الْغسْل لَا بَقَاء الْمدَّة الشَّرْط الثَّانِي الْعدَد فَلَا يحرم إِلَّا خمس رَضعَات لقَوْل عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أنزلت عشر رَضعَات مُحرمَات فنسخن بِخمْس رَضعَات وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يحرم برضعة وَقَالَ أَبُو ثَوْر وَابْن أبي ليلى يحصل بِثَلَاث رَضعَات

ثمَّ النّظر فِي أَمريْن أَحدهمَا فِي التَّعَدُّد وَإِنَّمَا يَتَعَدَّد بتخلل فصل بَين الرضعتين وَيتبع فِيهِ الْعرف كموجب الْيَمين وَلَا يَنْقَطِع التواصل بِأَن يلفظ الصَّبِي الثدي ويلهو لَحْظَة وَلَا بِأَن يتَحَوَّل من ثدي إِلَى ثدي لِأَن ذَلِك إتْمَام رضعة وَاحِدَة وَإِنَّمَا يَنْقَطِع بالإضراب سَاعَة وَالْعرْف هُوَ الْمُحكم وَعند الشَّك الأَصْل نفي التَّحْرِيم أما إِذا حلبت اللَّبن دفْعَة وَاحِدَة وشربه الصَّبِي فِي خمس رَضعَات فَقَوْلَانِ الْأَصَح حُصُول الْعدَد نظرا إِلَى تقطع الْوُصُول وَالثَّانِي أَنه ينظر إِلَى اتِّحَاد الْحُصُول والإنفصال وَإِن حلب خمس دفعات وتناوله الصَّبِي من إِنَاء وَاحِد دفْعَة وَاحِدَة فَهُوَ رضعة فَإِن تنَاوله بدفعات فطريقان مِنْهُم من قطع بِالْعدَدِ لتَعَدد الطَّرفَيْنِ وَمِنْهُم من قَالَ اللَّبن فِي حكم المتحد لما اخْتَلَط الْأَمر الثَّانِي أَن يَتَعَدَّد الْمُرْضع ويتحد الْفَحْل كَالرّجلِ لَهُ خَمْسَة مستولدات أَو أَربع نسْوَة ومستولدة أرضعن بلبانه صَغِيرَة كل وَاحِدَة مرّة لَا تحصل الأمومة وَهل تحصل الْأُبُوَّة للفحل فِيهِ وَجْهَان مشهوران

أَحدهمَا أَنه لَا تحصل لِأَن الأمومة أصل والأبوة تبع وَالثَّانِي تحصل لِأَن الْأُبُوَّة أَيْضا أصل وَقد حصل الْعدَد فِي حَقه وَلَو كَانَ بدلهن خمس بَنَات فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تحصل لِأَن اللَّبن لَيْسَ مِنْهُ حَتَّى نقُول كَأَنَّهُ الْمُرْضع وَهن كالظروف للبنه لِأَن الْبَنَات كَبِنْت وَاحِدَة من وَجه وَالْأَخَوَات كالبنات وَإِذا ثبتَتْ الْحُرْمَة مَعَ ابْنَتَيْهِ انجرت إِلَيْهِ وَلَو كن مختلفات كَأُمّ وَأُخْت وَبنت وَجدّة وَزَوْجَة فَالظَّاهِر أَنه لَا يحرم لِأَن هَذَا الْمَجْمُوع لَا يحصل مِنْهُ قرَابَة وَاحِدَة يعبر عَنْهَا بِعِبَارَة وَقيل يحرم إِذْ لَو استتمت كل وَاحِدَة خمْسا لحرمت فرع يعْتَبر تخَلّل فصل بَين رَضعَات الزَّوْجَات فَلَو أرضعن دفْعَة وَاحِدَة على التواصل فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يَتَعَدَّد لتَعَدد الْمُرْضع وَالثَّانِي أَنه يتحد كتعدد الثدي من وَاحِدَة لِأَن الصَّبِي ارتضع دفْعَة وَاحِدَة فعلى هَذَا لَو عَادَتْ وَاحِدَة وأرضعت أَرْبعا حرم عَلَيْهَا لِأَنَّهَا كملت الْخمس وَفِيه وَجه أَنه لَا يحرم لِأَن الرضعة الأولى لم تحسب رضعة تَامَّة وَلَو حسبت لحصل التَّحْرِيم بالمجموع وَهَذَا ضَعِيف

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِيمَن يحرم بِالرّضَاعِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَيحرم بِالرّضَاعِ أصُول وفروع وَالْأُصُول ثَلَاثَة الْمُرضعَة وَهِي الْأُم وَزوجهَا وَهُوَ الْأَب والمرتضع وَهُوَ الْوَلَد وَمِنْهُم تَنْتَشِر الْحُرْمَة إِلَى الْأَطْرَاف حَتَّى يحرم من الرَّضَاع مَا يحرم من النّسَب بَيَانه أَنه إِذا حرم على المرتضع الْمُرضعَة حرم عَلَيْهَا أمهاتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ جدات وَحرم عَلَيْهِ أخواتها نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ خالات وَلم تحرم عَلَيْهِ بَنَات أخواتها وإخوتها فَإِنَّهُنَّ بَنَات الخالات والأخوال وَحرمت بناتها عَلَيْهِ نسبا ورضاعا فَإِنَّهُنَّ أَخَوَات المرتضع وَحرمت أَوْلَاد بَنَات الْمُرضعَة قربن أَو بعدن من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُ خالهن وكما حرمت الْمُرضعَة على المرتضع حرمت على أَوْلَاده من النّسَب وَالرّضَاع فَإِنَّهُم حوافدها وَلم تحرم على أَب المرتضع فَلَو تزوج بهَا أَبوهُ فَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الابْن وَلَا منع مِنْهُ وَلَو تزوج أَخُوهُ بهَا فَلَا منع وَكَأَنَّهُ تزوج بِأم الْأَخ وَهُوَ جَائِز وَإِنَّمَا لَا يجوز فِي النّسَب لِأَنَّهَا زَوْجَة الْأَب وَذَلِكَ حرَام بِحكم الْمُصَاهَرَة وَهَذَا الْقيَاس بِعَيْنِه جَار بَين المرتضع والفحل فَإِذا كَانَ هُوَ للمرتضع أَبَا فأبوه جد وَأَخُوهُ عَم وَابْنه أَخ وعَلى هَذَا الْقيَاس

وَالْأَصْل فِي الْفَحْل أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا احْتَجَبت من أَفْلح فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليلج عَلَيْك فَإِنَّهُ عمك وَكَانَت قد ارتضعت من زَوْجَة أَخِيه وَلَا يُخَالف الرَّضَاع النّسَب إِلَّا فِي أم الْأَخ من الرَّضَاع وَأم الإبن من الرَّضَاع فَإِنَّهُمَا لَا يحرمان من الرَّضَاع وَإِنَّمَا يحرمان من النّسَب للمصاهرة والزوجية

فصل فِي مسَائِل تتَعَلَّق بالفحل خَاصَّة فَنَقُول إِنَّمَا تثبت الْحُرْمَة من الْفَحْل إِذا أرضعت بلبانه وَنسب اللَّبن ينْسب الْوَلَد إِلَيْهِ وكل ولد منفي عَنهُ فاللبن الْحَاصِل بِسَبَبِهِ منفي عَنهُ كَوَلَد الزِّنَا وَالْولد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ وَأما لبن الْمَوْلُود من وَطْء الشُّبْهَة فَالصَّحِيح أَنه مَنْسُوب إِلَيْهِ كَالْوَلَدِ وَقد نقل فِيهِ قَول وَوَجهه أَن النّسَب يثبت للضَّرُورَة وَلَا ضَرُورَة فِي الرَّضَاع وَكَذَا طردوا هَذَا القَوْل فِي الصهر فرعان أَحدهمَا أَنه لَو وطِئت الْمَنْكُوحَة بِالشُّبْهَةِ وَأَتَتْ بِولد بِحَيْثُ يعرض على الْقَائِف وفرعنا على الصَّحِيح فِي ثُبُوت الرَّضَاع بِوَطْء الشُّبْهَة فالرضاع تبع للنسب فَإِذا أرضعت صَغِيرا فَهُوَ ولد من ألحق الْقَائِف بِهِ الْمَوْلُود فَإِن لم يكن قائف وَبلغ الْمَوْلُود وانتسب إِلَى أَحدهمَا تبعه المرتضع فِي الرَّضَاع فَإِن مَاتَ قبل الإنتساب فَفِي الرَّضِيع ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه ينتسب بِنَفسِهِ كَالْوَلَدِ لِأَنَّهُ تَابع والآن مَاتَ الْمَتْبُوع فَقَامَ مقَامه وَلَكِن هُوَ ينتسب عِنْد عدم الْوَلَد

وَالثَّانِي أَنه لَا ينتسب لِأَن الْوَلَد يَبْنِي على ميل فِي الطَّبْع تَقْتَضِيه الْخلقَة وَذَلِكَ لَا يتَحَقَّق فِي الرَّضَاع فعلى هَذَا نسبه فِي الرَّضَاع مُبْهَم بَينهمَا فَيحرم عَلَيْهِ مواصلتهما جَمِيعًا وَهَذَا هُوَ الْأَصَح وَالثَّالِث أَن الْأَمر مَوْقُوف وَالْحُرْمَة قَائِمَة وَعَلِيهِ أَن لَا يواصلهما جَمِيعًا وَلَكِن لَهُ مُوَاصلَة أَحدهمَا وَإِذا فعل تعين وَلم يجز لَهُ بعد ذَلِك مُوَاصلَة الثَّانِي وَإِن طلثق الأول وَفِيه وَجه أَن لَهُ مُوَاصلَة الثَّانِي مهما طلق الأول وَإِنَّمَا يحرم عَلَيْهِ الْجمع لِأَن يتَيَقَّن التَّحْرِيم عِنْد الْجمع لَا عِنْد الْإِفْرَاد وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر أَنه يثبت نسبه فِي الرَّضَاع مِنْهُمَا لِأَنَّهُ يحمل أَبَوَانِ من الرَّضَاع وَلَا يحمل من النّسَب وَهَذَا ضَعِيف إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ شُمُول التَّحْرِيم وَذَلِكَ صَحِيح الْفَرْع الثَّانِي إِذا طلق زَوجته ولبنها دَار فَهُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ أبدا وَكَذَلِكَ لَو انْقَطع وَعَاد مَا لم تضع حملا من واطىء آخر وَقيل إِنَّه يتَقَدَّر بِأَرْبَع سِنِين وَهُوَ أقْصَى مُدَّة الْحمل وَهُوَ فَاسد لِأَن اللَّبن لَا تتقدر مدَّته وَمهما وضعت حملا من واطىء لخر شُبْهَة أَو نِكَاح انْقَطع نِسْبَة اللَّبن عَنهُ اما فِي مُدَّة الْحمل فِي النِّكَاح الثَّانِي فَهُوَ مَنْسُوب إِلَى الأول إِن قَالَ أهل الْبَصَر لم يدْخل وَقت درور اللَّبن من الثَّانِي فَإِن قَالُوا دخل فَفِيهِ نظر فَإِن كَانَ اللَّبن لَا يَنْقَطِع فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه للْأولِ استصجابا وَالثَّانِي أَنه لَهما وَالثَّالِث أَنه إِن زَاد اللَّبن فَلَهُمَا وَإِلَّا فَهُوَ للْأولِ

وَأما إِذا كَانَ قد انْقَطع وَعَاد بِالْحملِ فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهمَا أَنه للْأولِ إِذْ لم يطْرَأ قَاطع مَعْلُوم فَلَا نبالي بقول أهل الْبَصَر إِن ذَلِك جَائِز وَلَا بِانْقِطَاع اللَّبن وَالثَّانِي أَنه للثَّانِي لِأَن الْحمل نَاسخ وَالثَّالِث أَنه لَهما جَمِيعًا وَالله أعلم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي بَيَان الرَّضَاع الْقَاطِع للنِّكَاح وَحكم الْغرم فِيهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويشتمل هَذَا الْبَاب على غوامض الْكتاب وَلَا بُد من تَقْدِيم أصلين أَحدهمَا فِي الْغرم وَالثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ الأول فِي الْغرم فَإِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة فأرضعتها أمه أَو امْرَأَته بلبانه حرمت زَوجته الصَّغِيرَة وَانْقطع النِّكَاح وعَلى الزَّوْج نصف الْمُسَمّى قبل الْمَسِيس وجميعه حَيْثُ يَنْقَطِع النِّكَاح بِمثلِهِ بعد الْمَسِيس وَأما الْمُرضعَة فقد فوتت ملك النِّكَاح عَلَيْهِ فَلَا بُد وَأَن تغرم وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن عَلَيْهَا قبل الْمَسِيس نصف مهر الْمثل وَنَصّ فِي شُهُود الطَّلَاق إِذا رجعُوا أَنهم يغرمون جَمِيع مهر الْمثل فَقيل قَولَانِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ بِالنَّقْلِ والتخريج ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى أَن المستقر هُوَ النّصْف توفّي الثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح أَن الْملك بِكَمَالِهِ مُسْتَقر وَإِنَّمَا يسْقط الشّطْر بِالطَّلَاق فَيجب جَمِيع الْمهْر وَمِنْهُم من فرق بِأَن الشُّهُود لم يقطعوا بَاطِنا ملكه وَإِنَّمَا أوقعوا حيلولة والإرضاع قطع النِّكَاح وَالْقطع قبل الْمَسِيس لَا يُوجب إِلَّا النّصْف وَمِنْهُم من أقرّ النَّص فِي الشُّهُود وَخرج مِنْهُ قولا إِلَى الرَّضَاع أَنه يجب التَّمام وَهُوَ مُتَّجه فِي الْقيَاس وَذكر بعض أَصْحَابنَا قَوْلَيْنِ آخَرين أَحدهمَا أَنه يغرم نصف الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي فَاتَ على الزَّوْج مُتَقَوّما أما الْبضْع فَلَا

يتقوم وَهُوَ مَذْهَب أببي حنيفَة رَحمَه الله وَالثَّانِي كَمَال الْمُسَمّى لِأَنَّهُ الَّذِي بذل الزَّوْج إِذْ التشطير خاصية الزَّوْج وَفِي الشُّهُود قَول خَامِس أَن الزَّوْج إِن كَانَ بذل كَمَال الْمُسَمّى وَجب كَمَال الْمُسَمّى لِأَن الزَّوْج مُنكر للطَّلَاق فَلَا يُمكنهُ اسْتِرْدَاد شطر الْمُسَمّى أما إِذا جرى بعد الْمَسِيس بِأَن كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وصغيرة فأرضعت أم الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حَتَّى صارتا أُخْتَيْنِ فَحرم جميعهما اندفعا على الصَّحِيح وَفِيمَا تغرم لأجل الْكَبِيرَة الممسوسة قَولَانِ الصَّحِيح الْمَقْطُوع بِهِ أَنَّهَا تغرم كَمَال مهر الْمثل وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم شَيْئا لِأَن الزَّوْج بِالْوَطْءِ استوفى مَا يُقَابل الْمهْر وَكَذَلِكَ إِذا ارْتَدَّت بعد الْمَسِيس لم تغرم شَيْئا وَهَذَا كُله إِذا كَانَ الرَّضَاع مِنْهَا قصدا فَلَو كَانَت الْمُرضعَة نَائِمَة فدبت الصَّغِيرَة إِلَيْهَا وامتصت فالفسخ محَال على الصَّغِيرَة حَتَّى يسْقط كَمَال الْمُسَمّى وَلَا تغرم الْمُرضعَة لعدم الْقَصْد وَلَا خلاف فِي أَن فعلهَا فِي الإرتضاع لَا يعْتَبر مهما كَانَت الْمُرضعَة قاصدة بل يُحَال على جَانب الْمُرضعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ فِي النائمة وَجْهَيْن آخَرين أَحدهمَا أَنه يُحَال على الْمُرضعَة لِأَنَّهَا صَاحِبَة اللَّبن فتنسب إِلَيْهِ وَهَذَا ضَعِيف

وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تغرم لِأَنَّهَا لم تقصد وتستحق الصَّغِيرَة نصف الْمُسَمّى إِذْ لَا عِبْرَة بِفِعْلِهَا أما إِذا قطرت قَطْرَة من اللَّبن فطيرها الرّيح إِلَى فَم الصَّغِيرَة فَلَا غرم على صَاحِبَة اللَّبن وَالصَّغِيرَة تسْتَحقّ شطر الْمهْر إِذْ لَا فعل لَهَا وَيرجع وَجه فِي النّظر إِلَى صَاحِبَة اللَّبن الأَصْل الثَّانِي فِي التفاف الْمُصَاهَرَة بِالرّضَاعِ فَنَقُول إِذا أرضعت امْرَأَة صبية فنكح الصبية رجل حرم عَلَيْهِ الْمُرضعَة لِأَنَّهَا أم زَوجته والأمومة سَابِقَة على الزَّوْجِيَّة فَلَو نكح صبية وأبانها فأرضعتها كَبِيرَة حرمت الْكَبِيرَة على الْمُطلق لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة كَانَت زَوجته إِذْ لَا ينظر إِلَى التَّارِيخ والتقديم وَالتَّأْخِير وَهَذَا مُتَّفق عَلَيْهِ والمطلقة أَو الْمُسْتَوْلدَة إِذا نكحت صَغِيرا ثمَّ أَرْضَعَتْه بلبان الزَّوْج أَو السَّيِّد حرما على الْمُطلق وَالسَّيِّد لِأَن الرَّضِيع صَار ابْنا وَهِي كَانَت زَوجته قبل أَن صَار ابْنا فصارتا أم الزَّوْجَة وَكَذَلِكَ لَو نكح زيد كَبِيرَة وَعَمْرو صَغِيرَة ثمَّ طَلَّقَاهُمَا ونكح كل وَاحِد زَوْجَة صَاحبه فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة حرمت الْكَبِيرَة عَلَيْهِمَا لِأَنَّهَا صَارَت أم صَغِيرَة هِيَ زوجتهما وَأما الصَّغِيرَة فَإِن لم يكن زيد قد دخل بالكبيرة لما كَانَت تَحْتَهُ فنكاح الصَّغِيرَة بَاقٍ لِأَنَّهَا صَارَت ربيبة امْرَأَة لم يدْخل بهَا فَإِن كَانَ قد دخل بالكبيرة حرمت الصَّغِيرَة وانفسخ النِّكَاح لِأَنَّهَا ربيبة مَدْخُول بهَا فَإِن تمهد هَذَانِ الأصلان انشعب مِنْهُمَا صور

الصُّورَة الأولى إِذا كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَة وكبيرة فأرضعت الْكَبِيرَة الصَّغِيرَة بلبان الزَّوْج حرمتا عَلَيْهِ على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة صَارَت ولد الزَّوْج فَإِن أرضعتها بلبان غَيره وَكَانَ بعد الدُّخُول بالكبيرة حرمتا على التأييد لِأَن الْكَبِيرَة صَارَت أم الزَّوْجَة وَالصَّغِيرَة ربيبة مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبّدَة لما سبق وانفسخ نِكَاح الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا اجْتمعت مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح وَلَا يحرم تَجْدِيد نِكَاحهَا لِأَنَّهَا ربيبة غير مَدْخُول بهَا أما الْغرم فَإِن ظهر فعلهَا يسْقط مهرهَا قبل الدُّخُول وَغرم مهر الصَّغِيرَة كَمَا سبق الصُّورَة الثَّانِيَة لَو كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغَار فأرضعتهن دفْعَة بِأَن حلبت اللَّبن فأوجرتهن دفْعَة حرمت هِيَ على التأييد لِأَنَّهَا أم زَوْجَاته وانفسخ نِكَاح الصغار لمعنيين أَحدهمَا ثُبُوت الاخوة بَينهُنَّ وَالثَّانِي اجتماعهن مَعَ الْأُم فِي النِّكَاح وَلم يحرمن مُؤَبَّدًا لِأَن تحريمهن بِسَبَب الإجتماع وَلَكِن بِشَرْط أَن لَا يكون الإرتضاع بلبان الزَّوْج وَأَن يكون قبل دُخُوله بالكبيرة حَتَّى لَا يصرن ربائب مَدْخُول بهَا وَإِن أرضعت الْأَوليين ثمَّ الثَّالِثَة انْفَسَخ نِكَاحهَا مَعَ الْأَوليين وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّالِثَة إِذْ لم يبْق فِي نِكَاحه امْرَأَة حَتَّى يمْتَنع الإجتماع فَلَو أرضعت وَاحِدَة فَوَاحِدَة على التَّرْتِيب انْفَسَخ نِكَاح الْكُبْرَى مَعَ الأولى وَلم يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة فِي الْحَال وَهل يَنْفَسِخ مَعَ نِكَاح الثَّالِثَة وَقد أرضعتها وَتَحْته الصَّغِيرَة الثَّانِيَة فِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا نعم وَهُوَ الْقيَاس لِأَنَّهُمَا أختَان فَلَيْسَتْ إِحْدَاهمَا بالإندفاع أولى من الْأُخْرَى وَالثَّانِي أَنه تخْتَص الثَّالِثَة باندفاع نِكَاحهَا لِأَن سَبَب الْجمع وجد بإرضاعها وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أَجْنَبِيَّة صغيرتين تَحت زوج وَاحِد على التوالي انْدفع نِكَاح الثَّانِيَة وَفِي الأولى قَولَانِ وَكَذَلِكَ لَو أرضعت أم إِحْدَى الصغيرتين الْأُخْرَى انْفَسَخ نِكَاح المرتضعة وَفِي الْأُخْرَى الْقَوْلَانِ وَالأَصَح فِي الْكل التدافع وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله وَلَو كَانَ تَحْتَهُ أَربع صغَار فجَاء ثَلَاث خالات للزَّوْج من جِهَة الْأَب وَالأُم وأرضعت كل وَاحِدَة وَاحِدَة لم يَنْفَسِخ نِكَاحهنَّ لِأَنَّهُنَّ صرن بَنَات الخالات فَلَو جَاءَت بعد ذَلِك أم أم الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب لأم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة حرمت هِيَ مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة للزَّوْج وَصَارَت خَالَة للصغائر الثَّلَاث إِذْ صَارَت اختا للخالة الَّتِي أرضعتهن وَأُخْت الْخَالَة خَالَة فينفسخ نِكَاحهَا وَفِي انْفِسَاخ نِكَاح الثَّلَاث وَهِي بَنَات أُخْتهَا وَقد اجْتَمعْنَ فِي النِّكَاح مَعهَا قَولَانِ لِأَن سَبَب الْجمع مُحَقّق مِنْهَا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو كَانَت الخالات متفرقات إِحْدَاهُنَّ للْأَب وَالْأُخْرَى للْأُم وَالْأُخْرَى للأبي وَالأُم وَجَاءَت أم أم الزَّوْج وارتضعت الرَّابِعَة انْفَسَخ نِكَاحهَا وَأما الصَّغَائِر الثَّلَاث فالتي أرضعتها الْخَالَة للْأَب لَا يَنْفَسِخ نِكَاحهَا لِأَن الخؤولة للرابعة حصلت من جِهَة أم أم الزَّوْج وَالْخَالَة للْأَب لَا تتصل بهَا الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو جَاءَت امْرَأَة أَب أم الزَّوْج وأرضعت الرَّابِعَة بلبان أَب أم الزَّوْج يَنْفَسِخ

نِكَاحهَا لِأَنَّهَا صَارَت خَالَة الزَّوْج للْأَب وَهل يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّلَاث أما الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأَب أَو للْأَب وَالأُم فَفِي انْفِسَاخ نِكَاحهَا قَولَانِ وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الَّتِي أرضعتها الْخَالَة للْأُم لِأَنَّهَا أَجْنَبِيَّة مِنْهَا لِأَن الخؤولة ثبتَتْ لَهَا من جِهَة أَب أم الزَّوْج وَهِي خَالَة من جِهَة أم أم الزَّوْج وَيخرج على هَذِه الْقَاعِدَة ثَلَاث عمات مجتمعات أَو متفرقات وَفرض إِرْضَاع الرَّابِعَة من أم أَب الزَّوْج أَو امْرَأَة أَب أَب الزَّوْج الصُّورَة الثَّالِثَة تَحْتَهُ كَبِيرَة وَثَلَاث صغائر وللكبيرة ثَلَاث بَنَات كبار فأرضعت كل بنت كَبِيرَة للكبيرة صَغِيرَة فَإِن كَانَ بعد الدُّخُول حرمت الْكَبِيرَة مُؤَبَّدًا لِأَنَّهَا صَارَت جدة للصغائر وَحرمت الصَّغَائِر مُؤَبَّدًا لِأَنَّهُنَّ ربائب مَدْخُول بهَا وَإِن كَانَ قبل الدُّخُول انْفَسَخ نِكَاحهنَّ وَلم يحرم على التَّأْبِيد إِلَّا الْكَبِيرَة فَإِنَّهَا أم الزَّوْجَات وَإِنَّمَا يَنْفَسِخ إِذا جرى الْإِرْضَاع دفْعَة من غير توال وَإِن جرى على التوالي انْفَسَخ نِكَاح الأولى مَعَ الْأُم وَلَا يَنْفَسِخ نِكَاح الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة فَإِن حلبن اللَّبن فِي ظرف وَاحِد وأرضعن دفْعَة انْدفع نِكَاح الْكل والمرضعات يشتركن فِي غَرَامَة مُهُور الصَّغَائِر فِي هَذِه الصُّورَة لامتزاج اللَّبن وَإِن انْفَرَدت كل وَاحِدَة بالإرضاع مَعًا انْفَرَدت كل وَاحِدَة بغرامة مهرهَا واشتركن فِي غَرَامَة مهر الْكَبِيرَة إِذْ كل وَاحِدَة أَتَت بعلة كَامِلَة فِي دفع نِكَاحهَا الصُّورَة الرَّابِعَة نكح كبيرتين وصغيرتين فأرضعت كَبِيرَة بلبانه الصغيرتين على التَّرْتِيب وَكَذَلِكَ فعلت الْكَبِيرَة الثَّانِيَة حرمت الكبيراتان والصغيرتان على الْأَبَد غير أَن الْكَبِيرَة لما أرضعت الصَّغِيرَة الأولى أفسدت نِكَاح نَفسهَا وَنِكَاح تِلْكَ الصَّغِيرَة لِأَنَّهَا صَارَت أم الزَّوْجَة وَصَارَت الصَّغِيرَة بِنْتا وَلما أرضعت الثَّانِيَة فسد نِكَاح الثَّانِيَة لِأَنَّهَا أَيْضا صَارَت بِنْتا فَسقط مهر الْكَبِيرَة إِن كَانَ قبل الدُّخُول وتغرم مهر الصغيرتين كَمَا سبق وَأما الْكَبِيرَة

الثَّانِيَة فَلم تفْسد إِلَّا نِكَاح نَفسهَا فَلَا مهر لَهَا وَلَا شَيْء عَلَيْهَا أما إِذا لم يكن بلبان الزَّوْج فَلَا تصير الصَّغِيرَة بِنْتا بل ربيبة فَلَا يخفى حكمهَا قبل الدُّخُول وَبعده وَحكم الْآيَة قَائِم بِالْإِجْمَاع قبل الدُّخُول

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الرَّابِع فِي النزاع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي الدَّعْوَى وَالْحلف وَالشَّهَادَة أما الدَّعْوَى فَإِن توافقا على الرَّضَاع حكم باندفاع النِّكَاح وَلَا يجب إِلَّا مهر الْمثل إِن جرى مَسِيس وَإِن ادّعى أَحدهمَا قضي بِمُوجب قَوْله فِيمَا عَلَيْهِ وطولب بِالْبَيِّنَةِ فِيمَا لَهُ فَإِن ادّعى الزَّوْج انْدفع النِّكَاح وَلم يسْقط مهرهَا بقوله وَإِن ادَّعَت الْمَرْأَة سقط مهرهَا إِن لم تكن قبضت وَإِن جرى الْقَبْض فَلَا يقدر الزَّوْج على الإسترداد لِأَنَّهُ مُنكر للرضاع أما التَّحْلِيف فالمنكر يحلف على نفي الْعلم بجريان الرَّضَاع لِأَن الرَّضَاع فعل الْغَيْر وَلَا نظر إِلَى فعلهَا فِي الْإِرْضَاع لِأَنَّهَا كَانَت صَغِيرَة فَإِن نكلت حلف الزَّوْج على الْبَتّ بجريان الرَّضَاع وَقَالَ الْقفال يحلف على الْعلم بجريان الرَّضَاع لتطابق الْيَمين الْمَرْدُودَة يَمِينهَا على الضِّدّ وَالصَّحِيح أَن ذَلِك ذكره على سَبِيل الإستحباب وَإِلَّا فَإِذا حلف على الرَّضَاع جزما كفى أما الشَّهَادَة فلهَا طرفان الأول عدد الشُّهُود وصفتهم فَلَا بُد من أَربع نسْوَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله يَكْفِي اثْنَتَانِ وَتقبل شَهَادَة النسْوَة وحدهن وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد من رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ

وَلَو شهِدت أم الْمَرْأَة وابنتها لم تقبل إِن كَانَت هِيَ المدعية وَإِن كَانَت مُنكرَة قبل عَلَيْهَا وَلَو ابْتَدَأَ الشَّهَادَة من غير دَعْوَى على سَبِيل الْحِسْبَة قبل إِذْ رُبمَا تكون عَلَيْهَا وَرُبمَا تكون لَهَا وَشَهَادَة الْحِسْبَة تقبل فِي الرَّضَاع كَمَا فِي الطَّلَاق وَتقبل شَهَادَة الْمُرضعَة وَإِن شهِدت على فعلهَا إِذْ لَيْسَ تقصد إِثْبَات الْفِعْل بل وُصُول اللَّبن إِلَّا إِذا كَانَ غرضها الْأُجْرَة فَلَا تقبل وَقَالَ الفوراني لَو شهِدت على أَنَّهَا ارتضعت مني قبل وَلَو قَالَت أشهد أَنِّي أرضعتها فَلَا تقبل لفساد الصِّيغَة الطّرف الثَّانِي فِي التَّحَمُّل وَيحصل ذَلِك بِأَن يُشَاهد الصَّغِير قد الْتَقم الثدي وَهُوَ يتجرع وتتحرك حنجرته مستجرا حَرَكَة يحصل لَهُ بهَا علم بوصول اللَّبن إِلَى جَوْفه من قرينَة الْحَال وَالظَّن الْغَالِب كَالْعلمِ كَمَا فِي الشَّهَادَة على الْملك وَلَكِن عِنْد أَدَاء الشَّهَادَة يَنْبَغِي أَن يجْزم القَوْل بِأَن بَينهمَا رضَاعًا محرما فَإِن شهد على الْإِرْضَاع فليذكر شَرَائِطه من الْوَقْت وَالْعدَد وَهل يجب ذكر وُصُول اللَّبن إِلَى الْجوف فِيهِ خلاف وَلَا شكّ فِي أَن القَاضِي لَو استفضل فَعَلَيهِ ذَلِك وَلَكِن لَو مَاتَ الشَّاهِد قبل التَّفْصِيل فَهَل للْقَاضِي التَّوَقُّف فِيهِ وَجْهَان وَمن اكْتفى بِدُونِ ذَلِك علل بِأَن الْوُصُول إِلَى الْجوف لَا يرى بِخِلَاف ولوج الْآلَة فِي الزِّنَا فَإِنَّهُ يرى وَلَا خلاف فِي أَنه لَو حكى الْقَرَائِن الَّتِي شَاهدهَا فِي الرَّضَاع لم يقبل إِن كَانَ ذَلِك مُسْتَند علمه

= كتاب النَّفَقَات = والأسباب الْمُوجبَة للنفقات ثَلَاثَة الزَّوْجِيَّة والقرابة وَملك الْيَمين

السَّبَب الأول الزَّوْجِيَّة وَيجب على الزَّوْج النَّفَقَة بالِاتِّفَاقِ وَهِي خَمْسَة أَشْيَاء الطَّعَام والإدام وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى وَآلَة التَّنْظِيف كالمشط والدهن وَالْخَادِم إِن كَانَت مِمَّن تخْدم ثمَّ الْخَادِم تسْتَحقّ الطَّعَام والأدم وَالسُّكْنَى وَالْكِسْوَة وتستحق الْخُف لترددها فِي الْخُرُوج وَالْمَرْأَة لَا تسْتَحقّ الْخُف بل المكعب للتردد فِي الْمسكن وَلَا تسْتَحقّ الخادمة آلَة التَّنْظِيف وَلَا تسْتَحقّ الزَّوْجَة المعالجة بالداء والفضد والحجامة وَشرح هَذِه الْأُمُور مَعَ مسقطات النَّفَقَة فِي ثَلَاثَة أَبْوَاب

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي قدر النَّفَقَة وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَشَرحه فِي فصلين الْفَصْل الأول فِي الْمِقْدَار وَالْكَلَام فِي هَذِه الاشياء الْمَذْكُورَة وَهِي سِتَّة أَشْيَاء الْوَاجِب الأول هُوَ الطَّعَام وَهُوَ مد على الْمُعسر ومدان على الْمُوسر وَمد وَنصف على الْمُتَوَسّط وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله إِنَّه لَا يقدر بل الْوَاجِب قدر الْكِفَايَة كَنَفَقَة الْقَرِيب وَنقل الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد قولا غَرِيبا على مُوَافَقَته وَنقل صَاحب التَّقْرِيب قولا أَن الزِّيَادَة على الْمَدّ لَا مرد لَهُ فَهُوَ إِلَى فرض القَاضِي وَالْمذهب هُوَ الأول ومستنده أَن اعْتِبَار الْكِفَايَة لَا يَصح مَعَ أَنَّهَا تسْتَحقّ فِي يَوْم مَرضهَا وشبعها فَإِذا بطلت

الْكِفَايَة فَأَقل طَعَام أوجبه الشَّرْع الْمَدّ فِي الْكَفَّارَات وَهُوَ الْقدر الَّذِي يجتزىء بِهِ الزهيد ويتبلغ بِهِ الرغيب وأقصاه مدان إِذْ أوجبهما الشَّرْع فِي الْفِدْيَة وَالْوسط مَا بَينهمَا وَقد ثَبت أَن ذَلِك يخْتَلف لقَوْله تَعَالَى {على الموسع قدره وعَلى المقتر قدره} فتقدير الله تَعَالَى أولى من تَقْدِير القَاضِي وَأحسن مُسْتَند لتقدير القَاضِي تَقْدِير الشَّرْع وَإِنَّمَا ينظر إِلَى حَال الزَّوْج عندنَا فِي الْعَجز وَالْقُدْرَة لَا إِلَى حَالهَا والمعسر هُوَ الَّذِي لَا يملك شَيْئا أصلا فَعَلَيهِ مد وَلَا يزِيد فَإِن كَانَ قَادِرًا على كسب الزِّيَادَة فَإِن خرج عَن حد اسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين بِملك مَال نظر فَإِن كثر فَهُوَ مُوسر وَإِن كَانَ بِحَيْثُ لَو ألزمناه الْمَدِين أوشك أَن يرجع إِلَى حد الْمَسَاكِين فَهُوَ متوسط فَعَلَيهِ مد وَنصف وَلَيْسَ على الْمكَاتب وَالْعَبْد إِلَّا نَفَقَة المعسرين وَكَذَلِكَ من نصفه عبد وَنصفه حر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله عَلَيْهِ نصف نَفَقَة المعسرين وَنصف نَفَقَة الموسرين هَذَا حكم الْمِقْدَار أما جنس الطَّعَام فغالب قوت الْبَلَد فَإِن اخْتلف فَمَا يَلِيق بِالزَّوْجِ وَإِن كَانَ حَال

الزَّوْج يُخَالف الْغَالِب فَهُوَ فِي مَحل التَّرَدُّد الْوَاجِب الثَّانِي الْأدم وَقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ مكيلة زَيْت أَو سمن وَهَذَا تقريب إِذْ لَا تَقْدِير فِي الشَّرْع فِيهِ وَإِنَّمَا الْوَاجِب مَا يَكْفِي مَعَ الْمَدّ أَو الْمَدِين وَالرُّجُوع فِي الْجِنْس إِلَى الْغَالِب فِي الْبَلَد أَو إِلَى اللَّائِق بِحَال الزَّوْج وَأما اللَّحْم فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ رَطْل من اللَّحْم فِي الْأُسْبُوع إِن كَانَ الْوَاجِب مدا ورطلان للْمَدِين قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ بنى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَذَا على عَادَة بَلْدَة ألفها فَإِن اقْتَضَت عَادَة بَلْدَة أُخْرَى زِيَادَة على ذَلِك فَيَنْبَغِي أَن يُزَاد وَقَالَ الْقفال رَحمَه الله لَا زِيَادَة عَلَيْهِ لأَنا نقتصر على الْأَقَل كَمَا فِي الطَّعَام فرعان أَحدهمَا لَو كَانَت تزجى الْوَقْت بالخبز القفار فَلَا يسْقط حَقّهَا من الْأدم كَمَا إِذا لم تَأْكُل أصل الطَّعَام فَإِنَّهَا تسْتَحقّ الطَّعَام الثَّانِي لَو تبرمت بِجِنْس وَاحِد من الْأدم فَيجب على الزَّوْج إِبْدَاله على وَجه وَلَا يجب فِي وَجه بل عَلَيْهَا الْإِبْدَال إِن شَاءَت الْوَاجِب الثَّالِث الخادمة وَتجب نَفَقَة خادمتها إِذا كَانَ منصبها يَقْتَضِي أَن تخْدم وَإِن كَانَ لَا يَلِيق بمنصبها وَإِنَّمَا تخْدم لمَرض فَلَا يجب إِذْ لَا تجب أَسبَاب المعالجة وَإِن كَانَ بهَا

زمانة وَمرض دَائِم فَهِيَ كَذَلِك تحْتَاج إِلَى الخادمة فَهَذَا يحْتَمل لِأَن هَذَا الْعذر الدَّائِم لَا ينقص عَن مُرَاعَاة الحشمة ثمَّ على الْمُعسر للخادمة مد وعَلى الْمُوسر مد وَثلث كَذَلِك قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ تقريب لَا تَقْدِير إِذْ لَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ نعم هُوَ رطلان وَهُوَ لَائِق بِالْعَادَةِ فِي حق الخادمة وَالصَّحِيح أَنه ينظر إِلَى كفايتها إِلَّا أَن هَذَا الْقدر قدر الْكِفَايَة فِي الْغَالِب وَفِي اسْتِحْقَاق الْأدم وَجْهَان أَحدهمَا نعم كالمخدومة وَلَكِن يجوز أَن يكون أدمها فِي الْجِنْس أخسر وَفِي الْمِقْدَار مَا يَلِيق بِقدر طعامها وَالثَّانِي أَنه لَا تسْتَحقّ بل تكتفي بِمَا تفضله المخدومة فِي بعض الْأَحْوَال

فروع الأول إِذا لم تملك الخادمة فعلى الزَّوْج أَن يخدمها جَارِيَة أَو حرَّة بِأُجْرَة تقدر عَلَيْهِ وَعند ذَلِك لم يكن لَهَا دخل فِي مِقْدَار نَفَقَة الخادمة وَإِنَّمَا يكون ذَلِك إِذا كَانَت الخادمة لَهَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يَشْتَرِي لَهَا جَارِيَة بل لَو قَالَ أَنا اخدم بنفسي فِي الطَّبْخ والكنس فَلهُ ذَلِك لَكِنَّهَا تستحيي فِي الْحمام وَفِي بَيت المَاء وَفِي بعض الْمَوَاضِع فلهَا الإمتناع صِيَانة للمروءة فَيُفِيد ذَلِك جَوَاز نُقْصَان نَفَقَة الْخَادِم لنُقْصَان الْخدمَة وَعند ذَلِك يحْتَمل التشطير أَو النّظر إِلَى مقادير الْأَفْعَال أما إِذا قَالَت أَنا أخدم بنفسي فَأعْطِنِي نَفَقَة الخادمة فَالظَّاهِر أَنه لَا يلْزم لِأَنَّهَا أسقطت مرتبتها وَإِنَّمَا تجب النَّفَقَة لضَرُورَة بَقَاء الْمرتبَة الثَّانِي لَو كَانَت لَهَا خادمة وَأَرَادَ الزَّوْج إبدالها بِسَبَب رِيبَة فَلهُ ذَلِك وَلَا يجوز بِغَيْر عذر لِأَن قطع الإلف إِضْرَار وَلَو كَانَ مَعهَا خدام فَلهُ إِخْرَاج الْجَمِيع إِلَّا وَاحِدَة وَلَا نبالي بِقطع الإلف لِأَن الدَّار ملكه وَلَيْسَ عَلَيْهِ سكناهن بل لَهُ أَن يمْنَع أَبَاهَا وَأمّهَا عَن الدُّخُول عَلَيْهَا ويمنعها عَن الْخُرُوج لزيارتهما وَلَكِن الأولى أَن لَا يفعل ذَلِك الثَّالِث لَو نكح رقيقَة وَهِي تخْدم لجمالها ذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه لَا تجب نَفَقَة الخادمة لِأَن الرّقّ يُنَافِي هَذَا المنصب وَالثَّانِي أَنه تجب لِأَن الْعَادة قد تَقْتَضِيه

الْوَاجِب الرَّابِع الْكسْوَة والأثاث وَلَا تَقْدِير للشَّرْع فِيهِ فَإِن الْعَادة تخْتَلف فِيهِ اخْتِلَافا بَينا فَلَا بُد من الْكِفَايَة وَهُوَ خمار وقميص وَسَرَاويل ومكعب فِي الصَّيف وَمثل ذَلِك فِي الشتَاء مَعَ زِيَادَة جُبَّة أما جنسه فقد قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على الْمُوسر لين الْبَصْرَة وعَلى الْمُعسر غليظ الْبَصْرَة وعَلى الْمُتَوَسّط مَا بَينهمَا وَأَرَادَ الكرباس قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِن كَانَ من عَادَتهَا الْكَتَّان وَالْحَرِير لزم ذَلِك عَلَيْهِ وتتبع الْعَادة قَالَ الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد هِيَ لبسة أهل الدّين وَالزِّيَادَة عَلَيْهِ رعونة فَلَا مزِيد عَلَيْهِ وَلَا بُد مَعَ ذَلِك من ملحفة وشعار ومضربة وثيرة ومخدة ولبد تَحت المضربة أَو حَصِير وَهل لَهَا طلب زلية تفرشها بِالنَّهَارِ فِيهِ وَجْهَان واقتصروا فِي الْفراش على هَذَا الْقدر وَلم يردوه إِلَى الْعَادة وَهَذَا يدل على أَن الْكسْوَة لَا تزاد على مَا ذكره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَلَا بُد من ماعون الدَّار كجرة وكوز وَقدر ومغرفة ويكتفي فِي جَمِيع ذَلِك بالخزف والخشب وَالْحجر وَأما النحاسية فطلبتها ترفه وَقد يَلِيق بالشريفة فَهُوَ كالزيادة على لين الكرباس أما الخادمة فتستحق الْكسْوَة أَيْضا وَلَكِن تخَالف جنسية المخدومة وطعامها لَا يُخَالف فِي الْجِنْس وَفِي إدامها تردد الْوَاجِب الْخَامِس آلَة التَّنْظِيف وَهُوَ الْمشْط والدهن وَإِن طلبت مزيدا كالكحل

وَالطّيب لم يجب وَيجب المرتك لقطع الصنان إِن كَانَ بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِع بِالْمَاءِ وَالتُّرَاب وَإِن قَالَ الزَّوْج الدّهن للتجمل وَإِزَالَة الْوَسخ وَلَا أُرِيد التجمل وَإِزَالَة الْوَسخ بِغَيْرِهِ مُمكن فَهَذَا فِيهِ احْتِمَال وَلَا شكّ فِي أَن للزَّوْج منعهَا من تعَاطِي أكل الثوم وَمَا يتَأَذَّى برائحته الكريهة وَله منعهَا من تنَاول السمُوم الْمهْلكَة وَهل لَهُ منعهَا من الْأَطْعِمَة الممرضة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْمَرَض يُفْضِي إِلَى الْمَوْت كالسم وَالثَّانِي لَا لِأَن ذَلِك غيب لَا يعلم وتتبع ذَلِك يطول وَأما الخادمة فَلَا تسْتَحقّ آلَة التَّنْظِيف وَلَكِن إِن تلبد شعرهَا بِحَيْثُ تتأذى بِهِ فَلَا بُد من السَّعْي فِي الْإِزَالَة وَأما الدَّوَاء فِي المعالجات فَلَا تستحقه الخادمة والمخدومة جَمِيعًا الْوَاجِب السَّادِس السُّكْنَى وَيجب عَلَيْهِ أَن يسكنهَا دَارا تلِيق بهَا عَارِية أَو إِجَارَة أَو شِرَاء وَلم يعْتَبر فِي الْقُوت وَالْكِسْوَة مَا يَلِيق بهَا بل مَا يَلِيق بِهِ بِخِلَاف الْمسكن وَكَأن مَا لَا بُد فِيهِ من التَّمْلِيك فَيعْتَبر جَانِبه وَمَا يُرَاد بِهِ الإنتفاع فَيعْتَبر مَا يَلِيق بهَا وَالله أعلم

الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق أما الطَّعَام فَلَا بُد فِيهِ من تمْلِيك الْحبّ مَعَ مئونة الطَّحْن وَالْخبْز وَإِصْلَاح اللَّحْم من الْحَطب وَالْملح وَأُجْرَة الطباخ وَلها الإمتناع من قبُول الْخَبَر وَلَيْسَ لَهُ أَن يكلفها الْأكل مَعَه فَإِنَّهَا لَا تتسلط على التَّصَرُّف ونفقتها عوض كالمهر فروع الأول لَو أخذت الْحبّ واستعملته بذرا فَالظَّاهِر وجوب مئونة الْإِصْلَاح وَيحْتَمل أَن يُقَال الْإِصْلَاح تَابع وَلَيْسَ بِرُكْن مَقْصُود فَلَا يسْتَقلّ الثَّانِي لَو كَانَت تَأْكُل مَعَ الزَّوْج على الْعَادة فَفِي سُقُوط نَفَقَتهَا وَجْهَان الْقيَاس أَنه لَا تسْقط لِأَنَّهُ لم يجر إِسْقَاط ولااعتياض صَحِيح لَكِن الْأَحْسَن الْإِسْقَاط إِذْ لَو جرى من امْرَأَة فِي عصر الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم طلب النَّفَقَة للزمان الْمَاضِي لاستنكر الثَّالِث لَو اعتاضت عَن النَّفَقَة دَرَاهِم فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا الْمَنْع كالإعتياض عَن الْمُسلم فِيهِ فَإِنَّهُ عوض وَالثَّانِي أَنه يجوز كقيم الْمُتْلفَات لِأَنَّهُ لَا يتَحَقَّق عوضا وَلَو أخذت الْخبز بَدَلا عَن الْحبّ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ لِأَنَّهُ رَبًّا وَوجه التجويز أَنَّهَا كالقابضة لحقها لِأَنَّهَا تركت مئونة الْإِصْلَاح الرَّابِع لَهَا طلب النَّفَقَة صَبِيحَة كل يَوْم وَلَيْسَ عَلَيْهَا الصَّبْر إِلَى آخر الْيَوْم ثمَّ لَو مَاتَت فِي

أثْنَاء النَّهَار لَا تسترد بل هِيَ تَرِكَة لورثتها وَلَو نشزت فِي أثْنَاء الْيَوْم استردت فَلَو قدم إِلَيْهَا نَفَقَة أَيَّام فَهَل تَملكهَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كتعجيل الدّين الْمُؤَجل وَالثَّانِي لَا لِأَن السَّبَب غير مستيقن فَرُبمَا تَمُوت ثمَّ إِذا مَاتَت وَقُلْنَا إِنَّهَا ملكت فَفِي الإسترداد وَجْهَان أظهرهمَا أَنه يسْتَردّ وَلَا خلاف أَنه يسْتَردّ بالنشوز أما الْكسْوَة فَهَل يجب التَّمْلِيك فِيهَا فِيهِ وَجْهَان لترددها بَين النَّفَقَة والمسكن فروع الأول لَو سلم إِلَيْهَا كسْوَة الصَّيف فَتلفت فِي يَدهَا يجب الْإِبْدَال إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَوَجْهَانِ الظَّاهِر أَنه لَا يجب الثَّانِي لَو أتلفت بِنَفسِهَا وَقُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فَلَا تجب الْإِعَادَة عَلَيْهِ وَإِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع فَالظَّاهِر أَنه يجب وَلَكِن يجب عَلَيْهَا قيمَة الْمُتْلف الثَّالِث لَو مَاتَت فِي أثْنَاء الْمدَّة فيسترد ثِيَابهَا إِن قُلْنَا إِنَّه إمتاع وَإِن قُلْنَا إِنَّه تمْلِيك فالصنف بِالنِّسْبَةِ إِلَى الثَّوْب كَالْيَوْمِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّعَام فَهُوَ تَرِكَة وَلَا شكّ فِي أَنه يسْتَردّ بالنشوز

أما الخادمة فَلَا يجب شراؤها وَالتَّمْلِيك فِي رقبَتهَا أما التَّمْلِيك فِي نَفَقَتهَا فكالتمليك فِي نَفَقَة المخدومة وَلَا يتَصَوَّر هَذَا فِي الرقيقة فَإِنَّهَا لَا تملك وَلَا فِي المتسأجرة بِأُجْرَة فَإِنَّهَا لَا تسْتَحقّ سوى الْأُجْرَة بل فِي الَّتِي وعدت الْخدمَة بِالنَّفَقَةِ فتستحق التَّمْلِيك وَإِن لم يكن عقد لَازم وَيحْتَمل هَذَا لأجل الْحَاجة فِي هَذَا الْموضع

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي مسقطات النَّفَقَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ومسقط النَّفَقَة مَا يمْنَع عَلَيْهِ الإستحقاق وَفِيمَا تجب بِهِ النَّفَقَة قَولَانِ مستنبطان من مَعَاني كَلَام الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَحدهمَا أَنه تجب بِمُجَرَّد العقد بِشَرْط عدم النُّشُوز وَلَا تجب بالتمكين بِدَلِيل وُجُوبهَا للرتقاء والمريضة فَكَأَن العقد مُوجب والنشوز مسْقط وَالثَّانِي أَنَّهَا تجب بالتمكين على حسب الْإِمْكَان لِأَن العقد قد أوجب الْمهْر فَتكون النَّفَقَة عوضا عَن التَّمْكِين والإحتباس فِي حبالته وَفَائِدَة الْقَوْلَيْنِ تظهر فِي النزاع فَإِذا تنَازعا فِي النُّشُوز فَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل عدم النُّشُوز وَإِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِثْبَات التَّمْكِين وَكَذَلِكَ إِذا لم يُطَالب بالزفاف وَالْمَرْأَة ساكتة إِن قُلْنَا تجب بالتمكين فَلَا نَفَقَة لَهَا وَإِن قُلْنَا تجب بِالْعقدِ فَتجب إِذْ لَا نشوز مِنْهَا وَلَا خلاف أَنه تسْقط النَّفَقَة بامتناع الإستمتاع بِسَبَب من جِهَتهَا لَا تكون معذورة فِيهِ بِخِلَاف الْمَرَض والرتق والموانع أَرْبَعَة الأول النُّشُوز فَإِذا نشزت يَوْمًا لم تسْتَحقّ نَفَقَة ذَلِك الْيَوْم والنشوز فِي بعض الْيَوْم هَل يسْقط جملَة النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا نعم لِأَن حكم الْيَوْم الْوَاحِد لَا يَتَبَعَّض وَالثَّانِي أَنه يوزع على مِقْدَار الزَّمَان إِلَّا إِذا كَانَت تنشز بِالنَّهَارِ دون اللَّيْل أَو على الْعَكْس فَإِنَّهُ يتشطر وَلَا ينظر إِلَى مِقْدَار الْأَزْمِنَة فروع الأول لَو خرجت بِغَيْر إِذْنه فَهِيَ نَاشِزَة وَلَو خرجت فِي حَاجته بِإِذْنِهِ فَلَا وَلَو خرجت فِي حَاجَة نَفسهَا بِإِذْنِهِ فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ إِن قُلْنَا تسْتَحقّ بِالْعقدِ وَتسقط بالنشوز فلهَا النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا بالتمكين فَلَا الثَّانِي مهما طلب الزفاف فامتنعت بِغَيْر عذر فَهِيَ نَاشِزَة وَإِن كَانَت مَرِيضَة يضر بهَا الْوَطْء فَهِيَ معذورة وَلها النَّفَقَة وَلَا تسْقط بِالْمرضِ لِأَنَّهُ دَائِم وَلَا تَقْصِير من جِهَتهَا فَإِن قَالَ الزَّوْج سلموها إِلَيّ وَلَا أطؤها فَلَا يُؤمن فِي ذَلِك وَإِن أنكر الزَّوْج كَون الْوَطْء مضرا فَشهد أَربع من النسْوَة ثَبت وَإِن شهِدت وَاحِدَة فَوَجْهَانِ مأخذه أَنه يَجْعَل إِخْبَارًا أم شَهَادَة فَإِن لم تكن بَيِّنَة فلهَا أَن تحلف الزَّوْج على نفي الْعلم بذلك الثَّالِث إِذا نشزت فَغَاب الزَّوْج فَعَادَت إِلَى الْمسكن فَهَل تعود النَّفَقَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه تعود بِمُجَرَّد رُجُوعهَا لزوَال الْمسْقط وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تعود إِلَى أَن ترفع إِلَى القَاضِي فَيحكم بطاعتها ويخبر الزَّوْج حَتَّى يرجع أَو تَنْقَضِي مُدَّة الرُّجُوع فَإِن لم يرجع بعد ذَلِك وَجَبت نَفَقَتهَا

أما إِذا ارْتَدَّت فَلَا نَفَقَة لَهَا فَإِن عَادَتْ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ تعود النَّفَقَة لِأَن السَّبَب خَفِي لَا يجب فِيهِ الرّفْع وَقَالَ المراوزة هُوَ كالنشوز الْجَلِيّ والمجنونة إِذا نشزت شقطت نَفَقَتهَا وَإِن لم تأثم لتعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا الْمَانِع الثَّانِي الصفر وَفِيه ثَلَاث صور أَحدهَا أَن تزوج صَغِيرَة من بَالغ فَفِي وجوب النَّفَقَة قَولَانِ أَحدهمَا أَنه تجب كالمريضة والرتقاء والمستحاضة وَهَذَا ينطبق على قَوْلنَا النَّفَقَة بِالْعقدِ وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الصغر نوبَة مَعْلُومَة من الْعُمر تَنْقَضِي وَلَيْسَ هَذَا كالرتق الَّذِي لَا آخر لَهُ وَلَا كالمرض الَّذِي هُوَ تارات تضطرب الثَّانِيَة أَن تزوج بَالِغَة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الْمَنْع من جَانِبه وَفِيه قَول أَنَّهَا إِن كَانَت جاهلة بصغره اسْتحقَّت وَإِلَّا فَلَا الثَّالِثَة إِذا زوج صيغرة من صَغِير فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا تجب ونعني بالصغير أَن لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْجِمَاع دون الْمُرَاهق الَّذِي لَيْسَ ببالغ ثمَّ إِذا أَوجَبْنَا للصغيرة لم تخْتَلف بالإجابة إِلَى الزفاف أَو السُّكُوت إِذْ لَا فَائِدَة فِي الْوَعْد نعم إِذا انْتَهَت إِلَى التهيؤ للاستمتاع يخرج من النَّفَقَة عِنْد السُّكُوت على الْقَوْلَيْنِ الْمَانِع الثَّالِث التَّلَبُّس بالعبادات كالإحرام وَالصَّوْم أما الْإِحْرَام فَإِذا أَحرمت بِإِذْنِهِ فقد سَافَرت فِي غَرَض نَفسهَا بِإِذْنِهِ وَقد ذكرنَا فِيهِ خلافًا

فَإِن قُلْنَا إِنَّهَا لَا تسْتَحقّ فَفِي اسْتِحْقَاقهَا قبل الْخُرُوج وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الإستمتاع قد امْتنع وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهَا تَحت يَده وَقد أَحرمت بِإِذْنِهِ وَالصَّحِيح أَنه لَا فرق بَين أَن يَنْهَاهَا الزَّوْج عَن الْخُرُوج أَو يرضى بِهِ وَحكي عَن الْقفال رَحمَه الله أَنه إِذا نهاها عَن الْخُرُوج فَخرجت سَقَطت النَّفَقَة قطعا أما إِذا احرمت بِغَيْر إِذْنه فَفِي جَوَاز تحليلها خلاف فَإِن قُلْنَا لَا يحللها فَهِيَ نَاشِزَة من وَقت الْإِحْرَام وَفِيه وَجه أَنه لَا تسْقط نَفَقَتهَا قبل الْخُرُوج وَهُوَ بعيد وَإِن قُلْنَا يحللها فَمَا دَامَت مُقِيمَة فلهَا النَّفَقَة لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهَا وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تسْتَحقّ لِأَن الزَّوْج وَإِن قدر على قهر النَّاشِزَة فَلَا يلْزمه وَرُبمَا ترتاع نَفسه من قطع الْإِحْرَام أما الصّيام فَلَا تسْقط نَفَقَتهَا بِصَوْم رَمَضَان لِأَن اللَّيَالِي عتيدة وَهَذِه الْعِبَادَات تشْتَمل الزَّوْجَيْنِ لَا كالإحرام بِحجَّة الْإِسْلَام فَإِنَّهُ على التَّرَاخِي أما صَوْم النَّوَافِل فَللزَّوْج الْمَنْع والتحليل فَإِن لم يحلل فَفِي النَّفَقَة وَجْهَان مرتبان على الْإِحْرَام وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الإستمتاع مُبَاح سوى الْوَطْء وَله تَحْلِيل صَوْم نذرته بعد النِّكَاح وَلَيْسَ لَهُ منعهَا من الصَّلَوَات الْمَفْرُوضَة أما منعهَا من رواتب السّنَن والبدار إِلَى الْفَرْض فِي أول الْوَقْت فَفِيهِ خلاف وَالصَّحِيح أَنه لَا تمنع ثمَّ صَوْم عَاشُورَاء وعرفة يجْرِي مجْرى الرَّوَاتِب أما صَوْم الْإِثْنَيْنِ وَالْخَمِيس فَلهُ منعهَا وَجها وَاحِدًا

الْمَانِع الرَّابِع الْعدة والمعتدات خمس الأولى الْمَنْكُوحَة إِذا وطِئت بِالشُّبْهَةِ فَلَو حبلت وَقُلْنَا تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء فَلَا تسْتَحقّ على الزَّوْج وَحَيْثُ لَا تسْتَحقّ على الواطىء فَفِي سُقُوط نَفَقَة الزَّوْجِيَّة خلاف من حَيْثُ إِن تعذر الإستمتاع بِسَبَبِهَا وَلكنهَا معذورة وَالْوَجْه أَن يُقَال إِن كَانَت نَائِمَة أَو مُكْرَهَة فلهَا النَّفَقَة وَإِن مكنت على ظن أَنه زَوجهَا فَلَا نَفَقَة لِأَن الظَّن لَا يُؤثر فِي الغرامات الثَّانِيَة الْمُعْتَدَّة عَن طَلَاق رَجْعِيّ فتستحق النَّفَقَة حاملة كَانَت أَو حَائِلا لِأَن سلطنة الزَّوْج فِي الرَّجْعِيَّة دائمة فَلَو أحبلها الواطىء بِالشُّبْهَةِ وتأخرت عدَّة الزَّوْج فَإِن قُلْنَا لَهُ الرّجْعَة فِي الْحَال فَعَلَيهِ النَّفَقَة وَإِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَوَجْهَانِ وَمِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا لَا رَجْعَة فَلَا نَفَقَة وَإِن قُلْنَا ترتجع فَوَجْهَانِ وَهَذَا أفقه لِأَنَّهَا صَارَت محبوسة لغيره فرع لَو قَالَ طَلقتك قبل وضع الْحمل فَأَنت الْآن بَائِنَة فَلَا نَفَقَة لَك فَقَالَت بل بعد الْوَضع ولي النَّفَقَة فَالْقَوْل قَوْلهَا لِأَن الأَصْل بَقَاء النَّفَقَة وَهُوَ يَدعِي السُّقُوط فَعَلَيهِ الْإِثْبَات وَلَا رَجْعَة لِأَنَّهَا بَائِنَة بِزَعْمِهِ الثَّالِثَة الْمُطلقَة البائنة لَهَا السُّكْنَى فِي الْعدة وَلَا نَفَقَة لَهَا إِلَّا إِذا كَانَت حَامِلا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

وَالنَّفقَة للْحَمْل أَو للحامل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا للْحَمْل لِأَنَّهُ المتجدد فَهِيَ كالحاضنة وَالثَّانِي للحامل بِدَلِيل أَنه تجب مُقَدرا وَلَا تسْقط على الصَّحِيح بِمُضِيِّ الزَّمَان وَلَا تخْتَلف بزهادتها ورغبتها فرع الْحر إِذا طلق زَوجته الْحَامِل الْمَمْلُوكَة فِيهِ قَولَانِ ينبنيان على أَن النَّفَقَة للْحَمْل أَو للحامل لِأَن الْحمل الْمَمْلُوك لَو انْفَصل فنفقته على السَّيِّد لَا على الْأَب وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو طلق الرَّقِيق زَوجته الْحَامِل الرَّابِعَة الْمُعْتَدَّة عَن فِرَاق الْفَسْخ الَّذِي لَا يسْتَند إِلَيْهَا كردته مثلا فَهِيَ كالمطلقة أما إِذا كَانَ الْفَسْخ باختيارها أَو بِسَبَب عيبها فَهَذَا الْفَسْخ لَا يشطر الْمهْر بل يسْقطهُ جَمِيعه فَفِي نَفَقَتهَا قَولَانِ بِنَاء على أَنَّهَا للْحَمْل أَو للحامل أما الْفِرَاق عَن جِهَة اللّعان فَهَل يُضَاف إِلَيْهَا فِيهِ تردد لِأَنَّهَا مُنكرَة بِسَبَب اللّعان وَلَكِن لَهَا مدْخل فِي الْبَين وَإِنَّمَا تسْتَحقّ النَّفَقَة إِذا لم ينف الْحمل وَكَذَلِكَ الْخلاف جَار فِي أَن الْمهْر هَل يتشطر بِهِ فرع لَو أنفقت على الْوَلَد الْمَنْفِيّ بِاللّعانِ ثمَّ أكذب نَفسه رجعت عَلَيْهِ لِأَنَّهَا بذلت على

ظن الْوُجُوب وَلها ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج لقصة هِنْد وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا ترجع وَلَيْسَ لَهَا ولَايَة الإستدانة على الزَّوْج وقصة هِنْد مَحْمُولَة على قَضَائِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وإذنه لَهَا الْخَامِسَة الْمُعْتَدَّة الْحَامِل عَن وَطْء الشُّبْهَة إِذا كَانَت خلية عَن النِّكَاح فَهَل تسْتَحقّ نَفَقَة على الواطىء إِن قُلْنَا للْحَمْل فتستحق وَإِن قُلْنَا للحامل فَلَا تسْتَحقّ لأَنا إِذا قُلْنَا إِنَّه للحامل جعلنَا بَقَاء علقَة الْحمل كبقاء علقَة الرّجْعَة فِي إِيجَاب نَفَقَة النِّكَاح واستمرارها وَكَذَلِكَ لَا توجب بِحمْل اللّعان قطعا لِأَن الزَّوْج يُنكر احتباسها بِحمْلِهِ التَّفْرِيع يتَفَرَّع على الْقَوْلَيْنِ مسَائِل إِحْدَاهَا أَنَّهَا لَو كَانَت لَا تكتفي بِالْقدرِ فِي مُدَّة الْحمل أَعنِي الْمُطلقَة فَهَل تزاد مِنْهُم من قَالَ إِن قُلْنَا للْحَمْل فتزاد لِأَنَّهُ على الْكِفَايَة كالحاضنة وَإِن قُلْنَا للحامل فَوَجْهَانِ وَوجه الزِّيَادَة الحذر من الْإِضْرَار وَأَن الْحمل لَا بُد وَأَن يلْتَفت إِلَيْهِ وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن قُلْنَا للحامل فَلَا تزاد وَإِن قُلْنَا للْحَمْل فَوَجْهَانِ لأَنا لَا بُد وَأَن نلتفت فِي كل قَول على الْمَعْنى الآخر إِذْ الْحق أَنه كالمرتبط بهما جَمِيعًا

الثَّانِيَة أَنه إِن أنْفق عَلَيْهِمَا ثمَّ بَان أَنه لَا حمل فَهَذَا يَنْبَنِي على أَن التَّعْجِيل هَل كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ وَفِيه قَولَانِ مبنيان على أَن الْحمل هَل يعرف والمصير إِلَى أَنه لَا يجب التَّعْجِيل لَا أعرف لَهُ وَجها مَعَ قَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} بل الصَّحِيح أَن الْحمل يعرف بِالظَّنِّ الْغَالِب وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ تَسْلِيم الحلفات لوُرُود الْخَبَر وَكَذَلِكَ تَسْلِيم النَّفَقَة لِلْآيَةِ فعلى هَذَا لَهُ الإسترداد فَإِنَّهُ ظن أَنه وَاجِب وَمن قَالَ لَا يجب التَّعْجِيل فَيَقُول إِن عجل بِشَرْط الرُّجُوع رَجَعَ وَإِلَّا فَوَجْهَانِ كَنَظِيرِهِ فِي تَعْجِيل الزَّكَاة أما إِذا أنْفق ثمَّ بَان فَسَاد النِّكَاح فَلَا يسْتَردّ النَّفَقَة وَإِن كَانَت حَائِلا لِأَنَّهَا كَانَت محبوسة على ظن النِّكَاح وَالنَّفقَة فِي مُقَابلَة حبس عَن نِكَاح وَالظَّن فِي هَذَا كالحقيقة الثَّالِثَة إِذا طَلقهَا وَهِي حَامِل ثمَّ مَاتَ لم تنْتَقل إِلَى عدَّة الْوَفَاة وَإِن كَانَ بَائِنا بل عدتهَا بِالْحملِ وَلَا يخرج نَفَقَة بعد ذَلِك من التَّرِكَة فَإِن قُلْنَا النَّفَقَة للْحَمْل فلاتجب النَّفَقَة للقريب بعد الْمَوْت وَإِن قُلْنَا للحامل فَهِيَ كالحاضنة فَلَا نَفَقَة لَهَا قَالَ الشَّيْخ أَبُو عَليّ إِذا قُلْنَا للحامل تجب فَكَأَن الطَّلَاق أوجب ذَلِك دفْعَة وَلذَلِك تسْتَحقّ هَذِه الْمَرْأَة السُّكْنَى مَعَ أَن عدَّة الْوَفَاة لَا توجب السُّكْنَى على أحد الْقَوْلَيْنِ ويعتضد هَذَا بِأَن علقَة الْحمل جعلناها كعلقة النِّكَاح وَهِي بَاقِيَة بعد الْمَوْت

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي الْإِعْسَار بِالنَّفَقَةِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي ثُبُوت حق الْفَسْخ بِهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم كَمَا يثبت بِفَوَات الإستمتاع بالجب والعنة بل أولى لِأَن لَهَا طلب النَّفَقَة دون الوقاع وَلِأَن الْحَيَاة لَا تبقى بِغَيْر الْقُوت وَتبقى دون الوقاع وَالثَّانِي لَا لِأَن النَّفَقَة تَابِعَة ومقصود النِّكَاح الإستمتاع وَلَا يتَعَيَّن الزَّوْج للنَّفَقَة إِذْ يحل لَهَا مَالهَا وَلَا وَجه للإستمتاع إِلَّا من جِهَته فَإِن قضينا بِثُبُوت الْفَسْخ وَجب النّظر فِي أَطْرَاف الطّرف الأول فِي الْعَجز وَهُوَ أَن لَا يملك مَالا وَلَا يقدر على الْكسْب فَإِن ملك وَلَكِن منع وعجزت الْمَرْأَة وَالْقَاضِي عَن أَخذ مَاله فطريقان مِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَن الضرار حَاصِل وَمِنْهُم من قَالَ لَا لِأَن هَذَا ظلم وَلَيْسَ بِعَيْب فَكَأَن منشأ الْخلاف أَن هَذَا الْفَسْخ لنَقص الزَّوْج وعيبه أَو لتضررها بِالنَّفَقَةِ وَإِن لم يملك شَيْئا وَلَكِن قدر على الْكسْب وَقُلْنَا يجب عَلَيْهِ الْكسْب لأجل الزَّوْجَة

على رَأْي فَهُوَ كالغني الْمُمْتَنع الطّرف الثَّانِي فِي المعجوز عَنهُ وَهُوَ الْقُوت بجملته فَأَما الْأدم فالعجز عَنهُ لَا يُسَلط على الْفَسْخ فِي الظَّاهِر وَفِي الْكسْوَة والمسكن وَجْهَان لِأَن النَّفس تبقى دونهمَا ولكنهما مقصودان لَا كالأدم فَإِنَّهُ تَابع وَكَذَلِكَ فِي الْإِعْسَار بِنَفَقَة الْخَادِم الْوَجْهَانِ والإعسار بِالْمهْرِ لَا يُوجب الْفَسْخ لَكِن لَهَا منع نَفسهَا إِن لم تمكن مرّة فَإِن مكنت سقط حق حَبسهَا وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمهْر وَهُوَ بعيد أما الْإِعْسَار بِنَفَقَة مَا مضى فَلَا يُوجب الْفَسْخ بل هُوَ دين مُسْتَقر فِي ذمَّته فَرْضه القَاضِي أَو لم يفْرض أَعنِي بِهِ مَا يجب فِيهِ التَّمْلِيك فَإِن الإمتاع لَا يُمكن تدارك فائته وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله النَّفَقَة لَا تَسْتَقِر فِي الذِّمَّة إِلَّا بِفَرْض القَاضِي كَنَفَقَة الْأَقَارِب فرع لَو قدر كل يَوْم على مد فَلَا فسخ لِأَنَّهُ قوام وَلَو قدر على ثلث مد ثَبت الْفَسْخ وَلَو قدر على نصف مد فَوَجْهَانِ وَوجه الْمَنْع قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم طَعَام الْوَاحِد يَكْفِي

الْإِثْنَيْنِ وَكَأن الإجتزاء بِنصْف الْمَدّ مُمكن وبثلثه لَا الطّرف الثَّالِث فِي حَقِيقَة هَذَا الدّفع وَلَا شكّ فِي أَن الدّفع بالجب والعنة فسخ وَالدَّفْع فِي الْإِيلَاء طَلَاق وَهَذَا دائر بَينهمَا فَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَإِن قُلْنَا إِنَّه طَلَاق فَلَا بُد من الرّفْع إِلَى القَاضِي حَتَّى يحْبسهُ ليطلق أَو ينْفق فَإِن لم يُطلق طلق القَاضِي طَلْقَة رَجْعِيَّة وَلَا بُد من الْعدة وَإِن لم تكن النَّفَقَة حَقًا لله تَعَالَى فَإِن رَاجعهَا طلق القَاضِي ثَانِيًا إِلَى أَن تتمّ الثَّلَاث فَإِن قُلْنَا إِنَّه فسخ فَلَا بُد من الرّفْع لإِثْبَات الْإِعْسَار فَإِنَّهُ مُتَعَلق بالإجتهاد ثمَّ إِذا ثَبت فلهَا تعَاطِي الْفَسْخ فَإِن فسخت دون الرّفْع لعلمها بإعساره لم ينفذ ظَاهرا وَهل ينفذ بَاطِنا حَتَّى لَو اعْترف الزَّوْج اَوْ قَامَت الْبَيِّنَة تبين نُفُوذه واحتساب الْعدة من ذَلِك الْوَقْت هَذَا فِيهِ تردد وَلَا خلاف أَنه ينفذ ظَاهرا إِذا لم يكن فِي النَّاحِيَة حَاكم أَو عجزت عَن الدّفع

الطّرف الرَّابِع فِي وَقت الْفَسْخ والطلبة بِالنَّفَقَةِ تتَوَجَّه صَبِيحَة الْيَوْم وَلَكِن لَو استمهل الْمُعسر فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام حَتَّى يتَحَقَّق عَجزه وَالثَّانِي أَنه لَا يُمْهل وعَلى هَذَا فَلَا خلاف أَنَّهَا لَا تبادر الْفَسْخ صَبِيحَة الْيَوْم فَإِن أَكثر النَّاس يَكْسِبُونَ قوت الْيَوْم فِي الْيَوْم وَلَكِن إِلَى مَتى التَّأْخِير يحْتَمل أَن يُقَال إِلَى وسط النَّهَار فَإِن تَأْخِير الطَّعَام عَنهُ غير مُعْتَاد وَيحْتَمل أَن يُقَال إِلَى اللَّيْل وَبَيَاض النَّهَار فيتسع للكسب وَيحْتَمل أَن يُقَال حَتَّى يَنْقَضِي يَوْم وَلَيْلَة إِذْ بِهِ يسْتَقرّ الْحق فَإِن النَّفَقَة لليوم وَاللَّيْلَة فَيرجع هَذَا إِلَى أَنه يُمْهل يَوْمًا وَاحِدًا نعم لَو أقرّ صَبِيحَة الْيَوْم بِأَنِّي عَاجز وَلست أتوقع الْيَوْم شَيْئا فَيحْتَمل أَن يُقَال لَهَا الْمُبَادرَة بِالْفَسْخِ وَيحْتَمل أَن يُقَال يُمْهل إِلَى تحقق الْعَجز بِانْقِضَاء الْيَوْم فرع لَو كَانَ يعْتَاد الْإِتْيَان بِالطَّعَامِ لَيْلًا فلهَا الْفَسْخ لِأَن هَذَا صِيَام الدَّهْر نعم لَا يثبت بِوُقُوع ذَلِك مرّة أَو مرَّتَيْنِ وَلَيْسَ مَا يحْتَمل نَادرا يحْتَمل دَائِما وَيتَفَرَّع على قَول الْإِمْهَال مسَائِل إِحْدَاهَا أَنه لَو جَاءَ النَّفَقَة صَبِيحَة الْيَوْم الرَّابِع لليوم الرَّابِع فَلَا فسخ وَمَا مضى دين فِي الذِّمَّة وَلَيْسَ لَهَا أَن تَقول أَقبض هَذَا عَن الْمَاضِي وأفسخ فِي الْحَال لِأَن التعويل على قصد الْمُؤَدِّي فَلَو عجز فِي الْيَوْم الْخَامِس فلهَا الْفَسْخ وَلَا تسْتَأْنف الْمدَّة على الظَّاهِر إِلَّا أَن يكون قد اسْتغنى بِمَال يَدُوم فِي الْغَالِب وَلَكِن تلف بِعَارِض فَيجْعَل كَأَن الْإِعْسَار الْمَاضِي لم يكن وَلَو

قدر فِي الْيَوْم الثَّالِث وَعجز فِي الرَّابِع فيكمل الثَّالِث بِالْيَوْمِ الرَّابِع وَلَا تسْتَأْنف وَقيل إِنَّه تسْتَأْنف لِأَن الْقُدْرَة الطارئة قطعت المهلة وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الزَّوْج يتَّخذ ذَلِك عَادَة فينفق يَوْمًا وَيتْرك يَوْمَيْنِ الثَّانِيَة الْمُبَادرَة صَبِيحَة الرَّابِع جَائِز وَلَا يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار نعم الْيَوْم الْخَامِس يَجْعَل كَالْيَوْمِ الأول على قَول من ترك الْإِمْهَال حَتَّى يُمْهل إِلَى بَيَاض النَّهَار ثمَّ يفْسخ حَيْثُ يَقُول لَا تسْتَأْنف الْمدَّة الثَّالِثَة إِذا رضيت بعد انْقِضَاء الْمدَّة فلهَا الْعود إِلَى الطّلب قَالَ الصيدلاني تسْتَأْنف الْمدَّة بِخِلَاف امْرَأَة المؤلي لِأَن مُدَّة الْإِيلَاء مَضْرُوب شرعا وَهَذِه تضرب بطلبها فَتسقط بِرِضَاهَا وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا الرُّجُوع بِخِلَاف زَوْجَة الْعنين فَإِن هَذَا صَبر على ضرار يتَوَقَّع زَوَاله والعنة عيب وَهِي فِي حكم خصْلَة وَاحِدَة والإعسار فِي كل يَوْم متجدد وَلَو قَالَت رضيت بِهِ أبدا فلهَا الرُّجُوع إِلَى الطّلب كَمَا لَو نكحته وَهِي عَالِمَة بإعساره فلهَا ذَلِك لِأَن هَذَا وعد بِالصبرِ على ضرار والضرار متجدد فَالْحق متجدد الطّرف الْخَامِس فِيمَن لَهُ حق الْفَسْخ وَهِي الزَّوْجَة خَاصَّة فَلَا يثبت لوَلِيّ الْمَجْنُونَة وَالصَّغِيرَة الْفَسْخ بالإعسار وَإِن كَانَت صانعة لِأَن الْفَسْخ رفع للنِّكَاح وَهُوَ مُتَعَلق بالطبع كَالطَّلَاقِ فَلَا تجْرِي فِيهِ النِّيَابَة أما الْأمة فَإِن كَانَت صَغِيرَة أَو مَجْنُونَة فَهَل لسَيِّد فسخ نِكَاحهَا بالإعسار فِيهِ وَجْهَان وَوجه الْجَوَاز أَن السَّيِّد ذُو حق فِي النَّفَقَة فَإِنَّهُ الَّذِي دخل فِي ملكه وَله وإبداله بِغَيْرِهِ وَإِن كَانَت مُسْتَقلَّة فَهِيَ صَاحِبَة الْحق وَلها الْفَسْخ دون رضَا السَّيِّد فَإِن ضمن السَّيِّد النَّفَقَة لم يسْقط حَقّهَا كَمَا لَو تبرع أَجْنَبِي بِالنَّفَقَةِ وَفِي ضَمَان السَّيِّد احْتِمَال أما إِذا رضيت بإعساره فَلَيْسَ للسَّيِّد الْفَسْخ لَكِن يَقُول لِلْجَارِيَةِ افسخي أَو اصْبِرِي على الْجُوع وَلَيْسَ عَلَيْهِ النَّفَقَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ وَجْهَيْن مرتبين على الصَّغِيرَة وَأولى بِأَن لَا

يفْسخ هَا هُنَا لاستقلالها ثمَّ اعْلَم أَن الْملك فِي النَّفَقَة للسَّيِّد وَلَكِن لَهَا حق التوثيق بهَا حَتَّى لَا يجوز للسَّيِّد النَّفَقَة إِلَّا بعد تَسْلِيم الْبَدَل وَلَا يجوز لَهُ الْإِبْرَاء عَن النَّفَقَة وَكَأَنَّهُ مَرْهُون بِحَقِّهَا ككسب عبد التِّجَارَة فَإِنَّهُ كالمرهون بِنَفَقَتِهِ لاقْتِضَاء الْعرف ذَلِك وللأمة طلبَهَا من الزَّوْج فَإِذا أخذت دخل فِي ملك السَّيِّد لِأَنَّهَا كالمأذونة عرفا وَشرعا بِالتَّزْوِيجِ هَذَا كُله تَفْرِيع على قَوْلنَا إِن الْإِعْسَار يثبت الْفَسْخ فَإِن قُلْنَا لَا يثبت فَهَل يرْتَفع عَنْهَا حبس الْمسكن فِيهِ خلاف للأصحاب وَالْقِيَاس أَن لَا يرْتَفع إِلَّا إِذا عجزت عَن نَفَقَة نَفسهَا إِلَّا بِالْخرُوجِ وَلَكِن الْخَبَر يدل على الْجَوَاز إِذْ نقل فِي الْخَبَر أَنه فرق بَين الْمَرْأَة وَزوجهَا الْمُعسر فَإِن لم يحمل على التَّفْرِيق فِي العقد فَلَا بُد من حمله على التَّفْرِيق فِي الْمنزل وَلها الْمَنْع من الْوَطْء إِن لم تكن قد مكنته من قبل وعَلى قَول ثُبُوت الْفَسْخ يبطل حق الْفَسْخ فِي مُدَّة الْإِمْهَال وَفِيه وَجه

السَّبَب الثَّانِي النَّفَقَة لِلْقَرَابَةِ وَفِيه ثَلَاثَة أَبْوَاب - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق وَكَيْفِيَّة الْإِنْفَاق - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فصلان الْفَصْل الأول فِي شَرَائِط الإستحقاق وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله تَعَالَى {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ} الْآيَة وقصة هِنْد مَعْرُوفَة وَلَا تسْتَحقّ عندنَا إِلَّا بِقرَابَة البعضية فَتجب للفروع وَالْأُصُول مَعَ اخْتِلَاف الدّين واتفاقه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تجب بالمحرمية وَأثبت للإخوة

ثمَّ يشْتَرط فِي الإستحقاق إعسار الْمُنفق عَلَيْهِ ويسار الْمُنفق أما الْمُنفق عَلَيْهِ فَهَل يشْتَرط مَعَ الْإِعْسَار عَجزه عَن الْكسْب إِن كَانَ طفْلا لم يشْتَرط وَإِن كَانَ بَالغا وَكَانَ فرعا فَفِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَ أَبَا أَو جدا فَفِيهِ طَرِيقَانِ مِنْهُم من قطع بِأَنَّهُ لَا يشْتَرط لِأَن تَكْلِيف الإبن أَبَاهُ الْكسْب مَعَ الثروة غض من منصب الْأُبُوَّة وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يشْتَرط إِذْ يخرج بِالْقُدْرَةِ عَن المسكنة وَاسْتِحْقَاق سهم الْمَسَاكِين فَكَذَلِك النَّفَقَة

وَالثَّانِي أَنه لَا يشْتَرط كَمَا فِي الطِّفْل والمراهق وَلِأَن هَذَا مَبْنِيّ على المجاملة بِخِلَاف الزَّكَاة ويقبح تَكْلِيف الْكسْب مَعَ اتساع مَال الْأَب أَو الإبن فَإِن قُلْنَا يشْتَرط فَهَل يشْتَرط أَن يكون زَمنا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْقَادِر لَا يعجز عَن أَن يصير أَجِيرا وَإِن لم يعرف حِرْفَة فيكتسب بِوَجْه وَالثَّانِي لَا يشْتَرط ذَلِك بل يَكْفِي أَن لَا يقدر على حِرْفَة تلِيق بمنصبه أما مَا لَا يَلِيق بِهِ فَلَا يعْتَبر وَهَذَا أعدل وعَلى هَذَا إِذا قدر على اكْتِسَاب بعض النَّفَقَة فَلَا يسْتَحق إِلَّا الْقدر المعجوز عَنهُ وَأما حل السُّؤَال للكسوب فَفِيهِ خلاف للأصحاب وَظَاهر الْأَخْبَار تدل على تَحْرِيمه فقد ورد فِيهِ تشديدات وَبِالْجُمْلَةِ أَخذ المَال من الْقَرِيب أَهْون من السُّؤَال فعلى الْجُمْلَة إِذا سَأَلَ فَلَا يذل نَفسه وَلَا يُؤْذِي الْمَسْئُول وَلَا يلح فِي السُّؤَال وَأما يسَار الْمُنفق فنعني بِهِ أَن يفضل عَن قوت يَوْمه شَيْء حَتَّى يُبَاع فِي نَفَقَة الْقَرِيب كل

مَا يُبَاع فِي الدّين من عقار وَعبد وَإِن كَانَ بيع العَبْد يردهُ إِلَى أَن يتعاطى أعمالا لَا تلِيق بمنصبه وَلَكِن يجب عَلَيْهِ أَن ينْفق على أَبْعَاضه كَمَا ينْفق على نَفسه وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُبَاع عقاره فِيهِ أما الْمُفلس الكسوب فَهَل يجب عَلَيْهِ الْكسْب والإنفاق على قَرِيبه الْعَاجِز الزَّمن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يجب كَمَا لَا يجب لأجل الدّين وَالثَّانِي أَنه يجب لِأَن الدّين من الْعَوَارِض وحاجات الْأَبْنَاء منوطة بِالْآبَاءِ فَكيف يجوز تضييعهم مَعَ الْقُدْرَة وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كفى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَن يضيع من يعول وَهَذَا خلاف جَار فِي الْكسْب لأجل الزَّوْجَة وَأَنه هَل يجب ذَلِك

الْفَصْل الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْإِنْفَاق وَلَا تَقْدِير فِي نَفَقَة الْقَرِيب بل هُوَ على الْكِفَايَة وَإِنَّمَا يجب مَا يدْرَأ ألم الْجُوع وَثقل الْبدن لَا مَا يزِيل تَمام الشَّهْوَة والنهمة وَكَذَلِكَ يجب فِي الْكسْوَة الْوسط مِمَّا يَلِيق بِهِ وَهُوَ إمتاع إِذْ تسْقط بمرور الزَّمَان إِذا لم يفرضه القَاضِي بِخِلَاف نَفَقَة الزَّوْجَة وَفِي نَفَقَة الصَّغِير وَجه بعيد أَنه لَا تسْقط بمرور الزَّمَان تبعا للزَّوْجَة فَإِن عنايتها بِوَلَدِهَا كعنايتها بِنَفسِهَا فروع الأول يسْتَحق الْأَب مَعَ النَّفَقَة الإعفاف وَكَذَلِكَ لَو كَانَ كسوبا وَكَسبه لَا يَفِي إِلَّا بِنَفسِهِ فَيسْتَحق ذَلِك على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَلَكِن لَا يجب إِلَّا نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة فَإِن كَانَ لَهُ زوجتان سلم إِلَيْهِ نَفَقَة زَوْجَة وَاحِدَة ثمَّ يقسم هُوَ عَلَيْهِمَا الثَّانِي إِذا منع الْأَب النَّفَقَة فَهَل للْأُم أَخذ النَّفَقَة من مَاله دون إِذْنه فِيهِ وَجْهَان مأخذهما التَّرَدُّد فِي أَن إِذن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهِنْد كَانَ شرعا أَو قَضَاء وَلَو استقرضت عَلَيْهِ فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَلَو أنفقت من مَال نَفسهَا فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ إِذْ تكون مقرضة ومستقرضة وَلَو كَانَ للطفل مَال فَأَرَادَتْ الْإِنْفَاق عَلَيْهِ من مَاله من غير مُرَاجعَة القَاضِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْجَوَازِ الثَّالِث الْقَرِيب يرفع أمره إِلَى القَاضِي وَلَا يستبد بالاستقراض فَإِن عجز عَن القَاضِي فَاسْتقْرض فِيهِ وَجْهَان

فَإِن كَانَ الْأَب الْمُوسر غَائِبا وَالْجد حَاضرا فعلى القَاضِي أَن يَأْمر الْجد بِالْإِنْفَاقِ بِشَرْط الرُّجُوع إِلَّا أَن يتَبَرَّع وَإِن اسْتَقل فَالظَّاهِر أَنه لَا يرجع إِلَّا إِذا عجز عَن القَاضِي فَفِي رُجُوعه وَجْهَان الرَّابِع يجب على الام أَن ترْضع وَلَده اللبأ إِذْ يُقَال إِنَّه لَا يعِيش دونه ثمَّ الْأُجْرَة على الْأَب إِن كَانَ لَهُ أُجْرَة وَكَذَلِكَ فِي الْإِرْضَاع لِأَن النَّفَقَة على الْأَب وَلَيْسَ عَلَيْهَا الْإِرْضَاع إِن وجد غَيرهَا وَإِن لم تُوجد إِلَّا وَاحِدَة وَلَو أَجْنَبِيَّة وَجب عَلَيْهَا لِأَنَّهُ من فروض الكفايات وَمهما رغبت فَهِيَ أولى فَلَا يقدم عَلَيْهَا الْأَجْنَبِيَّة رِعَايَة لجانبها وجانب الطِّفْل لزِيَادَة شفقتها فَإِن تبرعت الْأَجْنَبِيَّة وَطلبت الْأُم الْأُجْرَة فَقَوْلَانِ حاصلهما تردد فِي أَنه هَل يجب على الْأَب تَحْصِيل زِيَادَة هَذِه الشَّفَقَة للطفل وَدفع الضَّرَر عَنْهَا بِمَال هَذَا إِذا لم تكن فِي نِكَاحه فَإِن كَانَت فِي نِكَاحه فَللزَّوْج منعهَا من الْإِرْضَاع لأجل الإستمتاع وَفِيه وَجه أَن منعهَا من الْإِرْضَاع إِضْرَار بهَا وبالطفل فَيقدم حَقّهَا وَلَا يتَّجه هَذَا إِلَّا إِذا كَانَ الْوَلَد من الزَّوْج فَإِن كَانَ لغيره فَيقدم استمتاع الزَّوْج

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي تَرْتِيب الْأَقَارِب عِنْد الإجتماع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف أَرْبَعَة الأول فِي اجْتِمَاع الْأَوْلَاد وَفِيه طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن التَّقْدِيم للقرب حَتَّى يقدم الْقَرِيب المحروم من الْمِيرَاث كَبِنْت الْبِنْت على الْبعيد الْوَارِث كَبِنْت ابْن الإبن فَإِن تَسَاويا فِي الْقرب وَأَحَدهمَا وَارِث كَبِنْت بنت وَابْنَة ابْن فَفِي تَقْدِيم الْوَارِث وَجْهَان فَإِن اعْتبرنَا الْإِرْث وتفاوتا فِي الْقدر فَهَل توزع على الْمَقَادِير أَو يُسَوِّي فِيهِ وَجْهَان ومثاله الإبن وَالْبِنْت الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن الْإِرْث مقدم فَلَو تَسَاويا فِي الْمِيرَاث وَقضي بالتساوي لتساويهما فِي أصل الْمِيرَاث لَا فِي قدره فِي كل مَوضِع ذكرنَا التَّسَاوِي فِيهِ كَبِنْت وَابْن ابْن فَعِنْدَ ذَلِك يقدم الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب وَإِن تَسَاويا فيهمَا يوزع عَلَيْهِمَا وَفِيه وَجه أَنه يقدم بالذكورة فَيقدم الإبن على الْبِنْت لِأَنَّهُ مكتسب وَالنَّظَر إِلَى الْإِرْث ضَعِيف مَعَ وُجُوبهَا على من لَا يَرث وَعند اخْتِلَاف الدّين الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْأَب مقدم على الْأُم فِي الصغر وَبعد الْبلُوغ وَجْهَان أَحدهمَا الْأَب استصحابا

وَالثَّانِي أَنَّهُمَا أصلان وَكَأن ذَلِك كَانَ من أثر الْولَايَة فِي الصغر وعَلى هَذَا هَل يتفاوتان كتفاوت الْإِرْث أم لَا فِيهِ وَجْهَان أما الأجداد والجدات فالقريب مقدم على الْبعيد المدلي بِهِ فَإِن اخْتلفت الْجِهَة فخمسة طرق طريقتان ذكرناهما فِي الْأَوْلَاد الثَّالِثَة أَن يقدم بِولَايَة المَال وَيدل عَلَيْهِ تَقْدِيم الْأَب على الْأُم فَإِن اسْتَويَا فَمن يُدْلِي بولِي فَهُوَ أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وَهُوَ اخْتِيَار المَسْعُودِيّ الرَّابِعَة تعْتَبر الذُّكُورَة فالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فالمدلي بِالذكر أولى فَإِن اسْتَويَا فَالْأَقْرَب أولى وعَلى هَذَا الْأَب الْيَهُودِيّ وَإِن لم يكن وليا فَهُوَ أولى إِذْ ترعى الْجِهَة المفيدة للولاية لَا نفس الْولَايَة الْخَامِسَة النّظر إِلَى الْإِرْث والإكتساب أَعنِي الذُّكُورَة فَإِن وجد فيهمَا أَو عدم أَو وجد فِي أَحدهمَا الذُّكُورَة وَفِي الآخر الوراثة اسْتَويَا وَبعد ذَلِك يقدم بِالْقربِ وخاصية هَذِه الطَّرِيقَة جبر الذُّكُورَة وَالْإِرْث كل وَاحِد لصَاحبه وَجَمِيع هَذِه الطّرق تجْرِي بَين الْأَوْلَاد إِلَّا اعْتِبَار الْولَايَة لِأَن المرجحات أَرْبَعَة الْولَايَة والقرب وَالْإِرْث والذكورة ولنذكر ثَلَاث صور لشرح هَذِه الطّرق صُورَة الأول أَب أَب وَأم من اعْتبر الْقرب قدم الْأُم وَمن اعْتبر الْإِرْث نصر عَلَيْهِمَا إِمَّا مُتَسَاوِيا أَو متفاوتا وَمن اعْتبر الْولَايَة أَو الذُّكُورَة قدم الْجد وَقيل للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ نَص على أَن أَب الْأَب أولى من الْأُم وَلم يُصَحِّحهُ الْأَئِمَّة صُورَة الثَّانِيَة أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب سوى وَمن رَاعى الْإِرْث أَو الْولَايَة أَو

الذُّكُورَة والإدلاء بهَا قدم أَب أَب صُورَة الثَّالِثَة أم أَب أَب وَأب أم من رَاعى الْقرب أَو الذُّكُورَة قدم أَب الْأُم وَمن رَاعى الْإِرْث قدم أم أَب الْأَب الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الْأُصُول وَالْفُرُوع وَفِيه مسَائِل إِحْدَاهَا للْفَقِير أَب وَابْن موسران فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الْأَب أولى لِأَنَّهُ ولي فَهُوَ أولى بالتربية إِذْ يستصحب حَال الصغر وَالثَّانِي الإبن أولى لِأَنَّهُ أولى بِالْخدمَةِ وَالثَّالِث أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ ثمَّ هَل يتفاوتان لأجل الْإِرْث فِيهِ الْوَجْهَانِ الثَّانِيَة ابْن وجد قيل الْجد أولى لِأَنَّهُ كَالْأَبِ وَقيل الابْن أولى للْخدمَة والقرب الثَّالِثَة ابْن وَأم قيل هِيَ كَالْأَبِ لِأَنَّهَا أصل وَقيل الابْن أولى قطعا وعَلى الْجُمْلَة تعود الطّرق وَإِنَّمَا يزِيد هَا هُنَا أَن الْفَرْع بِالْخدمَةِ أولى وَالْأَصْل بالتربية أولى الطّرف الرَّابِع فِي ازدحام الآخذين للنَّفَقَة فَإِذا لم يفضل إِلَّا قوت وَاحِد اتَّفقُوا على أَن الزَّوْجَة مُقَدّمَة لِأَنَّهَا عِيَال كالأولاد وحقها آكِد إِذْ لَا يسْقط بمرور الزَّمَان وَلَا بغناها وَفِيه احْتِمَال إِذْ فِيهِ مشابه الدُّيُون وَنَفَقَة الْقَرِيب فِي مَال الْمُفلس مقدم عَلَيْهِ فِي يَوْم الْأَدَاء لَا فِي الْمُسْتَقْبل إِلَّا أَن الزَّوْجَة عِيَال فَأَما المدلون ببعضية فتعود الطّرق كلهَا فِي التَّرْجِيح بِالْقربِ أَو الوراثة وَيزِيد هَا هُنَا شَيْئَانِ

أَحدهمَا أَن هُنَاكَ الذُّكُورَة جِهَة فِي التَّقْدِيم وَهَا هُنَا الْأُنُوثَة هِيَ المرعية إِذْ تشعر بِضعْف وَالْآخر أَنا فِي الإلتزام نَنْظُر إِلَى مقادير الْإِرْث على رَأْي وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ فِي الْأَخْذ لَا ينظر إِلَيْهِ فَإِن اسْتَووا وزع عَلَيْهِم وَإِن كَانَ لَا يسد التَّوْزِيع من كل وَاحِد مسدا أَقرع بَينهم

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّالِث فِي أَحْكَام الْحَضَانَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه فُصُول الأول فِي الصِّفَات الْمَشْرُوطَة والحضانة عبارَة عَن حفظ الْوَلَد وتربيته وَتجب مئونة الْحَضَانَة على من عَلَيْهِ النَّفَقَة وَعند الإزدحام يسْلك بهَا مَسْلَك الْولَايَة لِأَنَّهَا سلطنة على الْحِفْظ والتربية لَكِن تفارق الْولَايَة فِي أَن الْإِنَاث أولى بالحضانة لِأَن الْأُنُوثَة تناسب هَذِه الْولَايَة لزِيَادَة الرقة والشفقة وَلَو عضل الْأَقْرَب أَو غَابَ انْتقل إِلَى الْأَبْعَد لَا إِلَى السُّلْطَان لِأَن هَذَا يعْتَمد الشَّفَقَة الْمُجَرَّدَة بِخِلَاف ولَايَة النِّكَاح وَلَو امْتنعت الْأُم فأمها أولى من أَب الطِّفْل لِأَن شفقتها كشفقة الْأُم وَقيل ينْتَقل الْحق بعضلها إِلَى الْأَب وَكَأَنَّهُ فِي دَرَجَة السلطنة فِي الْولَايَة وَهُوَ بعيد وَمهما اجْتمع الْأَب وَالأُم فالأم أَحَق بالحضانة بِشَرْط اتصاف الْأُم بِخمْس صِفَات الْإِسْلَام وَالْعقل وَالْحريَّة وَالْأَمَانَة بالفراغ أما الْإِسْلَام فَإِنَّمَا يشْتَرط فِي ولد الْمُسلم لِأَن تَسْلِيمه إِلَى الْكَافِر يعرض دينه للفتنة وَأما الْعقل فَهُوَ الأَصْل فَلَا ثِقَة بِحِفْظ المعتوهة

وَأما الْحُرِّيَّة فَلَا بُد مِنْهَا لِأَن هَذِه ولَايَة وَلَا ولَايَة مَعَ الرّقّ وَلَا يُؤثر رضَا السَّيِّد وَكَذَلِكَ من نصفهَا حر وَنِصْفهَا رَقِيق إِذْ لَا ولَايَة لمثلهَا وَلَكِن عَلَيْهَا نَفَقَة الْقَرِيب لِأَن ذَلِك من قبيل الغرامات وَأما الْأَمَانَة فَلَا بُد مِنْهَا إِذْ الفاسقة لايؤمن من جَانبهَا وَأما الْفَرَاغ فنعني بِهِ أَن لَا تكون فِي نِكَاح غَيره فَإِذا نكحت سقط حَقّهَا من الْحَضَانَة لِأَنَّهُ نوع رق وَلَا يُؤثر رضَا الناكح إِلَّا إِذا نكحت من لَهُ حق الْحَضَانَة كعم الْوَلَد فَالْمَشْهُور أَنه لَا يسْقط حَقّهَا من الْحَضَانَة وَفِيه وَجه أَن الْأَب أولى من الْأُم وَإِن نكحت الْعم وَمهما طلقت قبل الْمَسِيس عَاد حَقّهَا كَمَا إِذا أفاقت من جُنُون أَو عتقت من رق أَو تابت من فسق أَو أسلمت بعد كفر فَإِن كَانَت رَجْعِيَّة فالمنصوص رُجُوع حَقّهَا لِأَنَّهَا الْآن فارغة معتزلة وَفِيه قَول مخرج وَهُوَ اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه لَا حق لَهَا لاستمرار سلطنة الزَّوْج أما الْمُعْتَدَّة البائنة فَيَعُود حَقّهَا لَكِن إِن كَانَت فِي مسكن الزَّوْج فَللزَّوْج أَن لَا يرضى بِإِدْخَال الْوَلَد ملكه فَإِن رَضِي رَجَعَ حَقّهَا لَا كرضاه فِي صلب النِّكَاح فَإِنَّهُ لَا يُؤثر لِأَن هَذَا كرضا الْمُعير للدَّار

الْفَصْل الثَّانِي فِيمَن يسْتَحق الْحَضَانَة وَهُوَ كل من لَا يسْتَقلّ إِمَّا لصِغَر أَو جُنُون لَكِن الْأُم أولى بِالصَّبِيِّ قبل التَّمْيِيز فَإِذا ميز خير بَينهَا وَبَين الْأَب وَسلم إِلَى من يختاره غُلَاما كَانَ أَو جَارِيَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الْأَب بالغلام أولى وَالأُم بالجارية أولى وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خير غُلَاما

وَلَا نَنْظُر إِلَى سبع سِنِين بل نتبع التَّمْيِيز فَإِن استمرت الغباوة إِلَى مَا بعد الْبلُوغ فالأم أولى وَكَذَلِكَ إِن اتَّصل بِهِ جُنُون وَكَأن حَقّهَا لَا يَنْقَطِع إِلَّا بِاخْتِيَار الصَّبِي عَن تَمْيِيز وَلَو اخْتَار أَحدهمَا ثمَّ رَجَعَ رد إِلَى الآخر لِأَن الْحَال قد يتَغَيَّر فِي الرِّفْق بِهِ إِلَّا إِذا كثر تردده حَتَّى دلّ على قلَّة التَّمْيِيز فَيرد إِلَى الْأُم وَكَذَلِكَ إِذا سكت عَن الإختيار هَذَا فِي حق الصَّبِي أما الْبَالِغ إِذا كَانَ غير رشيد فَهُوَ كَالصَّبِيِّ وَإِن كَانَ رشيدا وَهُوَ ذكر اسْتَقل وَإِن كَانَت جَارِيَة وَهِي بكر فَالظَّاهِر أَن للْأَب أَن يسكنهَا موضعا وَلَيْسَ لَهَا الإستقلال وَإِن كَانَت رَشِيدَة كَمَا يجبرها على حبس النِّكَاح وَهُوَ أعظم من حبس الْمسكن ثمَّ هَذَا يخْتَص بِالْأَبِ وَالْجد وَمن لَهُ ولَايَة الْإِجْبَار وَفِيه وَجه أَنَّهَا تستقل وَإِنَّمَا التَّزْوِيج بالجبر أما الْبِنْت فَإِنَّهَا تستقل إِذا تمّ رشدها بالممارسة لَكِنَّهَا إِن كَانَت تتهم بريبة فلعصباتها ولَايَة إسكانها وملاحظتها دفعا للعار عَن النّسَب وَلَا يثبت هَذَا إِلَّا لمن لَهُ ولَايَة التَّزْوِيج وَلَو ادّعى الرِّيبَة فأنكرت فتبعد مُطَالبَته بالإثبات بِالْبَيِّنَةِ فَإِن ذَلِك افتضاح يجر الْعَار والإحتكام على عَاقِلَة أَيْضا بِمُجَرَّد الدَّعْوَى بعيد وَلَكِن إِقَامَة الْبَيِّنَة أبعد مِنْهُ

فرعان أَحدهمَا هَل يجْرِي التَّخْيِير بَين الْأُم وَمن يَقع على حَاشِيَة النّسَب كالعم وَالْأَخ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كَالْأَبِ وَالْجد وَالثَّانِي أَن الْأُم أولى وَإِنَّمَا التَّخْيِير مَعَ الْأَب وَالْجد لِأَن لَهُم دَرَجَة الْولَايَة والإجبار وَيجْرِي هَذَا الْخلاف فِي التَّخْيِير بَين الْأَب وَالْأُخْت وَالْخَالَة إِذا قُلْنَا إِن الْأَب مقدم عَلَيْهِمَا فِي الْحَضَانَة الثَّانِي أَنه إِذا اخْتَار الْأَب لم يمْنَعهَا من الزِّيَارَة وَإِذا اخْتَار الام لم يسْقط عَن الْأَب مئونة الْحَضَانَة وَالْقِيَام بتأديبه وتسليمه إِلَى الحرفة أَو الْمكتب وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون الَّذِي لَا تستقل الْأُم بضبطه يجب على الْأَب رعايته وَمهما سَافر الْأَب سفر نقلة بَطل تَقْدِيم الْأُم وَكَانَ لَهُ اسْتِصْحَاب الْوَلَد كَيْلا يَنْقَطِع النّسَب سَوَاء كَانَ قبل التَّمْيِيز أَو بعده إِذْ فِيهِ ضرار نعم لَو رافقته الْأُم فَهِيَ أولى وَلَيْسَ لَهُ استصحابه فِي سفر النزهة وَلَا فِي سفر التِّجَارَة وَإِن طَالَتْ الْمدَّة وَفِيه وَجه لطول الْمدَّة وَلَو انْتقل إِلَى مَا دون مرحلَتَيْنِ فَفِي جَوَاز انتزاع الْوَلَد وَجْهَان لِأَن تتَابع الرفاق يمْنَع اندراس النّسَب

الْفَصْل الثَّالِث فِي التزاحم والتدافع وَالنَّظَر فِي أَطْرَاف الأول فِي اجْتِمَاع النسْوَة فَإِن تدافعن فالحاضنة على من عَلَيْهَا النَّفَقَة وَإِن تزاحموا وَطلبت كل وَاحِدَة الْحَضَانَة فالنص فِي الْجَدِيد أَن الْأُم أولى ثمَّ أمهاتها المدليات بالإناث لَا بالذكور ثمَّ أم الْأَب وجداته المدليات بالإناث وَإِن علون ثمَّ أم الْجد وجداته على التَّرْتِيب الْمُقدم فِي الْأَب ثمَّ أم أَب الْجد وجداته كَذَلِك ثمَّ الْأَخَوَات ثمَّ الخالات ثمَّ بَنَات الْإِخْوَة لِأَن الْخَالَة أم وشفقتها أَكثر من شَفَقَة العمات وَهن بعد الخالات لِأَن قرَابَة الْأُم أقوى فِي الْحَضَانَة وَالْقَدِيم يُوَافق الْجَدِيد فِي جَمِيع هَذَا التَّرْتِيب إِلَّا أَنه فِي الْقَدِيم قدم الْأَخَوَات والخالات على أُمَّهَات الْأَب لإدلائهن بِالْأُمِّ وَهُوَ ضَعِيف لِأَن شَفَقَة الْأُصُول أعظم

وَيبقى النّظر فِي ثَلَاث مسَائِل إِحْدَاهَا أَن الْأُخْت من الْأَب مُقَدّمَة على الْأُخْت من الْأُم فِي الْجَدِيد وَذكر وَجه فِي التَّخْرِيج على الْقَدِيم أَن الْأُخْت للْأُم مُقَدّمَة لقرابة الْأُم وَعلة الْجَدِيد أَنَّهُمَا يستويان فِي الشَّفَقَة وَلَا تُؤثر جِهَة الْأُم فِي زِيَادَة الشَّفَقَة لَكِن هَذِه لَهَا قُوَّة فِي الْمِيرَاث وَيصْلح ذَلِك فِي التَّرْجِيح لَكِن هَذَا لَا يطرد فِي خَالَة لأَب وَأُخْرَى لأم وَكَذَلِكَ لعمات إِذْ لَا مِيرَاث فَمنهمْ من قدم الْخَالَة للْأَب لِأَن الْمِيرَاث بَين لنا قُوَّة هَذِه الْجِهَة فَلَا يرْعَى غير الْمِيرَاث وَمِنْهُم من قدم الْخَالَة للْأُم إِذْ لَا مِيرَاث وقرابة الْأُم آكِد الثَّانِيَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا مدْخل فِي الْحَضَانَة لكل جدة سَاقِطَة فِي الْمِيرَاث وَهِي كل جدة تدلي بِذكر بَين الْأُنْثَيَيْنِ وَهُوَ مُشكل لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت ساطقه فِي الْمِيرَاث فالخالة والعمة أَيْضا كَذَلِك وَلَعَلَّ سَببه أَن الذّكر الَّذِي لَيْسَ بوارث لَيْسَ لَهُ ولَايَة الْحَضَانَة وَهِي تدلي بِهِ وَلِهَذَا الْإِشْكَال ذكر أَصْحَابنَا وَجْهَيْن آخَرين أَحدهمَا أَنَّهُنَّ لَو انفردن فَلَهُنَّ الْحَضَانَة ولكنهن مؤخرات عَن الخالات وَجَمِيع الْمَذْكُورَات وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مؤخرات عَن الْجدَّات الوارثات مُقَدمَات على الاخوات والخالات الثَّالِثَة الْقَرِيبَة الْأُنْثَى الَّتِي لَا محرمية لَهَا كبنات الخالات وَبَنَات العمات فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا أَنه لَا حضَانَة لَهُنَّ إِذْ الْحَضَانَة تستدعي خبْرَة ببواطن الْأُمُور فتستدعي الْمَحْرَمِيَّة وَالثَّانِي أَنه تثبت وَذكر الفوراني ذَلِك وَقَالَ الخالات مُقَدمَات على بَنَات الْإِخْوَة وَبَنَات الْإِخْوَة مُقَدمَات على العمات كَمَا يقدم ابْن الْأَخ فِي الْإِرْث على الْعم وَقَالَ بَنَات الخالات مُقَدمَات على بَنَات العمات الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وهم أَرْبَعَة أَقسَام الأول محرم وَارِث فَلهُ حق الْحَضَانَة ويترتبون ترَتّب الْعَصَبَات فِي الْولَايَة إِلَّا الْأَخ من الْأُم فَإِنَّهُ لَيْسَ بولِي وَهُوَ مُتَأَخّر عَن الْأُصُول وعو الْإِخْوَة للْأَب مَعَ أَنه محرم وَارِث وَهل يُؤَخر عَن الْعم فِيهِ وَجْهَان مِنْهُم من أخر للولاية وَمِنْه من قدم للقرب والشفقة وَهُوَ الْأَظْهر الثَّانِي الْوَارِث الَّذِي لَيْسَ بِمحرم كبني الْأَعْمَام لَهُم حق حضَانَة فِي الصَّبِي وَفِي الصَّغِيرَة الَّتِي لَا تشْتَهي دون الَّتِي تشْتَهى الثَّالِث الْمحرم الَّذِي لَيْسَ بوارث كالخال وَأب الْأُم وَالْعم من الْأُم وَبني الْأَخَوَات فهم مؤخرون عَن الْوَرَثَة وَهل لَهُم حق عِنْد فقدهم فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تثبت للمحرمية كَمَا تثبت للخالة وَإِن لم تكن وارثة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْخَالَة أُنْثَى وانضمام الْأُنُوثَة إِلَى الْقَرَابَة مُؤثر ثمَّ لَا خلاف أَن الْمُسْتَحبّ للسُّلْطَان أَن يسلم إِلَيْهِم الرَّابِع قريب لَيْسَ بِمحرم وَلَا وَارِث كَابْن الْخَالَة وَالْخَال فَالصَّحِيح أَنه لَا حق لَهُم وَإِن ظهر الْخلاف فِي بَنَات الخالات لأجل الْأُنُوثَة وَفِيه وَجه الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع الذُّكُور وَالْإِنَاث وَلَا شكّ أَن الْأُم وأمهاتها مُقَدمَات إِذا كن من جِهَة الْإِنَاث ثمَّ بعدهن فِي الْأَب والجدات من قبل الْأَب قَولَانِ

ظَاهر النَّص تَقْدِيم الْأَب فَلَا يقدم على الْأَب إِلَّا الْأُم وأمهاتها كَذَلِك قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي أَنَّهُنَّ مُقَدمَات وَإِن أدلين بِهِ لشفقة الْأُنُوثَة فعلى هَذَا فِي تَقْدِيم الْأَخَوَات على الْأَب ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا التَّقْدِيم للأنوثة وَالثَّانِي لَا لِأَن الْأَب أصل وَالثَّالِث أَنه يقدم على الْأُخْت للْأَب فَإِنَّهَا فَرعه دون الْأُخْت للْأُم وَالْأُخْت للْأَب وَالأُم وَهَذَا الْوَجْه لَا يجْرِي فِي الْخَالَة لِأَنَّهَا لَيست فرعا وَلَكِن يجْرِي الْوَجْهَانِ فِي تَقْدِيم الْخَالَة على الْأَب بل تَقْدِيم الْخَالَة عَلَيْهِ أولى من تَقْدِيم الْأُخْت وكل جدة لَيست فَاسِدَة فَهِيَ مُقَدّمَة على كل عصبَة تقع على حَوَاشِي النّسَب وَأما الذُّكُور وَالْإِنَاث على الْحَوَاشِي إِذا اسْتَووا فِي الْقرب وَالْإِرْث فالأنثى أولى وَالْأُخْت أولى من الْأَخ وَلَو كَانَت الْأُنْثَى بعيدَة وَالذكر قَرِيبا فَوَجْهَانِ لتعارض الْأُنُوثَة والقرابة

السَّبَب الثَّالِث للنَّفَقَة ملك الْيَمين وَفِيه مسَائِل الأولى أَن نَفَقَة الْمَمْلُوك إمتاع وَهُوَ على الْكِفَايَة وَلَا تسْقط إِلَّا بِزَوَال الْملك أَو الْكِتَابَة وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَن يطعمهُ ويكسوه من جنس مَا يطعم ويكتسي وَلَكِن مَا يَلِيق بِهِ وَلَو اقْتصر من الْكسْوَة على مَا يستر بِهِ الْعَوْرَة لم يجز ذَلِك فِي بِلَادنَا لِأَنَّهُ إِضْرَار وَإِن لم يكن يتَأَذَّى بَحر وَبرد وَهل يجب تَفْضِيل النفيس على الخسيس فِي الْكسْوَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يجب إِذْ الْعَادة تَقْتَضِي ذَلِك وَالثَّانِي لَا لِأَن الرَّقِيق يَلِيق بِهِ الخشن وَإِن كَانَ نفيسا وَالثَّالِث أَنه لَا يفرق فِي العبيد أما الْجَوَارِي فيفضل السّريَّة على الخادمة الثَّانِيَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كفى أحدكُم طَعَامه خادمه حره ودخانه فليجلسه مَعَه فَإِن أَبى فليروغ لَهُ لقْمَة وليناولها إِيَّاه فترددوا وَفِي ثَلَاثَة أوجه

أَحدهَا أَن ذَلِك وَاجِب على التَّرْتِيب وَالثَّانِي أَنه يجب إِمَّا الإجلاس اَوْ ترويغ اللُّقْمَة وَلَا يجب التَّرْتِيب وَالثَّالِث وَهُوَ الْأَظْهر أَن ذَلِك مُسْتَحبّ وَهُوَ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الثَّالِثَة الرقيقة أَو أم الْوَلَد إِذا أَتَت بِولد فعلَيْهَا الْإِرْضَاع بِخِلَاف الزَّوْجَة فَإِنَّهَا رقيقَة وَلَا يفرق بَينه وَبَينهَا وَلَا تكلّف أَن ترْضع غير وَلَدهَا مَعَ وَلَده فَإِنَّهُ إِضْرَار بهَا وَبِوَلَدِهَا نعم لَهُ أَن يسْتَمْتع بهَا وَيضم الْوَلَد إِلَى غَيرهَا فِي وَقت الإستمتاع الرَّابِعَة لَيْسَ لَهَا فطام وَلَدهَا قبل الْحَوْلَيْنِ وَلَا الزِّيَادَة على الْحَوْلَيْنِ إِلَّا بِرِضَاهُ والمتبع رضَا السَّيِّد فِيهِ إِلَّا إِذا كَانَ إِضْرَارًا بِالْوَلَدِ وَأما الْحرَّة فحقها مُؤَكد فِي إِرْضَاع وَلَدهَا فَيتَوَقَّف الْفِطَام على توافقهما فَإِن أَرَادَت الْفِطَام فَلهُ الْمَنْع وَإِن أَرَادَت الْإِرْضَاع بِالْأُجْرَةِ وَأَرَادَ الْأَب الْفِطَام فَعَلَيهِ الْأُجْرَة وَلَيْسَ لَهُ الْمَنْع الْخَامِسَة لَا أصل للمخارجة وَهُوَ ضرب خراج مُقَدّر على العَبْد كل يَوْم بل على العَبْد بذل المجهود وعَلى السَّيِّد أَن يحملهُ على مَا يطيقه فَلَو امْتنع السَّيِّد عَن الْإِنْفَاق يُبَاع عَلَيْهِ فَإِن لم يرغب أحد فِي شِرَائِهِ فَهُوَ من محاويج الْمُسلمين السَّادِسَة يجب عَلَيْهِ علف الدَّوَابّ لِأَن أرواحها مُحْتَرمَة وَلذَلِك لَا يجوز تعذيبها وَلَا ذَبحهَا إِلَّا لمأكله وَكَذَلِكَ لَا ينزف أَلْبَانهَا بِحَيْثُ يستضر بنتاجها

وَيجوز غصب الْعلف والخبط لحاجتها إِذا أشرفت على الْهَلَاك على الْمَذْهَب الظَّاهِر وَالْمُسَافر يقدم حَاجَة الدَّابَّة إِلَى المَاء على الْوضُوء فيتيمم وَإِذا أجدبت الأَرْض فَعَلَيهِ علف السَّائِمَة وَلَا يجب عَلَيْهِ عمَارَة دَاره وقناته وعقاره وَإِن أشرفت على الإنهدام لِأَن الْحُرْمَة لذِي الرّوح فَإِن امْتنع من الْعلف فللقاضي أَن يجْبرهُ على البيع أَو يَبِيع عَلَيْهِ وَالله تَعَالَى أعلم وَأحكم وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين


محتويات
1 كتاب الْجِنَايَات
2 كتاب كَفَّارَة الْقَتْل
3 كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة فِيهِ
4 كتاب حد الزِّنَا
5 كتاب الضَّحَايَا
6 كتاب النذور
7 كتاب الدَّعْوَى والبينات
8 كتاب دَعْوَى النّسَب وإلحاق الْقَائِف
9 كتاب التَّدْبِير
10 كتاب الْكِتَابَة
11 كتاب أُمَّهَات الْأَوْلَاد
كتاب الْجِنَايَات

اعْلَم أَن أَدِلَّة الشَّرِيعَة من الْكتاب وَالسّنة وَالْإِجْمَاع متظاهرة على أَن الْقَتْل كَبِيرَة متفاحشة مُوجبَة للعقوبة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وموجباته فِي الدُّنْيَا ثَلَاثَة الْقصاص وَالدية وَالْكَفَّارَة أما الْقصاص فالنظر فِي حكمه عِنْد الْعَفو والإستيفاء وَفِي مُوجبه أما الْمُوجب فالنظر فِيهِ يتَعَلَّق بالطرف وَالنَّفس أما النَّفس فالنظر فِيهَا يتَعَلَّق بأركان وَهُوَ الْقَاتِل والقتيل وَنَفس الْقَتْل الرُّكْن الأول الْقَتْل نَفسه والموجب للْقصَاص مِنْهُ كل فعل عمد محص عدوان مزهق للروح وَقَوْلنَا مزهق يتَنَاوَل الْمُبَاشرَة وَالسَّبَب فَلَزِمَ تَمْيِيز الْعمد الْمَحْض عَن غَيره وتمييز السَّبَب عَن غَيره وينكشف بِالنّظرِ فِي أَطْرَاف خَمْسَة

الطّرف الأول فِي تَمْيِيز الْعمد عَن شبه الْعمد وَالْقَصْد لَهُ ثَلَاث متعلقات أَحدهَا بِالْفِعْلِ فَمن تزلق رِجْلَاهُ فَسقط على غَيره فَمَاتَ فَهُوَ خطأ مَحْض الثَّانِي التَّعَلُّق بالشخص فَمن رمى إِلَى صيد فَأصَاب إنْسَانا فَهُوَ خطأ مَحْض وَإِن كَانَ الْفِعْل بِاخْتِيَارِهِ الثَّالِث الْقَصْد الْمُتَعَلّق بزهوق الرّوح وَبِهَذَا يتَمَيَّز الْعمد عَن شبه الْعمد وَفِي ضَبطه طَرِيقَانِ أَحدهمَا أَن مَا علم حُصُول الْمَوْت بِهِ بعد وجود قصد الْفِعْل والشخص فَهُوَ عمد مَحْض سَوَاء كَانَ قصد الْفَاعِل إزهاق الرّوح أَو لم يكن قصد وَسَوَاء كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ غَالِبا أَو نَادرا كَقطع الْأُنْمُلَة الطَّرِيقَة الثَّانِيَة أَن الضَّابِط مَا يقْصد بِهِ الْقَتْل غَالِبا فِي المثقل فَأَما فِي

الْجِرَاحَات فَكل جرح سَار ذِي غور لِأَن قطع الْأُنْمُلَة لَا يقْصد بِهِ الْقَتْل غَالِبا ثمَّ هُوَ مُوجب للْقصَاص وَهَذَا ضَعِيف لِأَن معنى الْعمد لَا يخْتَلف بِالْجرْحِ والمثقل وللمثقل أَيْضا تَأْثِير فِي الْبَاطِن وغور فِي الترضيص والطريقة الأولى أَيْضا مدخولة لِأَنَّهُ لَو ضرب كوعه بعصا فتورم ودام الْأَلَم حَتَّى مَاتَ علم حُصُول الْمَوْت بِهِ وَلَا قصاص فِيهِ لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل وَأي فرق بَينه وَبَين مَا لَو غرز إبرة فأعقبت ألما وورما حَتَّى مَاتَ إِذْ يجب الْقصاص بِهِ وَلَو أعقبت ألما دون الورم فَوَجْهَانِ فَإِن أمكن أَن يُقَال الْمَضْرُوب بالعصا لَعَلَّه مَاتَ فَجْأَة بِسَبَب فِي بَاطِنه أمكن ذَلِك فِي غرز الإبرة كَيفَ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أبان بعض الْأَصَابِع فتأكل الْبَاقِي فَلَا قصاص فِي الْبَاقِي وَقد علم حُصُول السَّرَايَة بِهِ وَنَصّ على أَنه لَو ضرب رَأسه فَأذْهب ضوء عَيْنَيْهِ وَجب الْقصاص فِي الضَّوْء لِأَن اللطائف تقصد بِالسّرَايَةِ دون الْأَجْسَام وَقد علم حُصُول السَّرَايَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَعَن هَذَا تصرف بعض الْأَصْحَاب فِي النصين بِالنَّقْلِ والتخريج وَقَالُوا فيهمَا قَولَانِ فَتخرج الطريقتان على الْقَوْلَيْنِ

وَلما عسر الضَّبْط على أبي حنيفَة رَحمَه الله إِذْ رأى الْقَصْد خفِيا عول على الْجَارِح فَلَزِمَهُ إِسْقَاط الْقصاص فِي التَّفْرِيق والتخنيق وَالتَّحْرِيق فَالْأولى فِي تَعْلِيل مَذْهَب الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن نَتْرُك الضَّبْط ونقول حُصُول الْمَوْت بِالسَّبَبِ إِمَّا أَن يكون نَادرا أَو كثيرا أَو غَالِبا وَلَيْسَ كل كثير غَالِبا فَإِن الْمَرَض كثير وَلَيْسَ بنادر وَلَا غَالب بل الْغَالِب الصِّحَّة والجذام نَادِر لَا كثير وَلَا غَالب فَكل مَا كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ نَادرا فَلَا قصاص فِيهِ كالعصا وَالسَّوْط وغرز إبرة لَا تعقب ورما وَلما كَانَ

سُقُوط الْأَطْرَاف بِالسّرَايَةِ نَادرا نَص على سُقُوط الْقصاص فِيهِ بِخِلَاف زَوَال اللطائف كالعقل وَالْبَصَر ويقابل هَذِه الرُّتْبَة مَا كَانَ حُصُول الْمَوْت بِهِ غَالِبا كالجراحات الْكَبِيرَة والمثقلات فتلحق بِمَا يكون حُصُول الْمَوْت بِهِ ضَرُورِيًّا كالتخنيق وحز الرَّقَبَة والمتوسط الَّذِي يكون حُصُول الْمَوْت بِهِ كثيرا لَا غَالِبا كالجراحات الواسعة فَوق غرز الإبرة وكقطع الْأُنْمُلَة وكالعصا وَالسَّوْط فَفِي هَذَا ينظر إِلَى السَّبَب الظَّاهِر وَهُوَ الْجرْح مزهقا فَيجب الْقصاص بِهِ لِأَن الْجرْح طَرِيق سالك إِلَى الإزهاق غَالِبا وَإِن لم يكن قدر هَذَا الْجرْح مزهقا غَالِبا وَمَا لَا يجرح فَلَيْسَ طَرِيقا غَالِبا فَاعْتبر فِيهِ أَن يتَحَقَّق كَونه بِالْإِضَافَة إِلَى الشَّخْص وَالْحَال مهْلكا غَالِبا ثمَّ ذَلِك يخْتَلف بالأشخاص وَالْأَحْوَال فليحكم فِيهِ بِالِاجْتِهَادِ فَإِن قيل لَو ضرب شخصا ضربا يقتل الْمَرِيض غَالِبا لَكِن ظَنّه صَحِيحا قُلْنَا يجب الْقصاص لِأَن هَذَا الظَّن إِذا لم ينف الْعدوان فِي الْفِعْل وَهُوَ فِي نَفسه قَاتل فَلَا يكون

مَعْذُورًا بجهله بِخِلَاف مَا لَو صدر هَذَا من مؤدب أَو أَب أَو من طَبِيب سقَاهُ شَيْئا يقتل ذَلِك الْمَرِيض إِلَّا أَنه لم يعرف مَرضه فَلَا يجب الْقصاص لِأَنَّهُ جهل أَبَاحَ الْفِعْل فَإِن قيل إِذا سقِِي غَيره دَوَاء يقتل كثيرا لَا غَالِبا فَهُوَ كالجراحات أَو المثقلات قُلْنَا ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه كغرز الإبرة فَإِن أعقب تغيرا أَو تألما وَجب الْقصاص لِأَن أغشية الْبَاطِن رقيقَة فَيَنْقَطِع بالدواء فَكَانَ إِلْحَاقه بِالْجرْحِ أولى

الطّرف الثَّانِي فِي تَمْيِيز السَّبَب عَن الْمُبَاشرَة وَمَا يحصل الْمَوْت عقبه يَنْقَسِم إِلَى شُرُوط وَعلة وَسبب أما الشَّرْط فَهُوَ الَّذِي يحصل عِنْده لِأَنَّهُ كحفر الْبِئْر مَعَ التردية فَإِن الْمَوْت بالتردية لَكِن الْحفر شَرط وَكَذَا الْإِمْسَاك مَعَ الْقَتْل وَالشّرط لَا يتَعَلَّق الْقصاص بِهِ وَأما الْعلَّة فَمَا تولد الْمَوْت إِمَّا بِغَيْر وَاسِطَة كحز الرَّقَبَة وَإِمَّا بِوَاسِطَة كالرمي فَإِنَّهُ يُولد الْجرْح وَالْجرْح يُولد السَّرَايَة والسراية تولد الْمَوْت وَهَذَا يتَعَلَّق الْقصاص بِهِ أما السَّبَب فَمَا لَهُ أثر فِي التولد وَلكنه يشبه الشَّرْط من وَجه فَهَذَا على ثَلَاث مَرَاتِب الأولى الْإِكْرَاه على الْقَتْل وَهُوَ مُوجب للْقصَاص فَإِنَّهُ شَدِيد الشّبَه بِالْعِلَّةِ لِأَنَّهُ يُولد فِي الْمُكْره دَاعِيَة الْقَتْل غَالِبا الثَّانِيَة شَهَادَة الزُّور فَإِنَّهَا تولد فِي القَاضِي دَاعِيَة الْقَتْل لكنه دون الْإِكْرَاه فَإِن هَذَا إلجاء شرعا والاول حسا لَكِن لما كَانَ كل وَاحِد يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا فِي شخص معِين لم نفرق بَينهمَا وَأَبُو حنيفَة رَحمَه الله لم يلْحق الشَّهَادَة بِالْإِكْرَاهِ الثَّالِثَة مَا يُولد الْمُبَاشرَة توليدا عرفيا لَا حسيا وَلَا شَرْعِيًّا كتقديم الطَّعَام المسموم إِلَى

الضَّيْف فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا قصاص على الْمُقدم لِأَن الْأكل لَيْسَ ملجئا لَا حسا وَلَا شرعا وَالثَّانِي يجب لِأَن هَذَا التَّغْرِير يُفْضِي إِلَى الْقَتْل غَالِبا فِي معِين ثمَّ الصَّحِيح أَن الدِّيَة تجب وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ وَلَو وضع الطَّعَام المسموم فِي دَاره اعْتِمَادًا على أَن الدَّاخِل الْمَقْصُود سيأكله انبساطا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فَلَو دَعَا الضَّيْف وحفر فِي الدهليز بِئْرا فتردى فِيهِ فَفِي الْقصاص قَولَانِ فَإِن قيل لَو جرى سَبَب وَقدر الْمَقْصُود على دَفعه وَلم يدْفع قُلْنَا هَذَا على مَرَاتِب الأولى أَن لَا يكون السَّبَب مهْلكا كَمَا لَو فتح عرقه بِغَيْر إِذْنه وَلم يعصب حَتَّى نزف الدَّم أَو أَلْقَاهُ فِي مَاء قَلِيل فَبَقيَ مُسْتَلْقِيا حَتَّى غرق أَو حَبسه فِي بَيت فَلم يطْلب طَعَاما مَعَ الْقُدْرَة حَتَّى مَاتَ فَهُوَ الَّذِي أهلك نَفسه فَلَا دِيَة لَهُ وَلَا قصاص الثَّانِيَة أَن يكون السَّبَب مهْلكا وَالدَّفْع عسيرا كَتَرْكِ مداواة الْجرْح فالقصاص وَاجِب الثَّالِثَة أَن يكون السَّبَب مهْلكا وَكَانَ الدّفع سهلا كَمَا لَو أَلْقَاهُ فِي مَاء مغرق فَترك السباحة وَهُوَ يحسنها فَفِيهِ وَجْهَان وَوجه الْإِيجَاب أَنه قد يدهش عَن السباحة وَالسَّبَب فِي نَفسه مهلك وَفِي الدِّيَة وَجْهَان مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب

وَلَو أَلْقَاهُ فِي نَار فَوقف فَوَجْهَانِ مرتبان وَالظَّاهِر وجوب الْقصاص لِأَن النَّار بِأول اللِّقَاء تشنج الْأَعْضَاء فتعسر الْحَرَكَة بِهِ فَإِن قيل لَو كَانَ بِهِ بعض الْجُوع فحبسه وَمنعه الطَّعَام حَتَّى مَاتَ قُلْنَا إِن علم وَجب الْقصاص كَمَا لَو قصد مَرِيضا بِضَرْب خَفِيف وَإِن كَانَ جَاهِلا بجوعه فَفِي الْقود قَولَانِ أَحدهمَا يجب كَمَا لَو ضرب مَرِيضا على ظن أَنه صَحِيح فالجوع السَّابِق وَإِن كَانَ معينا فَهُوَ كالمرض وَالثَّانِي لَا يحب لِأَن هَذَا الْقدر من الْجُوع لَيْسَ مهْلكا وَزِيَادَة الْجُوع الأول هُوَ الَّذِي أهلك بِخِلَاف الضَّرْب فَإِنَّهُ لَيْسَ زِيَادَة فِي الْمَرَض لِأَنَّهُ لَيْسَ من جنسه فَلم يُمكن إِحَالَة الْهَلَاك عَلَيْهِ وَحَيْثُ لَا نوجب الْقصاص فَلَا بُد من الدِّيَة وَفِي قدرهَا قَولَانِ أَحدهمَا الْكل إِذْ سُقُوط الْقصاص كَانَ بِالشُّبْهَةِ وَالثَّانِي النّصْف لِأَن الْهَلَاك حصل بالجوعين فَهُوَ كَمَا لَو وضع فِي السَّفِينَة المثقلة زِيَادَة مغرقة فَفِي قدر الضَّمَان ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْكل وَالثَّانِي النّصْف وَالثَّالِث التَّوْزِيع لِأَن تَأْثِير المثقلات فِي الإغراق متناسب بِخِلَاف تَأْثِير الْجُوع وَالْجرْح

الطّرف الثَّالِث فِي اجْتِمَاع السَّبَب والمباشرة أما الشَّرْط فَلَا يخفى سُقُوطه مَعَهُمَا كالممسك مَعَ الْقَاتِل والحافر مَعَ المردي إِذْ لَا قصاص عَلَيْهِمَا وَلَا ضَمَان خلافًا لمَالِك رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ جعل الممسك شَرِيكا وَأما الْمُبَاشرَة مَعَ السَّبَب فعلى مَرَاتِب الأولى أَن يغلب السَّبَب الْمُبَاشرَة وَذَلِكَ إِذا لم تكن الْمُبَاشرَة عُدْوانًا كَقَتل القَاضِي والجلاد مَعَ شَهَادَة الزُّور فالقصاص على الشُّهُود فَإِن كَانَ عُدْوانًا بِأَن اعْترف ولي الْقصاص بِكَوْنِهِ عَالما بالتزوير فَلَا قصاص على الشُّهُود وَلَا دِيَة لِأَنَّهُ لم يلجأ حسا وَلَا شرعا فَصَارَ قَوْلهم شرطا مَحْضا كالإمساك الثَّانِيَة أَن يصير السَّبَب مَغْلُوبًا بِالْمُبَاشرَةِ كَمَا إِذا أَلْقَاهُ من شَاهِق الْجَبَل فَتَلقاهُ إِنْسَان بِسَيْفِهِ فَقده بنصفين فَلَا قصاص على الملقي عرف أَو لم يعرف لِأَن إلقاءه صَار شرطا مَحْضا لما ورد عَلَيْهِ مُبَاشرَة مُسْتَقلَّة

الثَّالِثَة أَن يعتدل السَّبَب والمباشرة كالإكراه على الْقَتْل فالأقوى لَا يحبط مُبَاشرَة الْمُكْره خلافًا لزفَر وَأبي يُوسُف وَهل تصير الْمُبَاشرَة مغلوبة بِهِ حَتَّى لَا يجب الْقصاص على الْمُكْره فِيهِ قَولَانِ فَإِن لم نوجب الْقصاص فَفِي الدِّيَة قَولَانِ مرتبان وَأولى بِالْوُجُوب لِأَنَّهَا تثبت مَعَ الشُّبْهَة وَوجه الْإِسْقَاط نقل الْفِعْل عَن الْمُكْره وَجعله كالآلة وَإِن أَوجَبْنَا الدِّيَة فَفِي طريقها وَجْهَان أَحدهمَا تجب عَلَيْهِمَا جَمِيعًا ثمَّ يرجع على الْمُكْره وَالثَّانِي يجب النّصْف لِأَن إِيجَاب الْقصاص عَلَيْهِمَا كالتشريك فَإِن قُلْنَا لَا دِيَة فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان وَجه إِثْبَاتهَا أَنه آثم بِالْقَتْلِ وفَاقا وَقد تجب الْكَفَّارَة حَيْثُ لَا دِيَة كَمَا فِي الرَّمْي إِلَى صف الْكفَّار وَإِن قُلْنَا لَا تجب فَفِي حرمَان الْمِيرَاث وَجْهَان وَالظَّاهِر الحرمان لِأَنَّهُ آثم بِالْقَتْلِ وَالْكَفَّارَة وَالدية غرم يُمكن نَقله إِلَى الْمُكْره بِخِلَاف الحرمان فَإِن قيل فَمَا قَوْلكُم فِي أَمر السُّلْطَان قُلْنَا فِي نُزُوله منزلَة الْإِكْرَاه وَجْهَان وَجه إِلْحَاقه بِهِ أَمْرَانِ أَحدهمَا أَنه يعلم من عَادَة السُّلْطَان السطوة عِنْد الْمُخَالفَة وَإِن لم يُصَرح بِهِ وعَلى هَذِه الْعلَّة يلْتَحق بِهِ كل متغلب هَذِه عَادَته وَإِن لم يكن سُلْطَانا ثمَّ وَجه التَّرَدُّد أَن الْمَعْلُوم من عَادَته

هَل يكون كالملفوظ بِهِ على الإقتران الْعلَّة الثَّانِيَة أَن طَاعَة السُّلْطَان وَاجِبَة على الْجُمْلَة كَيْلا تُؤدِّي مُخَالفَته إِلَى إثارة الْفِتْنَة وَلذَلِك نقُول لَا يَنْعَزِل بِالْفِسْقِ وَلَو كَانَ الإستبدال بِهِ يثير الْفِتْنَة فَلَا يسْتَبْدل فتزاحم على الْفِعْل مُوجب ومحرم فَإِن لم نبح انتهض شُبْهَة كالإكراه بِخِلَاف أَمر السَّيِّد عَبده فَإِنَّهُ يجب عَلَيْهِ مُخَالفَة السَّيِّد إِذْ لَو عاقبه دفع السُّلْطَان ظلمه وَلَيْسَ وَرَاء السُّلْطَان يَد دافعة فمخالته تحرّك الْفِتْنَة نعم لَو كَانَ العَبْد من طباعه الضراوة فَإِذا أغراه بِإِنْسَان فالقصاص على السَّيِّد كَمَا لَو أغرى سبعا وَكَذَا لَو أغرى مَجْنُونا هَذِه حَاله هَل يتَعَلَّق الضَّمَان بِرَقَبَة هَذَا العَبْد وبمال هَذَا الْمَجْنُون أم ينزل منزلَة الْبَهِيمَة فِيهِ وَجْهَان من حَيْثُ إِنَّه إِنْسَان صُورَة لكنه بَهِيمَة فِي الْمَعْنى فَإِن قيل وَمَا حد الْإِكْرَاه قُلْنَا قد ذكرنَا صورته فِي الطَّلَاق لَكنا نتعرض لصور إِحْدَاهَا أَنه لَو أكره إنْسَانا على أَن يكره ثَالِثا على قتل الرَّابِع فعلى الأول قصاص وفيمن بعده قَولَانِ الثَّانِيَة لَو قَالَ اقْتُل زيدا أَو عمرا وَإِلَّا قتلتك فَقتل زيدا فَهُوَ مُخْتَار لِأَن ميله إِلَى زيد لَيْسَ إِلَّا عَن شَهْوَة وَيظْهر ذَلِك إِذا قَالَ اقْتُل من أهل الدَّار وَاحِدًا وَإِلَّا قتلتك الثَّالِثَة أَن يَقُول اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك فَهَذَا لَيْسَ بإكراه وَلَو قَالَ اقتلني وَإِلَّا قتلتك فَهَذَا إِكْرَاه وَإِذن فَهَل يُؤثر الْإِذْن فِي سُقُوط الْقصاص وَالدية فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَصَحهَا أَنه يسْقط لِأَنَّهُ صَاحب الْحق كَمَا إِذا قَالَ اقْتُل عَبدِي وَالثَّانِي لَا لِأَن الْقصاص وَالدية تثبت للْوَرَثَة ابْتِدَاء لَا إِرْثا

وَالثَّالِث لَا يجب الْقصاص للشُّبْهَة وَتجب الدِّيَة فَإِن قيل إِذا رَأَيْتُمْ إِيجَاب الْقصاص عَلَيْهِمَا فَإِن لم يكن أَحدهمَا كُفؤًا للمقتول قُلْنَا يجب الْقصاص على الْكُفْء لِأَن شريك غير الْكُفْء يجب الْقصاص عَلَيْهِ كشريك الْأَب وَشريك العَبْد فِي قتل السَّيِّد وَإِن كَانَ أَحدهمَا صَبيا وَقُلْنَا إِن فعل الصَّبِي خطأ فالآخر شريك خاطىء لَكِن إِن كَانَ الْمَحْمُول صَبيا فَيحْتَمل أَن يجب الْقصاص على الْحَامِل لِأَن خطأه نتيجة الْإِكْرَاه فَهُوَ كَمَا لَو أكره إنْسَانا على أَن يَرْمِي إِلَى طلل عرفه الْمُكْره إنْسَانا وظنه الرَّامِي جرثومة فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان وَجه الْإِيجَاب جعل الْمُكْره مباشرا وَجعل الْمُكْره آلَة لَهُ لِأَنَّهُ تولد من إكراهه وَعَن هَذَا اختبط الْأَصْحَاب فِي الْمُكْره على إِتْلَاف المَال هَل يُطَالب بِالضَّمَانِ فعلى وَجه لَا يُطَالب أصلا لِأَنَّهُ كالآلة وَلَو أكرهه على صعُود شَجَرَة فزلقت رجله فَمَاتَ وَجب الْقصاص على الْمُكْره وَلم يَجْعَل كشريك الخاطىء لِأَن هَذَا الْخَطَأ وَلَده إكراهه بِخِلَاف جهل الْمُكْره وصباه فَإِن فِيهِ وَجْهَيْن

فَإِن قيل فَمَا الَّذِي يُبَاح بِالْإِكْرَاهِ قُلْنَا لَا يُبَاح بِهِ الْقَتْل وَالزِّنَا وَيُبَاح بِهِ إِتْلَاف المَال بل يجب وتباح بِهِ الرِّدَّة وَفِي وجوب التَّلَفُّظ بِهِ وَجْهَان مِنْهُم من لم يُوجب للتصلب فِي الدّين وَيُبَاح شرب الْخمر بِالْإِكْرَاهِ وَفِي وُجُوبه خلاف مُرَتّب على الرِّدَّة وَأولى بِالْوُجُوب والإفطار فِي الصَّوْم يَنْبَغِي أَن يقْضى بِوُجُوبِهِ

الطّرف الرَّابِع أَن يكون السَّبَب من الْآدَمِيّ والمباشرة من بَهِيمَة كَمَا إِذا أَلْقَاهُ فِي تيار بَحر فالتقمه الْحُوت قبل الْغَرق فَيلْزمهُ الْقصاص وَينزل فعل الْحُوت منزلَة جرح السكين وَلَو أَلْقَاهُ فِي بِئْر عميق وَكَانَ فِي عمقه نصل مَنْصُوب فَمَاتَ بِهِ وَجب الْقصاص وَخرج الرّبيع قولا أَن الدِّيَة تجب دون الْقصاص اعْتِبَارا بِاخْتِيَار الْحَيَوَان وَكَونه شُبْهَة فِي الدّفع وَإِن أَلْقَاهُ فِي مَاء لَا يغرق فالتقمه الْحُوت من حَيْثُ لم يشْعر الملقي فَلَا يجب عَلَيْهِ إِلَّا الدِّيَة وَإِن عرف حُضُور الْحُوت لزمَه الْقصاص وَلَو أمسك إنْسَانا وَعرضه للسبع حَتَّى افترسه وَجب الْقصاص وَالْمَجْنُون الضاري بطبعه كالسبع والحوت وَإِن لم يكن ضاريا اعْتبر اخْتِيَاره فِي قطع السَّبَب فروع أَرْبَعَة الأول لَو أنهشه حَيَّة أَو عقربا يقتل مثله غَالِبا لزمَه الْقصاص وَنزلت الْحَيَّة منزلَة السكين وَلَو كَانَ لَا يقتل غَالِبا كَانَ كغرز الإبرة الثَّانِي لَو ألْقى عَلَيْهِ عقربا أَو حَيَّة فنهشته فَلَا قَود لِأَن الْغَالِب أَنه يفر وَإِن كَانَ ضاريا فَهُوَ كالإنهاش الثَّالِث لَو جمع بَينه وَبَين سبع فِي بَيت فافترسه وَجب الْقصاص وَإِن كَانَ بدله حَيَّة فَلَا قصاص لِأَن الْحَيَّة تَفِر والسبع فِي الْمضيق يثب بطبعه فَإِن لم يكن الطَّبْع كَذَلِك لم يكن الحكم كَذَلِك

الرَّابِع لَو أغرى بِهِ كَلْبا أَو سبعا فِي صحراء فَلَا قصاص بِخِلَاف الْبَيْت فَإِن السَّبع فِي الْمضيق يقْصد وَفِي الصَّحرَاء يتوحش فَإِن كَانَ ضاريا فِي الصَّحرَاء وَلم يكن الْهَرَب مُمكنا لزم الْقصاص فَإِن كَانَ الْهَرَب مُمكنا فتخاذل فَهُوَ كَتَرْكِ السباحة

الطّرف الْخَامِس فِي طرآن الْمُبَاشرَة على الْمُبَاشرَة أَو السَّبَب على السَّبَب وَالْحكم فِيهِ تَقْدِيم الْأَقْوَى فَإِن اعتدلا جَمعنَا بَينهمَا فَلَو جرح الأول وحز الثَّانِي الرَّقَبَة فالقاتل هُوَ الثَّانِي لانْقِطَاع أثر الأول بِخِلَاف مَا إِذا قطع هَذَا من الْكُوع وَالثَّانِي من الْمرْفق فَمَاتَ فَإِن الْقصاص عَلَيْهِمَا لِأَن ألم الأول ينتشر إِلَى الْأَعْضَاء الرئيسية وَيبقى وَلَو قطع الأول حلقومه وَلم يبْق إِلَّا حَرَكَة المذبوحين فَقده الثَّانِي بنصفين فالقصاص على الأول وَلَا نظر إِلَى حَرَكَة المذبوحين بِخِلَاف مَا لَو حز رَقَبَة الْمَرِيض المشرف على الْمَوْت لِأَن مَوته غير مَقْطُوع بِهِ وَبِخِلَاف مَا لَو نزع أحشاءه وَإِن كَانَ بِحَيْثُ يعلم أَنه يَمُوت بعد يَوْم أَو يَوْمَيْنِ وَلكنه فِي الْحَال يعقل بحياة مُسْتَقِرَّة فَإِن الْقصاص يجب على من حز الرَّقَبَة لِأَن عمر رَضِي الله عَنهُ شاور فِي الْخلَافَة فِي هَذِه الْحَالة فَكيف لَا تعْتَبر حَيَاته وَقَالَ مَالك رَحمَه الله هُوَ كحركة المذبوحين فَأَما إِذا جرح كل وَاحِد جِرَاحَة فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ أَو حز أَحدهمَا الرَّقَبَة وَالْآخر قد بنصفين مَعًا فهما شريكان فقد تنخل من هَذَا أَن الْعمد الْمَحْض الْعدوان المزهق للروح سَبَب الْقصاص وَلَا يرد على

الْحَد مَا لَو اسْتحق حز رَقَبَة إِنْسَان فَقده بنصفين لِأَنَّهُ لَا عدوان بِهِ من حَيْثُ كَونه إزهاقا بل من حَيْثُ الْإِسَاءَة فِي الطَّرِيق فَلذَلِك لم يجب الْقصاص فَإِن قيل ظن الْإِبَاحَة هَل يكون شُبْهَة قُلْنَا إِذا قتل من ظَنّه مُرْتَدا وَلم تعهد لَهُ الرِّدَّة فَيجب الْقصاص وَإِن كَانَ قد عهد مُرْتَدا وَلكنه أسلم وَلم يشْعر بِهِ فَقَوْلَانِ أَحدهمَا السُّقُوط للظن المبتنى على الإستصحاب وَالثَّانِي يجب لِأَنَّهُ غير مَعْذُور فِي هَذَا الظَّن إِذْ لَا يحل للآحاد قتل الْمُرْتَد وَكَذَلِكَ لَو ظَنّه عبدا أَو ذِمِّيا لزمَه الْقصاص على الْمَذْهَب لِأَن هَذَا ظن لَا يُبِيح فَهُوَ كَمَا لَو زنى مَعَ الْعلم بِالتَّحْرِيمِ وَالْجهل بِوُجُوب الْحَد بِخِلَاف مَا إِذا رأى مُسلما فِي دَار الْحَرْب على زِيّ الْمُشْركين وَلم يعهده مُسلما فَقتله فَإِذا هُوَ مُسلم فَلَا قَود وَتجب الْكَفَّارَة وَفِي الدِّيَة قَولَانِ لِأَن الْقَتْل مُبَاح بِهَذَا الظَّن وَهُوَ مَعْذُور أَحدهمَا تجب لِأَنَّهَا ضَمَان الْمحل وَذَلِكَ لَا يخْتَلف باخْتلَاف حَال الْمُتْلف وَالثَّانِي أَنَّهَا لَا تجب لِأَنَّهَا وَإِن كَانَت عوضا فَلَيْسَتْ على مذاق الأعواض الْمَحْضَة فَإِنَّهَا بدل للنَّفس وَتجب الْكَفَّارَة قولا وَاحِدًا لِأَنَّهَا تجب من غير تَقْصِير وَلَو قتل إنْسَانا على ظن أَنه قَاتل أَبِيه فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ أَحدهمَا يجب لِأَنَّهُ غير مَعْذُور فِيهِ

الثَّانِي لَا يجب لِأَن هَذَا الظَّن مِمَّا يمهد عذره لِأَن الْقَتْل مُبَاح بِهَذَا الظَّن لكنه غير مَعْذُور وَلِهَذَا نقطع بِالْوُجُوب إِذا قَالَ تبينت أَن أبي حَيّ وَمن أَصْحَابنَا من قطع بِأَنَّهُ لَو صدقه ولي الدَّم فَلَا قصاص وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ إِذا تنَازعا وَمِنْهُم من طرد الْقَوْلَيْنِ لِأَنَّهُ ظن من غير مُسْتَند شَرْعِي

الرُّكْن الثَّانِي الْقَتِيل وَشرط كَونه مَضْمُونا بِالْقصاصِ على الْجُمْلَة كَونه مَعْصُوما والعصمة تستفاد بِالْإِسْلَامِ والجزية والأمان يتنزلان مَنْزِلَته وَالْحَرْبِيّ مهدر وَالْمُرْتَدّ كَذَلِك فِي حق الْمُسلم وَلَكِن فِي حق الْكَافِر الذِّمِّيّ وَالْمُرْتَدّ إِذا قَتله فِيهِ خلاف وَمن عَلَيْهِ الْقصاص مَعْصُوم فِي حق غير الْمُسْتَحق وَالزَّانِي الْمُحصن مَعْصُوم بِالْقصاصِ عَن الذِّمِّيّ وَعَن الْمُسلم فِيهِ وَجْهَان مثارهما التَّرَدُّد فِي أَن الْحَد للْمُسلمين وَالْإِمَام نائبهم أَو إِضَافَة الْحَد إِلَى الله تَعَالَى كإضافة الْقصاص إِلَى إِنْسَان معِين حَتَّى لَا يظْهر أَثَره فِي حق غَيره

الرُّكْن الثَّالِث الْقَاتِل وَشرط وجوب الْقصاص عَلَيْهِ أَن يكون مُلْتَزما للْأَحْكَام فَلَا قصاص على الصَّبِي وَالْمَجْنُون وَلَا على الْحَرْبِيّ وَيجب على الذِّمِّيّ وَفِي السَّكْرَان خلاف مَبْنِيّ على أَنه يسْلك بِهِ مَسْلَك الصاحي أَو الْمَجْنُون هَذَا هُوَ النّظر فِي صِفَات الْقَتْل والقتيل وَالْقَاتِل ووراء هَذِه صِفَات هِيَ نِسْبَة بَين الْقَاتِل والقتيل لَا يُمكن تَخْصِيصه بأحدها وَهُوَ أَلا يفضل الْقَاتِل الْقَتِيل بِالدّينِ وَالْحريَّة والأبوة وَقد تعْتَبر فَضِيلَة الْعدَد والذكورة وتأبد الْعِصْمَة عِنْد بعض الْعلمَاء فمجموع هَذِه الْخِصَال سِتَّة الْخصْلَة الأولى من خِصَال الْكَفَاءَة التَّسَاوِي فِي الدّين الْحق فَهَذِهِ الْفَضِيلَة فِي الْقَاتِل تمنع وجوب الْقصاص ابْتِدَاء فَلَا يقتل مُسلم بِكَافِر وَيقتل الْيَهُودِيّ بالنصراني ومعتمد هَذِه الْخصْلَة قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل مُؤمن بِكَافِر فروع أَرْبَعَة الأول لَو قتل ذمِّي ذِمِّيا ثمَّ أسلم الْقَاتِل قبل اسْتِيفَاء الْقود اقْتصّ مِنْهُ لِأَن الْمُسَاوَاة شَرط لينعقد الْقَتْل سَببا للْوُجُوب فَمَا طَرَأَ بعد ذَلِك لَا يمْنَع الإستيفاء وَلَو أسلم الْجَارِح بَين الْمَوْت

وَالْجرْح فالنظر إِلَى حَالَة الْجرْح أَو إِلَى حَالَة الْمَوْت فِيهِ وَجْهَان الثَّانِي إِذا قتل عبد مُسلم عبدا مُسلما لكَافِر فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان أَحدهمَا يجب لِأَن الْكَفَاءَة بَين الْقَتِيل وَالْقَاتِل مَوْجُودَة وَالسَّيِّد كالوارث وَلَو مَاتَ ولي الْقَتِيل الذِّمِّيّ بعد أَن أسلم الْقَاتِل بعد الْقَتْل وَقبل اسْتِيفَاء الْقود فَالْمَذْهَب ثُبُوت الْقصاص لهَذَا الذِّمِّيّ لِأَنَّهُ فِي حكم الْإِرْث والدوام الْوَجْه الثَّانِي أَنه لَا يجب لِأَن هَذَا الْقصاص يجب ابْتِدَاء للسَّيِّد وَهُوَ كَافِر وَلَا يجب للْعَبد حَتَّى يُورث مِنْهُ وَلَا يُمكن تسليط كَافِر ابْتِدَاء على مُسلم الثَّالِث لَو قتل مُسلم مُرْتَدا فَلَا قصاص فَلَو قَتله مُرْتَد فَالظَّاهِر وجوب الْقصاص للتساوي وَقيل الْمُرْتَد مهدر كالحربي وَلَا يجب قصاص الْحَرْبِيّ على الْحَرْبِيّ أما إِذا قَتله ذمِّي فَثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يجب الْقصاص لعمده ودية لخطئه لِأَنَّهُ ساواه فِي الدّين وَالْمُرْتَدّ لَيْسَ بمهدر فِي حَقه وَالثَّانِي لَا يجب لِأَنَّهُ مهدر وَالذِّمِّيّ مَعْصُوم وَالثَّالِث قَالَه الْإِصْطَخْرِي يجب الْقصاص سياسة وَلَا تجب الدِّيَة لِأَنَّهُ غير مَعْصُوم الرَّابِع الْمُرْتَد إِذا قتل ذِمِّيا فَفِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا اخْتِيَار الْمُزنِيّ أَنه يقتل كالذميين وَالثَّانِي لَا لِأَن حُرْمَة الْإِسْلَام بَاقِيَة وَلِهَذَا لَا يجوز للذِّمِّيّ نِكَاح الْمُرْتَدَّة وَلَا يحل استرقاقها الْخصْلَة الثَّانِيَة الْكَفَاءَة فِي الْحُرِّيَّة فَلَا يقتل الْحر وَلَا من فِيهِ شقص من الْحُرِّيَّة برقيق كَمَا لَا تقطع يَده بِيَدِهِ وفَاقا ثمَّ طرآن الْحُرِّيَّة أَو الرّقّ على الْقَاتِل بعد الْقَتْل لَا يمْنَع من اسْتِيفَاء الْقود كَمَا فِي طرآن الْإِسْلَام فروع ثَلَاثَة الأول النَّاقِص مقتول بالكامل والمستولدة وَالْمُكَاتبَة حكمهمَا حكم الْقِنّ فِي الْقصاص وَالْمكَاتب إِذا قتل عبد نَفسه لم يقتل بِهِ لِأَنَّهُ سَيّده وَإِن كَانَ هُوَ أَيْضا رَقِيقا وَلَو كَانَ عَبده أَبَاهُ وَقد تكاتب عَلَيْهِ فَفِي قَتله وَجْهَان وَوجه الْإِيجَاب أَن ملكه على الْأَب لَيْسَ مُسْتَقرًّا لِأَنَّهُ يسْتَحق الْعتْق بعتاقه فَلَا يكون شُبْهَة الثَّانِي من نصف حر وَنصفه عبد إِذا قتل من هُوَ فِي مثل حَاله قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب الْقصاص للتساوي إِلَّا إِذا كَانَ جُزْء الْحُرِّيَّة من الْقَاتِل أَكثر وَقَالَت المراوزة لَا يجب مَا دَامَ فِي الْقَاتِل جُزْء من الْحُرِّيَّة وَلَو الْعشْر وَفِي الْقَتِيل جُزْء من الرّقّ وَلَو الْعشْر لِأَن كل جُزْء من الْقَتِيل يُقَابله جُزْء شَائِع من الْقَاتِل من الْحُرِّيَّة وَالرّق فَيُؤَدِّي إِلَى اسْتِيفَاء جُزْء من الْحر بِجُزْء من الرَّقِيق وَهُوَ مقتضي التَّوْزِيع الْمَذْكُور فِي مَسْأَلَة مد عَجْوَة الثَّالِث العَبْد الْمُسلم وَالْحر الذِّمِّيّ لَا قصاص بَينهمَا من الْجَانِبَيْنِ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا فضل صَاحبه بفضيلة والنقيصة لَا تجبر بفضيلة وَمهما آل أَمر العَبْد إِلَى المَال فَالْوَاجِب قِيمَته

بَالِغَة مَا بلغت وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يُزَاد على دِيَة الْحر بل يحط عَنهُ قدر نِصَاب السّرقَة الْخصْلَة الثَّالِثَة فَضِيلَة الْأُبُوَّة قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقتل وَالِد بولده ففهم مِنْهُ أَن الْوَلَد لَا يكون سَببا لإعدام من هُوَ سَبَب وجوده فيتعدى هَذَا إِلَى الْأُم والأجداد والجدات وَذكر صَاحب التَّلْخِيص فِي الأجداد والجدات قولا وَاقْتصر على النّسَب الْقَرِيب فِي الْوُجُود وَهَذَا ضَعِيف ولهذه الْعلَّة منعنَا أَن يقتل الإبن أَبَاهُ الْحَرْبِيّ أَو الزَّانِي الْمُحصن إِذا كَانَ الإبن جلادا وَكَأن الْخلَل فِي الإستيفاء وَالْقصاص فِي حكم الْوَاجِب السَّاقِط وَلِهَذَا لَو قتل زَوْجَة ابْنه فَلَا قصاص إِذْ صَار ابْنه شَرِيكا فِي الإستحقاق فَلَا يُمكنهُ الإستيفاء وَكَذَلِكَ لَو قتل مُعتق ابْنه وَله وَارِث سوى الإبن فَمَاتَ وَصَارَ الإبن وَارِثا سقط فرعان أَحدهمَا أَخَوان قتل الأول أَبَاهُ وَقتل الثَّانِي أمه فَإِن كَانَت الْأُم زَوْجَة الْأَب فَلَا قصاص على الاخ الْقَاتِل للْأَب لِأَن قصاصه ثَبت للْأَخ وَالأُم فَلَمَّا قتل الثَّانِي الْأُم ورث مِنْهَا قصاص نَفسه فَسقط إِذْ يَسْتَحِيل أَن يسْتَحق قتل نَفسه وَإِن لم تكن زَوْجَة الْأَب اسْتحق كل وَاحِد مِنْهُمَا قصاص صَاحبه وَلم يسْتَحق أحد قصاص نَفسه إِرْثا عَن قتيله لِأَن الْقَاتِل محروم عَن الْمِيرَاث وَلَو بَادر أَحدهمَا وَقتل آخر سقط الْقصاص عَن المبادر لِأَنَّهُ ورث قصاص نَفسه عَن أَخِيه الْقَتِيل إِن قُلْنَا إِن الْقَتْل بِالْحَقِّ لَا يحرم الْمِيرَاث وعَلى هَذَا إِذا كَانَ يَسْتَفِيد بالمبادرة

تَخْلِيص نَفسه فَلَو تنَازعا فِي السَّبق فَالْوَجْه أَن يقدم من سبق اسْتِحْقَاقه ويقرع بَينهمَا إِذا تَسَاويا وَمهما تَسَاويا فِي قتل الْأَبَوَيْنِ فَلَا فرق بَين أَن تكون الْأُم زَوْجَة أَو لَا تكون إِذْ لَا سَبِيل إِلَى تَوْرِيث أحد الْقَتِيلين من الآخر الثَّانِي لَو تداعى رجلَانِ لقيطا أَو وطئا مَنْكُوحَة بِالشُّبْهَةِ فَأَتَت بِولد فَقتله أَحدهمَا قبل إِلْحَاق الْقَائِف فَلَا قصاص فِي الْحَال لِأَن أَحدهمَا أَب وَقد اشْتبهَ الْأَمر فَهُوَ كَمَا لَو اشْتبهَ إِنَاء نجس بِإِنَاء طَاهِر فَلَا يجوز اسْتِعْمَاله من غير اجْتِهَاد فَإِن ألحق الْقَائِف بِغَيْر الْقَاتِل اقْتصّ من الْقَاتِل وَإِن ألحقهُ بِهِ فَلَا الْخصْلَة الرَّابِع التَّفَاوُت فِي تأبد الْعِصْمَة وَالْمذهب أَنه لَا يعْتَبر بل يقتل الذِّمِّيّ بالمعاهد كَمَا يقتل الْمعَاهد بِهِ وَفِيه احْتِمَال الْخصْلَة الْخَامِسَة فَضِيلَة الذُّكُورَة وَلَا تعْتَبر بالِاتِّفَاقِ بل يقتل الرجل بِالْمَرْأَةِ وَقَالَ عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ يجب فِي تَرِكَة الْمَرْأَة المقتولة شطر دِيَة الرجل لتَكون مَعَ دِيَتهَا كُفؤًا للرجل فَإِذا قتلت الْمَرْأَة رجلا قَالَ لَا يقنع بدمها بل يطْلب مَعَه شطر دِيَة من تركتهَا مَعَ قَتلهَا أَيْضا فرعان أَحدهمَا فِي الْخُنْثَى إِذا قطع الرجل ذكر خُنْثَى مُشكل وشفريه فَلَا قصاص فِي الْحَال لاحْتِمَال أَن الْمَقْطُوع امْرَأَة وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْقَاطِع امْرَأَة لم يجب لاحْتِمَال أَن الْمَقْطُوع رجل والشفران زَائِد فَإِذا تبين الْحَال لم يخف الحكم

فَلَو طلب الْخُنْثَى فِي الْحَال الدِّيَة وَعَفا عَن الْقصاص سلمنَا إِلَيْهِ دِيَة الشفرين وحكومة الذّكر وقدرناه امْرَأَة أخذا بِأَحْسَن التَّقْدِيرَيْنِ واقتصارا على المستيقن إِذْ تَقْدِير الذُّكُورَة يزِيد على هَذَا لَا محَالة وَإِن لم يعف عَن الْقصاص وَقَالَ لَا بُد من تَسْلِيم شَيْء لِأَنِّي أستحق مَعَ الْقصاص شَيْئا لَا محَالة فَإِن كَانَ الْقَاطِع رجلا فالقصاص مُحْتَمل فِي الذّكر فَلَا تقدر دِيَته بل يصرف إِلَيْهِ أقل الْأَمريْنِ من حُكُومَة الشفرين بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الذُّكُورَة أَو دِيَة الشفرين وحكومة الذّكر والانثيين على تَقْدِير الْأُنُوثَة وَيكون المصروف إِلَيْهِ بِكُل حَال أقل من مائَة من الْإِبِل وَيصرف إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أقل من تَقْدِير حُكُومَة الشفرين مَعَ دِيَة الذّكر على تَقْدِير الذُّكُورَة وَإِن كَانَ الْقَاطِع امْرَأَة فَلَا تقدر دِيَة الشفرين لِإِمْكَان الْقصاص فِيهِ بل تقدر حُكُومَة الذّكر والانثيين على تَقْدِير الْأُنُوثَة وَيصرف إِلَيْهِ فَإِنَّهُ أقل من تَقْدِير حُكُومَة الشفرين مَعَ دِيَة الذّكر على تَقْدِير الذُّكُورَة وَإِن كَانَ الْقَاطِع خُنْثَى مُشكلا لم يصرف إِلَيْهِ شيئ إِذْ يحْتَمل أَن يَكُونَا رجلَيْنِ أوامرأتين فَيجْرِي الْقصاص فِي الإليتين الزَّائِد بِالزَّائِدِ والأصليه بالأصلية وَلَو قطعت الْمَرْأَة آلَة الرِّجَال وَالرجل آلَة النِّسَاء فَلَا يتَصَوَّر الْقصاص فعلى كل وَاحِد حُكُومَة على تَقْدِير كَونهَا زَائِدا بِشَرْط أَن لَا تزيد على تَقْدِير الدِّيَة فِيهَا فَإِنَّهُ لَو كَانَ رجلا فَرُبمَا تكون حُكُومَة فِي شفريه أَكثر من دِيَة امْرَأَة فَلَا يجب إِلَّا مَا دونه وَمن الْأَصْحَاب من قَالَ إِذْ لم يعف عَن الْقصاص وَكَانَ الْقَاطِع رجلا أَو امْرَأَة فَلَا يصرف إِلَيْهِ شَيْء فِي الْحَال لِأَن مَا يُطَالب بِهِ لَيْسَ يدْرِي أهوَ حُكُومَة أم دِيَة وَهُوَ ضَعِيف الْفَرْع الثَّانِي إِذا كَانَ الْجَانِي رجلا وَكَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ يَدعِي عَلَيْهِ بأنك أَقرَرت

بِأَنِّي رجل فلي الْقصاص فِي الذّكر وَقَالَ الْجَانِي بل أَقرَرت بأنك امْرَأَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْجَانِي إِذْ الأَصْل عدم الْقصاص وَالثَّانِي القَوْل قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ لأَنا نحكم لَهُ بالذكورة بقوله إِن تقدم على الْجِنَايَة فَكَذَا إِذا تَأَخّر الْخصْلَة السَّادِسَة التَّفَاوُت فِي الْعدَد وَلَا يُؤثر ذَلِك بل تقتل الْجَمَاعَة بِالْوَاحِدِ إِذا اشْتَركُوا فِي قَتله وَالْوَاحد إِذا قتل جمَاعَة قتل بِوَاحِد وللباقين الدِّيات وَإِنَّمَا يُوجب الْقصاص على كل شريك لِأَنَّهُ قَاتل بِفِعْلِهِ وَفعل شَرِيكه مَنْسُوب إِلَيْهِ برابطة الإستعانة وكمل بِهِ فعله حسما للذريعة لَكِن يشْتَرط أَن يكون فعل شَرِيكه عمدا مضمنا وَإِن كَانَ خطأ فَلَا قصاص على الشَّرِيك لخُرُوج الْفِعْل عَن كَونه مُوجبا خلافًا للمزني رَحمَه الله فَيجب الْقصاص على شريك الْأَب وعَلى الذِّمِّيّ إِذا شَارك الْمُسلم فِي قتل ذمِّي وعَلى العَبْد إِذا شَارك الْحر فِي قتل عبد وَكَذَا كل عَامِد ضَامِن خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو شَارك عَامِد غير ضَامِن كشريك الْحَرْبِيّ ومستحق الْقصاص وَالْإِمَام فِي قطع يَد السَّارِق وكما إِذا جرح جارح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا فجرحه الآخر بعد الْإِسْلَام فَفِيهِ قَولَانِ

أَحدهمَا أَنه يجب كَمَا فِي شريك الْأَب لوُجُود العمدية وَالثَّانِي لَا لِأَن الْفِعْل اتّصف بِكَوْنِهِ مُبَاحا فاكتسب صفة من هَذِه الْأَسْبَاب كَمَا اتّصف بِكَوْنِهِ خطأ فَرجع الْخلَل إِلَى وصف الْفِعْل والسبع مردد بَين الْحَرْبِيّ والخاطيء فَفِي وَجه يلْتَحق بالخاطىء وَهُوَ الْأَصَح وَفِي وَجه بالحربي وعَلى هَذَا لَو أَخطَأ السَّبع فشريكه شريك الخاطىء وَفِي شريك السَّيِّد طَرِيقَانِ مِنْهُم من قَالَ هُوَ كالحربي لسُقُوط الْقصاص وَالدية وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ ضَامِن لِلْكَفَّارَةِ فَأشبه الْأَب وَشريك الْقَاتِل نَفسه إِن قُلْنَا تجب الْكَفَّارَة على قَاتل النَّفس فَهُوَ كشريك السَّيِّد فِي عَبده وَإِلَّا فَهُوَ كشريك الْحَرْبِيّ فروع أَرْبَعَة الأول إِذا اتَّحد الْجَارِح واقترن بِأحد الجرحين مَا يدْرَأ الْقصاص سقط الْقصاص سَوَاء رَجَعَ الْخلَل إِلَى وصف الْفِعْل كَمَا لَو كَانَ أَحدهمَا خطأ أَو لم يرجع كَمَا لَو جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا ثمَّ أسلم فجرحه ثَانِيًا أَو قطع بِالْقصاصِ أَو الْحَد قطعا حَقًا ثمَّ جرح لِأَن الْفَاعِل قد اتَّحد وَإِذا اتَّحد الْمُضَاف إِلَيْهِ اسْتَوَى مَا يرجع إِلَى الصّفة وَإِلَى الْإِضَافَة الثَّانِي لَو داوى الْمَجْرُوح نَفسه بِسم مذفف فَلَا قصاص على الْجَارِح وَإِن كَانَ يُؤثر على الْجُمْلَة وَلَا يذففه فالجارح شريك النَّفس وَقيل لَا يجب الْقصاص قطعا لِأَنَّهُ شريك

الخاطىء إِذْ المداوي مخطىء وَكَذَلِكَ إِذْ خاط الْمَجْرُوح جرحه فِي لحم حَيّ صَار شَرِيكا وَيُمكن أَن يَجْعَل مخطئا وَلَا شكّ فِي أَنه لَو كَانَ عَلَيْهِ قُرُوح أَو بِهِ مرض فَلَا يصير بِهِ شَرِيكا وَهل يَجْعَل بمبادىء الْجُوع شَرِيكا إِذا تمم غَيره جوعه إِلَى الْمَوْت فِيهِ تردد سبق لِأَنَّهُ وَإِن كَانَ مُعْتَادا فَهُوَ دَاخل تَحت الإختيار الثَّالِث إِذا توالى جمع على وَاحِد فَضَربهُ كل وَاحِد سَوْطًا وَاحِدًا فَمَاتَ فَفِي وجوب الْقصاص ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب لِأَن كل وَاحِد خاطىء وَشريك الخاطىء خاطىء إِذا أُتِي بِمَا لَا بِقصد بِهِ الْقَتْل وَالثَّانِي يجب لِأَن الْمَجْمُوع قَاتل وَلَو فتح هَذَا الْبَاب لصار ذَلِك ذَرِيعَة وَالثَّالِث يجب إِن صدر ذَلِك عَن التواطؤ وَإِلَّا فَلَا الرَّابِع إِذا جرح أَحدهمَا فأنهشه الآخر حَيَّة أَو أغرى عَلَيْهِ سبعا وجرحه فَالدِّيَة عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ لِأَن كَثْرَة الْجِرَاحَات لَا تعْتَبر فَإِن أغوارها لَا تنضبط والحية والسبع كالآلة لَهُ وَلَو جرح ونهشه حَيَّة فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَلَو نهشته حَيَّة وجرحه سبع فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة لِأَنَّهُ شريك حيوانيين مختارين وَفِيه وَجه أَن عَلَيْهِ نصف الدِّيَة نظرا إِلَى أصل الشّركَة وإعراضا عَن عدد الْحَيَوَانَات واختتام القَوْل بفصل فِي تغير الْحَال بَين الْجرْح وَالْمَوْت على الْجَارِح أَو الْمَجْرُوح وَله أَرْبَعَة أَحْوَال

الْحَالة الأولى أَن تطرأ الْعِصْمَة بِأَن جرح حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا أَو عبد نَفسه ثمَّ طَرَأَ الْإِسْلَام وَالْعِتْق قبل الْمَوْت لم يجب الْقصاص وَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان أَحدهمَا لَا يجب نظرا إِلَى ابْتِدَاء الْفِعْل والثانى يجب نظرا إِلَى حَالَة الزهوق وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي إِعْتَاق السَّيِّد العَبْد بعد الْجرْح أَن لَا ضَمَان وَنَصّ فِي جَارِيَة مُشْتَركَة حَامِل بِولد رَقِيق ضرب أَحدهمَا بَطنهَا ثمَّ أعتق نصِيبه فسرى فأجهضت جَنِينا مَيتا أَن على الْجَانِي غرَّة كَامِلَة وَهَذَا يُنَاقض نَصه الأول فَقيل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل إِنَّه إِنَّمَا أوجب الْغرَّة لِأَن اتِّصَال الْجِنَايَة بِالْوَلَدِ إِنَّمَا يعرف عِنْد الْولادَة وَمَا قبل ذَلِك لَا يعْتَبر وَقد كَانَ الْوَلَد حرا عِنْد الْولادَة وَإِذا أَوجَبْنَا الدِّيَة فِي الْحَرْبِيّ فَقيل إِنَّه مَضْرُوب على الْعَاقِلَة لِأَنَّهُ خطأ بِالْإِضَافَة إِلَى حَالَة الْإِسْلَام الْحَالة الثَّانِيَة أَن يطْرَأ المهدر كَمَا لَو جرح مُسلما فَارْتَد وَمَات فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا أرش الْجِنَايَة الَّتِي ثبتَتْ فِي حَالَة الْإِسْلَام وَأما السَّرَايَة فمهدرة وَلَو قطع يَده فَارْتَد وَمَات قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لوَلِيِّه الْمُسلم الْقصاص وَهَذَا تَفْرِيع على أَن من لَا وَارِث لَهُ يجب الْقصاص على قَاتله لِأَن الْمُرْتَد لَا وَارِث لَهُ وَلَكِن إثْبَاته للْمُسلمِ مُشكل فَإِن الْمُسلم لَا يَرث حُقُوق الْمُرْتَد عندنَا بل حُقُوقه لبيت المَال وَلَكِن لما ظهر مَقْصُود التشفي كَانَ الْوَلِيّ الْمُسلم أولى بالإستيفاء من الإِمَام وَقيل أَرَادَ الشَّافِعِي

رَضِي الله عَنهُ بالولي الْمُسلم الإِمَام فروع لَو قطع يَدي الْمُسلم وَرجلَيْهِ فَارْتَد وَمَات فَلَا تلْزمهُ إِلَّا دِيَة وَاحِدَة لِأَن مَوته كَافِرًا لَا يزِيد على مَوته مُسلما وَقَالَ الْإِصْطَخْرِي تجب ديتان لأَنا لَو أدرجنا لأهدرنا فعسر الإدراج بطرآن المهدر كعسره بِمَا لَو حز غَيره رقبته وَلِهَذَا الْإِشْكَال ذكر وَجه فِي سُقُوط أصل الْأَرْش لِأَن الْجرْح صَار قتلا وَالْقَتْل صَار مهدرا فَلَا يبْقى للْقَتْل وَالْجرْح عِبْرَة الْحَالة الثَّالِثَة لَو ارْتَدَّ بعد الْجرْح ثمَّ أسلم وَمَات فالنص سُقُوط الْقصاص وَنَصّ فِي الذِّمِّيّ إِذا جرح ذِمِّيا والتحق الْمَجْرُوح بدار الْحَرْب ثمَّ عقد لَهُ أَمَان ثَانِيًا ثمَّ مَاتَ أَنه يجب الْقصاص فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى حَالَة الْجرْح وَالْمَوْت وَفِي الثَّانِي إِلَى الْكل لِأَن الْجراحَة تسري فِي حَالَة الرِّدَّة أَيْضا فَهُوَ كَمَا لَو جرح فِي حَالَة الرِّدَّة ثمَّ فِي حَالَة الْإِسْلَام وَقيل الْمَسْأَلَة على حَالين فَإِن طَال زمَان الرِّدَّة فَظهر أثر الرِّدَّة فَلَا قصاص وَإِن قرب فَلَا أثر لَهُ وَإِن آل الْأَمر إِلَى الدِّيَة فالنص وجوب كَمَال الدِّيَة وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَنه يجب ثلثا الدِّيَة ويهدر الثُّلُث بهدر السَّرَايَة فِي إِحْدَى الْأَحْوَال الثَّلَاثَة وَقيل يجب النّصْف جمعا لحالتي الْعِصْمَة فِي مُقَابل حَالَة الإهدار الْحَالة الرَّابِعَة أَن يطْرَأ مَا يُغير مِقْدَار الدِّيَة كَمَا لَو جرح ذِمِّيا فَأسلم أَو عبدا فَأعتق ثمَّ مَاتَ فالنظر فِي الْمِقْدَار إِلَى حَالَة الْمَوْت فَلَو فَقَأَ عَيْني عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل فَعتق وَمَات فَعَلَيهِ مائَة من الْإِبِل لِأَنَّهُ بدل حر وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يجب مِائَتَان من الْإِبِل لِأَنَّهُ يصرف إِلَى السَّيِّد

وَلَو قطع إِحْدَى يَدي عبد فَعتق وَمَات فَعَلَيهِ مائَة من الْإِبِل وَفِي المصروف إِلَى السَّيِّد قَولَانِ أَحدهمَا أَنه أقل الْأَمريْنِ من كل الدِّيَة أَو كل الْقيمَة والعبارة عَنهُ أَن المصروف إِلَيْهِ أقل الْأَمريْنِ مِمَّا الْتَزمهُ الْجَانِي آخرا بِالْجِنَايَةِ على الْملك أَولا أَو مثل نسبته من الْقيمَة وَالْقَوْل الثَّانِي أَنه أقل الْأَمريْنِ من كل الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة فَإِن الْجراحَة فِي ملكه لم تنقص إِلَّا النّصْف فَلم يمت فِي الرّقّ حَتَّى تعْتَبر كل الْقيمَة والعبارة عَنهُ أَن الْوَاجِب أقل الْأَمريْنِ مِمَّا الْتَزمهُ الْجَانِي آخرا بِالْجِنَايَةِ على الْملك أَولا أَو أرش جِنَايَة الْملك دون السَّرَايَة فعلى هَذَا لَو قطع إِحْدَى يَدَيْهِ فَعتق فجَاء الآخر وَقطع يَده الْأُخْرَى وَجَاء الثَّالِث وَقطع إِحْدَى رجلَيْهِ وَمَات فَالْوَاجِب على جَمِيعهم دِيَة وَاحِدَة وَهِي دِيَة حر على كل وَاحِد ثلث وَلَا حق للسَّيِّد إِلَّا فِيمَا يُؤْخَذ من الْجَانِي فِي حَالَة الرّقّ فَلهُ أقل الْأَمريْنِ من ثلث الدِّيَة أَو ثلث الْقيمَة وَهِي مثل نسبته وعَلى القَوْل الثَّانِي أقل الْأَمريْنِ من ثلث الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة فَإِنَّهُ أرش الْجِنَايَة الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا عَاد الْجَانِي الأول فجرح فِي الْحُرِّيَّة جِرَاحَة ثَانِيَة فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا ثلث الدِّيَة إِذْ لَا يزِيد الْوَاجِب بِكَثْرَة الْجِرَاحَات لَكِن الثُّلُث وَجب عَلَيْهِ بجراحتين حِصَّة الْوَاقِع مِنْهُمَا فِي الْملك نصف وَهُوَ السُّدس فترعى النِّسْبَة بَين هَذَا السُّدس وَسدس الْقيمَة على قَول وَبَين السُّدس وَنصف الْقيمَة على القَوْل الآخر فَلَو أوضح رَأسه فِي الرّقّ فَعتق فجرحه غَيره فَمَاتَ فعلى الْجَانِي فِي الْملك نصف الدِّيَة وعَلى الْجَارِح النّصْف الآخر وَللسَّيِّد أقل الْأَمريْنِ من نصف الدِّيَة أَو نصف الْقيمَة وَهُوَ مثل نسبته على قَول وَله أقل الْأَمريْنِ من نصف الدِّيَة أَو نصف عشر الْقيمَة فَإِنَّهُ يشبه أرش

الْمُوَضّحَة من قيمَة العَبْد فَإِن قيل بدل الْملك الدَّرَاهِم وَبدل الْحر الْإِبِل فَبِمَ يُطَالب السَّيِّد قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْإِبِل لِأَن حَقه فِيمَا وَجب على الْجَانِي وَهُوَ الْوَاجِب وَالثَّانِي أَن الْخيرَة إِلَى الْجَانِي فَإِن سلم الدَّرَاهِم لم يكن للسَّيِّد الِامْتِنَاع لِأَنَّهُ حَقه وَإِن سلم الْإِبِل فكمثل لِأَنَّهُ أدّى واجبه وعَلى الْجُمْلَة إِيجَاب دِيَة الْحر ثمَّ صرفهَا إِلَى السَّيِّد بعيد وَلَكِن إِيجَاب مِائَتَيْنِ من الْإِبِل كَمَا ذكره الْمُزنِيّ رَحمَه الله أبعد لِأَن الْقَتِيل حر فَكيف تزاد على دِيَة الْحر والإقتصار على أرش الْجِنَايَة وَلَو كَانَ درهما أبعد وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَنَّهُ إهدار للدم فَفِي كل طَرِيق بعد لَكِن طَرِيق الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أقرب إِذْ نظر إِلَى قدر الْوَاجِب إِلَى الْمَوْت وَفِي مصرفه الْتفت إِلَى حَالَة الْجرْح فرعان الأول لَو رمى إِلَى حَرْبِيّ أَو مُرْتَد فَأسلم قبل الْإِصَابَة فَفِي الضَّمَان وَجْهَان مرتبان على مَا إِذا جرح حَرْبِيّا فَأسلم ثمَّ مَاتَ أَو مُرْتَدا فها هُنَا أولى بِوُجُوب الضَّمَان لِأَن الْجرْح سَبَب قديم فِي حَالَة الإهدار وَتَمام الرَّمْي بالإصابة والإصابة جرت فِي حَالَة الْعِصْمَة وَفِي الْمُرْتَد أولى بِالْوُجُوب لِأَن الرَّمْي إِلَيْهِ عدوان وَلَو رمى إِلَى عبد لَهُ فَأعْتقهُ قبل الْإِصَابَة فَوَجْهَانِ مرتبان فِي الْمُرْتَد وَأولى بِالضَّمَانِ لِأَنَّهُ مَعْصُوم على الْجُمْلَة وَلَو رمى إِلَى من عَلَيْهِ الْقصاص ثمَّ عَفا قبل الْإِصَابَة فَوَجْهَانِ مرتبان على العَبْد وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن العَبْد مَضْمُون عَلَيْهِ بِالْكَفَّارَةِ وَلَو حفر بِئْرا فتردى فِيهِ مُسلم كَانَ مُرْتَدا عِنْد الْحفر وَجب الضَّمَان قطعا لِأَن الْحفر لَيْسَ يتَّجه نَحْو المتردي فِي عينه بِخِلَاف الرَّمْي فَإِنَّهُ مُتَّجه نَحْو الْمَقْصُود

الثَّانِي لَو تخللت ردة المرمي إِلَيْهِ بَين الرَّمْي والإصابة قيل لَا قصاص لاتصال الإهدار بِبَعْض أَجزَاء السَّبَب وَلَو تخللت ردة الرَّامِي المخطىء ضربت الدِّيَة على الرَّامِي لَا على عَاقِلَته الْمُسلمين لِأَن الأَصْل سُقُوط التَّحَمُّل كَمَا أَن الأَصْل سُقُوط الْقصاص وَقد تخللت حَالَة مَانِعَة وَذكر الشَّيْخ أَبُو عَليّ رَحمَه الله فِي التَّحَمُّل قَوْلَيْنِ وينقدح ذَلِك فِي الْقصاص كَمَا ذكرنَا فِي تخَلّل الرِّدَّة بَين الْجرْح وَالْمَوْت وَهَذَا تَمام القَوْل فِي الْقصاص فِي النَّفس

النَّوْع الثَّانِي فِي قصاص الطّرف وَهُوَ وَاجِب بِقطع الْأَطْرَاف وَالنَّظَر فِي الْقطع والقاطع والمقطوع أما الْقطع وَالْجرْح كل عمد مَحْض عدوان مُبين بطرِيق الْمُبَاشرَة لَا بِالسّرَايَةِ وَقد ذكرنَا اخْتِلَاف النَّص فِي السَّرَايَة إِلَى الْأَجْسَام واللطائف أما الْقَاطِع فشرطه كَونه مُكَلّفا مُلْتَزما كَمَا فِي النَّفس وَلَا يُرَاد فِي الطّرف التَّسَاوِي فِي الْبَدَل بل تقطع عندنَا يَد الرجل بيد الْمَرْأَة وَبِالْعَكْسِ وَيَد العَبْد بِالْعَبدِ وَالْحر نعم لَا تقطع السليمة بالشلاء لَيست نصفا من صَاحبهَا فالبدل يلْتَفت إِلَيْهِ عندنَا معيارا تنعرف بِهِ نِسْبَة الطّرف من النَّفس ثمَّ من قوبل كُله بشخص قوبل نصفه بِنصفِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله التَّفَاوُت فِي الْبَدَل يمْنَع الْقصاص ثمَّ التَّفَاوُت فِي الْعدَد عندنَا لَا يمْنَع كَمَا فِي النَّفس وَلَو قطع جمَاعَة يَمِين رجل على الإشتراك بِحَيْثُ لم ينْفَصل فعل بَعضهم من بعض قطعت أَيْمَانهم بِهِ

فَأَما الْمَقْطُوع فَيعْتَبر فِيهِ الْعِصْمَة كَمَا فِي النَّفس وَأَن تكون الْجِنَايَة مَعْلُومَة الْقدر بِحَيْثُ يُمكن الإقتصار على مثله فِي الْقصاص فَإِن الرّوح مستبقاة فَلَا بُد من الإحتياط ثمَّ الْجِنَايَة على مَا دون النَّفس ثَلَاثَة جرح وإبانة طرف وَإِزَالَة مَنْفَعَة أما الضَّرْب واللطم فَلَا قصاص فِيهِ بل يُعَزّر صَاحبه أما الْجرْح فَإِن وَقع على الرَّأْس لم يجب الْقصاص فِيهِ إِلَّا فِي الْمُوَضّحَة وَهِي الَّتِي توضح الْعظم فَأَما مَا بعْدهَا من الهاشمة للعظم أَو المنقلة لَهُ أَو الآمة الْبَالِغَة إِلَى أَمر الرَّأْس أَو الدامغة الخارقة لخريطة الدِّمَاغ فَلَا قصاص فِيهَا لِأَنَّهَا لَا تنضبط وَمَا قبل الْمُوَضّحَة كالحارصة الَّتِي تشق الْجلد والدامية الَّتِي تسيل الدَّم مِنْهَا فَلَا قصاص فيهمَا وَأما الباضعة الَّتِي تبضع اللَّحْم أَي تقطعه والمتلاحمة الَّتِي تغوص فِي اللَّحْم غوصا بَالغا وَلَا يَنْتَهِي إِلَى الْعظم فَفِيهَا قَولَانِ أَحدهمَا النَّفْي فَإِن الْعظم مرد فَإِذا لم ينْتَه إِلَيْهِ لم يُمكن الضَّبْط وَالثَّانِي يجب وَيُمكن ضبط مِقْدَاره بِالنِّسْبَةِ فَإِن قطع نصف اللَّحْم إِلَى

الْعظم فَيقطع من رَأسه النّصْف وَإِذا كَانَ أَحدهمَا فِي سمك شعيرَة وَالْآخر فِي سمك شعيرتين فَلَا نبالي بِهِ وَإِنَّمَا ترعى النِّسْبَة والموضحة إِذا وَقعت على الْوَجْه فَانْتهى إِلَى عظم الْجَبْهَة أَو الخد أَو قَصَبَة الْأنف فَهُوَ كموضحة الرَّأْس وَلَو وَقع على سَائِر الْبدن كَمَا لَو انْتهى إِلَى عظم الصَّدْر مثلا فَلَا يلْحق بموضحة الرَّأْس وَالْوَجْه فِي تَقْدِير الْأَرْش بِنصْف عشر الدِّيَة وَلَكِن فِي الْقصاص وَجْهَان قَالَت المراوزة لَا يلْحق بِهِ كَمَا فِي الدِّيَة وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يلْحق بِهِ لِأَنَّهُ مضبوط فِي نَفسه وَأما التَّقْدِير فَلَا يَكْفِي الضَّبْط فِيهِ مَعَ اخْتِلَاف الْموضع فرع لَو قطع بعض المارن أَو الْأذن وَلم يبن فَفِي الْقصاص فِيهِ قَولَانِ مرتبان على المتلاحمة وَأولى بِالْوُجُوب لِأَن الضَّبْط فِيهِ أيسر إِذْ الْهَوَاء بِهِ مُحِيط من الْجَانِبَيْنِ وَلَو قطع نصف كوعه فَقَوْلَانِ مرتبان وَأولى بِأَن لَا يجب لِأَن الْكُوع مجمع الأعصاب وَالْعُرُوق وَهِي تخْتَلف فِي ارتفاعها وانخفاضها وَأما الْأَطْرَاف فَيجب الْقصاص فِي قطع مفاصلها وَكَذَا فِي مفصل الْمنْكب والفخذ إِن أمكن قطعه بِغَيْر إجافة وَإِن استأصل الْجَانِي الْفَخْذ وأجافه وَأمكن تَحْصِيل مثله فَالظَّاهِر أَنه يمْنَع الإجافة وَقيل يجوز لِأَن هَذِه الْجَائِفَة تَابِعَة لَا مَقْصُودَة وكل جرم يبْقى دلَالَة الْقطع فَهُوَ كالمفصل كَمَا لَو قطع فلقَة من المارن أَو الْأذن والأنثيين وَالذكر والأجفان والشفتين والشفرين لِأَنَّهُ مُقَدّر مَحْدُود وَلَا يجب الْقصاص فِي فلقَة من الْفَخْذ لِأَن سمكه لَا يَنْضَبِط وَفِي الْعَجز وَجْهَان

لتردده بَين الْفَخْذ وَالذكر لِأَنَّهُ بَين النتو والإنبساط وَأما كسر الْعِظَام فَلَا قصاص فِيهِ وَلَو كسر عضده قطع من الْمرْفق وَأخذ حُكُومَة الْعَضُد وَكَذَلِكَ لَو هشم رَأسه بعد إِيضَاح أوضح وَضمن أرش الْبَاقِي وَلَو قطع من الْكُوع لعَجزه من الْعَضُد مُقْتَصرا عَلَيْهِ فَفِي تجويزه وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَن الْمرْفق مَقْدُور عَلَيْهِ وَهُوَ أقرب إِلَى مَحل الْقطع فَهُوَ كَمَا لَو طلب رأش الساعد مَعَ قطع الْكُوع فَإِنَّهُ لَا يُجَاب وكما لَو قطع من الْمرْفق فَنزل إِلَى الْكُوع مَعَ الْقُدْرَة على الْمرْفق فَإِنَّهُ لَا يحاب وَالثَّانِي أَنه يُجَاب لِأَن مَحل الْجِنَايَة معجوز عَنهُ وَفِي النُّزُول إِلَى الْكُوع مُسَامَحَة وَلَا خلاف أَنه لَو نزل إِلَى لقط الْأَصَابِع لم يجز لِأَن فِيهِ تَعْذِيب مَحل الْجراحَة ثمَّ إِذا أسقطنا حُكُومَة الساعد فَفِي حُكُومَة بَقِيَّة الْعَضُد تردد لِأَن ذَلِك معجوز عَنهُ بِخِلَاف الساعد فَأَما الْمعَانِي وَالْمَنَافِع فَلَا يُمكن تنَاولهَا بِالْمُبَاشرَةِ وَلَكِن بِالسّرَايَةِ وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو أوضح رَأسه فَأذْهب ضوء عَيْنَيْهِ أوضحنا رَأسه فَإِن لم يذهب ضوءه أزلنا الضَّوْء مَعَ إبْقَاء الحدقة بطرِيق مُمكن وَهَذَا إِيجَاب قصاص بِالسّرَايَةِ وَنَصّ فِي أجسام الْأَطْرَاف أَنَّهَا لَا تضمن بِالسّرَايَةِ فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخرج كَمَا سبق فَإِن قُلْنَا يضمن اللطائف بِالسّرَايَةِ فَفِي الْعقل والبطش تردد لبعدهما عَن التَّنَاوُل بِالسّرَايَةِ أما السّمع فَهُوَ فِي 2 معنى الْبَصَر

فروع إِذا قُلْنَا لَا تضمن الْأَجْسَام بِالسّرَايَةِ فَلَو جَاءَ الْمَقْطُوع يَده وَقطع أصبعا من الْجَانِي فتآكل الْبَاقِي فَفِي تأدي الْقصاص بِهِ قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن السَّرَايَة فِيهِ لَا توجب الْقصاص فَلَا يتَأَدَّى بِهِ الْقصاص بِخِلَاف مَا إِذا قطع يَده فَقطع يَد الْجَانِي فسرتا إِلَى الروحين فَإِنَّهُ يَقع قصاصا لِأَن السَّرَايَة فِي الرّوح كالمباشرة وَكَذَا الْخلاف فِيمَا لَو ضرب من عَلَيْهِ الْقصاص بِسَوْط أَو جرحه خطأ فَمَاتَ لِأَن الرّوح تضمن بِالْقصاصِ وَلَكِن لَا بِهَذَا الطَّرِيق والأقيس أَن يتَأَدَّى بِهِ الْقصاص لِأَن الْحق مُتَعَيّن وَقد اسْتَوْفَاهُ وَكَذَلِكَ الْمَجْنُون إِذا قتل من يسْتَحق عَلَيْهِ الْقصاص وَلَو أوضح رَأسه فتمعط شعره وَزَالَ ضوء عَيْنَيْهِ فأوضحنا رَأسه فتمعط شعره وَزَالَ ضوء عَيْنَيْهِ فَفِي وُقُوع الشّعْر قصاصا خلاف مُرَتّب وَأولى بِأَن لَا يَقع لِأَن نفس الشّعْر لَا يضمن بِالْقصاصِ بِخِلَاف نفس الْأَطْرَاف وَوجه وُقُوعه قصاصا التّبعِيَّة والإلتفات إِلَى أَن فَسَاد المنبت من جملَة زَوَال اللطائف إِذْ مَعْنَاهُ زَوَال الْقُوَّة المنبتة وجرم الشّعْر فِيهِ تَابع وَلَا خلاف فِي أَنه لَو بَاشر تمعيط شعره فقابله بِمثلِهِ لم يَقع قصاصا بل كل وَاحِد مِنْهُمَا جِنَايَة توجب الْحُكُومَة وَالتَّعْزِير

الْفَصْل الثَّانِي فِي الْمُمَاثلَة والتفاوت فِي ثَلَاثَة أُمُور الأول تفَاوت فِي الْمحل وَالْقدر وَمِثَال الْمحل أَن الْيُمْنَى لَا تقطع باليسرى وَلَا السبابَة بالوسطى وَلَا أصْبع زَائِدَة بِمِثْلِهَا عِنْد اخْتِلَاف المنبت وَأما الْقدر فتفاوته لَا يُؤثر فِي الْأَعْضَاء الْأَصْلِيَّة إِذْ تقطع يَد الصَّغِير بالكبير وبيد الصَّغِير يَد الْكَبِير عِنْد الْمُسَاوَاة فِي الإسم إِبْهَام وإبهام وَفِي الْأصْبع الزَّائِدَة يمْنَع الْقصاص إِذا وَجب تفَاوت الْحُكُومَة لتَفَاوت النِّسْبَة وَعند تَسَاوِي الْحُكُومَة وَجْهَان لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ اسْم أُصَلِّي حَتَّى يَكْتَفِي بِالِاسْمِ وَأما الْمُوَضّحَة فالتفاوت فِيهِ فِي الْعرض مُعْتَبر إِذْ لَا يقنع فِيهَا بموضحة 2 ضيقَة فِي مُقَابلَة الواسعة وتفاوت الغوص فِي سمك اللَّحْم لَا يُؤثر لِأَن مرد الإسم هُوَ الْعظم فروع ثَلَاثَة الأول لَو أوضح ناصيته لم نوضح قذاله بل راعينا الْمحل وَلَو كَانَ رَأس الشاج أَصْغَر استوعبنا عِنْد اسْتِيفَائه الرَّأْس الْكَبِير وَلم نكمل بالقفا والجبهة لتَفَاوت الإسم وَالْمحل بل نضم إِلَيْهِ أرشا بِخِلَاف الْيَد الصَّغِيرَة فَإِنَّهَا تَكْفِي فِي مُقَابلَة الْكَبِيرَة لِأَن مَا وَقع من النُّقْصَان بَين

الْيَدَيْنِ لم يثبت لَهُ اسْم الْيَد والتفاوت هَا هُنَا مِقْدَار يثبت لَهُ اسْم الْمُوَضّحَة وديتها لَو أفرد فَلم يُمكن أَن يَجْعَل تَابعا وَلَو استوعب ناصيته وَرَأس الشاج أَصْغَر استوعبنا ناصيته وكملنا من بَاقِي الرَّأْس لِأَن اسْم الرَّأْس شَامِل وَقَالَ القَاضِي اخْتِلَاف أسامي جَوَانِب الرَّأْس كاختلاف مَا بَين الرَّأْس وَغَيره فَلَا يتَعَدَّى الناصية وَيضم إِلَيْهِ الْأَرْش فَإِن فرعنا على الظَّاهِر فالخيرة فِي تعْيين الْجَانِب الَّذِي بِهِ التَّكْمِيل إِلَى الْجَانِي على وَجه وَإِلَى الْمَجْنِي عَلَيْهِ على وَجه وَفِي الثَّالِث يبتدىء من حَيْثُ ابْتَدَأَ الْجَانِي وَيذْهب فِي صَوبه إِلَى الإستكمال الثَّانِي لَو اسْتحق قدر أُنْمُلَة من الْمُوَضّحَة فَزَاد فِي الْقصاص غرم أرشا وَفِي مِقْدَاره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه قسط بِحِصَّة أرش وَاحِد إِذا وزع على الْجَمِيع لِأَن الْمُوَضّحَة وَاحِدَة وَالثَّانِي أَنه يجب أرش كَامِل لِأَن هَذَا الْقدر حناية وَالْبَاقِي حق مُنْفَرد بِحكمِهِ كَمَا لَو كَانَ الأول خطأ وَاسْتمرّ على الْبَقِيَّة عمدا فَيجب قصاص الْعمد ويفرد حكمه لاخْتِلَاف الْحَال وَيقرب مِنْهُ الْخلاف فِيمَا إِذا أَرَادَ الإقتصار على بعض حَقه مِنْهُم من جوز كَمَا فِي الأصبعين وَمِنْهُم من منع لِاتِّحَاد الِاسْم الثَّالِث لواشتركوا فِي الْإِيضَاح احْتمل أَن يُوضح من رَأس كل شريك بِقَدرِهِ وَيحْتَمل أَن يوزع لقبوله التَّوْزِيع ثمَّ يتَصَدَّى النّظر فِي تعْيين الْمحل

التَّفَاوُت الثَّانِي فِي الصِّفَات وَفِيه مسَائِل الأولى أَن التَّفَاوُت فِي الضعْف وَالْمَرَض لَا يمْنَع بل يقطع ذكر الْقوي بِذكر الْعنين وَالصَّبِيّ وأنف الصَّحِيح بأنف الأجذم إِلَّا إِذا بطلت حَيَاته وَأخذ فِي التفتت وتقطع أذن السَّمِيع بأذن الْأَصَم وَالْأنف الصَّحِيح بأنف الأخشم لِأَن الْمَرَض فِي مَحل السّمع والشم لَا فِي مَحل الْأذن وَالْأنف وَلَا تقطع يَد الصَّحِيح بالشلاء وَلَا الذّكر الصَّحِيح بالأشل وشلل الذّكر أَن لَا يتَغَيَّر فِي الْحر وَالْبرد بالتقلص والإسترسال وَذكر الْعنين لَا شلل فِيهِ وَإِنَّمَا الْخلَل فِي مَوضِع آخر وَهُوَ فِي الدِّمَاغ أَو الْقلب وشلل الْيَد فِي بطلَان الْبَطْش وَلَا يشْتَرط سُقُوط الْحس على الْمَذْهَب الظَّاهِر فَإِن قنع صَاحب الصَّحِيحَة بِالْيَدِ الشلاء أُجِيب إِلَيْهِ وَلم يكن لَهُ أرش كَمَا لَو رَضِي المُشْتَرِي بالمعيب فِي الشِّرَاء لِأَن الْبَطْش وصف لَا يقبل الإنفصال وتقطع الشلاء بالشلاء إِذا تَسَاويا فِي الْحُكُومَة وَضَعِيف الْبَطْش كقويه إِلَّا إِذا كَانَ بِجِنَايَة فَإِن الْجِنَايَة تعْتَبر فِي الشّركَة وَلَا تعْتَبر فِي الْمَرَض وَأما الحدقة العمياء ولسان الأبكم فَهِيَ كَالْيَدِ الشلاء الثَّانِيَة تقطع الْأذن الصَّحِيحَة بالأذن المثقوبة إِذا لم يُورث الثقب شَيْئا كآذان النِّسَاء

والمخرومة الَّتِي قطع بَعْضهَا لَا يسْتَوْفى بهَا كَامِلَة وَلَكِن تستوفى بِمِثْلِهَا إِن أجرينا الْقصاص فِي بعض الاطراف وَلَا نكتفي بالمخرومة فِي مُقَابلَة الْكَامِلَة إِلَّا بِضَم الْأَرْش إِلَيْهِ وَإِن كَانَ الخرم من غير إبانة قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ امْتنع الْقصاص لِأَن الْجمال هوالمقصود الْأَظْهر فِي الْأذن بِخِلَاف مَا إِذا كَانَت أظفار الْمَجْنِي عَلَيْهِ متفرعة اَوْ مخضرة إِذْ تقطع بِهِ الْيَد السليمة لظُهُور مَنْفَعَة الْبَطْش فِي الْيَد وَلَو كَانَت الْأَظْفَار مقلوعة قَالُوا لَا يسْتَوْفى بهَا الْكَامِلَة وَالْكل فِيهِ نظر إِذْ يلْزم أَن ينقص قدر من دِيَة الإصبع لفقد الظفر وَلَا قَائِل بِهِ وَلَو قطع أُذُنه فَرده إِلَى المقطع فِي حرارة الدَّم فالتصق فَلَا أثر لهَذَا الإلتصاق وَالْقصاص وَاجِب وَيجب قلعه إِن قُلْنَا إِن مَا يبان من الْآدَمِيّ نجس وَإِلَّا فيعفى عَنهُ وَيحْتَمل النّظر إِلَى الدَّم الَّذِي انكتم فِي الإلتصاق لِأَن السَّاتِر جماد فَلَا يُوجب الإستبطان فَإِذا قُلْنَا يجب إِزَالَته فَلَا قصاص على مقتلعه وَهَكَذَا إِن قُلْنَا لَا يجب إِلَّا إِذا سرى إِلَى الرّوح فَيجب قصاص النَّفس الثَّالِثَة لَا تقلع سنّ الْبَالِغ بسن صبي لم يثغر لِأَن الْقصاص فِي إِفْسَاد المنبت فَلَا يفْسد من الصَّبِي فَلَو فسد المنبت وَلم تعد سنّ الصَّبِي فَفِي الْقصاص قَولَانِ وَجه قَوْلنَا لَا يجب أَن سنه فضلَة زَائِدَة فَلَا يُمكن أَن يقْلع بِهِ سنّ أُصَلِّي فَإِن كَانَ فَسَاد المنبت مُشْتَركا والبالغ لَو عَاد سنه على ندور فَفِي سُقُوط الْقصاص عَن قالعه قَولَانِ وَوجه قَوْلنَا لَا يسْقط التَّشْبِيه بِمَا لَو التحمت الْمُوَضّحَة فَإِنَّهَا نعْمَة

جَدِيدَة لَا تسْقط الْقصاص وَلَو قطع جُزْءا من طول لِسَانه فَعَاد فَهُوَ كعود السن أَو التحام الْمُوَضّحَة وَجْهَان فَإِن حكمنَا بِسُقُوط الْقصاص ففائدته اسْتِرْدَاد الدِّيَة إِن كَانَ قد أَخذهَا أَو إِيجَاب دِيَة سنّ الْجَانِي وَإِن كَانَ قد قلع وَلَيْسَ من فَائِدَته تَأْخِير اسْتِيفَاء الْقصاص لِأَن الظَّاهِر عدم الْعود كَمَا أَن الظَّاهِر فِي الصَّبِي الْعود فَإِن بَادر الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَاسْتوْفى ثمَّ عَاد سنه لم يقْلع قصاصا باستيفائه إِذْ جَازَ لَهُ الإستيفاء لَكِن يغرم لَهُ الدِّيَة وَيبقى لَهُ حُكُومَة سنه وَلَو عَاد سنّ الْجَانِي وَقُلْنَا عوده مُؤثر فَفِي قلعه ثَانِيًا وثالثا إِلَى إِفْسَاد المنبت وَجْهَان

التَّفَاوُت الثَّالِث فِي الْعدَد فَإِن كَانَت يَد الْجَانِي نَاقِصَة بأصبع قطع وطولب بِالْأَرْشِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يقنع بِهِ كَمَا فِي النَّفس فَإِن كَانَ النُّقْصَان فِي يَد الْمَجْنِي عَلَيْهِ لم يكن لَهُ قطع الْكَفّ لَكِن لقط الْأَصَابِع الْأَرْبَع وَطلب حُكُومَة الْبَاقِي كَمَا فِي كسر الْعَضُد فروع أَرْبَعَة الأول لَو كَانَ على يَد الْجَانِي أصبعان شلاوان فَلَو قطع يَده فَلَا أرش للشلل وَإِن لقط الْأَصَابِع الثَّلَاث فَلهُ دِيَة أصبعين وَأما حُكُومَة الْكَفّ فالقدر الَّذِي يُقَابل الْأَصَابِع المقطوعة فِيهِ وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن الْحُكُومَة هَل تندرج تَحت قصاص الْأَصَابِع كَمَا تندرج تَحت دِيَتهَا وَهل يُقَابل الأصبعين فِيهِ وَجْهَان يعبر عَنْهُمَا بِأَن بعض الْأصْبع هَل تنزل منزلَة الْكل فِي استتباع الْحُكُومَة وَأما الْأصْبع الشلاء فَلَا تندرج حُكُومَة الْكَفّ تَحت حكومتها فِي الظَّاهِر الثَّانِي إِذا كَانَ على يَد الْجَانِي سِتَّة أَصَابِع مُتَسَاوِيَة لَيْسَ فِيهَا زِيَادَة فللمجني عَلَيْهِ أَن يلقط خَمْسَة من أَي جَانب شَاءَ وَله مَعَ ذَلِك سدس دِيَة الْيَد لِأَن الْيَد انقسمت سِتَّة أَقسَام وَقد استوفى فِي خَمْسَة أسداسها إِلَّا أَنه خَمْسَة أَسْدَاس فِي صُورَة خمس كوامل فنحط من أجل الصُّورَة من السُّدس شَيْئا بالإجتهاد أما إِذا كَانَت فِيهَا زِيَادَة وَزعم أهل الصَّنْعَة أَن الْقُوَّة لم تَنْقَسِم بالأجزاء المتساوية لِأَن

الزَّائِد ملتبس فَلَيْسَ لَهُ الْقصاص لِأَنَّهُ رُبمَا يَسْتَوْفِي الزَّائِدَة بأصلية فَلَا سَبِيل إِلَيْهِ فَلَو بَادر فَقطع خمْسا فَهُوَ تَمام حَقه وَلَا يلْتَفت إِلَى قَوْله لَعَلَّ الزَّائِد فِي الْمُسْتَوْفى فقد نقص حَقي لِأَنَّهُ تعدى بالمخالفة الثَّالِث أصْبع تشْتَمل على أَربع أنامل تَنْقَسِم الْقُوَّة لَهَا على التَّسَاوِي من غير تعْيين زِيَادَة فَإِذا قطع هَذَا من المعتدل أُنْمُلَة قَطعنَا أنملته وألزمناه من الْأَرْش مَا بَين الرّبع وَالثلث وَإِن قطع أنملتين قَطعنَا أنملتيه وألزمناه مَا بَين النّصْف والثلثين فَإِن قطع الْأصْبع قَطعنَا أُصْبُعه فَإِن أَرْبَعَة أَربَاع تَسَاوِي ثَلَاثَة أَثلَاث هَذَا إِذا لم يزدْ فِي الطول فَإِن زَاد فِي طوله فَالْحكم مَا مضى وَلَكِن يرْعَى تفَاوت الصُّورَة هَا هُنَا كَمَا فِي الْأَصَابِع السِّتَّة وَلَو قطع من هَذِه الأنامل وَاحِدَة فَلَا نقطع أُنْمُلَة معتدلة لِأَنَّهَا ثلث فَلَا تقَابل بِالربعِ وَإِن قطع أنملتين قَطعنَا وَاحِدَة وطلبناه بالتفاوت بَين النّصْف وَالثلث وأنملتان متساويتان على رَأس أصْبع ويدان على ساعد وقدمان على كَعْب كالأصابع السِّتَّة الرَّابِع مَقْطُوع الْأُنْمُلَة الْعليا إِذا قطع صَحِيح

الْأُنْمُلَة الْوُسْطَى مِنْهُ فَلَا يُمكن اسْتِيفَاء الْوُسْطَى وَلَكِن لَو سَقَطت الْعليا بِآفَة أَو جِنَايَة جَان فقدرنا على الْوُسْطَى فنقطعها وَإِلَى أَن يتَّفق ذَلِك فَهَل يُطَالب بِالْأَرْشِ للْحَيْلُولَة نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن ولي الْمَجْنُون يُطَالب بِالْأَرْشِ إِذا ثَبت للمجنون قصاص وَيكون ذَلِك للْحَيْلُولَة وَنَصّ فِي الصَّبِي أَنه لَا يُطَالب لِأَن لَهُ أمدا منتظرا فَخرج إِلَى الْمَجْنُون وَجه من الصَّبِي وَإِلَى الصَّبِي وَجه من الْمَجْنُون وَأما الْحَامِل فَهِيَ أولى بِأَن لَا يُطَالب لِأَن أمد وضع الْحمل قريب فتوقع سُقُوط الْعليا فِي مَسْأَلَتنَا بِآفَة أَو جِنَايَة جَان كتوقع الْإِفَاقَة من الْمَجْنُون وَلَو كَانَت علياه مُسْتَحقَّة بِالْقصاصِ فتوقع اسْتِيفَائه كتوقع وضع الْحمل وَمهما قُلْنَا إِنَّه لَيْسَ لَهُ أرش الْحَيْلُولَة فَلَو أَخذ كَانَ إقدامه على أَخذ الْأَرْش

عفوا عَن الْقصاص فروع تتَعَلَّق بالنزاع الأول إِذا جنى على ملفوف فِي ثوب وَادّعى كَونه مَيتا وَأنْكرهُ ولي الملفوف فَقَوْلَانِ أَحدهمَا القَوْل قَول الْجَانِي إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالثَّانِي القَوْل قَول الْوَلِيّ إِذْ الأَصْل اسْتِمْرَار الْحَيَاة وَلَو قطع يَده ثمَّ قَالَ لم يكن لَهُ أصْبع فَفِيهِ طرق وَحَاصِل الْمَذْهَب أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَن القَوْل قَوْله لِأَن الأَصْل عدم الْقصاص وَالثَّانِي قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِذْ الأَصْل السَّلامَة وَالثَّالِث إِن كَانَ الْعُضْو بَاطِنا فَقَوْل الْمَجْنِي عَلَيْهِ إِذْ يعسر عَلَيْهِ إِقَامَة الْبَيِّنَة وَالْبَاطِن مَا يجب ستره شرعا على رَأْي أَو مَا يستر مُرُوءَة على رَأْي وَالرَّابِع أَنه إِن ادّعى عدم الْأصْبع فِي الأَصْل فَالْقَوْل قَوْله وَإِن ادّعى سُقُوطه فَالْقَوْل قَول الْمَجْنِي عَلَيْهِ الثَّانِي إِذا قطع يَدي رجل وَرجلَيْهِ فَمَاتَ وَبعد مَوته ادّعى الْوَلِيّ أَنه مَاتَ بعد اندماله وَعَلَيْك ديتان فَأنْكر فَيصدق من يصدقهُ الظَّاهِر وَيعرف ذَلِك بِقرب الزَّمَان وَبعده وَإِن تَسَاويا فِي إِمْكَان الصدْق فَهُوَ قريب من تقَابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ يُمكن أَن يُقَال الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَالْأَصْل التَّعَدُّد عِنْد تعدد الْجِنَايَة والسراية مَشْكُوك فِيهَا

وَلَو ادّعى الْوَارِث أَنه مَاتَ بِسَبَب هاجم فمطالبته بِالْبَيِّنَةِ هَا هُنَا أولى لِأَن إِثْبَات ذَلِك أيسر وَالْأَصْل عدم طرآن السَّبَب وَلَو انعكس الْخلاف فَطلب الْقصاص فِي النَّفس فَالْقَوْل قَول الْجَانِي لِأَن قصاص النَّفس يتَوَقَّف على السَّرَايَة وَهُوَ مَشْكُوك فِيهِ وَيسْقط بِالشُّبْهَةِ إِلَّا إِذا كَانَ الظَّاهِر خلاف مَا يَقُوله فَإنَّا لَا نصدقه فَلَو أَقَامَ من لم نصدقه فِي السَّرَايَة بَيِّنَة على أَنه لم يزل ضمنا نحيفا إِلَى الْمَوْت فَهَذَا لَا يُفِيد نفي سَبَب آخر لَكِن يَجْعَل الظَّاهِر لجَانب السَّرَايَة الثَّالِث إِذا شج رَأس إِنْسَان موضحتين فَرَأَيْنَا الحاجز مرتفعا وَقَالَ الْجَانِي أَنا رفعته وَعلي أرش وَاحِد لِاتِّحَاد الموضحات وَقَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ أَنْت رفعته وَلَكِن بعد الإندمال فَعَلَيْك ثَلَاثَة أروش فَينْظر فِي دَعْوَى الإندمال إِلَى مَا سبق فَإِن حلف الْمَجْنِي عَلَيْهِ على الإندمال حَيْثُ يصدق ثَبت على الْجَانِي أرشان وَفِي الثَّالِث وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَنَّهُ مقرّ بالثالث والإندمال ثَبت بيمينة وَالثَّانِي لَا لِأَن يَمِين الإندمال تصلح لنفي التَّدَاخُل وَلَا تصلح لإِثْبَات الثَّالِث عَلَيْهِ وَهُوَ لم يقر بثالث مُوجب بل بِرَفْع حاجز لَا يُوجب وَقد تمّ النّظر فِي مُوجب الْقصاص

الْفَنّ الثَّانِي فِي حكم الْقصاص الْوَاجِب فِي الإستيفاء وَالْعَفو وَفِيه بَابَانِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي الإستيفاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِيه ثَلَاثَة فُصُول الْفَصْل الأول فِيمَن لَهُ ولَايَة الإستيفاء وَفِيه مسَائِل الأولى إِذا كَانَ الْقَتِيل وَاحِدًا وَالْوَرَثَة جمَاعَة فالقصاص موزع على فَرَائض الله تَعَالَى حَتَّى يثبت للزوجين وَالصَّغِير وَالْمَجْنُون ثمَّ إِن كَانَ فيهم صَغِير أَو مَجْنُون لم يسْتَوْف الْقصاص إِلَى الْبلُوغ والإفاقة خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على أَن ولي الْمَجْنُون يُطَالب بِالْمَالِ لِأَنَّهُ لَا أمد لَهُ وَولي الصَّبِي لَا يُطَالب بِالْمَالِ وَقد ذكرنَا تصرف الْأَصْحَاب قبل هَذَا فِي كتاب اللَّقِيط

أما إِذا كَانُوا مكلفين فَلَا يجوز الإستيفاء إِلَّا بالتوافق فَإِن تزاحموا أَقرع بَينهم فَمن خرجت الْقرعَة لَهُ فَمَنعه غَيره من أصل الإستيفاء امْتنع وَيدخل فِي الْقرعَة الْمَرْأَة وَالْعَاجِز على أحد الْوَجْهَيْنِ ويستنيب إِن خرجت قرعته فرع لَو بَادر وَاحِد دون رضَا الآخرين فَفِي وجوب الْقصاص قَولَانِ أَحدهمَا يجب إِذْ لَيْسَ لَهُ ذَلِك وَحقه لَيْسَ بكامل فِي الْجَمِيع فَهُوَ كَمَا لَو شَارك غَيره وَالثَّانِي لَا لِأَن الْبَعْض مهدر فِي حَقه فَصَارَ كَمَا جرح جراحتين إِحْدَاهمَا فِي حَالَة الإهدار وَلِأَن عُلَمَاء الْمَدِينَة ذَهَبُوا إِلَى إِبَاحَة الإستبداد لكل وَارِث وَالْخلاف فِي إِبَاحَة السَّبَب شُبْهَة ولهذه الْعلَّة لَو جرى بعد عَفْو الآخرين سقط الْقصاص أَيْضا وَإِن لم يكن عَالما بِالْعَفو فسقوط الْقصاص أولى فَإِن قُلْنَا لَا يجب الْقصاص فَالَّذِي لم يرض يرجع بِحِصَّتِهِ على المبادر فِي قَول وَكَأَنَّهُ استوفى الْكل واحتبسه عِنْده وَيرجع على تَرِكَة الْقَتِيل فِي قَول كَمَا لَو قَتله أَجْنَبِي وَإِن قُلْنَا يجب الْقصاص فَلَو بَادر ولي الْقَتِيل الْقَاتِل فَقتل المبادر بَقِي دِيَة الْقَتِيل الْمَظْلُوم مُتَعَلقَة بتركة الْقَتِيل الْقَاتِل نصفهَا لوَرَثَة المبادر وَنِصْفهَا للَّذي لم يَأْذَن

فَإِن عَفا ولي الْقَتِيل الْقَاتِل على مَال فَذَلِك المَال تَرِكَة الْقَتِيل الْقَاتِل فَيُؤَدِّي مِنْهُ حق الَّذِي لم يَأْذَن وَيجْعَل حق المبادر قصاصا بِمثلِهِ إِن تماثلا الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا قتل الْوَاحِد جمَاعَة قتل بأولهم وللباقين الدِّيات وَإِن قَتلهمْ مَعًا قتل بِمن خرجت لَهُ الْقرعَة وَاكْتفى أَبُو حنيفَة رَحمَه الله بِهِ عَن جَمِيعهم وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي العَبْد إِذا قتل جمَاعَة فَقيل يقتل بجميعهم لِأَن حق الآخرين ضائع وَفِي الْقَاتِل فِي قطع الطَّرِيق لجَماعَة فَإِنَّهُ لم يرع فِيهِ الْكَفَاءَة وسلك بِهِ مَسْلَك الْحَد على قَول اكْتفى بِهِ عَن الْجَمَاعَة وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِي أَوْلِيَاء الْقَتْلَى إِذا تمالئوا عَلَيْهِ على ثَلَاثَة أوجه الصَّحِيح أَنه يقسط عَلَيْهِم وَيرجع كل وَاحِد إِلَى حِصَّته من الدِّيَة وَالثَّانِي أَنه يقرع بَينهم وَيصرف إِلَى من خرجت الْقرعَة لَهُ

وَالثَّالِث أَنه يَكْفِي عَن جَمِيعهم كمذهب أبي حنيفَة رَحمَه الله هَذَا إِذا حضر الْكل فَإِن كَانَ بَعضهم غَائِبا أَو مَجْنُونا فَفِي رِوَايَة الرّبيع يُؤَخر إِلَى إِمْكَان الْقرعَة وَفِي رِوَايَة حَرْمَلَة يَسْتَوْفِي الْحَاضِر والعاقل وَيكون الْحُضُور مرجحا كالقرعة فرع لَو اجْتمع مُسْتَحقّ النَّفس والطرف قدم مُسْتَحقّ الطّرف إِن اجْتمع مُسْتَحقّ الْيَمين ومستحق الْأصْبع من الْيَمين أَقرع بَينهمَا لِأَن قطع الْأصْبع ينقص الْيَمين بِخِلَاف قطع الطّرف فَإِنَّهُ لَا ينقص النَّفس الْمَسْأَلَة الثَّالِثَة فِي المستوفي وَلَيْسَ للْوَلِيّ الإستقلال دون الرّفْع إِلَى السُّلْطَان فَإِن استوفى وَقع الْموقع وعزره الإِمَام لِأَن أَمر الدِّمَاء خطير فَإِذا رفع إِلَى السُّلْطَان وَجب عَلَيْهِ أَن يَأْذَن لَهُ فِي الْقَتْل وَلَا يَأْذَن فِي اسْتِيفَاء حد الْقَذْف لِأَن تفَاوت الضربات عَظِيم وَهُوَ حَرِيص على الْمُبَالغَة وَهل يُفَوض إِلَيْهِ الْقطع فعلى وَجْهَيْن وَجه الْمَنْع مَعَ كَونه مُقَدرا مَا يفْرض من ترديد الحديدة الَّتِي يعظم غورها ثمَّ يَنْبَغِي أَن يسْتَوْفى الْقصاص بِأحد سيف وأسرع ضَرْبَة فَإِن ضرب الْوَلِيّ ضَرْبَة فَأصَاب غير الْموضع الْمَقْصُود فَإِن تعمد عزّر وَلم يعْزل وَإِن اخطأ وَدلّ على تخوفه وعجزه أمرناه بالإستنابة إِذْ لَا يُؤمن خَطؤُهُ ثَانِيًا وَمن أَصْحَابنَا من عكس هَذَا

التَّرْتِيب وَهُوَ ضَعِيف فروع ثَلَاثَة الأول لَو قَتله الْوَلِيّ بِسيف مَسْمُوم يفتته قبل الدّفن لم يُمكن وَإِن كَانَ يفتت بعد الدّفن فَوَجْهَانِ الثَّانِي لَو قطع الْجَانِي طرف نَفسه بِإِذن الْمُسْتَحق فَفِي وُقُوعه عَنهُ وَجْهَان لِاتِّحَاد الْقَاص والمقتص الثَّالِث نَص على أَن أُجْرَة الجلاد فِي الْقصاص على الْمُقْتَص مِنْهُ وَفِي الْحَد على بَيت المَال فَقيل قَولَانِ منشؤهما أَنه يخرج عَن الْعهْدَة بالتمكين أَو التَّمْيِيز وَالتَّسْلِيم وَهُوَ قريب من التَّرَدُّد فِي أَن مُؤنَة جذاذ الثِّمَار على البَائِع أَو المُشْتَرِي وَقيل بتقرير النصين لِأَن الْحَد يجوز ستر مُوجبه والهرب مِنْهُ فَيَكْفِي فِيهِ التَّمْكِين وَالْأولَى أَن يكون للجلاد رزق من بَيت المَال إِن اتَّسع وَيَنْبَغِي أَن يحضر الإِمَام مَحل الإقتصاص عَدْلَيْنِ خبيرين بمجاري الْأَحْوَال يبحثان عَن الحديدة أمسمومة أم لَا يراقبان حَقِيقَة الْحَال

الْفَصْل الثَّانِي فِي أَن حق الْقصاص على الْفَوْر فَلَا يُؤَخر باللياذ إِلَى الْحرم إِلَى وَقت الْخُرُوج بل يقتل فِي الْحرم عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَلَو لَاذَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَام يخرج وَيقتل وَقيل يقتل فِي الْمَسْجِد وتبسط الانطاع حذرا عَن التَّأْخِير وَلَو قطع طرفه فَمَاتَ فللوي قطع طرفه وحز رقبته عَقِيبه لانه اسْتحق الرّوح حلى الْفَوْر وَكَذَا لَو قطع فِي الشتَاء فللمستوفي الْقصاص فِي حرارة القيظ كَمَا لَهُ الْقصاص فِي حَالَة الْمَرَض وَإِن كَانَ مخطرا وَلَو قطع يَدَيْهِ فاندمل فَقطع رجلَيْهِ فللمقطوع أَن يجمع بَين قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ وَلَاء وَإِن كَانَ فِيهِ مزِيد خطر لِأَن الْحق على الْفَوْر وَفِيه وَجه أَنه يمْنَع وَفِي الْجُمْلَة لَا يُؤَخر حق الْقصاص إِلَّا بِعُذْر الْحمل إِلَى وضع الْوَلَد وارتضاعه اللبأ

إِن كَانَ لَا يعِيش دونه فَإِن لم نجد مُرْضِعَة فَإلَى الْفِطَام وَإِن وجدناها وَلم ترغب قتلنَا هَذِه وألزمنا الْمُرضعَة الْإِرْضَاع بِالْأُجْرَةِ وقدرناه صَبيا ضائعا وَأما الْحَد فيؤخر عَن الْفِطَام أَيْضا إِلَى أَن يكفل الْوَلَد غَيرهَا لقصة الغامدية فَإِن الْحَد على المساهلة وَلذَلِك تحبس الْحَامِل فِي الْقصاص وَلم يحبس رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الغامدية وَلَا يتبع الهارب لاجل الْحَد وللوالي حبس الْقَاتِل إِن كَانَ ولي الْمَقْتُول غَائِبا وَلَا يحبس فِي دُيُون الغائبين لِأَن فِي الْقَتْل عُدْوانًا على حق الله تَعَالَى فروع ثَلَاثَة الأول لَو ادَّعَت الْحمل فَفِي وجوب التَّأْخِير بِمُجَرَّد دَعْوَاهَا وَجْهَان أحد الْوَجْهَيْنِ يجب لِأَنَّهَا أعرف بِهِ وعَلى هَذَا لَا يُمكن اسْتِيفَاء الْقصاص من الْمَنْكُوحَة يخالطها زَوجهَا وَالثَّانِي أَنا لَا ننكف إِلَّا بمخايل الْحمل وَلَا مبالاة بنطفة تعرض عقب الْوَطْء إِذا لم تنسلك الْحَيَاة فِيهَا الثَّانِي لَو بَادر الْوَلِيّ وَقتل الْحَامِل بِغَيْر إِذن الإِمَام فأجهضت جَنِينا مَيتا عزره

وغرة الحنين على عَاقِلَته لِأَن موت الْجَنِين بِهَذَا السَّبَب لَا يتَيَقَّن بل يحْتَمل عدم الْحَيَاة عِنْد الْجِنَايَة وَإِن قتل بِإِذن السُّلْطَان وهما عالمان فَفِي الْغرَّة ثَلَاثَة أوجه الْأَصَح أَنه على عَاقِلَة الْوَلِيّ لِأَنَّهُ مبَاشر وَالثَّانِي يُحَال على الإِمَام لتَقْصِيره بالتسليط وَالثَّالِث أَنه عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بالتشطير وَإِن كَانَا جاهلين فخلاف مُرَتّب وَالْحوالَة على الْوَلِيّ أولى إِذا لم يبْق لجَانب الإِمَام وَجه إِلَّا تَقْصِيره فِي الْبَحْث فَإِن كَانَ الإِمَام جَاهِلا وَالْوَلِيّ عَالما فليقطع بالحوالة على الْوَلِيّ لِاجْتِمَاع الْعلم والمباشرة وَفِيه وَجه وَإِن كَانَ الإِمَام عَالما وَالْوَلِيّ جَاهِلا فجانب الإِمَام قد يقوى بِالْعلمِ فيتأكد النّظر إِلَيْهِ وَحَيْثُ أحلنا على الإِمَام فَهُوَ على عَاقِلَته أَو فِي بَيت المَال فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خطأ وَقع للْإِمَام وَإِن كَانَ عَالما فَلَا يجب على بَيت المَال هَذَا فِي الْوَلِيّ أما الجلاد فَلَا عُهْدَة عَلَيْهِ عِنْد جَهله اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ كالآلة فَكيف يتقلد الْعهْدَة وَإِن كَانَ عَالما وَقدر على الإمتناع فَهُوَ كالولي وَإِن خَافَ سطوة السُّلْطَان فقد ذكرنَا أَن أَمر السُّلْطَان إِكْرَاه أم لَا الثَّالِث لَو قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَعَفَا عَن الْقصاص وَطلب شَيْئا من الدِّيَة فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهمَا أَنه تعجل لَهُ ديتان فَإِن تدَاخل بِالسّرَايَةِ استردت وَاحِدَة وَكَأن التَّدَاخُل عَارض مغير للسبب بعد تَمَامه وَالثَّانِي أَنه تسلم إِلَيْهِ دِيَة وَاحِدَة لِأَن المستيقن وَسبب الْبَاقِي يتم بالإندمال وَالثَّالِث أَنه لَا يسلم شَيْء إِذْ يتَصَوَّر أَنه يجرحه مائَة وَألف فترجع حِصَّته إِلَى جُزْء من الْألف فَلَا يستيقن مِقْدَار وَقد نَص الشَّافِعِي رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي السَّيِّد إِذا جنى على مكَاتبه أَنه يعجل فَقيل بطرد الْخلاف تخريجا وَقيل الْفرق التشوف إِلَى الْعتْق ثمَّ هَؤُلَاءِ اخْتلفُوا فِي اخْتِصَاص التَّعْجِيل بِالنَّجْمِ الْأَخير فَقيل لَا يخْتَص لِأَن الأول أَيْضا يقرب من الْعتْق

الْفَصْل الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الْمُمَاثلَة وَهِي مرعية عندنَا فِي قصاص النَّفس خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَمَعْنَاهُ أَن من قطع وَقتل قطع وَقتل وَمن غرق أَو حرق أَو رجم بِالْحِجَارَةِ فعل بِهِ مثله إِلَّا إِذا قتل باللواط أَو إِيجَار الْخمر فَإِن مثله فَاحِشَة فيعدل إِلَى السَّيْف وَقيل يعدل إِلَى إِيجَار الْخلّ وَإِلَى اسْتِعْمَال خَشَبَة وَمهما عدل الْمُسْتَحق من غير سيف إِلَى السَّيْف يُمكن لِأَنَّهُ أوحى وأسهل فروع الأول لَو أحرقه بالنَّار فألقيناه فِي مثلهَا فَلم يمت فِي تِلْكَ الْمدَّة فَيتْرك فِيهَا أَو يعدل إِلَى السَّيْف فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا إِلَى السَّيْف لِأَنَّهُ أوحى وأسهل وَالثَّانِي النَّار كَيْلا نوالي بَين نَوْعي الْعَذَاب عَلَيْهِ ولتأخذ النَّار مَقْتَله كَمَا أَخذ من الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو كَانَ رَقَبَة الْقَاتِل غَلِيظَة لَا تنحز إِلَّا بضربات فَلَا نبالي بِهَذَا التَّفَاوُت للضَّرُورَة فَإِن قُلْنَا لَا يعدل إِلَى السَّيْف لِاتِّحَاد جنس الْعَذَاب فَيجْرِي هَذَا فِي التجويع فِي مثل تِلْكَ الْمدَّة وَهل يجْرِي فِي توالي الضربات بِالْحِجَارَةِ والسياط فِيهِ تردد لِأَن كل ضَرْبَة كالمنقطعة عَمَّا قبلهَا وَلَا يبعد التَّسْوِيَة فَيُقَال ضربه إِلَى الْمَوْت فنضربه إِلَى الْمَوْت وَلَو قطع طرفه فقطعنا طرفه فَلم يمت فَلَا يجوز أَن نقطع بَقِيَّة الْأَطْرَاف فَإِن هَذَا اخْتِلَاف مَحل مُعْتَبر وَلَو قَتله بجائفة فَلم يمت بجائفة فَهَل نوالي بالجوائف عَلَيْهِ فِيهِ خلاف فَإِن الجوائف تنحو نَحْو جَوف وَاحِد وَالْأَظْهَر أَنه كَقطع الْأَطْرَاف وَمهما قَطعنَا طرفه فَلم يمت فالخيرة فِي حز رقبته إِلَى الْمُسْتَحق إِن شَاءَ أخر وَإِن شَاءَ عجل الثَّانِي لَو قطع يَده من الْكُوع فجَاء آخر وَقطع يَده من الْمرْفق فَمَاتَ مِنْهُمَا قَطعنَا الْكُوع من قَاطع الْكُوع وَفِي قطع الْمرْفق من قَاطع الْمرْفق وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه قطع ساعدا بِلَا كف فَكيف نقطع الساعد مَعَ الْكَفّ وَوجه التجويز أَن النَّفس مستوفاة فَلَا نظر إِلَى تفَاوت الأطرف الثَّالِث إِذا مَاتَ بسراية الْقطع فقطعنا يَد الْجَانِي فَمَاتَ وَقع قصاصا وَلَو مَاتَ الْجَانِي أَولا فَفِي وُقُوعه قصاصا وَجْهَان

أَحدهمَا لَا لِأَن شَرط الْقصاص أَن تكون روح الْمَجْنِي عَلَيْهِ زاهقة قبل موت الْجَانِي وَالثَّانِي نعم لِأَن الْمَقْصُود الْمُقَابلَة وَقد حصل الرَّابِع إِذا اسْتحق الْقصاص فِي الْيَمين فَأخْرج الْجَانِي يسَاره فَقَطعه الْمُسْتَحق فللجاني ثَلَاثَة أَحْوَال الْحَالة الأولى أَن يقْصد بِإِخْرَاج الْيَسَار إباحتها فَيسْقط قصاص الْيَسَار لِأَن الْإِخْرَاج مَعَ نِيَّة الْإِبَاحَة كَافِيَة فِي الإهدار وَلَو قصد قطع يَده فَسكت وَلم يُخرجهَا فَهَل يكون ذَلِك إهدارا فِيهِ وَجْهَان وَوجه كَونه إهدارا أَنه سكُوت فِي مَحل يحرم السُّكُوت فِيهِ بِخِلَاف مَا إِذا سكت على إِتْلَاف المَال فَإِنَّهُ لَا يكون إهدارا فَأَما قصاص الْيَمين فَهَل يسْقط يرجع فِيهِ إِلَى نِيَّة الْقَاطِع وَله ثَلَاثَة تأويلات فِي قطع الْيَسَار الأول أَن يَقُول استبحته بإباحته فَيبقى حَقه فِي الْيَمين الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تجزىء عَن الْيَمين فَفِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين وَجْهَان لِأَنَّهُ قصد الْإِسْقَاط بِنَاء على ظن خطأ وَهَذَا الْخلاف جَار فِيمَا إِذا تضرع من عَلَيْهِ الْقصاص ليؤخذ مِنْهُ الْفِدَاء فَأَخذه الْمُسْتَحق من غير تلفظه بِالْعَفو فإقدامه على الْأَخْذ هَل

يكون إِسْقَاطًا فِيهِ خلاف فَإِن قُلْنَا بِسُقُوط حَقه عَن الْيَمين بَقِي لَهُ دِيَة الْيَمين الثَّالِث أَن يَقُول عرفت أَن الْيَسَار لَا تقطع عَن الْيَمين وَلَكِنِّي قصدت أَن أجعله عوضا من تِلْقَاء نَفسِي فَفِيهِ خلاف مُرَتّب وَسُقُوط حَقه عَن الْيَمين هَا هُنَا أولى الْحَالة الثَّانِيَة للمخرج أَن يَقُول دهشت فَلم أدر مَاذَا فعلت فَهَذَا لَيْسَ بإهدار لليسار وَلَكنَّا نراجع الْقَاطِع وَله أَرْبَعَة تأويلات الأول أَن يَقُول دهشت أَنا أَيْضا فَلَا يقبل مِنْهُ وَيلْزمهُ قصاص الْيَسَار لِأَن الدهشة لَا تلِيق بِهِ مَعَ إقدامه على قطع مَنْظُور الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تقع عَن الْيَمين فَالْخِلَاف فِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين كَمَا سبق وَالْمَنْقُول أَن لَا قصاص فِي الْيَسَار لظَنّه وَيحْتَمل الْإِيجَاب كَمَا إِذا قتل الممسك لِأَبِيهِ وَقَالَ ظَنَنْت أَن الْقصاص يجب على الممسك فَإِن الظَّاهِر وجوب الْقصاص لبعد ظَنّه الثَّالِث أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْمخْرج هُوَ الْيَمين فَلَا يسْقط حَقه عَن الْقصاص وَفِي وجوب الْقصاص عَلَيْهِ فِي الْيَسَار قَولَانِ كَمَا لَو قتل شخصا ظَنّه قَاتل أَبِيه الرَّابِع أَن يَقُول قصدت قطع يسَاره عُدْوانًا فَعَلَيهِ قصاص الْيَسَار وَبَقِي حَقه فِي الْيَمين

الْحَالة الثَّالِثَة للمخرج أَن يَقُول قصدت بِإِخْرَاج الْيَسَار إِيقَاعه عَن الْيَمين فللقاطع ثَلَاثَة تأويلات الأول أَن يَقُول ظَنَنْت الْإِبَاحَة فَلَا قصاص لِأَن قرينَة الْإِخْرَاج أكدت الظَّن وَحقه فِي الْيَمين بَاقٍ الثَّانِي أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْيَسَار تجزىء عَن الْيَمين فَفِي سُقُوط حَقه عَن الْيَمين الْخلاف السَّابِق وَلَا قصاص فِي الْيَسَار لتطابق الْفِعْلَيْنِ والظنين ونزولهما منزلَة مُعَاملَة فَاسِدَة وَقَالَ ابْن الْوَكِيل يجب الْقصاص فِي الْيَسَار وَهُوَ بعيد الثَّالِث أَن يَقُول ظَنَنْت أَن الْمخْرج يَمِين قطع الْعِرَاقِيُّونَ بِنَفْي الْقصاص لانضمام التسليط إِلَيْهِ وَذكروا فِي الضَّمَان وَجْهَيْن وَالْأَظْهَر الْوُجُوب لانه لم يُسَلط مُطلقًا بل بِبَدَل لم يسلم لَهُ هَذَا كُله فِي الْقصاص فَإِن جرى فِي السّرقَة وَفرض دهشة أَو ظن وَقع الْحَد موقعه نَص عَلَيْهِ لِأَن الْحَد على المساهلة وَالْمَقْصُود النكال وَقد حصل فيبعد أَن تقطع يَمِينه بعد ذَلِك وَقيل بتخرج وجوب الْقصاص فرع إِذا قضينا بِبَقَاء الْقصاص فِي الْيَمين فَأَرَادَ أَن يقطعهُ عَقِيبه متواليا بَين الجراحتين فالنص مَنعه بِخِلَاف مَا إِذا قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ مُتَفَرِّقَة فَأَرَادَ الْقصاص متواليا لِأَن ألم الْوَلَاء متولد من الْحق وَهَا هُنَا متولد من جنايتين إِحْدَاهمَا حق وَالْأُخْرَى عدوان

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِي حكم الْعَفو - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي حكم الْعَفو وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن مُوجب الْعمد الْمَحْض الْقود الْمَحْض وَالدية أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه على سَبِيل التوازي أَو هُوَ الْقود الْمَحْض وَإِنَّمَا الدِّيَة تجب عِنْد سُقُوط الْقود فِيهِ قَولَانِ توجيههما مَذْكُور فِي الْخلاف فَإِذا قُلْنَا الدِّيَة موازية للْقصَاص لَا معاقبة لَهُ فَهَل الْقصاص أصل وَالدية تَابع أَو هما متوازيان من كل وَجه فِيهِ تردد وَيظْهر أَثَره فِي صِيغ الْعَفو وَهِي أَرْبَعَة تَفْرِيعا على أَن الْوَاجِب أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه

الأولى أَن يَقُول عَفَوْت عَن الْقصاص وَالدية جَمِيعًا فيسقطان فَلَو قَالَ عَفَوْت عَن الْقصاص لم يبْق إِلَّا الدِّيَة فَإِن قَالَ عَفَوْت عَن الدِّيَة فَلهُ الْقصاص وَهل لَهُ مرجع إِلَى الدِّيَة فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا لإسقاطه وَالثَّانِي نعم لِأَن الْقصاص لَا يعري عَن إِمْكَان رُجُوعه إِلَى الدِّيَة فعلى هَذَا لَا أثر للعفو عَن الدِّيَة فَإِن قُلْنَا لَا يرجع إِلَى المَال اسْتِقْلَالا فَهَل لَهما الْمُصَالحَة على المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَحَد الْقَذْف وَالثَّانِي نعم لِأَن الدَّم مقوم شرعا كالبضع وَلَو جرى مَعَ أَجْنَبِي فَوَجْهَانِ مرتبان وَأولى بِالْمَنْعِ وَوجه التجويز تشبيهه باختلاع الْأَجْنَبِيّ زَوْجَة الْغَيْر وَهَذَا الْخلاف جَار حَيْثُ يتعرى الْقصاص عَن الدِّيَة وَيُمكن ذَلِك بِأَن يقطع يَدَيْهِ فيسري إِلَى الرّوح فَإِذا قطع يَدَيْهِ قصاصا فَلَيْسَ لَهُ إِلَّا حز الرَّقَبَة فَلَو عَفا فَلَا مَال لِأَنَّهُ استوفى يدين يوازيان الدِّيَة الثَّانِيَة إِذا قَالَ عَفَوْت على أَن لَا مَال فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه يسْقط كِلَاهُمَا كَمَا لَو عَفا عَنْهُمَا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ شَرط نفي المَال فِي الْعَفو عَن الْقود وَالْعَفو الْمُطلق على هَذَا القَوْل

مُوجب لِلْمَالِ فَلَا يَنْتَفِي بِشَرْط النَّفْي الثَّالِثَة أَن يَقُول عَفَوْت عَنْك وَلم يتَعَرَّض لدية وَلَا قَود فَإِن قُلْنَا الْوَاجِب الْقود الْمَحْض سقط الْقصاص وَيكون كالعفو الْمُطلق وَإِن قُلْنَا الْوَاجِب أَحدهمَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْقط الْقود لِأَن لفظ الْعَفو يَلِيق بِهِ وَالثَّانِي أَنه مُجمل وَيُرَاجع فَإِن نوى شَيْئا اتبع وَإِن قَالَ لم يكن لي نِيَّة قيل لَهُ أنشيء الْآن نِيَّة وَفِيه وَجه ثَالِث أَنه إِن لم يكن لَهُ نِيَّة انْصَرف إِلَى الْقصاص وَإِن نوى الدِّيَة انْصَرف إِلَيْهَا الرَّابِعَة إِذا قَالَ اخْتَرْت الدِّيَة سقط الْقود وَإِن قَالَ اخْتَرْت الْقود الْمَحْض فَهَل يَجْعَل كإسقاط الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان وَجه قَوْلنَا لَا يسْقط أَنه يحمل على التهديد والوعيد فَلهُ أَن يحسن بِالْعَفو التَّفْرِيع على قَوْلنَا إِن الْوَاجِب الْقود الْمَحْض أَنه لَو عَفا على مَال ثَبت وَيكون بَدَلا عِنْد عدم الْقود وَكَذَلِكَ لَو تعذر الْقود بِمَوْت من عَلَيْهِ الْقصاص رَجعْنَا إِلَى الدِّيَة وَإِن عَفا مُطلقًا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن لَا مَال لانه لَا وَاجِب إِلَّا الْقود وَقد أسْقطه وَالثَّانِي أَنه يثبت لِأَن الدِّيَة خلف الْقود عِنْد سُقُوطه فرعان الأول الْمُفلس الْمُسْتَحق للقود لَهُ الإستيفاء فَإِن عَفا عَن الْقود مَعَ نفي المَال فَهَل ينزل منزلَة الْمُطلق فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَنه دفع لسَبَب الْوُجُوب كَمَا إِذا رد هبة أَو وَصِيَّة أَو دفع الْوُجُوب بعد جَرَيَان سَببه وَفِي المبذر طَرِيقَانِ مِنْهُم من ألحقهُ بالمفلس وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وإسقاطه كَالْبَالِغِ وَلَكِن فِي دفع الدِّيَة كَالصَّبِيِّ

الْفَرْع الثَّانِي لَو صَالح عَن الْقصاص على مِائَتَيْنِ من الْإِبِل بَطل على قَوْلنَا إِن الْوَاجِب أَحدهمَا لِأَنَّهُ زِيَادَة على الْوَاجِب وعَلى القَوْل الآخر فِيهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الدِّيَة لَهَا تعلق بالقود بِكُل حَال فَلَا مزِيد عَلَيْهَا

الطّرف الثَّانِي فِي الْعَفو الصَّحِيح وَالْفَاسِد وأحوال الْعَفو سَبْعَة الأولى أَنه إِذا اذن لَهُ فِي الْقطع سقط الْقصاص وَإِن سرى إِلَى النَّفس سقط أرش الطّرف وَفِي دِيَة النَّفس إِذا سرى أَو قَالَ اقتلني قَولَانِ ينبنيان على أَن الدِّيَة تثبت للْوَارِث ابْتِدَاء أَو تلقيا من الْمَيِّت وَالأَصَح أَنه تلق فَسقط بعفوه كل الدِّيَة وَإِن لم يكن لَهُ مَال سواهُ فَإِنَّهُ دفع الْوُجُوب فَلَا يحْسب من الثُّلُث وَفِي سُقُوط الْكَفَّارَة وَجْهَان أصَحهمَا اللُّزُوم للجناية على حق الله تَعَالَى وَخرج ابْن سُرَيج أَن حق الله تَعَالَى يتبع حق الْآدَمِيّ كَمَا فِي الْقَتْل قصاصا الثَّانِيَة الْعَفو بعد الْقطع وَقبل السّريَّة بِأَن يَقُول عَفَوْت عَن الْقطع أرشا وقودا فَإِذا سرى إِلَى مَا وَرَاءه مَعَ بَقَاء النَّفس فالسراية مَضْمُونَة لِأَنَّهُ لم يعف عَن الْمُسْتَقْبل وَقد تولد عَن فعل كَانَ مَضْمُونا وَفِيه وَجه أَن الْعَفو الطارىء كالإذن الْمُقَارن وَلَو قَالَ عَفَوْت عَمَّا سيجب فَهُوَ إِبْرَاء عَمَّا لم يجب وَجرى سَبَب وُجُوبه وَفِيه قَولَانِ الثَّالِثَة الْعَفو بَين الْقطع وَالْمَوْت بِأَن قَالَ عَفَوْت عَمَّا سبق أرشا وقودا فَلَا قصاص فِي النَّفس لتولده عَن مَعْفُو عَنهُ وَعَن ابْن سُرَيج وَجه أَنه يجب لِأَن الْفِعْل كَانَ عُدْوانًا وَلم يعف عَن النَّفس وَأما الدِّيَة فَتخرج على الْوَصِيَّة للْقَاتِل فَإِن منعناها لم تسْقط وَإِن جوزناها سقط مَا يُقَابل الْقطع السَّابِق وَيبقى الآخر إِلَّا إِذْ صرح بِالْعَفو عَمَّا سيجب فَيخرج على الْقَوْلَيْنِ إِلَّا إِذا كَانَ قد قطع كلتا الْيَدَيْنِ فَإِن الْعَفو عَنهُ عَفْو عَن كَمَال الدِّيَة فَلَا يبْقى وَاجِب

وَلَو أوصى للجاني بِالْأَرْشِ بدل الْعَفو لم يخرج هَذَا على الْإِبْرَاء عَمَّا سيجب لِأَن هَذِه وَصِيَّة يُمكن الرُّجُوع عَنْهَا وَلَيْسَ بإبراء منجز وَالْوَصِيَّة بِمَا سيجب تجوز ونصوص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ هَا هُنَا تدل على منع الْوَصِيَّة للْقَاتِل فَإِنَّهُ قَالَ لَو كَانَ الْقَاتِل عبدا صَحَّ الْعَفو لِأَن أَثَره يرجع إِلَى السَّيِّد الَّذِي لَيْسَ بِقَاتِل وَقَالَ لَو كَانَ الْجَانِي مخطئا صَحَّ الْعَفو لِأَن الْفَائِدَة لِلْعَاقِلَةِ لَا للْقَاتِل وَلَو كَانَ الْعَاقِلَة مُنْكرا أَو مُخَالفا فِي الدّين فَإِن الْعَفو بَاطِل لِأَنَّهُ عَفْو عَن الْقَاتِل فَهُوَ وَصِيَّة لَهُ وَقَالَ الْأَصْحَاب إِذا قَالَ للخاطىء عَفَوْت عَنْك وَقُلْنَا الْوُجُوب لَا يلاقيه فَهُوَ لَغْو وَإِن قُلْنَا يلاقيه لَغَا أَيْضا على أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن ملاقاته لَهُ تَقْدِير مختطف لَا قَرَار لَهُ الرَّابِعَة إِذا عَفا بعد قطع الطّرف على مَال فقد ذَكرْنَاهُ فِي الْقصاص إِن سرى فَلَو حز رقبته هَل يكون كسراية قطعه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم فَإِن الْجَانِي وَاحِد فيتحد الحكم كَمَا تتحد الدِّيَة وَالثَّانِي لَا لِأَن سُقُوط الْقصاص كالمتولد عَن مَعْفُو عَنهُ الْخَامِسَة عَفْو الْوَارِث بعد موت الْقَتِيل صَحِيح فَإِن اسْتحق الْقصاص فِي الطّرف وَالنَّفس فَعَفَا عَن أَحدهمَا لم يسْقط الآخر وَقيل إِن عَفا عَن النَّفس فقد الْتزم بَقَاء الْأَطْرَاف فَيسْقط قصاص الطّرف وَالنَّفس وَإِن كَانَت النَّفس مُسْتَحقَّة بِقطع الطّرف فَعَفَا عَن الطّرف فَفِي جَوَاز حز الرَّقَبَة وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ عَفا عَن الطّرف

وَالثَّانِي نعم إِذْ كَانَ لَهُ أَن يقطع الطّرف ثمَّ يحز الرَّقَبَة وَلَا يبعد أَن ينْفَصل الطّرف عَن الْغَايَة إِذْ لَو قطع طرف عبد فَعتق وَمَات فللسيد قطع يَده وللولد حز رقبته وعفو أَحدهمَا لَا يسْقط حق الآخر السَّادِسَة الْعَفو بعد مُبَاشرَة سَبَب الإستيفاء كَمَا إِذا قطع يَد من عَلَيْهِ الْقصاص ثمَّ عَفا عَن النَّفس فَإِن اندمل الْقطع صَحَّ الْعَفو وَلَا ضَمَان عَلَيْهِ خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَإِذا سرى بَان أَن الْعَفو بَاطِل وَكَذَلِكَ إِذا رمى إِلَيْهِ ثمَّ عَفا قبل الْإِصَابَة فَإِن أصَاب بَان بطلَان الْعَفو وَهُوَ الْأَصَح السَّابِعَة إِذا تنحى الْوَكِيل إِلَى عَرصَة الْموقف ليستقيد فَعَفَا الْمُوكل فحز الْوَكِيل رقبته غافلا فَلَا قصاص عَلَيْهِ وَفِي الدِّيَة وَالْكَفَّارَة ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الثَّالِث تجب الْكَفَّارَة دون الدِّيَة وَوجه إِسْقَاط الدِّيَة أَنه مَعْذُور كَمَا فِي السهْم الغرب وَوجه إِيجَابه أَنه فِيهِ نوع تَقْصِير إِذْ كَانَ يَنْبَغِي أَن يجدد الإستئذان عِنْد الحز وَوجه دفع الْكَفَّارَة إِسْقَاط أثر الْعَفو فِي حَقه لانه لم يبلغهُ وَمَعَ هَذَا فَلَا خلاف فِي أَن الْقَتْل لم يَقع قصاصا فَيثبت للعافي الدِّيَة فِي تَرِكَة الْقَتِيل وَفِيه وَجه أَنا إِن أهدرنا دِيَة الْقَتِيل فَلَا نوجب للعافي شَيْئا فِي تركته وَإِن فرعنا على أَن دم الْقَتِيل لَا يهدر فَالدِّيَة على الْوَكِيل أَو على عَاقِلَته فِيهِ قَولَانِ يجريان فِي كل خطأ لَا يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ وَنَفس الْقَتِيل فَإِذا أوجبناه فَفِي الرُّجُوع على الْعَافِي طَرِيقَانِ مِنْهُم من نزله منزلَة الْمَعْذُور وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ محسن بِالْعَفو فَلَا شَيْء عَلَيْهِ فرع لَو اشْترى الْمَجْنِي عَلَيْهِ العَبْد الْجَانِي بِالْأَرْشِ الْمُتَعَلّق بِرَقَبَتِهِ صَحَّ كَشِرَاء الْمُرْتَهن

بِالدّينِ فَإِن هَذَا الدّين وَإِن لم يكن على السَّيِّد فَهُوَ مُتَعَلق بِمَالِه وَإِن كَانَ الْأَرْش إبِلا فَفِي الشِّرَاء وَجْهَان لما فِيهِ من الْجَهَالَة وَوجه الصِّحَّة أَن الْمَقْصُود الْإِسْقَاط دون الإستيفاء فيسامح فِي الْجَهَالَة فَلَو وجد بِالْعَبدِ عَيْبا فَلهُ الرَّد وَإِن كَانَ لَا يَسْتَفِيد برده أمرا زَائِدا إِذْ لَا يَتَجَدَّد لَهُ على السَّيِّد طلبه وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم

= كتاب الدِّيات = وَالنَّظَر فِي الْوَاجِب والموجب وَمن عَلَيْهِ وَفِي دِيَة الْجَنِين الْقسم الأول فِي الْوَاجِب وَالنَّظَر فِي النَّفس والطرف وَفِيه بَابَانِ

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الأول فِي النَّفس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَالْأَصْل فِي الْحر الْمُسلم مائَة من الْإِبِل وَالْأَصْل فِيهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي النَّفس المؤمنة مائَة من الْإِبِل مخمسة عشرُون مِنْهَا بنت مَخَاض وَعِشْرُونَ بنت لبون وَعِشْرُونَ ابْن لبون وَعِشْرُونَ حَقه وَعِشْرُونَ جَذَعَة ثمَّ تَتَغَيَّر فِي أَربع مغلظات وَأَرْبع منقصات أما المغلظات الْأَرْبَع فَهُوَ الْحرم وَالْأَشْهر الْحرم وَالرحم والعمدية أما الْحرم فالقتل فِي مَكَّة وَسَائِر الْحرم يُوجب التَّغْلِيظ على الخاطىء وَكَذَا لَو رمى من الْحرم إِلَى الْحل أَو من الْحل إِلَى الْحرم كَمَا فِي الصَّيْد وَفِي حرم الْمَدِينَة خلاف وَالْإِحْرَام لَا يلْتَحق بِهِ

وَأما الْأَشْهر الْحرم فَأَرْبَعَة ثَلَاثَة مِنْهُنَّ سرد ذُو الْقعدَة وَذُو الْحجَّة وَالْمحرم وَوَاحِد فَرد وَهُوَ رَجَب وَأما الرَّحِم فَمَا يُوجب الْمَحْرَمِيَّة دون مَا عَداهَا من القربات وَاعْتمد الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ فِي التَّغْلِيظ بِهَذِهِ الْأَسْبَاب الثَّلَاثَة آثَار الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَأما العمدية وَكَونه شبه الْعمد فقد ذَكرْنَاهُ وَنَذْكُر الْآن ثَلَاث صور إِحْدَاهَا أَن من قتل شخصا فِي دَار الْكفْر عَليّ زِيّ الْكفَّار فَإِذا هُوَ مُسلم فَفِي الدِّيَة قَولَانِ فَإِن أوجبناها فَفِي الضَّرْب على الْعَاقِلَة قَولَانِ وَهُوَ تردد فِي أَنه يَجْعَل عمدا اَوْ شبه عمد وَفِيه وَجه أَنه يلْحق بالْخَطَأ الْمَحْض فيخفف على الْعَاقِلَة الثَّانِيَة إِذا رمى إِلَى مُرْتَد فَأسلم قبل الْإِصَابَة وَهِي معنى الصُّورَة السَّابِقَة وَأولى بِأَن يلْحق بالْخَطَأ الثَّالِثَة إِذا رمى إِلَى جرثومة ظَنّهَا شَجَرَة فَإِذا هِيَ إِنْسَان فَالصَّحِيح أَنه خطأ مَحْض كَمَا لَو سقط من سطح أَو مرق السهْم من صيد إِلَى إِنْسَان أَو قصد شخصا فَأصَاب غَيره وَيحْتَمل من مَسْأَلَة الْحَرْبِيّ أَن يُقَال ظن كَونه شَجرا كظن كَونه حَرْبِيّا هدرا وَقد قَصده فِي عينه فَإِن قيل مَا معنى التَّخْفِيف والتغليظ قُلْنَا الْمِائَة من الْإِبِل تتخفف فِي الْخَطَأ الْمَحْض من ثَلَاثَة أوجه الضَّرْب على الْعَاقِلَة والتأجيل بِثَلَاث سِنِين ووجوبها مخمسة وَفِي الْعمد الْمَحْض تتغلظ بتخصيصه بالجاني وبتعجيله عَلَيْهِ وتبديل التخميس بالتثليث وَهُوَ أَن 8

يجب ثَلَاثُونَ حقة وَثَلَاثُونَ جَذَعَة وَأَرْبَعُونَ خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَهَذِه النِّسْبَة مرعية حَتَّى تجب فِي أرش جِنَايَة الْمُوَضّحَة خلفتان وجذعة وَنصف وحقة وَنصف وَكَذَا فِي سَائِر الْجِرَاحَات وَأما شبه الْعمد فتتخفف من وَجْهَيْن الضَّرْب على الْعَاقِلَة والتأجيل ثَلَاث سِنِين وتغلظ من وَجه وَهُوَ التَّثْلِيث لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام أَلا إِن قَتِيل الْعمد الْخَطَأ قَتِيل السَّوْط والعصا فِيهِ مائَة من الْإِبِل أَرْبَعُونَ مِنْهَا خلفة فِي بطونها أَوْلَادهَا وَلَا يتضاعف التَّغْلِيظ بتضاعف الْأَسْبَاب فَيجب على الْعَامِد فِي الْحرم فِي الْأَشْهر الْحرم بقتل ذِي الرَّحِم مَا يجب على الْعَامِد دون هَذِه المغلظات فَإِن قيل فَمَا صفة الْإِبِل وصنفه وبدله عِنْد فَقده قُلْنَا أما الصّفة فَمَا ذَكرْنَاهُ مَعَ السَّلامَة عَن الْعُيُوب المثبتة للرَّدّ بِالْعَيْبِ أما الخلفة فَلَا تكون إِلَّا ثنية فَإِن حملت مَا دونهَا على الندور فَفِي إجزائها وَجْهَان لِأَنَّهُ قد يظنّ الإجهاض بهَا وَمهما تنَازعا فِي وجود الْحمل حكم فِي الْحَال بقول عَدْلَيْنِ من أهل البصيرة فَلَو اخْتلف قَوْلهمَا استدرك فَلَو رد ولي الدَّم وَقَالَ لَيْسَ حَامِلا فَالْقَوْل قَوْله إِلَّا إِذا ادّعى الْجَانِي الإجهاض فِي يَده وَكَانَ قد أَخذه بقول عَدْلَيْنِ لَا بقول الْجَانِي فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن الْمُصِيب هُوَ الْجَانِي لموافقته قَول العدلين

وَالثَّانِي هُوَ الْوَلِيّ لِأَن الْعدْل لم يحكم إِلَّا بالتخمين فيصلح تخمينه لتأخير حَقه لَا لإسقاطه أما صنفه فَهُوَ غَالب إبل الْبَلَد فَإِن لم يكن فِي الْبَلَد إبل فأقرب الْبلدَانِ إِلَيْهِ فَإِن كَانَ إبل من عَلَيْهِ مُخَالفا لإبل الْبَلَد فَهَل تتَعَيَّن فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم كقوت من عَلَيْهِ زَكَاة الْفطر فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ شكر على النِّعْمَة فَيكون من جِنْسهَا وَهَذَا أرش الْجِنَايَة فَلَا يُنَاسب اعْتِبَار ملكه فَإِن اعتبرناها فَكَانَت مَرِيضَة أَو مَعِيبَة فَهِيَ كالمعدومة وَإِن كَانَا جِنْسَيْنِ مُخْتَلفين متساويين فالخيرة إِلَى الْمُعْطِي وَأما بدله عِنْد الْعَجز فَقيمته فِي مَحل الْعبْرَة مُغَلّظَة كَانَت أَو مُخَفّفَة وَنَصّ فِي الْقَدِيم على أَنه يرجع إِلَى ألف دِينَار أَو إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم من النقرة الْخَالِصَة وَقيل إِن معنى الْقَدِيم التَّخْيِير بَين الْخِصَال الثَّلَاث وَهُوَ ضَعِيف لِأَن أثر التَّغْلِيظ يسْقط بِهِ وَقيل يُزَاد الثُّلُث بِسَبَب التَّغْلِيظ فَيجْعَل سِتَّة عشر ألفا تقليدا لأثر ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَهُوَ بعيد هَذَا بَيَان المغلظات وَأما المنقصات فَهِيَ أَربع الأولى الْأُنُوثَة فَإِنَّهَا ترد كل وَاجِب إِلَى الشّطْر ثمَّ ترعى النِّسْبَة فِي التَّغْلِيظ وَالتَّخْفِيف فَيجب عشرُون خلفة وَخمْس عشرَة حقة وَخمْس عشرَة جَذَعَة وعَلى هَذَا الْحساب فِي الْأَطْرَاف

الثَّانِيَة الرّقّ وواجب الرَّقِيق قِيمَته بَالِغَة مَا بلغت وَإِن زَادَت على دِيَة الْحر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله فَإِنَّهُ حط عَن دِيَته بِقدر نِصَاب السّرقَة الثَّالِثَة الاجتنان فِي الْبَطن إِذْ وَاجِب الْجَنِين الْغرَّة وَلَا يتغلظ فِيهِ وَسَيَأْتِي الرَّابِعَة الْكفْر ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ ثلث دِيَة الْمُسلم ودية الْمَجُوسِيّ ثَمَانمِائَة دِرْهَم وَلَا يظْهر فِيهِ التَّغْلِيظ إِلَّا أَن يَجْعَل هَذَا معيارا للنسبة فينسب إِلَى اثْنَي عشر ألف دِرْهَم وَيُقَال هُوَ خمس دِيَة الْمُسلم هَذَا فِي أهل الذِّمَّة وَأهل العقد والمستأمنين من هَؤُلَاءِ أما الزَّنَادِقَة وَعَبدَة الْأَوْثَان فَلَا دِيَة لَهُم ولاذمة لَهُم وَلَو دخل وَاحِد مِنْهُم دَارنَا رَسُولا مستأمنا فَإِن كَانَ وثنيا أثبت لَهُ أخس الدِّيات وَهِي دِيَة الْمَجُوسِيّ لِأَنَّهُ الْأَقَل تَحْقِيقا للعصمة لاجل الْحَاجة إِلَى الْأمان وَإِن كَانَ مُرْتَدا فَلَا دِيَة فِي قَتله وَلَكنَّا نمتنع عَن قَتله فِي الْحَال مصلحَة كالنساء والذراري والزنديق الَّذِي ولد كَذَلِك مُتَرَدّد بَين الوثني وَالْمُرْتَدّ هَذَا كُله فِيمَن بلغتهم الدعْوَة وَأما من لم تبلغهم دَعوتنَا قَالَ الْقفال يجب الْقصاص على الْمُسلم بِقَتْلِهِم لأَنهم على الْحق وَمِنْهُم من قَالَ لَا كفاءة بَين الدينَيْنِ وَإِن كَانَا حقين لِأَنَّهُ بَقِي خطأ بِاعْتِبَار جَهله وَهُوَ الْآن بَاطِل فِي نَفسه فَلَا قصاص وَلَكِن تجب دِيَة الْمُسلم وَمِنْهُم من قَالَ بل تجب دِيَة أهل دينه إِن كَانَ يَهُودِيّا أَو مجوسيا لِأَن منصب دينهم لَا يَقْتَضِي إِلَّا هَذَا الْقدر وَإِن لم تبلغهم أصلا دَعْوَة نَبِي قَالَ الْقفال وَجب الْقصاص لأَنهم أهل الْجنَّة وَقَالَ غَيره لَا لعدم أصل الدّين وَلَكِن فِي الدِّيَة وَجْهَان

أَحدهمَا دِيَة الْمُسلم وَالثَّانِي أخس الدِّيات وَإِن كَانُوا مُتَعَلقين بدين محرف كَدين مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام بعد التحريف فَلَا قصاص وَيحْتَمل إِسْقَاط الضَّمَان لعدم الذِّمَّة وَعدم الدّين الصَّحِيح وَيكون انكفافنا عَنْهُم كانكفافنا عَن النِّسَاء وَأما الصابئون من النَّصَارَى والسامرة من الْيَهُود إِن كَانُوا معطلة دينهم فَلَا حُرْمَة لَهُم وَإِن كَانُوا من أهل الْفرق فَلهم حكم دينهم وَأما من أسلم وَلم يُهَاجر فَهُوَ كَالَّذي هَاجر فِي الْقود وَالدية وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا عصمَة إِلَّا بِالْهِجْرَةِ إِلَى دَار الْإِسْلَام

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْبَاب الثَّانِي فِيمَا دون النَّفس - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهَذِه الْجِنَايَة إِمَّا جرح يشق أَو قطع مُبين أَو ضرب يبطل مَنْفَعَة النَّوْع الأول فِي الْجرْح وَذَلِكَ إِمَّا على الْوَجْه وَالرَّأْس أَو على سَائِر الْبدن أما الرَّأْس فَفِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل وَهِي كل مَا توضح الْعظم فَإِن صَارَت هاشمة فعشر من الْإِبِل فَإِن صَارَت منقلة فَخمس عشرَة فَإِن صَارَت مأمومة فثلث الدِّيَة أما الدامغة المذففة فَفِيهَا كَمَال الدِّيَة وَفِي الهاشمة من غير إِيضَاح خمس من الْإِبِل وَقيل حُكُومَة لِأَن الْعشْر فِي مُقَابلَة الْمُوَضّحَة الهاشمة وَلَو أوضح وَاحِد وهشم آخر

وَنقل ثَالِث وَأم رَابِع فعلى كل وَاحِد خمس من الْإِبِل إِلَّا على الآم فَعَلَيهِ التَّفَاوُت بَين المنقلة وَأرش المأمومة وَهِي ثَمَانِيَة عشر بَعِيرًا وَثلث بعير والتعويل فِي هَذِه التقديرات على النَّقْل وَقد نصر الشَّارِع على بَعْضهَا وَقيس بهَا الْبَعْض فَإِذا قُلْنَا فِي الْمُوَضّحَة خمس من الْإِبِل عنينا بِهِ نصف عشر الدِّيَة حَتَّى ترعى هَذِه النِّسْبَة فِي الْمَرْأَة وَالذِّمِّيّ وَالْعَبْد وكل عظم على كرة الرَّأْس فَهُوَ فِي مَحل الْإِيضَاح وَإِن كَانَ من الْوَجْه كالجبهة والجبين والوجنة وقصبة الْأنف واللحيين وَمن جَانب الْقَفَا إِلَى الرَّقَبَة فَأَما العظمة الْوَاصِلَة بَين عَمُود الرَّقَبَة وكرة الرَّأْس فَفِيهِ تردد فَإِن تعدّدت الْمُوَضّحَة على الرَّأْس تعدد الْأَرْش فَإِن استوعب جَمِيع الرَّأْس بِوَاحِدَة فالأرش وَاحِد فاتحاد الموحضة بِأَن لَا يخْتَلف الْمحل وَالصُّورَة وَالْحكم وَالْفِعْل أما الصُّورَة فَأن تقع على الْمَوْضِعَيْنِ فَإِن رفع الحاجز اتَّحد الْأَرْش وَإِن كَانَ الرّفْع من غير الْجَانِي لم يتحد وَلَو كَانَ الحاجز بَين الموضحتين الْجلد دون اللَّحْم أَو اللَّحْم دون الْجلد فَأَرْبَعَة أوجه أَحدهَا أَنه يَتَعَدَّد إِذْ بَقِي حاجز مَا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حصل نوع من الإتحاد وَالثَّالِث اللَّحْم حاجز دون الْجلد لِأَنَّهُ المنطبق على الْعظم

الرَّابِع الْجلد حاجز دون اللَّحْم لانه السَّاتِر عَن الْعين وَأما تعدد الْمحل فبأن تخرج الْمُوَضّحَة الْوَاحِدَة من الرَّأْس إِلَى الْجَبْهَة أَو من الْجَبْهَة إِلَى الْوَجْه فَفِي تعدده وَجْهَان أَحدهمَا لَا لاخْتِلَاف اسْم الْمحل وَلَا تتعد بشمولها القذال والهامة إِذْ الْكل فِي حكم الرَّأْس أما تعدد الْفَاعِل بِأَن يُوسع إِنْسَان مُوضحَة غَيره فعلى كل وَاحِد أرش وَإِن كَانَت الْمُوَضّحَة وَاحِدَة فَإِن جَاءَ هُوَ ووسع مُوضحَة نَفسه لم يزدْ الْأَرْش على الصَّحِيح أما تعدد الحكم فبأن يكون بعض الْمُوَضّحَة عمدا وَبَعضهَا خطأ أَو بَعْضهَا حَقًا قصاصا وَالْبَاقِي عُدْوانًا فيتعدد الحكم اعْتِبَارا لاخْتِلَاف الحكم باخْتلَاف الْمحل فَإِن قُلْنَا بالاتحاد فَيَكْفِي أرش وَاحِد فِي الْعمد وَالْخَطَأ وَفِي الزِّيَادَة على الإقتصاص لَا بُد من شَيْء لهَذِهِ الزِّيَادَة وَهُوَ أَن يوزع الْأَرْش على جملَة الْجراحَة وَيسْقط مَا يُقَابل الْحق وَيجب الْبَاقِي فَإِن اندراج الدِّيَة تَحت الْقصاص غير مُمكن أما المتلاحمة فواجبها حُكُومَة وَفِيه وَجه أَنه يقدر بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُوَضّحَة وَذَلِكَ بِتَقْدِير سمك اللَّحْم الْموضع الثَّانِي الْجِرَاحَات فِي سَائِر الْبدن وَفِي جَمِيعهَا الْحُكُومَة إِلَّا الْجَائِفَة فَفِيهَا ثلث الدِّيَة وَهِي كل واصلة إِلَى جَوف فِيهَا قُوَّة مَحَله كالبطن وداخل الصَّدْر وَإِن لم تخرق الأمعاء والدماغ وَإِن لم تخرق الخريطة وَكَذَا المثانة وداخل الشرج من جِهَة العجان

فَأَما مَا يَنْتَهِي إِلَى دَاخل الإحليل والفم وَالْأنف والأجفان إِلَى بَيْضَة الْعين فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يتَقَدَّر لحُصُول اسْم الْجوف وَالثَّانِي لَا لِأَن تَقْدِير الْجَائِفَة لخطرها وَهِي جَوف أودع فِيهِ القوى المحيلة وداخل عظم الْفَخْذ لَيْسَ بجوف وفَاقا وَإِن قُلْنَا لَا يتَقَدَّر فَلَو كَانَ على الْوَجْه وَنفذ فِي اللَّحْم فأرش متلاحمة وَزِيَادَة شَيْء لصورة النّفُوذ وَإِن نفذ فِي عظم الْوَجْه فأرش منقلة وَزِيَادَة فروع الأول لَو ضرب بَطْنه بمشقص فجائفتان وَلَو ضربه بسنان فَخرج من بَطْنه إِلَى ظَهره فَوَجْهَانِ الصَّحِيح أَنَّهُمَا جائفتان كالمشقص وَالثَّانِي لَا لِاتِّحَاد الْخَارِج وَالْفِعْل الثَّانِي لَو التحمت الْجَائِفَة لم يسْقط الْأَرْش كالموضحة بِخِلَاف عود السن فَإِن التحام الْمُوَضّحَة لَا بُد مِنْهُ وَكَذَا فِي كل جارحة لَا تسري وَفِيه وَجه قِيَاسا على السن وَلَا قَائِل بِهِ فِي الْمُوَضّحَة وَيحْتَمل فِيمَا إِذا غرز إبرة فانضم اللَّحْم والتحم أَن نقضي بالسقوط الثَّالِث لَو خاط الْجَائِفَة فجَاء جَان وَقطع الْخَيط فَعَلَيهِ تَعْزِير فَإِن كَانَ بعد الإلتحام فأجاف فِي ذَلِك الْموضع فَعَلَيهِ أرش كَامِل وَلَو لم يلتحم إِلَّا الظَّاهِر فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا حُكُومَة فَلَو أدّى فتقه إِلَى انفتاق لحم تَامّ حَتَّى يجيفه فَعَلَيهِ أرش كَامِل

فَإِن أقيل فَمَا معنى الْحُكُومَة قُلْنَا أَن يقدر الْمَجْنِي عَلَيْهِ عبدا فتعرف قِيمَته دون الْجِنَايَة فَإِذا قيل عشرَة فَيقوم مَعَ الْجِنَايَة فَإِذا قيل تِسْعَة فَيُقَال التَّفَاوُت الْعشْر فَيُوجب بِمثل نسبته من الدِّيَة وَهَذَا بِشَرْط أَن لَا تزيد حُكُومَة جراح على مِقْدَار الطّرف الْمَجْرُوح فَلَا تزاد حُكُومَة جِرَاحَة الْأصْبع على دِيَة الْأصْبع وَلَا تزاد حُكُومَة الْكَفّ والساعد وَعظم الْعَضُد على دِيَة الْأَصَابِع الْخمس وَهل تزاد حُكُومَة كف على دِيَة أصْبع وَاحِدَة فِيهِ وَجْهَان فَأَما الْيَد الشلاء فَيجوز أَن نزيد حكومتها على اصبع وَلَا تزاد على يَد صَحِيحَة فروع ثَلَاثَة فِي الْحُكُومَة الأول إِنَّمَا تقدر الْحُكُومَة بعد اندمال الْجراحَة فَلَو لم يُوجد تفَاوت بَان التحم الْجرْح وَلم يبْق شين فَفِيهِ وَجْهَان الْقيَاس أَن لَا يجب شَيْء إِلَّا تَعْزِير كَمَا فِي الضَّرْب والصفع وَالثَّانِي أَن الْجرْح خطير فتقدر الْجراحَة دامية وتقدر الْحُكُومَة فِي تِلْكَ الْحَالة حَتَّى يظْهر التَّفَاوُت فَإِن لم يكن مخوفا وَلم يظْهر التَّفَاوُت اضطررنا إِلَى إِلْحَاقه بِالضَّرْبِ الثَّانِي إِن قطع أصبعا زَائِدَة أَو سنا شاغية أَو أفسد المنبت من لحية الْمَرْأَة وزادت الْقيمَة فَالْقِيَاس أَن لَا يجب شَيْء وَمِنْهُم من قَالَ تقدر اللِّحْيَة فِي عبد فِي أَوَان التزين

باللحية ونأخذ تَفَاوتا ونوجبه بعد نُقْصَان شَيْء مِنْهُ لِأَن إِلْحَاق الْمَرْأَة بِالْعَبدِ ظلم والإنصاف أَن هَذَا التَّقْدِير فِي أَصله ظلم فَلَا يَنْبَغِي أَن يجب بِهِ إِلَّا تَعْزِير وَلَو قطع ذكر العَبْد أَو أنثييه فزادت قِيمَته فَالْقِيَاس أَلا يجب شَيْء وَفِيه وَجه أَنه يجب كَمَال الْقيمَة لِأَن جراح العَبْد على القَوْل الْمَنْصُوص من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته الثَّالِث إِذا جرح فَبَقيَ حوال الْجرْح شين فَإِن كَانَت الْجراحَة مقدرَة كالموضحة استتبع حُكُومَة الشين كَمَا تستتبع المتلاحمة حواليها وَإِن لم يكن مُقَدرا فَالْقِيَاس أَن لَا تستتبع بل تجب حُكُومَة الْجرْح والشين جَمِيعًا وَظَاهر النَّصْر أَنه يستتبع لِأَن الشين تبع للجراحة قَائِم بِهِ فَإِن كَانَ حُكُومَة الشين أَكثر لم يُمكن الإتباع فنعتبره فِي نَفسه فَإِن كَانَ مثلا احْتمل وَجْهَيْن على النَّص

النَّوْع الثَّانِي من الْجِنَايَات الْقطع الْمُبين للأعضاء وَالنَّظَر فِي سِتَّة عشر عضوا الأول الأذنان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَفِي الْبَعْض الْبَعْض بِالنِّسْبَةِ وَفِيه وَجه أَن فِي الْأُذُنَيْنِ الْحُكُومَة إِذْ لَا تَوْقِيف وَلَيْسَت فِي معنى الْيَدَيْنِ إِذْ لَيْسَ يظْهر فيهمَا مَنْفَعَة وَمن قدر قَالَ فيهمَا منفعتان إِحْدَاهمَا جمع الْأَصْوَات وَالثَّانيَِة دفع الْهَوَام من الدبيب إِلَى الصماخ وَلذَلِك كثرت التعريجات حَتَّى ينتبه عِنْد الدبيب فعلى هَذَا لَو استحشفت الْأذن بِجِنَايَة جَان وقطعها آخر فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن على الْقَاطِع الدِّيَة لبَقَاء مَنْفَعَة جمع الْأَصْوَات وعَلى من أبطل الْحس الْحُكُومَة وَالثَّانِي أَن على مُبْطل الْحس الدِّيَة لِأَنَّهُ أظهر الْمَنَافِع وعَلى الْقَاطِع بعده حُكُومَة كَقطع الْيَد الشلاء وَأما أذن الْأَصَم فتكمل فِيهِ الدِّيَة لِأَن الْخلَل فِي مَحل السّمع لَا فِي صدفة الْأذن الْعُضْو الثَّانِي العينان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة إِذا فقئتا وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَفِي عين الْأَعْوَر النّصْف وَقَالَ مَالك رَحمَه الله الْكل

وَيجب كَمَال الدِّيَة فِي الْأَخْفَش وَالْأَعْمَش لِأَن ضعف الْبَصَر كضعف قُوَّة الْيَد الْعُضْو الثَّالِث الأجفان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي الْوَاحِد ربع الدِّيَة يَسْتَوِي الْأَعْلَى والأسفل فَإِن قطع الْبَعْض وتقلص الْبَاقِي لم تجب إِلَّا بِقدر الْمَقْطُوع وَتَقْدِيره بِالنِّسْبَةِ مَا أمكن وَلَا عدُول إِلَى الْحُكُومَة إِلَّا بِالضَّرُورَةِ وَأما الْأَهْدَاب فَلَو فسد منابتها فَفِيهَا وَفِي جَمِيع الشُّعُور حُكُومَة وكمل أَبُو حنيفَة رَحمَه الله الدِّيَة فِي خمس من الشُّعُور فرع لَو استأصل الاجفان اندرج حُكُومَة الْأَهْدَاب تَحْتَهُ على أظهر الْوَجْهَيْنِ وَفِيه وَجه أَنَّهَا لَا تندرج لِأَن فِي الْأَهْدَاب مَنْفَعَة فَإِنَّهَا تشتبك فتمنع الْغُبَار وَلَا تمنع نُفُوذ الْبَصَر فَلَا تندرج تَحت غَيره الرَّابِع الْأنف فَإِن أوعب مارنه جدعا فَفِيهِ كَمَال الدِّيَة والمارن مَا لَان من الْأنف فَإِن قطع شَيْئا من رَأس المارن وَجب جُزْء بِالنِّسْبَةِ وَالْأنف ثَلَاث طَبَقَات فَفِي كل طبقَة إِذا أفرد ثلث الدِّيَة وَقيل يجب النّصْف من كل وَاحِد من المنخرين وَأما الحاجز بَين المنخرين فَهُوَ تَابع لَا يفرد بِثلث من الدِّيَة وَفِيه وَجه أَنه تنْسب الطَّبَقَات

إِلَى الْجُمْلَة وَتجب بِحِسَاب النِّسْبَة وَذَلِكَ أَيْضا يقرب من الثُّلُث وَفِي انف الأخشم كَمَال الدِّيَة كَمَا فِي أذن الْأَصَم الْخَامِس الشفتان فِي كل وَاحِدَة مِنْهُمَا نصف الدِّيَة وَقَالَ مَالك رَحمَه الله فِي الْعليا الثُّلُثَانِ ثمَّ حد الشّفة فِي عرض الْوَجْه إِلَى الشدقين وَفِي طوله إِلَى مَحل الإرتتاق على وَجه وَإِلَى الْموضع الَّذِي يستر عَمُود الْأَسْنَان على وَجه وَهُوَ أقل من الأول وَمَا ينبو عِنْد الإنطباق على وَجه وَهُوَ أقل الدَّرَجَات وَبِه يحد الشفران وَقيل إِنَّه إِذا قطع من الْأَعْلَى مَا لَا ينطبق على الْأَسْفَل فقد استوقى الْكل فَهُوَ الْحَد فَلَو قطع جُزْءا من الشّفة وَجب بِقدر نسبته إِلَى الْكل وَتَقْدِير الْكل بِأَن يقدر قَوس طَرفَيْهِ عِنْد الشدقين ومجذبه عِنْد الارتتاق أَو مَا دونه على أحد الْوُجُوه فَمَا يحويه مقعر هَذَا الْقوس هُوَ كل الشّفة فلينسب إِلَيْهِ السَّادِس اللِّسَان وَفِي لِسَان النَّاطِق كَمَال الدِّيَة وَفِي الْأَخْرَس حُكُومَة وَفِي الصَّبِي الَّذِي لم ينْطق كَمَال الدِّيَة إِن ظَهرت امارة الْقُدْرَة بِالتَّحْرِيكِ والبكاء وَيجب بِقطعِهِ الْقصاص وَإِن قطع كَمَا ولد وَلم تظهر أَمارَة فَحُكُومَة إِذْ لم تتيقن الْقُدْرَة اتّفق عَلَيْهِ الْأَصْحَاب وَلَو قيل الأَصْل السَّلامَة لم يبعد السَّابِع الْأَسْنَان وَفِي كل سنّ مِمَّا هُنَالك خمس من الْإِبِل إِذا كَانَت تَامَّة أَصْلِيَّة مثغورة غير متقلقلة بالهرم احترزنا بالأصلية عَن السن الشاغية وفيهَا حُكُومَة وَلَو قلع سنه ورد إِلَيْهِ سنا من ذهب

فتشبث بِهِ اللَّحْم وتهيأ للمضغ فَلَيْسَ فِي قلعه أرش وَفِيه حُكُومَة على أحد الْقَوْلَيْنِ لصلاحه للمضغ واحترزنا بالتامة عَن قلع الْبَعْض إِذْ يجب بِهِ بعض الْأَرْش بِحَسب النِّسْبَة وَهل يدْخل السنخ فِي حِسَاب النِّسْبَة فِيهِ وَجْهَان يطردان فِي أَن الدِّيَة تكمل فِي الْحَشَفَة وحلمتي الثدي والمارن وَلَا يزِيد باستئصال الذّكر والثديين وقصبة الْأنف بل نسبتها إِلَيْهِ كنسبة الْكَفّ إِلَى الْأَصَابِع وَلَكِن إِذا قطع بعض الْحَشَفَة وَبَعض المارن فَهَل يدْخل الْبَاقِي فِي حِسَاب النِّسْبَة فِيهِ وَجْهَان وَفِي هَذِه الْمسَائِل وَجه آخر أَنه إِذا استأصل تزيد نسبتها حُكُومَة فَإِذا قلع سنا فَفِي قدر الْبَاقِي البادي دِيَة وَفِي السنخ حُكُومَة وَهَذَا فِي قَصَبَة المارن أظهر مِنْهُ فِي السن فَإِن فرعنا على الإندراج وَهُوَ الصَّحِيح فَهَل ينْدَرج السنخ تَحت نصف السن فِيمَا إِذا قطع إِنْسَان بعض السن وَجَاء آخر وَقطع الْبَاقِي من السنخ فَفِيمَا يجب على الثَّانِي وَجْهَان احدهما النّصْف إدراجا للسنخ وَالثَّانِي النّصْف والحكومة لِأَن السنخ ينْدَرج تَحت كل وَهُوَ يلْتَفت على أَن الْكَفّ هَل ينْدَرج تَحت بعض الْأَصَابِع

واحترزنا بالمثغورة عَن سنّ الصَّبِي فَإِنَّهَا فضلَة فَلَيْسَ فِي قلعهَا إِلَّا حُكُومَة عِنْد إبْقَاء شين كَمَا فِي حلق شعره فَإِن فسد المنبت وَجب الْقصاص أَو الْأَرْش وَلَو مَاتَ قبل ظُهُور فَسَاد المنبت فَفِي وجوب الْأَرْش وَجْهَان لتقابل الْأَصْلَيْنِ إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة من جَانِبه وَالْأَصْل عدم عود السن من الْجَانِب الآخر وَأما المثغور إِذا عَاد سنه نَادرا فَفِي اسْتِرْدَاد الْأَرْش قَولَانِ أَحدهمَا لَا لِأَن هَذَا نعْمَة جَدِيدَة عَادَتْ فَهِيَ كالموضحة إِذا التحمت بنبات لحم جَدِيد وَالثَّانِي نعم لِأَن مُتَعَلق الْأَرْش هَا هُنَا فَسَاد المنبت مَعَ الْقلع وَقد بَان أَنه لم يفْسد وَاخْتَارَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه لَا يسْتَردّ وَاسْتشْهدَ بِأَن التَّوَقُّف غير وَاجِب فِي الْأَرْش كَمَا لَو قلع بعض أَسْنَانه فنبت وَمن أَصْحَابنَا من طرد الْخلاف فِي اللِّسَان وَمِنْهُم من فرق لِأَن ذَلِك لحم جَدِيد نبت من الْغذَاء وَهَا هُنَا السن نبت من مَادَّة اصلية لم يصر مُسْتَوْفيا بِالْقَلْعِ فَإِنَّهَا إِن استوفيت فالغذاء لَا يَسْتَحِيل إِلَى الْعظم ابْتِدَاء وَإِن كَانَ يغذي الْعظم وَأما التَّوَقُّف فَمنهمْ من اوجب وَمِنْهُم من اعتذر بِالْبِنَاءِ على الْغَالِب واحترزنا بالتقلقل عَن الشَّيْخ الْهم إِذا أشرف سنه على السُّقُوط فَإِن كَانَ الظَّاهِر أَنه لَا يسْقط فَلَا يُؤثر كضعف الْأَعْضَاء وَإِن غلب على الظَّن أَنه إِلَى السُّقُوط مائلة

فَقَوْلَانِ أَحدهَا أَنه يجب كَمَال الْأَرْش كَمَا إِذا قتل مَرِيضا مشرفا على الْهَلَاك وَالثَّانِي لَا لِأَن الشَّرْع اسقط أرش السن الضَّعِيف بِدَلِيل الصَّبِي فرع الْأَسْنَان من الْخلقَة المعتدلة اثْنَان وَثَلَاثُونَ فَلَو اقتلعها بِجِنَايَة وَاحِدَة فَفِي الْوَاجِب قَولَانِ أَحدهمَا مائَة وَسِتُّونَ من الْإِبِل لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل وَالثَّانِي أَنه لَا يزِيد على مائَة من الْإِبِل إِذا جمع الْكل لِأَنَّهُ جنس وَاحِد فيضاهي سَائِر أَجنَاس الْأَعْضَاء ثمَّ شَرط هَذَا القَوْل اتِّحَاد الْجَانِي وَالْجِنَايَة فَلَو اقتلع عشْرين واقتلع غَيره الْبَاقِي وَجب فِي كل سنّ خمس من الْإِبِل وَكَذَلِكَ إِذا اقتلع هُوَ وَاحِد بعد أُخْرَى إِذا تخَلّل الِانْدِمَال وَإِن كَانَ على التَّعَاقُب فطريقان مِنْهُم من قَالَ هُوَ اتِّحَاد كالضرب الْوَاحِد الْمسْقط للْكُلّ وَمِنْهُم من قَالَ هُوَ تعدد الثَّامِن اللحيان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَفِي احدهما النّصْف وَلَو كَانَ عَلَيْهِمَا الْأَسْنَان لم تندرج دِيَة الْأَسْنَان تَحت دِيَة اللحيين على الْأَظْهر وَالثَّانِي أَنه تندرج لِأَنَّهُ

مركب الْأَسْنَان وَكِلَاهُمَا لغَرَض وَاحِد كَالْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِع التَّاسِع اليدان وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة إِذا قطعتا من الكوعين وَكَذَا إِن لقط الْأَصَابِع فَحُكُومَة الْكَفّ مندرجة قولا وَاحِدًا والساعد والعضد لَا ينْدَرج بل لَهما حُكُومَة وَفِي كل أصْبع عشر من الْإِبِل من غير تفاضل وَفِي كل أُنْمُلَة ثلث الْعشْر إِلَّا فِي الْإِبْهَام فَإِنَّهَا أنملتان فَفِي إِحْدَاهمَا نصف الْأَرْش وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله ثلث الْأَرْش وَجعل الْأُنْمُلَة الغائصة محسوبة من الْأصْبع وَلَو كَانَ على معصم كفان باطشان فَفِي الْأَصْلِيَّة نصف الدِّيَة وَفِي الزَّائِدَة حُكُومَة فَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا منحرفة عَن الساعد أَو نَاقِصَة بأصبع أَو ضَعِيفَة الْبَطْش فَهِيَ الزَّائِدَة وَإِن كَانَت المنحرفة أقوى بطشا فَهِيَ الْأَصْلِيَّة وَالنَّظَر إِلَى الْبَطْش أولى وَالَّتِي عَلَيْهَا أصْبع زَائِدَة فَهَل يحكم عَلَيْهَا بِأَنَّهَا زَائِدَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الزَّائِدَة على الْكَمَال نُقْصَان وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا يبعد وُقُوع ذَلِك على الْأَصْلِيَّة كَمَا خرجت الْيَد الزَّائِدَة من الساعد الْأَصْلِيّ وَإِن تَسَاويا من كل وَجه فَمن قطعهمَا فَعَلَيهِ قصاص وحكومة أَو دِيَة يَد وحكومة وَإِن قطع إِحْدَاهَا فَلَا قصاص لاحْتِمَال أَنَّهَا زَائِدَة وَتجب نصف دِيَة الْيَد وَزِيَادَة حُكُومَة لِأَنَّهُ نصف فِي صُورَة الْكل هَذَا مَا قيل وَجعله نصفا مَعَ الإحتمال لكَونهَا زَائِدَة مُشكل فرع لَو قطع الْيَد الباطشة وأوجبنا دِيَة الْيَد فاشتدت الْيَد الْأُخْرَى بِهَذَا الْقطع

وبطشت بَطش الأصليات فَفِي اسْتِرْدَاد الْأَرْش المبذول ورده إِلَى قدر الْحُكُومَة وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يسْتَردّ فَإِن هَذِه صَارَت أَصْلِيَّة وَلَا يتَصَوَّر أصليتان على معصم وَالثَّانِي لَا لِأَن هَذِه نعْمَة جَدِيدَة وَله الْتِفَات على عود السن الْعَاشِر الترقوة والضلع وَفِي كسر كل ضلع جمل وَكَذَا الترقوة قَالَه الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ تقليدا لعمر رضوَان الله عَلَيْهِ وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فيهمَا حُكُومَة وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله قَولَانِ وَمِنْهُم من قطع بالحكومة قِيَاسا وَحمل مَذْهَب عمر رَضِي الله عَنهُ على حُكُومَة بلغت عشر الْعشْر وَهُوَ جمل وَمِنْهُم من قَالَ تَقْدِير الْحُكُومَة تخمين من القَاضِي فتخمين عمر رَضِي الله عَنهُ أولى على الْإِطْلَاق بالتقليد الْحَادِي عشر الحلمتان من الْمَرْأَة مَضْمُونَة بِكَمَال دِيَتهَا وَهُوَ مَا يلتقمه الصَّبِي وَهُوَ لَا يزِيد باستئصال الثدي وَقيل تزيد حُكُومَة وَفِي حلمتي الرجل قَولَانِ الْمَنْصُوص أَن فيهمَا حُكُومَة إِذْ لَيْسَ لَهما مَنْفَعَة درور اللَّبن وَفِيه قَول مخرج أَن فيهمَا الدِّيَة كحلمتي الْعَجُوز الثَّانِي عشر الذّكر والأنثيان وَفِيهِمَا ديتان وتكمل الدِّيَة فِي ذكر الْخصي والعنين وَلَا تكمل فِي ذكر الأشل وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي ذكر الْخصي حُكُومَة وَإِذا قطعهمَا فَإِن ابْتَدَأَ بِالذكر فَعَلَيهِ عِنْده ديتان فَإِن ابْتَدَأَ بالأنثيين فَعَلَيهِ عِنْده حُكُومَة ودية لِأَن إخصاءه أَولا بِقطع الْأُنْثَيَيْنِ ثمَّ تكمل الدِّيَة بِقطع الْحَشَفَة الثَّالِث عشر الأليتان وَفِي قطع مَا أشرف مِنْهُمَا على الْبدن كَمَال الدِّيَة وَإِن لم يقرع الْعظم وَفِي إِحْدَاهمَا النّصْف وَلَا يخفى منفعتهما فِي الرّكُوب وَالْقعُود

الرَّابِع عشر الشفران من الْمَرْأَة فيهمَا كَمَال الدِّيَة وهما حرفا الْفرج المنطبقان على المنفذ على نتوء فالقدر الْبَاقِي هُوَ كَمَال الشفر الْخَامِس عشر الرّجلَانِ وهما كاليدين وَرجل الْأَعْرَج كَرجل الصَّحِيح إِذْ الْخلَل فِي الحقو لَا فِي الرجل وَرجل من امْتنع مَشْيه بِكَسْر الفقار قَالَ الْقفال كَالصَّحِيحِ وَفِيه وَجه أَن تعطل الْمَشْي كزواله وَفِي الْتِقَاط أَصَابِع الرجل كَمَال الدِّيَة مَعَ أَن أعظم الْمَنَافِع وَهُوَ أصل الْمَشْي بَاقٍ السَّادِس عشر الْجلد وَلَو سلخ جَمِيع جلده فَفِيهِ دِيَة لِأَن الْجلد أعد لغَرَض وَاحِد فَهُوَ جنس وسلخ جَمِيعه قَاتل وَلَكِن قد يبْقى بعده حَيَاة مُسْتَقِرَّة فتظهر فَائِدَته إِذا حزت بعده رقبته

النَّوْع الثَّالِث من الْجِنَايَات مَا يفوت اللطائف وَالْمَنَافِع وَالنَّظَر فِي اثْنَتَيْ عشرَة مَنْفَعَة الأولى الْعقل فَإِذا ضرب رَأسه فأزال عقله فَعَلَيهِ كَمَال الدِّيَة وَلَو قطع يَدَيْهِ فأزال عقله فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ يُشِير إِلَى دِيَة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد إِذْ لَيْسَ الْعقل فِي الْيَد وَلَو قطع أُذُنَيْهِ فأزال سَمعه فديتان لِأَن مَحل السّمع غير مَحل الْقطع فَهِيَ أولى وَلَا يُمكن أَن يُقَال نزل الْعقل منزلَة الرّوح فأدرج تَحت دِيَة الْيَد لِأَنَّهُ إِذا قطع يَدَيْهِ وَرجلَيْهِ فَزَالَ عقله فَعَلَيهِ ديتان قولا وَاحِدًا وَلَعَلَّ وَجهه أَن الْعقل لَا يُضَاف إِلَى مَحل من الْبدن فنسبته إِلَى الْكل على وتيرة فيندرج تَحت كل عُضْو تكمل فِيهِ الدِّيَة فرع لَو أنكر الْجَانِي زَوَال عقله وَنسبه إِلَى التجانن راقبناه فِي خلواته فَإِن لم تنضبط أَحْوَاله أَوجَبْنَا الدِّيَة وَلَا نحلفه لأَنا إِذا طلبنا مِنْهُ الْيَمين أجابنا عَن مَوضِع آخر متجاننا كَانَ أَو مَجْنُونا الثَّانِيَة السّمع وَفِيه كَمَال الدِّيَة وَفِي إِبْطَاله فِي أَحدهمَا نصف الدِّيَة وَفِيه وَجه أَن الْوَاجِب حُكُومَة لِأَن مَحل السّمع وَاحِد وَإِنَّمَا المشتبه منفذه وَهُوَ ضَعِيف إِذْ كَيْفَمَا كَانَ فضبط النِّسْبَة بالمنفذ أولى من ضَبطه بِغَيْرِهِ فَلَو كذبه الْجَانِي غافصناه بِصَوْت مُنكر فَإِن اضْطربَ بَان كذبه وَإِن ثَبت حلفناه إِذْ رُبمَا يتماسك تكلفا فَلَو قَالَ الْجَانِي حلفوني فَإِن الأَصْل بَقَاء السّمع قُلْنَا لَو فتح هَذَا الْبَاب

لم يعجز من يستجيز الْجِنَايَة عَن الْحلف وجريان الْجِنَايَة سَبَب مظهر لجَانب الْمَجْنِي عَلَيْهِ فتصديقه أولى فرعان الأول لَو قَالَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ نقص سَمْعِي وَلم يزل وَجب أرش النُّقْصَان وَقدر بالمسافة وَطَرِيقه أَن يجلس بجنبه من هُوَ فِي مثل سنه وَصِحَّته وَيبعد عَنْهُمَا وَاحِد وَيرْفَع الصَّوْت فَلَا يزَال يقرب إِلَى أَن يَقُول السَّلِيم سَمِعت ثمَّ يديم ذَلِك الْحَد فِي الصَّوْت وَيقرب إِلَى أَن يَقُول الْمَجْنِي عَلَيْهِ سَمِعت فَإِن سمع على النّصْف من تِلْكَ الْمسَافَة فقد نقص نصف السّمع فَإِن قَالَ الْجَانِي سمع من قبل حلفنا الْمَجْنِي عَلَيْهِ وَلَو قَالَ لست أسمع من إِحْدَى أُذُنِي فامتحانه أَن تصم الْأذن الثَّانِيَة ويصاح بِهِ صَيْحَة مُنكرَة الثَّانِي لَو قَالَ أهل الصَّنْعَة لَطِيفَة السّمع بَاقِيَة لَكِن وَقع فِي المنفذ الارتتاق فَفِي كَمَال الدِّيَة وَجْهَان أَحدهمَا أَن تعطل الْمَنْفَعَة هَل هُوَ كزوالها وَيجْرِي فِيمَا إِذا ذهب سمع الصَّبِي فتعطل نطقه أَو ضرب صلبه فتعطل رجله فَفِي تعدد الدِّيَة فِي نَظَائِر ذَلِك خلاف الثَّالِثَة الْبَصَر وَفِي إِبْطَالهَا مَعَ بَقَاء الحدقة كَمَال الدِّيَة يَسْتَوِي فِيهِ الْأَخْفَش وَالْأَعْمَش وَمن على حدقته بَيَاض لَا يمْنَع أصل الْبَصَر ثمَّ يمْتَحن عِنْد دَعْوَى الْعَمى بتقريب حَدِيدَة من حدقته مغافصة وَإِن ادّعى النُّقْصَان امتحن كَمَا فِي السّمع الرَّابِعَة الشم وَفِي إِبْطَاله كَمَال الدِّيَة ويجرب بالروائح المنتنة الحادة فَإِن ادّعى

النُّقْصَان فامتحان ذَلِك عسير فيكتفي بِالْيَمِينِ وَقيل إِن الشم لَا تكمل فِيهِ الدِّيَة لِأَن التأذي بِهِ مَعَ كَثْرَة الأنتان أَكثر من التَّلَذُّذ بِهِ مَعَ قلَّة الطّيب وَهَذَا هوس إِذْ هُوَ طَلِيعَة كَسَائِر الْحَواس الْخَامِسَة النُّطْق وَفِي إِبْطَاله عَن اللِّسَان كَمَال الدِّيَة وَإِن بَقِي حاسة الذَّوْق والإعانة على المضع والحروف الشفهية والحلقية لِأَن الَّذِي بَطل جُزْء مَقْصُود بِرَأْسِهِ فَإِن ذهب بعض الْكَلَام فأقرب معيار فِيهِ الْحُرُوف وَهِي ثَمَانِيَة وَعِشْرُونَ مُتَسَاوِيَة فِي الِاعْتِبَار وَقَالَ الاصطخري لَا تدخل الشفوية والحلقية فِي التَّوْزِيع فرعان الأول لَو كَانَ لَا يحسن بعض الْحُرُوف فَهَل يُؤثر فِي نُقْصَان الدِّيَة فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لانه يرجع إِلَى ضعف النُّطْق فَهُوَ كضعف الْبَطْش وَالثَّانِي نعم لِأَن الْبَطْش لَا يتَقَدَّر والحروف صَارَت مقدرَة للنطق بِنَوْع من التَّقْرِيب فَإِن قُلْنَا يحط فَلَو كَانَ يقدر على الْإِعْرَاب عَن جَمِيع مقاصده بِتِلْكَ الْحُرُوف لغزارة فَضله فَفِي الْحَط خلاف وَالظَّاهِر أَنه يحط أما إِذا كَانَ نُقْصَان الْحُرُوف بِجِنَايَة جَان فالحط أولى وَالْقَوْل الضَّابِط فِي الْفرق بَين النُّقْصَان بِجِنَايَة أَو آفَة أَن المفوت جرم أَو مَنْفَعَة فَكل جرم مُقَدّر فنقصان بعضه مُؤثر سَوَاء كَانَ بِجِنَايَة أَو آفَة كسقوط بعض السن وَبَعض الْأُنْمُلَة وانشقاق لحم الرَّأْس إِلَى حد المتلاحمة وَمَا لَا يتَقَدَّر كفلقة من الْأُنْمُلَة فسقوطها لَا ينقص كَانَت بِآفَة سَمَاوِيَّة أَو جِنَايَة أبقى شَيْئا أَو لم تبْق مهما لم ينقص الْبَطْش لِأَن الزِّينَة لَيست من خاصية هَذَا الْعُضْو

وَأما نُقْصَان الْمَنْفَعَة الَّتِي لَا تتقدر إِن كَانَت بِآفَة سَمَاوِيَّة لم ينقص وَإِن كَانَت بِجِنَايَة وَجَمِيع جرم الْعُضْو بَاقٍ فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا يعْتَبر كالآفة وَالثَّانِي نعم لِأَن الْآفَات لَا تنضبط وَالْجِنَايَة تنضبط كَمَا فِي القروح والجراحات وَالثَّالِث أَن الآخر إِن قطع الْعُضْو لم يعْتَبر النُّقْصَان فِي حَقه وَإِن أبطل بَقِيَّة الْبَطْش حط عَنهُ مَا وَجب على الأول لِأَنَّهُمَا جنايتان متناسبتان من وَجه وَاحِد وَإِنَّمَا يظْهر الْخلاف فِي نُقْصَان الْحُرُوف لِأَنَّهَا كالمقدرة للنطق الْفَرْع الثَّانِي لَو قطع بعض لِسَانه فَأبْطل كل كَلَامه فَعَلَيهِ الدِّيَة وَلَو أبطل بعض كَلَامه وتساوت نِسْبَة الجرم والحروف بِأَن قطع نصف الجرم وَزَالَ نصف الْكَلَام فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة وَإِن تفاوتت النِّسْبَة فنأخذ بِأَكْثَرَ الشَّهَادَتَيْنِ لِأَن كل وَاحِد من الْحُرُوف والجرم مُبين مِقْدَار الزائل من الْقُوَّة النطقية الَّتِي لَا يتَقَدَّر تحقيقها بِنَوْع من التَّقْرِيب فنأخذ أَكثر الشَّهَادَتَيْنِ فَإِن قطع ربع اللِّسَان فَزَالَ نصف الْحُرُوف فَعَلَيهِ النّصْف وَإِن قطع نصف اللِّسَان فَزَالَ ربع الْحُرُوف فَعَلَيهِ النّصْف وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النّظر إِلَى الجرم وَلَكِن إِذا قطع ربع اللِّسَان فَزَالَ نصف الْكَلَام فَكَأَنَّهُ أشل ربعا من الْبَاقِي فتظهر فَائِدَة العبارتين فِيمَن اقتلع الْبَاقِي فَإِنَّهُ لَو قطع ربع لِسَانه وَذهب نصف كَلَامه فاستأصل غَيره بَاقِي اللِّسَان فَعَلَيهِ ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة نظرا إِلَى الْأَكْثَر عِنْد الْأَصْحَاب وَعند أبي إِسْحَاق عَلَيْهِ نصف الدِّيَة وحكومة ربع أشل وَلَو قطع ربع اللِّسَان فَأذْهب ربع الْكَلَام فأوجبنا النّصْف فجَاء الثَّانِي واستأصل

وَجب عَلَيْهِ ثَلَاثَة أَربَاع الدِّيَة نظرا إِلَى الْأَكْثَر وَعند الشَّيْخ أبي إِسْحَاق رَحمَه الله نصف الدِّيَة نظرا إِلَى الجرم وَأما إِذا قطع فلقَة من لِسَانه وَلم يذهب شَيْئا من الْكَلَام فَلَا شَيْء لِأَن الْقُوَّة إِذا نقصت رَجعْنَا إِلَى الشَّهَادَتَيْنِ ورجحنا وَإِذا لم ينقص فَلَيْسَ إِلَّا حُكُومَة كلسان الْأَخْرَس الْمَنْفَعَة السَّادِسَة الصَّوْت وَفِي إِبْطَاله كل الدِّيَة وَإِن بَطل مَعَه حَرَكَة اللِّسَان فديتان وَفِيه وَجه أَن الْوَاجِب دِيَة وَاحِدَة لِأَن مَقْصُود الصَّوْت النُّطْق وَإِن قُلْنَا ديتان فَلَو كَانَ حَرَكَة اللِّسَان نَاقِصَة فقد تعطل النُّطْق وَلم يزل فَفِيهِ الْخلاف السَّابِق السَّابِعَة الذَّوْق وَفِيه كَمَال الدِّيَة لِأَنَّهُ أحد الْحَواس الْخَمْسَة ويجرب عِنْد النزاع بالأشياء الْمرة المقرة الثَّامِنَة مَنْفَعَة المضغ وفيهَا كَمَال الدِّيَة وفواتها بِأَن يتصلب مغرس اللحيين فَلَا يَتَحَرَّك بانخفاض وارتفاع وَلَا يحيا صَاحبه إِلَّا بالحسوة والإيجار فرع لَو جنى على سنه فاسود وَلم يُمكن المضغ بِهِ وَجب كَمَال الْأَرْش فَإِن لم يكن إِلَّا مُجَرّد السوَاد فَفِيهِ حُكُومَة لِأَنَّهُ إِزَالَة جمال مَحْض التَّاسِعَة قُوَّة الإمناء والإحبال بِهِ فَإِذا أبطل بِجِنَايَة على صلبه وَجب كَمَال الدِّيَة وَلَو جنى على ثدي امْرَأَة وأبطل مَنْفَعَة الْإِرْضَاع قَالَ القَاضِي رَحمَه الله فِيهِ حُكُومَة لِأَن مَنْفَعَة الْإِرْضَاع تطرأ وتزول بِخِلَاف قُوَّة مَنْفَعَة الْمَنِيّ فَإِنَّهَا ثَابِتَة قَالَ الإِمَام

وَيحْتَمل خِلَافه لانه مَقْصُود فِي نَفسه وَإِن كَانَ يطْرَأ الْعَاشِرَة مَنْفَعَة الْمَشْي والبطش وَفِيهِمَا كَمَال الدِّيَة وَلَو ضرب صلبه فَبَطل مَشْيه وَجب كَمَال الدِّيَة وَلَو قطع رجله فَفِي كَمَال الدِّيَة فِيهِ خلاف لِأَنَّهَا صَحِيحَة فِي نَفسهَا وَأَنَّهَا تعطل بِجِنَايَة على غَيرهَا وَلَو ضرب صلبه فَبَطل مَشْيه ومنيه فَفِي الإندراج خلاف من حَيْثُ إِن الصلب مَحل الْمَنِيّ ومبدأ الْحَرَكَة للمشي فاقتضي اتحادا بَينهمَا من وَجه الْحَادِيَة عشرَة إِذا بَطل شَهْوَة الْجِمَاع من غير شلل فِي الذّكر وَلَا انْقِطَاع فِي الْمَنِيّ لم يبعد تَكْمِيل الدِّيَة لانْقِطَاع إحساسه باللذة وَكَذَا إِذا بَطل شَهْوَة الطَّعَام إِن أمكن وَكَذَا لَو ضرب عُنُقه فارتتق منفذ الطَّعَام وَجب كَمَال الدِّيَة إِذْ تبقى حَيَاة مُسْتَقِرَّة فَإِذا حز غَيره رقبته كملت الدِّيَة على الأول الثَّانِيَة عشرَة إِذا أفْضى ثَيِّبًا كَانَ أَو بكرا عَلَيْهِ دِيَتهَا وَمعنى هَذَا أَن يتحد مَسْلَك الْجِمَاع وَالْغَائِط أَو مَسْلَك الْجِمَاع وَالْبَوْل وَلَا ينْدَرج الْمهْر تحتهَا لاخْتِلَاف مأخذهما وَيجب على الزَّانِي وَالزَّوْج لِأَن الزَّوْج لَا يسْتَحق إِلَّا وطأ لَا يُوجب الْإِفْضَاء فَإِن كَانَ لَا يحْتَمل إِلَّا بالإفضاء لضيق المنفذ أَو كبر الْآلَة لم يسْتَحق الْوَطْء وَنزل الضّيق من جَانبهَا منزلَة الرتق إِن خَالف الْعَادة وَالْكبر من جَانِبه ينزل منزلَة الْجب فِي إِثْبَات الْفَسْخ وَلَو انتزع بكرا على كره لزمَه مهر الْمثل وَأرش الْبكارَة وَقيل إِذا أَوجَبْنَا مهر مثل بكر فقد قضينا حق الْبكارَة والإفضاء بالخشبة والأصبع مُوجب للدية وَلَو أَزَال الزَّوْج بكارة زَوجته بالأصبع لم يجب أرش الْبكارَة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ وَقيل يجب لعدوله عَن طَرِيق الإستحقاق

هَذَا حكم الْأَطْرَاف إِذا أفردت أَو جمعت من غير سرَايَة فيتصور أَن يجب فِي شخص وَاحِد قريب من عشْرين دِيَة وَلَو مَاتَ بِالسّرَايَةِ عَاد إِلَى دِيَة وَاحِدَة وَلَو حز الْجَانِي رقبته فالنص أَنه يتداخل وَخرج ابْن سُرَيج أَنه لَا يتداخل كَمَا لَو تعدد الْجَانِي فَإِن اخْتلف حكم الْجِنَايَة بِأَن قطع خطأ وحز عمدا أَو على الْعَكْس فَقَوْلَانِ منصوصان لِأَن تغاير الْوَصْف يضاهي تغاير الْجَانِي فَإِن قُلْنَا بالتداخل فَإِن قطع يدا خطأ وَقتل عمدا قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ إِنَّه تجب دِيَة وَاحِدَة نصفهَا على الْجَانِي مُغَلّظَة وَنِصْفهَا على الْعَاقِلَة مُخَفّفَة وَكَأَنَّهُ جعل الحز كجناية أُخْرَى تممت سرَايَة الأولى وَمن الْأَصْحَاب من خَالف النَّص وَقَالَ تجب دِيَة مُغَلّظَة إِذْ حز الرَّقَبَة يبطل أثر مَا سبق هَذَا حكم أَطْرَاف الْحر الذّكر أما الرَّقِيق فنص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَن جراح العَبْد من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته اسْتِحْسَانًا لقَوْل سعيد بن الْمسيب رَضِي الله عَنهُ وَخرج ابْن سُرَيج قولا أَن الْوَاجِب قدر النُّقْصَان كَمَا أَن الْوَاجِب فِي الْجُمْلَة قدر الْقيمَة وكما نَص على قَول فِي أَنه لَا تضرب على الْعَاقِلَة بدله وَلَا تجْرِي الْقسَامَة فِيهِ إِلْحَاقًا لَهُ بالبهائم فَإِن قطع بإلحاقه بِالْحرِّ فِي الْقصاص وَالْكَفَّارَة فَلَو قطع ذكره وأنثييه فزادت قِيمَته فَيجب على النَّص قيمتان وعَلى التَّخْرِيج لَا يجب شَيْء كَمَا فِي الْبَهِيمَة وَأما الْمَرْأَة فترعى نِسْبَة أطرافها إِلَى دِيَتهَا وفيهَا قَول قديم أَنَّهَا تعاقل الرجل إِلَى ثلث دِيَته أَي تساويها فَإِن جَاوَزت الثُّلُث رد إِلَى قِيَاس دِيَتهَا فَفِي ثلث أصابعها ثَلَاثُونَ من الْإِبِل وَفِي أَربع لَو أَوجَبْنَا أَرْبَعِينَ لجاوزنا ثلث الدِّيَة فنرجع إِلَى نِسْبَة دِيَتهَا فنوجب عشْرين وَهُوَ بعيد مرجوع عَنهُ

الْقسم الثَّانِي من الْكتاب فِي بَيَان الْمُوجب من الْأَسْبَاب والمباشرات وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَطْرَاف الأول فِي تَمْيِيز السَّبَب عَمَّا لَيْسَ بِسَبَب وكل مَا يحصل الْهَلَاك مَعَه فإمَّا أَن يحصل بِهِ فَيكون عِلّة كالتردية فِي الْبِئْر أَو يحصل عِنْده بعلة أُخْرَى وَلَكِن لولاه لم تُؤثر الْعلَّة كحفر الْبِئْر مَعَ التردية فَهُوَ سَبَب وَإِمَّا أَن يحصل مَعَه وفَاقا وَلَا تقف الْعلَّة على وجوده فَلَا عِبْرَة بِهِ كَمَا إِذا كلم غَيره اَوْ صفعه صفعة خَفِيفَة فَمَاتَ فَهَذَا لَا يَجْعَل سَببا بل هُوَ مُوَافقَة قدر والإحتمال يظْهر فِي ثَلَاث صور الأولى إِذا صَاح على صَغِير وَهُوَ على طرف سطح فارتعد وَسقط وَمَات وَجب الضَّمَان لِأَنَّهُ سَبَب ظَاهر وَفِي الْقصاص قَولَانِ مرتبان على مَا لَو حفر بِئْرا فِي دَاره ودعا إِلَيْهِ غَيره وَهَذَا أولى بِالْإِيجَابِ لِأَن الْإِفْضَاء إِلَى الْهَلَاك هَا هُنَا أغلب وَلَو تغفل بَالغا بِصَوْت مُنكر فَسقط من السَّطْح فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه يحمل على مُوَافقَة الْقدر لِأَن الرعدة لَهَا أَسبَاب وَالْكَبِير لَا يسْقط بالصياح غَالِبا وَالثَّانِي يجب الضَّمَان لِأَن هَذَا مُمكن وَالسَّبَب ظَاهر فيحال عَلَيْهِ وَالثَّالِث إِن جَاءَهُ من وَرَائه وَجب وَإِن واجهه فَلَا وَالصَّحِيح أَنه إِن ظهر أَنه سقط بِهِ وَجب وَإِن شكّ فِيهِ احْتمل أَن يُقَال الأَصْل برءاة

الذِّمَّة وَاحْتمل أَن يُقَال الأَصْل حمله على السَّبَب الْمُقَارن بِهِ الثَّانِيَة لَو صَاح على صبي مَوْضُوع على الأَرْض فَمَاتَ أَو على بَالغ فَزَالَ عقله فَفِيهِ وَجْهَان منشؤهما التَّرَدُّد فِي الإحالة عَلَيْهِ الثَّالِثَة التهديد والتخويف إِذا أفْضى إِلَى سُقُوط الْجَنِين وَجب الضَّمَان إِذْ وُقُوع ذَلِك غَالب وَقع لعمر رَضِي الله عَنهُ فَشَاور الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فَقَالَ عبد الرحمن بن عَوْف رَضِي الله عَنهُ إِنَّك مؤدب فَلَا شَيْء عَلَيْك وَقَالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ إِن لم يجْتَهد فقد غشك وَإِن اجْتهد فقد أَخطَأ أرى عَلَيْك الدِّيَة الطّرف الثَّانِي فِي اجْتِمَاع الْعلَّة وَالشّرط كالحفر والتردي وَمهما كَانَت الْعلَّة عُدْوانًا انْقَطَعت الْحِوَالَة عَن الشَّرْط فَالضَّمَان على المردي لَا على الْحَافِر وَإِن لم يكن عُدْوانًا بِأَن تخطى الْإِنْسَان فتردى جَاهِلا نظر إِلَى الْحفر فَإِن لم يكن عُدْوانًا أهْدر الضَّمَان وَإِن كَانَ عُدْوانًا أُحِيل الْهَلَاك عَلَيْهِ وَإِن تزلق رجله بقشر بطيخ أَو بِمَاء مرشوش فَهَذِهِ الْأَسْبَاب كحفر الْبِئْر فروع الأول إِذا وضع صَبيا فِي مسبعَة فافترسه سبع فَإِن قدر على الإنتقال فَلَا ضَمَان كَمَا لَو فصد بِغَيْر إِذْنه فَتَركه حَتَّى نزف الدَّم وَإِن كَانَ عَاجِزا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الْحِوَالَة على السَّبع لِأَنَّهُ مُخْتَار وَلم يسْبق مِنْهُ إِلَّا وضع يَد وَالصَّبِيّ الْحر لَا يضمن بِالْيَدِ

وَالأَصَح أَنه يُحَال عَلَيْهِ لِأَن هَذَا يعد فِي الْعرف إهلاكا الثَّانِي إِذا اتبع إنْسَانا بِسَيْفِهِ فولى هَارِبا فَألْقى نَفسه فِي نَار أَو مَاء أَو بِئْر أَو مسبعَة وافترسه سبع فَلَا ضَمَان على المتبع لِأَنَّهُ مُخْتَار فِي هَذِه الْأَفْعَال وغايته أَن يكون مكْرها وَلَو قَالَ اقْتُل نَفسك وَإِلَّا قتلتك فَقتل نَفسه لم يضمن الْمُكْره إِذْ لَا معنى للخلاص عَن الإهلاك أصلا أما إِذا تردى فِي بِئْر جَاهِلا لكَونه أعمى أَو لظلام اللَّيْل أَو لكَون الْبِئْر مغطاة فَالضَّمَان على المتبع لِأَن هَذَا الإلجاء أقوى من مُجَرّد الْحفر وَلَو ألْقى نَفسه على سطح فانخسف بِهِ فيحال الضَّمَان عَلَيْهِ لاختياره إِلَّا إِذا كَانَ انخسافه لضَعْفه وَهُوَ لَا يدْرِي فَهُوَ كالبئر المغطاة الثَّالِث إِذا سلم صَبيا إِلَى سابح فغرق وَجب الضَّمَان على أستاذه لِأَنَّهُ لَا يغرق إِلَّا بتقصير بِأَن يهمله فِي غير مَحَله فَلَو قَالَ لَهُ ادخل المَاء فَدخل مُخْتَارًا فَيحْتَمل أَن يُقَال لَا ضَمَان لِأَنَّهُ لَا يضمن الْحر بِالْيَدِ وَالصَّبِيّ مُخْتَار وَلَكِن قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ يجب لِأَنَّهُ مُلْتَزم للْحِفْظ وَأما الْبَالِغ فَلَا يضمن فِي هَذِه الصُّورَة وَإِن خَاضَ مَعَه اعْتِمَادًا على يَده فَأَهْمَلَهُ احْتمل إِيجَاب الضَّمَان وَقَالَ الْعِرَاقِيُّونَ لَا يجب لِأَنَّهُ مقصر فِي الإغترار بقوله

فَإِن قيل إِذا كَانَ حفر الْبِئْر سَببا عِنْد الْعدوان فبماذا يكون الْعدوان عُدْوانًا قُلْنَا نذْكر مَحل الْعدوان من الْبِئْر وَإِيقَاد النَّار وإشراع الْجنَاح وإلقاء قشر الْبِطِّيخ وقمامة السُّوق ورش المَاء حَتَّى يعرف بِهِ مَا عداهُ أما الْبِئْر فَلَا عُهْدَة فِيهِ على من حفره فِي ملكه أَو فِي موَات فَإِن كَانَ فِي ملك الْغَيْر فَهُوَ عدوان وَإِن كَانَ فِي الشوارع نظر فَإِن أضرّ بالطارقين فَهُوَ عدوان وَإِن لم يضر فَإِن فعله لمصْلحَة الطَّرِيق وبإذن الْوَالِي وَأحكم رَأسه فَلَا ضَمَان على الْحَافِر وَإِن كَانَ بِغَيْر إِذن الْوَالِي فَقَوْلَانِ وَوجه الْإِيجَاب أَن الإستقلال للآحاد إِنَّمَا يُبَاح بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَإِن فعل لمصْلحَة نَفسه فَلهُ ذَلِك وَلَكِن بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَكَذَلِكَ إشراع القوابيل والأجنحة جَائِز إِذا لم يضر بالمجتازين وَلكنه بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة فَهُوَ فِي عهدته دواما وَابْتِدَاء وَلَيْسَ هَذَا كَمَا لَو حفر بِئْرا فِي دَاره فنسقط جِدَار دَار جَاره فَلَا ضَمَان لِأَن تصرفه فِي نفس الْملك لَو قيد بِشَرْط السَّلامَة لأورث حرجا على النَّاس فقيد بِالْعَادَةِ وَأسْقط عهدته وَأما الإرتفاق بالاجنحة فمستغنى عَنْهَا وَمهما حفر بِئْرا فِي أَرض جوارة وَلم يحكم أطرافها بالخشب أَو وسع رَأسهَا بِحَيْثُ خرج عَن الْعَادة فَهُوَ مطَالب بعهدته وَكَذَلِكَ لَو أوقد نَارا على السَّطْح فِي يَوْم ريح كَانَ فِي عُهْدَة الشرار وَإِن كَانَ على الْعَادة فعصفت ريح بَغْتَة فَلَا ضَمَان

فرعان أَحدهمَا لَو حفر بِئْرا فِي ملكه ودعا إِلَيْهِ إنْسَانا فِي ظلمَة فَسقط فِيهِ فَإِن لم يكن عَنهُ معدل فَفِي الضَّمَان قَولَانِ فَإِن اتَّسع الطّرق فَقَوْلَانِ مرتبان منشؤهما تعَارض الْغرُور والمباشرة وَكَذَا الْخلاف فِي تَقْدِيم طَعَام مَسْمُوم أَو أَطْعِمَة فِيهَا طَعَام مَسْمُوم الثَّانِي إِذا سقط ميزاب لإِنْسَان على رَأس إِنْسَان فَإِن كَانَ السَّاقِط هُوَ الْقدر البارز فَهُوَ كالجناح وَإِن سقط الْكل فَفِي وجوب الضَّمَان وَجْهَان وَجه الْإِسْقَاط كَونه من مرافق الْملك لَا كالجناح فَإِن قُلْنَا يجب فيقسط الضَّمَان على الْقدر البارز وَالْقدر الدَّاخِل فِي الْملك تنصيفا على أحد الْوَجْهَيْنِ وتقسيطا فِي الْوَجْه الثَّانِي على الْوَزْن بِخِلَاف مَا لَو ضربا بعمودين متفاوتين فِي الثّقل فَإِنَّهُمَا يتساويان فِي الدِّيَة لِأَن ذَلِك يخْتَلف بِقُوَّة الضَّارِب وَلَا يَنْضَبِط والجدار المائل إِلَى الشَّارِع كالقابول فَإِن مَال إِلَى ملكه وَسقط فَلَا ضَمَان وَإِن مَال إِلَى الشَّارِع وَسقط من غير إِمْكَان تدارك فَلَا ضَمَان فَإِن مَال أَولا وَأمكنهُ التَّدَارُك وَلم يفعل فَوَجْهَانِ لتعارض النّظر إِلَى أصل الْبناء وَمَا طَرَأَ من بعد فَأَما قشور الْبِطِّيخ وقمامات الْبيُوت فَفِي الْمَنْع من إلقائها على الشوارع عسر لِأَنَّهَا

من مرافق الْملك وتشبه الْمِيزَاب فَفِي ضَمَان المتعثر بهَا ثَلَاثَة أوجه يفرق فِي الثَّالِث بَين إِلْقَاء إِلَى وسط الطَّرِيق وَبَين الرَّد إِلَى الطّرف وَأما رش المَاء فَإِن كَانَ لتسكين الْغُبَار فَهُوَ لمصْلحَة عَامَّة فيضاهي حفر الْبِئْر لمصلحتهم فَإِن لم تكن مصلحَة فَهُوَ سَبَب ضَمَان فِي حق الْمَاشِي إِذا لم ير مَوضِع الرش فَإِن تخطاه قصدا فَلَا ضَمَان الطّرف الثَّالِث فِي تَرْجِيح سَبَب على سَبَب فَإِذا اجْتمع سببان مُخْتَلِفَانِ قدم الأول على الثَّانِي فَلَو حفر بِئْرا وَنصب آخر حجرا على طرف الْبِئْر أَو وضع قشرة بطيخ على طرفه فتعثر بِهِ إِنْسَان وَسقط فِي الْبِئْر فَالضَّمَان على صَاحب الْحجر لِأَن التردي نتيجته فَهِيَ الْعلَّة الأولى وَكَذَا لَو جرف السَّيْل حجرا وَتَركه على طرف الْبِئْر سقط الضَّمَان عَن الْحَافِر كَمَا لَو وَضعه آخر وَكَذَلِكَ لَو نصب سكينا وَنصب آخر أَمَامه حجرا فتعثر بِالْحجرِ وَوَقع على السكين وَكَذَا لَو حفر بِئْرا وَنصب آخر فِي قَعْر الْبِئْر سكينا وَنصب آخر أَمَامه حجرا فَالضَّمَان على الْحَافِر وَلَو حفر بِئْرا قريب العمق فعمقها غَيره وَهلك المتردي فِيهَا فَوَجْهَانِ أَحدهمَا الإحالة على الأول وَالثَّانِي أَنَّهُمَا يَشْتَرِكَانِ لتناسب الجنايتين فروع الأول لَو وضع حجرا فِي الطَّرِيق فتعثر بِهِ من لَا يرَاهُ ضمن وَلَو قعد على الطَّرِيق فتعثر بِهِ

غَيره وهلكا فالنص أَن ضَمَان الْقَاعِد مهدر وَضَمان الْمَاشِي على عَاقِلَة الْقَاعِد وَلَو تعثر ماش بواقف وَمَاتَا فالهلاك مُضَاف إِلَى الْمَاشِي بِالنَّصِّ وَقيل فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا أَن الإحالة على الْمَاشِي فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لانه المتحرك وَالثَّانِي على السَّاكِن لِأَن الطَّرِيق للمشي لَا للسكون وَمن قرر النَّص فرق بِأَن الْمَاشِي قد يفْتَقر إِلَى الْوُقُوف لَحْظَة فَأَما الْقعُود فَلَيْسَ من مرافق الطَّرِيق الثَّانِي إِذا تردى فِي بِئْر فِي مَحل عدوان فتردى وَرَاءه آخر فَسقط عَلَيْهِ وَمَاتَا فَالْأول مَاتَ بسببين الحفرة وَثقل الثَّانِي وَلَكِن يسْتَقرّ أَيْضا ضَمَانه على الْحَافِر لِأَن وُقُوع الثَّانِي كَانَ من الْحفر أَيْضا إِلَّا أَن لوَرَثَة الأول مُطَالبَة عَاقِلَة الثَّانِي بِنصْف الدِّيَة ثمَّ يرجع على عَاقِلَة الْحَافِر وَيحْتَمل أَن يُقَال الثَّانِي كالمكره فَلَا يتَعَلَّق بعاقلته شَيْء وَهَذَا يضاهي المتردد فِي أَن الْمُكْره على إِتْلَاف المَال هَل يُطَالب ثمَّ يرجع أم لَا يُطَالب أصلا الثَّالِث لَو انزلق على طرف الْبِئْر فَتعلق بآخر وجذبه وَتعلق ذَلِك الآخر بثالث وجذبه وَوَقع بَعضهم على بعض فَالْأول مَاتَ بِثَلَاثَة أَسبَاب بصدمة الْبِئْر وَثقل الثَّانِي وَثقل الثَّالِث وَهُوَ منتسب من جُمْلَتهَا إِلَى وَاحِد وَهُوَ ثقل الثَّانِي بجذبه إِيَّاه فَهدر ثلث الدِّيَة وثلثها على الْحَافِر وثلثها على الثَّانِي لجذبه الثَّالِث وَأما الثَّانِي فَهَلَك بجذبه الأول وَثقل الثَّالِث فَنصف دِيَته على الأول لِأَنَّهُ جذبه

وَنصفه مهدر لِأَن الثَّالِث سقط بجذبه وَأما الثَّالِث فَكل دِيَته على الثَّانِي فَلَو زَاد رَابِع فيجتمع لهلاك الأول أَرْبَعَة أَسبَاب فالمهدر ربع الدِّيَة وَلَا يخفى طَرِيقه هَذَا مَذْهَب عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه وَاخْتِيَار الْجُمْهُور وَفِيه وُجُوه أخر مزيفة ذَكرنَاهَا فِي الْبَسِيط الطّرف الرَّابِع فِي الْأَسْبَاب المتشابهة الَّتِي تثبت بهَا شركَة من غير تَرْجِيح وَلها صور الأولى إِذا اصطدم حران فِي الْمَشْي وَمَاتَا فَكل وَاحِد شريك فِي قتل نَفسه وَقتل صَاحبه فَفِي تَركه كل وَاحِد مِنْهُمَا كفارتان لِأَن الشَّرِيك فِي قتل نفسين يلْتَزم كفارتين لِأَنَّهَا لَا تتجزأ وَفِي تَرِكَة كل وَاحِد نصف دِيَة صَاحبه إِن كَانَ التصادم عمدا وَإِلَّا فعلى

الْعَاقِلَة فَإِن كَانَا راكبين فَفِي تَركه كل وَاحِد نصف قيمَة دَابَّة صَاحبه فَأَما حكم نفسيهما فَكَمَا سبق وَإِن غلبت الدَّابَّة راكبها فاصطدما قهرا فَقَوْلَانِ أَحدهمَا أَن هَلَاك النَّفس وَالدَّابَّة مهدر لحصوله بِفعل الدَّابَّة وَالثَّانِي أَنه مَنْسُوب إِلَى اختيارهما فِي الرّكُوب وهما مخطئان فَإِن كَانَا صبيين ركبا بأنفسهما فكالبالغين إِلَّا إِذا قُلْنَا لَا عمد للصَّبِيّ فيخالف الْبَالِغ فِيهِ فَإِن أركبهما أَجْنَبِي وَاحِد مُتَعَدِّيا فَعَلَيهِ كفارتان وَقِيمَة الدابتين وعَلى عَاقِلَته دِيَة النفسين وَإِن أركبهما أجنبيان فَنصف الْهَلَاك فِي الْكل مُضَاف إِلَى كل وَاحِد مِنْهُمَا فَإِن أركبه الْوَلِيّ عِنْد مَسِيس الْحَاجة من غير تَفْرِيط فَهُوَ كَمَا لَو ركب الصَّبِي بِنَفسِهِ وَلَا عُهْدَة على الْوَلِيّ وَإِن لم تكن حَاجَة وَلَكِن أركبه لغَرَض التفرج والزينة حَيْثُ يغلب الْأَمْن فَفِي إِحَالَة الضَّمَان على الْوَلِيّ ووجهان الْحِوَالَة أَن مثل ذَلِك يجوز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة وَلَو تعدى الْمركب وتعدى الصَّبِي فقد قيل الإحالة على الْمركب وَيحْتَمل الإحالة على الصَّبِي فَإِذا قُلْنَا لَهُ عمد إِذْ الْمُبَاشرَة أولى من السَّبَب لَكِن لما لم تكن مُبَاشَرَته عُدْوانًا لصباه أمكن أَن يَجْعَل كالمتردي مَعَ الْحفر فَإِن كَانَا عَبْدَيْنِ فهما مهدران وَإِن كَانَ أَحدهمَا عبدا فَنصف قيمَة العَبْد فِي تَرِكَة الْحر أَو على عَاقِلَته على قَول وَنصف دِيَة الْحر تتَعَلَّق بِتِلْكَ الْقيمَة لِأَنَّهُ كَانَ يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ لَو بَقِي فَيتَعَلَّق بِقِيمَتِه وَإِن كَانَتَا حاملين فَفِي تَرِكَة كل وَاحِدَة أَربع كَفَّارَات بِنَاء على أَن قَاتل نَفسه تلْزمهُ

الْكَفَّارَة وَأَن الشَّرِيك تلْزمهُ كَفَّارَة كَامِلَة وَأَن الْجَنِين فِيهِ كَفَّارَة وَفِي تَرِكَة كل وَاحِدَة نصف غرَّة جَنِينهَا وَنصف دِيَة صاحبتها وَنصف غرَّة جَنِين صاحبتها فَتجب غرتان كاملتان فِي التركتين ودية وَاحِدَة ويهدر النّصْف مِنْهُمَا لَا من الْجَنِين وَإِن كَانَتَا مستولدتين حاملتين وتساوت قيمتهمَا فقد تقاصا وَإِن كَانَت إِحْدَاهمَا تَسَاوِي مِائَتَيْنِ وَالْأُخْرَى مائَة فَصَاحب الْمِائَتَيْنِ يسْتَحق مائَة وَصَاحب الْمِائَة يسْتَحق خمسين فَبَقيَ لصَاحب النفيسة خَمْسُونَ على صَاحب الخسيسة لِأَن جِنَايَة الْمُسْتَوْلدَة تجب على السَّيِّد لانه بالإستيلاد السَّابِق صَار مَانِعا بِخِلَاف الْقِنّ وَكَانَ يحْتَمل هَا هُنَا أَن لَا تلْزمهُ لانه إِنَّمَا يكون مَانِعا إِذا بَقِي الْمحل حَيا قَابلا للتفويت وَقد كَانَ مَوته مَعَ الْجِنَايَة لَا بعْدهَا وَإِن كَانَتَا حاملتين وَالْقيمَة بِحَالِهَا وَقِيمَة كل غرَّة أَرْبَعُونَ فَصَاحب النفيسة يسْتَحق مائَة وَعشْرين من جملَة مِائَتَيْنِ وَأَرْبَعين وَلَكِن قيمَة الخسيسة مائَة وَهِي أقل من الْأَرْش فَلَا يجب على السَّيِّد إِلَّا أقل الْأَمريْنِ فَالْوَاجِب على صَاحب الخسيسة مائَة وَيسْتَحق صَاحب الخسيسة سبعين خَمْسُونَ لمستولدته وَعشر للغرة فَيبقى عَلَيْهِ ثَلَاثُونَ الصُّورَة الثَّانِيَة إِذا اصطدمت سفينتان بأجراء ملاحين فالسفينة كالدابة والملاح كالراكب وَغَلَبَة الرِّيَاح كغلبة الدَّابَّة حَتَّى يخرج على الْقَوْلَيْنِ ونزيد هَا هُنَا إِن كَانَ فِي كل سفينة عشرَة أنفس مثلا فهما شريكان فِي قتل الْعشْرين وَكَذَلِكَ فِي إِتْلَاف المَال الَّذِي فِي السَّفِينَة فَإِن هلك المَال وَتَنَازَعُوا فَقَالَ الملاح حصل بِغَلَبَة الرّيح وَقَالَ الْمَالِك بل بفعلكما فَالْقَوْل قَول الملاح إِذْ الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة

وَلَو ثقب الملاح السَّفِينَة وغرق أَهلهَا فقد يكون عمدا مَحْضا وَقد يكون شبه الْعمد وَقد يكون خطأ وَلَا يخفى حكمه فرع إِذا أشرفت السَّفِينَة على الْغَرق وَكَانَ النجَاة فِي إِلْقَاء الْأَمْتِعَة فَقَالَ من احْتَاجَ إِلَى النجَاة ألق متاعك وَأَنا ضَامِن فَيلْزمهُ الضَّمَان لمسيس الْحَاجة إِلَى الْفِدَاء كَمَا إِذا قَالَ طلق زَوجتك وَأَنا ضَامِن للمهر وَكَذَلِكَ إِن كَانَ الْحَاجة لغيره فَلهُ الإلتزام بِسَبَبِهِ بل عَلَيْهِ إِلْقَاء مَتَاعه لنَفسِهِ وَإِن كَانَت الْحَاجة عَامَّة للملتمس وَصَاحب الْمَتَاع فِيهِ وَجْهَان النَّص أَنه يجب ضَمَانه لِأَن الملتمس مُحْتَاج فحاجة الْمَالِك لَا تَمنعهُ من الْبَذْل وَالثَّانِي أَنه يسْقط بِحِصَّة الْمَالِك فَإِن كَانُوا عشرَة سقط الْعشْر اَوْ خَمْسَة فالخمس وَلَو قَالَ ألق متاعك وَلم يتَعَرَّض للضَّمَان فَفِيهِ وَجْهَان كَمَا إِذا قَالَ اقْضِ ديني وَلم يشْتَرط الرُّجُوع وَلَو قَالَ أَنا وركبان السَّفِينَة ضامنون كل وَاحِد وَاحِد على الْكَمَال فَيلْزمهُ وركبان السَّفِينَة لَا يلْزمهُم إِذا أنكروه وَلَو قَالَ أَنا وهم ضامنون كل بِحِصَّتِهِ فحصته تلْزمهُ وَالْبَاقِي يرجع إِلَيْهِم فَإِن قَالُوا رَضِينَا بِمَا قَالَ لَزِمَهُم وَإِن كُنَّا لَا نقُول بوقف الْعُقُود لِأَن هَذَا مَبْنِيّ على الْمُصَالحَة والتساهل وَلَو أطلق قَوْله أَنا وركبان السَّفِينَة ضامنون ثمَّ قَالَ أردْت التقسيط فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه حَتَّى لَا يلْزمه إِلَّا نصِيبه وَإِن قَالَ أَنا ضَامِن وركبان السَّفِينَة ضامنون ثمَّ فسر بالتقسيط فاختيار الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَنه يقبل مَعَ يَمِينه وَظَاهر النَّص أَنه لَا يقبل لِإِضَافَتِهِ الضَّمَان إِلَى نَفسه أَولا ثمَّ ذكره الركْبَان بعده

الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا رَجَعَ حجر المنجنيق على الرُّمَاة وَكَانُوا عشرَة فهلكوا فيهدر من دم كل وَاحِد عشره وَيتَعَلَّق تِسْعَة أعشار بعاقلة البَاقِينَ إِذْ مَا من وَاحِد إِلَّا وَهُوَ قتل نَفسه بمشاركة تِسْعَة وَإِن أصَاب غير الرامين فَالدِّيَة على عاقلتهم إِلَّا إِذا قصد شخصا بِعَيْنِه وقدروا على الْإِصَابَة غَالِبا فَإِن قصدُوا جمعا وَعَلمُوا أَنهم يصيبون وَاحِدًا وَلَكِن لَا بِعَيْنِه فَهُوَ خطأ فِي حق ذَلِك الْوَاحِد وَلِهَذَا قُلْنَا الْمُكْره إِذا قَالَ اقْتُل زيدا اَوْ عمرا فَقتل زيدا فَلَا قصاص على الْمُكْره لِأَنَّهُ مَا قصد زيدا بِعَيْنِه وَيجب على الْمُكْره لِأَنَّهُ ذُو خيرة فِي تَعْيِينه بِخِلَاف مَا إِذا قَالَ اقتلهما وَإِلَّا قتلتك فَإِن خيرته فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير لَا تُؤثر الصُّورَة الرَّابِعَة إِذا جرح الدَّافِع ثَلَاث جراحات أَولهَا عِنْد قَصده وَالثَّانيَِة بعد إعراضه وَالثَّالِثَة بعد عوده إِلَى الْقَصْد فالمتوسطة مَضْمُونَة والأخريان مهدران فَعَلَيهِ ثلث الدِّيَة وَلَو ضربه فِي الدّفع ضربتين وَبعد الْإِعْرَاض وَاحِدَة فَعَلَيهِ نصف الدِّيَة جمعا لما جرى فِي حَالَة الإهدار بِخِلَاف مَا إِذا توسطت حَالَة بَين حالتين وَلَو جرح مُرْتَدا وَأسلم فَعَاد الْجَارِح مَعَ ثَلَاثَة من الجناة فجرحوه قَالَ ابْن الْحداد الجناة أَرْبَعَة فعلى كل وَاحِد ربع الدِّيَة إِلَّا أَن الْجَانِي فِي الْحَالَتَيْنِ لزمَه الرّبع بجراحتين إِحْدَاهمَا مهدرة فَيَعُود نصِيبه إِلَى الثّمن وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب لَا بل توزع على الْجِرَاحَات لَا على الجارحين وَيُقَال الْجِرَاحَات خَمْسَة وَالْوَاحد مِنْهَا مهدر فَسقط الْخمس وَيبقى

على كل وَاحِد من الْأَرْبَعَة خمس الدِّيَة وَيدخل نُقْصَان الإهدار على الْكل وَلَو جنى أَرْبَعَة فِي الرِّدَّة ثمَّ عَاد مِنْهُم وَاحِد مَعَ ثَلَاثَة آخَرين وجنوا فِي الْإِسْلَام فعلى مَذْهَب ابْن الْحداد رَحمَه الله الجناة سَبْعَة فعلى كل من لم يجن فِي الْإِسْلَام سبع كَامِل وَمن جنى فِي الْحَالَتَيْنِ رَجَعَ سبعه إِلَى النّصْف وعَلى الْوَجْه الآخر يُقَال الْجِنَايَات ثَمَانِيَة أَرْبَعَة فِي الرِّدَّة مهدرة فَيبقى أَرْبَعَة أَثمَان الدِّيَة على الْأَرْبَعَة الَّذين جنوا فِي الْإِسْلَام ولنقس على هَذَا مَا إِذا جنى خطأ ثمَّ عَاد مَعَ غَيره وجنيا مَعًا عمدا وَلَكِن يكون التَّوْزِيع هَاهُنَا النَّقْل إِلَى الْعَاقِلَة فِي الْبَعْض كَمَا كَانَ ثمَّ للإهدار فرعان الأول جنى عبد على حر فجَاء إِنْسَان وَقطع يَد العَبْد ثمَّ قطع العَبْد بعده يَد حر وماتوا فتؤخذ قيمَة العَبْد من الْجَانِي عَلَيْهِ وَيخْتَص الْمَجْنِي عَلَيْهِ بِالْأَرْشِ بِقدر أرش الْيَد وَالْبَاقِي يكون مُشْتَركا بَينه وَبَين الْمَجْنِي عَلَيْهِ ثَانِيًا لِأَنَّهُ حَيْثُ قطع يَده لم يكن للثَّانِي حق ونعني بِالْأَرْشِ قيمَة النُّقْصَان على الْأَصَح إِذْ لَو أردنَا نصف الدِّيَة فَلَو فَرضنَا بدله قطع الْيَدَيْنِ لم يبْق للْمَجْنِيّ عَلَيْهِ ثَانِيًا شَيْء الثَّانِي إِذا تقَاتل رجلَانِ بسيفهما فأصبحا قَتِيلين فَادّعى ولي كل وَاحِد أَن صَاحبه كَانَ دافعا لَا قَاصِدا تحَالفا فَإِن نكل وَاحِد حصل الْغَرَض وَإِن حلفا تساقطا وَحكم كل شَخْصَيْنِ التقيا فِي بادية واستشعر كل وَاحِد من صَاحبه الْقَصْد أَنه إِن غلب على ظَنّه قَصده حل لَهُ الْبِدَايَة بِالدفع وَإِلَّا فَلَا فَإِن قَتله وَمَات الدَّافِع وَأقر وليه بِأَنَّهُ كَانَ مخطئا فِي ظَنّه أخذت الدِّيَة من التَّرِكَة

فَإِن قيل الْقَاتِل بِالسحرِ لم يذكروه قُلْنَا لَا يعرف ذَلِك إِلَّا بِإِقْرَار السَّاحر فَإِن قَالَ سحرِي يقتل غَالِبا فَهُوَ عمد يجب بِهِ الْقصاص وَإِن قَالَ قصدت الْإِصْلَاح فَهُوَ شبه عمد وَإِن قَالَ قصدت غَيره فَأَصَبْت اسْمه فَهُوَ خطأ مَحْض وَلَا يَنْبَغِي أَن يتعجب من هَذَا فَإِن السحر حق

الْقسم الثَّالِث فِي بَيَان من تجب عَلَيْهِ الدِّيَة وَهُوَ الْجَانِي إِن كَانَ عمدا والعاقلة إِن كَانَ خطأ أَو شبه عمد لما رُوِيَ أَن جاريتين اختصمتا فَضربت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى بعمود فسطاط فقتلتها وَمَا فِي بَطنهَا فَقضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالدِّيَةِ على الْعَاقِلَة وَفِي الْجَنِين بغرة عبد أَو أمة وَالنَّظَر فِي الْعَاقِلَة يتَعَلَّق بأركان الأول فِي تعيينهم وَالدية تضرب على ثَلَاث جِهَات الْعُصُوبَة وَالْوَلَاء وَبَيت المَال أما المحالفة والموالاة فَلَا توجب تحمل الْعقل خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله الْجِهَة الأولى الْقَرَابَة وَهُوَ كل عصبَة وَاقع على طرف النّسَب فَلَا تضرب على أَب الْجَانِي وَابْنه كَمَا لَا تضرب على نَفسه وَقد ورد فِي الحَدِيث وَكَانَ الْعصبَة أَحَق بِهِ وَاخْتلفُوا فِي ثَلَاثَة أُمُور أَحدهَا أَن ابْنهَا لَو كَانَ ابْن ابْن عَمها أَو مُعْتقه فَهَل تضرب عَلَيْهِ فِيهِ وَجْهَان

أَحدهمَا لَا لِأَن الْبُنُوَّة مَانِعَة وَالثَّانِي تضرب لِأَنَّهَا لَيست مَانِعَة وَلَا مُوجبَة كَمَا فِي ولَايَة النِّكَاح فتجعل كَالْعدمِ الثَّانِي أَن الْأَخ للْأَب وَالأُم هَل يقدم على الْأَخ للْأَب فِيهِ قَولَانِ كَمَا فِي ولَايَة النِّكَاح الثَّالِث أَن التَّرْتِيب يرْعَى وَلَا يرقى إِلَى الْأَعْمَام مَا لم يفصل عَن الْإِخْوَة ويرعى من لم يثبت لَهُ الْمِيرَاث وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يسوى بَينهم الْجِهَة الثَّانِيَة الْوَلَاء فَإِذا لم نصادف عصبَة ضربنا على مُعتق الْجَانِي فَإِن لم يكن فعصباته ثمَّ مُعتق الْمُعْتق ثمَّ عصباته ثمَّ مُعتق أَب أَب الْمُعْتق ثمَّ عصباته ثمَّ مُعتق جد الْمُعْتق ثمَّ عصباته على هَذَا التَّرْتِيب كَمَا فِي الْمِيرَاث وَهل يدْخل ابْن الْمُعْتق وَأَبوهُ وَمن على عَمُود نسبه فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا فِي النّسَب وَلما رُوِيَ أَن مولى صَفِيَّة بنت عبد المطلب رَضِي الله عَنْهَا جنى فَقضى عمر رَضِي الله عَنهُ بِأَرْش الْجِنَايَة على عَليّ رَضِي الله عَنهُ ابْن عَمها وَقضى بِالْمِيرَاثِ لابنها الزبير رَضِي الله عَنهُ وَالثَّانِي أَنه يضْرب لِأَن الْمُعْتق عَاقِلَة فَيضْرب على ابْنه كَمَا يضْرب على ابْن الْأَخ بِخِلَاف الْجَانِي نَفسه فروع الأول الْمَرْأَة إِذا أعتقت فَلَا تضرب عَلَيْهَا بل يحمل عَنْهَا جِنَايَة عتقهَا من يحمل جنايتها من عصباتها كَمَا يُزَوّج عتيقها من يُزَوّجهَا الثَّانِي لَو أعتق جمَاعَة عبدا فهم كشخص وَاحِد لَا يلْزم جَمِيعهم أَكثر من حِصَّة وَاحِدَة وَهُوَ نصف دِينَار فَإِن كَانُوا ثَلَاثَة فحصة كل وَاحِد السُّدس فَلَو مَاتَ وَاحِد وَله

إخْوَة فَلَا يجب على كل وَاحِد من إخْوَته أَكثر من السُّدس إِذْ غَايَته أَن يكون وَحده نازلا منزله مُوَرِثه لَو كَانَ حَيا الثَّالِث إِذا فضل من الْمُعْتق نصيب فَلَا يترقى إِلَى عصباته فِي حَيَاته لِأَن تحملهم بِالْوَلَاءِ وَلَيْسَ لَهُم وَلَاء فِي حَيَاة الْمُعْتق بِخِلَاف مَا إِذا مَاتَ وَله إخْوَة وأعمام ففضل من إخْوَته شَيْء فَيُطَالب الْأَعْمَام كَمَا فِي النّسَب لِأَن الْوَلَاء يُورث بِهِ فَهُوَ لحْمَة كلحمة النّسَب وَلَكِن يكون كَذَلِك بعد موت الْمُعْتق وَلَا يَخْلُو الْفرق بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ عَن احْتِمَال الرَّابِع الْعَتِيق هَل يتَحَمَّل الْعقل عَن مُعْتقه وَفِيه قَولَانِ أَحدهمَا نعم لِأَن الْمِنَّة عَلَيْهِ أعظم فَهُوَ بالنصرة أَجْدَر وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ لَا يَرث بِخِلَاف الْمُعْتق فَإِن قُلْنَا يتَحَمَّل فَلَو اجْتمع الْمولى الْأَعْلَى والأسفل فَلَعَلَّ تَقْدِيم الْأَعْلَى أولى الْخَامِس المستولد من عَتيق وعتيقة يثبت الْوَلَاء عَلَيْهِ لموَالِي الْأَب تَرْجِيحا لجَانب الْأُبُوَّة فَلَو تولد من عتيقة ورقيق فَالْولَاء لموَالِي الْأُم لانسداد جِهَة الْأَب إِذْ لَا وَلَاء عَلَيْهِ بعد فَلَو أعتق الْأَب انجر الْوَلَاء إِلَى موَالِي الْأَب وَسقط وَلَاء موَالِي الْأُم فَلَو جنى هَذَا الْوَلَد قبل جر الْوَلَاء فالعقل على موَالِي الْأُم أَعنِي إِذا مَاتَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ قبل الْجَرّ فَإِن مَاتَ بعده فَقدر أرش الْجِنَايَة على موَالِي الْأُم مَعَ السَّرَايَة إِلَى وَقت الْجَرّ وَمَا حصل بعد الْجَرّ فعلى الْجَانِي فَإِنَّهُ كَيفَ تضرب على موَالِي الْأَب وَهُوَ نتيجة جِنَايَة قبل الْجَرّ وَكَيف تضرب على موَالِي الْأُم مَعَ السَّرَايَة وَإِنَّمَا حصل بعد الْجَرّ وَكَيف تضرب على بَيت المَال وَفِي الْحَالَتَيْنِ قد وجد من هُوَ

أولى مِنْهُ وَبِالْجُمْلَةِ الضَّرْب على الْعَاقِلَة بِخِلَاف الْقيَاس فَتسقط بِالشُّبْهَةِ كَالْقصاصِ وَلَو قيل تضرب على بَيت المَال لم يكن بَعيدا فَلَو قطع الْيَدَيْنِ قبل الْجَرّ أَو قطع الْيَدَيْنِ وَالرّجلَيْنِ ثمَّ مَاتَ بعد الْجَرّ فعلى موَالِي الْأُم دِيَة كَامِلَة وَلَا يُبَالِي بقَوْلهمْ إِن هَذِه دِيَة نفس ذهبت بعد الْجَرّ لِأَن الْمَقْصُود أَن لَا نزيد عَلَيْهِم لما بعد الْجَرّ شَيْئا وَمِقْدَار الدِّيَة كَانَ لَازِما قبل الْجَرّ وَلم يرد بعده شَيْء الْجِهَة الثَّالِثَة بَيت مَال الْمُسلمين فَإِنَّهُ مصب الْمَوَارِيث فَإِذا لم نجد من عصبات النّسَب وَالْوَلَاء محلا أَو فضل مِنْهُم ضربنا على بَيت المَال إِلَّا إِذا كَانَ الْجَانِي ذِمِّيا فَإِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء رَجعْنَا إِلَى الْجَانِي وضربنا عَلَيْهِ هَذَا حكم الْجِهَات أما الصِّفَات يشْتَرط فِيمَن تضرب عَلَيْهِ التَّكْلِيف والذكورة والموافقة فِي الدّين واليسار وَلَا تضرب على مَجْنُون وَصبي وَامْرَأَة وَإِن كَانَت مُعتقة لأَنهم لَيْسُوا أهل النُّصْرَة بِالسَّيْفِ وَفِي الزَّمن الْمُوسر وَجْهَان لِأَنَّهُ بِحكم عجز الْحَال يضاهي النِّسَاء ونعني بموافقة الدّين أَنه لَا يتَحَمَّل مُسلم عَن كَافِر وَلَا كَافِر عَن مُسلم وَهل يتَحَمَّل الْيَهُودِيّ عَن النَّصْرَانِي فعلى قَوْلَيْنِ منشؤهما أَن التَّوَارُث مَوْجُود والتناسل مَعْدُوم وتضرب جِنَايَة الذِّمِّيّ على عَاقِلَته الذميين دون أهل الْحَرْب فَإِنَّهُم كالمعدومين وتضرب على المعاهدين فَإِن زَادَت عهودهم على أجل الدِّيَة فَإِن بَقِي سنة أَخذنَا حِصَّة تِلْكَ

السّنة فَإِن لم نجد أَوجَبْنَا على الْجَانِي دون بَيت المَال لِأَن بَيت المَال لَا يَرِثهُ وَيَرِث الْمُسلم نعم الذِّمِّيّ إِذا مَاتَ فَمَاله من الْخمس وَأما الْيَسَار فَشرط وَلَا تضرب على فَقير وَإِن كَانَ معتملا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُكَلف المعتمل الْكسْب ثمَّ على الْغَنِيّ نصف دِينَار وَلَا يُزَاد عَلَيْهِ وَهُوَ أول دَرَجَة الْمُوَاسَاة فِي الزَّكَاة وعَلى الْمُتَوَسّط نصف ذَلِك وَهُوَ ربع دِينَار ونعني بالغني من ملك عشْرين دِينَارا عِنْد آخر السّنة الَّتِي هِيَ أصل الدِّيَة وَليكن ذَلِك فَاضلا عَن مَسْكَنه وثيابه وكل مَا لَا يحْسب فِي الْغنى فِي الْكَفَّارَات الْمرتبَة والمتوسط من جَاوز حد الْفَقِير وَهُوَ الَّذِي ملك شَيْئا فَاضلا عَن حَاجته نَاقِصا عَن عشْرين دِينَار وَليكن ذَلِك أَكثر من ربع دِينَار حَتَّى لَا يردهُ أَخذه مِنْهُ إِلَى حد الْفقر وَإِنَّمَا يعْتَبر الْيَسَار آخر السّنة فَلَو طَرَأَ الْيَسَار بعْدهَا أَو كَانَ قبلهَا فَلَا الْتِفَات إِلَيْهِ

الرُّكْن الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الضَّرْب على الْعَاقِلَة وَالنَّظَر فِي الْقدر وَالتَّرْتِيب وَالْأَجَل أما الْقدر فَلَا يُزَاد على النّصْف وَالرّبع فِي حق الْغَنِيّ والمتوسط وَلكنه حِصَّة سنة وَاحِدَة أَو حِصَّة للسنين الثَّلَاث فِيهِ وَجْهَان وكل مَا قل وَكثر مَضْرُوب على الْعَاقِلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله مَا دون أرش الْمُوَضّحَة لَا يعقل وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه لَا يحمل مَا دون ثلث الدِّيَة وَقَول أَنه لَا يحمل إِلَّا بدل النَّفس وهما مهجوران فَإِن كَانَ أرش الْجِنَايَة نصف دِينَار والعاقلة مائَة مثلا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا أَن القَاضِي يعين وَاحِدًا بِرَأْيهِ إِذْ توزيعه يُؤَدِّي إِلَى مُطَالبَة كل وَاحِد بِمَا لَا يتمول وَالثَّانِي أَنه يوزع عَلَيْهِم وَعَلَيْهِم تَحْصِيل نصف دِينَار مُشْتَركا بَينهم وَإِن كثر الْوَاجِب وَقلت الْعَاقِلَة بدأنا بالإخوة فَإِن فضل مِنْهُم شَيْء بعد أَدَاء كل وَاحِد مِنْهُم النّصْف أَو الرّبع ترقينا إِلَى بني الْإِخْوَة ثمَّ إِلَى الْأَعْمَام على التَّرْتِيب فَإِن فضل عَن الْعَصَبَات طالبنا الْمُعْتق فَإِن فضل عَنهُ شَيْء لم يضْرب على عصباته فِي جِنَايَة إِذْ لَا وَلَاء لَهُم وَفِي مَوته يسْلك بعصباته مَسْلَك عصبات الْجَانِي فَإِن لم نجد من جِهَة الْوَلَاء والقرابة أَخذنَا الْبَقِيَّة آخر السّنة من بَيت المَال ونفعل كَذَلِك بِحِصَّة السّنة الثَّانِيَة وَلَا يبعد أَن يتَحَمَّل فِي السّنة الثَّانِيَة من لم يتَحَمَّل فِي السّنة الأولى لعذر صغر أَو فقر

ثمَّ إِن لم يكن فِي بَيت المَال شَيْء فَفِي الرُّجُوع إِلَى الْجَانِي وَجْهَان ينبنيان على أَن الْوُجُوب يلاقيه أم لَا وَقيل إِنَّه يَنْبَنِي على أَنه إِن ظهر يسَار لبيت المَال بعد الْمدَّة فَهَل يُؤْخَذ مِنْهُ وَهَذَا الْبناء أولى فَإنَّا لَو قُلْنَا لَا يتَعَلَّق بِبَيْت المَال وَلَا يرجع إِلَى الْجَانِي كَانَ ذَلِك تعطيلا وَقطع القَاضِي بِأَنَّهُ لَا يضْرب على الْجَانِي وَذكر فِي فطْرَة الزَّوْجَة الموسرة عِنْد إعسار الزَّوْج وَجْهَيْن وَالْفرق عسير وَالْوَجْه التَّسْوِيَة فِي الْوُجُوب عِنْد الْعَجز عَن التَّحَمُّل كَيفَ وَقد قطع الْأَصْحَاب بِالرُّجُوعِ إِلَى الْجَانِي فِي مَسْأَلَتَيْنِ إِحْدَاهمَا الذِّمِّيّ إِذا لم يكن لَهُ عَاقِلَة وَالثَّانيَِة إِذا أقرّ الْجَانِي بالْخَطَأ وَأنكر الْعَاقِلَة ولَايَته طُولِبَ الْجَانِي وَالْفرق عسير وَغَايَة الْمُمكن توقع يسَار بَيت المَال فِي حق الْمُسلم الَّذِي تثبت عَلَيْهِ الْجِنَايَة بِالْبَيِّنَةِ بِخِلَاف مَا إِذا أنكر الْعَاقِلَة فَإِن إقرارهم بعيد وَالذِّمِّيّ لَا يتَوَقَّع لَهُ متحمل إِذْ لَا تتَعَلَّق جِنَايَته بِبَيْت المَال فرع لَو اعْترف الْعَاقِلَة بعد أَدَاء الْجَانِي فَإِن قُلْنَا الْوُجُوب يلاقيه رَجَعَ على الْعَاقِلَة وَإِن قُلْنَا لَا يلاقيه اسْتردَّ مَا أَدَّاهُ وطالب الْمَجْنِي عَلَيْهِ الْعَاقِلَة أما الْأَجَل فمائة من الْإِبِل إِذا وَجَبت فِي النَّفس مَضْرُوبَة فِي ثَلَاث سِنِين وفَاقا يُؤْخَذ فِي آخر كل سنة ثلثهَا فَمنهمْ من قَالَ علته أَنه بدل النَّفس حَتَّى زَاد عَلَيْهِ فِي عبد قِيمَته مِائَتَان من الْإِبِل وَقُلْنَا تحمل اَوْ نقص فِي عبد خسيس أَو غرَّة جَنِين فَتضْرب أَيْضا فِي ثَلَاث سِنِين وَمِنْهُم من قَالَ علته الْقدر فقيمة العَبْد إِذا كَانَ مِائَتَيْنِ من الْإِبِل

تضرب فِي ثَلَاث سِنِين ودية الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ فِي سنة وَاحِدَة ودية الْمَرْأَة فِي سنتَيْن ودية الْمَجُوسِيّ وغرة الْجَنِين فِي سنة وَاحِدَة لِأَن السّنة لَا تتجزأ فروع الأول لَو قتل وَاحِد ثَلَاثَة وَاجْتمعَ على عَاقِلَته ثَلَاثمِائَة من الْإِبِل فَمنهمْ من قَالَ إِن نَظرنَا إِلَى الْقدر فَتضْرب هُنَا فِي تسع سِنِين وَإِن نَظرنَا إِلَى النَّفس فَوَجْهَانِ إِذْ لَا يبعد أَن تزيد النُّفُوس المتعددة على نفس وَاحِدَة وَمِنْهُم من عكس وَقَالَ إِن نَظرنَا إِلَى النَّفس فَفِي ثَلَاث سِنِين وَإِن نَظرنَا إِلَى الْقدر فَوَجْهَانِ وَوجه الإقتصار أَن كل دِيَة متميزة عَن غَيرهَا وآجال الدُّيُون الْمُخْتَلفَة تتساوى وَلَا تتعاقب فَإِن ضربنا فِي تسع سِنِين فَإِذا تمت السّنة الأولى أَخذ ثلث دِيَة وَاحِدَة ووزع على أَوْلِيَاء الْقَتْلَى وَكَذَا آخر كل سنة فَإِن اخْتلف ابْتِدَاء التواريخ فَإِذا تمّ حول الأول أَخذ ثلث الدِّيَة وَسلم إِلَى ولي الْقَتِيل الأول فَإِذا ثمَّ حول الثَّانِي ثمَّ حول الثَّالِث فَكَذَلِك يفعل فَيتم ثلث دِيَة وَاحِدَة فِي ثَلَاثَة أَوْقَات وَهَكَذَا نَفْعل فِي تسع سِنِين الثَّانِي ثَلَاثَة قتلوا وَاحِدًا فَالصَّحِيح أَن الدِّيَة تضرب على العواقل على كل عَاقِلَة ثلثهَا ويؤدى ذَلِك الثُّلُث فِي ثَلَاث سِنِين وَكَأَنَّهُم عَاقِلَة وَاحِدَة لِأَن الْمُسْتَحق وَاحِد وَقيل تضرب فِي سنة نظرا إِلَى الْمُسْتَحق عَلَيْهِ الثَّالِث دِيَة إِحْدَى يَدي الْمُسلم تضرب فِي سنتَيْن إِذْ لم يكمل الْقدر وَلَا هُوَ بدل النَّفس ودية الْيَدَيْنِ كدية النَّفس من كل إِنْسَان ودية يَدي الْمَرْأَة كنفسها وَلَو قطع يَدي رجل وَرجلَيْهِ فَوَجْهَانِ

أَحدهمَا أَنه تضرب فِي سِتّ سِنِين وَهُوَ نظر إِلَى الْقدر وَمن نظر إِلَى النَّفس شبه هَذَا بنفسين وَقد ذكرنَا فِيهِ وَجْهَيْن وَفِي الْأَطْرَاف وَجه أَن بدلهَا كَيْفَمَا كَانَ تضرب فِي سنة وَاحِدَة وَهُوَ بعيد الرَّابِع من مَاتَ فِي أثْنَاء السّنة أَو أعْسر فِي آخر السّنة فَكَأَنَّهُ لم يكن وَلَا يلْزمه شَيْء من حِصَّة تِلْكَ السّنة تَشْبِيها لَهُ بِتَلف نِصَاب الزَّكَاة فِي أثْنَاء الْحول وَالذِّمِّيّ إِذا مَاتَ فِي أثْنَاء الْحول فَفِي حِصَّته من الْجِزْيَة وَجْهَان لِأَن فِيهِ مشابه الْأُجْرَة الْخَامِس غيبَة بعض الْعَصَبَات فِي آخر الْحول هَل يكون كعدمهم فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا نعم إِذْ يعسر تَحْصِيلهَا مِنْهُم فَتضْرب على البَاقِينَ وعَلى هَذَا تعْتَبر غيبَة لَا يُمكن تَحْصِيل المَال بالمكاتبة إِلَى القَاضِي فِي مُدَّة سنة وَالثَّانِي أَنه تضرب عَلَيْهِ وَتحصل على حسب الْإِمْكَان وَهُوَ الْقيَاس السَّادِس أول الْحول يحْسب من وَقت الرّفْع إِلَى القَاضِي سَوَاء شعر بِهِ الْعَاقِلَة أَو لم تشعر وَلم يحْسب من وَقت الْجِنَايَة لِأَن هَذِه مُدَّة تناط بالإجتهاد وَلَو رفعت جِنَايَة إِلَى القَاضِي ثمَّ تولد سرَايَة بعد الرّفْع فأرش السَّرَايَة وَلَا يحْسب من وَقت الْجِنَايَة بل من وَقت السَّرَايَة

السَّابِع إِذا جنى العَبْد فأرشه يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق بسيده وَلَا بعاقلته وَهل يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ حَتَّى يُطَالب بعد الْعتْق فِيهِ قَولَانِ والأقيس أَن يتَعَلَّق بِهِ ثمَّ هَل يَصح ضَمَانه فِيهِ وَجْهَان منشؤهما ضعف هَذَا التَّعَلُّق وَالأَصَح صِحَّته كَمَا فِي الْمُعسر وَمعنى التَّعَلُّق بِرَقَبَتِهِ أَن يُبَاع وَيصرف ثمنه إِلَى الْجِنَايَة فَلَو منع السَّيِّد وَاخْتَارَ الْفِدَاء فَلهُ ذَلِك وَفِي الْوَاجِب عَلَيْهِ قَولَانِ أَحدهمَا أقل الْأَمريْنِ من الْأَرْش أَو قيمَة العَبْد لِأَنَّهُ لم يمْنَع إِلَّا من العَبْد وَالثَّانِي يلْزمه كَمَال الْأَرْش لِأَن الْمَجْنِي عَلَيْهِ رُبمَا يَقُول رُبمَا أجد زبونا يَشْتَرِي بِالزِّيَادَةِ فعلى هَذَا لَو قَتله السَّيِّد أَو أعْتقهُ اقْتصر مِنْهُ على الْقيمَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ كَمَا لَو قَتله الْأَجْنَبِيّ إِذْ فَاتَ الطمع فِي الزبون وَقيل يلْزمه كَمَال الْأَرْش كَمَا إِذا أمْسكهُ وَإِن جنت الْمُسْتَوْلدَة فالسيد يمانع بالاستيلاد السَّابِق فَعَلَيهِ أقل الْأَمريْنِ إِذْ لَا طمع فِي زبون يَشْتَرِي وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فَلَو جنت الْمُسْتَوْلدَة مرَارًا وَلم يَتَخَلَّل الْفِدَاء فَهِيَ كجناية وَاحِدَة فتجمع وَيلْزم السَّيِّد أقل الْأَمريْنِ وَإِن تخَلّل الْفِدَاء فَهَذَا فِي الْقِنّ يَقْتَضِي فدَاء جَدِيدا لِأَنَّهُ مَانع بِمَنْع جَدِيد وَفِي الْمُسْتَوْلدَة قَولَانِ لِأَن الْمَنْع مُتحد فَإِن قُلْنَا لَا يتَكَرَّر الْفِدَاء فيسترد مَا سلم إِلَى الأول ويوزع

عَلَيْهِمَا وَلَا يستبعد هَذَا كَمَا لَو حفر بِئْرا فتردى فِيهِ إِنْسَان فصرفت تركته إِلَى ضَمَانه فتردى فِيهِ إِنْسَان آخر فَإِنَّهُ يسْتَردّ ويوزع فرع لَو قَالَ السَّيِّد اخْتَرْت فدَاء العَبْد فَهَل يلْزمه أم يبْقى على حُرِّيَّته فِيهِ وَجْهَان وَلَو وطىء الْجَارِيَة الجانية هَل يكون اخْتِيَار للْفِدَاء كَالْوَطْءِ فِي زمَان الْخِيَار فِيهِ وَجْهَان وَالأَصَح أَنه يبْقى على خيرته مَا لم يرد الْفِدَاء وَأَن الوطأ لَا يكون اخْتِيَارا

الْقسم الرَّابِع من الْكتاب فِي دِيَة الْجَنِين وَقد قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بغرة عبد أَو أمة على الْعَاقِلَة فَقَالُوا كَيفَ نفدي من لَا شرب وَلَا أكل وَلَا صَاح وَلَا اسْتهلّ وَمثل ذَلِك يطلّ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام أسجعا كسجع الْجَاهِلِيَّة وَقضى بالغرة وَالنَّظَر فِيهِ فِي ثَلَاثَة أَطْرَاف الْمُوجب والموجب فِيهِ وَالْوَاجِب الطّرف الأول فِي مُوجب الْغرَّة وَهِي جِنَايَة توجب انْفِصَال الْجَنِين مَيتا فَإِن انْفَصل حَيا ثمَّ مَاتَ من أثر الْجِنَايَة وَجب دِيَة كَامِلَة سَوَاء كَانَت الْحَيَاة مُسْتَقِرَّة أَو كَانَ حَرَكَة الْمَذْبُوح سَوَاء كَانَ قبل سِتَّة أشهر وَلَا تدوم تِلْكَ الْحَيَاة أَو بعده لِأَن الْحَيَاة صَارَت مستيقنة بل نزيد فَنَقُول من حز رَقَبَة مثل هَذَا الْجَنِين وَهُوَ فِي حَرَكَة المذبوحين أَو أجهض لدوّنَ سِتَّة أشهر فَعَلَيهِ الْقصاص إِلَّا إِذا كَانَ ذَلِك من أثر جِنَايَة سَابِقَة وَهُوَ كفرقنا بَين الْمَرِيض المشرف على الْهَلَاك وَبَين قتل من أشرف على الْهَلَاك بِجِنَايَة وَمهما صَار إِلَى حَرَكَة المذبوحين بِجِنَايَة فحز غير الْجَانِي رقبته فَالدِّيَة على الْجَانِي وَقَالَ

الْمُزنِيّ رَحمَه الله لَا تتمّ الدِّيَة فِي جَنِين انْفَصل قبل سِتَّة أشهر وَلَا يجب فِيهِ الْقصاص لِأَنَّهُ منع للحياة لَا قطع لَهَا فَإِن هَذِه الْحَيَاة لَا يتَوَهَّم استقرارها وَلَو مَاتَت الْأُم وَلم ينْفَصل الْجَنِين فَلَا غرَّة إِذْ لَا تتيقن حَيَاة الْجَنِين وَلَا وجوده وَلَو انْفَصل مَيتا وَهِي حَيَّة أَو ميتَة وَجب الْغرَّة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يُحَال مَوته على موت الْأُم وَعِنْدنَا يُحَال كِلَاهُمَا على الْجِنَايَة ثمَّ اخْتلفُوا فِي أَن الْمُعْتَبر انكشاف الْجَنِين أَو انْفِصَاله حَتَّى لَو خرج رَأسه وَمَاتَتْ الْأُم كَذَلِك فَفِي وجوب الْغرَّة وَجْهَان أَحدهمَا تجب إِذْ تحقق وجوده بالإنكشاف وَالثَّانِي لَا إِذْ لم ينْفَصل وَكَذَا لَو قدت الْمَرْأَة بنصفين وشاهدنا الْجَنِين فِي بَطنهَا فَهُوَ على هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وعَلى هَذَا لَو خرج رَأسه وَصَاح فحزت رقبته فَفِي وجوب الْقصاص وَجْهَان بِنَاء على أَن هَذَا الإنفصال هَل يعْتد بِهِ وَلَو أَلْقَت يدا وَاحِدَة وَمَاتَتْ وَلم تلق شَيْئا آخر وَجَبت الْغرَّة إِذْ تَيَقنا وجود الْجَنِين بانفصال الْعُضْو وَلَو أَلْقَت رَأْسَيْنِ أَو أَرْبَعَة أيد لم نزد على غرَّة وَاحِدَة لاحْتِمَال أَن يكون الْجَنِين وَاحِدًا وَلَو أَلْقَت بدنين فغرتان وَقد أخبر الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ بِامْرَأَة لَهَا رأسان فنكحها بِمِائَة دِينَار وَنظر إِلَيْهَا وَطَلقهَا وَلَو أَلْقَت يدا ثمَّ أَلْقَت

جَنِينا مَيتا سليم الْيَدَيْنِ لم نزد على غرَّة لاحْتِمَال انها كَانَت زَائِدَة فَسَقَطت وانمحى أَثَرهَا وَلَو انْفَصل جَنِين حَيا سَاقِط الْيَدَيْنِ وَجَبت دِيَة تَامَّة وَإِن كَانَ صَحِيح الْيَدَيْنِ وَأَلْقَتْ مَعَه يدا وَجَبت حُكُومَة لتِلْك الْيَد فَإِن قيل فَلَو تنَازع الْمَرْأَة والجاني قُلْنَا إِن تنَازعا فِي أصل الْجِنَايَة أَو الإجهاض فَالْقَوْل قَوْله وَلَا يثبت الإجهاض إِلَّا بِشَهَادَة القوابل وَإِن اعْترف بهَا وَلَكِن قَالَ لم يكن الإجهاض بِالْجِنَايَةِ فَإِن كَانَت متألمة ذَات فرش إِلَى الإجهاض فَالْقَوْل قَوْلهَا وَإِلَّا فَهُوَ نزاع فِي سرَايَة الْجراحَة وَلَو سلم جَمِيع ذَلِك وَلَكِن قَالَت الْمَرْأَة انْفَصل حَيا ثمَّ مَاتَ فَعَلَيْك كَمَال الدِّيَة وَقَالَ الْجَانِي بل انْفَصل مَيتا فعلي غرَّة فَالْقَوْل قَوْله وَعَلَيْهَا إِثْبَات الْحَيَاة وَتثبت بِشَهَادَة النسْوَة وَإِن لم تدم الْحَيَاة لِأَن شَهَادَة الرِّجَال لَا تمكن وَلَو سلم الإنفصال حَيا بِالْجِنَايَةِ وَلَكِن قَالَ مَاتَ بِسَبَب آخر أَو مَاتَ بالطلق فَإِن لم يكن على الْجَنِين أثر الْحَيَاة القو قَوْله إِذْ الطلق سَبَب ظَاهر وَإِن كَانَ عَلَيْهِ أثر الْحَيَاة فَالْقَوْل قَوْلهَا الطّرف الثَّانِي فِي الْمُوجب فِيهِ وَهُوَ الْجَنِين ونعني بِهِ مَا بَدَأَ فِيهِ التخطيط والتخليق وَلَو فِي طرف من الْأَطْرَاف على وَجه تُدْرِكهُ القوابل وَإِن لم يُدْرِكهُ غَيْرهنَّ فَإِن أسقط قبل التخطيط مُضْغَة أَو علقَة لم يلْزمه بِهِ شَيْء على الْأَصَح هَذَا فِي أصل الْجَنِين

أما صفته فَإِن كَانَ حرا مُسلما فَفِيهِ غرَّة إِذْ فِيهِ ورد الْخَبَر وَإِن كَانَ كَافِرًا فَثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنه لَا يجب شَيْء إِذْ فِي إِيجَابه تَسْوِيَة بَينه وَبَين الْمُسلم والتجزئة غير مُمكن لِأَن قيمَة الْغرَّة غير مقدرَة وَالثَّانِي أَنه يجب ثلث الْغرَّة وَفِي الْجَنِين الْمَجُوسِيّ ثلث خمس الْغرَّة وَهَؤُلَاء يَقُولُونَ ولتكن قيمَة الْغرَّة مَا تَسَاوِي خمْسا من الْإِبِل أَو خمسين دِينَار وَالثَّالِث أَنه تجب الْغرَّة وَلَا نبالي بالتسوية

فرعان على قَوْلنَا بالتفاوت أَحدهمَا الْمُتَوَلد من نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا أَنا نَأْخُذ بأخف الديتين وَالْآخر أَنا نَأْخُذ بالأغلظ وَالثَّالِث أَنا نعتبر جَانب الْأَب الْفَرْع الثَّانِي أَن المرعي حَالَة الإنفصال فِي الْمِقْدَار فَلَو جنى على ذِمِّيَّة فَأسْلمت وأجهضت فَالْوَاجِب غرَّة كَامِلَة وَكَذَلِكَ فِي طرآن الْعتْق وَلَو جنى على بطن حربية فَأسْلمت وأجهضت فَفِي أصل ضَمَان الْجَنِين وَجْهَان يضاهي الْوَجْهَيْنِ فِيمَا إِذا رمى إِلَى حَرْبِيّ فَأسلم قبل الْإِصَابَة وَكَأن وُصُول الْجِنَايَة إِلَى الْجَنِين بالانفصال أما الْجَنِين الرَّقِيق فَلَا يكون إِلَّا فِي بطن الرقيقة وَفِيه إِذا سقط مَيتا بِالْجِنَايَةِ عشر قيمَة الْأُم فَإِن بدل الْغرَّة خمس من الْإِبِل وَهِي عشر الْخمسين الَّتِي هِيَ دِيَة الْأُم وجراح الرَّقِيق من قِيمَته كجراح الْحر من دِيَته وَهَذَا قد يُفْضِي إِلَى تَفْضِيل الْمَيِّت على الْحَيّ إِذْ لَو أسقط حَيا ثمَّ مَاتَ رُبمَا لم يلْزم إِلَّا دِينَار وَهُوَ قِيمَته وَإِذا سقط مَيتا فعشر قيمَة الْأُم وَرُبمَا كَانَ مائَة لَكِن سلك فِي هَذَا الِاعْتِبَار بِهِ مَسْلَك الْأَعْضَاء فَلَا يُقَاس بِحَال الإستقلال وَمَعَ هَذَا فَالْوَاجِب مثل عشر قيمَة الْأُم لَا عشر قيمَة الْأُم وَلذَلِك يصرف إِلَى وَرَثَة الْجَنِين وَلَا تخْتَص الْأُم باستحقاقها ثمَّ إِنَّمَا يرْعَى قيمَة الْأُم عِنْد الْجِنَايَة لِأَنَّهُ أغْلظ الْأَحْوَال كَمَا إِذا جنى على عبد فَمَاتَ بِالسّرَايَةِ إِذْ يلْزم أقْصَى الْقيم من وَقت الْجِنَايَة إِلَى الْمَوْت وَقَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يعْتَبر وَقت الإنفصال كَمَا فِي حُرِّيَّته وإسلامه

فرعان الأول إِذا انْفَصل جَنِين الرَّقِيق سليما وَالأُم مَقْطُوعَة الْأَطْرَاف فَوَجْهَانِ أَحدهمَا انا نوجب عشر قيمَة الْأُم سليمَة الْأَطْرَاف ونكسوها صفة السَّلامَة تَقْديرا كَمَا نكسوها الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام إِذا كَانَ الْجَنِين حرا مُسلما وَالثَّانِي أَن السَّلامَة لَا تقدر لِأَنَّهُ أَمر خلقي وَلِأَن سَلامَة أَطْرَاف الْجَنِين لَا يوثق بهَا بِخِلَاف الْحُرِّيَّة وَالْإِسْلَام فَلَو كَانَ الْجَنِين نَاقص الْأَطْرَاف فتقدير نُقْصَان الْأُم أبعد إِذْ رُبمَا نقص الْجَنِين بِالْجِنَايَةِ الثَّانِي خلف رجل زوجه حَامِلا وأخا لأَب وعبدا قِيمَته عشرُون دِينَارا فجنى العَبْد على بَطنهَا فأجهضت وَتعلق بِرَقَبَتِهِ غرَّة قيمتهَا سِتُّونَ دِينَار فالمرأة تسْتَحقّ من الْغرَّة ثلثا وَهُوَ عشرُون فقد ضَاعَ مِنْهُ الرّبع إِذْ ربع الْجَانِي ملكهَا وَلَا يسْتَحق الْمَالِك على ملك نَفسه شَيْئا وَثَلَاثَة أَربَاع حَقّهَا وَهُوَ خَمْسَة عشر تتَعَلَّق بِنَصِيب الْأَخ ونصيبه يساوى خَمْسَة عشر فَإِن لَهُ ثَلَاثَة أَربَاع العَبْد وَأما الْأَخ اسْتحق ثُلثي الْغرَّة وَهِي أَرْبَعُونَ وَضاع ثَلَاثَة أَرْبَاعه لِأَن ثَلَاثَة أَربَاع الْجَانِي ملكه فَيبقى سدس الْغرَّة مُتَعَلقَة بِنَصِيب الْمَرْأَة ونصيبها ربع العَبْد وَهُوَ خَمْسَة فَإِذا سلم العَبْد ضَاعَ الْخَمْسَة الفاضلة وعَلى هَذَا تقاس جِنَايَة العَبْد الْمُشْتَرك على المَال الْمُشْتَرك بَين سيديه إِذا كَانَ بَين الحصتين تفَاوت إِمَّا فِي العَبْد وَالْمَال أَو فِي أَحدهمَا الطّرف الثَّالِث فِي صفة الْغرَّة ويرعى فِيهِ ثَلَاثَة أُمُور

الأول السَّلامَة من كل عيب يثبت الرَّد فِي البيع وَلَا تراعي خِصَال الضَّحَايَا وَالْكَفَّارَة لِأَن هَذَا جبر مَال الثَّانِي السن وَلَا يقبل مَا دون سبع أَو ثَمَان لانه كل على آخذه وَفِي جِهَة الْكبر لَا يُؤْخَذ مَا جَاوز الْعشْرين فِي الْجَارِيَة وَجَاوَزَ الْخَمْسَة عشر فِي الْغُلَام لِأَنَّهُ لَا يعد من الْخِيَار الغر وَالْوَاجِب غرَّة عبد أَو أمة وَقيل الْمَانِع فِي جِهَة الْكبر هُوَ الْهَرم المضعف للمنة الثَّالِث نفاسة الْقيمَة وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا لَا يعْتَبر بل السَّلِيم من هَذَا السن يقبل وَإِن كَانَ قِيمَته دِينَارا وَالثَّانِي لَا يقبل إِلَّا مَا تعدل قِيمَته خمْسا من الْإِبِل أَو خمسين دِينَار فَإِن الْخمس من الْإِبِل يرجع إِلَيْهِ عِنْد عدم الْغرَّة وَلَا ينقص الْمُبدل عَن الْبَدَل وَلِأَنَّهُ لَو لم يتَقَدَّر لعسر الْفرق بَين الْمُسلم وَالْكَافِر كَمَا سبق فَإِن قيل فَلَو فقدت الْغرَّة قُلْنَا فِي بدلهَا قَولَانِ الْجَدِيد أَنه خمس من الْإِبِل وَلَا يُمكن أَن يعرف هَذَا إِلَّا بالتوقيف وَلَعَلَّه ورد إِذْ هُوَ مَأْخَذ ومعتمد الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّسْبَة فِي الْجَنِين الرَّقِيق فَإِن فقدت الْإِبِل أَيْضا فَهُوَ كإبل الدِّيَة وَالْقَوْل الْقَدِيم أَن بدل الْغرَّة قيمتهَا فَإِن قيل فالغرة لمن وعَلى من قُلْنَا لوَارث الْجَنِين وَهُوَ الْأُم والعصبة وعَلى عَاقِلَة الْجَانِي وَلَا يُمكن أَن تكون على الْجَانِي لِأَن الْعمد غير مُتَصَوّر فِيهِ إِذْ لَا يتَيَقَّن جِنَايَة بِحَال فَإِن كَانَ عدد الْعَاقِلَة لَا يَفِي إِلَّا بِالنِّصْفِ فَعَلَيْهِم نصف قيمَة الْغرَّة لَا قيمَة نصف الْغرَّة وَبَينهمَا فرق إِذْ الْغرَّة رُبمَا تسوى ألفا وَالنّصف يُؤْخَذ بأربعمائة فَالْوَاجِب خَمْسمِائَة كَامِلَة وَهُوَ نصف الْكل

فرع إِذا بَقِي على الْأُم شين وجراحة ضم إِلَى الْغرَّة حُكُومَة لَهَا فَإِن لم يكن إِلَّا الْأَلَم اندرج تَحت الْغرَّة هَذَا تَمام النّظر فِي الدِّيَة وَالْقصاص من مُوجبَات الْقَتْل فلنذكر الْمُوجب الثَّالِث وَهِي الْكَفَّارَة
كتاب كَفَّارَة الْقَتْل

وَهِي تَحْرِير رَقَبَة مُؤمنَة فَإِن لم يجد فصوم شَهْرَيْن وَلَا مدْخل للطعام فِيهِ وَلَا يُقَاس على كَفَّارَة الظِّهَار لِأَن الْآيَة فصلت الْأَمريْنِ جيمعا وَفرق بَينهمَا لَا كالرقبة فِي الظِّهَار فَإِنَّهَا اطلقت فَجَاز أَن يُقَاس على النَّص فِي الْقَتْل وَحكى صَاحب التَّقْرِيب وَجها فِي الْقَتْل أَن الْإِطْعَام يثبت فِيهِ قِيَاسا على الظِّهَار ثمَّ على الْمَذْهَب لَو مَاتَ قبل الصَّوْم فَيخرج عَن كل يَوْم مد لَا بطرِيق كَون الْإِطْعَام بَدَلا لَكِن كَمَا يخرج عَن صَوْم رَمَضَان هَذَا صفة الْوَاجِب فَأَما الْمُوجب فأركانه ثَلَاثَة الْقَتْل وَالْقَاتِل والقتيل أما الْقَتْل فَهُوَ كل قتل غير مُبَاح فَتجب بِالسَّبَبِ والمباشرة وحفر الْبِئْر وَالْخَطَأ والعمد وَلَا تجب فِي قتل الصَّائِل والباغي وَمن عَلَيْهِ الْقصاص وَالرَّجم لِأَنَّهُ مُبَاح وَالْخَطَأ لَيْسَ بمباح وَإِن لم يكن محرما أَيْضا وَأما الْقَاتِل فشرطه أَن يكون مُلْتَزما حَيا فَلَا تجب على الْحَرْبِيّ وَتجب على الذِّمِّيّ وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَلَو جَامع الصَّبِي فِي نَهَار رَمَضَان فَلَا كَفَّارَة إِذْ لَا عدوان والعدوان لَيْسَ بِشَرْط فِي الْقَتْل وَفِي كَفَّارَات الْإِحْرَام وَجْهَان لِأَنَّهَا نتيجة عبَادَة بدنية وَقد صحت مِنْهُ الْعِبَادَة

الْبَدَنِيَّة وَفِي صِحَة صَوْمه عَن الْكَفَّارَة قبل الْبلُوغ وَجْهَان لِأَنَّهَا عبَادَة بدنية وَلَكِن لزم فِي الصَّبِي وَأما الْحَيّ فاحترزنا بِهِ عَمَّن حفر بِئْرا فتردى فِيهَا بعد مَوته إِنْسَان فَفِي وجوب الْكَفَّارَة فِي تركته وَجْهَان وَوجه الْإِسْقَاط أَن الْكَفَّارَة عبَادَة بدنية فَلَا ينشأ وُجُوبهَا بعد الْمَوْت وَعَلِيهِ يَنْبَنِي الْخلاف فِي أَن من قتل نَفسه هَل تخرج كَفَّارَته من تركته ولغلبة شَائِبَة الْعِبَادَة قضينا بِأَن جمَاعَة إِذا اشْتَركُوا فِي قتل وَاحِد فعلى كل وَاحِد كَفَّارَة كَامِلَة وَفِيه وَجه أَنَّهَا تتجزأ كَمَا فِي جَزَاء الصَّيْد أما الْقَتِيل فشرطه أَن يكون آدَمِيًّا مَعْصُوما والجنين آدَمِيّ وَخرج مِنْهُ الْأَطْرَاف والبهائم وَدخل تَحت الْمَعْصُوم الذِّمِّيّ والمعاهد وَالْعَبْد إِذا قَتله السَّيِّد لَزِمته الْكَفَّارَة وَخرج مِنْهُ الْحَرْبِيّ وَالنِّسَاء والذراري من الْكفَّار إِذْ لَا عَاصِم والامتناع من قَتلهمْ لمصْلحَة المَال وَدخل تَحْتَهُ الْمُسلم فِي دَار الْحَرْب كَيْفَمَا قتل نعم الدِّيَة قد تسْقط قطعا مهما رمى إِلَى الْكفَّار وَلم يعلم أَن فيهم مُسلما فَأصَاب مُسلما وَلَو علم أَن فيهم مُسلما وَقصد الْكَافِر فَأصَاب الْمُسلم وَجَبت الدِّيَة قطعا وَلَو قصد شخصا معينا ظَنّه كَافِرًا وَكَانَ قد أسلم قبله وَبَقِي على زِيّ الْكفَّار فَفِي الدِّيَة قَولَانِ وطرد الشَّيْخ أَبُو مُحَمَّد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا إِذا علم أَن فيهم مُسلما وَلَكِن مَال السهْم إِلَى غير من قصد هَذَا تَمام النّظر فِي مُوجبَات الْقَتْل فلنخص فِي الْحجَج المثبتة لَهُ كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة فِيهِ
كتاب دَعْوَى الدَّم والقسامة وَالشَّهَادَة فِيهِ

فَهَذِهِ ثَلَاثَة أُمُور الأول الدَّعْوَى وَلها خَمْسَة شُرُوط الأول أَن تكون مُتَعَلقَة بشخص معِين فَلَو قَالَ قتل أبي لم تسمع وَلَو قَالَ قتل هَؤُلَاءِ جَمِيعًا وتصور اجْتِمَاعهم على الْقَتْل قبل وَلَو قَالَ أحد هَؤُلَاءِ الْعشْرَة وَلَا أعرف عينه فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا تسمع للإبهام وَالثَّانِي تسمع للْحَاجة وَلَا ضَرَر على الْمُدعى عَلَيْهِ بل كل وَاحِد يقدر على يَمِين

صَادِقَة لكِنهمْ لَو نكلوا باجمعهم أشكل الْيَمين الْمَرْدُودَة على الدَّعْوَى المبهمة والوجهان يجريان فِي دَعْوَى الْغَصْب والإتلاف وَالسَّرِقَة وَلَا يجْرِي فِي الْإِقْرَار وَالْبيع إِذا قَالَ نسيت لِأَنَّهُ مقصر وَقيل يجْرِي فِي الْمُعَامَلَات وَقيل لَا يجْرِي إِلَّا فِي الدَّم الثَّانِي أَن تكون الدعولا مفصلة فِي كَون الْقَتْل عمدا أَو خطأ انفرادا أَو شركَة فَإِن أجمل دَعْوَاهُ استفصل القَاضِي وَقيل يعرض عَنهُ لِأَن الاستفصال تلقين وَهُوَ ضَعِيف فرع لَو قَالَ قتل هَذَا أبي مَعَ جمَاعَة وَلم يذكر عَددهمْ فَإِن كَانَ مَطْلُوبه المَال لم تصح الدَّعْوَى لِأَن حِصَّة الْمُدعى عَلَيْهِ إِنَّمَا تبين بِحِصَّة الشُّرَكَاء وَإِن كَانَ مَطْلُوبه الدَّم وَقُلْنَا يُوجب الْعمد الْقود الْمَحْض فَالظَّاهِر صِحَّته وَإِن قُلْنَا أَحدهمَا لَا بِعَيْنِه فَوَجْهَانِ الثَّالِث أَن يكون الْمُدَّعِي مُكَلّفا مُلْتَزما حَاله الدَّعْوَى وَكَونه صَبيا أَو مَجْنُونا أَو جَنِينا حَالَة الْقَتْل لَا يضرّهُ إِذْ يعرف ذَلِك بِالتَّسَامُعِ الرَّابِع أَن يكون الْمُدعى عَلَيْهِ مُكَلّفا فَلَا دَعْوَى على صبي وَلَا مَجْنُون وَتَصِح الدَّعْوَى على السَّفِيه فِيمَا ينفذ بِهِ إِقْرَاره كَالْقصاصِ وبإقراره بِإِتْلَاف المَال قَولَانِ

فَإِن رددناه سمعنَا الدَّعْوَى لينكر فيقيم الْبَيِّنَة وَهل تعرض الْيَمين إِذا أنكر إِن قُلْنَا إِن الْيَمين الْمَرْدُودَة كالبينة تعرض عَلَيْهِ رَجَاء النّكُول وَإِن قُلْنَا كَالْإِقْرَارِ فَلَا فَائِدَة فِي نُكُوله وَلَكِن هَل تعرض الْيَمين فعساه يحلف فتنقطع الْخُصُومَة فِي الْحَال فِيهِ وَجْهَان الْأَصَح أَنه تعرض الْخَامِس أَن تنفك الدَّعْوَى عَمَّا يكذبها فَلَو ادّعى على شخص أَنه مُنْفَرد بقتل أبي ثمَّ ادّعى على غَيره بِأَنَّهُ شريك لم تسمع الثَّانِيَة لِأَن الأولى تكذبه فَإِن أقرّ الثَّانِي وَقَالَ الْمُدَّعِي كذبت فِي الأولى أَو أَخْطَأت فَالصَّحِيح أَن لَهُ مؤاخذته لِأَن الْغَلَط مُمكن وَالْحق لَا يعدوهما وَلَو ادّعى الْعمد واستفسر فَذكر مَا لَيْسَ بعمد فَفِي بطلَان دَعْوَاهُ لأصل الْقَتْل وَجْهَان الْأَظْهر أَنه لَا تبطل لِأَن الْكَذِب فِي التَّفْصِيل لَيْسَ من ضروره الْكَذِب فِي الأَصْل وَلَو قَالَ ظلمته فِيمَا أخذت فنستفصله فَإِن قَالَ كنت كَاذِبًا فِي دعواي اسْتردَّ المَال وَإِن قَالَ اخذت بالقسامة وَأَنا حَنَفِيّ لَا يسْتَردّ إِذْ لَا يعْتَبر فِي الْأَحْكَام رَأْي الْخَصْمَيْنِ بل رَأْي الْحَاكِم

النّظر الثَّانِي فِي الْقسَامَة وَالنَّظَر فِي أَرْبَعَة أَرْكَان الأول بَيَان مظنته وَهُوَ قتل الْحر فِي مَحل اللوث فَلَا قسَامَة فِي الْأَمْوَال والأطراف لِأَن الْبِدَايَة بالمدعي وتعديد الْيَمين خمسين خَارج عَن الْقيَاس ثَبت لحُرْمَة الدَّم فَلَا يُقَاس عَلَيْهِ الطّرف وَالْمَال وَفِي قتل العَبْد قَولَانِ لتردده بَين الدَّم وَالْمَال وَإِذا جرح مُسلما فَارْتَد وَمَات وَقُلْنَا الْوَاجِب بعض الدِّيَة جرت الْقسَامَة فِيهِ لِأَنَّهُ بعض بدل الدَّم وَأما اللوث فنعني بِهِ عَلامَة تغلب على الظَّن صدق الْمُدَّعِي وَهُوَ نَوْعَانِ قرينَة حَال وإخبار أما الْحَال فَهُوَ أَن يُصَادف قَتِيلا فِي محلّة بَينه وَبينهمْ عَدَاوَة أَو دخل عَلَيْهِم ضيفا فَوجدَ قَتِيلا أَو تفرق جمَاعَة محصورون عَن قَتِيل أَو تفرق صفان متقاتلان عَن قَتِيل فِي صف الْخصم أَو وجد قَتِيل فِي الصَّحرَاء وعَلى رَأسه رجل وَمَعَهُ سكين متضمخ بِالدَّمِ فَهَذَا وَأَمْثَاله هُوَ اللوث وَقَول الْمَجْرُوح قتلني فلَان لَيْسَ بلوث لِأَنَّهُ مُدع خلافًا لمَالِك رَحمَه الله وَأما الْإِخْبَار فشهادة عدل وَاحِد تقبل شَهَادَته لوث وَكَذَا من تقبل رِوَايَته على الأقيس وَقيل لَا بُد فِي النسوان وَالْعَبِيد من عدد

وَأما الْعدَد من الصبية والفسقة ففيهم خلاف لِأَنَّهُ يحصل بقَوْلهمْ ظن لَكِن الشَّرْع لَا يلْتَفت إِلَيْهِ فيضاهي من أوجه قرينَة عَدَالَة الْمُدَّعِي فِي صدق لهجته وَأما مسقطات اللوث فخمسة الأول أَن يتَعَذَّر إِظْهَاره عِنْد القَاضِي فَلَا فَائِدَة فِيمَا ينْفَرد الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ نعم لَو ظهر عِنْد القَاضِي لوث على جمع فللمدعي أَن يعين شخصا مِنْهُم إِذْ يعسر إِثْبَات اللوث فِي الْمعِين وَلَو كَانَ اللوث فِي قَتِيل خَيْبَر مُتَعَلقا بِجَمِيعِ الْيَهُود نعم لَو قَالَ الْقَاتِل وَاحِد مِنْهُم وَلست أعرفهُ لم تمكنه الْقسَامَة فَإِن حلفوا إِلَّا وَاحِدًا كَانَ نُكُوله لوثا فَيجوز لَهُ أَن يحلف على تَعْيِينه فَلَو نكل جَمِيعهم وَأَرَادَ أَن يعين وَاحِدًا وَزعم أَنه ظهر لَهُ الْآن لوث معِين فَفِي تَمْكِينه مِنْهُ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَنه سبق الِاعْتِرَاف مِنْهُ فِي الْجَهْل الثَّانِي إِذا ثَبت اللوث فِي أصل الْقَتْل دون كَونه خطأ أَو عمدا فَفِي الْقسَامَة على أصل الْقَتْل وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن الْقَتْل الْمُطلق لَا مُوجب لَهُ فَإِن الْعَاقِلَة لَا يلْزمهَا شَيْء مَا لم يكن خطأ والجاني لَا يلْزمه مَا لم يكن عمدا الثَّالِث أَن يَدعِي الْمُدعى عَلَيْهِ كَونه غَائِبا عَن الْبَلَد عِنْد الْقَتْل فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَتسقط يَمِينه أثر اللوث فَإِن تَعَارَضَت بينتان فِي حُضُوره وغيبته تساقطتا إِلَّا إِذا تعرض بَيِّنَة الْغَيْبَة لعدم الْحُضُور فَقَط فَيكون ذَلِك شَهَادَة النَّفْي بِخِلَاف مَا إِذا ذكر مَكَانَهُ الَّذِي غَابَ إِلَيْهِ وَلَو كَانَ وَقت الْقَتْل مَحْبُوسًا أَو مَرِيضا مدنفا وَلم يُمكن كَونه قَاتلا إِلَّا على بعد فَفِي

سُقُوط اللوث بِهِ وَجْهَان وَمهما حكم بالقسامة فَأَقَامَ بَيِّنَة على الْغَيْبَة نقض الحكم لِأَن الْقسَامَة ضَعِيفَة الرَّابِع لَو شهد شَاهد بِأَن فلَانا قتل أحد هذَيْن الْقَتِيلين لم يكن لوثا وَلَو قَالَ قتل هَذَا الْقَتِيل أحد هذَيْن الرجلَيْن فَهُوَ لوث هَكَذَا قَالَه القَاضِي مفرقا بَين إِبْهَام الْقَاتِل وإبهام الْقَتِيل وَقيل بِإِسْقَاط اللوث فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَالْفرق أوضح لِأَن تعْيين الْقَاتِل غير عسير دون تعْيين الْقَتِيل الْخَامِس تكاذب الْوَرَثَة فَلَو ادّعى أحد الْإِثْنَيْنِ فِي مَحل اللوث فكذبه الآخر فِيهِ قَولَانِ اخْتِيَار الْمُزنِيّ رَحمَه الله أَن اللوث لَا يبطل لِأَن للْوَرَثَة أغراضا فِي التَّكْذِيب والتصديق وَالثَّانِي أَنه يبطل لِأَن اللوث ضَعِيف وَهَذَا يضعف الظَّن فَإِن قُلْنَا يبطل فَلَو قَالَ أَحدهمَا قتل أَبَانَا زيد وَرجل آخر لَا نعرفه وَقَالَ الآخر قَتله عَمْرو وَرجل آخر لَا نعرفه فَلَا تكاذب فَلَعَلَّ من لَا يعرفهُ هُوَ الَّذِي ادَّعَاهُ أَخُوهُ إِلَّا أَن يُصَرح بِنَفْي مَا ادَّعَاهُ ثمَّ مدعي زيد اعْترف بَان الْوَاجِب على زيد نصف الدِّيَة وحصته مِنْهَا الرّبع فَلَا يُطَالب إِلَّا بِالربعِ وَكَذَا مدعي عَمْرو

وَلَيْسَ من مبطلات اللوث عندنَا أَن لَا يكون على الْقَتِيل أثر خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله لِأَن الْقَتْل بالتخنيق مُمكن بِحَيْثُ لَا يظْهر أَثَره الرُّكْن الثَّانِي فِي كَيْفيَّة الْقسَامَة وَهُوَ أَن يحلف الْمُدَّعِي خمسين يَمِينا مُتَوَالِيَة بعد التحذير والتغليظ وتفصيل الدَّعْوَى فِي الْيَمين كَمَا فِي سَائِر الْأَيْمَان وَهل يشْتَرط أَن تكون فِي مجْلِس وَاحِد فِيهِ وَجْهَان منشؤهما أَن للموالاة وَقعا فِي النَّفس فَيحْتَمل أَن تكون وَاجِبا فَإِن قُلْنَا وَاجِب فَإِذا جن ثمَّ أَفَاق بنى لِأَنَّهُ مَعْذُور وَلَو عزل القَاضِي اسْتَأْنف عِنْد قَاض آخر وَلَو مَاتَ فِي أَثْنَائِهِ فالوارث لَا يَبْنِي بل يسْتَأْنف وَقَالَ الخضري يَبْنِي الْوَارِث وَفِي جَوَاز الْقسَامَة فِي غيبَة الْمُدعى عَلَيْهِ وَجْهَان وَجه الْمَنْع أَن اللوث إِنَّمَا يظْهر إِذا سلم عَن قدح الْخصم فيضعف فِي غيبته هَذَا إِذا كَانَ الْوَارِث وَاحِدًا فَإِن كَانُوا جمعا فنوزع عَلَيْهِم الْخمسين أَو يحلف كل وَاحِد خمسين فعلى قَوْلَيْنِ أَحدهمَا أَنه يوزع لِأَن جُمْلَتهمْ فِي حكم شخص وَاحِد وَالثَّانِي لَا لِأَن قدر حق كل وَاحِد لَا يثبت بِيَمِين الْمُدَّعِي إِلَّا بِخَمْسِينَ إِذْ لَا خلاف أَنه لَو نكل وَاحِد وَجب على الآخر أَن يحلف تَمام الْخمسين فَكيف يسْتَحق بِيَمِين غَيره

وَإِن قُلْنَا بالتوزيع فلننبه على ثَلَاثَة أُمُور الأول أَنهم لَو كَانُوا ثَلَاثَة وَالْوَاحد حَاضر والآخران صغيران أَو غائبان فَغَيَّبَتْهُمْ كنكولهم فَيحلف الْحَاضِر خمسين وَيَأْخُذ ثلث الدِّيَة فَإِذا حضر الآخر حلف نصف الْأَيْمَان وَأخذ ثلث نَفسه وَالثَّالِث يحلف ثلث الْأَيْمَان وَيَأْخُذ حِصَّة نَفسه الثَّانِي أَن التَّوْزِيع بِالْمِيرَاثِ فَمن يسْتَحق الثّمن أَو السُّدس حلف بِقَدرِهِ فَإِن انْكَسَرَ كمل المنكسر فَإِن كَانُوا سِتِّينَ حلفوا سِتِّينَ كل وَاحِد يَمِينا وَلَا يَمِين على إخْوَة الْأَب فِي مسَائِل الْمُعَادَة الثَّالِث لَو كَانَ فِي الْوَرَثَة خُنْثَى حلف كل وَاحِد أَكثر مَا يتَوَهَّم أَن يكون نصِيبه وَيُعْطى أقل مَا يتَوَهَّم أخذا بالأحوط فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَو خلف ولدا خُنْثَى وأخا لأَب حلف الْخُنْثَى خمسين لاحْتِمَال أَنه مُسْتَغْرق وَأخذ نصف الدِّيَة لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى فَإِذا أَرَادَ الْأَخ أَن يحلف فَيحلف خمْسا وَعشْرين وَفَائِدَته أَن ينتزع النّصْف من يَدي الْجَانِي وَيُوقف بَينه وَبَين الْخُنْثَى فَإِن بَانَتْ أنوثته سلم إِلَى الْأَخ بِيَمِينِهِ السَّابِق وَإِن بَانَتْ الذُّكُورَة سلم إِلَى الْخُنْثَى بِالْيَمِينِ السَّابِقَة وَلَو خلف ولدا خُنْثَى وبنتا حلف الْخُنْثَى ثُلثي الْأَيْمَان لاحْتِمَال أَنه ذكر وَأخذ ثلث الدِّيَة لاحْتِمَال أَنه أُنْثَى وَحلفت الْبِنْت نصف الْأَيْمَان لاحْتِمَال أَن الْخُنْثَى أُنْثَى وَلم يعْتد من أيمانها إِلَّا بِالنِّصْفِ ثمَّ تَأْخُذ ثلث الدِّيَة وَالثلث الْبَاقِي مَتْرُوك فِي يَد الْمُدعى عَلَيْهِ مَوْقُوف بَينهمَا وَبَين بَيت المَال وَلَيْسَ لبيت المَال نَائِب حَتَّى يحلف عَنهُ فنعود إِلَى الْقيَاس فِي

تَصْدِيق الْمُدعى عَلَيْهِ هَذَا كُله فِي يَمِين الْمُدَّعِي فَأَما سَائِر الْأَيْمَان فِي الدَّم فكيمين الْمُدعى عَلَيْهِ وَالْيَمِين مَعَ الشَّاهِد فَفِي تعدده خمسين قَولَانِ منشؤهما أَن عِلّة الْعدَد الْميل عَن الْقيَاس بِتَصْدِيق الْمُدَّعِي أَو حُرْمَة الدَّم وَالْقَوْلَان جاريان فِي الْأَطْرَاف مَعَ الْقطع بِأَن الْقسَامَة غير جَارِيَة فِيهَا فَإِن قُلْنَا لَا تَتَعَدَّد فَلَو بلغ الْأَرْش مبلغ الدِّيَة فَقَوْلَانِ وَإِن قُلْنَا تتعد فَلَو نقص فَفِي التَّوْزِيع قَولَانِ فرعان أَحدهمَا لَو شهد وَاحِد على اللوث وَقُلْنَا يتحد الْيَمين مَعَ الشَّاهِد فَإِن استعملنا الشَّهَادَة فِي الْقَتْل وَجَاء بِصِيغَة الشَّهَادَة حلف مَعَه يَمِينا وَاحِدَة وَإِن جَاءَ بِصِيغَة الْإِخْبَار أَو شهد على اللوث حلف مَعَه خمسين يَمِينا الثَّانِي إِذا ادّعى على اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا قتلا فَفِي توزيع الْخمسين على قَول التَّعَدُّد من الْقَوْلَيْنِ مَا فِي التَّوْزِيع على الْوَارِثين الرُّكْن الثَّالِث فِي حكم الْقسَامَة وَفِيه قَولَانِ الْقَدِيم أَنه يناط بِهِ الْقصاص كَمَا يناط بِهِ حد الْمَرْأَة بِلعان الزَّوْج والجديد أَنه لَا يناط بِهِ إِلَّا الدِّيَة لِأَن سفك الدَّم بقول الْمُدَّعِي بعيد وَأما الْمَرْأَة فَإِنَّهَا تقدر على دفع لِعَانه بلعانها

ثمَّ إِن حلف على الْقَتْل خطأ طَالب الْعَاقِلَة وَإِن حلف على الْعمد طَالب الْجَانِي وَإِن نكل عَن الْقسَامَة وَمَات لم يكن لوَارِثه أَن يحلف وَلَا يسْقط حَقه عَن تَحْلِيف الْمُدعى عَلَيْهِ لنكوله عَن الْقسَامَة فَإِن نكل الْمُدعى عَلَيْهِ فَأَرَادَ الْمُدَّعِي أَن يحلف الْيَمين الْمَرْدُودَة فَفِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا الْمَنْع لِأَنَّهُ نكل مرّة وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ نُكُول عَن الْقسَامَة وَهَذِه يَمِين أُخْرَى وَكَذَا إِذا أَرَادَ أَن يحلف مَعَ الشَّاهِد بعد النّكُول عَن الْيَمين الْمَرْدُودَة أَو الْقسَامَة ومنشؤه أَن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ بعد أَن صرح بِالنّكُولِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوع إِلَى الْيَمين لانه تعلق بِهِ حق الْمُدَّعِي أما نُكُول الْمُدَّعِي عَن الْيَمين الْمَرْدُودَة فِي الْحَال لَا تَمنعهُ من الرُّجُوع إِلَيْهِ فَإِنَّهُ حَقه فَلَا يسْقط بِالتَّأْخِيرِ وَيَمِين الْقسَامَة من حَيْثُ إِنَّه يتَعَلَّق بهَا حق الْمُدعى عَلَيْهِ فِي انقلاب التَّصْدِيق إِلَيْهِ يشبه يَمِين الْمُدعى عَلَيْهِ الرُّكْن الرَّابِع فِيمَن يحلف أَيْمَان الْقسَامَة وَهُوَ كل من يسْتَحق بدل الدَّم وَفِيه أَرْبَعَة فروع الأول إِذا قتل عبد الْمكَاتب وأجرينا الْقسَامَة فِي العَبْد حلف الْمكَاتب لِأَنَّهُ الْمُسْتَحق فَإِن عجز عَن النُّجُوم قبل النّكُول حلف السَّيِّد إِذْ صَار مُسْتَحقّا فَإِن عجز بعد النّكُول لم يحلف السَّيِّد كَمَا لَا يحلف الْوَارِث بعد نُكُول الْمَوْرُوث الثَّانِي لَو قتل عَبده فأوصى بِقِيمَتِه لمستولدته وَمَات فللورثة أَن يقسموا وَإِن كَانَت

الْقيمَة للمستولدة لِأَن لَهُم حظا فِي تَنْفِيذ وَصِيَّة مُورثهم وَلَو أوصى بِعَين لغيره فَادَّعَاهُ مُسْتَحقّ فَفِي حلف الْوَارِث لتنفيذ الْوَصِيَّة تردد وَوجه الْفرق أَن الْمُسْتَوْلدَة مدعية وتصديقها بالقسامة على خلاف الْقيَاس وَلم تكن صَاحِبَة حق عِنْد الْقَتْل فَكَانَ الْوَارِث أولى بِهِ وَمهما حلف الْوَرَثَة سلمت الْقيمَة لأم الْوَلَد فَإِن نكلوا فَفِي قسَامَة الْمُسْتَوْلدَة قَولَانِ وَكَذَا فِي الْغُرَمَاء إِذا أَرَادوا أَن يحلفوا أَيْمَان الْقسَامَة عِنْد نُكُول الْوَارِث لِتَقضي من الدِّيَة دُيُونهم وَوجه الْمَنْع أَن الْقسَامَة لإِثْبَات الْقَتْل مِمَّن يُدْلِي بِسَبَب الْحق عِنْد الْقَتْل وَهَؤُلَاء تجدّد حَقهم بعد الْقَتْل وَإِن قُلْنَا لَا يحلفُونَ أَو نكلوا فللوارث وَلَهُم طلب يَمِين الْمُدَّعِي أما الْوَارِث فلغرض التَّنْفِيذ وَأما هم فلغرض الإستحقاق الثَّالِث إِذا قطع يَد العَبْد فَعتق وَمَات فعلى الْجَانِي كل الدِّيَة فَإِن كَانَت الدِّيَة مثل نصف الْقيمَة انْفَرد السَّيِّد بالقسامة لِأَنَّهُ مُسْتَحقّ الْجَمِيع وَإِن فرعنا على أَنه لَا قسَامَة فِي بدل الرَّقِيق فها هُنَا وَجْهَان لِأَنَّهُ دِيَة حر بالإعتبار الآخر وَلَكِن صرف إِلَيْهِ لِأَنَّهُ جِنَايَة على الرَّقِيق ثمَّ إِن كَانَ الْوَاجِب فَاضلا عَن أرش الْيَد فَيصْرف الْفَاضِل إِلَى الْوَرَثَة ويتصدى النّظر فِي توزيع الْيَمين أَو تكميلها الرَّابِع إِذا ارْتَدَّ الْوَلِيّ ثمَّ أقسم فَإِن قُلْنَا لَا ملك للمرتد بَطل يَمِينه وَإِن قُلْنَا لَهُ الْملك صَحَّ وَثَبت الدِّيَة وَإِن قُلْنَا مَوْقُوف فالنص أَنه يَصح وَيصرف إِلَى بَيت المَال فَيْئا إِن قتل الْمُرْتَد

وَفِيه إِشْكَال إِذْ بَان أَنه لم يكن مُسْتَحقّا فَكيف يثبت بحلفه فَمنهمْ من قَالَ فرع الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ على قَول بَقَاء الْملك وَمِنْهُم من علل بِأَنَّهُ على الْجُمْلَة سَبَب اسْتِحْقَاق الدِّيَة لانه كَانَ مُسلما حَال الْقَتْل فَلَا يكون يَمِينه كيمين الْأَجْنَبِيّ

النّظر الثَّالِث من الْكتاب فِي إِثْبَات الدَّم بِالشَّهَادَةِ وَلها شُرُوط الأول الذُّكُورَة فَلَا يثبت الْقصاص بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ وَيثبت الْقَتْل الْمُوجب لِلْمَالِ بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ فَإِن كَانَ مُوجبا للقود عِنْد الشَّهَادَة ثمَّ رَجَعَ إِلَى المَال لم يسْتَوْف المَال بِتِلْكَ الشَّهَادَة لِأَنَّهَا كَانَت بَاطِلَة فِي الْحَال وَلَو أنشئت الشَّهَادَة بعد الْعَفو على مَال فَوَجْهَانِ وَجه الْمَنْع أَن أصل الْقَتْل كَانَ مُوجبا للْقصَاص فرع نَص الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ أَنه لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على هاشمة مسبوقة بإيضاح فَكَمَا لَا يثبت الْإِيضَاح الْمُوجب للْقصَاص لَا يثبت الهشم فِي حق الْأَرْش وَنَصّ على أَنه لَو شهدُوا على أَنه رمى عمدا إِلَى زيد فمرق السهْم وَأصَاب غَيره خطأ أَن الْخَطَأ يثبت فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج ومنشؤهما أَن الشَّهَادَة وَاحِدَة وَقد سقط بَعْضهَا فَهَل يسْقط الْبَاقِي وَمِنْهُم من فرق لِأَن قتل عَمْرو مُنْفَصِل عَن قتل زيد والهشم لَا ينْفَصل عَن الْإِيضَاح وَلَا خلاف على أَنه لَو ادّعى قتل عَمْرو خطأ فَشَهِدُوا وَذكروا هَذِه الْكَيْفِيَّة وَهُوَ مروق السهْم من زيد لم يقْدَح فِي الشَّهَادَة لِأَن زيدا لَيْسَ مَقْصُودا بِالشَّهَادَةِ وَكَذَلِكَ إِذا قَالُوا نشْهد أَنه أوضح ثمَّ عَاد بعد ذَلِك وهشم التَّفْرِيع إِذا أثبتنا أرش الهاشمة فقد ذكر فِي إِثْبَات قصاص الْمُوَضّحَة وأرشها على سَبِيل التّبعِيَّة خلاف وَهُوَ بعيد

الشَّرْط الثَّانِي أَن تكون صِيغَة الشَّهَادَة صَرِيحَة فَلَو قَالَ أشهد أَنه جرح وأنهر الدَّم وَمَات الْمَجْرُوح لم يقبل مَا لم يقل قَتله إِذْ رُبمَا يَمُوت بِسَبَب آخر وَالْمَوْت عقيب الْجراحَة يعرف أَنه بالجراحة بقرائن خُفْيَة فَلَا يُغني إِلَّا ذكر الْقَتْل وَذكر الْعِرَاقِيُّونَ وَجها أَنه يَكْفِي كَمَا تقوم الشَّهَادَة على الْيَد وَالتَّصَرُّف مقَام الْملك لِأَنَّهُ مُسْتَند الْعلم وَلَو قَالَ أشهد أَنه أوضح رَأسه لم يكف مَا لم يُصَرح بالجراحة وإيضاح الْعظم فَإِن صرح وَعجز عَن تعْيين مَحل الْمُوَضّحَة لالتباسها بموضحات على رَأسه سقط الْقصاص وَفِي الْأَرْش وَجْهَان أَحدهمَا لَا كَمَا إِذا شهد رجل وَامْرَأَتَانِ على مُوضحَة عمدا فَإِنَّهُ إِذا لم يثبت الْمَقْصُود لم يثبت غَيره وَالصَّحِيح أَنه يثبت لِأَنَّهُ لَا قُصُور فِي نفس الشَّهَادَة وَإِنَّمَا التَّعَذُّر فِي اسْتِيفَاء الْقصاص وَلَو شهد على أَنه قَتله بِالسحرِ لم يقتل لِأَن ذَلِك مِمَّا لَا يُشَاهد وَجه تَأْثِيره فالقتل بِالسحرِ لَا يثبت إِلَّا بِالْإِقْرَارِ ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ لَو قَالَ السَّاحر أمرضه سحرِي وَلَكِن مَاتَ بِسَبَب آخر فلولي الدَّم الْقسَامَة واعترافه بِالْمرضِ لوث وَهَذَا يدل على أَن الْمقر بِالْجرْحِ إِذا ادّعى أَن الْمَوْت بِسَبَب آخر يَجْعَل إِقْرَاره لوثا وَقد قيل إِن القَوْل قَول الْجَانِي وَهُوَ جَار فِي السحر فَإِن قيل تعلم السحر حرَام أم لَا قُلْنَا إِن كَانَ فِيهِ مُبَاشرَة مَحْظُور من ذكر سخف أَو ترك صَلَاة فَذَلِك هُوَ الْحَرَام فَأَما تعرف حقائق الْأَشْيَاء على مَا هِيَ عَلَيْهَا فَلَيْسَ بِحرَام وَإِنَّمَا الْحَرَام الْإِضْرَار بِفعل السحر لَا بتعلمه

الشَّرْط الثَّالِث أَن لَا تَتَضَمَّن جرا وَلَا دفعا فَلَو شهد على الْجراحَة من يَرث الْمَجْرُوح ردَّتْ شَهَادَته لِأَنَّهُ سَبَب اسْتِحْقَاقه وَلَو شهد الْوَارِث للْمَرِيض بدين أَو عين فَوَجْهَانِ وَالْفرق أَن جرح الْمَشْهُود عَلَيْهِ سَبَب الإستحقاق دون الدّين وَلَو شهدُوا على الْجرْح وهما محجوبان حَال الشَّهَادَة ثمَّ مَاتَ الْحَاجِب أَو بِالْعَكْسِ فَالصَّحِيح أَن النّظر إِلَى حَالَة الشَّهَادَة للتُّهمَةِ وَقيل قَولَانِ كخما فِي الْإِقْرَار للْوَارِث فَإِن رددنا فَلَو أعَاد بعد الْحجب لَا تقبل كالفاسق إِذا أعَاد فَأَما الشَّهَادَة الدافعة فصورتها أَن تشهد الْعَاقِلَة على فسق بَيِّنَة الْقَتْل الْخَطَأ وَلَو شهد اثْنَان من فُقَرَاء الْعَاقِلَة نَص أَنه لَا تقبل وَلَو شهد اثْنَان من الأباعد مَعَ أَن الْوَاجِب مُسْتَوفى بالأقارب نَص أَنه تقبل فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج وَقيل إِن الْفَقِير أمله فِي الْغَنِيّ قريب وَتَقْدِير موت الْأَقَارِب بعيد فَلَا يُورث تُهْمَة الشَّرْط الرَّابِع أَن تسلم الشَّهَادَة عَن التكاذب وَفِيه صور الأولى إِذا شَهدا على رجلَيْنِ بِالْقَتْلِ وَشهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا بِأَنَّهُمَا قتلا هَذَا الْقَتِيل نقدم على هَذَا مُقَدّمَة وَهُوَ أَن شَهَادَة الْحِسْبَة تقبل فِي حُقُوق الله تَعَالَى وَفِي الْقصاص

ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا نعم صِيَانة للحقوق عَن الضّيَاع وَالثَّانِي لَا لِأَن للدم طَالبا كَمَا لِلْمَالِ وَالثَّالِث أَنه إِن لم يعرف الْمُسْتَحق قبلت الشَّهَادَة فَإِن قُلْنَا تقبل فتساوق أَرْبَعَة إِلَى مجْلِس القَاضِي فَشهد اثْنَان على الآخرين بِالْقَتْلِ فَشهد الْآخرَانِ على الْأَوَّلين بذلك الْقَتْل فَفِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا الرَّد وَإِن قبلنَا شَهَادَة الْحِسْبَة إِذْ هِيَ متكاذبة فَلَا ترجح وَالثَّانِي أَنا نراجع صَاحب الْحق ونحكم بِشَهَادَة من صدقهما وَالثَّالِث أَن الأولى صَحِيحَة وَشَهَادَة الآخرين غير مَقْبُولَة لِأَنَّهُمَا دافعان وَلِأَنَّهُمَا صَارا عدوين للأولين وَلَكِن إِثْبَات العدواة بِمُجَرَّد الشَّهَادَة ضَعِيف وَإِن فرعنا على رد شَهَادَة الْحِسْبَة فَلَو جَاءَ الْمُدَّعِي بعد ذَلِك لم تَنْفَع تِلْكَ الشَّهَادَة وَهل تقبل إِعَادَتهَا فِيهِ ثَلَاثَة أوجه أَحدهَا لَا كَمَا لَو رد بعلة الْفسق وَالثَّانِي نعم لانه لم ترد بتهمة وَالثَّالِث أَنَّهُمَا إِن تابا عَن الْمُبَادرَة قبلت الْإِعَادَة رَجعْنَا إِلَى مَسْأَلَتنَا فَإِذا شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على الشَّاهِدين وَاسْتمرّ الْمُدَّعِي على تكذيبهما فَلَا أثر لشهادتهما لانهما دافعان وعدوان ومبادران وَإِن صدقهما بَطل حَقه بتناقض الدعويين

فَإِن كَانَ ذَلِك من وَكيل فَلَا يُؤْخَذ بِإِقْرَار لم يُؤثر فِي إبِْطَال الدَّعْوَى الأولى فَإِن صدق الْمُوكل الآخرين انبنى على أَنَّهُمَا مبادران أَو دافعان الْمَسْأَلَة بِحَالِهَا لَو شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على أَجْنَبِي سوى الشَّاهِدين فهما مبادران ودافعان وليسا عدوين وَإِن شهد أجنبيان على الشَّاهِدين فهما مبادران وليسا دافعين وَلَا عدوين الصُّورَة الثَّانِيَة لَو شهدُوا على الْقَتْل فَشهد أحد الْوَرَثَة بِعَفْو بَعضهم سقط الْقصاص بقوله من حَيْثُ إِنَّه إِقْرَار لَا من حَيْثُ إِنَّه شَهَادَة حَتَّى تسْقط وَلَو كَانَ فَاسِقًا الصُّورَة الثَّالِثَة إِذا شهد أَحدهمَا أَنه قَتله غدْوَة وَقَالَ الآخر عَشِيَّة فَهُوَ تكاذب وَكَذَا إِذا نسبا إِلَى مكانين أَو آلتين وَكَذَا لَو شهد أَحدهمَا على الْإِقْرَار وَالْآخر على الْقَتْل لم يثبت لِأَنَّهُمَا لم يتَّفقَا على شَيْء وَلَو شهد أَحدهمَا على الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ الْمُطلق وَالْآخر على الْإِقْرَار بِالْقَتْلِ الْعمد ثَبت أصل الْقَتْل فَالْقَوْل قَول الْمُدعى عَلَيْهِ فِي نفي العمدية إِلَّا أَن يكون ثمَّ لوث يشْهد للعمدية فَتثبت الْقسَامَة

وَإِن قَالَ أَحدهمَا قَتله عمدا وَقَالَ الآخر خطأ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَنه تكاذب وَالْآخر أَنه يثبت الْقَتْل وَمن يشْهد بالْخَطَأ فَكَأَنَّهُ يشْهد بِعَدَمِ الْعمد فَيبقى النزاع فِي العمدية وَحَيْثُ يثبت التكاذب فِي الْآلَة وَالْمَكَان وَالزَّمَان قَالَ الْمُزنِيّ رَحمَه الله يُفِيد قَوْلهمَا لوثا فاتفقت المراوزة على تغليطه لِأَنَّهُمَا تساقطا بالتكاذب وَنقل الْعِرَاقِيُّونَ فِيهِ قَوْلَيْنِ للشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ

= كتاب الْجِنَايَات الْمُوجبَة للعقوبات = وَهِي سَبْعَة الْبَغي وَالرِّدَّة وَالزِّنَا وَالْقَذْف وَالشرب وَالسَّرِقَة وَقطع الطَّرِيق

الْجِنَايَة الأولى الْبَغي وَالنَّظَر فِي صفة الْبُغَاة وأحكامهم وقتالهم الطّرف الأول فِي صفاتهم وَيعْتَبر فيهم ثَلَاثَة شُرُوط الشَّوْكَة والتأويل وَنصب إِمَام فِيمَا بَينهم الشَّرْط الأول الشَّوْكَة وَهُوَ أَن يجْتَمع قوم ذُو نجدة على مُخَالفَة الإِمَام وَلَا يعْتَبر مُسَاوَاة عَددهمْ لجند الإِمَام كم من فِئَة قَليلَة غالبة لَكِن يَكْفِي أَن يكون الظفر مرجوا ثمَّ إِن كَانُوا فِي مَوضِع محفوف بِولَايَة الإِمَام فَلَا بُد من زِيَادَة نجدة كَمَا إِذا كَانُوا على طرف من أَطْرَاف الْولَايَة ثمَّ لَا يخفى أَن الشَّوْكَة لَا تتمّ مَا لم

يكن فيهم وَاحِد مُطَاع الشَّرْط الثَّانِي أَن يكون بغيهم عَن تَأْوِيل فَلَو اجْتمع جمَاعَة مِمَّن توجه عَلَيْهِم حُدُود أَو حُقُوق من زَكَاة أَو غَيرهَا وخالفوا الإِمَام قَاتلهم الإِمَام كَمَا قَاتل أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مانعي الزَّكَاة وَلَيْسَ لَهُم حكم الْبُغَاة والمرتدون إِذا اجْتَمعُوا لشُبْهَة فِي دينهم فَلَا يعد ذَلِك تَأْوِيلا مُعْتَبرا وَلَو كَانَ لَهُم تَأْوِيل بَاطِل قطعا لكِنهمْ غلطوا فِيهِ فَفِي اعْتِبَاره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه لَا يعْتَبر كتأويل أهل الرِّدَّة وَمُعَاوِيَة رَحمَه الله عِنْد هَذَا الْقَائِل لم يكن مُبْطلًا قطعا بل بِالظَّنِّ وَالثَّانِي يعْتَبر لِأَن الْغَلَط فِي القطعيات كثير وَمُعَاوِيَة كَانَ مُبْطلًا على الْقطع عِنْد هَذَا الْقَائِل لكنه لم يعرف ذَلِك وَأما الْخَوَارِج ففيهم على رَأْي الإمتناع من تكفيرهم وَجْهَان مِنْهُم من ألحقهم

بِأَهْل الرِّدَّة وَلم يكترث بتأويلهم لظُهُور فَسَاده الشَّرْط الثَّالِث نصب الإِمَام فِيمَا بَينهم وَفِي اشْتِرَاطه خلاف وَمن شَرطه علل بِأَن هَذِه الشُّرُوط تعْتَبر لتنفيذ قَضَاء قاضيهم وَلَا ينْتَصب القَاضِي إِلَّا بالتبعية فَلَا بُد لَهُم من إِمَام يولي الْقُضَاة وَمن لَا يشْتَرط ذَلِك يَقُول رُبمَا لَا يصادفون مَوْصُوفا بِصِفَات الْأَئِمَّة وَلَا يُمكن تَعْطِيل أحكامهم

الطّرف الثَّانِي فِي أَحْكَام الْبُغَاة فِي الشَّهَادَة وَالْقَضَاء وَالْغُرْم أما شهاداتهم فمقبولة لجهلهم بالتأويل وَأما قَضَاء قاضيهم فنافذ على وفْق الشَّرْع وَمَا يَسْتَوْفِيه من زَكَاة وجزية وحد ويصرفه إِلَى مصرفه فواقع موقعه وَلَو صرفُوا السهْم المرصد لمرتزقة الْإِسْلَام إِلَى جندهم فَفِيهِ اخْتِلَاف مَشْهُور لِأَنَّهُ وَإِن كَانُوا جند الْإِسْلَام لكِنهمْ فِي الْحَال على الْبَاطِل وَتَصْحِيح ذَلِك إِعَانَة لَهُم وَإِذا كتبُوا الْكتاب إِلَى قاضينا بعد إبرام الحكم أمضي وَإِن سمع الْبَيِّنَة وَالْتمس الحكم فَقَوْلَانِ

أقيسهما الحكم كي لَا يُؤَدِّي إِلَى إبِْطَال حُقُوق الرعايا وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ مساعدة لَهُم على بغيهم وَقيل بطرد الْقَوْلَيْنِ فِيمَا أبرموه واستعانوا بقاضينا فِي الإستيفاء وَالْقِيَاس الْإِمْضَاء هَذَا فِيمَن لَهُ الشَّوْكَة والتأويل فَإِن عدمت الشَّوْكَة فَلَا ينفذ حكمهم إِذْ يرجع ذَلِك إِلَى محاورات فِي خلوات وَإِن عدم التَّأْوِيل دون الشَّوْكَة لم ينفذ قضاؤهم على الظَّاهِر وَيحْتَمل أَن يخرج ذَلِك على مَا إِذا شعز الزَّمَان عَن الإِمَام فَإِن أَحْكَام الرعايا لَا يُمكن تعطيلها فَلذَلِك ينفذ الْقَضَاء بِحكم الْحَاجة أما الْغرم فَهُوَ وَاجِب بِالْإِتْلَافِ فِي غير الْقِتَال على الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا أما فِي الْقِتَال فَلَا غرم على الْعَادِل وَمَا يتلفه الْبَاغِي فِي الْقِتَال فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَنه يجب لِأَنَّهُ أتلف مَالا مَعْصُوما بِغَيْر حق وَالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله أَنه لَا يجب كَمَا فِي أهل الْحَرْب لِأَن الْمُؤَاخَذَة بتبعات الْقِتَال تمنع من الْفَيْئَة

وَالطَّاعَة وَلذَلِك أتلفت أَمْوَال وأريقت دِمَاء فِي قتال مُعَاوِيَة وَعلي رَضِي الله عَنْهُمَا وَكَانَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ يعرف الْقَاتِل وَمَا اقْتصّ من أحد وَلَا غرم وَإِن قُلْنَا لَا ضَمَان فَفِي الْكَفَّارَة وَجْهَان وَوجه الْإِسْقَاط الإهدار كَمَا فِي أهل الْحَرْب فَإِن قُلْنَا يجب الضَّمَان فَفِي الْقصاص وَجْهَان لأجل الشُّبْهَة فَإِن لم نوجب الْقصاص فَالدِّيَة على الْعَاقِلَة أَو على الْجَانِي فِيهِ خلاف كَمَا لَو قتل إنْسَانا على ظن أَنه كَافِر هَذَا إِذا وجد الشَّوْكَة والتأويل فَإِن وجد تَأْوِيل بِلَا شَوْكَة وَجب الضَّمَان قتل ابْن ملجم أَخْزَاهُ الله عليا كرم الله وَجهه فأقيد بِهِ وَكَانَ من تَأْوِيله أَن امْرَأَة زعمت أَن عليا رَضِي الله عَنهُ قتل أقاربها فَوَكَّلَتْهُ بِاسْتِيفَاء الْقصاص وَأما الشَّوْكَة دون التَّأْوِيل فطريقان مِنْهُم من قطع بِوُجُوب الضَّمَان كَمثل وَاقعَة مانعي الزَّكَاة وَمِنْهُم من أجْرى الْقَوْلَيْنِ لِأَن إِسْقَاط الْقصاص وَإِسْقَاط التّبعِيَّة للترغيب فِي الطَّاعَة وأجرى الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ ترديد الْقَوْلَيْنِ فِي الْمُرْتَدين إِذا أتلفوا فِي الْقِتَال وَقيل هُوَ أولى بالسقوط لمشابهة أهل الْحَرْب فَأَما وجود الإِمَام فَلَيْسَ بِشَرْط لسُقُوط الضَّمَان

الطّرف الثَّالِث فِي كَيْفيَّة الْقِتَال ويرعى فِيهِ أُمُور الأول أَنا لَا نغتالهم بل نقدم النذير أَولا فَإِن لم يرجِعوا إِلَى الطَّاعَة قاتلناهم وَفِي أَوَاخِر الْقِتَال لَا نتبع مدبرهم وَلَا نذفف على جريحهم لِأَن قِتَالهمْ مثل الدّفع عَن منع الطَّاعَة وَالْمُدبر من سَقَطت شوكته وَأمن غائلته لَا من يتحرف من جَانب إِلَى جَانب فَلَو تبددوا سَقَطت شوكتهم وَلَكِن يتَوَهَّم اجْتِمَاعهم فَهَل يجوز اتباعهم بِالْقَتْلِ فِيهِ وَجْهَان ينظر فِي أَحدهمَا إِلَى الْحَال وَفِي الثَّانِي إِلَى غائلة الْمَآل وَكَذَا من انهزم على أَن يتَّصل بفئة أُخْرَى الثَّانِي أَن أسيرهم لَا يقتل وَلَا يُطلق مَا داموا على شوكتهم فَإِذا بطلت الشَّوْكَة وَكَانَ اجْتِمَاعهم فِي الْمَآل متوقعا فَفِي إِطْلَاقه وَجْهَان فَأَما نِسَاؤُهُم وذراريهم فيخلى سبيلهم وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله نحبسهم فَفِي ذَلِك كسر قُلُوبهم وَأما أسلحتهم وخيولهم فَلَا يحل اسْتِعْمَالهَا فِي الْقِتَال خلافًا

لأبي حنيفَة رَحمَه الله لَكِن إِنَّمَا ترد إِلَيْهِم إِذا جَازَ إِطْلَاق أسيرهم وَالصَّبِيّ الْمُرَاهق وَالْعَبْد كالخيل وَالصَّغِير كالنسوان الثَّالِث لَا ننصب عَلَيْهِم المجانيق وَلَا نوقد عَلَيْهِم النيرَان وَلَا نرسل السُّيُول الجارفة وَكَذَا كل سَبَب يعم إِلَّا إِذا كَانَ بِحَيْثُ نصطلم لَو لم نَفْعل لِأَن هَذِه الْأَسْبَاب لَا يُمكن حسمها وَرُبمَا يرجعُونَ فِي أَثْنَائِهَا وَإِن تحَصَّنُوا بقلعة وَلم يتَوَصَّل إِلَّا بِهَذِهِ الْأَسْبَاب فَإِن كَانَ فيهم رعايا لم يجز وَإِن لم يكن إِلَّا الْمُقَاتلَة فَفِيهِ نظر وَالْأولَى مَنعه والإقتصار على المحاصرة والتضييق

الرَّابِع لَا يَنْبَغِي أَن يقتل الْعَادِل وَاحِدًا من أرحامه وَلَا يَنْبَغِي أَن يَسْتَعِين الإِمَام بِأَهْل الشّرك عَلَيْهِم وَلَا بِمن يرى قتل مدبرهم الْخَامِس إِن اسْتَعَانَ الْبُغَاة علينا بِأَهْل الْحَرْب لم ينفذ أمانهم علينا وَاتَّبَعنَا مُدبر أهل الْحَرْب وَهل ينفذ الْأمان فِي حق أهل الْبَغي فِيهِ وَجْهَان الصَّحِيح أَنه لَا ينفذ لِأَنَّهُ بني على الْفساد لَكِن لَا يجوز لَهُم الاغتيال بِكُل أَمَان فَاسد وَيجوز لنا اغتيالهم وَقيل إِنَّه لَا يجوز إِذا انْعَقَد لَهُم أَمَان فَاسد وَهُوَ ضَعِيف نعم لَو قَالَ أهل الْحَرْب ظننا أَنهم المحقون فَفِي إلحاقهم بمأمنهم خلاف وَمِنْهُم من قَالَ لَا نبالي بظنونهم وَلَو استعانوا بطَائفَة من أهل الذِّمَّة انْتقض عَهدهم فنقتل مدبرهم ونغنم مَالهم وَفِيه وَجه أَنهم إِذا انْهَزمُوا ألحقاهم بمأمنهم فَإِن كَانُوا مكرهين لم ينْتَقض عَهدهم فَلَا نتبع مدبرهم فَإِن قَالُوا ظننا انهم الفئة المحقة فَفِي انْتِقَاض الْعَهْد قَولَانِ التَّفْرِيع حَيْثُ ألحقناهم بِأَهْل الْحَرْب غنمنا مَالهم وَلَا ضَمَان عَلَيْهِم فِيمَا يتلفون فَإِن قُلْنَا لَا بُد من تبليغهم مأمنهم فَمَا أتلفوه مَضْمُون عَلَيْهِم إِذْ بَقِي فِي حَقنا عُهْدَة الْأمان فَيبقى عَلَيْهِم عُهْدَة الضَّمَان فَإِن فرعنا على أَن الْعَهْد لَا ينْتَقض فِي بعض الصُّور قطع الْأَصْحَاب بِوُجُوب الضَّمَان عَلَيْهِم لِأَن الْإِسْقَاط عَن الْبُغَاة لترغيبهم فِي الطَّاعَة وَلَا يجْرِي ذَلِك فِي الذِّمِّيّ السَّادِس من يُوجد مِنْهُم قَتِيلا يغسل وَيُصلي عَلَيْهِ وَلَيْسَ بِشَهِيد وَقَالَ

أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا يغسل وَلَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إهانة لَهُم والعادل إِذا قتل فِي المعترك فَقَوْلَانِ فِي كَونه شَهِيدا وَلَا يَنْقَطِع التَّوَارُث بَينهم بَين أهل الْعدْل

الْجِنَايَة الثَّانِيَة الرِّدَّة وَالنَّظَر فِي أَرْكَان الرِّدَّة وأحكامها الطّرف الأول فِي الرِّدَّة وَهُوَ عبارَة عَن قطع الْإِسْلَام من مُكَلّف احترزنا بِالْقطعِ عَن الْكفْر الْأَصْلِيّ وبالمكلف عَن الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَفِي السَّكْرَان قَولَانِ لتردده بَين الصاحي وَالْمَجْنُون وعَلى طَرِيق يَصح تنفيذا لما عيه دون مَا لَهُ وعَلى هَذَا لَو أسلم فِي السكر لَا يَصح فليعد الْإِسْلَام إِذا أَفَاق فَلَو قتل قبل الْإِفَاقَة فمهدر وَإِن قُلْنَا تصح ردته لِأَنَّهُ كالصاحي فَيصح إِسْلَامه لَكِن إِذا أَفَاق جددنا عَلَيْهِ التَّوْبَة فَلَو قتل قبل التَّجْدِيد فَالصَّحِيح وجوب الضَّمَان وَقيل لَا يجب أخذا من اللَّقِيط إِذا قتل بعد الْبلُوغ وَقبل أَن ينْطق بِالْإِسْلَامِ وَوجه الشُّبْهَة أَنه إِسْلَام حكمي لَا عَن قصد صَحِيح وَهُوَ ضَعِيف لِأَن الرِّدَّة أَيْضا كَانَ كَذَلِك فَيَكْفِي لتِلْك الرِّدَّة هَذَا الْإِسْلَام إِلَّا أَن يخصص ذَلِك الْوَجْه بِأَن يرْتَد صَاحِيًا ثمَّ أسلم فِي السكر وَأما نفس الرِّدَّة فَهُوَ نطق بِكَلِمَة الْكفْر استهزاء أَو اعتقادا أَو عنادا وَمن الْأَفْعَال عبَادَة الصَّنَم وَالسُّجُود للشمس وَكَذَلِكَ إِلْقَاء الْمُصحف فِي القاذورات وكل فعل هُوَ صَرِيح فِي الإستهزاء بِالدّينِ وَكَذَلِكَ السَّاحر يقتل إِن كَانَ مَا سحر بِهِ كفرا بِأَن كَانَ فِيهِ عبَادَة شمس أَو مَا يضاهيه

فروع الأول إِذا شهد اثْنَان على أَنه ارْتَدَّ فَقَالَ كذبا لم يَنْفَعهُ التَّكْذِيب لكنه يَنْفَعهُ تَجْدِيد الْإِسْلَام فِي رد الْقَتْل وَلَا ينفع فِي بينونة زَوجته وَلَو قَالَ صدقا ولكنني كنت مكْرها فَإِن ظهر مخايل الْإِكْرَاه بِأَن كَانَ أَسِيرًا بَين الْكفَّار فَالْقَوْل قَوْله وَإِن لم تكن مخايل الْإِكْرَاه حكم بالبينونة وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يخصص بِمَا إِذا حكى الشَّاهِد كلمة الرِّدَّة وَلَا يَنْبَغِي أَن تقبل الشَّهَادَة مُطلقًا لِأَن للنَّاس فِي التَّكْفِير مَذَاهِب مُخْتَلفَة فَإِذا نقل الشَّاهِد كلمة هِيَ ردة وَلم يقل ارْتَدَّ وَلكنه قَالَ قَالَ كَذَا فَقَالَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ صدق وَلَكِن كنت مكْرها قَالَ الشيح أَبُو مُحَمَّد رَحمَه الله يصدق إِذْ لَيْسَ فِي تَصْدِيقه تَكْذِيب الشُّهُود بِخِلَاف مَا إِذا شهدُوا على الرِّدَّة فَإِن كَونه مكْرها يدْفع الرِّدَّة وَلَكِن الْجَزْم أَن يجدد الْإِسْلَام فَلَو قَتله مبادر قبل التَّجْدِيد فَفِي الضَّمَان وَجْهَان مأخوذان من تقَابل الْأَصْلَيْنِ وَهُوَ عدم الْإِكْرَاه وَبَرَاءَة الذِّمَّة الثَّانِي إِذا خلف الْمُسلم ابْنَيْنِ فَقَالَ أَحدهمَا مَاتَ أبي كَافِرًا وَأنكر الآخر فَفِي حِصَّة الْمقر قَولَانِ أَحدهمَا أَنه للفيء مؤاخذاة لَهُ بِإِقْرَارِهِ الثَّانِي أَنه يصرف إِلَيْهِ لِأَن للنَّاس أغراضا فِي التَّكْفِير ومذاهب

وَهُوَ لم يُصَرح بِهِ 3 وَالصَّحِيح أَن يستفصل فَإِن فسر بِمَا هُوَ كفر صرف إِلَى الْفَيْء وَإِلَّا صرف إِلَيْهِ فَإِن لم يُفَسر توقف الثَّالِث الْأَسير إِذا ارْتَدَّ مكْرها فَإِذا أفلت أمرناه بالتجديد وَإِن أَبى تبين أَنه كَانَ مُرْتَدا بِالِاخْتِيَارِ هَكَذَا قَالَه الْعِرَاقِيُّونَ وَفِيه نظر لِأَن الْمُسلم لَا يكفر بِمُجَرَّد الِامْتِنَاع عَن تَجْدِيد الْإِسْلَام وَحكم الْإِسْلَام كَانَ دَائِما لَهُ ثمَّ قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ إِذا ارْتَدَّ الْأَسير مُخْتَارًا ثمَّ رَأَيْنَاهُ يُصَلِّي صَلَاة الْمُسلمين حكم بِإِسْلَامِهِ بِخِلَاف الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَفِي الْفرق إِشْكَال

الطّرف الثَّانِي فِي حكم الرِّدَّة وَذَلِكَ يظْهر فِي نفس الْمُرْتَد وَولده وَمَاله وَفِي أُمُور أخر ذَكرنَاهَا فِي موَاضعهَا أما نَفسه فتهدر فِي الْحَال وَيجب قَتله إِن لم يتب فَإِن تَابَ تقبل إِلَّا إِذا كَانَ زنديقا فَفِي قبُول تَوْبَته أَرْبَعَة أوجه الظَّاهِر أَنه تقبل إِذْ بَاب الْهِدَايَة غير محسوم فَلَعَلَّهُ اهْتَدَى وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هلا شققت عَن قلبه تَنْبِيها على أَن النّظر إِلَى الظَّاهِر دون السرائر وَالثَّانِي لَا تقبل لِأَن التقية عِنْد الْخَوْف عين الزندقة وَالثَّالِث أَنه إِن أسلم ابْتِدَاء من غير مُطَالبَة قبل وَإِن كَانَ تَحت السَّيْف فَلَا وَالرَّابِع أَنه إِن كَانَ دَاعيا إِلَى الضلال لم تقبل وَإِلَّا فَتقبل وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق الْمروزِي رَحمَه الله إِنَّمَا تقبل تَوْبَة الْمُرْتَد مرّة وَاحِدَة وَإِن أعَاد ثَانِيًا لم تقبل وَهُوَ بعيد إِذْ من يتَصَوَّر أَن يخطىء مرّة يتَصَوَّر أَن يخطىء مرَّتَيْنِ

وَفِي الْمُبَادرَة إِلَى قتل الْمُرْتَد قَولَانِ أَحدهمَا يُبَادر إِلَى ذَلِك لِأَن جِنَايَته قد تمت وَالثَّانِي يُمْهل ثَلَاثَة أَيَّام لما رُوِيَ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي مُرْتَد بَادر أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رَضِي الله عَنهُ إِلَى قَتله اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأ إِلَيْك مِمَّا فعله أَبُو مُوسَى هلا حبستموه ثَلَاثًا تلقونَ إِلَيْهِ كل يَوْم رغيفا لَعَلَّه يَتُوب التَّفْرِيع إِن قُلْنَا الْإِمْهَال لَا يجب فَيُسْتَحَب أَو يمْنَع فِيهِ وَجْهَان فَإِن قُلْنَا يمْنَع فَإِن قَالَ أمهلوني ريثما تجلو شبهتي بالمناظرة فَهَل يناظر فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا نعم لِأَن الْحجَّة مُقَدّمَة على السَّيْف وَالثَّانِي لَا لِأَن الخيالات الْفَاسِدَة لَا حصر لَهَا فليقبل الْإِسْلَام ظَاهرا ثمَّ يبْحَث وَأما ولد الْمُرْتَد فَإِن تراخت الرِّدَّة عَن الْولادَة فَالْوَلَد مُسلم فَإِن علقت مرتدة من مُرْتَد فَفِي الْوَلَد ثَلَاثَة أَقْوَال

أَحدهَا أَنه كَافِر أُصَلِّي وَالثَّانِي أَنه مُرْتَد يردد بعد الْبلُوغ بَين الْإِسْلَام وَالسيف وَيكون أُسْوَة أَبَوَيْهِ وَالثَّالِث أَنه مُسلم لِأَن علقَة الْإِسْلَام بَاقِيَة فِي الْمُرْتَد وَالْإِسْلَام يَعْلُو وَلَو خلف المعاهدون أَوْلَادًا فِيمَا بَيْننَا فإمَّا أَن نقبل مِنْهُم الْجِزْيَة أَو نلحقهم بمأمنهم وَأما أهل الرِّدَّة فَإِن التحقوا بدار الْحَرْب فَلَا يثبت لَهُم حكم أهل الْحَرْب فِي الإسترقاق خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَأما مَال الْمُرْتَد فَفِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يَزُول ملكه فِي الْحَال كملك النِّكَاح وَالثَّانِي لَا إِذْ لَا إهانة فِيهِ على الْمُسلم بِخِلَاف النِّكَاح وَالثَّالِث أَنه مَوْقُوف فَإِن مَاتَ أَو قتل على الرِّدَّة تبين زَوَال ملكه إِلَى أهل الْفَيْء وَإِن عَاد تبين اسْتِمْرَار ملكه

التَّفْرِيع إِن قُلْنَا بِزَوَال ملكه فَكل دين كَانَ لزمَه قبل الرِّدَّة يقْضِي من مَاله كَمَا يقْضِي من تَرِكَة الْمَيِّت وَلَا خلاف أَنه ينْفق عَلَيْهِ من مَاله وَهل ينْفق على أَقَاربه الْمُسلمين وَهل تقضى دُيُونه الَّتِي التزمها فِي الرِّدَّة بإتلافه فِيهِ وَجْهَان فَلَو احتطب حصل الْملك للفيء كَمَا يحصل باحتطاب العَبْد للسَّيِّد وَكَذَا فِي اتهابه وشرائه من الْخلاف مَا فِي العَبْد وَلَا خلاف أَنه إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام عَاد ملكه وَرَهنه كَمَا يعود إِن صَار الْخمر خلا وَإِن فرعنا على بَقَائِهِ فللسلطان ضرب الْحجر عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّف نظرا للفيء ثمَّ هَل يتحجر بِالرّدَّةِ أم يحْتَاج إِلَى حجر السُّلْطَان فِيهِ خلاف ثمَّ ذَلِك الْحجر كحجر السَّفِيه أَو الْمُفلس فِيهِ خلاف وحكمهما مَذْكُور فِي مَوْضِعه فَإِن قُلْنَا يحْتَاج إِلَى ضرب الْحجر نفذ تصرفه قبله وَقيل هُوَ كتصرف الْمَرِيض وَتَكون حُقُوق أهل الْفَيْء كحقوق الْغُرَمَاء حَتَّى لَا ينفذ مَعَه التَّبَرُّعَات وَلَا فِي الثُّلُث

وَإِن فرعنا على الْوَقْف لم ينفذ مِنْهُ إِلَّا كل تصرف قَابل للْوَقْف
كتاب حد الزِّنَا

الْجِنَايَة الثَّالِثَة هِيَ الزِّنَا وَهِي جريمة مُوجبَة للعقوبة إِمَّا الرَّجْم وَإِمَّا الْجلد وَالنَّظَر فِي طرفين الأول فِي الْمُوجب والموجب والضبط فِيهِ أَن إيلاج الْفرج فِي الْفرج الْمحرم قطعا المشتهي طبعا إِذا انْتَفَت الشُّبْهَة عَنهُ سَبَب لوُجُوب الرَّجْم على الْمُحصن ولوجوب الْجلد والتغريب على غير الْمُحصن وَفِي الرابطة قيود لَا بُد من كشفها أما الْإِحْصَان فَهُوَ عبارَة عَن ثَلَاثَة خِصَال التَّكْلِيف وَالْحريَّة والإصابة فِي نِكَاح صَحِيح فَإِذا انْتَفَى التَّكْلِيف سقط أصل الْحَد فَلَا حد على الْمَجْنُون وَالصَّبِيّ وَإِذا انْتَفَت الْإِصَابَة فقد سقط الرَّجْم وَوَجَب جلد مائَة وتغريب عَام وَلَا تقوم الْإِصَابَة فِي ملك الْيَمين مقَامه وَأما فِي النِّكَاح الْفَاسِد وَوَطْء الشُّبْهَة فَقَوْلَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يحصن كَمَا فِي التَّحْلِيل وَالأَصَح أَنه لَا يشْتَرط وُقُوع الْإِصَابَة بعد الْحُرِّيَّة والتكليف وَفِيه وَجه أَنه لَا أثر للإصابة فِي الصِّبَا وَالْجُنُون وَالرّق إِذْ لَيْسَ يحصل التحصن بالمباح بِهِ

وَلَا خلاف أَنه لَا يعْتَبر وجود هَذِه الْخِصَال فِي الواطئين فالرقيق إِذا زنا بحرة رجمت وَكَذَا بِالْعَكْسِ فَإِذا وطىء الْبَالِغَة صَغِير فَفِيهِ وَجْهَان وَكَذَا بِالْعَكْسِ

وَإِنَّمَا ينقدح هَذَا فِي الَّذِي لَا يتشهي أما الْمُرَاهق فَلَا ينقدح فِيهِ خلاف إِذْ الْعَاقِلَة إِذا مكنت مَجْنُونا رجمت والمراهق المشتهي كَالْمَجْنُونِ وَالثَّيِّب إِذا زنى ببكر رجم وجلدت وَكَذَا بِالْعَكْسِ أما الْحُرِّيَّة إِذا انعدمت اقْتضى تشطير الْحَد فيجلد الرَّقِيق خمسين جلدَة وَفِي تغريبه قَولَانِ أَحدهَا أَنه لَا يغرب نظرا للسَّيِّد وَالثَّانِي أَنه يغرب وَفِي قدره وَجْهَان أَحدهمَا أَنه يغرب نصف سنة تشطيرا وَالثَّانِي أَنه يكمل لِأَن مَا يتَعَلَّق بالطباع لَا يُؤثر فِيهِ الرّقّ كمدة الْعنَّة ثمَّ فِي أصل التَّغْرِيب مسَائِل الأولى أَن الْمَرْأَة لَا نغربها إِلَّا مَعَ مرحم فَإِن كَانَت الطّرق آمِنَة فَفِي تغريبها من غير محرم وَجْهَان وَوَجهه أَن هَذَا سفر وَاجِب كالهجرة فَإِن أَوجَبْنَا الْمحرم وَلم يُوَافق إِلَّا بِالْأُجْرَةِ فأجرته عَلَيْهَا على وَجه وعَلى بَيت المَال على وَجه كَأُجْرَة الجلاد

وَهل للسُّلْطَان إِجْبَار الْمحرم بِالْأُجْرَةِ فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا لِأَنَّهُ تغريب من لَا ذَنْب لَهُ وَالثَّانِي نعم وَإِنَّمَا هُوَ استعانة فِي إِقَامَة حد فَتجب الْإِجَابَة الثَّانِيَة مَسَافَة الغربة يقدرها السُّلْطَان وَلَكِن لَا تنقص عَن مرحلَتَيْنِ لِأَن الوحشة تلتقي بتواصل الْخَبَر ثمَّ إِذا غربناه إِلَى بَلْدَة لم نمنعه من الإنتقال إِلَى أُخْرَى وَقيل يمْنَع وَهُوَ زِيَادَة حبس ضم إِلَى تغريب بِغَيْر دَلِيل نعم لَو عين الإِمَام جِهَة الْمشرق وَالْتمس جِهَة الْمغرب فَفِيهِ خلاف وَالظَّاهِر اتِّبَاع رَأْي الزَّانِي لِأَن الْغَرَض الإزعاج نعم الْغَرِيب إِذا زنى أزعجناه لينقطع عَن مَحل الْفَاحِشَة فَلَو كَانَ إِلَى وَطنه مرحلتان فَلَا نغربه إِلَى وَطنه وَإِن غربناه إِلَى بَلْدَة فانتقل إِلَى وَطنه فَفِي مَنعه نظر وَالظَّاهِر أَنه لَا يمْنَع الثَّالِثَة لَو عَاد الْمغرب إِلَى مَكَانَهُ غربناه ثَانِيًا وَلم تحسب الْمدَّة الْمَاضِيَة على الْأَظْهر لِأَن لتوالي الغربة تَأْثِيرا لَا يُنكر كتوالي الجلدات هَذَا بَيَان الْإِحْصَان أما الْإِسْلَام فَلَيْسَ من الْإِحْصَان عندنَا بل يرْجم الذِّمِّيّ إِذا

رَضِي بحكمنا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله وَقد رجم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يهوديين بإقرارهما كَانَا قد أحصنا وَذَلِكَ إِذا رَضوا بحكمنا وَلَو رَضوا فِي شرب الْخمر لم

نحدهم لأَنهم لَا يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمه وَقد التزمنا متاركتهم وَالْأَظْهَر أَن الْحَنَفِيّ يحد على شرب النَّبِيذ لِأَنَّهُ فِي قَبْضَة الإِمَام وَالْحَاجة مآسة إِلَى زَجره فَأَما قَوْلنَا إيلاج فرج فِي فرج فَيتَنَاوَل اللواط وَفِيه أَرْبَعَة أَقْوَال أَحدهَا أَنه يقتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ بِالسَّيْفِ لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من رَأَيْتُمُوهُ يعْمل عمل قوم لوط فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ وَالثَّانِي أَنه يرْجم بِكُل حَال تَغْلِيظًا

وَالثَّالِث وَهُوَ مخرج أَن الْوَاجِب التَّعْزِير وَالرَّابِع أَنه كَالزِّنَا فَيُوجب الرَّجْم على الْمُحصن وَالْجَلد على غَيره ثمَّ الْإِصَابَة فِي نِكَاح صَحِيح هَل ينقدح اعْتِبَارهَا فِي الْمَفْعُول بِهِ فِيهِ نظر وَتردد وَفِيمَا إِذا أَتَى امْرَأَة أَجْنَبِيَّة قيل هُوَ كاللواط وَقيل هُوَ كَالزِّنَا قطعا والغلام الْمَمْلُوك كَغَيْر الْمَمْلُوك وَقيل إِنَّه كَوَطْء الْأُخْت الْمَمْلُوكَة وَلَو أَتَى زَوجته أَو جَارِيَته فِي دبرهَا فَالْمَذْهَب سُقُوط الْحَد لِأَنَّهَا مَحل الإستمتاع بِخِلَاف الْغُلَام وَفِيه وَجه بعيد فَأَما قَوْلنَا مشتهى طبعا احْتِرَازًا بِهِ عَن الْإِيلَاج فِي الْمَيِّت فَلَا حد فِيهِ بل التَّعْزِير وَفِي الْبَهِيمَة قَولَانِ الْمَنْصُوص أَنه التَّعْزِير لَا غير لِأَنَّهُ غير مشتهى فِي حَالَة الإختيار وَفِيه قَول مخرج أَنه كاللواط وعَلى هَذَا فِي قتل الْبَهِيمَة وَجْهَان وَوجه الْقَتْل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فَقيل للراوي مَا ذَنْب الْبَهِيمَة فَقَالَ إِنَّمَا تقتل حَتَّى لَا تذكر

وَفِيه وَجه أَنَّهَا إِن كَانَت مأكولة ذبحت وَإِلَّا فَلَا لِأَن حُرْمَة الرّوح مرعية وَلَا تَكْلِيف فَإِن قُلْنَا تقتل وَكَانَت مُحرمَة اللَّحْم فَفِي وجوب قيمتهَا وَجْهَان أَحدهمَا لَا تجب لِأَنَّهُ مُسْتَحقَّة الْقَتْل شرعا وَالثَّانِي نعم لِأَنَّهُ السَّبَب ثمَّ تجب على الْفَاعِل أَو على بَيت المَال فِيهِ وَجْهَان وَإِن كَانَت مأكولة اللَّحْم فَفِي حل أكلهَا وَجْهَان إِذا ذبحت وَالأَصَح الْحل وَالثَّانِي لَا لِأَنَّهُ حَيَوَان وَجب قَتله فَإِن أَوجَبْنَا الْحَد فَلَا بُد من أَرْبَعَة عدُول وَإِن أَوجَبْنَا التَّعْزِير فَفِيهِ وَجْهَان وَالنَّص يدل على اشْتِرَاط الْعدَد

وَقَوْلنَا محرم احترزنا بِهِ عَن وَطْء الْمَنْكُوحَة الصائمة والمحرمة وَالْحَائِض والرجعية فَلَا حد فِيهِ إِذْ لَيْسَ التَّحْرِيم لعَينه وَقَوْلنَا قطعا احترزنا بِهِ عَن الْوَطْء بِالشُّبْهَةِ وَفِي النِّكَاح الْفَاسِد وَفِي الْمُتْعَة فَإِن فِيهِ كلَاما وَقَوْلنَا لَا شُبْهَة فِيهِ مَأْخُوذ من قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ادرءوا الْحُدُود بِالشُّبُهَاتِ والشبهة ثَلَاثَة وَهِي إِمَّا فِي الْمحل أَو الْفَاعِل أَو طَرِيق الْإِبَاحَة

أما الشُّبْهَة فِي الْمحل فكالملك فَلَا حد على من يطَأ مملوكته وَإِن كَانَت مُحرمَة عَلَيْهِ برضاع أَو نسب أَو شركَة فِي ملك أَو تَزْوِيج أَو عدَّة من الْغَيْر لِأَن الْمُبِيح قَائِم كَمَا فِي وَطْء الصَّائِم وَالْحَائِض وَإِذا وطىء جَارِيَة ابْنه وأحبلها فَلَا حد إِذْ انْتقل الْملك إِلَيْهِ وَإِن لم تحبل فَالظَّاهِر أَن لَا حد لِأَن لَهُ فِي مَاله شُبْهَة اسْتِحْقَاق الإعفاف وَللشَّافِعِيّ رَضِي الله عَنهُ قَول قديم أَن الْحَد يجب حَيْثُ يحرم الْوَطْء بِالنّسَبِ وَالرّضَاع وَيجْرِي فِي كل تَحْرِيم مؤبد وَلَا يجْرِي فِي الْحيض وَالصَّوْم وَهل يجْرِي فِي الْمَمْلُوكَة الْمُعْتَدَّة والمزوجة فِيهِ تردد وَأما الشُّبْهَة فِي الْفَاعِل فَهُوَ أَن يظنّ التَّحْلِيل كَمَا لَو زفت إِلَيْهِ غيرت زَوجته فظنها زَوجته أَو صَادف امْرَأَة على فرَاشه ظَنّهَا زَوجته الْقَدِيمَة أَو عقد عقدا ظَنّه صَحِيحا وَلَيْسَ بِصَحِيح فَلَا حد إِذْ لَا إِثْم مَعَ الظَّن وَأما الشُّبْهَة فِي الطّرق فَهُوَ كل مَا اخْتلف الْعلمَاء فِي إِبَاحَته فَلَا حد على الواطىء فِي نِكَاح الْمُتْعَة لمَذْهَب ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ وَفِي نِكَاح بِلَا ولي لمَذْهَب أبي حنيفَة رَحمَه الله وَبلا شُهُود لمَذْهَب مَالك رَحمَه الله وَفِي الْقَدِيم قَول أَنه يجب فِي نِكَاح الْمُتْعَة لِأَنَّهُ ثَبت نسخه قطعا وَذهب الصَّيْرَفِي إِلَى إِيجَابه فِي نِكَاح بِلَا ولي حَتَّى على الْحَنَفِيّ لظُهُور الْأَخْبَار فِيهِ وَجعله كالحنفي إِذا شرب النَّبِيذ وَهُوَ بعيد

وَمَا جَاوز هَذِه الشُّبُهَات فَلَا عِبْرَة بهَا عندنَا فَيجب الْحَد على من نكح أمه أَو مَحَارمه أَو زنى بهَا وَكَذَا إِذا استؤجرت للزِّنَا أَو أَبَاحَتْ الْمَرْأَة نَفسهَا أَو جاريتها أَو زنا نَاطِق بخرساء أَو أخرس بناطقة أَو عَاقِلَة مكنت مَجْنُونا أَو اعْترف أحد الواطئين

دون الثَّانِي أَو زنا بِامْرَأَة يسْتَحق عَلَيْهَا الْقصاص أَو زنا فِي دَار الْحَرْب وَخَالف أَبُو حنيفَة رَحمَه الله فِي جَمِيع ذَلِك نعم اخْتلف أَصْحَابنَا فِي إِقَامَة الْحَد فِي دَار الْحَرْب لما فِيهِ من إثارة الْفِتْنَة وَاخْتلفُوا فِي الْمُكْره على الزِّنَا وَالظَّاهِر أَنه لَا يجب أما الْمَرْأَة إِذا أكرهت على التَّمْكِين من الزِّنَا فَلَا خلاف أَنه لَا حد عَلَيْهَا هَذَا بَيَان مُوجب الْحَد وَيَنْبَغِي أَن يظْهر للْقَاضِي بِجَمِيعِ قيوده وحدوده حَتَّى يجوز لَهُ إِقَامَة الْحُدُود وَذَلِكَ بِالشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَار وَيَكْفِي الْإِقْرَار مرّة وَاحِدَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله لَا بُد من التّكْرَار حَتَّى قَالَ لَو ثَبت الْحَد بِالشَّهَادَةِ فَصدق الشُّهُود فَلَا حد وَإِن كذب أقيم

الْحَد وَلَا خلاف عندنَا أَنه إِذا رَجَعَ وَكذب نَفسه لم نقم الْحَد لِأَن حق الله تَعَالَى على المساهلة وَالْقصاص لَا يسْقط بِالرُّجُوعِ وَفِي حد السّرقَة خلاف وَالْأَظْهَر أَنه يسْقط وَهل ينزل منزلَة الرُّجُوع التماسه ترك الْحَد أَو هربه أَو امْتِنَاعه من التَّمْكِين فِيهِ وَجْهَان أقيسهما أَنه لَا يُؤثر وَوجه الْإِعْرَاض عَنهُ أَن شَارِب خمر هم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بحده فهرب ولاذ بدار الْعَبَّاس فَلم يتَعَرَّض لَهُ ثمَّ هَذَا إِنَّمَا ينفع فِيمَا يثبت بِالْإِقْرَارِ فَإِن ثَبت بِالشَّهَادَةِ لم يَنْفَعهُ شَيْء إِلَّا التَّوْبَة وَفِيه قَولَانِ أصَحهمَا أَنه لَا يسْقط إِذْ يصير ذَلِك ذَرِيعَة

وَالثَّانِي أَنه يسْقط كَمَا يسْقط عَن قطاع الطَّرِيق إِذا تَابُوا قبل الظفر بهم كَمَا ورد بِهِ الْقُرْآن وَفِي تَوْبَته بعد الظفر بِهِ أَيْضا قَولَانِ والهرب لَا يبعد أَن يُؤثر على رَأْي وَإِن ثَبت بِالشَّهَادَةِ وَفِي المسقطات فِي الشَّهَادَة عَلَيْهِ مسَائِل إِحْدَاهَا لَو شهد أَرْبَعَة على زنا امْرَأَة لَكِن شهد اثْنَان على أَنَّهَا مطاوعة وَاثْنَانِ أَنَّهَا مُكْرَهَة فَلَا حد عَلَيْهَا وَفِي وجوب حد الْقَذْف على شَاهِدي المطاوعة قَولَانِ إِذْ لم يكمل عدد شَهَادَتهم أما الرجل الْمَذْكُور بِالزِّنَا فقد كمل الْعدَد فِي حَقه فَإِن حددنا الشَّاهِدين حد الْقَذْف فقد صَارا فاسقين فَلَا يجب الْحَد على الرجل بِشَهَادَتِهِمَا وَإِن قُلْنَا لَا حد عَلَيْهِمَا فَالْأَظْهر وجوب حد الزِّنَا عَلَيْهِ وَفِيه وَجه من حَيْثُ إِن اخْتِلَاف الشَّهَادَة فِي الصّفة أورث إشْكَالًا فِي الأَصْل الثَّانِيَة لَو شهد أَرْبَعَة على زنَاهَا فشهدن أَرْبَعَة على أَنَّهَا عذراء فَلَا حد عَلَيْهَا وَلَا يجب حد الْقَذْف على الشُّهُود لاحْتِمَال عود الْعذرَة فَيسْقط كل حد بِاحْتِمَال الثَّالِثَة لَو شهد أَرْبَعَة على الزِّنَا وَعين كل وَاحِد زَاوِيَة أُخْرَى من الْبَيْت فَلَا حد عندنَا خلافًا لأبي حنيفَة رَحمَه الله

الطّرف الثَّانِي فِي الِاسْتِيفَاء وَالنَّظَر فِي كيفيته ومتعاطيه أما الْكَيْفِيَّة فيرعى مِنْهَا أَرْبَعَة أُمُور أَحدهَا حُضُور الْوَالِي وَالشُّهُود وبداية الشُّهُود بِالرَّمْي وَذَلِكَ مُسْتَحبّ عندنَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة رَحمَه الله يجب حُضُور الْوَالِي إِن ثبتَتْ بِالْإِقْرَارِ وَحُضُور الشُّهُود إِن ثبتَتْ بِالشَّهَادَةِ وَيجب بدايتهم بِالرَّمْي

الثَّانِي حِجَارَة الرَّجْم لَا بُد مِنْهَا فَلَو عدل إِلَى السَّيْف وَقع الْموقع وَلَكِن فِيهِ ترك التنكيل الْمَقْصُود ثمَّ لَا يَنْبَغِي أَن يثخن بصخرة كَبِيرَة دفْعَة وَلَا أَن يطول عَلَيْهِ بحصيات خَفِيفَة الثَّالِث إِن كَانَ الزَّانِي مَرِيضا وَهُوَ مرجوم فيرجم لِأَنَّهُ مستهلك وَإِن كَانَ يجلد فيؤخر إِلَى الْبُرْء إِن كَانَ منتظرا وَلَا يحبس إِن ثبتَتْ بِإِقْرَارِهِ لِأَنَّهُ مهما أَرَادَ قدر على الرُّجُوع وَإِن ثبتَتْ بِالْبَيِّنَةِ حبس كَمَا تحبس الْحَامِل وَإِن كام مجروحا وَلَا ينظر زَوَال مَا بِهِ وَلَا يحْتَمل مائَة جلدَة فقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مثله خُذُوا عثْكَالًا عَلَيْهِ مائَة شِمْرَاخ فاجلدوه بِهِ وَالْأَظْهَر أَنه يضْرب بِهِ ضربا فِيهِ إيلام وَلَا يَكْتَفِي بِمَا يكْتَفى بِهِ فِي الْيَمين وَلَا يشْتَرط أَن تمسه جَمِيع الشماريخ بل يَكْفِي أَن تتثاقل عَلَيْهِ وتنكبس فَلَو كَانَ عَلَيْهِ خَمْسُونَ ضَرَبْنَاهُ مرَّتَيْنِ فَلَو كَانَ يحْتَمل كل يَوْم سَوْطًا فَلَا نفرق بل يجلد فِي الْحَال وَلَو كَانَ يحْتَمل سياطا خفافا

فَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه يعدل إِلَى العثكال لإِطْلَاق الْخَبَر وَيحْتَمل أَن يُقَال ذَلِك أقرب إِلَى الْحَد فَإِذا ضَرَبْنَاهُ بالعثكال فَزَالَ مَرضه على الندور لم نعد الْحَد بِخِلَاف حج المعضوب الرَّابِع الزَّمَان فَلَا يُقَام الْجلد فِي فرط الْحر وَالْبرد بل يُؤَخر إِلَى اعْتِدَال الْهَوَاء وَالرَّجم إِن ثَبت بِالْبَيِّنَةِ يُقَام بِكُل حَال وَإِن ثَبت بِالْإِقْرَارِ يُؤَخر إِلَى اعْتِدَال الْهَوَاء لِأَنَّهُ رُبمَا يرجع إِذا مسته الْحِجَارَة فيسري الْقَلِيل مِنْهُ فِي الْحر وَإِذا بَادر الإِمَام فِي الْحر المفرط فجلد وَمَات فالنص أَنه لَا يضمن وَنَصّ أَنه لَو ختن الإِمَام مُمْتَنعا عَن الْخِتَان فِي الْحر فسرى ضمن فَقيل قَولَانِ بِالنَّقْلِ والتخريج أَحدهمَا أَنه يضمن لإفراطه فِي البدار فِي غير وقته وَالثَّانِي لَا يجب لِأَن الْحَد مُسْتَحقّ وَلم يزدْ على الْمُسْتَحق وَقيل بِالْفرقِ لِأَن الْخِيَار لَيْسَ إِلَى الْوُلَاة فِي الأَصْل فَجَاز بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة بِخِلَاف الْحَد فَإِن قُلْنَا يضمن أَوجَبْنَا التَّأْخِير وَإِن قُلْنَا لَا جعلنَا التَّأْخِير مُسْتَحبا لَا وَاجِبا وَيجوز أَن يُقَال يُبَاح التَّعْجِيل وَلَكِن بِشَرْط سَلامَة الْعَاقِبَة

ثمَّ يحْتَمل أَن يُقَال شَرطه أَن تغلب السَّلامَة مِنْهُ إِذْ لَيْسَ المُرَاد من الْحَد الْقَتْل حَتَّى لَو تعدى بِهِ مُتَعَدٍّ فَلَا قصاص وَيحْتَمل أَن يُقَال لَا يعْتَبر ذَلِك إِلَّا فِي التَّعْزِير أما الْحَد فَلَا يبعد أَن يكون قَاتلا فَلَا يجب الْقصاص بِهِ وَمن مَاتَ بِه&