Translate

الجمعة، 20 مايو 2022

ج5. الروض الأنف للسهيلي { رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ فِي حُكْمِ الرّجْمِ}

 

ج5. الروض الأنف 

  رُجُوعُهُمْ إلَى النّبِيّ فِي حُكْمِ الرّجْمِ
[ ص 423 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ أَنّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يُحَدّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيّبِ ، أَنّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدّثَهُمْ أَنّ أَحْبَارَ يَهُودَ اجْتَمَعُوا فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ حِينَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَقَدْ زَنَى رَجُلٌ مِنْهُمْ بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةِ مِنْ يَهُودَ قَدْ أُحْصِنَتْ فَقَالُوا : ابْعَثُوا بِهَذَا الرّجُلِ وَهَذِهِ الْمَرْأَةِ إلَى مُحَمّدٍ فَسَلُوهُ كَيْفَ الْحُكْمُ [ ص 424 ] بِقَارِ ثُمّ تُسَوّدُ وُجُوهُهُمَا ، ثُمّ يُحْمَلَانِ عَلَى حِمَارَيْنِ وَتُجْعَلُ وُجُوهُهُمَا مِنْ قِبَلِ أَدْبَارِ الْحِمَارَيْنِ - فَاتّبِعُوهُ فَإِنّمَا هُوَ مَلِكٌ وَصَدّقُوهُ وَإِنْ هُوَ حَكَمَ فِيهِمَا بِالرّجْمِ فَإِنّهُ نَبِيّ ، فَاحْذَرُوهُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيكُمْ أَنْ يَسْلُبَكُمُوهُ . فَأَتَوْهُ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَذَا رَجُلٌ قَدْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِامْرَأَةِ قَدْ أُحْصِنَتْ فَاحْكُمْ فِيهِمَا ، فَقَدْ وَلّيْنَاك الْحُكْمَ فِيهِمَا . فَمَشَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى أَتَى أَحْبَارَهُمْ فِي بَيْتِ الْمِدْرَاسِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ أَخْرِجُوا إلَيّ عُلَمَاءَكُمْ فَأُخْرِجَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ أَنّهُمْ قَدْ أَخَرَجُوا إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مَعَ ابْنِ صُورِيَا ، أَبَا يَاسِرٍ بْنَ أَخْطَبَ وَوَهْبَ بْنَ يَهُوذَا ، فَقَالُوا : هَؤُلَاءِ عُلَمَاؤُنَا . فَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ حَصَلَ أَمْرُهُمْ إلَى أَنْ قَالُوا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ صُورِيَا : هَذَا مِنْ أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِنْ قَوْلِهِ " وَحَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي قُرَيْظَةَ - إلَى أَعْلَمِ مَنْ بَقِيَ بِالتّوْرَاةِ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَمَا بَعْدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ الّذِي قَبْلَهُ . فَخَلَا بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ غُلَامًا شَابّا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنّا فَأَلَظّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَسْأَلَةَ يَقُولُ لَهُ يَا ابْنَ صُورِيَا ، أَنْشُدُك اللّهَ وَأُذَكّرُك بِأَيّامِهِ عِنْدَ بَنِي إسْرَائِيلَ هَلْ تَعْلَمُ أَنّ اللّهَ حَكَمَ فِيمَنْ زَنَى بَعْدَ إحْصَانِهِ بِالرّجْمِ فِي التّوْرَاةِ ؟ قَالَ اللّهُمّ نَعَمْ أَمَا وَاَللّهِ يَا أَبَا الْقَاسِمِ إنّهُمْ لَيَعْرِفُونَ أَنّك لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَكِنّهُمْ يَحْسُدُونَك . قَالَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ فِي بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ . ثُمّ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ ابْنُ صُورِيَا ، وَجَحَدَ نُبُوّةَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 425 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { يَا أَيّهَا الرّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الّذِينَ قَالُوا آمَنّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الّذِينَ هَادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ } أَيْ الّذِينَ بَعَثُوا مِنْهُمْ مِنْ بَعَثُوا وَتَخَلّفُوا ، وَأَمَرُوهُمْ بِمَا أَمَرُوهُمْ بِهِ مِنْ تَحْرِيفِ الْحُكْمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ . ثُمّ قَالَ { يُحَرّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ } أَيْ الرّجْمُ فَاحْذَرُوا إلَى آخِرِ الْقِصّةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِرَجْمِهِمَا ، فَرُجِمَا بِبَابِ مَسْجِدِهِ فَلَمّا وَجَدَ الْيَهُودِيّ مَسّ الْحِجَارَةِ قَامَ إلَى صَاحِبَتِهِ فَجَنَأَ عَلَيْهَا ، يَقِيهَا مَسّ الْحِجَارَةِ حَتّى قُتِلَا جَمِيعًا . قَالَ وَكَانَ ذَلِكَ مِمّا صَنَعَ اللّهُ لِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي تَحْقِيقِ الزّنَا مِنْهُمَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ ، لَمّا حَكّمُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمَا ، دَعَاهُمْ بِالتّوْرَاةِ وَجَلَسَ حَبْرٌ مِنْهُمْ يَتْلُوهَا ، وَقَدْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرّجْمِ قَالَ فَضَرَبَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَامٍ يَدَ الْحَبْرِ ثُمّ قَالَ هَذِهِ يَا نَبِيّ اللّهِ آيَةُ الرّجْمِ يَأْبَى أَنْ يَتْلُوَهَا عَلَيْك ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيْحَكُمْ يَا مَعْشَرَ يَهُودَ مَا دَعَاكُمْ إلَى تَرْكِ حُكْمِ اللّهِ وَهُوَ بِأَيْدِيكُمْ ؟ قَالَ فَقَالُوا : أَمَا وَاَللّهِ إنّهُ قَدْ كَانَ فِينَا يُعْمَلُ بِهِ حَتّى زَنَى رَجُلٌ مِنّا بَعْدَ إحْصَانِهِ مِنْ بُيُوتِ الْمُلُوكِ وَأَهْلِ الشّرَفِ فَمَنَعَهُ الْمَلِكُ مِنْ الرّجْمِ ثُمّ زَنَى رَجُلٌ بَعْدَهُ فَأَرَادَ أَنْ يَرْجُمَهُ فَقَالُوا : لَا وَاَللّهِ حَتّى تَرْجُمَ فُلَانًا ، فَلَمّا قَالُوا لَهُ ذَلِكَ اجْتَمَعُوا فَأَصْلَحُوا أَمْرَهُمْ عَلَى التّجْبِيَةِ وَأَمَاتُوا ذِكْرَ الرّجْمِ وَالْعَمَلَ بِهِ . قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنَا أَوّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَ اللّهِ وَكِتَابَهُ وَعَمِلَ بِهِ ثُمّ أَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا عِنْدَ بَابِ مَسْجِدِهِ قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَرَ : فَكُنْت فِيمَنْ رَجَمَهُمَا .
Sذِكْرُ الْمَرْجُومَةِ مِنْ الْيَهُودِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ الْمَرْجُومَةَ مِنْ الْيَهُودِ ، وَأَنّ صَاحِبَهَا الّذِي رُجِمَ مَعَهَا حَنَا عَلَيْهَا بِنَفْسِهِ لِيَقِيَهَا الْحِجَارَةَ . حَنَا بِالْحَاءِ تَقَيّدَ فِي إحْدَى الرّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ وَكَذَلِكَ فِي الْمُوَطّأِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى ، فَجَعَلَ يَحْنَى عَلَيْهَا ، وَفِي الرّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ جَنَأَ بِالْجِيمِ وَالْهَمْزِ وَعَلَى هَذِهِ الرّوَايَةِ فَسّرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَالْجَنَاءُ الِانْحِنَاءُ قَالَ الشّاعِرُ عَوْفُ بْنُ مُحَلّمٍ
وَبَدّلَتْنِي بِالشّطَاطِ الْجَنَا
وَكُنْت كَالصّعْدَةِ تَحْتَ السّنَانِ
وَفِي حُنُوّهِ عَلَيْهَا مِنْ الْفِقْهِ أَنّهُمَا لَمْ يَكُونَا فِي حُفْرَتَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِي سُنّةٍ الرّجْمِ وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ عَلِيّ رَحِمَهُ اللّهُ أَنّهُ حَفَرَ لِشُرَاحَةَ بِنْتِ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّةِ حِينَ رَجَمَهَا . وَأَمّا الْأَحَادِيثُ فَأَكْثَرُهَا عَلَى تَرْكِ الْحَفْرِ لِلْمَرْجُومِ وَاسْمُ هَذِهِ الْمَرْجُومَةِ بُسْرَةُ فِيمَا ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ [ ص 424 ] أَنْزَلَ اللّهُ { وَكَيْفَ يُحَكّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التّوْرَاةُ } الْآيَةُ إلَى قَوْلِهِ { يَحْكُمُ بِهَا النّبِيّونَ الّذِينَ أَسْلَمُوا } يَعْنِي مُحَمّدًا ، وَمَنْ حَكَمَ بِالرّجْمِ قَبْلَهُ لِأَنّهُ حَكَمَ بِالرّجْمِ لِأُولَئِكَ الْيَهُودِ الّذِينَ تَحَاكَمُوا إلَيْهِ والربانيون . يَعْنِي : عَبْدَ اللّهِ بْنَ سَلَامٍ وَابْنَ صُورِيَا مِنْ الْأَحْبَارِ بِمَا اُسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللّهِ لِأَنّهُمْ حَفِظُوا أَنّ الرّجْمَ فِي التّوْرَاةِ ، لَكِنّهُمْ بَدّلُوا وَغَيّرُوا ، وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ لِأَنّهُمْ شَهِدُوا بِذَلِكَ عَلَى الْيَهُودِ إلَى قَوْلِهِ { وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ } فَحَكَمَ بِالرّجْمِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهَذَا يُبَيّنُ لَك أَنّ الرّجْمَ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا فَسّرَهُ مَالِكٌ فِيمَا بَلَغَنِي ، وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لِلرّجُلَيْنِ لَأَحْكُمَنّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللّهِ فَحَكَمَ بِالرّجْمِ كَمَا فِي الْكِتَابِ الْمُنَزّلِ عَلَى مُوسَى ، وَعَلَى مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِمَا ، وَقَدْ قِيلَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذَا ، وَالصّحِيحُ مَا ذَكَرْنَا . [ ص 425 ] ابْنُ هِشَامٍ فِي تَفْسِيرِ الْجَهْرَةِ بِقَوْلِ أَبِي الْأَخْزَرِ الْحِمّانِيّ . وَاسْمُهُ قُتَيْبَةُ وَحِمّانُ هُوَ ابْنُ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، فَقَالَ يَجْهَرُ أَفْوَاهَ الْمِيَاهِ السّدُمِ
[ ص 426 ] يُقَالُ مَاءٌ سِدَامٌ إذَا غَطّاهُ الرّمْلُ وَجَمْعُهُ سُدّمٌ وَجَمْعُهُ عَلَى سَدُمٍ غَرِيبٌ وَيُقَالُ أَيْضًا سِدَامٌ وَأَسْدَامٌ وَنَحْوٌ مِنْ قَوْلِهِ يَجْهَرُ قَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي أَبِيهَا . وَاجْتَهَرَ لَهُمْ عَيْنَ الرّوَاءِ وَأَنْشَدَ فِي تَفْسِيرِ الْقَوْمِ وَأَنّهُ الْبُرّ :
فَوْقَ شِيزَى مِثْلَ الْجَوَابِي عَلَيْهَا
قِطَعٌ كَالْوَذِيلِ فِي نِقْيِ فُوَمِ
[ ص 427 ] أَسْوَدُ تُصْنَعُ مِنْهُ الْجِفَانُ [ مُفْرَدُهَا : جَفْنَةُ وَهِيَ الْقَصْعَةُ وَالْجَوَابِي : جَمْعُ جَابِيَةٍ الْحَوْضُ يُجْبَى فِيهِ الْمَاءُ لِلْإِبِلِ ] ، وَالْوَذِيلُ جَمْعُ وَذِيلَةٍ وَهِيَ السّبِيكَةُ مِنْ الْفِضّةِ . قَالَ الشّاعِرُ
وَتُرِيك وَجْهًا كَالْوَذْي
لة لَا رَيّانَ مُمْتَلِئٌ وَلَا جَهْمٌ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ لِمُعَاوِيَةَ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ أَلْفَيْت أَمْرَك ، وَهُوَ أَشَدّ انْفِضَاحًا مِنْ حَقّ الْكُهُولِ . كَذَلِكَ رَوَاهُ الْهَرَوِيّ وَقَالَ ابْن قُتَيْبَةَ : الْكَهْدَلُ فَمَا زِلْت أَرُمّهُ بِوَذَائِلِهِ وَأَصْلُهُ بِوَصَائِلِهِ حَتّى تَرَكْته عَلَى مِثْلِ فَلْكَةِ الْمَدْرِ . حَقّ الْكُهُولِ بَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ وَكَمَا قَالَهُ الْهَرَوِيّ قَالَهُ أَبُو عُمَرَ الزّاهِدُ فِي كِتَابِ الْيَاقُوتِ كَمَا وَقَعَ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْقُتَبِيّ قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ بْنُ الْقَزّازِ فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَهْدَلُ الْعَنْكَبُوتُ وَقِيلَ فِي الْكُهُولِ إنّهُ ثَدْيُ [ ص 429 ] وَقِيلَ فِي الْفُومِ إنّهُ الثّومُ وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَاحْتَجّ بِأَنّهُ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ : وَثُومِهَا ، وَلَا حُجّةَ فِي هَذَا لِمَا ذَكَرَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي النّبَاتِ أَنّ الثّومَ هُوَ الْبُرّ ، وَأَنّهُ يُقَالُ بِالْفَاءِ وَبِالثّاءِ وَمِنْ الشّاهِدِ عَلَى الْفُومِ وَأَنّهُ الْبُرّ قَوْلُ أَبِي أُحَيْحَةَ بْنِ الْجُلَاحِ ، وَقِيلَ هُوَ لِأَبِي مِحْجَنٍ الثّقَفِيّ قَدْ كُنْت أَغْنَى النّاسِ شَخْصًا وَاحِدًا سَكَنَ الْمَدِينَةَ عَنْ زِرَاعَةِ فُومِ [ ص 430 ] قَالَ وَهُوَ الْغَوْثُ بْنُ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ يُكَنّى أَبَا مَالِكٍ وَالْمَعْرُوفُ غِيَاثُ بْنُ الْغَوْثِ بْنِ هُبَيْرَةَ بْنِ الصّلْتِ وَسُمّيَ الْأَخْطَلَ لِقَوْلِهِ لَعَمْرُك إنّنِي وَابْنَيْ جُعَيْلٍ وَأُمّهِمَا لَاسْتَارٌ لَئِيمُ [ ص 431 ] قِيلَ إنّ كَعْبَ بْنَ جُعَيْلٍ قَالَ لَهُ فِي خَبَرٍ جَرَى بَيْنَهُمَا ، وَالْأَخْطَلُ يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ يُقَرْزِمُ أَيْ كَمَا يَبْتَدِي يَقُولُ قُبّحَ ذَاكَ الْوَجْهُ غِبّ الْحُمّهِ فَقَالَ الْأَخْطَلُ وَلَمْ يَكُنْ وَفَعَلَ كَعْبُ بْنُ جُعَيْلٍ أُمّهُ فَقَالَ جُعَيْلٌ إنّك لَأَخْطَلُ

ظُلْمُهُمْ فِي الدّيَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ الْآيَاتِ مِنْ الْمَائِدَةِ الّتِي قَالَ اللّهُ فِيهَا : { فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ } [ ص 426 ] بَنِي النّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي قُرَيْظَةَ وَذَلِكَ أَنّ قَتْلَى بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ لَهُمْ شَرَفٌ يُؤَدّونَ الدّيَةَ كَامِلَةً وَأَنّ بَنِي قُرَيْظَةَ كَانُوا يُؤَدّونَ نِصْفَ الدّيَةِ فَتَحَدّثُوا فِي ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ ذَلِكَ فِيهِمْ فَحَمَلَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْحَقّ فِي ذَلِكَ فَجَعَلَ الدّيَةَ سَوَاءً . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .

قَصْدُهُمْ الْفِتْنَةَ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ كَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا ، وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ اذْهَبُوا بِنَا إلَى مُحَمّدٍ ، لَعَلّنَا نَفْتِنُهُ عَنْ دِينِهِ فَإِنّمَا هُوَ بَشَرٌ فَأْتُوهُ فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ إنّك قَدْ عَرَفْت أَنّا أَحْبَارُ يَهُودَ وَأَشْرَافُهُمْ وَسَادَتُهُمْ وَأَنّا إنْ اتّبَعْنَاك اتّبَعَتْك يَهُودُ وَلَمْ يُخَالِفُونَا ، وَأَنّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَعْضِ قَوْمِنَا خُصُومَةٌ أَفَنُحَاكِمُهُمْ إلَيْك فَتَقْضِي لَنَا عَلَيْهِمْ وَنُؤْمِنُ بِك وَنُصَدّقُك ، فَأَبَى ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ عَلَيْهِمْ . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ { وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ وَلَا تَتّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلّوْا فَاعْلَمْ أَنّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنّ كَثِيرًا مِنَ النّاسِ لَفَاسِقُونَ أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ } .

جُحُودُهُمْ نُبُوّةَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَفَرٌ مِنْهُمْ أَبُو يَاسِرٍ بْنُ أَخْطَبَ ، وَنَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ ، وَعَازِرُ بْنُ أَبِي عَازِرٍ وَخَالِدٌ وَزَيْدٌ وَإِزَارُ بْنُ أَبِي إزَارٍ وَأَشْيَعُ فَسَأَلُوهُ عَمّنْ يُؤْمِنُ بِهِ مِنْ الرّسُلِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ نُؤْمِنُ بِاَللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِنْ رَبّهِمْ لَا نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَلَمّا ذَكَرَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ جَحَدُوا نُبُوّتَهُ وَقَالُوا : لَا نُؤْمِنُ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَلَا بِمَنْ آمَنَ بِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ [ ص 427 ] { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنّا إِلّا أَنْ آمَنّا بِاللّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } .

ادّعَاؤُهُمْ أَنّهُمْ عَلَى الْحَقّ
وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَافِعُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ، وَرَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ أَلَسْت تَزْعُمُ أَنّك عَلَى مِلّةِ إبْرَاهِيمَ وَدِينِهِ وَتُؤْمِنُ بِمَا عِنْدَنَا مِنْ التّوْرَاةِ ، وَتَشْهَدُ أَنّهَا مِنْ اللّهِ حَقّ ؟ قَالَ بَلَى ، وَلَكِنّكُمْ أَحْدَثْتُمْ وَجَحَدْتُمْ مَا فِيهَا مِمّا أَخَذَ اللّهُ عَلَيْكُمْ مِنْ الْمِيثَاقِ فِيهَا ، وَكَتَمْتُمْ مِنْهَا مَا أُمِرْتُمْ أَنّ تُبَيّنُوهُ لِلنّاسِ فَبَرِئْت مِنْ إحْدَاثِكُمْ قَالُوا : فَإِنّا نَأْخُذُ بِمَا فِي أَيْدِينَا ، فَإِنّا عَلَى الْهُدَى وَالْحَقّ وَلَا نُؤْمِنُ بِك ، وَلَا نَتّبِعُك ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتّى تُقِيمُوا التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إلَيْكُمْ مِنْ رَبّكُمْ وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إلَيْك مِنْ رَبّك طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ }

إشْرَاكُهُمْ بِاَللّهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّحّامُ بْنُ زَيْدٍ ، وَقَرْدَمُ بْنُ كَعْبٍ ، وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالُوا لَهُ يَا مُحَمّدُ أَمَا تَعْلَمُ مَعَ اللّهِ إلَهًا غَيْرَهُ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ لَا إلَهَ إلّا هُوَ بِذَلِكَ بُعِثْت ، وَإِلَى ذَلِكَ أَدْعُو . فَأَنْزَلَ اللّهُ فِيهِمْ وَفِي قَوْلِهِمْ { قُلْ أَيّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنّنِي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ الّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ الّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ }

نَهْيُهُ تَعَالَى لِلْمُؤْمِنِينَ عَنْ مُوَادّتِهِمْ
وَكَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ التّابُوتِ وَسُوَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ قَدْ أَظْهَرَا الْإِسْلَامَ وَنَافَقَا فَكَانَ رِجَالٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يُوَادّونَهُمَا . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَتّخِذُوا الّذِينَ اتّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ ص 428 ] { وَإِذَا جَاءُوكُمْ قَالُوا آمَنّا وَقَدْ دَخَلُوا بِالْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُوا بِهِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُوا يَكْتُمُونَ } .

سُؤَالُهُمْ عَنْ قِيَامِ السّاعَةِ
وَقَالَ جَبَلُ بْنُ أَبِي قُشَيْرٍ ، وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا مُحَمّدُ أَخْبِرْنَا ، مَتَى تَقُومُ السّاعَةُ إنْ كُنْت نَبِيّا كَمَا تَقُولُ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمَا : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي لَا يُجَلّيهَا لِوَقْتِهَا إِلّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنّكَ حَفِيّ عَنْهَا قُلْ إِنّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللّهِ وَلَكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لَا يَعْلَمُونَ } [ الْأَعْرَافُ 187 ] .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { أَيّانَ مُرْسَاهَا } مَتَى مُرْسَاهَا . قَالَ قَيْسُ بْنُ الْحُدَادِيّةِ الْخُزَاعِيّ
فَجِئْت وَمُخْفَى السّرّ بَيْنِي وَبَيْنَهَا
لِأَسْأَلَهَا أَيّانَ مَنْ سَارَ رَاجِعُ ؟
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَ { مُرْسَاهَا } مُنْتَهَاهَا ، وَجَمْعُهُ مَرَاسٍ . قَالَ الْكُمَيْتُ بْنُ زَيْدٍ الْأَسَدِيّ وَالْمُصِيبِينَ بَابَ مَا أَخْطَأَ النّا سُ وَمُرْسَى قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَمُرْسَى السّفِينَةِ حَتّى تَنْتَهِيَ . وَحَفِيّ عَنْهَا - عَلَى التّقْدِيمِ وَالتّأْخِيرِ - يَقُولُ يَسْأَلُونَك عَنْهَا كَأَنّك حَفِيّ بِهِمْ فَتُخْبِرُهُمْ بِمَا لَا تُخْبِرُ بِهِ غَيْرَهُمْ . وَالْحَفِيّ : الْبَرّ الْمُتَعَهّدُ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ { إِنّهُ كَانَ بِي حَفِيّا } [ مَرْيَمُ : 47 ] . وَجَمْعُهُ أَحْفِيَاءُ . وَقَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ :
فَإِنْ تَسْأَلِي عَنّي فَيَا رُبّ سَائِلٍ
حَفِيّ عَنْ الْأَعْشَى بِهِ حَيْثُ أَصْعَدَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالْحَفِيّ أَيْضًا : الْمُسْتَحْفِي عَنْ عِلْمِ الشّيْءِ الْمُبَالِغُ فِي طَلَبِهِ .

ادّعَاؤُهُمْ أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ اللّهِ
[ ص 429 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، وَنُعْمَانُ بْنَ أَوْفَى أَبُو أَنَسٍ وَمَحْمُودُ بْنُ دِحْيَةَ وَشَأْسُ بْنُ قَيْسٍ ، وَمَالِكُ بْنُ الصّيْفِ ، فَقَالُوا لَهُ كَيْفَ نَتّبِعُك وَقَدْ تَرَكْت قِبْلَتنَا ، وَأَنْتَ لَا تَزْعُمُ أَنّ عُزَيْرًا ابْنُ اللّهِ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتِ النّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ } [ التّوْبَةُ 30ْ ] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : { يُضَاهِئُونَ } أَيْ يُشَاكِلُ قَوْلُهُمْ قَوْلَ الّذِينَ كَفَرُوا ، نَحْوَ أَنْ تَحَدّثَ بِحَدِيثِ فَيُحَدّثُ آخَرُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ يُضَاهِيك .
طَلَبُهُمْ كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَحْمُودُ بْنُ سَيْحَانَ ، وَنُعْمَانُ بْنُ أَضَاءٍ وَبَحْرِيّ بْنُ عَمْرٍو ، وَعُزَيْرُ بْنُ أَبِي عُزَيْرٍ ، وَسَلَامُ بْنُ مِشْكَمٍ ، فَقَالُوا : أَحَقّ يَا مُحَمّدُ أَنّ هَذَا الّذِي جِئْت بِهِ لَحَقّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَإِنّا لَا نَرَاهُ مُتّسِقًا كَمَا تَتّسِقُ التّوْرَاةُ ؟ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْرِفُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ . تَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ ، وَلَوْ اجْتَمَعَتْ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِهِ مَا جَاءُوا بِهِ فَقَالُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَهُمْ جَمِيعٌ فِنْحَاصُ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ صُورِيَا ، وَابْنُ صَلُوبَا ، وَكِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَأَشْيَعُ وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، وَجَبَلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ سُكَيْنَةَ : يَا مُحَمّدُ أَمَا يُعَلّمُك هَذَا إنْسٌ وَلَا جِنّ ؟ قَالَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَا وَاَللّهِ إنّكُمْ لَتَعْلَمُونَ أَنّهُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَإِنّي لَرَسُولُ اللّهِ تَجِدُونَ ذَلِكَ مَكْتُوبًا عِنْدَكُمْ فِي التّوْرَاةِ ؛ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ فَإِنّ اللّهَ يَصْنَعُ لِرَسُولِهِ إذَا بَعَثَهُ مَا يَشَاءُ وَيَقْدِرُ مِنْهُ عَلَى مَا أَرَادَ فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا كِتَابًا مِنْ السّمَاءِ نَقْرَؤُهُ وَنَعْرِفُهُ وَإِلّا جِئْنَاك بِمِثْلِ مَا تَأْتِي بِهِ . فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِمْ . [ ص 430 ] قَالُوا : { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [ الْإِسْرَاءُ 88 ] .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الظّهِيرُ الْعَوْنُ . وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ : تَظَاهَرُوا عَلَيْهِ أَيْ تَعَاوَنُوا عَلَيْهِ . قَالَ الشّاعِرُ
يَا سَمِيّ النّبِيّ أَصْبَحْت لِلَدَيّ
ن قَوّامًا وَلِلْإِمَامِ ظَهِيرًا
أَيْ عَوْنًا ؛ وَجَمْعُهُ ظُهَرَاءُ .

سُؤَالُهُمْ لَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حُيَيّ بْنُ أَخْطَبَ ، وَكَعْبُ بْنُ أَسَدٍ ، وَأَبُو رَافِعٍ وَأَشْيَعُ وَشَمْوِيلُ بْنُ زَيْدٍ ، لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ حِينَ أَسْلَمَ : مَا تَكُونُ النّبُوّةُ فِي الْعَرَبِ وَلَكِنّ صَاحِبَك مَلِكٌ . ثُمّ جَاءُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَأَلُوهُ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ فَقَصّ عَلَيْهِمْ مَا جَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى فِيهِ مِمّا كَانَ قَصّ عَلَى قُرَيْشٍ ، وَهُمْ كَانُوا مِمّنْ أَمَرَ قُرَيْشًا أَنْ يَسْأَلُوا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُ حِينَ بَعَثُوا إلَيْهِمْ النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ .

تَهَجّمُهُمْ عَلَى ذَاتِ اللّهِ وَغَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحُدّثْت عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنّهُ قَالَ أَتَى رَهْطٌ مِنْ يَهُودَ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا مُحَمّدُ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ ، فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ ؟ قَالَ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى انْتَقَعَ لَوْنُهُ ثُمّ سَاوَرَهُمْ غَضَبًا لِرَبّهِ . قَالَ فَجَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَسَكّنَهُ فَقَالَ خَفّضْ عَلَيْك يَا مُحَمّدُ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ عَنْهُ { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الْإِخْلَاصُ 1 - 4 ] . قَالَ فَلَمّا تَلَاهَا عَلَيْهِمْ قَالُوا : صِفْ لَنَا يَا مُحَمّدُ كَيْفَ خَلْقُهُ ؟ كَيْفَ ذِرَاعُهُ ؟ كَيْفَ عَضُدُهُ ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشَدّ مِنْ غَضَبِهِ الْأَوّلِ وَسَاوَرَهُمْ . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَوّلَ مَرّةٍ وَجَاءَهُ مِنْ اللّهِ تَعَالَى بِجَوَابِ مَا سَأَلُوهُ . يَقُولُ [ ص 431 ] { وَمَا قَدَرُوا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسّماوَاتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ } [ الزّمَرُ 67 ] . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَيْمٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقُولُ يُوشِكُ النّاسُ أَنْ يَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ حَتّى يَقُولَ قَائِلُهُمْ هَذَا اللّهُ خَلَقَ الْخَلْقَ فَمَنْ خَلَقَ اللّهَ ؟ فَإِذَا قَالُوا ذَلِكَ فَقُولُوا : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ اللّهُ الصّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ } [ الْإِخْلَاصُ 1 - 4 ] . ثُمّ لِيَتْفُلْ الرّجُلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلَاثًا ، وَلْيَسْتَعِذْ بِاَللّهِ مِنْ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الصّمَدُ الّذِي يُصْمَدُ إلَيْهِ وَيُفْزَعُ إلَيْهِ قَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ مَعْبِدِ بْنِ نَضْلَةَ تَبْكِي عَمْرَو بْنَ مَسْعُودٍ وَخَالِدَ بْنَ نَضْلَةَ عَمّيْهَا الْأَسَدِيّيْنِ وَهُمَا اللّذَانِ قَتَلَ النّعْمَانُ بْنُ الْمُنْذِرِ اللّخْمِيّ ، وَبَنِيّ الْغَرِيّيْنِ اللّذَيْنِ بِالْكُوفَةِ عَلَيْهِمَا :
أَلَا بَكَرَ النّاعِي بِخَيْرَى بَنِي أَسَدْ
بِعَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَبِالسّيّدِ الصّمَدْ .

بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
ذِكْرُ نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَا أَنَزَلَ اللّهُ فِيهِمْ
مَعْنَى الْعَاقِبِ وَالسّيّدِ وَالْأُسْقُفِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 3 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَفْدُ نَصَارَى نَجْرَانَ ، سِتّونَ رَاكِبًا ، فِيهِمْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ فِي الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْهُمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ إلَيْهِمْ يَئُولُ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَذُو رَأْيِهِمْ وَصَاحِبُ مَشُورَتِهِمْ وَاَلّذِي لَا يُصْدَرُونَ إلّا عَنْ رَأْيِهِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ لَهُمْ ثِمَالُهُمْ وَصَاحِبُ رَحْلِهِمْ وَمُجْتَمَعِهِمْ وَاسْمه : الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، أَحَدُ بَنِي بِكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، أُسْقُفّهُمْ وَحَبْرُهُمْ إمَامُهُمْ وَصَاحِبُ مِدْرَاسِهِمْ .
مَنْزِلَةُ أَبِي حَارِثَةَ عِنْدَ مُلُوكِ الرّومِ
وَكَانَ أَبُو حَارِثَةَ قَدْ شَرُفَ فِيهِمْ وَدَرَسَ كُتُبَهُمْ حَتّى حَسُنَ عِلْمُهُ فِي دِينِهِمْ فَكَانَتْ مُلُوكُ الرّوم ِ مِنْ النّصْرَانِيّةِ قَدْ شَرّفُوهُ وَمَوّلُوهُ وَأَخْدَمُوهُ وَبَنَوْا لَهُ الْكَنَائِسَ وَبَسَطُوا عَلَيْهِ الْكَرَامَاتِ لِمَا يَبْلُغُهُمْ عَنْهُ مِنْ عِلْمِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِي دِينِهِمْ .
السّبَبُ فِي إسْلَامِ كُرْزِ بْنِ عَلْقَمَةَ
فَلَمّا [ ص 4 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ نَجْرَانَ ، جَلَسَ أَبُو حَارِثَةَ عَلَى بَغْلَةٍ لَهُ مُوَجّهًا ، وَإِلَى جَنْبِهِ أَخٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كُرْزٌ - فَعَثَرَتْ بَغْلَةُ أَبِي حَارِثَةَ فَقَالَ كُوزٌ تَعِسَ الْأَبْعَدُ ، يُرِيدُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَقَالَ لَهُ أَبُو حَارِثَةَ بَلْ أَنْتَ تَعَسْت فَقَالَ وَلِمَ يَا أَخِي ؟ قَالَ وَاَللّهِ إنّهُ للنّبِيّ الّذِي كُنّا نَنْتَظِرُ فَقَالَ لَهُ كُوزٌ مَا يَمْنَعُك مِنْهُ وَأَنْتَ تَعْلَمُ هَذَا ؟ قَالَ مَا صَنَعَ بِنَا هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ شَرّفُونَا وَمَوّلُونَا وَأَكْرَمُونَا ، وَقَدْ أَبَوْا إلّا خِلَافَةً فَلَوْ فَعَلْت نَزَعُوا مِنّا كُلّ مَا تَرَى . فَأَضْمَرَ عَلَيْهَا مِنْهُ أَخُوهُ كُوزُ بْنُ عَلْقَمَةَ ، حَتّى أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ . فَهُوَ كَانَ يُحَدّثُ عَنْهُ هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا بَلَغَنِي .
رُؤَسَاءُ نَجْرَانَ وَإِسْلَامُ ابْنِ رَئِيسٍ مِنْهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي أَنّ رُؤَسَاءَ نَجْرَانَ كَانُوا يَتَوَارَثُونَ كُتُبًا عِنْدَهُمْ . فَكُلّمَا مَاتَ رَئِيسٌ مِنْهُمْ فَأَفْضَتْ الرّيَاسَةُ إلَى غَيْرِهِ خَتَمَ عَلَى تِلْكَ الْكُتُبِ خَاتَمًا مَعَ الْخَوَاتِمِ الّتِي كَانَتْ قَبْلَهُ وَلَمْ يَكْسِرْهَا ، فَخَرَجَ الرّئِيسُ الّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَمْشِي ، فَعَثَرَ فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ تَعِسَ الْأَبْعَدُ يُرِيدُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ لَا تَفْعَلْ فَإِنّهُ نَبِيّ ، وَاسْمُهُ فِي الْوَضَائِعِ يَعْنِي الْكُتُبَ فَلَمّا مَاتَ لَمْ تَكُنْ لِابْنِهِ هِمّةٌ إلّا أَنْ شَدّ فَكَسَرَ الْخَوَاتِمَ فَوَجَدَ فِيهَا ذِكْرَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَحَجّ وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
إلَيْك تَعْدُو قَلِقًا وَضِينُهَا ... مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
مُخَالِفًا دِينَ النّصَارَى دِينُهَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْوَضِينُ الْحِزَامُ حِزَامُ النّاقَةِ . وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ : وَزَادَ فِيهِ أَهْلُ الْعِرَاقِ : مُعْتَرِضًا فِي بَطْنِهَا جَنِينُهَا
فَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَأَنْشَدْنَاهُ فِيهِ .
صَلَاةُ النّصَارَى إلَى الْمَشْرِقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 5 ] مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الْمَدِينَةَ ، فَدَخَلُوا عَلَيْهِ مَسْجِدَهُ حِينَ صَلّى الْعَصْرَ عَلَيْهِمْ ثِيَابُ الْحِبَرَاتِ جُبَبٌ وَأَرْدِيَةٌ فِي جَمَالِ رِجَالِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ . قَالَ يَقُولُ بَعْضُ مَنْ رَآهُمْ مِنْ أَصْحَابِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ مَا رَأَيْنَا وَفْدًا مِثْلَهُمْ وَقَدْ حَانَتْ صَلَاتُهُمْ فَقَامُوا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُصَلّونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَعُوهُمْ فَصَلّوْا إلَى الْمَشْرِقِ .
Sذِكْرُ نَصَارَى نَجْرَانَ وَمَا أَنَزَلَ اللّهُ فِيهِمْ
قَدْ تَقَدّمَ أَنّ نَجْرَانَ عُرِفَتْ بِنَجْرَانَ بْنِ زَيْدِ بْنِ يُشْجَبَ بْنِ يَعْرُبُ بْنِ قَحْطَانَ وَأَمّا أَهْلُهَا فَهُمْ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ مِنْ مَذْحِجَ .

أَسَمَاءُ وَفْدِ نَجْرَانَ وَمُعْتَقِدُهُمْ وَمُجَادَلَتُهُمْ الرّسُولَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَتْ تَسْمِيَةُ الْأَرْبَعَةَ عَشَرَ الّذِينَ يَئُولُ إلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ الْعَاقِبُ وَهُوَ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالسّيّدُ وَهُوَ الْأَيْهَمُ ، وَأَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ أَخُو بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَأَوْسٌ وَالْحَارِثُ وَزَيْدٌ وَقَيْسٌ ، وَيَزِيدُ وَنُبَيّهٌ وَخُوَيْلِدٌ وَعَمْرٌو ، وَخَالِدٌ وَعَبْدُ اللّهِ وَيُحَنّسُ فِي سِتّينَ رَاكِبًا ، فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْهُمْ أَبُو حَارِثَةَ بْنُ عَلْقَمَةَ ، وَالْعَاقِبُ عَبْدُ الْمَسِيحِ وَالْأَيْهَمُ السّيّدُ - وَهُمْ مِنْ النّصْرَانِيّةِ عَلَى دِينِ الْمَلِكِ مَعَ اخْتِلَافٍ مِنْ أَمْرِهِمْ يَقُولُونَ هُوَ اللّهُ وَيَقُولُونَ هُوَ وَلَدُ اللّهِ وَيَقُولُونَ هُوَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ . وَكَذَلِكَ قَوْلُ النّصْرَانِيّةِ . فَهُمْ يَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " هُوَ اللّهُ " بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيُبْرِئُ الْأَسْقَامَ وَيُخْبِرُ بِالْغُيُوبِ وَيَخْلُقُ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ ثُمّ يَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَائِرًا ، وَذَلِك كُلّهُ بِأَمْرِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنّاسِ } وَيَحْتَجّونَ فِي قَوْلِهِمْ " إنّهُ وَلَدُ اللّهِ " بِأَنّهُمْ يَقُولُونَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبٌ يَعْلَمُ وَقَدْ تَكَلّمَ فِي الْمَهْدِ وَهَذَا لَمْ يَصْنَعْهُ أَحَدٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ قَبْلَهُ . [ ص 6 ] كَانَ وَاحِدًا مَا قَالَ إلّا فَعَلْت ، وَقَضَيْت ، وَأَمَرْت ، وَخَلَقْت ، وَلَكِنّهُ هُوَ وَعِيسَى وَمَرْيَمُ . فَفِي كُلّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ قَدْ نَزَلَ الْقُرْآنُ - فَلَمّا كَلّمَهُ الْحَبْرَانِ ، قَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَسْلِمَا ، قَالَا : قَدْ أَسْلَمْنَا ، قَالَ إنّكُمَا لَمْ تُسْلِمَا ، فَأَسْلَمَا ، قَالَا : بَلَى ، قَدْ أَسْلَمْنَا قَبْلَك . قَالَ كَذَبْتُمَا ، يَمْنَعُكُمَا مِنْ الْإِسْلَامِ دُعَاؤُكُمَا لِلّهِ وَلَدًا ، وَعِبَادَتُكُمَا الصّلِيبَ وَأَكْلُكُمَا الْخِنْزِيرَ قَالَا : فَمَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ ؟ فَصَمَتَ عَنْهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَلَمْ يُجِبْهُمَا
Sتَأْوِيلُ كُنْ فَيَكُونُ
[ ص 4 ] ذَكَرَ فِيهِ قَوْلَهُمْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ أَبُوهُ يَا مُحَمّدُ يَعْنُونَ عِيسَى ، فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى : { إِنّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ } إلَى قَوْلِهِ { كُنْ فَيَكُونُ } وَفِيهَا نُكْتَةٌ فَإِنّ ظَاهِرَ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَكَانَ فَيَعْطِفُ بِلَفْظِ الْمَاضِي عَلَى الْمَاضِي ، وَالْجَوَابُ أَنّ الْفَاءَ تُعْطِي التّعْقِيبَ وَالتّسْبِيبَ فَلَوْ قَالَ فَكَانَ لَمْ تَدُلّ الْفَاءُ إلّا عَلَى التّسْبِيبِ وَأَنّ الْقَوْلَ سَبَبٌ لِلْكَوْنِ فَلَمّا جَاءَ بِلَفْظِ الْحَالِ دَلّ مَعَ التّسْبِيبِ عَلَى اسْتِعْقَابِ الْكَوْنِ لِلْأَمْرِ مِنْ غَيْرِ مَهَلٍ وَأَنّ [ ص 5 ] قَالَ لَهُ كُنْ فَإِذَا هُوَ كَائِنٌ وَاقْتَضَى لَفْظُ فِعْلَ الْحَالِ كَوْنَهُ فِي الْحَالِ فَإِنْ قِيلَ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ أُخْرَى : إنّ آدَمَ مَكَثَ دَهْرًا طَوِيلًا ، وَهُوَ طِينٌ صَلْصَالٌ وَقَوْلُهُ لِلشّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ يَقْتَضِي التّعْقِيبَ وَقَدْ خَلَقَ السّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتّةِ أَيّامٍ وَهِيَ سِتّةُ آلَافِ سَنَةٍ فَأَيْنَ قَوْلُهُ كُنْ فَيَكُونُ مِنْ هَذَا ؟ [ ص 6 ] قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ أَنّ قَوْلَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ كُنْ يَتَوَجّهُ إلَى الْمَخْلُوقِ مُطْلَقًا وَمُقَيّدًا ، فَإِذَا كَانَ مُطْلَقًا كَانَ كَمَا أَرَادَ لِحِينِهِ وَإِذَا كَانَ مُقَيّدًا بِصِفَةِ أَوْ بِزَمَانِ كَانَ كَمَا أَرَادَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ الزّمَانِ الّذِي تَقَيّدَ الْأَمْرُ بِهِ فَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِي أَلْفِ سَنَةٍ كَانَ فِي أَلْفِ سَنَةٍ وَإِنْ قَالَ لَهُ كُنْ فِيمَا دُونَ اللّحْظَةِ كَانَ كَذَلِكَ .

تَفْسِيرُ مَا نَزَلَ مِنْ آلِ عِمْرَانَ فِي وَفْدِ نَجْرَانَ
فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَاخْتِلَافُ أَمْرِهِمْ كُلّهِ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ إلَى بِضْعٍ وَثَمَانِينَ آيَةً مِنْهَا ، فَقَالَ جَلّ وَعَزّ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ } فَافْتَتَحَ السّورَةَ بِتَنْزِيهِ نَفْسِهِ عَمّا قَالُوا ، وَتَوْحِيدِهِ إيّاهَا بِالْخَلْقِ وَالْأَمْرِ لَا شَرِيكَ لَهُ فِيهِ رَدّا عَلَيْهِمْ مَا ابْتَدَعُوا مِنْ الْكُفْرِ وَجَعَلُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ وَاحْتِجَاجًا بِقَوْلِهِمْ عَلَيْهِمْ فِي صَاحِبِهِمْ لِيُعَرّفَهُمْ بِذَلِكَ ضَلَالَتَهُمْ فَقَالَ { الم اللّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ } لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ شَرِيكٌ فِي أَمْرِهِ { الْحَيّ الْقَيّومُ } الْحَيّ الّذِي لَا يَمُوتُ وَقَدْ مَاتَ عِيسَى وَصُلِبَ فِي قَوْلِهِمْ . وَالْقَيّومُ الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ وَقَدْ زَالَ عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ عَنْ مَكَانِهِ الّذِي كَانَ بِهِ وَذَهَبَ عَنْهُ إلَى غَيْرِهِ { نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ } أَيْ [ ص 7 ] { وَأَنْزَلَ التّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ } التّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ، وَالْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى ، كَمَا أَنَزَلَ الْكُتُبَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ { وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ } وَالْإِنْجِيلَ أَيْ الْفَصْلَ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ فِيمَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْأَحْزَابُ مِنْ أَمْرِ عِيسَى وَغَيْرِهِ { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ } أَيْ إنّ اللّهَ مُنْتَقِمٌ مِمّنْ كَفَرَ بِآيَاتِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهَا ، وَمَعْرِفَتِهِ بِمَا جَاءَ مِنْهُ فِيهَا : { إِنّ اللّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السّمَاءِ } أَيْ قَدْ عَلِمَ مَا يُرِيدُونَ وَمَا يَكِيدُونَ وَمَا يُضَاهُونَ بِقَوْلِهِمْ فِي عِيسَى ، إذْ جَعَلُوهُ إلَهًا وَرَبّا ، وَعِنْدَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ غَيْرُ ذَلِكَ غِرّةً بِاَللّهِ وَكُفْرًا بِهِ . { هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ } أَيْ قَدْ كَانَ عِيسَى مِمّنْ صُوّرَ فِي الْأَرْحَامِ لَا يَدْفَعُونَ ذَلِكَ وَلَا يُنْكِرُونَهُ كَمَا صُوّرَ غَيْرُهُ مِنْ وَلَدِ آدَمَ فَكَيْفَ يَكُونُ إلَهًا ، وَقَدْ كَانَ بِذَلِكَ الْمَنْزِلِ ؟ ثُمّ قَالَ تَعَالَى إنْزَاهًا لِنَفْسِهِ وَتَوْحِيدًا لَهَا مِمّا جَعَلُوا مَعَهُ { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } الْعَزِيزُ فِي انْتِصَارِهِ مِمّنْ كَفَرَ بِهِ إذَا شَاءَ الْحَكِيمُ فِي حُجّتِهِ وَعُذْرِهِ إلَى عِبَادِهِ { هُوَ الّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ } فِيهِنّ حُجّةُ الرّبّ وَعِصْمَةُ الْعِبَادِ وَدَفْعُ الْخُصُومِ وَالْبَاطِلِ لَيْسَ لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَلَا تَحْرِيفٌ عَمّا وُضِعْنَ عَلَيْهِ { وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } لَهُنّ تَصْرِيفٌ وَتَأْوِيلٌ ابْتَلَى اللّهُ فِيهِنّ الْعِبَادُ كَمَا ابْتَلَاهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ أَلّا يُصْرَفْنَ إلَى الْبَاطِلِ وَلَا يُحَرّفْنَ عَنْ الْحَقّ . يَقُولُ عَزّ وَجَلّ { فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أَيْ مَيْلٌ عَنْ الْهُدَى { فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } أَيْ مَا تَصَرّفَ مِنْهُ لِيُصَدّقُوا بِهِ مَا ابْتَدَعُوا وَأَحْدَثُوا ، لِتَكُونَ لَهُمْ حُجّةً وَلَهُمْ عَلَى مَا قَالُوا شُبْهَةَ { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } أَيْ اللّبْسَ { وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } ذَلِكَ عَلَى مَا رَكِبُوا [ ص 8 ] { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ } أَيْ الّذِي بِهِ أَرَادُوا مَا أَرَادُوا { إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّنَا } فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ مِنْ رَبّ وَاحِدٍ ؟ ثُمّ رَدّوا تَأْوِيلَ الْمُتَشَابِهِ عَلَى مَا عَرَفُوا مِنْ تَأْوِيلِ الْمُحْكَمَةِ الّتِي لَا تَأْوِيلَ لِأَحَدِ فِيهَا إلّا تَأْوِيلَ وَاحِدٍ وَاتّسَقَ بِقَوْلِهِمْ الْكِتَابَ وَصَدّقَ بَعْضُهُ بَعْضًا ، فَنَفَذَتْ بِهِ الْحُجّةُ وَظَهَرَ بِهِ الْعُذْرُ وَزَاحَ بِهِ الْبَاطِلُ وَدَمَغَ بِهِ الْكُفْرَ يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى فِي مِثْلِ هَذَا : { وَمَا يَذّكّرُ } فِي مِثْلِ هَذَا { إِلّا أُولُو الْأَلْبَابِ رَبّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا } أَيْ لَا تُمْلِ قُلُوبَنَا ، وَإِنْ مِلْنَا بِأَحْدَاثِنَا { وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ } ثُمّ قَالَ { شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ } بِخِلَافِ مَا قَالُوا : { قَائِمًا بِالْقِسْطِ } أَيْ بِالْعَدْلِ فِيمَا يُرِيدُ { لَا إِلَهَ إِلّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ إِنّ الدّينَ عِنْدَ اللّهِ الْإِسْلَامُ } أَيْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ يَا مُحَمّدُ التّوْحِيدُ [ ص 9 ] { وَمَا اخْتَلَفَ الّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ } أَيْ الّذِي جَاءَك ، أَيْ أَنّ اللّهَ الْوَاحِدَ الّذِي لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ . { بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ فَإِنْ حَاجّوكَ } أَيْ بِمَا يَأْتُونَ بِهِ مِنْ الْبَاطِلِ مِنْ قَوْلِهِمْ خَلَقْنَا وَفَعَلْنَا وَأَمَرْنَا ، فَإِنّمَا هِيَ شُبْهَةُ بَاطِلٍ قَدْ عَرَفُوا مَا فِيهَا مِنْ الْحَقّ { فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ } أَيْ وَحْدَهُ { وَمَنِ اتّبَعَنِ وَقُلْ لِلّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمّيّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا ابْتَدَعَتْهُ الْيَهُودُ وَالنّصَارَى
ثُمّ جَمَعَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ جَمِيعًا ، وَذَكَرَ مَا أَحْدَثُوا وَمَا ابْتَدَعُوا ، مِنْ الْيَهُودِ وَالنّصَارَى ، فَقَالَ { إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النّبِيّينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ } إلَى قَوْلِهِ { قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ } أَيْ رَبّ الْعِبَادِ وَالْمُلْكُ الّذِي لَا يَقْضِي فِيهِمْ غَيْرُهُ { تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَاءُ وَتُعِزّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ } أَيْ لَا إلَهَ غَيْرُك { إِنّكَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ لَا يَقْدِرُ عَلَى هَذَا غَيْرُك بِسُلْطَانِك وَقُدْرَتِك { تُولِجُ اللّيْلَ فِي النّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي اللّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيّتَ مِنَ الْحَيّ } بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ { وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } لَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُك ، وَلَا يَصْنَعُهُ إلّا أَنْتَ أَيْ فَإِنْ كُنْت سَلّطْت عِيسَى عَلَى الْأَشْيَاءِ الّتِي بِهَا يَزْعُمُونَ أَنّهُ إلَهٌ مِنْ إحْيَاءِ الْمَوْتَى ، وَإِبْرَاءِ الْأَسْقَامِ وَالْخَلْقِ لِلطّيْرِ مِنْ الطّينِ وَالْإِخْبَارِ عَنْ الْغُيُوبِ لِأَجْعَلَهُ بِهِ آيَةً لِلنّاسِ وَتَصْدِيقًا لَهُ فِي نُبُوّتِهِ الّتِي بَعَثْته بِهَا إلَى قَوْمِهِ فَإِنّ مِنْ سُلْطَانِي وَقُدْرَتِي مَا لَمْ أُعْطِهِ تَمْلِيكَ الْمُلُوكِ بِأَمْنِ النّبُوّةِ وَوَضْعِهَا حَيْثُ شِئْت ، وَإِيلَاجُ اللّيْلِ فِي النّهَارِ وَالنّهَارِ فِي اللّيْلِ وَإِخْرَاجُ الْحَيّ مِنْ الْمَيّتِ وَإِخْرَاجُ الْمَيّتِ مِنْ الْحَيّ وَرِزْقُ مَنْ شِئْت مِنْ بَرّ أَوْ فَاجِرٍ بِغَيْرِ حِسَابٍ فَكُلّ ذَلِكَ لَمْ أُسَلّطْ عِيسَى عَلَيْهِ وَلَمْ أُمَلّكْهُ إيّاهُ أَفَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَبَيّنَةٌ أَنْ لَوْ كَانَ إلَهًا كَانَ ذَلِكَ كُلّهُ إلَيْهِ وَهُوَ فِي عِلْمِهِمْ يَهْرُبُ مِنْ الْمُلُوكِ وَيَنْتَقِلُ مِنْهُمْ فِي الْبِلَادِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي وَعْظِ الْمُؤْمِنِينَ وَتَحْذِيرِهِمْ
[ ص 10 ] قَالَ { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللّهَ } أَيْ إنْ كَانَ هَذَا مِنْ قَوْلِكُمْ حَقّا ، حُبّا لِلّهِ وَتَعْظِيمًا لَهُ { فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } أَيْ مَا مَضَى مِنْ كُفْرِكُمْ { وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرّسُولَ } فَأَنْتُمْ تَعْرِفُونَهُ وَتَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ { فَإِنْ تَوَلّوْا } أَيْ عَلَى كُفْرِكُمْ { فَإِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ الْكَافِرِينَ }
Sتَأْوِيلُ آيَاتٍ مُحْكَمَاتٍ
فَصْلٌ وَذَكَرَ صَدْرَ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَفَسّرَ مِنْهُ كَثِيرًا ، فَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ } وَهُوَ مَا لَا يَحْتَمِلُ إلّا تَأْوِيلًا وَاحِدًا ، وَهُوَ عِنْدِي مِنْ أَحَكَمْت الْفَرَسَ بِحَكَمَتِهِ أَيْ مَنَعْته مِنْ الْعُدُولِ عَنْ طَرِيقِهِ كَمَا قَالَ حَسّانُ وَنُحْكِمُ بِالْقَوَافِي مَنْ هَجَانَا
[ ص 7 ] { كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ } هَذَا مِنْ الْحِكْمَةِ وَمِنْ الْإِحْكَامِ الّذِي هُوَ الْإِتْقَانُ فَالْقُرْآنُ كُلّهُ مُحْكَمٌ عَلَى هَذَا ، وَهُوَ كُلّهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ مُتَشَابِهٌ أَيْضًا ، لِأَنّ بَعْضَهُ يُشْبِهُ بَعْضًا فِي بَرَاعَةِ اللّفْظِ وَإِعْجَازِ النّظْمِ وَجَزَالَةِ الْمَعْنَى ، وَبَدَائِعِ الْحِكْمَةِ فَكُلّهُ مُتَشَابِهٌ وَكُلّهُ مُحْكَمٌ وَعَلَى الْمَعْنَى الْأَوّلِ { مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنّ أُمّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ } فَأَهْلُ الزّيْغِ يَعْطِفُونَ الْمُتَشَابِهَ عَلَى أَهْوَائِهِمْ وَيُجَادِلُونَ بِهِ عَنْ آرَائِهِمْ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَرُدّونَ الْمُتَشَابِهَ إلَى الْمُحْكَمِ أَيْضًا بِقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى : { فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرّسُولِ } وَعِلْمًا بِأَنّ الْكُلّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهُ بَعْضًا . رَوَتْ عَائِشَةُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَأَمّا الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ } قَالَ إذَا رَأَيْتُمْ الّذِينَ يُجَادِلُون فِيهِ فَهُمْ أُولَئِكَ فَاحْذَرُوهُمْ [ ص 8 ] { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلّا اللّهُ } وَيَرَوْنَهُ تَمَامَ الْكَلَامِ وَيَحْتَجّونَ بِقِرَاءَةِ ابْنِ عَبّاسٍ وَيَقُولُ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنّ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لَا يَعْلَمُونَ التّأْوِيلَ وَإِنْ عَلِمُوا التّفْسِيرَ وَالتّأْوِيلَ عِنْدَ هَؤُلَاءِ غَيْرَ التّفْسِيرِ إنّمَا هُوَ عِنْدَهُمْ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ } وَطَائِفَةٌ يَرَوْنَ أَنّ قَوْلَهُ { وَالرّاسِخُونَ } مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ وَأَنّهُمْ عَالِمُونَ بِالتّأْوِيلِ وَيَحْتَجّونَ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ وَاَلّذِي أَرْتَضِيهِ مِنْ ذَلِكَ مَذْهَبٌ ثَالِثٌ وَهُوَ الّذِي قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْكِتَابِ وَمَعْنَاهُ كُلّهُ أَنّ الْكَلَامَ قَدْ تَمّ فِي قَوْلِهِ { وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلّا اللّهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ } مُبْتَدَأٌ لَكِنْ لَا نَقُولُ إنّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ . كَمَا قَالَتْ الطّائِفَةُ الْأُولَى ، وَلَكِنْ نَقُولُ إنّهُمْ يَعْلَمُونَهُ بِرَدّ الْمُتَشَابِهِ إلَى الْمُحْكَمِ وبالاستدلال عَلَى الْخَفِيّ بِالْجَلِيّ وَعَلَى الْمُخْتَلَفِ فِيهِ بِالْمُتّفَقِ عَلَيْهِ فَتَنْفُذُ بِذَلِكَ الْحُجّةُ وَيُزَاحُ الْبَاطِلُ وَتَعْظُمُ دَرَجَةُ الْعَالِمِ عِنْدَ اللّهِ تَعَالَى ، لِأَنّهُ يَقُولُ آمَنْت بِهِ كُلّ مِنْ عِنْدِ رَبّي فَكَيْفَ يَخْتَلِفُ ؟ وَلَمّا كَانَ الْعِلْمَانِ مُخْتَلِفَيْنِ عِلْمُ اللّهِ وَعِلْمُ الرّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ لَمْ يَجُزْ عَطْفُ { الرّاسِخُونَ } عَلَى مَا قَبْلَهُ فَاَللّهُ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ . [ ص 9 ] الْعِبَرِ ، فَهُمْ كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { وَمَا يَذّكّرُ إِلّا أُولُو الْأَلْبَابِ } وَهَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ إسْحَاقَ فِي الْآيَةِ .
احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ لِلتّثْلِيثِ
[ ص 10 ] وَذَكَرَ احْتِجَاجَ الْأَحْبَارِ وَالْقِسّيسِينَ مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ بِقَوْلِهِ عَزّ وَجَلّ خَلَقْنَا وَأَمَرْنَا وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ وَقَالُوا : هَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّهُ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ تَعَالَى اللّهُ عَنْ قَوْلِهِمْ وَهَذَا مِنْ الزّيْغِ بِالْمُتَشَابِهِ دُونَ رَدّهِ إلَى الْمُحْكَمِ نَحْوَ قَوْلِهِ { وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ } و : { قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ } وَالْعَجَبُ مِنْ ضَعْفِ عُقُولِهِمْ كَيْفَ احْتَجّوا عَلَى مُحَمّدٍ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمّدٍ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَعْنَى مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لِأَنّ هَذَا اللّفْظَ الّذِي احْتَجّوا بِهِ مَجَازٌ عَرَبِيّ ، وَلَيْسَ هُوَ لَفْظَ التّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَأَصْلُ هَذَا الْمَجَازِ فِي الْعَرَبِيّةِ أَنّ الْكِتَابَ إذَا صَدَرَ عَنْ حَضْرَةِ مَلِكٍ كَانَتْ الْعِبَارَةُ فِيهِ عَنْ الْمَلِكِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ دَلَالَةً عَلَى أَنّهُ كَلَامُ مَلِكٍ مَتْبُوعٍ عَلَى أَمْرِهِ وَقَوْلِهِ فَلَمّا خَاطَبَهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِهَذَا الْكِتَابِ الْعَزِيزِ أَنْزَلَهُ عَلَى مَذَاهِبِهِمْ فِي الْكَلَامِ وَجَاءَ اللّفْظُ فِيهِ عَلَى أُسْلُوبِ الْكَلَامِ الصّادِرِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ وَلَيْسَ هَذَا فِي غَيْرِ اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَا يَتَطَرّقُ هَذَا الْمَجَازُ فِي حُكْمِ الْعَقْلِ إلَى الْكَلَامِ الْقَدِيمِ إنّمَا هُوَ فِي اللّفْظِ الْمُنَزّلِ وَلِذَلِكَ نَجِدُهُ إذَا أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لِنَبِيّ قَبْلَنَا ، أَوْ خَاطَبَ بِهِ غَيْرَنَا نَحْوَ قَوْلِهِ { مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيّ } وَلَمْ يَقُلْ خَلَقْنَا بِأَيْدِينَا ، كَمَا قَالَ مِمّا عَمِلَتْهُ أَيْدِينَا ، وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ وَحْيِهِ لِمُوسَى : [ ص 11 ] { وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي } وَلَمْ يَقُلْ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى : { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا } لِأَنّهُ أَخْبَرَ عَنْ قَوْلٍ قَالَهُ لَمْ يُنْزِلْهُ بِهَذَا اللّسَانِ الْعَرَبِيّ وَلَمْ يَحْكِ لَفْظًا أَنْزَلَهُ وَإِنّمَا أَخْبَرَ عَنْ الْمَعْنَى ، وَلَيْسَ الْمَجَازُ فِي الْمَعْنَى ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِعَبْدِ أَنْ يَقُولَ رَبّ اغْفِرُوا ، وَلَا ارْحَمُونِي ، وَلَا عَلَيْكُمْ تَوَكّلْت ، وَلَا إلَيْكُمْ أَنَبْت ، وَلَا قَالَهَا نَبِيّ قَطّ فِي مُنَاجَاتِهِ وَلَا نَبِيّ فِي دُعَائِهِ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهُ وَاجِبٌ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يُشْعِرَ قَلْبَهُ التّوْحِيدَ حَتّى يُشَاكِلَ لَفْظُهُ عَقْدَهُ الثّانِي : مَا قَدّمْنَاهُ مِنْ سَيْرِ هَذَا الْمَجَازِ وَأَنّ سَبَبَهُ صُدُورُ الْكَلَامِ عَنْ حَضْرَةِ الْمَلِكِ مُوَافَقَةً لِلْعَرَبِ فِي هَذَا الْأُسْلُوبِ مِنْ كَلَامِهَا ، وَاخْتِصَاصِهَا بِعَادَةِ مُلُوكِهَا وَأَشْرَافِهَا ، وَلَا نَنْظُرُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِذَلِك رُوجِعُوا ، يَعْنِي : بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَاحْتَجّ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ خَبَرًا عَمّنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ مِنْ الْكُفّارِ إذْ يَقُولُ { رَبّ ارْجِعُونِ } فَيُقَالُ لَهُ هَذَا خَبَرٌ عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ أَلَا [ ص 12 ] تَرَى قَبْلَهُ { وَأَعُوذُ بِكَ رَبّ أَنْ يَحْضُرُونِ } فَلَمّا جَاءَ هَذَا حِكَايَةً عَمّنْ حَضَرَتْهُ الشّيَاطِينُ وَحَضَرَتْهُ زَبَانِيَةُ الْعَذَابِ وَجَرَى عَلَى لِسَانِهِ فِي الْمَوْتِ مَا كَانَ يَعْتَادُهُ فِي الْحَيَاةِ مِنْ رَدّ الْأَمْرِ إلَى الْمَخْلُوقِينَ فَلِذَلِكَ خُلِطَ فَقَالَ رَبّ ثُمّ قَالَ ارْجِعُونِ وَإِلّا فَأَنْتَ أَيّهَا الرّجُلُ الْمُجِيزُ لِهَذَا اللّفْظِ فِي مُخَاطَبَةِ الرّبّ سُبْحَانَهُ هَلْ قُلْت قَطّ فِي دُعَائِك : ارْحَمُونِ يَا رَبّ وَارْزُقُونِ ؟ بَلْ لَوْ سَمِعْت غَيْرَك يَقُولُهَا لَسَطَوْت بِهِ وَأَمّا قَوْلُ مَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْفُقَهَاءِ الْأَمْرُ عِنْدَنَا ، أَوْ رَأَيْنَا كَذَا ، أَوْ نَرَى كَذَا ، فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهُ قَوْلٌ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ وَلَوْ انْفَرَدَ بِهِ لَكَانَ بِدْعَةً وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ تَعْظِيمًا لِنَفْسِهِ لَا هُوَ وَلَا غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الدّينِ وَالدّعَةِ .
احْتِجَاجُهُمْ لِأُلُوهِيّةِ عِيسَى
وَأَمّا احْتِجَاجُ الْقِسّيسِينَ بِأَنّهُ كَانَ يُحْيِي الْمَوْتَى ، وَيَخْلُقُ مِنْ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَيَنْفُخُ فِيهِ فَلَوْ تَفَكّرُوا لَأَبْصَرُوا أَنّهَا حُجّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى خَصّهُ دُونَ الْأَنْبِيَاءِ بِمُعْجِزَاتِ تُبْطِلُ مَقَالَةَ مَنْ كَذّبَهُ وَتُبْطِلُ أَيْضًا مَقَالَةَ مَنْ زَعَمَ أَنّهُ إلَهٌ أَوْ ابْنُ الْإِلَهَ وَاسْتَحَالَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ فَكَانَ نَفَخَهُ فِي الطّينِ فَيَكُونُ طَائِرًا حَيّا : تَنْبِيهًا لَهُمْ لَوْ عَقَلُوهُ عَلَى أَنّ مَثَلَهُ كَمَثَلِ آدَمَ خُلِقَ مِنْ طِينٍ ثُمّ نَفَخَ فِيهِ الرّوحَ فَكَانَ بَشَرًا حَيّا ، فَنَفَخَ الرّوحَ فِي الطّائِرِ [ ص 13 ] خَلَقَهُ عِيسَى مِنْ طِينٍ لَيْسَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ الْكُلّ فَعَلَ اللّهُ وَكَذَلِكَ إحْيَاؤُهُ لِلْمَوْتَى ، وَكَلَامُهُ فِي الْمَهْدِ كُلّ ذَلِكَ يَدُلّ عَلَى أَنّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ نَفْخَةِ رُوحِ الْقُدْسِ فِي جَيْبِ أُمّهِ وَلَمْ يُخْلَقْ مِنْ مَنِيّ الرّجَالِ فَكَانَ مَعْنَى الرّوحِ فِيهِ - عَلَيْهِ السّلَامُ - أَقْوَى مِنْهُ فِي غَيْرِهِ فَكَانَتْ مُعْجِزَاتُهُ رُوحَانِيّةً دَالّةً عَلَى قُوّةِ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رُوحِ الْحَيَاةِ وَمِنْ ذَلِكَ بَقَاؤُهُ حَيّا إلَى قُرْبِ السّاعَةِ . وَرُوِيَ عَنْ أُبَيّ بْنِ كَعْبٍ أَنّ الرّوحَ الّذِي تَمَثّلَ لَهَا بَشَرًا هُوَ الرّوحُ الّذِي حَمَلَتْ بِهِ وَهُوَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ دَخَلَ مِنْ فِيهَا إلَى جَوْفِهَا . رَوَاهُ الْكَشِيّ بِإِسْنَادِ حَسَنٍ يَرْفَعُهُ إلَى أُبَيّ وَخُصّ بِإِبْرَاءِ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِإِبْرَاءِ هَاتَيْنِ الْآفَتَيْنِ مُشَاكَلَةٌ لِمَعْنَاهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - وَذَلِكَ أَنّ فِرْقَةً عَمِيَتْ بَصَائِرُهُمْ فَكَذّبُوا نُبُوّتَهُ وَهُمْ الْيَهُودُ وَطَائِفَةٌ غَلَوْا فِي تَعْظِيمِهِ بَعْدَمَا ابْيَضّتْ قُلُوبُهُمْ بِالْإِيمَانِ ثُمّ أَفْسَدُوا إيمَانَهُمْ بِالْغُلُوّ فَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الْأَبْرَصِ أَبْيَضَ بَيَاضًا فَاسِدًا ، وَمَثَلُ الْآخَرِينَ مَثَلُ الْأَكْمَهِ الْأَعْمَى ، وَقَدْ أَعْطَاهُ اللّهُ مِنْ الدّلَائِلِ عَلَى [ ص 14 ] وَتَنْفِي عَنْهُ الرّبُوبِيّةَ وَخَصَائِصُ مُعْجِزَاتِهِ تَنْفِي عَنْ أُمّهِ الرّيبَةَ وَتُثْبِتُ لَهُ وَلَهَا النّبُوّةَ وَالصّدّيقِيّةَ فَكَانَ فِي مَسِيحِ الْهُدَى مِنْ الْآيَاتِ مَا يُشَاكِلُ حَالَهُ وَمَعْنَاهُ حِكْمَةٌ مِنْ اللّهِ كَمَا جَعَلَ فِي الصّورَةِ الطّاهِرَةِ مِنْ مَسِيحِ الضّلَالَةِ وَهُوَ الْأَعْوَرُ الدّجّالُ مَا يُشَاكِلُ حَالَهُ وَيُنَاسِبُ صُورَتَهُ الْبَاطِنَةَ عَلَى نَحْوِ مَا شَرَحْنَا وَبَيّنّا فِي إمْلَاءٍ أَمْلَيْنَاهُ عَلَى هَذِهِ النّكْتَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ وَالْحَمْدُ لِلّهِ .

مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي خَلْقِ عِيسَى
ثُمّ اسْتَقْبَلَ لَهُمْ أَمْرَ عِيسَى : عَلَيْهِ السّلَامُ وَكَيْفَ كَانَ بَدْءُ مَا أَرَادَ اللّهُ بِهِ فَقَالَ { إِنّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرّيّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } ثُمّ ذَكَرَ أَمْرَ امْرَأَةِ عِمْرَانَ وَقَوْلِهَا : { رَبّ إِنّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرّرًا } أَيْ نَذَرْته فَجَعَلْته عَتِيقًا ، تَعَبّدُهُ لِلّهِ لَا يَنْتَفِعُ بِهِ لِشَيْءِ مِنْ الدّنْيَا : { فَتَقَبّلْ مِنّي إِنّكَ أَنْتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبّ إِنّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى } أَيْ لَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى لِمَا جَعَلْتهَا مُحَرّرًا لَك نَذِيرَةً { وَإِنّي سَمّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرّيّتَهَا مِنَ الشّيْطَانِ الرّجِيمِ } يَقُولُ اللّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { فَتَقَبّلَهَا رَبّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفّلَهَا زَكَرِيّا } بَعْدَ أَبِيهَا وَأُمّهَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَفّلَهَا : ضَمّهَا
آيَاتٌ عَنْ زَكَرِيّا وَمَرْيَمَ
[ ص 11 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَذَكَرَهَا بِالْيُتْمِ ثُمّ قَصّ خَبَرَهَا وَخَبَرَ زَكَرِيّا ، وَمَا دَعَا بِهِ وَمَا أَعْطَاهُ إذْ وَهَبَ لَهُ يَحْيَى ثُمّ ذَكَرَ مَرْيَمَ ، وَقَوْلَ الْمَلَائِكَةِ وَطَهّرَك وَاصْطَفَاك لَهَا { يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ } يَقُولُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إلَيْك وَمَا كُنْت لَدَيْهِمْ } أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ { إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَقْلَامَهُمْ سِهَامَهُمْ يَعْنِي قِدَاحَهُمْ الّتِي اسْتَهَمُوا بِهَا عَلَيْهَا ، فَخَرَجَ قَدَحُ زَكَرِيّا فَضَمّهَا ، فِيمَا قَالَ الْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ .
دَعْوَى كَفَالَةِ جُرَيْجٍ الرّاهِبِ لِمَرْيَمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَفّلَهَا هَاهُنَا جُرَيْجٌ الرّاهِبُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ نَجّارٌ خَرَجَ السّهْمُ عَلَيْهِ بِحَمْلِهَا ، فَحَمَلَهَا ، وَكَانَ زَكَرِيّا قَدْ كَفّلَهَا قَبْلَ ذَلِكَ فَأَصَابَتْ بَنِي إسْرَائِيلَ أَزْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَعَجَزَ زَكَرِيّا عَنْ حَمْلِهَا ، فَاسْتَهَمُوا عَلَيْهَا أَيّهُمْ يَكْفُلُهَا ، فَخَرَجَ السّهْمُ عَلَى جُرَيْجٍ الرّاهِبِ بِكُفُولِهَا فَكَفّلَهَا . { وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } أَيْ مَا كُنْت مَعَهُمْ إذْ يَخْتَصِمُونَ فِيهَا . يُخْبِرُهُ بِخَفِيّ مَا كَتَمُوا مِنْهُ مِنْ الْعِلْمِ عِنْدَهُمْ لِتَحْقِيقِ نُبُوّتِهِ وَالْحُجّةِ عَلَيْهِمْ بِمَا يَأْتِيهِمْ بِهِ مِمّا أَخْفَوْا مِنْهُ . [ ص 12 ] قَالَ { إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنّ اللّهَ يُبَشّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ أَمْرُهُ لَا كَمَا تَقُولُونَ فِيهِ { وَجِيهًا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ } أَيْ عِنْدَ اللّهِ { وَمِنَ الْمُقَرّبِينَ وَيُكَلّمُ النّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصّالِحِينَ } يُخْبِرُهُمْ بِحَالَاتِهِ الّتِي يَتَقَلّبُ فِيهَا فِي عُمْرَهُ كَتَقَلّبِ بَنِي آدَمَ فِي أَعْمَارِهِمْ صِغَارًا وَكِبَارًا ، إلّا أَنّ اللّهَ خَصّهُ بِالْكَلَامِ فِي مَهْدِهِ آيَةً لِنُبُوّتِهِ وَتَعْرِيفًا لِلْعِبَادِ بِمَوَاقِعِ قُدْرَتِهِ . { قَالَتْ رَبّ أَنّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ } أَيْ يَصْنَعُ مَا أَرَادَ وَيَخْلُقُ مَا يَشَاءُ مِنْ بَشَرٍ أَوْ غَيْرِ بَشَرٍ { إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ } مِمّا يَشَاءُ وَكَيْفَ يَشَاءُ { فَيَكُونُ } كَمَا أَرَادَ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي بَيَانِ آيَاتِ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
ثُمّ أَخْبَرَهَا بِمَا يُرِيدُ بِهِ فَقَالَ { وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ } الّتِي كَانَتْ فِيهِمْ مِنْ عَهْدِ مُوسَى قَبْلَهُ { وَالْإِنْجِيلَ } كِتَابًا آخَرَ أَحْدَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ إلّا ذِكْرُهُ أَنّهُ كَائِنٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ بَعْدَهُ وَرَسُولًا إلَى بَنِي إسْرَائِيلَ أَنّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةِ مِنْ رَبّكُمْ أَيْ يُحَقّقُ بِهَا نُبُوّتِي ، أَنّي رَسُولٌ مَعَهُ إلَيْكُمْ { أَنّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطّينِ كَهَيْئَةِ الطّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللّهِ } الّذِي بَعَثَنِي إلَيْكُمْ وَهُوَ رَبّي وَرَبّكُمْ { وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 13 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَكْمَهُ الّذِي يُولَدُ أَعْمَى . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : هَرّجْت فَارْتَدّ ارْتِدَادَ الْأَكْمَهِ
وَجَمْعُهُ كُمْهٌ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَرّجْت : صِحْت بِالْأَسَدِ وَجَلَبْت عَلَيْهِ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ . { وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ } إنّي رَسُولُ اللّهِ مِنْ اللّهِ إلَيْكُمْ { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمُصَدّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيّ مِنَ التّوْرَاةِ } أَيْ لَمَا سَبَقَنِي عَنْهَا { وَلِأُحِلّ لَكُمْ بَعْضَ الّذِي حُرّمَ عَلَيْكُمْ } أَيْ أُخْبِرُكُمْ بِهِ أَنّهُ كَانَ عَلَيْكُمْ حَرَامًا فَتَرَكْتُمُوهُ ثُمّ أُحِلّهُ لَكُمْ تَخْفِيفًا عَنْكُمْ فَتُصِيبُونَ يُسْرَهُ وَتُخْرِجُوهُ مِنْ تِبَاعَاتِهِ { وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبّكُمْ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَطِيعُونِ إِنّ اللّهَ رَبّي وَرَبّكُمْ } أَيْ تَبَرّيًا مِنْ الّذِينَ يَقُولُونَ فِيهِ وَاحْتِجَاجًا لِرَبّهِ عَلَيْهِمْ { فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ } أَيْ هَذَا الّذِي قَدْ حَمَلَتْكُمْ عَلَيْهِ وَجِئْتُكُمْ بِهِ { فَلَمّا أَحَسّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ } وَالْعُدْوَانَ عَلَيْهِ { قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللّهِ آمَنّا بِاَللّهِ } هَذَا قَوْلُهُمْ الّذِي أَصَابُوا بِهِ الْفَضْلَ مِنْ رَبّهِمْ { وَاشْهَدْ بِأَنّا مُسْلِمُونَ } لَا مَا يَقُولُ هَؤُلَاءِ الّذِينَ يُحَاجّونَك { رَبّنَا آمَنّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتّبَعْنَا الرّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشّاهِدِينَ } أَيْ هَكَذَا كَانَ قَوْلُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ . [ ص 14 ] [ ص 15 ]
Sوَضَعْتهَا أُنْثَى
[ ص 15 ] وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِ مَا نَزَلَ فِيهِمْ قَوْلَ حَنّةَ أُمّ مَرْيَمَ ، وَهِيَ بِنْتُ مَاثَانَ { رَبّ إنّي وَضَعْتهَا أُنْثَى } قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التّأْوِيلِ أَشَارَتْ إلَى مَعْنَى الْحَيْضِ أَنّ الْأُنْثَى تَحِيضُ فَلَا تَخْدُمُ الْمَسْجِدَ وَلِذَلِكَ قَالَ { وَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى } لِأَنّ الذّكَرَ لَا يَحِيضُ فَهُوَ أَبَدًا فِي خِدْمَةِ الْمَسْجِدِ وَهَذِهِ إشَارَةٌ حَسَنَةٌ . فَإِنْ قِيلَ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ وَلَيْسَ الْأُنْثَى كَالذّكَرِ لِأَنّهَا دُونَهُ فَمَا بَالُهُ بَدَأَ بِالذّكْرِ ؟ وَالْجَوَابُ أَنّ الْأُنْثَى إنّمَا هِيَ دُونَ الذّكَرِ فِي نَظَرِ الْعَبْدِ لِنَفْسِهِ لِأَنّهُ يَهْوَى ذُكْرَانَ الْبَنِينَ وَهُمْ مَعَ الْأَمْوَالِ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدّنْيَا وَأَقْرَبُ إلَى فِتْنَةِ الْعَبْدِ وَنَظَرُ الرّبّ لِلْعَبْدِ خَيْرٌ مِنْ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فَلَيْسَ الذّكَرُ كَالْأُنْثَى عَلَى هَذَا ، بَلْ الْأُنْثَى أَفْضَلُ فِي الْمَوْهِبَةِ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ سُبْحَانَهُ { يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا } فَبَدَأَ بِذِكْرِهِنّ قَبْلَ الذّكُورِ [ ص 16 ] ابْدَءُوا بِالْإِنَاثِ يَعْنِي : فِي الرّحْمَةِ وَإِدْخَالِ السّرُورِ عَلَى الْبَنِينَ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا : مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ دَخَلْت أَنَا وَهُوَ الْجَنّةَ كَهَاتَيْنِ فَتَرَتّبَ الْكَلَامُ فِي التّنْزِيلِ عَلَى حَسْبِ الْأَفْضَلِ فِي نَظَرِ اللّهِ لِلْعَبْدِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَرَادَ .

رَفَعَ عِيسَى عَلَيْهِ السّلَامُ
[ ص 16 ] ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَفَعَهُ عِيسَى إلَيْهِ حِينَ اجْتَمَعُوا لِقَتْلِهِ فَقَالَ { وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } ثُمّ أَخْبَرَهُمْ وَرَدّ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَقَرّوا لِلْيَهُودِ بِصَلْبِهِ كَيْفَ رَفَعَهُ وَطَهّرَهُ مِنْهُمْ فَقَالَ { إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ فَوْقَ الّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ } ثُمّ الْقِصّةَ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ { ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ } يَا مُحَمّدُ { مِنَ الْآيَاتِ وَالذّكْرِ الْحَكِيمِ } الْقَاطِعِ الْفَاصِلِ الْحَقّ الّذِي لَا يُخَالِطُهُ الْبَاطِلُ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى ، وَعَمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِهِ فَلَا تَقْبَلْنَ خَبَرًا غَيْرَهُ { إِنّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللّهِ } فَاسْتَمِعْ { كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ الْحَقّ مِنْ رَبّكَ } أَيْ مَا جَاءَك مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى { فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } أَيْ قَدْ جَاءَك الْحَقّ مِنْ رَبّك فَلَا تَمْتَرِينَ فِيهِ وَإِنْ قَالُوا : خُلِقَ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ فَقَدْ خَلَقْت آدَمَ مِنْ تُرَابٍ بِتِلْكَ الْقُدْرَةِ مِنْ غَيْرِ أُنْثَى وَلَا ذَكَرٍ فَكَانَ كَمَا كَانَ عِيسَى لَحْمًا وَدَمًا ، وَشَعْرًا وَبَشَرًا ، فَلَيْسَ خَلْقُ عِيسَى مِنْ غَيْرِ ذَكَرٍ بِأَعْجَبَ مِنْ هَذَا . فَمَنْ حَاجّك فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَك مِنْ الْعِلْمِ أَيْ مِنْ بَعْدِ مَا قَصَصْت عَلَيْك مِنْ خَبَرِهِ وَكَيْفَ كَانَ أَمْرُهُ { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 17 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ نَبْتَهِلُ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ قَالَ أَعْشَى بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ :
لَا تَقْعُدَن وَقَدْ أَكّلْتهَا حَطَبًا ... نَعُوذُ مِنْ شَرّهَا يَوْمًا وَنَبْتَهِلُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . يَقُولُ نَدْعُو بِاللّعْنَةِ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ : بَهَلَ اللّهُ فُلَانًا ، أَيْ لَعَنَهُ وَعَلَيْهِ بَهْلَةُ اللّهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَال : بَهْلَةُ اللّهِ أَيْ لَعْنَةُ اللّهِ وَنَبْتَهِلُ أَيْضًا : نَجْتَهِدُ فِي الدّعَاءِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : إنّ هَذَا الّذِي جِئْت بِهِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ عِيسَى { لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ } مِنْ أَمْرِهِ { وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فَإِنْ تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلّا نَعْبُدَ إِلّا اللّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللّهِ فَإِنْ تَوَلّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنّا مُسْلِمُونَ } فَدَعَاهُمْ إلَى النّصْفِ وَقَطَعَ عَنْهُمْ الْحُجّةَ .
إبَاؤُهُمْ الْمُلَاعَنَةَ
فَلَمّا أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْخَبَرُ مِنْ اللّهِ عَنْهُ وَالْفَضْلُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ وَأَمَرَ بِمَا أَمَرَ بِهِ مِنْ مُلَاعَنَتِهِمْ إنْ رَدّوا ذَلِكَ عَلَيْهِ دَعَاهُمْ إلَى ذَلِكَ فَقَالُوا لَهُ يَا أَبَا الْقَاسِمِ دَعْنَا نَنْظُرُ فِي أَمْرِنَا ، ثُمّ نَأْتِيك بِمَا نُرِيدُ أَنْ نَفْعَلَ فِيمَا دَعَوْتنَا إلَيْهِ فَانْصَرَفُوا عَنْهُ ثُمّ خَلَوْا بِالْعَاقِبِ وَكَانَ ذَا رَأْيِهِمْ فَقَالُوا : يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ مَاذَا تَرَى ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ يَا مَعْشَرَ النّصَارَى لَقَدْ عَرَفْتُمْ إنّ مُحَمّدًا لَنَبِيّ مُرْسَلٌ وَلَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْفَضْلِ مِنْ خَبَرِ صَاحِبِكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا لَاعَنَ قَوْمٌ نَبِيّا قَطّ فَبَقِيَ كَبِيرُهُمْ وَلَا نَبَتَ صَغِيرُهُمْ وَأَنّهُ لِلِاسْتِئْصَالِ مِنْكُمْ إنْ فَعَلْتُمْ فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ أَبَيْتُمْ إلّا إلْفَ دِينِكُمْ وَالْإِقَامَةَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ الْقَوْلِ فِي صَاحِبِكُمْ فَوَادِعُوا الرّجُلَ ثُمّ انْصَرِفُوا إلَى بِلَادِكُمْ فَأَتَوْا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالُوا : يَا أَبَا الْقَاسِمِ قَدْ رَأَيْنَا أَلّا نُلَاعِنَك ، وَأَنْ نَتْرُكَك عَلَى دِينِك وَنَرْجِعَ عَلَى دِينِنَا ، وَلَكِنْ ابْعَثْ مَعَنَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِك تَرْضَاهُ لَنَا ، يَحْكُمُ بَيْنَنَا فِي أَشْيَاءَ اخْتَلَفْنَا فِيهَا مِنْ أَمْوَالِنَا ، فَإِنّكُمْ عِنْدَنَا رِضًا .
تَوْلِيَةُ أَبِي عُبَيْدَةَ أُمُورَهُمْ
[ ص 18 ] قَالَ مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرٍ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ائْتُونِي الْعَشِيّةَ أَبْعَثْ مَعَكُمْ الْقَوِيّ الْأَمِينَ قَالَ فَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ يَقُولُ مَا أَحْبَبْت الْإِمَارَةَ قَطّ حُبّي إيّاهَا يَوْمَئِذٍ رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ صَاحِبَهَا ، فَرُحْت إلَى الظّهْرِ مُهَجّرًا ، فَلَمّا صَلّى بِنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الظّهْرَ سَلّمَ ثُمّ نَظَرَ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ فَجَعَلْت أَتَطَاوَلُ لَهُ لِيَرَانِي ، فَلَمْ يَزَلْ يَلْتَمِسُ بِبَصَرِهِ حَتّى رَأَى أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرّاحِ فَدَعَاهُ فَقَالَ اُخْرُجْ مَعَهُمْ فَاقْضِ بَيْنَهُمْ بِالْحَقّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ عُمَرُ فَذَهَبَ بِهَا أَبُو عُبَيْدَةَ .
Sالْمُبَاهَلَةُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ دُعَاءَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَهْلَ نَجْرَانَ إلَى الْمُبَاهَلَةِ وَأَنّهُمْ رَضُوا بِبَذْلِ الْجِزْيَةِ وَالصّغَارِ وَأَنْ لَا يُلَاعِنُوهُ وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ بَعْضَهُمْ قَالَ لِبَعْضِ إنْ لَاعَنْتُمُوهُ وَدَعَوْتُمْ بِاللّعْنَةِ عَلَى الْكَاذِبِ اضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْكُمْ نَارًا ، وَفِي تَفْسِيرِ الْكَشّيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَقَدْ تَدَلّى إلَيْهِمْ الْعَذَابُ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ بَاهَلُونِي لَاسْتُؤْصِلُوا مِنْ عَلَى جَدِيدِ الْأَرْضِ نُكْتَةٌ فِي قَوْلِهِ { نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ } بَدَأَ بِالْأَبْنَاءِ وَالنّسَاءِ قَبْلَ الْأَنْفُسِ وَالْجَوَابُ أَنّ أَهْلَ التّفْسِيرِ قَالُوا أَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ أَيْ لِيَدْعُ بَعْضُنَا بَعْضًا ، وَهَذَا نَحْوَ [ ص 17 ] { فَسَلّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ أَيْ يُسَلّمُ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فَبَدَأَ بِذِكْرِ الْأَوْلَادِ الّذِينَ هُمْ فَلَذُ الْأَكْبَادِ ثُمّ بِالنّسَاءِ الّتِي جَعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مَوَدّةً وَرَحْمَةً ثُمّ مَنْ وَرَاءَهُمْ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ، لِأَنّ الْإِنْسَانَ لَا يَدْعُو نَفْسَهُ وَانْتَظَمَ الْكَلَامَ عَلَى الْأُسْلُوبِ الْمُعْتَادِ فِي إعْجَازِ الْقُرْآنِ وَفِي حَدِيثِ أَهْلِ نَجْرَانَ زِيَادَةٌ كَثِيرَةٌ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، [ ص 18 ] نَجْرَانَ حِينَ رَجَعَ الْوَفْدُ وَأَخْبَرُوهُ الْخَبَرَ رَحَلَ إلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَسَمِعَ مَعَهُ وَأَهْدَى إلَيْهِ الْقَضِيبَ وَالْقَعْبَ وَالْبُرْدَ الّذِي هُوَ الْآنَ عِنْدَ خُلَفَاءِ بَنِي الْعَبّاسِ يَتَوَارَثُونَهُ .

نُبَذٌ مِنْ ذِكْرِ الْمُنَافِقِينَ
ابْنُ أُبَيّ وَابْنُ صَيْفِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ - وَسَيّدُ أَهْلِهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ ابْنُ سَلُولَ الْعَوْفِيّ ثُمّ أَحَدُ بَنِي الْحُبْلَى ، لَا يَخْتَلِفُ عَلِيّ فِي شَرَفِهِ اثْنَانِ لَمْ تَجْتَمِعْ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ غَيْرِهِ وَمَعَهُ فِي الْأَوْسِ رَجُلٌ هُوَ فِي قَوْمِهِ مِنْ الْأَوْسِ شَرِيفٌ مُطَاعٌ أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ عَمْرِو بْنِ صَيْفِيّ بْنِ النّعْمَانِ أَحَدُ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ أَبُو حَنْظَلَةَ ، الْغَسِيلُ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَكَانَ قَدْ تَرَهّبَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَلَبِسَ الْمُسُوحَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الرّاهِبُ . فَشَقِيَا بِشَرَفِهِمَا وَضَرّهُمَا .
إسْلَامُ ابْنِ أُبَيّ [ نِفَاقًا ]
[ ص 20 ] عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَكَانَ قَوْمُهُ قَدْ نَظَمُوا لَهُ الْخَرَزَ لِيُتَوّجُوهُ ثُمّ يُمَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ فَجَاءَهُمْ اللّهُ تَعَالَى بِرَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ . فَلَمّا انْصَرَفَ قَوْمُهُ عَنْهُ إلَى الْإِسْلَامِ ضَغِنَ وَرَأَى أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ اسْتَلَبَهُ مُلْكًا . فَلَمّا رَأَى قَوْمَهُ قَدْ أَبَوْا إلّا الْإِسْلَامَ دَخَلَ فِيهِ كَارِهًا مُصِرّا عَلَى نِفَاقٍ وَضِغْنٍ .
إصْرَارُ ابْنِ صَيْفِيّ عَلَى كُفْرِهِ
[ ص 21 ] فَأَبَى إلّا الْكُفْرَ وَالْفِرَاقَ لِقَوْمِهِ حِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الْإِسْلَامِ فَخَرَجَ مِنْهُمْ إلَى مَكّةَ بِبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مُفَارِقًا لِلْإِسْلَامِ وَلِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ بَعْضِ آلِ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ : لَا تَقُولُوا الرّاهِبَ وَلَكِنْ قُولُوا : الْفَاسِقَ
مَا نَالَ ابْنَ صَيْفِيّ جَزَاءَ تَعْرِيضِهِ بِالرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي الْحَكِيمِ وَكَانَ قَدْ أَدْرَكَ وَسَمِعَ وَكَانَ رَاوِيَةً أَنّ أَبَا عَامِرٍ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ ، قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مَكّةَ ، فَقَالَ مَا هَذَا الدّينُ الّذِي جِئْت بِهِ ؟ فَقَالَ جِئْت بِالْحَنِيفِيّةِ دِينِ إبْرَاهِيمَ قَالَ فَأَنَا عَلَيْهَا ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّك لَسْت عَلَيْهَا قَالَ بَلَى ، قَالَ إنّك أَدْخَلْت يَا مُحَمّدُ فِي الْحَنِيفِيّةِ مَا لَيْسَ مِنْهَا ، قَالَ مَا فَعَلْت ، وَلَكِنّي جِئْت بِهَا بَيْضَاءَ نَقِيّةً ؟ قَالَ الْكَاذِبُ أَمَاتَهُ اللّهُ طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدًا - يُعَرّضُ بِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْ أَنّك جِئْت بِهَا كَذَلِكَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَجَلْ فَمَنْ كَذَبَ فَفَعَلَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ بِهِ فَكَانَ هُوَ ذَلِكَ عَدُوّ اللّهِ خَرَجَ إلَى مَكّةَ ، فَلَمّا افْتَتَحَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَكّةَ خَرَجَ إلَى الطّائِفِ فَلَمّا أَسْلَمَ أَهْلُ الطّائِفِ لَحِقَ بِالشّامِ فَمَاتَ بِهَا طَرِيدًا غَرِيبًا وَحِيدَا
الِاحْتِكَامُ إلَى قَيْصَرَ فِي مِيرَاثِهِ
وَكَانَ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلَاثَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْأَحْوَصِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ كَلّابٍ وَكِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرِ الثّقَفِيّ ، فَلَمّا مَاتَ اخْتَصَمَا فِي مِيرَاثِهِ إلَى قَيْصَرَ صَاحِبِ الرّومِ . فَقَالَ قَيْصَرُ يَرِثُ أَهْلُ الْمَدَرِ أَهْلَ الْمَدَرِ وَيَرِثُ أَهْلُ الْوَبَرِ أَهْلَ الْوَبَرِ فَوَرِثَهُ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بِالْمَدَرِ دُونَ عَلْقَمَةَ .
هِجَاءُ كَعْبٍ لِابْنِ صَيْفِيّ
فَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ لِأَبِي عَامِرٍ فِيمَا صَنَعَ
مَعَاذَ اللّهِ مِنْ عَمَلٍ خَبِيثٍ ... كَسَعْيِك فِي الْعَشِيرَةِ عَبْدِ عَمْرِو
فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَنَخْلٌ ... فَقَدْ مَا بِعْت إيمَانًا بِكُفْرِ
[ ص 22 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيَرْوِي : فَإِمّا قُلْت لِي شَرَفٌ وَمَالٌ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَمّا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ فَأَقَامَ عَلَى شَرَفِهِ فِي قَوْمِهِ مُتَرَدّدًا ، حَتّى غَلَبَهُ الْإِسْلَامُ فَدَخَلَ فِيهِ كَارِهًا .
Sسَلُولُ
فَصْلٌ
[ ص 19 ] وَذَكَرَ قِصّةَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ وَسَلُولُ هِيَ أُمّ أُبَيّ وَهِيَ خُزَاعِيّةٌ وَهُوَ أُبَيّ بْنُ مَالِكٍ مِنْ بَنِي الْحُبْلَى ، وَاسْمُ الْحُبْلَى : سَالِمٌ وَالنّسَبُ إلَيْهِ حُبُلِيّ بِضَمّتَيْنِ كَرِهُوا أَنْ يَقُولُوا : حُبْلَوِيّ أَوْ حُبُلِيّ أَوْ حُبْلَاوِيّ عَلَى قِيَاسِ النّسَبِ لِأَنّ حُبْلَى وَسَكْرَى وَنَحْوَهُمَا إذَا كَانَا اسْمًا لِرَجُلِ لَمْ يَجْرِ فِي الْجَمْعِ عَلَى حُكْمِ التّأْنِيثِ وَكَذَلِكَ فَعْلَاءُ بِالْمَدّ تَقُولُ فِي جَمْعِ رَجُلٍ اسْمُهُ سَلْمَى أَوْ وَرْقَاءُ الْوَرْقَاوُونَ وَالسّلَمُونَ وَهَذَا بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ فَإِنّك تَقُولُ فِي طَلْحَةَ اسْمُ رَجُلٍ طَلَحَاتٍ كَمَا كُنْت تَقُولُ فِي غَيْرِ الْعَلَمِيّةِ لِأَنّ التّاءَ لَا تَكُونُ إلّا لِلتّأْنِيثِ وَالْأَلِفُ تَكُونُ لِلتّأْنِيثِ وَغَيْرِهِ فَلَمّا كَانَتْ أَلِفُ التّأْنِيثِ بِخِلَافِ تَاءِ التّأْنِيثِ فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَعْلَامِ كَانَ النّسَبُ إلَيْهَا مُخَالِفًا لِلنّسَبِ إلَى مَا فِيهِ أَلِفُ التّأْنِيثِ فِي غَيْرِ الْأَعْلَامِ غَيْرَ أَنّ هَذَا فِي بَابِ النّسَبِ لَا يَطْرُدُ وَإِنْ اطّرَدَ الْجَمْعُ كَمَا قَدّمْنَا ، وَكَانَتْ النّكْتَةُ الّتِي خُصّ بِهَا النّسَبُ فِي بَنِي الْحُبْلَى بِمُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ كَرَاهِيَتَهُمْ لِحُكْمِ التّأْنِيثِ فِيهِ لِأَنّ الْحُبْلَى وَصْفٌ [ ص 20 ] اسْمُهُ سَلْمَى مِنْ الرّجَالِ كَكَرَاهِيَتِهِمْ لِبَقَاءِ حُكْمِ التّأْنِيثِ فِيمَنْ اسْمُهُ حُبْلَى ، فَلِذَلِكَ غَيّرُوا النّسَبَ حَتّى كَأَنّهُمْ نَسَبُوا إلَى حُبُلٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَأَمّا سَلُولُ فِي خُزَاعَةَ ، وَقَدْ تَقَدّمَ عِنْدَ ذِكْرِ حُبْشِيّةَ ابْنِ سَلُولَ قَاسِمُ رَجُلٍ مَصْرُوفٍ وَأَمّا بَنُو سَلُولَ بْنِ صَعْصَعَةَ إخْوَةُ بَنِي عَامِرٍ فَهُمْ بَنُو مُرّةَ بْنِ صَعْصَعَةَ . وَسَلُولُ أُمّهُمْ وَهِيَ بِنْتُ ذُهْلِ بْنِ شَيْبَانَ فَجَمِيعُ مَا وَقَعَ لِابْنِ إسْحَاقَ فِي السّيَرِ مِنْ سَلُولَ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ اسْمُ رَجُلٍ مَصْرُوفٍ وَثِنْتِيَانِ غَيْرُ مَصْرُوفَتَيْنِ وَهُمَا اللّتَانِ ذَكَرْنَا .
الْمُلْكُ فِي الْعَرَبِ
وَذَكَرَ أَنّ الْأَنْصَارَ كَانُوا قَدْ نَظَمُوا الْخَرَزَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ لِيُتَوّجُوهُ وَيُمَلّكُوهُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنّ الْأَنْصَارَ يَمَنٌ ، وَقَدْ كَانَتْ الْمُلُوكُ الْمُتَوّجُونَ مِنْ الْيَمَنِ فِي آلِ قَحْطَانَ ، وَكَانَ أَوّلَ مَنْ تَتَوّجَ مِنْهُمْ سَبَأُ بْنُ يَشْجُبَ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ قَحْطَانَ وَلَمْ يُتَوّجْ مِنْ الْعَرَبِ إلّا قَحْطَانِيّ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَقِيلَ لَهُ قَدْ تَتَوّجَ هَوْذَةُ بْنُ عَلِيّ الْحَنَفِيّ صَاحِبُ الْيَمَامَةِ ، وَقَالَ فِيهِ الْأَعْشَى
مَنْ يَرَى هَوْذَةَ يَسْجُدُ غَيْرَ مُتّئِبٍ ... إذَا تَعَمّمَ فَوْقَ التّاجِ أَوْ وَضَعَا
وَفِي الْخَرَزَاتِ الّتِي بِمَعْنَى التّاجِ يَقُولُ الشّاعِرُ [ لَبِيدٌ يَذْكُرُ الْحَارِثَ بْنَ أَبِي شِمْرٍ الْغَسّانِيّ ] .
رَعَى خَرَزَاتِ الْمُلْكِ عِشْرِينَ حَجّةً ... وَعِشْرِينَ حَتّى فَادَ وَالشّيْبُ شَامِلُ
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ لَمْ يَكُنْ تَاجًا ، وَإِنّمَا كَانَتْ خَرَزَاتُ تُنَظّمُ وَكَانَ سَبَبُ تَتَوّجِ هَوْذَةَ أَنّهُ أَجَارَ لَطِيمَةً لِكَسْرَى مَنَعَهَا مِمّنْ أَرَادَهَا مِنْ الْعَرَبِ ، فَلَمّا وَفَدَ عَلَيْهِ تَوَجّهَ لِذَلِكَ وَمَلّكَهُ [ ص 21 ]

خُرُوجُ قَوْمِ ابْنِ أُبَيّ عَلَيْهِ وَشِعْرُهُ فِي ذَلِكَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ رَكِبَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ مِنْ شَكْوٍ أَصَابَهُ عَلَى حِمَارٍ عَلَيْهِ إكَافٌ فَوْقَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيّةٌ مُخْتَطَمَةٌ بِحَبْلِ مِنْ لِيفٍ وَأَرْدَفَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلْفَهُ قَالَ فَمَرّ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ وَهُوَ ( فِي ) ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مُزَاحِمٌ اسْمُ الْأُطُمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَوْلَهُ رِجَالٌ مِنْ قَوْمِهِ . فَلَمّا رَآهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَذَمّمَ مِنْ أَنْ يُجَاوِزَهُ حَتّى يَنْزِلَ فَنَزَلَ فَسَلّمَ ثُمّ جَلَسَ قَلِيلًا فَتَلَا الْقُرْآنَ وَدَعَا إلَى اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَذَكَرَ بِاَللّهِ وَحَذّرَ وَبَشّرَ وَأَنْذَرَ قَالَ وَهُوَ زَامّ لَا يَتَكَلّمُ حَتّى إذَا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ مَقَالَتِهِ قَالَ " يَا هَذَا ، إنّهُ لَا أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِك هَذَا إنْ كَانَ حَقّا فَاجْلِسْ فِي بَيْتِك فَمَنْ [ ص 23 ] قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فِي رِجَالٍ كَانُوا عِنْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَلَى ، فَاغْشَنَا بِهِ وَأْتِنَا فِي مَجَالِسنَا وَدُورِنَا وَبَيْتِنَا ، فَهُوَ وَاَللّهِ مِمّا نُحِبّ وَمِمّا أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ وَهَدَانَا لَهُ فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ حِينَ رَأَى مِنْ خِلَافِ قَوْمِهِ مَا رَأَى :
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ
وَهَلْ يَنْهَضُ الْبَازِي بِغَيْرِ جَنَاحِهِ ... وَإِنْ جُذّ يَوْمًا رَيْشُهُ فَهُوَ وَاقِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْبَيْتُ الثّانِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
غَضَبُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِ ابْنِ أُبَيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أُسَامَةَ قَالَ وَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ ، وَفِي وَجْهِهِ مَا قَالَ عَدُوّ اللّهِ ابْنُ أُبَيّ ، فَقَالَ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي لَأَرَى فِي وَجْهِك شَيْئًا ، لَكَأَنّك سَمِعْت شَيْئًا تَكْرَهُهُ قَالَ " أَجَلْ " ثُمّ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ ابْنُ أُبَيّ : فَقَالَ سَعْدٌ يَا رَسُولَ اللّهِ اُرْفُقْ بِهِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ جَاءَنَا اللّهُ بِك ، وَإِنّا لَنُنَظّمُ لَهُ الْخَرَزَ لِنُتَوّجَهُ فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَرَى أَنْ قَدْ سَلَبْته مُلْكًا .
Sمُزَاحِمٌ أُطُمِهِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَرّ بِهِ وَهُوَ ظِلّ مُزَاحِمٍ أُطُمِهِ وَآطَامُ الْمَدِينَةِ : سُطُوحٌ وَلَهَا أَسْمَاءٌ فَمِنْهَا مُزَاحِمٌ وَمِنْهَا الزّوْرَاءُ أُطُمُ بَنِي الْجِلَاحِ وَمِنْهَا مُعْرِضٌ أُطُمُ بَنِي سَاعِدَةَ وَمِنْهَا : فَارِعٌ أُطُمُ بَنِي حُدَيْلَةَ وَمِنْهَا مِسْعَطٌ وَمِنْهَا : وَاقِمٌ وَفِي مُعْرِضٌ يَقُولُ الشّاعِرُ
وَنَحْنُ دَفَعْنَا عَنْ بُضَاعَةَ كُلّهَا ... وَنَحْنُ بَنَيْنَا مُعْرِضًا فَهُوَ مُشْرِفُ
فَأَصْبَحَ مَعْمُورًا طَوِيلًا قَذَالُهُ ... وَتَخْرَبُ آطَامٌ بِهَا وَتَقَصّفُ
وَبُضَاعَةُ أَرْضُ بَنِي سَاعِدَةَ وَإِلَيْهَا تُنْسَبُ بِئْرُ بَنِي بُضَاعَةَ . وَالْأَجَشّ وَكَانَ بِقُبَاءَ وَالْحَمِيمُ وَالنّوّاحَانِ وَهُمَا أُطُمَانِ لِبَنِي أُنَيْفٍ وَصِرَارٍ وَكَانَ بِالْجَوّانِيّةِ وَالرّثّانِ وَالشّبْعَانِ وَهُوَ فِي تمغ . وراتح وَالْأَبْيَضُ وَمِنْهَا عَاصِمٌ وَالرّغْلُ وَكَانَ لِحَضِيرِ بْنِ سِمَاكٍ وَمِنْهَا خَيْطٌ وَوَاسِطٌ وَحُبَيْشٌ وَالْأَغْلَبُ وَمَنِيعٌ فَهَذِهِ آطَامُ الْمَدِينَةِ ذَكَرَ أَكْثَرَهَا الزّبَيْرُ وَالْأُطُمُ اسْمٌ مَأْخُوذٌ مِنْ [ ص 23 ] ائْتَطَمَ إذَا ارْتَفَعَ وَعَلَا ، يُقَال : ائْتَطَمَ عَلَيّ فُلَانٌ إذَا غَضِبَ وَانْتَفَخَ وَالْأَطَمَاتُ نِيرَانٌ مَعْرُوفَةٌ فِي جِبَالٍ لَا تَخْمُدُ فِيهَا ، تَأْخُذُ بِأَعْنَانِ السّمَاءِ فَهِيَ أَبَدًا بَاقِيَةٌ لِأَنّهَا فِي مَعَادِنِ الْكِبْرِيتِ وَقَدْ ذَكَرَ الْمَسْعُودِيّ مِنْهَا جُمْلَةً وَذَكَرَ مَوَاضِعَهَا ، وَقَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ :
مَتَى مَا يَكُنْ مَوْلَاك خَصْمُك لَا تَزَلْ ... تَذِلّ وَيَصْرَعْك الّذِينَ تُصَارِعُ
يُقَالُ إنّ ابْنَ أَبِي تَمَثّلَ بِهِمَا ، وَيُقَالُ إنّهُمَا الْخُفَافِ ابْنُ نُدْبَةَ وَخُفَافٌ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ أَحَدُ غِرْبَانِ الْعَرَبِ ، وَأُمّهُ نُدْبَةَ وَيُقَالُ فِيهَا : نَدْبَةُ وَنُدْبَةُ وَهُوَ سَلْمَى . وَذَكَرَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللّهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ يَعُودُهُ وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ زِيَادَةٌ فِيهَا فِقْهٌ قَالَ كَانَ سَعْدٌ قَدْ دَعَاهُ رَجُلٌ مِنْ اللّيْلِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فَضَرَبَهُ الرّجُلُ بِسَيْفِ فَأَشْوَاهُ فَجَاءَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَعُودُهُ مِنْ تِلْكَ الضّرْبَةِ وَلَامَهُ عَلَى خُرُوجِهِ لَيْلًا ، وَهَذَا هُوَ مَوْضِعُ الْفِقْهِ .

ذِكْرُ مَنْ اعْتَلّ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
مَرَضُ أَبِي بَكْرٍ وَعَامِرٍ وَبِلَالٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْهُمْ
[ ص 24 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ لَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَدِمَهَا وَهِيَ أَوْبَأُ أَرْضِ اللّهِ مِنْ الْحُمّى ، فَأَصَابَ أَصْحَابَهُ مِنْهَا بَلَاءٌ وَسَقَمٌ فَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَتْ فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، وَبِلَالٌ مَوْلَيَا أَبِي بَكْرٍ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ فَأَصَابَتْهُمْ الْحُمّى ، فَدَخَلْت عَلَيْهِمْ أَعُودُهُمْ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ وَبِهِمْ مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ مِنْ شِدّةِ الْوَعْكِ فَدَنَوْت مِنْ أَبِي بَكْرٍ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا أَبَتْ ؟ فَقَالَ
كُلّ امْرِئِ مُصَبّحٌ فِي أَهْلِهِ ... وَالْمَوْتُ أَدْنَى مِنْ شِرَاكِ نَعْلَيْهِ
قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا يَدْرِي أَبِي مَا يَقُولُ . قَالَتْ ثُمّ دَنَوْت إلَى عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ فَقُلْت لَهُ كَيْفَ تَجِدُك يَا عَامِرُ ؟ فَقَالَ
لَقَدْ وَجَدْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ ... إنّ الْجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
كُلّ امْرِئِ مُجَاهَدٌ بِطَوْقِهِ ... كَالثّوْرِ يَحْمِي جِلْدَهُ بِرَوْقِهِ
[ ص 25 ] بِطَاقَتِهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَالَتْ فَقُلْت : وَاَللّهِ مَا يَدْرِي عَامِرٌ مَا يَقُولُ قَالَتْ وَكَانَ بِلَالٌ إذَا تَرَكَتْهُ الْحُمّى اضْطَجَعَ بِفِنَاءِ الْبَيْتِ . ثُمّ رَفَعَ عَقِيرَتَهُ فَقَالَ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِفَجّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
وَهَلْ أَرِدَن يَوْمًا مِيَاهَ مِجَنّةٍ ... وَهَلْ يَبْدُونَ لِي شَامَةٌ وَطَفِيلٌ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : شَامَةٌ وَطَفِيلٌ جَبَلَانِ بِمَكّةَ .
Sوَعْكُ أَبِي بَكْرٍ وَبِلَالٍ وَعَامِرٍ
[ ص 24 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ عَائِشَةَ حِينَ وُعِكَ أَبُو بَكْرٍ وَبِلَالٌ وَعَامِرٌ بْنُ فُهَيْرٍ وَمَا أَجَابُوهَا بِهِ مِنْ الرّجَزِ فَيَذْكُرُ أَنّ قَوْلَ عَامِرٍ لَقَدْ وَجَدْت الْمَوْتَ قَبْلَ ذَوْقِهِ
[ ص 25 ] مَامَةَ وَفِي هَذَا الْخَبَرِ وَمَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ حَنِينِهِمْ إلَى مَكّةَ مَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النّفُوسُ مِنْ حُبّ الْوَطَنِ وَالْحَنِينِ إلَيْهِ وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ أُصَيْلٍ الْغِفَارِيّ وَيُقَالُ فِيهِ الْهُدَلِيّ أَنّهُ قَدِمَ مِنْ مَكّةَ ، فَسَأَلْته عَائِشَةُ كَيْفَ تَرَكْت مَكّةَ يَا أُصَيْلُ ؟ فَقَالَ تَرَكْتهَا حِينَ ابْيَضّتْ أَبَاطِحُهَا ، وَأَحْجَن ثُمَامُهَا ، وَأَغْدَقَ إذْخِرَهَا ، وَأَمْشَرَ سَلَمُهَا ، فَاغْرَوْرَقَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَالَ " لَا تُشَوّفْنَا يَا أُصَيْلُ " ، وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ " دَعْ الْقُلُوبَ تَقَرْ " ، وَقَدْ قَالَ الْأَوّلُ
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَبِيتَن لَيْلَةً ... بِوَادِي الْخُزَامَى حَيْثُ رَبّتْنِي أَهْلِي
بِلَادٌ بِهَا نِيطَتْ عَلَيّ تَمَائِمِي ... وَقُطّعْنَ عَنّي حِينَ أَدْرَكَنِي عَقْلِي
وَأَمّا قَوْلُ بِلَالٍ بِفَجّ وَحَوْلِي إذْخِرٌ وَجَلِيلُ
فَفَجّ مَوْضِعٌ خَارِجُ مَكّةَ بِهِ مُوَيْهٌ يَقُولُ فِيهِ الشّاعِرُ
مَاذَا بِفَجّ مِنْ الْإِشْرَاقِ وَالطّيبِ ... وَمِنْ جَوَارٍ نَقِيّاتٍ رَعَابِيبِ
وَبِفَجّ اغْتَسَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ مُحْرِمٌ وَالْإِذْخِرُ مِنْ نَبَاتِ مَكّةَ . قَالَ أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ وَهُوَ أَبُو حَنِيفَةَ الدّينَوَرِيّ صَاحِبُ كِتَابِ النّبَاتِ الْإِذْخِرُ فِيمَا حُكِيَ عَنْ الْأَعْرَابِ الْأُوَلِ لَهُ أَصْلٌ مُنْدَفِقٌ وَقُضْبَانٌ دِقَاقٌ وَهُوَ ذَفِرُ الرّيحِ وَهُوَ مِثْلُ الْأَصْلِ أَصْلِ الْكَوْلَانِ إلّا أَنّهُ أَعْرَضُ كُعُوبًا ، وَلَهُ ثَمَرَةٌ كَأَنّهَا مَكَاسِحُ الْقَصَبِ إلّا أَنّهَا أَرَقّ وَأَصْغَرُ . قَالَ أَبُو زِيَادٍ الْإِذْخِرُ يُشَبّهُ فِي نَبَاتِهِ بِنَبَاتِ الْأَسَلِ الّذِي تُعْمَلُ مِنْهُ الْحُصْرُ ، وَيُشْبِهُ نَبَاتُهُ الْغَرَزَ وَالْغَرَزُ ضَرْبٌ مِنْ الثّمَامِ وَاحِدَتُهُ غَرْزَةٌ وَيُتّخَذُ مِنْ الْغَرَزِ الْغَرَابِيلُ وَالْإِذْخِرُ أَرَقّ مِنْهُ وَالْإِذْخِرُ يُطْحَنُ فَيَدْخُلُ [ ص 26 ] وَقَالَ أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ مِنْ الْجَنَبَةِ وَقَلّمَا تَنْبُتُ الْإِذْخِرَةُ مُتَفَرّدَةً وَقَالَ فِي الْجَلِيلِ عَنْ أَبِي نَصْرٍ إنّ أَهْلَ الْحِجَازِ يُسَمّونَ الثّمَامَ الْجَلِيلَ ، وَمَعْنَى الْجَنَبَةِ الّتِي ذَكَرَ أَبُو عَمْرٍو : وَهُوَ كُلّ نَبَاتٍ لَهُ أُصُولٌ ثَابِتَةٌ لَا تَذْهَبُ بِذَهَابِ فَزَعِهِ فِي الْغَيْطِ وَتُلَقّحُ فِي الْخَرِيفِ وَلَيْسَتْ كَالشّجَرِ الّذِي يَبْقَى أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ فِي الْغَيْطِ وَلَا كَالنّجْمِ الّذِي يَذْهَبُ فَرْعُهُ وَأَصْلُهُ فَلَا يَعُودُ إلّا زِرّيعَتُهُ جَانِبَ النّجْمِ وَالشّجَرِ فَسُمّيَ جَنَبَةً وَيُقَالُ لِلْجَنَبَةِ أَيْضًا : الطّرِيفَةُ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ . وَمِجَنّةٌ سُوقٌ مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ بَيْنَ عُكَاظٍ وَفِي الْمَجَازِ وَكُلّهَا ، أَسْوَاقٌ قَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهَا . وَمَجَنّةٌ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَفْعَلَةً وَفَعْلَةً فَقَدْ قَالَ سِيبَوَيْهِ : فِي الْمِجَنّ إنّ مِيمَه أَصْلِيّةٌ وَأَنّهُ فَعَلَ وَخَالَفَهُ فِي ذَلِكَ الْعَبّاسُ وَجَعَلُوهُ مِفْعَلًا ، مِنْ جَنّ إذَا سَتَرَ وَمِنْ أَسْوَاقِهِمْ أَيْضًا حُبَاشَةُ وَهِيَ أَبْعَدُ مِنْ هَذِهِ وَأَمّا شَامَةُ وَطَفِيلُ فَقَالَ الْخَطّابِيّ فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيّ : كُنْت أَحْسَبُهُمَا جَبَلَيْنِ حَتّى مَرَرْت بِهِمَا ، وَوَقَفْت عَلَيْهِمَا فَإِذَا هُمَا عَيْنَانِ مِنْ مَاءٍ وَيُقَوّي قَوْلَ الْخَطّابِيّ إنّهُمَا عَيْنَانِ قَوْلٌ كَثِيرٌ
وَمَا أَنْسَ م الْأَشْيَاءِ لَا أَنْسَ مَوْقِفًا ... لَنَا ، وَلَهَا بِالْخَبْتِ خَبْتِ طَفِيلِ
وَالْخَبْتُ مُنْخَفَضُ الْأَرْضِ .

دُعَاءُ الرّسُولِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنَقْلِ وَبَاءِ
الْمَدِينَةِ إلَى مَهْيَعَةَ
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا : فَذَكَرْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَا سَمِعْت مِنْهُمْ فَقُلْت : إنّهُمْ لَيَهْذُونَ وَمَا يَعْقِلُونَ مِنْ شِدّةِ الْحُمّى . قَالَتْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت إلَيْنَا مَكّةَ ، أَوْ أَشَدّ وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا وَانْقُلْ وَبَاءَهَا إلَى مَهْيَعَةَ ومَهْيَعَةُ : الْجُحْفَةُ .
Sوَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُمّ حَبّبْ إلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبّبْت إلَيْنَا مَكّةَ ، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدّهَا وَصَاعِهَا يَعْنِي الطّعَامَ الّذِي يُكَالُ بِالصّاعِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ كَيّلُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ وَشَكَا إلَيْهِ قَوْمٌ سُرْعَةَ فَنَاءِ طَعَامِهِمْ فَقَالَ أَتَهِيلُونَ أَمْ تَكِيلُونَ ؟ فَقَالُوا : بَلْ نَهِيلُ فَقَالَ كَيّلُوا وَلَا تَهِيلُوا وَمَنْ رَوَاهُ قُوتُوا طَعَامَكُمْ يُبَارَكْ لَكُمْ فِيهِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَهُمْ تَصْغِيرُ الْأَرْغِفَةِ وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الدّرْدَاءِ وَذَكَرَ فِي تَفْسِيرِهِ مَا قُلْنَاهُ وَذَكَرَ [ ص 27 ] عُبَيْدٍ : الْمُدّ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ أَعْنِي مُدّ الْمَدِينَةِ فَقَالَ هُوَ رِطْلٌ وَثُلُثٌ وَالرّطْلُ مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ، وَالدّرْهَمُ خَمْسُونَ حَبّةً وَخُمُسَانِ . وَقَوْلُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَانْقُلْ حُمّاهَا ، وَاجْعَلْهَا بِمَهْيَعَة وَهِيَ الْجُحْفَةُ ، كَأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يُرِدْ إبْعَادَ الْحُمّى عَنْ جَمِيعِ أَرْضِ الْإِسْلَامِ وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ اُنْقُلْ حُمّاهَا ، وَلَمْ يَخُصّ مَوْضِعًا ، أَوْ كَانَ يَخُصّ بِلَادَ الْكُفْرِ وَذَلِكَ - وَاَللّهُ أَعْلَمُ - لِأَنّهُ قَدْ نَهَى عَنْ سَبّ الْحُمّى وَلَعْنِهَا فِي حَدِيثِ أُمّ الْمُسَيّبِ وَأَخْبَرَ أَنّهَا طَهُورٌ وَأَنّهَا حَظّ كُلّ مُؤْمِنٍ مِنْ النّارِ فَجَمَعَ بَيْنَ الرّفْقِ بِأَصْحَابِهِ فَدَعَا لَهُمْ بِالشّفَاءِ مِنْهَا ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يُحَرّمُوا أَيْضًا الْأَجْرَ فِيمَا يُصِيبُوا مِنْهَا ، فَلَمْ يُبْعِدْهَا كُلّ الْبُعْدِ . وَأَمّا مَهْيَعَةُ ، فَقَدْ اشْتَدّ الْوَبَاءُ فِيهَا بِسَبَبِ هَذِهِ الدّعْوَةِ حَتّى قِيلَ إنّ الطّائِرَ يَمُرّ بِغَدِيرِ خُمّ فَيَسْقَمُ وَغَدِيرُ خُمّ فِيهَا ، وَيُقَالُ إنّهَا ، مَا وُلِدَ فِيهَا مَوْلُودٌ فَبَلَغَ الْحُلْمَ وَهِيَ أَرْضٌ بُجْعَةٍ لَا تُسْكَنُ وَلَا يُقَامُ فِيهَا إقَامَةً دَائِمَةً فِيمَا بَلَغَنِي وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَذَكَرَ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، وَفِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ كُنْت أَصْطَادُ فِي حَرَمِ الْمَدِينَةِ بِالْوَقَاقِيصِ وَهِيَ شِبَاكُ الطّيْرِ فَاصْطَدْت نُهَسًا ، فَأَخَذَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ، وَصَكّ فِي قَفَايَ ثُمّ أَرْسَلَهُ .

مَا جَهَدَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْوَبَاءِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَمّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ أَصَابَتْهُمْ حُمّى الْمَدِينَةِ ، حَتّى جَهَدُوا مَرَضًا ، وَصَرَفَ اللّهُ تَعَالَى ذَلِكَ عَنْ نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى كَانُوا مَا يُصَلّونَ إلّا وَهُمْ قُعُودٌ قَالَ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُمْ يُصَلّونَ كَذَلِكَ فَقَالَ لَهُمْ ا عْلَمُوا أَنّ صَلَاةَ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ قَالَ فَتَجَشّمَ الْمُسْلِمُونَ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ الضّعْفِ وَالسّقَمِ الْتِمَاسَ الْفَضْلِ .
بَدْءُ قِتَالِ الْمُشْرِكِينَ
[ ص 28 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَهَيّأَ لِحَرْبِهِ قَامَ فِيمَا أَمَرَهُ اللّهُ مِنْ جِهَادِ عَدُوّهِ وَقِتَالِ مَنْ أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ مِمّنْ يَلِيهِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مُشْرِكِي الْعَرَبِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ تَعَالَى بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً .
Sوَذَكَرَ حَدِيثَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ، وَقَوْلَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ صَلَاةُ الْقَاعِدِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَائِمِ حِينَ رَآهُمْ يَصِفُونَ قُعُودًا مِنْ الْوَعْكِ قَالَ فَتَجَشّمَ النّاسُ الْقِيَامَ عَلَى مَا بِهِمْ مِنْ السّقَمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللّفْظِ يُقَوّي مَا تَأَوّلَهُ الْخَطّابِيّ فِي صَلَاةِ الْقَاعِدِ أَنّهَا عَلَى [ ص 28 ] قَالَ الْخَطّابِيّ : إنّمَا ذَلِكَ لِلضّعِيفِ الّذِي يَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ بِكُلْفَةِ وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْقِيَامِ الْبَتّةَ فَصَلَاتُهُ مِثْلُ صَلَاةِ الْقَائِمِ وَهَذَا كُلّهُ فِي الْفَرِيضَةِ وَالنّافِلَةِ وَخَالَفَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي تَخْصِيصِهِ هَذَا الْحَدِيثَ بِصَلَاةِ النّافِلَةِ فِي حَالِ الصّحّةِ وَاحْتَجّ الْخَطّابِيّ بِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ وَفِيهِ وَصَلَاتُهُ قَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا ، قَالَ وَقَدْ أَجَمَعَتْ الْأُمّةُ أَنْ لَا يُصَلّيَ أَحَدٌ مُضْطَجِعًا إلّا مِنْ مَرَضٍ فَدَلّ عَلَى أَنّهُ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ كُلّهِ إلّا الْمَرِيضَ الّذِي يَقْدِرُ عَلَى الْقِيَامِ بِكُلْفَةِ أَوْ عَلَى الْقُعُودِ بِمَشَقّةِ وَنَسَبَ بَعْضُ النّاسِ النّسَوِيّ إلَى التّصْحِيفِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالُوا : إنّمَا هُوَ وَصَلَاتُهُ نَائِمًا عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا ، فَتَوَهّمَهُ النّسَوِيّ قَائِمًا ، أَيْ مُضْطَجِعًا ، فَتَرْجَمَ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ بَابُ صَلَاةِ النّائِمِ وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا ، فَإِنّ فِي الرّوَايَةِ الثّانِيَةِ وَصَلَاةُ النّائِمِ عَلَى النّصْفِ مِنْ صَلَاةِ الْقَاعِدِ وَمِثْلُ هَذَا لَا يَتَصَحّفُ وَقَوْلُ الْخَطّابِيّ : أَجَمَعَتْ الْأُمّةُ عَلَى أَنّ الْمُضْطَجِعَ لَا يُصَلّي فِي حَالِ الصّحّةِ نَافِلَةً وَلَا غَيْرَهَا ، وَافَقَهُ أَبُو عُمَرَ عَلَى ادّعَاءِ الْإِجْمَاعِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَلَيْسَتْ بِمَسْأَلَةِ إجْمَاعٍ كَمَا زَعَمَا ، بَلْ كَانَ مِنْ اللّهِ مَنْ يُجِيزُ لِلصّحِيحِ أَنْ يَتَنَفّلَ مُضْطَجِعًا ، مَعَهُمْ الْحَسَنُ الْبَصْرِيّ ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عِيسَى التّرْمِذِيّ فِي مُصَنّفِهِ .

تَارِيخُ الْهِجْرَةِ
[ ص 29 ] قَالَ حَدّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْبَكّائِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ الْمُطّلِبِيّ قَالَ قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ وَكَادَتْ الشّمْسُ تَعْتَدِلَ لِثِنْتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهُوَ التّارِيخُ ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ ثَلَاثٍ وَخَمْسِينَ سَنَةً وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَهُ اللّهُ عَزّ وَجَلّ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيَيْنِ وَرَجَبًا ، وَشَعْبَانَ وَشَهْرَ رَمَضَانَ وَشَوّالًا ، وَذَا الْقَعْدَةِ وَذَا الْحَجّةِ - وَوَلِيَ تِلْكَ الْحَجّةَ الْمُشْرِكُونَ - وَالْمُحَرّمَ ثُمّ خَرَجَ غَازِيًا فِي صَفَرَ عَلَى رَأْسِ اثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ .
غَزْوَةَ وَدّانَ
وَهِيَ أَوّلُ غَزَوَاتِهِ عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ
مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ وَالرّجُوعُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ وَدّانَ ، وَهِيَ غَزْوَةُ الْأَبْوَاءِ ، يُرِيدُ قُرَيْشًا وَبَنِيّ ضَمْرَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ [ ص 30 ] بَنُو ضَمْرَةَ ، وَكَانَ الّذِي وَادَعَهُ مِنْهُمْ عَلَيْهِمْ مَخْشِيّ بْنُ عَمْرٍو الضّمْرِيّ ، وَكَانَ سَيّدَهُمْ فِي زَمَانِهِ ذَلِكَ . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ صَفَرَ وَصَدْرًا مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا .
Sتَارِيخُ الْهِجْرَةِ وَغَزْوَةُ وَدّانَ
[ ص 29 ] ذَكَرَ قُدُومَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ وَقَدْ قَدّمْنَا فِي [ ص 30 ] قَالَهُ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ وَفِي أَيّ شَهْرٍ كَانَ قُدُومُهُ مِنْ شُهُورِ الْعَجَمِ . وَذَكَرَ أَنّهُ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَجُمَادَيْنِ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ وَشَهْرَيْ جُمَادَى ، أَوْ يَقُولُ وَبَقِيّةُ رَبِيعٍ وَرَبِيعًا الْآخَرَ كَمَا قَالَ فِي سَائِرِ الشّهُورِ وَلَكِنْ الشّهْرُ إذَا سَمّيْته بِالِاسْمِ الْعَلَمِ لَمْ يَكُنْ ظَرْفًا ، وَكَانَتْ الْإِقَامَةُ أَوْ الْعَمَلُ فِيهِ كُلّهِ إلّا أَنْ تَقُولَ شَهْرَ كَذَا ، كَمَا تَقَدّمَ مِنْ كَلَامِنَا عَلَى شَهْرِ رَمَضَانَ فِي حَدِيثِ الْمَبْعَثِ وَكَذَلِكَ قَالَ سِيبَوَيْهِ ، فَقَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ : جُمَادَيْنِ وَرَجَبًا مُسْتَقِيمٌ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ . وَقَوْلُهُ بَقِيّةُ شَهْرِ رَبِيعٍ فَلِأَنّ الْعَمَلَ وَالْإِقَامَةَ كَانَ فِي بَعْضِهِ فَلِذَلِكَ لَمْ يَقُلْ بَقِيّةَ رَبِيعٍ الْأَوّلِ لَكِنّهُ قَالَ وَشَهْرَ رَبِيعٍ الْآخَرِ لِيَزْدَوِجَ الْكَلَامُ وَيُشَاكِلَ مَا قَبْلَهُ وَهَذَا كُلّهُ مِنْ فَصَاحَتِهِ رَحِمَهُ اللّهُ أَوْ مِنْ فَصَاحَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ إنْ كَانَ رَوَاهُ عَلَى اللّفْظِ . وَقَوْلُهُ وَجُمَادَيْنِ وَرَجَبًا . كَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَقُولَ وَالْجُمَادَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللّامِ لِأَنّهُ اسْمُ عَلَمٍ وَلَا يُثَنّى الْعَلَمُ فَيَكُونُ مَعْرِفَةً إلّا أَنْ تَدْخُلَ عَلَيْهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ فَتَقُولُ الزّيْدَانِ وَالْعُمَرَانِ لَكِنّهُ أَجْرَاهُ بِفَصَاحَتِهِ مَجْرَى أَبَانَيْنِ وَقَنَوَيْنِ وَكُلّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ اسْمٌ لِجَبَلَيْنِ وَلَا تَدْخُلُهُ الْأَلِفُ وَاللّامُ لِأَنّ تَعْرِيفَهُ لَمْ يَزَلْ بِالتّثْنِيَةِ لِأَنّهُمَا أَبَدًا مُتَلَازِمَانِ فَالتّثْنِيَةُ لَازِمَةٌ لَهُمَا مَعَ الْعَلَمِيّةِ بِخِلَافِ الْآدَمِيّينَ وَلَمّا كَانَ جُمَادَيَانِ شَهْرَيْنِ مُتَكَارِهَيْنِ جَعَلَهُمَا فِي الزّمَانِ كَأَبَانَيْنِ فِي الْمَكَانِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا كَالزّيْدَيْنِ وَالْعُمَرَيْنِ اللّذَيْنِ لَا تَلَازُمَ بَيْنَهُمَا ، وَهَذَا كَلَامُ الْعَرَبِ . قَالَ الْحُطَيْئَةُ
بَاتَتْ لَهُ بِكَثِيبِ جَرْبَةَ لَيْلَةً ... وَطَفَاءَ بَيْنَ جُمَادَيْنِ دَرُورُ
فَإِنْ قُلْت : فَقَدْ قَالُوا : السّمَاكَيْنِ فِي النّجُومِ وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ وَكَذَلِكَ السّرَطَانُ قُلْنَا : إنّمَا كَانَ ذَلِكَ لِوُجُودِ مَعْنَى الصّفَةِ فِيهِمَا ، وَهُوَ عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْحَارِثِ وَالْعَبّاسِ فِي الْآدَمِيّينَ وَأَكْشَفَ سِرّ الْعَلَمِيّةِ فِي الشّهُورِ وَالْأَيّامِ وَتَقْسِيمِ أَنْوَاعِ الْعَلَمِيّةِ وَالْمُرَادُ بِهَا فِي [ ص 31 ] فَصَاحَةُ ابْنِ إسْحَاقَ فِي قَوْلِهِ بَقِيّةَ شَهْرِ كَذَا وَشَهْرَ كَذَا وَجُمَادَيْنِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ وَنَزّلَ الْأَلْفَاظَ عِنْدَ مَنَازِلِهَا عِنْدَ أَرْبَابِ اللّغَةِ الْفَاهِمِينَ لِحَقَائِقِهَا ، يَرْحَمُهُ اللّهُ .

سَرِيّةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ
وَهِيَ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا عَلَيْهِ الصّلَاةُ وَالسّلَامُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 31 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ فِي سِتّينَ أَوْ ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، فَسَارَ حَتّى بَلَغَ مَاءً بِالْحِجَازِ بِأَسْفَلَ ثَنِيّةِ الْمَرّةِ ، فَلَقِيَ بِهَا جَمْعًا عَظِيمًا مِنْ قُرَيْشٍ ، فَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلّا أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ قَدْ رَمَى يَوْمَئِذٍ بِسَهْمِ فَكَانَ أَوّلَ سَهْمٍ رُمِيَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ .
مَنْ فَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ
ثُمّ انْصَرَفَ الْقَوْمُ عَنْ الْقَوْمِ وَالْمُسْلِمِينَ حَامِيَةٌ . وَفَرّ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلَى الْمُسْلِمِينَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةِ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ الْمَازِنِيّ ، حَلِيفُ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، وَكَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَكِنّهُمَا خَرَجَا لِيَتَوَصّلَا بِالْكُفّارِ . وَكَانَ عَلَى الْقَوْمِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي ابْنُ أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الْمَدَنِيّ أَنّهُ كَانَ عَلَيْهِمْ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ، أَحَدُ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرٍ .
Sغَزْوَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ
وَذَكَرَ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ وَلِقَائِهِ الْمُشْرِكِينَ وَعَلَى الْمُشْرِكِينَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ ، هَكَذَا الرّوَايَةُ حَيْثُ وَقَعَ بِكَسْرِ الْمِيمِ . وَذَكَرَ ابْنُ مَاكُولَا فِي الْمُؤْتَلَفِ وَالْمُخْتَلَفِ عَنْ أَبِي عَبْدَةَ النّسّابَةِ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ فِيهِ مَكْرَزُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَأَنّهُ مِفْعَلٌ أَوْ مَفْعَلٌ مِنْ الْكَرِيزِ وَهُوَ الْأَقِطُ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ هُوَ وَغَيْرُهُ فِي الْأَخْيَفِ هَهُنَا أَنّهُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ وَكَانَ ابْنُ مَاكُولَا وَحْدَهُ يَقُولُ فِي الْأَخْيَفِ مِنْ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ وَهُوَ جَدّ الْخَشْخَاشِ التّمِيمِيّ : أُخَيْفٌ بِضَمّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَقَالَ الدّارَقُطْنِيّ : أَخْيَفُ كَمَا قَالُوا فِي الْأَوّلِ .

شِعْرُ أَبِي بَكْرٍ فِيهَا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 32 ] فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذِهِ الْقَصِيدَةَ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
أَمِنْ طَيْفِ سَلْمَى بِالْبِطَاحِ الدّمَائِثِ ... أَرِقْت وَأَمْرٍ فِي الْعَشِيرَةِ حَادِثِ
تَرَى مِنْ لُؤَيّ فَرْقَةً لَا يَصُدّهَا ... عَنْ الْكُفْرِ تَذْكِيرٌ وَلَا بَعْثُ بَاعِثِ
رَسُولٌ أَتَاهُمْ صَادِقٌ فَتَكَذّبُوا ... عَلَيْهِ وَقَالُوا : لَسْت فِينَا بِمَاكِثِ
إذَا مَا دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْحَقّ أَدْبَرُوا ... وَهَرّوا هَرِيرَ الْمُحْجَرَاتِ اللّوَاهِثِ
فَكَمْ قَدْ مَتَتْنَا فِيهِمْ بِقَرَابَةِ ... وَتَرْكُ التّقَى شَيْءٌ لَهُمْ غَيْرُ كَارِثِ
فَإِنْ يَرْجِعُوا عَنْ كُفْرِهِمْ وَعُقُوقِهِمْ ... فَمَا طَيّبَاتُ الْحِلّ مِثْلُ الْخَبَائِثِ
لِأَنْ يَرْكَبُوا طُغْيَانَهُمْ وَضَلَالَهُمْ ... فَلَيْسَ عَذَابُ اللّهِ عَنْهُمْ بِلَابِثِ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ مِنْ ذُؤَابَةَ غَالِبٌ ... لَنَا الْعِزّ مِنْهَا فِي الْفُرُوعِ الْأَثَائِثِ
فَأُولِي بِرَبّ الرّاقِصَاتِ عَشِيّةً ... حَراجِيجُ تَخْدِي فِي الرّيحِ الرّثَائِثِ
كَأَدْمِ ظِبَاءٍ حَوْلَ مَكّةَ عُكّفٍ ... يَرِدْنَ حِيَاضَ الْبِئْرِ ذَاتِ التّبَائِثِ
لَئِنْ لَمْ يُفِيقُوا عَاجِلًا مِنْ ضَلَالِهِمْ ... وَلَسْت إذَا آلَيْتَ قَوْلًا بِحَانِثِ
لَتَبْتَدِرَنهُمْ غَارَةٌ ذَاتُ مَصْدَقٍ ... تُحَرّمُ أَطْهَارَ النّسَاءِ الطّوَامِثِ
تُغَادِرُ قَتْلَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَا تَرْأَفُ الْكُفّارَ رَأْفَ ابْنِ حَارِثِ
فَأَبْلِغْ بَنِي سَهْمٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... وَكُلّ كَفُورٍ يَبْتَغِي الشّرّ بَاحِثِ
فَإِنْ تَشْعَثُوا عِرْضِي عَلَى سُوءِ رَأْيِكُمْ ... فَإِنّي مِنْ أَعْرَاضِكُمْ غَيْرُ شَاعِثِ
[ ص 33 ] الزّبَعْرَى السّهْمِيّ فَقَالَ
أَمِنْ رَسْمِ دَارٍ أَقْفَرَتْ بِالْعَثَاعِثِ ... بَكَيْت بِعَيْنِ دَمْعُهَا غَيْرُ لَابِثِ
وَمِنْ عَجَبِ الْأَيّامِ وَالدّهْرُ كُلّهُ ... لَهُ عَجَبٌ مِنْ سَابِقَاتٍ وَحَادِثِ
لِجَيْشِ أَتَانَا ذِي عُرَامٍ يَقُودُهُ ... عُبَيْدَةُ يُدْعَى فِي الْهِيَاجِ ابْنَ حَارِثِ
لِنَتْرُكَ أَصْنَامًا بِمَكّةَ عُكّفًا ... مَوَارِيثَ مَوْرُوثٍ كَرِيمٍ لِوَارِثِ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ بِسُمْرِ رُدَيْنَةٍ ... وَجُرْدٍ عِتَاقٍ فِي الْعَجَاجِ لَوَاهِثِ
وَبِيضٍ كَأَنّ الْمِلْحَ فَوْقَ مُتُونِهَا ... بِأَيْدِي كُمَاةٍ كَاللّيُوثِ الْعَوَائِثِ
نُقِيمُ بِهَا إصْعَارَ مَنْ كَانَ مَائِلًا ... وَنَشْفِي الدّخُولَ عَاجِلًا غَيْرَ لَابِثِ
فَكَفّوا عَلَى خَوْفٍ شَدِيدٍ وَهَيْبَةٍ ... وَأَعْجَبَهُمْ أَمْرٌ لَهُمْ أَمْرُ رَائِثِ
وَلَوْ أَنّهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا نَاحَ نِسْوَةٌ ... أَيَامَى لَهُمْ مِنْ بَيْنَ نَسْءٍ وَطَامِثِ
وَقَدْ غُودِرَتْ قَتْلَى يُخْبِرُ عَنْهُمْ ... حَفِيّ بِهِمْ أَوْ غَافِلٌ غَيْرُ بَاحِثِ
فَأَبْلِغْ أَبَا بَكْرٍ لَدَيْك رِسَالَةً ... فَمَا أَنْتَ عَنْ أَغْرَاضِ فِهْرٍ بِمَاكِثِ
وَلَمّا تَجِبْ مِنّي يَمِينٌ غَلِيظَةٌ ... تُجَدّدُ حَرْبًا حَلْفَةٌ غَيْرَ حَانِثِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 34 ] الْقَصِيدَةَ لِابْنِ الزّبَعْرَى .
شِعْرُ ابْنِ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ فِي رَمْيَتِهِ تِلْكَ فِيمَا يَذْكُرُونَ
أَلَا هَلْ أَتَى رَسُولَ اللّهِ أَنّي ... حَمَيْت صَحَابَتِي بِصُدُورِ نَبْلِي
أَذُودُ بِهَا أَوَائِلَهُمْ ذِيَادًا ... بِكُلّ حُزُونَةٍ وَبِكُلّ سَهْلِ
فَمَا يَعْتَدّ رَامٍ فِي عَدُوّ ... بِسَهْمِ يَا رَسُولَ اللّهِ قَبْلِي
وَذَلِكَ أَنّ دِينَك دِينُ صَدْقٍ ... وَذُو حَقّ أَتَيْت بِهِ وَعَدْلِ
يُنْجِي الْمُؤْمِنُونَ بِهِ وَيُجْزَى ... بِهِ الْكُفّارُ عِنْدَ مَقَامِ مَهْلِ
فَمَهْلًا قَدْ غَوِيتَ فَلَا تَعِبْنِي ... غَوِيّ الْحَيّ وَيْحَك يَا بْنَ جَهْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِسَعْدِ .
أَوّلُ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِعُبَيْدَةَ
[ ص 35 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَتْ رَايَةُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ - فِيمَا بَلَغَنِي - أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْإِسْلَامِ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَبَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَزْعُمُ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَهُ حِينَ أَقْبَلَ مِنْ غَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَدِينَةِ .
Sشَرْحُ الْقَصِيدَةِ الْمَنْسُوبَةِ
إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَصِيدَةِ ابْنِ الزّبَعْرَى وَأَبِي جَهْلٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 32 ] الْقَصِيدَةَ الّتِي تُعْزَى إلَى أَبِي بَكْرٍ وَنَقِيضَتُهَا لِابْنِ الزّبَعْرَى ، وَالّزِبَعْرَى فِي اللّغَةِ السّيّئُ الْخُلُقِ يُقَالُ رَجُلٌ زِبَعْرَى ، وَامْرَأَةٌ زِبَعْرَاةَ وَالزّبَعْرَى أَيْضًا الْبَعِيرُ الْأَزَبّ الْكَثِيرُ شَعْرِ الْأُذُنَيْنِ مَعَ قِصَرٍ قَالَهُ الزّبَيْرُ . وَفِي هَذَا الشّعْرِ أَوْ الّذِي بَعْدَهُ ذَكَرَ الدّبّةَ وَهُوَ الْكَثِيبُ مِنْ الرّمْلِ وَأَمّا الدّبّةُ بِضَمّ الدّالِ فَإِنّهُ يُقَالُ جَرَى فُلَانٌ عَلَى دُبّةِ فُلَانٍ أَيْ عَلَى سُنّتِهِ وَطَرِيقَتِهِ وَالدّبّةُ أَيْضًا ظَرْفٌ لِلزّيْتِ قَالَ الرّاجِزُ لِيَكُ بِالْعُنْفِ عِفَاصُ الدّبّةِ
وَالدّبّةُ بِكَسْرِ الدّالِ هَيْئَةُ الدّبِيبِ وَلَيْسَ فِيهَا مَا يُشْكِلُ مَعْنَاهُ . وَقَوْلُهُ . . . تَحْدِي فِي السّرِيحِ الرّثَائِثِ [ ص 33 ] الْحَرَاجِيجَ وَهِيَ الطّوَالُ تَحْدِي أَيْ تُسْرِعُ فِي سَرِيحٍ قَدْ رَثّ مِنْ طُولِ السّيْرِ قَالَ الشّاعِرُ دَوَمَى الْأَيْدِ يَحْبِطْنَ السّرِيحَا
وَذَكَرَ الْعَثَاعَثَ ، وَاحِدُهَا : عَثْعَثٌ وَهُوَ مِنْ أَكْرَمِ مَنَابِتِ الْعُشْبِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَفِي الْعَيْنِ الْعُثْعُثُ ظَهْرُ الْكَثِيبِ الّذِي لَا نَبَاتَ فِيهِ . وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنّ قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ أَنْكَرُوا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ لِأَبِي بَكْرٍ وَيَشْهَدُ لِصِحّةِ مَنْ أَنْكَرَ لَهُ مَا رَوَى عَبْدُ الرّزّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَذَبَ مَنْ أَخْبَرَكُمْ أَنّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ بَيْتَ شِعْرٍ فِي الْإِسْلَامِ رَوَاهُ مُحَمّدٌ الْبُخَارِيّ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكّلِ عَنْ عَبْدِ الرّزّاقِ . وَقَوْلُ ابْنِ الزّبَعْرَى : بَيْنَ نَسْءٍ وَطَامِثِ وَالنّسْءُ حَمْلُ الْمَرْأَةِ [ ص 34 ] يُقَالُ نُسِئَتْ الْمَرْأَةُ [ نَسَأً ] إذَا تَأَخّرَ حَيْضُهَا مِنْ أَجْلِ الْحَمْلِ . مِنْ كِتَابِ الْعَيْنِ . وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ رَأْبَ ابْنِ حَارِثٍ . يَعْنِي : عُبَيْدَةَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ .

سَرِيّةُ حَمْزَةَ إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ
مَا جَرَى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفّارِ
وَبَعَثَ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، إلَى سَيْفِ الْبَحْرِ ، مِنْ نَاحِيَةِ الْعِيصِ ، فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ . فَلَقِيَ أَبَا جَهْلٍ بْنَ هِشَامٍ بِذَلِكَ السّاحِلِ فِي ثَلَاثِ مِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ . فَحَجَزَ بَيْنَهُمْ مَجْدِي بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ . وَكَانَ مُوَادِعًا لِلْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا ، فَانْصَرَفَ بَعْضُ الْقَوْمِ عَنْ بَعْضٍ وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ قِتَالٌ .
كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَشِعْرُ حَمْزَةَ فِي ذَلِكَ
وَبَعْضُ النّاسِ يَقُولُ كَانَتْ رَايَةُ حَمْزَةَ أَوّلَ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَحَدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ . وَذَلِكَ أَنْ بَعْثَهُ وَبَعْثَ عُبَيْدَةَ كَانَا مَعًا ، فَشُبّهَ ذَلِكَ عَلَى النّاسِ . وَقَدْ زَعَمُوا أَنّ حَمْزَةَ قَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا يَذْكُرُ فِيهِ أَنّ رَايَتَهُ أَوّلُ رَايَةٍ عَقَدَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِنْ كَانَ حَمْزَةُ قَدْ قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ صَدَقَ إنْ شَاءَ اللّهُ لَمْ يَكُنْ يَقُولُ إلّا حَقّا ، فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ . فَأَمّا مَا سَمِعْنَا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عِنْدَنَا . فَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ أَوّلُ مَنْ عَقَدَ لَهُ . فَقَالَ حَمْزَةُ فِي ذَلِكَ فِيمَا يَزْعُمُونَ [ ص 36 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِحَمْزَةِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ
أَلَا يَا لِقَوْمِي لِلتّحَلّمِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلنّقْصِ مِنْ رَأْيِ الرّجَالِ وَلِلْعَقْلِ
وَلِلرّاكِبِينَا بِالْمَظَالِمِ لَمْ نَطَأْ ... لَهُمْ حُرُمَاتٍ مِنْ سَوَامٍ وَلَا أَهْلٍ
كَأَنّا تَبَلْنَاهُمْ وَلَا تَبْلَ عِنْدَنَا ... لَهُمْ غَيْرُ أَمْرٍ بِالْعَفَافِ وَبِالْعَدْلِ
وَأَمْرٍ بِإِسْلَامِ فَلَا يَقْبَلُونَهُ ... وَيَنْزِلُ مِنْهُمْ مِثْلَ مَنْزِلَةِ الْهَزْلِ
فَمَا بَرِحُوا حَتّى انْتَدَبْت لِغَارَةِ ... لَهُمْ حَيْثُ حَلّوا أَبْتَغِي رَاحَةَ الْفَضْلِ
بِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ أَوّلُ خَافِقٍ ... عَلَيْهِ لِوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَاحَ مِنْ قَبْلِي
لِوَاءٌ لَدَيْهِ النّصْرُ مِنْ ذِي كَرَامَةٍ ... إلَهٍ عَزِيزٍ فِعْلُهُ أَفْضَلُ الْفِعْلِ
عَشِيّةَ سَارُوا حَاشِدِينَ وَكُلّنَا ... مَرَاجِلُهُ مِنْ غَيْظِ أَصْحَابِهِ تَغْلِي
فَلَمّا تَرَاءَيْنَا أَنَاخُوا فَعَقّلُوا ... مَطَايَا وَعَقّلْنَا مَدَى غَرَضِ النّبْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ حَبْلُ الْإِلَهِ نَصِيرُنَا ... وَمَا لَكُمْ إلّا الضّلَالَةُ مِنْ حَبْلِ
فَثَارَ أَبُو جَهْلٍ هُنَالِكَ بَاغِيًا ... فَخَابَ وَرَدّ اللّهُ كَيْدَ أَبِي جَهْلٍ
وَمَا نَحْنُ إلّا فِي ثَلَاثِينَ رَاكِبًا ... وَهُمْ مِئَتَانِ بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَضْلِ
فَيَا لَلُؤَيّ لَا تُطِيعُوا غُوَاتَكُمْ ... وَفِيئُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَالْمَنْهَجِ السّهْلِ
فَإِنّي أَخَافُ أَنْ يُصَبّ عَلَيْكُمْ ... عَذَابٌ فَتَدْعُوا بِالنّدَامَةِ وَالثّكْلِ
شِعْرُ أَبِي جَهْلٍ فِي الرّدّ عَلَى حَمْزَةَ
[ ص 37 ] أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ
عَجِبْت لِأَسْبَابِ الْحَفِيظَةِ وَالْجَهْلِ ... وَلِلشّاغِبِينَ بِالْخِلَافِ وَبِالْبُطْلِ
وَلِلتّارِكِينَ مَا وَجَدْنَا جُدُودَنَا ... عَلَيْهِ ذَوِي الْأَحْسَابِ وَالسّؤْدُدِ الْجَزْلِ
أَتَوْنَا بِإِفْكِ كَيْ يُضِلّوا عُقُولَنَا ... وَلَيْسَ مُضِلّا إفْكُهُمْ عَقْلَ ذِي عَقْلِ
فَقُلْنَا لَهُمْ يَا قَوْمَنَا لَا تُخَالِفُوا ... عَلَى قَوْمِكُمْ إنّ الْخِلَافَ مَدَى الْجَهْلِ
فَإِنّكُمْ إنْ تَفْعَلُوا تَدْعُ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بَوَاكٍ بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
وَإِنْ تَرْجِعُوا عَمّا فَعَلْتُمْ فَإِنّنَا ... بَنُو عَمّكُمْ أَهْلُ الْحَفَائِظِ وَالْفَضْلِ
فَقَالُوا لَنَا : إنّا وَجَدْنَا مُحَمّدًا ... رِضَا لِذَوِي الْأَحْلَامِ مِنّا وَذِي الْعَقْلِ
فَلَمّا أَبَوْا إلّا الْخِلَافَ وَزَيّنُوا ... جِمَاعَ الْأُمُورِ بِالْقَبِيحِ مِنْ الْفِعْلِ
تَيَمّمَتْهُمْ بِالسّاحِلَيْنِ بِغَارَةِ ... لِأَتْرُكهُمْ كَالْعَصْفِ لَيْسَ بِذِي أَصْلِ
فَوَرّعَنِي مَجْدِي عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي ... وَقَدْ وَازْرُونِي بِالسّيُوفِ وَبِالنّبْلِ
لِإِلّ عَلَيْنَا وَاجِبٍ لَا نُضَيّعُهُ ... أَمِينٌ قَوّاهُ غَيْرُ مُنْتَكِثِ الْحَبْلِ
فَلَوْلَا ابْنُ عَمْرٍو كُنْت غَادَرْت مِنْهُمْ ... مَلَاحِمَ لِلطّيْرِ الْعُكُوفِ بِلَا تَبْلِ
وَلَكِنّهُ آلَى بِإِلّ فَقَلّصَتْ ... بِأَيْمَانِنَا حَدّ السّيُوفِ عَنْ الْقَتْلِ
فَإِنْ تُبْقِنِي الْأَيّامُ أَرْجِعُ عَلَيْهِمْ ... بِبِيضِ رِقَاقِ الْحَدّ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
بِأَيْدِي حُمَاةٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامِ الْمَسَاعِي فِي الْجُدُوبَةِ وَالْمَحْلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِأَبِي جَهْلٍ .
Sأَسْمَاءٌ مَمْنُوعَةٌ مِنْ التّنْوِينِ
وَقَوْلُ أَبِي جَهْلٍ وَوَرّعَنِي مَجْدِي عَنْهُمْ وَصُحْبَتِي
[ ص 35 ] تَرَكَ صَرْفَ مَجْدِي ، لِأَنّهُ عَلَمٌ وَتَرَكَ التّنْوِينَ فِي الْمَعَارِفِ كُلّهَا أَصْلٌ لَا يُنَوّنُ مُضْمَرٌ وَلَا مُبْهَمٌ وَلَا مَا فِيهِ الْأَلِفُ وَاللّامُ وَلَا مُضَافٌ وَكَذَلِكَ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْعَلَمِ فَإِذَا لَمْ يُنَوّنْ فِي الشّعْرِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِيهِ لِأَنّ دُخُولَ التّنْوِينِ فِي الْأَسْمَاءِ إنّمَا هُوَ عَلَامَةٌ لِانْفِصَالِهَا عَنْ الْإِضَافَةِ فَمَا لَا يُضَافُ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْوِينٍ وَقَدْ كَشَفْنَا سِرّ التّنْوِينِ وَامْتِنَاعَ التّنْوِينِ وَالْخَفْضَ مِمّا لَا يَنْصَرِفُ فِي مَسْأَلَةٍ أَفْرَدْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ وَأَتَيْنَا فِيهَا بِالْعَجَبِ الْعُجَابِ وَالشّوَاهِدِ عَلَى حَذْفِ التّنْوِينِ فِي الشّعْرِ مِنْ الِاسْمِ الْعَلَمِ كَثِيرَةٌ جِدّا ، فَتَأَمّلْهُ فِي أَشْعَارِ السّيَرِ وَالْمَغَازِي تَجِدُهَا ، وَعَرَضْنَا فِي شَرْحِ هَذِهِ الْأَشْعَارِ الْوَارِدَةِ فِي كِتَابِ السّيرَةِ أَنْ نَشْرَحَ مِنْهَا مَا اُسْتُغْلِقَ لَفْظُهُ جِدّا ، أَوْ غَمُضَ إعْرَابُهُ عَلَى شَرْطِنَا فِي أَوّلِ الْكِتَابِ .
رِوَايَةُ شِعْرِ الْكَفَرَةِ
[ ص 36 ] نَالُوا فِيهَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا شِعْرَ مَنْ أَسْلَمَ وَتَابَ كَضِرَارِ وَابْنِ الزّبَعْرَى ، وَقَدْ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِعْلَ ابْنِ إسْحَاقَ فِي إدْخَالِهِ الشّعْرَ الّذِي نِيلَ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَمِنْ النّاسِ مَنْ اعْتَذَرَ عَنْهُ قَالَ حِكَايَةَ الْكُفْرِ لَيْسَ بِكُفْرِ وَالشّعْرُ كَلَامٌ وَلَا فَرْقَ أَنْ يُرْوَى كَلَامُ الْكَفَرَةِ وَمُحَاجّتُهُمْ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَرَدّهُمْ عَلَيْهِ مَنْثُورًا وَبَيْنَ أَنْ يُرْوَى مَنْظُومًا ، وَقَدْ حَكَى رَبّنَا سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ مَقَالَاتِ الْأُمَمِ لِأَنْبِيَائِهَا ، وَمَا طَعَنُوا بِهِ عَلَيْهِمْ فَمَا ذَكَرَ مِنْ هَذَا عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ نَظْمًا أَوْ نَثْرًا فَإِنّمَا يُقْصَدُ بِهِ الِاعْتِبَارُ بِمَا مَضَى ، وَتَذَكّرُ نِعْمَةِ اللّهِ تَعَالَى عَلَى الْهُدَى ، وَالْإِنْقَاذِ مِنْ الْعَمَى . وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا وَتَأَوّلَتْهُ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا فِي الْأَشْعَارِ [ ص 37 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَنْكَرَتْ قَوْلَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْعُمُومِ فِي جَمِيعِ الشّعْرِ وَإِذَا قُلْنَا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ إلّا عَيْبُ امْتِلَاءِ الْجَوْفِ مِنْهُ . وَأَمّا رِوَايَةُ الْيَسِيرِ مِنْهُ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ أَوْ الِاسْتِشْهَادُ عَلَى اللّغَةِ فَلَمْ يَدْخُلْ فِي النّهْيِ وَقَدْ رَدّ أَبُو عُبَيْدٍ عَلَى مَنْ تَأَوّلَ الْحَدِيثَ فِي الشّعْرِ الّذِي هُجِيَ بِهِ الْإِسْلَامُ وَقَالَ رِوَايَةُ نِصْفِ بَيْتٍ مِنْ ذَلِكَ الشّعْرِ حَرَامٌ فَكَيْفَ يَخُصّ امْتِلَاءَ الْجَوْفِ مِنْهُ بِالذّمّ وَعَائِشَةُ أَعْلَمُ فَإِنّ الْبَيْتَ وَالْبَيْتَيْنِ وَالْأَبْيَاتَ مِنْ تِلْكَ الْأَشْعَارِ عَلَى جِهَةِ الْحِكَايَةِ بِمَنْزِلَةِ الْكَلَامِ الْمَنْثُورِ الّذِي ذَمّوا بِهِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَا فَرْقَ وَقَوْلُ عَائِشَةَ الّذِي ، قَدّمْنَاهُ ذَكَرَهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي جَامِعِهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالْإِبَاحَةِ فَإِنّ النّفْسَ تَقَذّرُ تِلْكَ الْأَشْعَارَ وَتُبْغِضُهَا وَقَائِلِيهَا فِي اللّهِ فَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا خَيْرٌ مِنْ الْخَوْضِ فِيهَا وَالتّتَبّعِ لِمَعَانِيهَا .

غَزْوَةُ بُوَاطَ
[ ص 38 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . ثُمّ غَزَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوّلِ يُرِيدُ قُرَيْشًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ بُوَاطَ ، مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى ، ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا ، فَلَبِثَ بِهَا بَقِيّةَ شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى .
Sغَزْوَةُ بُوَاطَ
[ ص 38 ] وَبُوَاطُ جَبَلَانِ فَرْعَانِ لِأَصْلِ وَأَحَدُهُمَا : جَلْسِيّ ، وَالْآخَرُ غَوْرِيّ ، وَفِي الْجَلْسِيّ بَنُو دِينَارٍ [ مَوَالِي بَنِي كُلَيْبِ بْنِ كَثِيرٍ ] يُنْسَبُونَ إلَى دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ . ذَكَرَ فِيهِ اسْتِخْلَافَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى الْمَدِينَةِ السّائِبَ بْنَ مَظْعُونٍ وَهُوَ أَخُو عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، شَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ فِي الْبَدْرِيّينَ وَأَمّا السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ وَهُوَ ابْنُ أَخِي هَذَا ، فَشَهِدَ بَدْرًا فِي قَوْلِ جَمِيعِهِمْ إلّا ابْنَ الْكَلْبِيّ وَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا .

غَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ
أَبُو سَلَمَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ
ثُمّ غَزَا قُرَيْشًا ، فَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 39 ]
الطّرِيقُ إلَى الْعُشَيْرَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ عَلَى نَقْبِ بَنِي دِينَارٍ ، ثُمّ عَلَى فَيْفَاءِ الْخَبَارِ فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ بِبَطْحَاءِ ابْنِ أَزْهَرَ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ السّاقِ فَصَلّى عِنْدَهَا . فَثَمّ مَسْجِدُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصُنِعَ لَهُ عِنْدَهَا طَعَامٌ فَأَكَلَ مِنْهُ وَأَكَلَ النّاسُ مَعَهُ فَمَوْضِعُ أَثَافِي الْبُرْمَةِ مَعْلُومٌ هُنَالِكَ وَاسْتُقِيَ لَهُ مِنْ مَاءٍ بِهِ يُقَالُ لَهُ الْمُشْتَرِبُ ، ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَتَرَكَ الْخَلَائِقَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ شُعْبَةً يُقَالُ لَهَا : شُعْبَةُ عَبْدِ اللّهِ ، وَذَلِكَ اسْمُهَا الْيَوْمَ ثُمّ صَبّ لِلْيَسَارِ حَتّى هَبَطَ يَلْيَلَ ، فَنَزَلَ بِمُجْتَمَعِهِ وَمُجْتَمَعِ الضّبُوعَةِ ، وَاسْتَقَى مِنْ بِئْرٍ بِالضّبُوعَةِ ثُمّ سَلَكَ الْفَرْشَ فَرْشَ مَلَلَ ، حَتّى لَقِيَ الطّرِيقَ بِصُحَيْرَاتِ الْيَمَامِ ثُمّ اعْتَدَلَ بِهِ الطّرِيقُ حَتّى نَزَلَ الْعُشَيْرَةَ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ . فَأَقَامَ بِهَا جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ ثُمّ رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ ، وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا .
تَكْنِيَةُ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ
[ ص 40 ] قَالَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا قَالَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ الْمُحَارِبِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ خَيْثَمٍ أَبِي يَزِيدَ عَنْ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ ، قَالَ كُنْت أَنَا وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ فَلَمّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقَامَ بِهَا ، رَأَيْنَا أُنَاسًا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ وَفِي نَخْلٍ ، فَقَالَ لِي عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : يَا أَبَا الْيَقْظَانِ هَلْ لَك فِي أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَنَنْظُرُ كَيْفَ يَعْمَلُونَ ؟ قَالَ قُلْت : إنْ شِئْت ، قَالَ فَجِئْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إلَى عَمَلِهِمْ سَاعَةً ثُمّ غَشِينَا النّوْمُ . فَانْطَلَقْت أَنَا وَعَلِيّ حَتّى اضْطَجَعْنَا فِي صُورٍ مِنْ النّخْلِ وَفِي دَقْعَاءَ مِنْ التّرَابِ فَنِمْنَا ، فَوَاَللّهِ مَا أَهَبّنَا إلّا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُحَرّكُنَا بِرِجْلِهِ . وَقَدْ تَتَرّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدّقْعَاءِ الّتِي نِمْنَا فِيهَا ، فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ لِمَا يَرَى عَلَيْهِ مِنْ التّرَابِ ثُمّ قَالَ أَلَا أُحَدّثُكُمَا بِأَشْقَى النّاسِ رَجُلَيْنِ ؟ قُلْنَا : بَلَى يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ " أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الّذِي عَقَرَ النّاقَةَ وَاَلّذِي يَضْرِبُك يَا عَلِيّ عَلَى هَذِهِ - وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى قَرْنِهِ - حَتّى يَبُلّ مِنْهَا هَذِهِ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ [ ص 41 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ حَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا سَمّى عَلِيّا أَبَا تُرَابٍ ، أَنّهُ كَانَ إذَا عَتَبَ عَلَى فَاطِمَةَ فِي شَيْءٍ لَمْ يُكَلّمْهَا ، وَلَمْ يَقُلْ لَهَا شَيْئًا تَكْرَهُهُ إلّا أَنّهُ يَأْخُذُ تُرَابًا فَيَضَعُهُ عَلَى رَأْسِهِ . قَالَ فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا رَأَى عَلَيْهِ التّرَابَ عَرَفَ أَنّهُ عَاتِبٌ عَلَى فَاطِمَةَ فَيَقُولُ مَا لَك يَا أَبَا تُرَابٍ ؟ فَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ .
Sغَزْوَةُ الْعُشَيْرَةِ
يُقَالُ فِيهَا : الْعُشَيْرَةُ وَالْعُشَيْرَاءُ وَبِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْضًا الْعُسَيْرَةُ وَالْعُسَيْرَاءُ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ الْإِمَامُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللّهُ وَفِي الْبُخَارِيّ : أَنّ قَتَادَةَ سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ الْعُشَيْرُ وَمَعْنَى الْعُسَيْرَةِ وَالْعُسَيْرَاءِ أَنّهُ اسْمٌ مُصَغّرٌ مِنْ الْعَسْرَاءِ وَالْعُسْرَى ، وَإِذَا صُغّرَ تَصْغِيرَ التّرْخِيمِ [ ص 39 ] قِيلَ عُسَيْرَةُ وَهِيَ بَقْلَةٌ تَكُونُ أَذَنَةً أَيْ عَصِيفَةً ثُمّ تَكُونُ سَحّاءَ ثُمّ يُقَالُ لَهَا : الْعُسْرَى . قَالَ الشّاعِرُ
وَمَا مَنَعْنَاهَا الْمَاءَ إلّا ضَنَانَةً ... بِأَطْرَافِ عُسْرَى شَوْكُهَا قَدْ تَخَدّدَا
وَمَعْنَى هَذَا الْبَيْتِ كَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلَأُ وَأَمّا الْعُشَيْرَةُ بِالشّينِ الْمَنْقُوطَةِ فَوَاحِدَةُ الْعُشَرِ مُصَغّرَةٌ . وَذَكَرَ فِيهَا الضّبُوعَةَ ، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ وَهُوَ فَعُولَةٌ مِنْ ضَبَعَتْ الْإِبِلُ إذَا أَمَرّتْ أَضْبَاعَهَا فِي السّيْرِ وَفِي الضّبُوعَةِ نَزَلَ عِنْدَ شَجَرَةٍ يُقَالُ لَهَا : ذَاتُ السّاقِ وَابْتَنَى ثُمّ مَسْجِدًا ، وَاسْتَسْقَى مِنْ مَاءٍ هُنَالِكَ يُقَالُ لَهُ الْمُشَيْرِبُ كَذَلِكَ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبَكّائِيّ وَغَيْرِهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ . وَذَكَرَ فِيهِ مَلَلًا ، وَهُوَ اسْمُ مَوْضِعٍ يُقَالُ إنّهُ إنّمَا سُمّيَ مَلَلًا لِأَنّ الْمَاشِيَ إلَيْهِ مِنْ الْمَدِينَةِ لَا يَبْلُغُهُ إلّا بَعْدَ جَهْدٍ وَمَلَلٍ ، وَهُوَ عَلَى عِشْرِينَ مِيلًا مِنْ الْمَدِينَةِ ، أَوْ أَكْثَرُ قَلِيلًا وَذَكَرَ الْحَلَائِقَ وَهِيَ آبَارٌ مَعْلُومَةٌ . وَرَوَاهُ غَيْرُ أَبِي الْوَلِيدِ الْخَلَائِقَ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ وَفَسّرَهَا بَعْضُهُمْ جَمْعُ خَلِيقَةٍ وَهِيَ الْبِئْرُ الّتِي لَا مَاءَ فِيهَا ، وَأَكْثَرُ رِوَايَاتِ الْكِتَابِ عَلَى هَذَا فَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 40 ] وَذَكَرَ فَرْشَ مَلَلٍ ، وَالْفَرْشُ فِيمَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ : مَكَانٌ مُسْتَوٍ نَبْتُهُ الْعُرْفُطُ وَالسّيَالُ وَالسّمُرُ يَكُونُ نَحْوًا مِنْ مِيلٍ أَوْ فَرْسَخٍ فَإِنْ أَنْبَتَ الْعُرْفُطَ وَحْدَهُ فَهُوَ وَهْطٌ وَإِنْ أَنْبَتَ الطّلْحَ وَحْدَهُ فَهُوَ غَوْلٌ وَجَمْعُهُ غَيْلَانُ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ وَإِنْ أَنْبَتَ النّصِيّ وَالصّلّيَانَ وَكَانَ نَحْوًا مِنْ مِيلَيْنِ قِيلَ لَهُ لُمِعَةٌ .
تَكْنِيَةُ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ
وَذَكَرَ حَدِيثَيْنِ فِي تَكْنِيَةِ عَلِيّ بِأَبِي تُرَابٍ وَأَصَحّ مِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ فِي جَامِعِهِ وَهُوَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَجَدَهُ فِي الْمَسْجِدِ نَائِمًا وَقَدْ تَرِبَ جَنْبُهُ فَجَعَلَ يَحُثّ التّرَابَ عَنْ جَنْبِهِ وَيَقُولُ قُمْ أَبَا تُرَابٍ وَكَانَ قَدْ خَرَجَ إلَى الْمَسْجِدِ مُغَاضِبًا لِفَاطِمَةَ وَهَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِ عَمّارٍ مُخَالِفٌ لَهُ إلّا أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَنّاهُ بِهَا مَرّتَيْنِ مَرّةً فِي الْمَسْجِدِ وَمَرّةً فِي هَذِهِ الْغَزْوَةِ فَاَللّهُ أَعْلَمُ .
أَشْقَى النّاسِ
وَذَكَرَ أَشْقَى النّاسِ قَالَ وَهُوَ أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الّذِي عَقَرَ نَاقَةَ صَالِحٍ وَاسْمُهُ [ ص 41 ] قَدَارُ بْنُ سَالِفِ وَأُمّهُ فُذَيْرَةُ وَهُوَ مِنْ التّسْعَةِ رَهْطٍ الْمَذْكُورِينَ فِي سُورَةِ النّمْلِ وَقَدْ ذَكَرْت أَسَمَاءَهُمْ فِي كِتَابِ التّعْرِيفِ وَالْإِعْلَامِ .
مُوَادَعَةُ بَنِي ضَمْرَةَ
وَذَكَرَ مُوَادَعَتَهُ لِبَنِي ضَمْرَةَ ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ كِنَانَةَ ثُمّ مِنْ بَنِي لَيْثٍ ، وَهُمْ بَنُو غِفَارٍ وَبَنُو نُعَيْلَةَ بَنِي مُلَيْلِ بْنِ ضَمْرَةَ وَكَانَتْ نُسْخَةُ الْمُوَادَعَةِ فِيمَا ذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ [ ص 42 ] بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمّدٍ رَسُولِ اللّهِ لِبَنِي ضَمْرَةَ فَإِنّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنّ لَهُمْ النّصْرَ عَلَى مَنْ رَامَهُمْ إلّا أَنْ يُحَارِبُوا فِي دِينِ اللّهِ مَا بَلّ بَحْرٌ صُوفَةً وَإِنّ النّبِيّ إذَا دَعَاهُمْ لِنَصْرِهِ أَجَابُوهُ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ ذِمّةُ اللّهِ وَذِمّةُ رَسُولِهِ وَلَهُمْ النّصْرُ عَلَى مَنْ بَرّ مِنْهُمْ وَاتّقَى

سَرِيّةُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ
وَذَهَابُهُ إلَى الْخَرّارِ وَرُجُوعُهُ مِنْ غَيْرِ حَرْبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ مِنْ غَزْوَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي ثَمَانِيَةِ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فَخَرَجَ حَتّى بَلَغَ الْخَرّارَ مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ ، ثُمّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَكَرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ بَعْثَ سَعْدٍ هَذَا كَانَ بَعْدَ حَمْزَةَ .

غَزْوَةُ سَفْوَانَ
وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمْ يَقُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ قَدِمَ مِنْ غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ إلّا لَيَالِيَ قَلَائِلَ لَا تَبْلُغُ الْعَشْرَ حَتّى أَغَارَ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيّ عَلَى سَرْحِ الْمَدِينَةِ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي طَلَبِهِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى بَلَغَ وَادِيًا ، يُقَالُ لَهُ سَفْوَانُ ، مِنْ نَاحِيَةِ بَدْرٍ وَفَاتَهُ كُرْزُ بْنُ جَابِرٍ . ، فَلَمْ يُدْرِكْهُ وَهِيَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى . ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ ، فَأَقَامَ بِهَا بَقِيّةَ جُمَادَى الْآخِرَةِ وَرَجَبًا وَشَعْبَانَ .

سَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
وَنُزُولُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ }
كِتَابُ الرّسُولِ لَهُ
[ ص 42 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّ فِي رَجَبٍ مَقْفَلَهُ مِنْ بَدْرٍ الْأُولَى ، وَبَعَثَ مَعَهُ ثَمَانِيَةَ رَهْطٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَيْسَ فِيهِمْ مِنْ الْأَنْصَارِ أَحَدٌ ، وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَأَمَرَهُ أَنْ لَا يَنْظُرَ فِيهِ حَتّى يَسِيرَ يَوْمَيْنِ ثُمّ يَنْظُرَ فِيهِ فَيَمْضِيَ لِمَا أَمَرَهُ بِهِ لَا يَسْتَكْرِهَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا . وَكَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ . ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : أَبُو حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ ، وَهُوَ أَمِيرُ الْقَوْمِ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ أَحَدُ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعٍ ، أَحَدُ بَنِي تَمِيمٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَالِدُ بْنُ الْبُكَيْرِ أَحَدُ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : سُهَيْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ . [ ص 43 ] سَارَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ يَوْمَيْنِ فَتَحَ الْكِتَابَ فَنَظَرَ فِيهِ فَإِذَا فِيهِ إذَا نَظَرْت فِي كِتَابِي هَذَا فَامْضِ حَتّى تَنْزِلَ نَخْلَةَ ، بَيْنَ مَكّةَ وَالطّائِفِ ، فَتَرَصّدْ بِهَا قُرَيْشًا وَتَعَلّمْ لَنَا مِنْ أَخْبَارِهِمْ . فَلَمّا نَظَرَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ فِي الْكِتَابِ قَالَ سَمْعًا وَطَاعَةً ثُمّ قَالَ لِأَصْحَابِهِ قَدْ أَمَرَنِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ أَمْضِيَ إلَى نَخْلَةَ ، أَرْصُدَ بِهَا قُرَيْشًا ، حَتّى آتِيَهُ مِنْهُمْ بِخَبَرِ وَقَدْ نَهَانِي أَنْ لَا أَسْتَكْرِهَ أَحَدًا مِنْكُمْ . فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُرِيدُ الشّهَادَةَ وَيَرْغَبُ فِيهَا فَلْيَنْطَلِقْ وَمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ فَلْيَرْجِعْ فَأَمّا أَنَا فَمَاضٍ لِأَمْرِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَمَضَى وَمَضَى مَعَهُ أَصْحَابُهُ لَمْ يَتَخَلّفْ عَنْهُ مَعَهُمْ أَحَدٌ . وَسَلَكَ عَلَى الْحِجَازِ ، حَتّى إذَا كَانَ بِمَعْدِنِ فَوْقَ الْفُرُعِ ، يُقَالُ لَهُ بَحْرَانُ ، أَضَلّ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بَعِيرًا لَهُمَا ، كَانَا يَعْتَقِبَانِهِ . فَتَخَلّفَا عَلَيْهِ فِي طَلَبِهِ . وَمَضَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَبَقِيّةُ أَصْحَابِهِ حَتّى نَزَلَ بِنَخْلَةَ فَمَرّتْ بِهِ عِيرٌ لِقُرَيْشِ تَحْمِلُ زَبِيبًا وَأَدَمًا ، وَتِجَارَةً مِنْ تِجَارَةِ قُرَيْشٍ ، فِيهَا عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ .
الْخِلَافُ حَوْلَ نَسَبِ الْحَضْرَمِيّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ الْحَضْرَمِيّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبّادٍ ، وَيُقَالُ مَالِكُ بْنُ عَبّادٍ أَحَدُ [ ص 44 ] الصّدِفِ ، وَاسْمُ الصّدِفِ عَمْرُو بْنُ مَالِكٍ ، أَحَدُ السّكُونِ بْنِ أَشْرَسَ بْنِ كِنْدَةَ ، وَيُقَالُ كِنْدِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَأَخُوهُ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْمَخْزُومِيّانِ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ ، مَوْلَى هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ . فَلَمّا رَآهُمْ الْقَوْمُ هَابُوهُمْ وَقَدْ نَزَلُوا قَرِيبًا مِنْهُمْ فَأَشْرَفَ لَهُمْ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ وَكَانَ قَدْ حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَوْهُ أَمِنُوا ، وَقَالُوا عُمّارٌ لَا بَأْسَ عَلَيْكُمْ مِنْهُمْ . وَتَشَاوَرَ الْقَوْمُ فِيهِمْ وَذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ فَقَالَ الْقَوْمُ وَاَللّهِ لَئِنْ تَرَكْتُمْ الْقَوْمَ هَذِهِ اللّيْلَةَ لَيَدْخُلَن الْحَرَمَ ، فَلَيَمْتَنِعُنّ مِنْكُمْ بِهِ وَلَئِنْ قَتَلْتُمُوهُمْ لَتَقْتُلَنهُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَتَرَدّدَ الْقَوْمُ وَهَابُوا الْإِقْدَامَ عَلَيْهِمْ ثُمّ شَجّعُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَيْهِمْ وَأَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِ مَنْ قَدَرُوا عَلَيْهِ مِنْهُمْ وَأَخَذَ مَا مَعَهُمْ . فَرَمَى وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ التّمِيمِيّ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ بِسَهْمِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَأْسَرَ عُثْمَانَ بْنَ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمَ بْنَ كَيْسَانَ ؛ وَأَفْلَتَ الْقَوْمَ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَأَعْجَزَهُمْ . وَأَقْبَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ وَأَصْحَابُهُ بِالْعِيرِ وَبِالْأَسِيرِينَ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ . وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ عَبْدَ اللّهِ قَالَ لِأَصْحَابِهِ إنّ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِمّا غَنِمْنَا الْخُمُسَ وَذَلِكَ أَنْ يَفْرِضَ اللّهُ تَعَالَى الْخُمُسَ مِنْ الْمَغَانِمِ - فَعَزَلَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خُمُسَ الْعِيرِ وَقَسّمَ سَائِرَهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ .
Sسَرِيّةُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
صِحّةُ الرّمَايَةِ بِالْمُنَاوَلَةِ
وَهُوَ الْمُجَدّعُ فِي اللّهِ وَسَيَأْتِي حَدِيثُهُ فِي غَزْوَةِ أُحُدٍ وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيّ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى صِحّةِ الرّوَايَةِ بِالْمُنَاوَلَةِ لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نَاوَلَ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جَحْشٍ كِتَابَهُ فَفَتَحَهُ بَعْدَ يَوْمَيْنِ فَعَمِلَ عَلَى مَا فِيهِ . وَكَذَلِكَ الْعَالِمُ إذَا نَاوَلَ [ ص 43 ] جَازَ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ عَنْهُ مَا فِيهِ وَهُوَ فِقَةٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنّ النّاسَ جَعَلُوا الْمُنَاوَلَةَ الْيَوْمَ عَلَى غَيْرِ هَذِهِ الصّورَةِ يَأْتِي الطّالِبُ الشّيْخَ فَيَقُولُ نَاوِلْنِي كُتُبَك ، فَيُنَاوِلُهُ ثُمّ يُمْسِكُ مَتَاعَهُ عِنْدَهُ ثُمّ يَنْصَرِفُ الطّالِبُ فَيَقُولُ حَدّثَنِي فُلَانٌ مُنَاوَلَةٌ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ لَا تَصِحّ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ حَتّى يَذْهَبَ بِالْكِتَابِ مَعَهُ وَقَدْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يُحَدّثَ بِمَا فِيهِ عَنْهُ وَمِمّنْ قَالَ بِصِحّةِ الْمُنَاوَلَةِ عَلَى الْوَجْهِ الّذِي ذَكَرْنَاهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ ، رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ صَالِحٍ عَنْهُ أَنّهُ أَخَرَجَ لَهُمْ كُتُبًا مَشْدُودَةً فَقَالَ هَذِهِ كُتُبِي صَحّحْتهَا وَرَوَيْتهَا ، فَارْوُوهَا عَنّي ، فَقَالَ لَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ صَالِحٍ فَنَقُولُ حَدّثَنَا مَالِكٌ ؟ قَالَ نَعَمْ رَوَى قِصّةَ إسْمَاعِيلَ هَذِهِ الدّارَقُطْنِيّ فِي كِتَابِ رُوَاةِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللّهُ .
أَوْلَادُ الْحَضْرَمِيّ
وَذَكَرَ عَمْرَو بْنَ الْحَضْرَمِيّ ، وَكَانُوا ثَلَاثَةً عَمْرًا وَعَامِرًا وَالْعَلَاءَ فَأَمّا الْعَلَاءُ فَمِنْ أَفَاضِلِ الصّحَابَةِ وَأُخْتُهُمْ الصّعْبَةُ أُمّ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ ، وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِيهِ عِنْدَ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَفِيهَا يَقُولُ حِينَ فَارَقَهَا :
وَإِنّي وَصَعْبَةً فِيمَا نَرَى ... بَعِيدَانِ وَالْوِدّ وِدّ قَرِيبْ
فَإِنْ لَا يَكُنْ نَسَبٌ ثَاقِبٌ ... فَعِنْدَ الْفَتَاةِ جَمَالٌ وَطِيبْ
فَيَالَ قُصَيّ أَلَا تَعْجَبُونَ ... إلَى الْوَبْرِ صَارَ الْغَزَالَ الرّبِيبْ
[ ص 44 ] بَنِي الْحَضْرَمِيّ اضْطِرَابٌ فَقَدْ قِيلَ مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَقِيلَ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عِمَادِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَقِيلَ ابْنُ عَيّادٍ وَابْنُ عَبّادٍ بِالْبَاءِ وَاَلّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَصَحّ ، وَهُمْ مِنْ الصّدِفِ ، وَيُقَالُ فِيهِ الصّدِفُ بِكَسْرِ الدّالِ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ وَالصّدِفُ : مَالِكُ بْنُ مُرَتّعِ بْنِ ثَوْرٍ وَهُوَ كِنْدَةُ وَقَدْ قَدّمْنَا مَا قِيلَ فِي اسْمِ كِنْدَةَ وَفِي مَعْنَاهُ فِي الْمَبْعَثِ وَقَدْ قِيلَ فِي الصّدِفِ : هُوَ ابْنُ سَمّالِ بْنِ دُعْمِيّ بْنِ زِيَادِ بْنِ حَضْرَمَوْتَ ، وَقِيلَ فِي حَضْرَمَوْتَ : إنّهُ مِنْ وَلَدِ حِمْيَرِ بْنِ سَبَأٍ ، وَقِيلَ هُوَ ابْنُ قَحْطَانَ بْنِ عَابِرٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .

الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَنْكِرُ الْقِتَالَ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ
[ ص 45 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ ، قَالَ مَا أَمَرْتُكُمْ بِقِتَالِ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَوَقّفَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ . وَأَبَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ، فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَقَطَ فِي أَيْدِي الْقَوْمِ وَظَنّوا أَنّهُمْ قَدْ هَلَكُوا ، وَعَنّفَهُمْ إخْوَانُهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا صَنَعُوا . وَقَالَتْ قُرَيْشٌ قَدْ اسْتَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَسَفَكُوا فِيهِ الدّمَ وَأَخَذُوا فِيهِ الْأَمْوَالَ وَأَسَرُوا فِيهِ الرّجَالَ . فَقَالَ مَنْ يَرُدّ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِمّنْ كَانَ بِمَكّةَ إنّمَا أَصَابُوا مَا أَصَابُوا فِي شَعْبَانَ . وَقَالَتْ يَهُودُ - تَفَاءَلَ بِذَلِكَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ قَتَلَهُ وَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، عَمْرٌو ، عَمَرْت الْحَرْبَ وَالْحَضْرَمِيّ ، حَضَرْت الْحَرْبَ وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَقُدْت الْحَرْبَ . فَجَعَلَ اللّهُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ .
مَا نَزَلَ مِنْ الْقُرْآنِ فِي فِعْلِ ابْنِ جَحْشٍ
فَلَمّا أَكْثَرَ النّاسُ فِي ذَلِكَ أَنَزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ } أَيْ إنْ كُنْتُمْ قَتَلْتُمْ فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ فَقَدْ صَدّوكُمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَعَ الْكُفْرِ بِهِ وَعَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْهُ وَأَنْتُمْ أَهْلُهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ قَتْلِ مَنْ قَتَلْتُمْ مِنْهُمْ { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } أَيْ قَدْ كَانُوا يَفْتِنُونَ الْمُسْلِمَ فِي دِينِهِ حَتّى يَرُدّوهُ إلَى الْكُفْرِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَذَلِكَ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ مِنْ الْقَتْلِ { وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتّى يَرُدّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا } أَيْ ثُمّ هُمْ مُقِيمُونَ عَلَى أَخْبَثِ ذَلِكَ وَأَعْظَمِهِ غَيْرَ تَائِبِينَ ولا [ ص 46 ] نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَذَا مِنْ الْأَمْرِ وَفَرّجَ اللّهُ تَعَالَى عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ الشّفَقِ قَبَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْعِيرَ وَالْأَسِيرَيْنِ وَبَعَثَتْ إلَيْهِ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ وَالْحَكَمِ بْنِ كَيْسَانَ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا نُفْدِيكُمُوهَا حَتّى يَقْدَمَ صَاحِبَانَا - يَعْنِي سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، وَعُتْبَةَ بْنَ غَزْوَانَ - فَإِنّا نَخْشَاكُمْ عَلَيْهِمَا ، فَإِنْ تَقْتُلُوهُمَا ، نَقْتُلْ صَاحِبَيْكُمْ . فَقَدِمَ سَعْدٌ وَعُتْبَةُ فَأَفْدَاهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْهُمْ . فَأَمّا الْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ فَأَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَأَقَامَ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ شَهِيدًا . وَأَمّا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ فَلَحِقَ بِمَكّةَ فَمَاتَ بِهَا كَافِرًا . فَلَمّا تَجَلّى عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ وَأَصْحَابِهِ مَا كَانُوا فِيهِ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ طَمِعُوا فِي الْأَجْرِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَطْمَعُ أَنْ تَكُونَ لَنَا غَزْوَةٌ تُعْطَى فِيهَا أَجْرَ الْمُجَاهَدِينَ ؟ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَالّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } فَوَضَعَهُمْ اللّهُ عَزّ وَجَلّ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَعْظَمِ الرّجَاءِ . وَالْحَدِيثُ فِي هَذَا عَنْ الزّهْرِيّ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ آلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ : أَنّ اللّهَ عَزّ وَجَلّ قَسَمَ الْفَيْءَ حِينَ أَحَلّهُ فَجَعَلَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ لِمَنْ أَفَاءَهُ اللّهُ وَخُمُسًا إلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ فَوَقَعَ عَلَى مَا كَانَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ صَنَعَ فِي تِلْكَ الْعِيرِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهِيَ أَوّلُ غَنِيمَةٍ غَنِمَهَا الْمُسْلِمُونَ . وَعَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيّ أَوّلُ مَنْ قَتَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ أَوّلُ مَنْ أَسَرَ الْمُسْلِمُونَ .
مَا قِيلَ مِنْ شِعْرٍ فِي هَذِهِ السّرِيّةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فِي غَزْوَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَيُقَالُ بَلْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشٍ قَالَهَا ، حِينَ قَالَتْ قُرَيْشٌ : قَدْ أَحَلّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ [ ص 47 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ
تَعُدّونَ قَتْلًا فِي الْحَرَامِ عَظِيمَةً ... وَأَعْظَمُ مِنْهُ لَوْ يَرَى الرّشْدَ رَاشِدُ
صُدُودُكُمْ عَمّا يَقُولُ مُحَمّدُ ... وَكُفْرٌ بِهِ وَاَللّهُ رَاءٍ وَشَاهِدُ
وَإِخْرَاجُكُمْ مِنْ مَسْجِدِ اللّهِ أَهْلَهُ ... لِئَلّا يُرَى لِلّهِ فِي الْبَيْتِ سَاجِدُ
فَإِنّا وَإِنْ عَيّرْتُمُونَا بِقِتْلَةِ ... وَأَرْجَفَ بِالْإِسْلَامِ بَاغٍ وَحَاسِدُ
سَقَيْنَا مِنْ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ رِمَاحَنَا ... بِنَخْلَةَ لَمّا أَوْقَدَ الْحَرْبَ وَاقِدُ
دَمًا وَابْنُ عَبْدِ اللّهِ عُثْمَانُ بَيْنَنَا ... يُنَازِعُهُ غُلّ مِنْ الْقَدّ عَانِدُ
Sحِكْمَةُ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ
[ ص 45 ] وَذَكَرَ الشّهْرَ الْحَرَامَ وَمَا كَانَ مِنْ أَهْلِ السّرِيّةِ فِيهِ وَأَنّهُ سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ لِمَا أَصَابُوا فِيهِ مِنْ الدّمِ وَذَلِكَ أَنّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ كَانَ حُكْمًا مَعْمُولًا بِهِ مِنْ عَهْدِ إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَكَانَ مِنْ حُرُمَاتِ اللّهِ وَمِمّا جَعَلَهُ مَصْلَحَةً لِأَهْلِ مَكّةَ ، قَالَ اللّهُ تَعَالَى : { جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنّاسِ وَالشّهْرَ الْحَرَامَ } [ الْمَائِدَةُ 97 ] وَذَلِكَ لَمّا دَعَا إبْرَاهِيمُ لِذُرّيّتِهِ بِمَكّةَ إذْ كَانُوا بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ أَنْ يَجْعَلَ أَفْئِدَةً مِنْ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ فَكَانَ فِيمَا فُرِضَ عَلَى النّاسِ مِنْ حَجّ الْبَيْتِ قِوَامًا لِمَصْلَحَتِهِمْ وَمَعَاشِهِمْ ثُمّ جَعَلَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ أَرْبَعَةً ثَلَاثَةً سَرْدًا ، وَوَاحِدًا فَرْدًا ، وَهُوَ رَجَبٌ أَمّا الثّلَاثَةُ فَلِيَأْمَنَ الْحُجّاجُ وَارِدِينَ إلَى مَكّةَ ، وَصَادِرِينِ عَنْهَا شَهْرًا قَبْلَ شَهْرِ الْحَجّ وَشَهْرًا بَعْدَهُ قَدْرَ مَا يَصِلُ الرّاكِبُ مِنْ أَقْصَى بِلَادِ الْعَرَبِ ، ثُمّ يَرْجِعُ حِكْمَةً مِنْ اللّهِ وَأَمّا رَجَبٌ فَلِلْعُمّارِ يَأْمَنُونَ فِيهِ مُقْبِلِينَ وَرَاجِعِينَ نِصْفُ [ ص 46 ] لِلْإِيَابِ إذْ لَا تَكُونُ الْعُمْرَةُ مِنْ أَقَاصِي بِلَادِ الْعَرَبِ كَمَا يَكُونُ الْحَجّ ، أَلَا تَرَى أَنّا لَا نَعْتَمِرُ مِنْ بِلَادِ الْمَغْرِبِ فَإِذَا أَرَدْنَا عُمْرَةً فَإِنّمَا تَكُونُ مَعَ الْحَجّ وَأَقْصَى مَنَازِلِ الْمُعْتَمِرِينَ بَيْنَ مَسِيرَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا ، فَكَانَتْ الْأَقْوَاتُ تَأْتِيهِمْ فِي الْمَوَاسِمِ وَفِي سَائِرِ الْعَامِ تَنْقَطِعُ عَنْهُمْ ذُؤْبَانُ الْعَرَبِ وَقُطّاعُ السّبُلِ فَكَانَ فِي رَجَبٍ أَمَانٌ لِلسّالِكِينَ إلَيْهَا مَصْلَحَةً لِأَهْلِهَا وَنَظَرًا مِنْ اللّهِ لَهُمْ دَبّرَهُ وَأَبْقَاهُ مِنْ مِلّةِ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُغَيّرْ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ فَكَانَ الْقِتَالُ فِيهِ مُحَرّمًا كَذَلِكَ صَدْرًا مِنْ الْإِسْلَامِ ثُمّ أَبَاحَتْهُ آيَةُ السّيْفِ وَبَقِيَتْ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لَمْ [ ص 47 ] قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ } [ التّوْبَةُ 36ْ ] ، فَتَعْظِيمُ حُرْمَتِهَا بَاقٍ وَإِنْ أُبِيحَ الْقِتَالُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنّ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِيهَا حُكْمٌ ثَابِتٌ لَمْ يُنْسَخْ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ نَسَبِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - ذِكْرُ سَعْدٍ رَجَبًا ، وَهُوَ أَوّلُ مَنْ سَنّهُ لِلْعَرَبِ فِيمَا زَعَمُوا .

صَرْفُ الْقِبْلَةِ إلَى الْكَعْبَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَيُقَالُ صُرِفَتْ الْقِبْلَةُ فِي شَعْبَانَ عَلَى رَأْسِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا مِنْ مَقْدَمِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ .

غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى
عِيرُ أَبِي سُفْيَان
[ ص 48 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ . ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَمِعَ بِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ مُقْبِلًا مِنْ الشّامِ فِي عِيرٍ لِقُرَيْشِ عَظِيمَةٍ فِيهَا أَمْوَالٌ لِقُرَيْشِ وَتِجَارَةٌ مِنْ تِجَارَاتِهِمْ وَفِيهَا ثَلَاثُونَ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْهُمْ مَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هِشَامٍ .
نَدْبُ الْمُسْلِمِينَ لِلْعِيرِ وَحَذَرُ أَبِي سُفْيَانَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ بْنِ وَائِلِ بْنِ هَاشِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ ، وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ عُلَمَائِنَا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ كُلّ قَدْ حَدّثَنِي بَعْضَ هَذَا الْحَدِيثِ فَاجْتَمَعَ حَدِيثُهُمْ فِيمَا سُقْت مِنْ حَدِيثِ بَدْرٍ قَالُوا : لَمّا سَمِعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي سُفْيَانَ مُقْبِلًا مِنْ الشّامِ نَدَبَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِمْ وَقَالَ [ ص 49 ] يُنْفِلُكُمُوهَا . فَانْتَدَبَ النّاسُ فَخَفّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ وَذَلِكَ أَنّهُمْ لَمْ يَظُنّوا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَلْقَى حَرْبًا ، وَكَانَ أَبُو سُفْيَانَ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ يَتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ وَيَسْأَلُ مَنْ لَقِيَ مِنْ الرّكْبَانِ تَخَوّفًا عَلَى أَمْرِ النّاسِ . حَتّى أَصَابَ خَبَرًا مِنْ بَعْضِ الرّكْبَانِ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ اسْتَنْفَرَ أَصْحَابَهُ لَك وَلِعِيرِك فَحَذِرَ عِنْدَ ذَلِكَ . فَاسْتَأْجَرَ ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ فَبَعَثَهُ إلَى مَكّةَ وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ إلَى أَمْوَالِهِمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنّ مُحَمّدًا قَدْ عَرَضَ لَهَا فِي أَصْحَابِهِ . فَخَرَجَ ضَمْضَمُ بْنُ عَمْرٍو سَرِيعًا إلَى مَكّةَ .
Sغَزْوَةُ بَدْر
[ ص 48 ] اسْمُ بِئْرٍ حَفَرَهَا رَجُلٌ مِنْ غِفَارٍ ثُمّ مِنْ بَنِي النّارِ مِنْهُمْ اسْمُهُ بَدْرٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ قَوْلَ مَنْ قَالَ هُوَ بَدْرُ بْنُ قُرَيْشِ بْنِ يَخْلُدَ الّذِي سُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ . وَرَوَى يُونُسُ عَنْ ابْنِ أَبِي زَكَرِيّا عَنْ الشّعْبِيّ قَالَ بَدْرٌ اسْمُ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ بَدْرٌ .
تَحَسّسُ الْأَخْبَارِ
فَصْلٌ
[ ص 49 ] وَذَكَرَ أَبَا سُفْيَانَ وَأَنّهُ حِينَ دَنَا مِنْ الْحِجَازِ كَانَ يَتَحَسّسُ الْأَخْبَارَ . التّحَسّسُ بِالْحَاءِ أَنْ تَتَسَمّعَ الْأَخْبَارَ بِنَفْسِك ، وَالتّجَسّسُ بِالْجِيمِ هُوَ أَنْ تَفْحَصَ عَنْهَا بِغَيْرِك ، وَفِي الْحَدِيثِ لَا تَجَسّسُوا ، وَلَا تَحَسّسُوا .

ذِكْرُ رُؤْيَا عَاتِكَةَ بِنْتِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فَأَخْبَرَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وَيَزِيدَ بْنِ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَا : وَقَدْ رَأَتْ عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا . فَبَعَثَتْ إلَى أَخِيهَا الْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ يَا أَخِي ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْت اللّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْظَعَتْنِي ، وَتَخَوّفْت أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِك مِنْهَا شَرّ وَمُصِيبَةٌ فَاكْتُمْ عَنّي مَا أُحَدّثُك بِهِ فَقَالَ لَهَا : وَمَا رَأَيْت ؟ قَالَتْ رَأَيْت [ ص 50 ] أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ فَأَرَى النّاسَ اجْتَمَعُوا إلَيْهِ ثُمّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ثُمّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا : أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرٍ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا . ثُمّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي ، حَتّى إذَا كَانَتْ بِأَسْفَلَ الْجَبَلِ ارْفَضّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ مَكّةَ وَلَا دَارٌ إلّا دَخَلْتهَا مِنْهَا فِلْقَةٌ قَالَ الْعَبّاسُ وَاَللّهِ إنّ هَذِهِ لَرُؤْيَا ، وَأَنْتِ فَاكْتُمِيهَا ، وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدِ .
ذُيُوعُ الرّؤْيَا وَمَا أَحْدَثَتْ بَيْنَ أَبِي جَهْلٍ وَالْعَبّاسِ
ثُمّ أُخْرِجَ الْعَبّاسُ فَلَقِيَ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا ، فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إيّاهَا . فَذَكَرَهَا الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ بِمَكّةَ حَتّى تَحَدّثَتْ بِهِ قُرَيْشٌ فِي أَنْدِيَتِهَا . قَالَ الْعَبّاسُ فَغَدَوْت لِأَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ قُرَيْشٍ قُعُودٍ يَتَحَدّثُونَ بِرُؤْيَا عَاتِكَةَ فَلَمّا رَآنِي أَبُو جَهْلٍ قَالَ يَا أَبَا الْفَضْلِ إذَا فَرَغْت مِنْ طَوَافِك فَأَقْبِلْ إلَيْنَا ، فَلَمّا فَرَغْت أَقْبَلْت حَتّى جَلَسْت مَعَهُمْ فَقَالَ لِي أَبُو جَهْلٍ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ مَتَى حَدّثَتْ فِيكُمْ هَذِهِ النّبِيّةُ ؟ قَالَ قُلْت : وَمَا ذَاكَ ؟ قَالَ تِلْكَ الرّؤْيَا الّتِي رَأَتْ عَاتِكَةُ قَالَ فَقُلْت : وَمَا رَأَتْ ؟ قَالَ يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ يَتَنَبّأَ رِجَالُكُمْ حَتّى تَتَنَبّأَ نِسَاؤُكُمْ قَدْ زَعَمَتْ عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنّهُ قَالَ انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ فَسَنَتَرَبّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثّلَاثَ فَإِنْ يَكُ حَقّا مَا تَقُولُ فَسَيَكُونُ وَإِنْ تَمْضِ الثّلَاثُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ نَكْتُبُ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ الْعَرَبِ . قَالَ الْعَبّاسُ فَوَاَللّهِ مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ كَبِيرٌ إلّا أَنّي جَحَدْت ذَلِكَ وَأَنْكَرْت أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا : قَالَ . ثُمّ تَفَرّقْنَا . [ ص 51 ] بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ إلّا أَتَتْنِي ، فَقَالَتْ أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ثُمّ قَدْ تَنَاوَلَ النّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ ثُمّ لَمْ يَكُنْ عِنْدَك غِيَرٌ لِشَيْءِ مِمّا سَمِعْت ، قَالَ قُلْت : قَدْ وَاَللّهِ فَعَلْت ، مَا كَانَ مِنّي إلَيْهِ مِنْ كَبِيرٍ . وَاَيْمُ اللّهِ لَأَتَعَرّضَن لَهُ فَإِنْ عَادَ لأكْفِينّكُنّه . قَالَتْ فَغَدَوْت فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ مِنْ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أُرَى أَنّي قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ . قَالَ فَدَخَلْت الْمَسْجِدَ فَرَأَيْته ، فَوَاَللّهِ أَنّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرّضُهُ لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعُ بِهِ وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا ، حَدِيدَ الْوَجْهِ حَدِيدَ اللّسَانِ حَدِيدَ النّظَرِ . قَالَ إذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدّ . قَالَ فَقُلْت فِي نَفْسِي : مَا لَهُ لَعَنَهُ اللّهُ أَكُلّ هَذَا فَرَقٌ مِنْ أَنْ أُشَاتِمَهُ قَالَ وَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيّ وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ قَدْ جَدّعَ بَعِيرَهُ وَحَوّلَ رَحْلَهُ وَشَقّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ اللّطِيمَةَ اللّطِيمَةَ أَمْوَالُكُمْ مَعَ أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا مُحَمّدٌ فِي أَصْحَابِهِ لَا . أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ . قَالَ فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنّي مَا جَاءَ مِنْ الْأَمْرِ .
Sرُؤْيَا عَاتِكَةَ
وَذَكَرَ رُؤْيَا عَاتِكَةَ وَالصّارِخَ الّذِي رَأَتْهُ يَصْرُخُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا لَغُدُرِ هَكَذَا هُوَ بِضَمّ الْغَيْنِ وَالدّالِ جَمْعُ غَدُورٍ وَلَا تَصِحّ رِوَايَةُ مَنْ رَوَاهُ يَا لَغُدَرِ بِفَتْحِ الدّالِ مَعَ كَسْرِ الرّاءِ وَلَا فَتْحِهَا ، لِأَنّهُ لَا يُنَادِي وَاحِدًا ، وَلِأَنّ لَامَ الِاسْتِغَاثَةِ لَا تَدْخُلُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْبِنَاءِ فِي النّدَاءِ وَإِنّمَا يَقُولُ يَا لَغُدُرُ انْفِرُوا وَتَحْرِيضًا لَهُمْ أَيْ إنْ تَخَلّفْتُمْ فَأَنْتُمْ غُدُرٌ لِقَوْمِكُمْ وَفُتِحَتْ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ لِأَنّ الْمُنَادِيَ قَدْ وَقَعَ مَوْقِعَ الِاسْمِ الْمُضْمَرِ وَلِذَلِكَ بَنَى ، فَلَمّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ وَهِيَ لَامُ جَرّ فُتِحَتْ كَمَا تُفْتَحُ لَامُ الْجَرّ إذَا دَخَلَتْ عَلَى الْمُضْمَرَاتِ هَذَا قَوْلُ ابْنِ السّرَاجِ وَلِأَبِي سَعِيدٍ السّيرَافِيّ فِيهَا تَعْلِيلٌ غَيْرُ هَذَا كَرِهْنَا الْإِطَالَةَ بِذِكْرِهِ وَهَذَا الْقَوْلُ [ ص 50 ] وَقَعَ فِي أَصْلِهِ وَأَمّا أَبُو عُبَيْدَةَ فَقَالَ فِي الْمُصَنّفِ تَقُولُ يَا غُدُرُ أَيْ يَا غَادِرُ فَإِذَا جَمَعْت قُلْت : يَا آلَ غُدَرِ وَهَكَذَا وَاَللّهُ أَعْلَمُ . كَانَ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَاَلّذِي تَقَدّمَ تَغْيِيرٌ . وَقَوْلُهُ ثُمّ مَثَلَ بِهِ بَعِيرُهُ عَلَى أَبِي قُبَيْسٍ سُمّيَ هَذَا الْجَبَلُ أَبَا قُبَيْسٍ بِرَجُلِ هَلَكَ فِيهِ مِنْ جُرْهُمَ اسْمُهُ قُبَيْسِ بْنِ شَالِخَ وَقَعَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ مُضَاضٍ كَمَا سُمّيَ حُنَيْنٌ الّذِي كَانَتْ فِيهِ حُنَيْنٌ بِحُنَيْنِ بْنِ قَالِيَةَ بْنِ مِهْلَايِلَ أَظُنّهُ كَانَ مِنْ الْعَمَالِيقِ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبَكْرِيّ فِي كِتَابِ مُعْجَمِ مَا اُسْتُعْجِمَ .

قُرَيْشٌ تَتَجَهّزُ لِلْخُرُوجِ
فَتَجَهّزَ النّاسُ سِرَاعًا ، وَقَالُوا : أَيَظُنّ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَنْ تَكُونَ كَعِيرِ ابْنِ الْحَضْرَمِيّ كَلّا وَاَللّهِ لَيَعْلَمَن غَيْرَ ذَلِكَ . فَكَانُوا بَيْنَ رَجُلَيْنِ إمّا خَارِجٌ وَإِمّا بَاعِثٌ مَكَانَهُ رَجُلًا . وَأَوْعَبَتْ قُرَيْشٌ فَلَمْ يَتَخَلّفْ مِنْ أَشْرَافِهَا أَحَدٌ . إلّا أَنّ أَبَا لَهَبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ تَخَلّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَانَ قَدْ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ كَانَتْ لَهُ عَلَيْهِ أَفْلَسَ بِهَا ، فَاسْتَأْجَرَهُ بِهَا عَلَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ بَعَثَهُ فَخَرَجَ عَنْهُ وَتَخَلّفَ أَبُو لَهَبٍ .
Sمَعْنَى اللّيَاطِ
[ ص 51 ] وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي لَهَبٍ وَبَعْثَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامٍ وَكَانَ لَاطَ لَهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ . لَاطَ لَهُ أَيْ أَرْبَى لَهُ وَكَذَلِكَ جَاءَ اللّيَاطُ مُفَسّرًا فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ لِلْخَطّابِيّ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ لِثَقِيفِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دِينٍ لَا رَهْنَ فِيهِ فَهُوَ لِيَاطٌ مُبَرّأٌ مِنْ اللّهِ . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسُمّيَ الرّبَا لِيَاطًا ، لِأَنّهُ مُلْصَقٌ بِالْبَيْعِ وَلَيْسَ بِبَيْعِ وَقِيلَ لِلرّبَا لِيَاطًا لِأَنّهُ لَاصِقٌ بِصَاحِبِهِ لَا يَقْضِيهِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ وَأَصْلُ هَذَا اللّفْظِ مِنْ اللّصُوقِ .

خُرُوجُ عُقْبَةَ
[ ص 52 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَنّ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ كَانَ أَجْمَعَ الْقُعُودَ وَكَانَ شَيْخًا جَلِيلًا جَسِيمًا ثَقِيلًا ، فَأَتَاهُ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِ بِمِجْمَرَةِ يَحْمِلُهَا ، فِيهَا نَارٌ وَمِجْمَرٌ حَتّى وَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمّ قَالَ يَا أَبَا عَلِيّ اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ ؟ قَالَ قَبّحَك اللّهُ وَقَبّحَ مَا جِئْت بِهِ قَالَ ثُمّ تَجَهّزَ فَخَرَجَ مَعَ النّاسِ .
Sالْمِجْمَرَةُ وَالْأُلُوّةُ
[ ص 52 ] أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَهُ بِمِجْمَرَةِ فِيهَا نَارٌ وَمِجْمَرٌ وَقَالَ اسْتَجْمِرْ فَإِنّمَا أَنْتَ مِنْ النّسَاءِ . الْمِجْمَرَةُ هِيَ الْأَدَاةُ الّتِي يُجْعَلُ فِيهَا الْبَخُورُ وَالْمِجْمَرُ هُوَ الْبَخُورُ نَفْسُهُ وَفِي الْحَدِيثِ فِي صِفَةِ أَهْلِ الْجَنّةِ مَجَامِرُهُمْ الْأُلُوّةُ فَهَذَا جَمْعُ مِجْمَرٍ لَا مِجْمَرَةٍ وَالْأُلُوّةُ هِيَ الْعُودُ الرّطْبُ وَفِيهَا أَرْبَعُ لُغَاتٍ أُلُوّةٌ وَأَلُوّةٌ وَلُوّةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلِيّةٌ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ .

مَا وَقَعَ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَكِنَانَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمّا فَرَغُوا مِنْ جَهَازِهِمْ وَأَجْمَعُوا الْمَسِيرَ ذَكَرُوا مَا كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ فَقَالُوا : إنّا نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا ، وَكَانَتْ الْحَرْبُ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ قُرَيْشٍ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ - كَمَا حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ - فِي ابْنٍ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ أَحَدِ بَنِي مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ خَرَجَ يَبْتَغِي ضَالّةً لَهُ بِضَجْنَانَ وَهُوَ غُلَامٌ حَدَثَ فِي رَأْسِهِ ذُؤَابَةٌ وَعَلَيْهِ حُلّةٌ لَهُ وَكَانَ غُلَامًا وَضِيئًا نَظِيفًا ، فَمَرّ بِعَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُلَوّحِ أَحَدِ بَنِي يَعْمَرَ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ وَهُوَ بِضَجْنَانَ وَهُوَ سَيّدُ بَنِي بَكْرٍ يَوْمَئِذٍ فَرَآهُ فَأَعْجَبَهُ فَقَالَ مَنْ أَنْتَ يَا غُلَامُ ؟ قَالَ أَنَا ابْنٌ لِحَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ الْقُرَشِيّ . فَلَمّا وَلّى الْغُلَامَ قَالَ عَامِرُ بْنُ زَيْدٍ يَا بَنِي بَكْرٍ مَا لَكُمْ فِي قُرَيْشٍ مِنْ دَمٍ ؟ قَالُوا : بَلَى وَاَللّهِ إنّ لَنَا فِيهِمْ لَدِمَاءً ؟ قَالَ مَا كَانَ رَجُلٌ لِيَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ بِرَجُلِهِ إلّا كَانَ قَدْ اسْتَوْفَى دَمَهُ . قَالَ فَتَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي بَكْرٍ فَقَتَلَهُ بِدَمِ كَانَ لَهُ فِي قُرَيْشٍ فَتَكَلّمَتْ فِيهِ قُرَيْشٌ فَقَالَ عَامِرُ بْنُ يَزِيدَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ قَدْ كَانَتْ لَنَا فِيكُمْ دِمَاءٌ فَمَا شِئْتُمْ . إنْ شِئْتُمْ فَأَدّوا عَلَيْنَا مَالَنَا قِبَلَكُمْ وَنُؤَدّي مَالَكُمْ قِبَلَنَا ، وَإِنْ شِئْتُمْ فَإِنّمَا هِيَ الدّمَاءُ رَجُلٌ بِرَجُلِ فَتَجَافَوْا عَمّا لَكُمْ قِبَلَنَا ، وَنَتَجَافَى عَمّا لَنَا قِبَلَكُمْ فَهَانَ ذَلِكَ الْغُلَامُ عَلَى هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ وَقَالُوا : صَدَقَ رَجُلٌ بِرَجُلِ . فَلَهَوْا عَنْهُ فَلَمْ يَطْلُبُوا بِهِ . [ ص 53 ] قَالَ فَبَيْنَمَا أَخُوهُ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ يَسِيرُ بِمَرّ الظّهْرَانِ إذْ نَظَرَ إلَى عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ الْمُلَوّحِ عَلَى جَمَلٍ لَهُ فَلَمّا رَآهُ أَقْبَلَ إلَيْهِ حَتّى أَنَاخَ بِهِ وَعَامِرٌ مُتَوَشّحٌ سَيْفَهُ فَعَلَاهُ مِكْرَزُ بِسَيْفِهِ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ خَاضَ بَطْنَهُ بِسَيْفِهِ ثُمّ أَتَى بِهِ مَكّةَ فَعَلّقَهُ مِنْ اللّيْلِ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ . فَلَمّا أَصْبَحَتْ قُرَيْشٌ رَأَوْا سَيْفَ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ عَامِرٍ مُعَلّقًا بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَعَرَفُوهُ فَقَالُوا : إنّ هَذَا لَسَيْفُ عَامِرِ بْنِ يَزِيدَ عَدَا عَلَيْهِ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فَقَتَلَهُ فَكَانَ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ . فَبَيْنَمَا هُمْ فِي ذَلِكَ مِنْ حَرْبِهِمْ حَجَزَ الْإِسْلَامُ بَيْنَ النّاسِ ؟ فَتَشَاغَلُوا بِهِ حَتّى أَجَمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ إلَى بَدْرٍ فَذَكَرُوا الّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَخَافُوهُمْ . وَقَالَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصٍ فِي قَتْلِهِ عَامِرًا :
لَمّا رَأَيْت أَنّهُ هُوَ عَامِرٌ
تَذَكّرْت أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّب
وَقُلْت لِنَفْسِي : إنّهُ هُوَ عَامِرٌ
فَلَا تَرْهَبِيهِ وَانْظُرِي أَيّ مَرْكَب
وَأَيْقَنْت أَنّي إنْ أُجَلّلْهُ ضَرْبَةً
مَتَى مَا أُصِبْهُ بِالْفُرَافِرِ يَعْطَب
خَفَضْت لَهُ جَأْشِي وَأَلْقَيْت كَلْكَلِي
عَلَى بَطَلٍ شَاكِي السّلَاحِ مُجَرّبِ
وَلَمْ أَكُ لَمّا الْتَفّ رُوعِي وَرُوعِهِ
عُصَارَةَ هُجْنٍ مِنْ نِسَاءٍ وَلَا أَبِ
حَلَلْت بِهِ وِتْرِي وَلَمْ أَنْسَ ذَحْلَهُ
إذَا مَا تَنَاسَى ذَحْلَهُ كُلّ عَيْهَب
[ ص 54 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ الْفُرَافِرُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ الرّجُلُ الْأَضْبَطُ وَفِي هَذَا الْمَوْضِعِ السّيْفُ . وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَيُقَالُ تَيْسُ الظّبَاءِ وَفَحْلُ النّعَامِ قَالَ الْخَلِيلُ الْعَيْهَبُ الرّجُلُ الضّعِيفُ عَنْ إدْرَاكِ وِتْرِهِ .
Sوَذَكَرَ فِي شِعْرِ مِكْرَزٍ [ ص 53 ] تَذَكّرْت أَشْلَاءَ الْحَبِيبِ الْمُلَحّبِ
شَرْحُ شِعْرِ مِكْرَزٍ
الْأَشْلَاءُ أَعْضَاءٌ مُقَطّعَةٌ وَالْمُلَحّبُ مِنْ قَوْلِهِمْ لَحّبْت اللّحْمَ إذَا قَطَعْته طُولًا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ . وَذَكَرَ فِي شِعْرِ مِكْرَزٍ مَتَى مَا أُجَلّلْهُ الْفُرَافِرَ يَعْطَبْ
[ ص 54 ] وَقَالَ هُوَ اسْمُ سَيْفٍ وَهُوَ عِنْدِي مِنْ فَرْفَرَ اللّحْمَ إذَا قَطَعَهُ أَنْشَدَ أَبُو عُبَيْدٍ
كَكَلْبِ طَسْمٍ وَقَدْ تَرَبّبَه
يَعُلْهُ بِالْحَلِيبِ فِي الْغَلَس
أَنْحَى عَلَيْهِ يَوْمًا يُفَرْفِرُه
إنْ يَلِغْ فِي الدّمَاءِ يَنْتَهِسُ
وَيَرْوِي : يُشَرْشِرُهُ . وَالْعَيْهَبُ الّذِي لَا عَقْلَ لَهُ وَيُقَالُ لِذَكْرِ النّعَمِ عَيْهَبُ .

الشّيْطَانُ وَقُرَيْشٌ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ لَمّا أَجْمَعَتْ قُرَيْشٌ الْمَسِيرَ ذَكَرَتْ الّذِي كَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بَنِي بَكْرٍ فَكَادَ ذَلِكَ يُثْنِيهِمْ فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ الْمُدْلِجِيّ ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ فَقَالَ لَهُمْ أَنَا لَكُمْ جَارٌ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءِ تَكْرَهُونَهُ فَخَرَجُوا سِرَاعًا .

خُرُوجُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ فِي أَصْحَابِهِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَرَجَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ - وَاسْتَعْمَلَ عَمْرَو ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ - وَيُقَالُ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ ابْنُ أُمّ مَكْتُومٍ أَخَا بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ، عَلَى الصّلَاةِ بِالنّاسِ ثُمّ رَدّ أَبَا لُبَابَةَ مِنْ الرّوْحَاءِ ، وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى الْمَدِينَةِ .
اللّوَاءُ وَالرّايَتَانِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَدَفَعَ اللّوَاءَ إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ أَبْيَضَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَمَامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَايَتَانِ سَوْدَاوَانِ إحْدَاهُمَا مَعَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، يُقَالُ لَهَا : الْعُقَابُ وَالْأُخْرَى مَعَ بَعْضِ الْأَنْصَارِ .
إبِلُ الْمُسْلِمِينَ إلَى بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَتْ إبِلُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَئِذٍ سَبْعِينَ بَعِيرًا ، [ ص 55 ] فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَمَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَأَبُو كَبْشَةَ ، وَأَنَسَةَ مُولِيًا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَعْتَقِبُونَ بَعِيرًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَجَعَلَ عَلَى النّاقَةِ قَيْسَ بْنَ أَبِي صَعْصَعَةَ أَخَا بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ . وَكَانَتْ رَايَةُ الْأَنْصَارِ مَعَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .

الطّرِيقُ إلَى بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَسَلَكَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكّةَ ، عَلَى نَقْبِ الْمَدِينَةِ ، ثُمّ عَلَى الْعَقِيقِ ، ثُمّ عَلَى ذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمّ عَلَى أُولَاتِ الْجَيْشِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ذَاتُ الْجَيْشِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَرّ عَلَى تُرْبَانَ ثُمّ عَلَى مَلَلٍ ، ثُمّ عَلَى غَمِيسِ الْحَمَامِ مِنْ مَرَيَيْنِ ، ثُمّ عَلَى صُخَيْرَاتِ الْيَمَامِ ، ثُمّ عَلَى السّيَالَةِ ، ثُمّ عَلَى فَجّ الرّوْحَاءِ ، ثُمّ عَلَى شَنُوكَةَ ، وَهِيَ الطّرِيقُ الْمُعْتَدِلَةُ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الظّبْيَةُ : عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ - لَقَوْا رَجُلًا مِنْ الْأَعْرَابِ ، فَسَأَلُوهُ عَنْ النّاسِ فَلَمْ يَجِدُوا عِنْدَهُ خَبَرًا ، فَقَالَ لَهُ النّاسُ سَلّمْ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ أَفِيكُمْ رَسُولُ اللّهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ فَسَلّمَ عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ إنْ كُنْت رَسُولَ اللّهِ فَأَخْبِرْنِي عَمّا فِي بَطْنِ نَاقَتِي ، هَذِهِ قَالَ لَهُ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقَشٍ لَا تَسْأَلْ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَقْبِلْ عَلَيّ فَأَنَا أُخْبِرُك عَنْ ذَلِكَ . نَزَوْت عَلَيْهَا ، فَفِي بَطْنِهَا مِنْك سَخْلَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَهْ أَفْحَشْت عَلَى الرّجُلِ ، ثُمّ أَعَرَضَ عَنْ سَلَمَةَ . [ ص 56 ] سَجْسَجَ ، وَهِيَ بِئْرُ الرّوْحَاءِ ، ثُمّ ارْتَحَلَ مِنْهَا ، حَتّى إذَا كَانَ بِالْمُنْصَرَفِ تَرَكَ طَرِيقَ مَكّةَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى النّازِيَةِ يُرِيدُ بَدْرًا ، فَسَلَكَ فِي نَاحِيَةٍ مَعَهَا ، حَتّى جَزَعَ وَادِيًا ، يُقَال لَهُ رُحْقَانُ ، بَيْنَ النّازِيّةِ وَبَيْنَ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ ، ثُمّ عَلَى الْمَضِيقِ ثُمّ انْصَبّ مِنْهُ حَتّى إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ الصّفْرَاءِ ، بَعَثَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو [ ص 57 ] الْجُهَنِيّ ، حَلِيفَ بَنِي سَاعِدَةَ وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ الْجُهَنِيّ حَلِيفُ بَنِي النّجّارِ إلَى بَدْرٍ يَتَحَسّسَانِ لَهُ الْأَخْبَارَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَغَيْرِهِ .
Sمَوَاضِعُ نَزَلَ فِيهَا الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
[ ص 55 ] وَذَكَرَ عِرْقَ الظّبْيَةِ ، وَالظّبْيَةُ : شَجَرَةٌ شِبْهُ الْقَتَادَةَ يُسْتَظَلّ بِهَا ، وَجَمْعُهَا : ظُبْيَانٌ وَكَذَلِكَ ذَكَرَ السّيَالَة فِي طَرِيقِ بَدْرٍ وَالسّيَالُ شَجَرٌ وَيُقَالُ هُوَ عِظَامُ السّلَمِ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ . [ ص 56 ] وَذَكَرَ النّازِيَةَ وَهِيَ رَحْبَةٌ وَاسِعَةٌ فِيهَا عِضَاةٌ وَمُرُوجٌ . وَذَكَرَ سَجْسَجًا ، وَهِيَ بِ الرّوْحَاءِ ، وَسُمّيَتْ سَجْسَجًا ، لِأَنّهَا بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَكُلّ شَيْءٍ بَيْنَ شَيْئَيْنِ فَهُوَ سَجْسَجٌ . وَفِي الْحَدِيثِ إنّ هَوَاءَ الْجَنّةِ سَجْسَجٌ ، أَيْ لَا حَرّ وَلَا بَرْدٌ وَهُوَ عِنْدِي مِنْ لَفْظِ السّجَاجِ وَهُوَ لَبَنٌ غَيْرُ خَالِصٍ وَذَلِكَ إذَا أُكْثِرَ مَزْجُهُ بِالْمَاءِ قَالَ الشّاعِرُ
وَيَشْرَبُهَا مَزْجًا وَيَسْقِي عِيَالَهُ ... سَجَاجًا كَأَقْرَابِ الثّعَالِبِ أَوْرَقَا
وَهَذَا الْقَوْلُ جَارٍ عَلَى قِيَاسِ مَنْ يَقُولُ إنّ الثّرْثَارَةَ مِنْ لَفْظِ الثّرّةِ وَرَقْرَقْت مِنْ لَفْظِ رَقَقْت إلَى آخِرِ الْبَابِ . وَذَكَرَ الصّفْرَاءَ ، وَهِيَ وَادٍ كَبِيرٌ .
أَنْسَابٌ
وَذَكَرَ بَسْبَسَ بْنَ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ ، وَعَدِيّ بْنَ أَبِي الزّغْيَاءِ حِينَ بَعَثَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُتَحَسّسَانِ الْأَخْبَارَ عَنْ عِيرِ قُرَيْشٍ ، وَفِي مُصَنّفِ أَبِي دَاوُدَ بَسْبَسَةُ مَكَان بَسْبَسٍ وَبَعْضُ رُوَاةِ أَبِي دَاوُدَ يَقُولُ بُسْبُسَةٌ بِضَمّ الْبَاءِ وَكَذَلِكَ وَقَعَ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَنَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ إلَى جُهَيْنَةَ ، وَنَسَبَهُ غَيْرُهُ إلَى ذُبْيَانَ وَقَالَ هُوَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ وَأَمّا عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ ، وَاسْمُ أَبِي الزّغْبَاءِ سِنَانُ بْنُ سُبَيْعٍ بَيْنَ ثَعْلَبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ بُذَيْلٍ وَلَيْسَ فِي الْعَرَبِ بُذَيْلٌ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ غَيْرُ هَذَا ، قَالَهُ الدّارَقُطْنِيّ ، وَهُوَ بُذَيْلُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَاهِلِ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَلَكِ بْنِ غَطَفَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ جُهَيْنَةَ ، وَجُهَيْنَةُ : وَهُوَ ابْنُ سُودِ بْنِ أَسْلُمَ بِضَمّ اللّامِ ابْنِ الْحَافّ بْنِ قُضَاعَةَ ، قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ : عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ حَلِيفِ بَنِي مَالِكِ بْنِ النّجّارِ مَاتَ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ قَدّمَهَا . فَلَمّا اسْتَقْبَلَ الصّفْرَاءَ ، وَهِيَ قَرْيَةٌ بَيْنَ جَبَلَيْنِ سَأَلَ عَنْ جَبَلَيْهِمَا مَا اسْمَاهُمَا ؟ فَقَالُوا : يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا ، هَذَا مُسْلِحٌ ، وَلِلْآخَرِ هَذَا مُخْرِئٌ وَسَأَلَ عَنْ أَهْلِهِمَا ، فَقِيلَ بَنُو النّارِ وَبَنُو حِرَاقٍ ، بَطْنَانِ مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَكَرِهَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُرُورُ بَيْنَهُمَا ، وَتَفَاءَلَ بِأَسْمَائِهِمَا وَأَسْمَاءِ أَهْلِهِمَا . فَتَرَكَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالصّفْرَاءَ بِيَسَارِ وَسَلَكَ ذَاتَ الْيَمِينِ عَلَى وَادٍ يُقَالُ لَهُ ذَفْرَانُ ، فَجَزَعَ فِيهِ ثُمّ نَزَلَ .Sالتّطَيّرُ وَكَرَاهِيَةُ الِاسْمِ الْقَبِيحِ
[ ص 57 ] وَذَكَرَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مَرّ بِجَبَلَيْنِ فَسَأَلَ عَلَى اسْمَيْهِمَا ، فَقِيلَ لَهُ أَحَدُهُمَا مُسْلِحٌ وَالْآخَرُ مُخْرِئٌ ، فَعَدَلَ عَنْ طَرِيقِهِمَا ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ بَابِ الطّيَرَةِ الّتِي نَهَى عَنْهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَلَكِنْ مِنْ بَابِ كَرَاهِيَةِ الِاسْمِ الْقَبِيحِ فَقَدْ كَانَ عَلَيْهِ السّلَامُ يَكْتُبُ إلَى أُمَرَائِهِ " إذَا أَبَرَدْتُمْ إلَيّ بَرِيدًا فَاجْعَلُوهُ حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الِاسْمِ " ، ذَكَرَهُ الْبَزّارُ مِنْ طَرِيقِ بُرَيْدَةَ وَقَدْ قَالَ فِي لِقْحَةٍ مَنْ يَحْلُبُ هَذِهِ ؟ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ أَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " مَا اسْمُك ؟ فَقَالَ مُرّةُ فَقَالَ " اُقْعُدْ " ، حَتّى قَالَ آخِرُهُمْ اسْمِي : يَعِيشُ قَالَ اُحْلُبْ . اخْتَصَرْت الْحَدِيثَ وَفِيهِ زِيَادَةٌ رَوَاهَا ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ فَقَامَ عُمَرُ فَقَالَ لَا أَدْرِي أَقُولُ أَمْ أَسْكُتُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " قُلْ " ، فَقَالَ لَهُ قَدْ كُنْت نَهَيْتنَا عَنْ التّطَيّرِ فَقَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا تَطَيّرْت ، وَلَكِنّي آثَرْت الِاسْمَ الْحَسَنَ أَوْ كَمَا قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ . وَقَدْ أَمْلَيْت فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْمُوَطّإِ فِي الشّؤْمِ وَأَنّهُ إنْ كَانَ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدّارِ تَحْقِيقًا وَبَيَانًا شَافِيًا لِمَعْنَاهُ وَكَشَفَا عَنْ فِقْهِهِ لَمْ أَرَ أَحَدًا - وَالْحَمْدُ لِلّهِ - سَبَقَنِي إلَى مِثْلِهِ .
جَبَلَا مُسْلِحٍ وَمُخْرِئٍ
وَهَذَا الْجَبَلَانِ لِتَسْمِيَتِهِمَا بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ سَبَب ، وَهُوَ أَنّ عَبْدًا لِبَنِي غِفَارٍ كَانَ يَرْعَى بِهِمَا غَنَمًا لِسَيّدِهِ فَرَجَعَ ذَاتَ يَوْمٍ عَنْ الْمَرْعَى ، فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ لِمَ رَجَعْت ؟ فَقَالَ إنّ هَذَا الْجَبَلَ مُسْلِحٌ لِلْغَنَمِ وَإِنّ هَذَا الْآخَرَ مُخْرِئٌ ، فَسُمّيَا بِذَلِكَ . وَجَدْت ذَلِكَ بِخَطّ الشّيْخِ الْحَافِظِ فِيمَا نُقِلَ عَنْ الْوَقْشِيّ .

قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَالْمِقْدَادِ فِي الْجِهَادِ
[ ص 58 ] وَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ قُرَيْشٍ بِمَسِيرِهِمْ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ فَاسْتَشَارَ النّاسَ وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ قُرَيْشٍ ، فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ . ثُمّ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ ، فَقَالَ وَأَحْسَنُ ثُمّ قَامَ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ امْضِ لِمَا أَرَاك اللّهُ فَنَحْنُ مَعَك ، وَاَللّهِ لَا نَقُولُ لَك كَمَا قَالَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ لِمُوسَى : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ . وَلَكِنْ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّك فَقَاتِلَا إنّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ سِرْت بِنَا إلَى بَرْكِ الْغُمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَك مِنْ دُونِهِ حَتّى تَبْلُغَهُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " خَيْرًا " ، وَدَعَا لَهُ
الرّسُولُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَسْتَشِيرُ الْأَنْصَارَ
ثُمّ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَشِيرُوا عَلَيّ أَيّهَا النّاسُ . وَإِنّمَا يُرِيدُ الْأَنْصَارُ ، وَذَلِكَ أَنّهُمْ عَدَدُ النّاسِ وَأَنّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ بِالْعُقْبَةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ إنّا بُرَآءُ مِنْ ذِمَامِك حَتّى تَصِلَ إلَى دِيَارِنَا ، فَإِذَا وَصَلْت إلَيْنَا ، فَأَنْتَ فِي ذِمّتِنَا نَمْنَعُك مِمّا نَمْنَعُ مَعَهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا . فَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَتَخَوّفُ أَلّا تَكُونَ الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نَصْرَهُ إلّا مِمّنْ دَهَمَهُ بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوّهِ وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إلَى عَدُوّ مِنْ بِلَادِهِمْ . فَلَمّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : وَاَللّهِ لَكَأَنّك تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ أَجَلْ قَالَ لَقَدْ آمَنّا بِك وَصَدّقْنَاك ، وَشَهِدْنَا أَنّ مَا جِئْت بِهِ هُوَ الْحَقّ ، وَأَعْطَيْنَاك عَلَى ذَلِكَ عُهُودِنَا وَمَوَاثِيقِنَا ، عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ فَامْضِ يَا رَسُولَ اللّهِ لِمَا أَرَدْت فَنَحْنُ مَعَك ، فَوَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَوْ اسْتَعْرَضْت بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْته لَخُضْنَاهُ مَعَك ، مَا تَخَلّفَ مِنّا رَجُلٌ وَاحِدٌ وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوّنَا غَدًا ، إنّا لَصُبُرٌ فِي الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللّقَاءِ . لَعَلّ اللّهَ يُرِيك مِنّا مَا تَقُرّ بِهِ عَيْنُك ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللّهِ . فَسُرّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَوْلِ سَعْدٍ وَنَشّطَهُ ذَلِكَ ثُمّ قَالَ سِيرُوا وَأَبْشِرُوا ، فَإِنّ اللّهَ تَعَالَى قَدْ وَعَدَنِي إحْدَى الطّائِفَتَيْنِ وَاَللّهِ لَكَأَنّي الْآنَ أَنْظُرُ إلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ .
Sبَرْكُ الْغُمَادِ
[ ص 58 ] وَذَكَرَ قَوْلَ الْمِقْدَادِ : وَلَوْ بَلَغْت بِنَا بَرْكَ الْغُمَادِ ، وَجَدْت فِي بَعْضِ كُتُبِ التّفْسِيرِ أَنّهَا مَدِينَةُ الْحَبَشَةِ .

تَفَرّقُ أَخْبَارِ قُرَيْشٍ
[ ص 59 ] ُثمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ ذَافِرَانَ فَسَلَكَ عَلَى ثَنَايَا يُقَالُ لَهَا الْأَصَافِرُ ثُمّ انْحَطّ مِنْهَا إلَى بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ الدّبّةُ وَتَرَك الْحَنّانَ بِيَمِينِ وَهُوَ كَثِيبٌ عَظِيمٌ كَالْجَبَلِ الْعَظِيمِ ثُمّ نَزَلَ قَرِيبًا مِنْ بَدْرٍ فَرَكِبَ هُوَ وَرَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الرّجُلُ هُوَ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَمَا حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ حِبّانَ : حَتّى وَقَفَ عَلَى شَيْخٍ مِنْ الْعَرَبِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ قُرَيْشٍ ، وَعَنْ مُحَمّدٍ وَأَصْحَابِهِ وَمَا بَلَغَهُ عَنْهُمْ فَقَالَ الشّيْخُ لَا أُخْبِرُكُمَا حَتّى تُخْبِرَانِي مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذَا أَخْبَرْتنَا أَخْبَرْنَاك ، قَالَ أَذَاكَ بِذَاكَ ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ الشّيْخُ فَإِنّهُ بَلَغَنِي أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ صَدَقَ الّذِي أَخْبَرَنِي ، فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا ، لِلْمَكَانِ الّذِي بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَبَلَغَنِي أَنّ قُرَيْشًا خَرَجُوا يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ، فَإِنْ كَانَ الّذِي أَخْبَرَنِي صَدَقَنِي فَهُمْ الْيَوْمَ بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمَكَانِ الّذِي فِيهِ قُرَيْشٌ . فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خَبَرِهِ قَالَ مِمّنْ أَنْتُمَا ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نَحْنُ مِنْ مَاءٍ ثُمّ انْصَرَفَ عَنْهُ . قَالَ يَقُولُ الشّيْخُ مَا مِنْ مَاءٍ أَمِنْ مَاءِ الْعِرَاقِ ؟ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ ذَلِكَ الشّيْخُ سُفْيَانُ الضّمْرِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى أَصْحَابِهِ فَلَمّا أَمْسَى بَعَثَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ ، وَالزّبَيْرَ بْنَ الْعَوّامِ ، وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ إلَى مَاءِ بَدْرٍ يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ لَهُ عَلَيْهِ - كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ - فَأَصَابُوا رَاوِيَةً لِقُرَيْشِ فِيهَا أَسْلَمُ غُلَامُ بَنِي الْحَجّاجِ وَعَرِيضٌ أَبُو يَسَارٍ ، غُلَامُ بَنِي الْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ فَأَتَوْا بِهِمَا فَسَأَلُوهُمَا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَائِمٌ يُصَلّي ، فَقَالَا : نَحْنُ سُقَاةُ قُرَيْشٍ ، بَعَثُونَا نَسْقِيهِمْ مِنْ الْمَاءِ فَكَرِهَ الْقَوْمُ خَبَرَهُمَا ، وَرَجَوْا أَنْ يَكُونَا لِأَبِي سُفْيَانَ فَضَرَبُوهُمَا . فَلَمّا أَذْلَقُوهُمَا قَالَا : نَحْنُ لِأَبِي سُفْيَانَ فَتَرَكُوهُمَا . وَرَكَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْهِ ثُمّ [ ص 60 ] وَقَالَ إذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا ، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا ، صَدَقَا وَاَللّهِ إنّهُمَا لِقُرَيْشِ أَخْبَرَانِي عَنْ قُرَيْشٍ ؟ قَالَا : هُمْ وَاَللّهِ وَرَاءَ هَذَا الْكَثِيبِ الّذِي تَرَى بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالْكَثِيبِ الْعَقَنْقَلُ - فَقَالَ لَهُمَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَمْ الْقَوْمُ ؟ قَالَا : كَثِيرٌ قَالَ مَا عِدّتُهُمْ ؟ قَالَا : لَا نَدْرِي ، قَالَ كَمْ يَنْحَرُونَ كُلّ يَوْمٍ ؟ قَالَا : يَوْمًا تِسْعًا ، وَيَوْمًا عَشْرًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْقَوْمُ فِيمَا بَيْنَ التّسْعِمِائَةِ وَالْأَلْفِ . ثُمّ قَالَ لَهُمَا : فَمَنْ فِيهِمْ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ؟ قَالَا : عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَسُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ وُدّ . فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ هَذِهِ مَكّةُ قَدْ أَلْقَتْ إلَيْكُمْ أَفْلَاذ كَبِدِهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ بَسْبَسُ بْنُ عَمْرٍو ، وَعَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ قَدْ مَضَيَا حَتّى نَزَلَا بَدْرًا ، فَأَنَاخَا إلَى تَلّ قَرِيبٍ مِنْ الْمَاءِ ثُمّ أَخَذَا شَنّا لَهُمَا يَسْتَقِيَانِ فِيهِ وَمَجْدِيّ بْنُ عَمْرٍو الْجُهَنِيّ عَلَى الْمَاءِ فَسَمِعَ عَدِيّ وَبَسْبَسٌ جَارِيَتَيْنِ مِنْ جِوَارِي الْحَاضِرِ وَهُمَا يَتَلَازَمَانِ عَلَى الْمَاءِ وَالْمَلْزُومَةُ تَقُولُ لِصَاحِبَتِهَا : إنّمَا تَأْتِي الْعِيرُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَد ، فَأَعْمَلُ لَهُمْ ثُمّ أُفْضِيك الّذِي لَك . قَالَ مَجْدِيّ : صَدَقْت ثُمّ خَلّصَ بَيْنَهُمَا . وَسَمِعَ ذَلِكَ عَدِيّ وَبَسْبَسٌ فَجَلَسَا عَلَى بَعِيرَيْهِمَا ، ثُمّ انْطَلَقَا حَتّى أَتَيَا رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرَاهُ بِمَا سَمِعَا .
Sتَعْوِيرُ قُلَبِ الْمُشْرِكِينَ
[ ص 59 ] وَذَكَرَ الْقُلَبَ الّتِي احْتَفَرَهَا الْمُشْرِكُونَ لِيَشْرَبُوا مِنْهَا ، قَالَ فَأَمَرَ بِتِلْكَ الْقُلُبِ فَعُوّرَتْ وَهِيَ كَلِمَةٌ نَبِيلَةٌ وَذَلِكَ أَنّ الْقَلْبَ لَمّا كَانَ عَيْنًا جَعَلَهَا كَعَيْنِ الْإِنْسَانِ وَيُقَالُ فِي عَيْنِ الْإِنْسَانِ عُرْتهَا فَعَارَتْ وَلَا يُقَالُ عَوّرْتهَا ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْقُلُبِ عُوّرَتْ بِسُكُونِ الْوَاوِ [ ص 60 ] رَدّ الْفِعْلَ لِمَا لَمْ يُسَمّ فَاعِلُهُ ضُمّتْ الْعَيْنُ فَجَاءَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ قُوّلَ الْقَوْلُ وَبُوعَ الْمَتَاعُ وَهِيَ لُغَةُ هُذَيْلِ وَبَنِيّ دُبَيْرٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَبَنِيّ فَقُعِسَ وَبَنُو دُبَيْرٍ هُوَ تَصْغِيرُ أَدْبَرَ عَلَى التّرْخِيمِ وَإِنْ كَانَتْ لُغَةً رَدِيئَةً فَقَدْ حَسُنَتْ هُنَا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى لَفْظِ الْوَاوِ إذْ لَوْ قَالُوا : عِيرَتْ فَأُمِيتَتْ الْوَاو ، لَمْ " يُعْرَفْ أَنّهُ مِنْ الْعَوَرِ إلّا بَعْدَ نَظَرٍ كَمَا حَافَظُوا فِي جَمْعِ عِيدٍ عَلَى لَفْظِ الْيَاءِ فِي عِيدٍ فَقَالُوا : أَعْيَادٌ وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ الّذِي فِي رِيحٍ وَأَرْوَاحٍ عَلَى أَنّ أَرْيَاحًا لُغَةُ بَنِي [ ص 61 ] أَسَدٍ كَيْ لَا تَذْهَبَ مِنْ اللّفْظِ الدّلَالَةُ عَلَى مَعْنَى الْعَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعَوْدَةِ وَقِسْ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَصِحّةِ الْوَاوِ فِيهِ وَكَمَا حَافَظُوا عَلَى الضّمّةِ فِي سُبّوحٍ وَقُدّوسٍ وَقِيَاسُهُ أَنْ يَكُونَ عَلَى فَعّولٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ كَتَنّومِ وَشَبّوطٍ وَبَابِهِ وَلَكِنْ حَافِظُوا عَلَى الضّمّتَيْنِ لِيَسْلَمَ لَفْظُ الْقُدُسِ وَالسّبُحَاتِ وَسُبْحَانَ اللّهِ يَسْتَشْعِرُ الْمُتَكَلّمُ بِهَذَيْنِ الِاسْمَيْنِ مَعْنَى الْقُدُسِ ، وَمَعْنَى سُبْحَانَ مِنْ أَوّلِ وَهْلَةٍ وَلَمّا ذَكَرْنَاهُ كَثِيرَةٌ نَظَائِرُ يَخْرُجُنَا إيرَادُهَا عَنْ الْغَرَضِ .

نَجَاةُ أَبِي سُفْيَانَ بِالْعِيرِ
وَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ حَتّى تَقَدّمَ الْعِيرُ حَذَرًا ، حَتّى وَرَدَ الْمَاءَ فَقَالَ لِمَجْدِيّ بْنِ عَمْرٍو : هَلْ أَحْسَسْت أَحَدًا ، فَقَالَ مَا رَأَيْت أَحَدًا أَنْكَرَهُ إلّا أَنّي قَدْ رَأَيْت رَاكِبَيْنِ قَدْ أَنَاخَا إلَى هَذَا التّلّ ثُمّ اسْتَقَيَا فِي شَنّ لَهُمَا ، ثُمّ انْطَلَقَا . فَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ مُنَاخَهَا ، فَأَخَذَ مِنْ أَبْعَارِ بَعِيرَيْهِمَا ، فَفَتّهُ فَإِذَا فِيهِ النّوَى ، فَقَالَ هَذِهِ وَاَللّهِ عَلَائِفُ يَثْرِبَ . فَرَجَعَ إلَى أَصْحَابِهِ سَرِيعًا ، فَضَرَبَ وَجْهَ عِيرِهِ عَنْ الطّرِيقِ فَسَاحَلَ بِهَا ، وَتَرَكَ بَدْرًا بِيَسَارِ وَانْطَلَقَ حَتّى أَسْرَعَ .

رُؤْيَا جُهَيْمِ بْنِ الصّلْتِ
[ ص 61 ] قُرَيْشٌ ، فَلَمّا نَزَلُوا الْجُحْفَةَ ، رَأَى جُهَيْمُ بْنُ الصّلْتِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ رُؤْيَا ، فَقَالَ إنّي رَأَيْت فِيمَا يَرَى النّائِمُ وَإِنّي لَبَيْنَ النّائِمِ وَالْيَقْظَانِ . إذْ نَظَرْت إلَى رَجُلٍ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ حَتّى وَقَفَ وَمَعَهُ بَعِيرٌ لَهُ ثُمّ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنِ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَفُلَانٌ وَفُلَانٌ فَعَدّدَ رِجَالًا مِمّنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ أَشْرَافِ قُرَيْشٍ ، ثُمّ رَأَيْته ضَرَبَ فِي لَبّةِ بَعِيرِهِ ثُمّ أَرْسَلَهُ فِي الْعَسْكَرِ فَمَا بَقِيَ خِبَاءٌ مِنْ أَخْبِيَةِ الْعَسْكَرِ إلّا أَصَابَهُ نَضْحٌ مِنْ دَمِهِ . قَالَ فَبَلَغْت أَبَا جَهْلٍ فَقَالَ وَهَذَا أَيْضًا نَبِيّ آخَرُ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ سَيَعْلَمُ غَدًا مَنْ الْمَقْتُولُ إنْ نَحْنُ الْتَقَيْنَا .

كَانَ أَبُو سُفْيَانَ لَا يُرِيدُ حَرْبًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا رَأَى أَبُو سُفْيَانَ أَنّهُ قَدْ أَحْرَزَ عِيرَهُ أَرْسِلْ إلَى قُرَيْشٍ : إنّكُمْ إنّمَا خَرَجْتُمْ لِتَمْنَعُوا عِيرَكُمْ وَرِجَالَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ فَقَدْ نَجّاهَا اللّهُ فَارْجِعُوا ، فَقَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى نَرِدَ بَدْرًا - وَكَانَ بَدْرٌ مَوْسِمًا مِنْ مَوَاسِمِ الْعَرَبِ ، يَجْتَمِعُ لَهُمْ بِهِ شَوْقٌ كُلّ عَامٍ - فَنُقِيمُ عَلَيْهِ ثَلَاثًا ، فَنَنْحَرَ الْجُزُرَ وَنُطْعِمُ الطّعَامَ وَنَسْقِي الْخَمْرَ وَتَعْزِفُ عَلَيْنَا الْقِيَانُ وَتَسْمَعُ بِنَا الْعَرَبُ وَبِمَسِيرِنَا وَجَمْعِنَا ، فَلَا يَزَالُونَ يَهَابُونَنَا أَبَدًا بَعْدَهَا ، فَامْضُوا .

رُجُوعُ بَنِي زُهْرَةَ
وَقَالَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبٍ الثّقَفِيّ ، وَكَانَ حَلِيفًا لِبَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ بِالْجُحْفَةِ يَا بَنِي زُهْرَةَ قَدْ نَجّى اللّهُ لَكُمْ أَمْوَالَكُمْ وَخَلّصَ لَكُمْ صَاحِبَكُمْ مَخْرَمَةَ بْنَ نَوْفَلٍ وَإِنّمَا نَفَزْتُمْ لِتَمْنَعُوهُ وَمَالَهُ فَاجْعَلُوا لِي جُبْنَهَا وَارْجِعُوا ، فَإِنّهُ لَا حَاجَةَ لَكُمْ بِأَنْ تَخْرُجُوا فِي غَيْرِ ضَيْعَةٍ لَا مَا يَقُولُ هَذَا ، يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ فَرَجَعُوا ، فَلَمْ يَشْهَدْهَا زُهْرِيّ وَاحِدٌ أَطَاعُوهُ وَكَانَ فِيهِمْ مُطَاعًا . وَلَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ قُرَيْشٍ بَطْنٌ إلّا وَقَدْ نَفَرَ مِنْهُمْ نَاسٌ [ ص 62 ] بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرَجَعَتْ بَنُو زُهْرَةَ مَعَ الْأَخْنَسِ بْنِ شَرِيقٍ ، فَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا مِنْ هَاتَيْنِ الْقَبِيلَتَيْنِ أَحَدٌ ، وَمَشَى الْقَوْمُ . وَكَانَ بَيْنَ طَالِبِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - وَكَانَ فِي الْقَوْمِ - وَبَيْنَ بَعْضِ قُرَيْشٍ مُحَاوَرَةٌ فَقَالُوا : وَاَللّهِ لَقَدْ عَرَفْنَا يَا بَنِي هَاشِمٍ وَإِنْ خَرَجْتُمْ مَعَنَا ، أَنّ هَوَاكُمْ لَمَعَ مُحَمّدٍ فَرَجَعَ طَالِبٌ إلَى مَكّةَ مَعَ مَنْ رَجَعَ . وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ :
لَاهُمّ إمّا يَغْزُوَن طَالِبَ ... فِي عُصْبَةٍ مُحَالِفٌ مُحَارِب
فِي مِقْنَبٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقَانِب ... فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبَ غَيْرَ السّالِب
وَلِيَكُنْ الْمَغْلُوبَ غَيْرَ الْغَالِب قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ فَلْيَكُنْ الْمَسْلُوبَ وَقَوْلُهُ وَلَكِنّ الْمَغْلُوبَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ الرّوَاةِ لِلشّعْرِ .

مَنْزِلُ الْمُسْلِمِينَ وَمَنْزِلُ قُرَيْشٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَضَتْ قُرَيْشٌ حَتّى نَزَلُوا بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى مِنْ الْوَادِي ، خَلْفَ الْعَقَنْقَلِ وَبَطْنِ الْوَادِي ، وَهُوَ يَلْيَلُ ، بَيْنَ بَدْرٍ وَبَيْنَ الْعَقَنْقَلِ ، الْكَثِيبُ الّذِي خَلْفَهُ قُرَيْشٌ ، وَالْقُلُبُ بِبَدْرِ فِي الْعُدْوَةِ الدّنْيَا مِنْ بَطْنِ يَلْيَلَ إلَى الْمَدِينَةِ . وَبَعَثَ اللّهُ السّمَاءَ وَكَانَ الْوَدْيُ دَهْسًا ، فَأَصَابَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابُهُ مِنْهَا مَا لَبّدَ لَهُمْ الْأَرْضَ وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ عَنْ السّيْرِ وَأَصَابَ قُرَيْشًا مِنْهَا مَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَرْتَحِلُوا مَعَهُ . فَخَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُبَادِرُهُمْ إلَى الْمَاءِ حَتّى إذَا جَاءَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ بَدْرٍ نَزَلَ بِهِ .

مَشُورَةُ الْحُبَابِ
[ ص 63 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحُدّثْت عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ أَنّهُمْ ذَكَرُوا : أَنّ الْحُبَابَ بْنَ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَرَأَيْت هَذَا الْمَنْزِلَ أَمَنْزِلًا أَنْزَلَكَهُ اللّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدّمَهُ وَلَا نَتَأَخّرَ عَنْهُ أَمْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ ؟ قَالَ بَلْ هُوَ الرّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَإِنّ هَذَا لَيْسَ بِمَنْزِلِ فَانْهَضْ بِالنّاسِ حَتّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ ، فَنَنْزِلَهُ ثُمّ نُعَوّرَ مَا وَرَاءَهُ مِنْ الْقُلُبِ ثُمّ نَبْنِيَ عَلَيْهِ حَوْضًا فَنَمْلَؤُهُ مَاءً ثُمّ نُقَاتِلَ الْقَوْمَ فَنَشْرَبَ وَلَا يَشْرَبُونَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " لَقَدْ أَشَرْت بِالرّأْيِ . فَنَهَضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ النّاسِ فَسَارَ حَتّى إذَا أَتَى أَدُنَى مَاءٍ مِنْ الْقَوْمِ نَزَلَ عَلَيْهِ ثُمّ أَمَرَ بِالْقُلُبِ فَعُوّرَتْ وَبَنَى حَوْضًا عَلَى الْقَلِيبِ الّذِي نَزَلَ عَلَيْهِ فَمُلِئَ مَاءً ثُمّ قَذَفُوا فِيهِ الْآنِيَةَ .

بِنَاءُ الْعَرِيشِ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَ أَنّ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ قَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ أَلَا نَبْنِي لَك عَرِيشًا تَكُونُ فِيهِ نُعِدّ عِنْدَك رَكَائِبَك ، ثُمّ نَلْقَى عَدُوّنَا ، فَإِنْ أَعَزّنَا اللّهُ وَأَظْهَرَنَا عَلَى عَدُوّنَا ، كَانَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَا ، وَإِنْ كَانَتْ الْأُخْرَى ، جَلَسَتْ عَلَى رَكَائِبِك ، فَلَحِقَتْ بِمَنْ وَرَاءَنَا ، فَقَدْ تَخَلّفَ عَنْك أَقْوَامٌ يَا نَبِيّ اللّهِ مَا نَحْنُ بِأَشَدّ لَك حُبّا مِنْهُمْ وَلَوْ ظَنّوا أَنّك تَلْقَى حَرْبًا مَا تَخَلّفُوا عَنْك ، يَمْنَعُك اللّهُ بِهِمْ يُنَاصِحُونَكَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَك : فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْرًا ، وَدَعَا لَهُ بِخَيْرِ . ثُمّ بُنِيَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَرِيشٌ فَكَانَ فِيهِ .

ارْتِحَالُ قُرَيْشٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ ارْتَحَلَتْ قُرَيْشٌ حِينَ أَصْبَحَتْ فَأَقْبَلَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تُصَوّبُ مِنْ الْعَقَنْقَلِ ، - وَهُوَ الْكَثِيبُ الّذِي جَاءُوا مِنْهُ إلَى الْوَادِي - قَالَ اللّهُمّ هَذِهِ قُرَيْشٌ قَدْ أَقْبَلَتْ بِخُيَلَائِهَا وَفَخْرِهَا ، تُحَادّك وَتُكَذّبُ رَسُولَك ، اللّهُمّ فَنَصْرُك الّذِي وَعَدْتنِي ، اللّهُمّ أَحِنْهُمْ الْغَدَاةَ . وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ( وَقَدْ ) رَأَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فِي الْقَوْمِ عَلَى جَمْلٍ لَهُ أَحْمَرَ - إنْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْ الْقَوْمِ خَيْرٌ فَعِنْدَ صَاحِبِ الْجَمَلِ الْأَحْمَرِ إنْ يُطِيعُوهُ يَرْشُدُوا . [ ص 64 ] كَانَ خُفَافُ بْنُ أَيْمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ الْغِفَارِيّ ، أَوْ أَبُوهُ أَيْمَاءُ بْنُ رَحْضَةَ الْغِفَارِيّ ، بَعَثَ إلَى قُرَيْشٍ ، حِينَ مَرّوا بِهِ ابْنًا لَهُ بِجَزَائِرِهِ أَهْدَاهَا لَهُمْ وَقَالَ إنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ نَمُدّكُمْ بِسِلَاحِ وَرِجَالٍ فَعَلْنَا . قَالَ فَأَرْسَلُوا إلَيْهِ مَعَ ابْنِهِ أَنْ وَصَلَتْك رَحِمٌ قَدْ قَضَيْت الّذِي عَلَيْك ، فَلَعَمْرِي لَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلْ النّاسَ فَمَا بِنَا مِنْ ضَعْفٍ عَنْهُمْ وَلَئِنْ كُنّا إنّمَا نُقَاتِلُ اللّهَ كَمَا يَزْعُمُ مُحَمّدٌ فَمَا لِأَحَدِ بِاَللّهِ مِنْ طَاقَةٍ . فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ حَتّى وَرَدُوا حَوْضَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِمْ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " دَعُوهُمْ " . فَمَا شَرِبَ مِنْهُ رَجُلٌ يَوْمَئِذٍ إلّا قُتِلَ إلّا مَا كَانَ مِنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ ، فَإِنّهُ لَمْ يَقْتُلْ ثُمّ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ . فَكَانَ إذَا اجْتَهَدَ فِي يَمِينِهِ قَالَ لَا وَاَلّذِي نَجّانِي مِنْ يَوْمِ بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : لَمّا اطْمَأَنّ الْقَوْمُ بَعَثُوا عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ فَقَالُوا : احْزُرْ لَنَا أَصْحَابَ مُحَمّدٍ قَالَ فَاسْتَجَالَ بِفَرَسِهِ حَوْلَ الْعَسْكَرِ ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ ثَلَاثُ مِائَةِ رَجُلٍ يَزِيدُونَ قَلِيلًا أَوْ يَنْقُصُونَ وَلَكِنْ أَمْهِلُونِي حَتّى أَنْظُرَ أَلِلْقَوْمِ كَمِينٌ أَوْ مَدَدٌ ؟ قَالَ فَضَرَبَ فِي الْوَادِي حَتّى أُبْعِدَ فَلَمْ يَرَ شَيْئًا ، فَرَجَعَ إلَيْهِمْ فَقَالَ مَا وَجَدْت شَيْئًا ، وَلَكِنّي قَدْ رَأَيْت ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، الْبَلَايَا تَحْمِلُ الْمَنَايَا ، نَوَاضِحُ يَثْرِبَ تَحْمِلُ الْمَوْتَ النّاقِعَ قَوْمٌ لَيْسَ مَعَهُمْ مَنَعَةٌ وَلَا مَلْجَأٌ إلّا سُيُوفُهُمْ وَاَللّهِ مَا أَرَى أَنْ يَقْتُلَ رَجُلٌ مِنْهُمْ حَتّى يَقْتُلَ رَجُلًا مِنْكُمْ فَإِذَا أَصَابُوا مِنْكُمْ أَعْدَادَهُمْ فَمَا خَيْرُ الْعَيْشِ بَعْدَ ذَلِكَ ؟ فَرَوْا رَأْيَكُمْ . فَلَمّا سَمِعَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ ذَلِكَ مَشَى فِي النّاسِ فَأَتَى عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيدِ إنّك كَبِيرُ قُرَيْشٍ وَسَيّدُهَا ، وَالْمُطَاعُ فِيهَا ، هَلْ لَك إلَى أَنْ لَا تَزَالَ تَذْكُرُ فِيهَا بِخَيْرِ إلَى آخِرِ الدّهْرِ ؟ قَالَ وَمَا ذَاكَ يَا حَكِيمُ ؟ قَالَ تَرْجِعُ بِالنّاسِ وَتَحْمِلُ أَمْرَ حَلِيفِك عَمْرِو بْنِ الْحَضْرَمِيّ ، قَالَ قَدْ فَعَلْت ، أَنْتَ عَلَيّ بِذَلِكَ إنّمَا هُوَ حَلِيفِي ، فَعَلَيّ عَقْلُهُ وَمَا أُصِيبَ مِنْ مَالِهِ فَأْتِ ابْنَ الْحَنْظَلِيّةِ .
نَسَبُ الْحَنْظَلِيّةِ
[ ص 65 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالْحَنْظَلِيّةُ أُمّ أَبِي جَهْلٍ هِيَ أَسْمَاءُ بِنْتُ مُخَرّبَةَ أَحَدِ بَنِي نَهْشِلْ بْنِ دَارِمَ بْنِ مَالِكِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ - فَإِنّي لَا أَخْشَى أَنْ يَشْجُرَ أَمْرَ النّاسِ غَيْرُهُ يَعْنِي أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ . ثُمّ قَامَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ خَطِيبًا ، فَقَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، إنّكُمْ وَاَللّهِ مَا تَصْنَعُونَ بِأَنْ تَلْقَوْا مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ شَيْئًا ، وَاَللّهِ لَئِنْ أَصَبْتُمُوهُ لَا يَزَالُ الرّجُلُ يَنْظُرُ فِي وَجْهِ رَجُلٍ يَكْرَهُ النّظَرَ إلَيْهِ قَتَلَ ابْنَ عَمّهِ أَوْ ابْنَ خَالِهِ أَوْ رَجُلًا مِنْ عَشِيرَتِهِ فَارْجِعُوا وَخَلّوا بَيْنَ مُحَمّدٍ وَبَيْنَ سَائِرِ الْعَرَبِ ، فَإِنْ أَصَابُوا فَذَاكَ الّذِي أَرَدْتُمْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَلْفَاكُمْ وَلَمْ تَعَرّضُوا مِنْهُ مَا تُرِيدُونَ . قَالَ حَكِيمٌ فَانْطَلَقْت حَتّى جِئْت أَبَا جَهْلٍ وَجَدْته قَدْ نَثَلَ دُرْعًا لَهُ مِنْ جِرَابِهَا ، فَهُوَ يَهْنِئُهَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُهَيّئُهَا - فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا الْحَكَمِ إنّ عُتْبَةَ أَرْسَلَنِي إلَيْك بِكَذَا وَكَذَا ، لِلّذِي قَالَ فَقَالَ انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ حِينَ رَأَى مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ كَلّا وَاَللّهِ لَا نَرْجِعُ حَتّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مُحَمّدٍ وَمَا بِعُتْبَةَ مَا قَالَ وَلَكِنّهُ قَدْ رَأَى أَنّ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ أَكْلَةُ جَزُورٍ وَفِيهِمْ ابْنُهُ فَقَدْ تَخَوّفَكُمْ عَلَيْهِ . ثُمّ بَعَثَ إلَى عَامِرِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ ، فَقَالَ هَذَا حَلِيفُك يُرِيدُ أَنْ يَرْجِعَ بِالنّاسِ وَقَدْ رَأَيْت ثَأْرَك بِعَيْنِك ، فَقُمْ فَأَنْشِدْ خُفْرَتَكَ وَمَقْتَلَ أَخِيك . فَقَامَ عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَاكْتَشَفَ ثُمّ صَرَخَ وَا عَمْرَاهُ وَا عَمْرَاهُ . فَحَمِيَتْ الْحَرْبُ وَحَقِبَ النّاسُ وَاسْتَوْسَقُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ الشّرّ وَأُفْسِدَ عَلَى النّاسِ الرّأْيُ الّذِي دَعَاهُمْ إلَيْهِ عُتْبَةُ . فَلَمّا بَلَغَ عُتْبَةُ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ " انْتَفَخَ وَاَللّهِ سَحْرُهُ " ، قَالَ سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَقَخَ سَحْرُهُ أَنَا أَمْ هُوَ ؟ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّحْرُ الرّئَةُ وَمَا حَوْلَهَا مِمّا يَعْلَقُ بِالْحُلْقُومِ مِنْ فَوْقِ السّرّةِ . وَمَا كَانَ تَحْتَ السّرّةِ فَهُوَ الْقُصْبُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ رَأَيْت عَمْرَو بْنَ لُحَيّ يَجُرّ قُصْبَهُ فِي النّارِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي بِذَلِكَ أَبُو عُبَيْدَةَ . [ ص 66 ] عُتْبَةُ بَيْضَةً لِيُدْخِلَهَا فِي رَأْسِهِ فَمَا وَجَدَ فِي الْجَيْشِ بَيْضَةً تَسَعُهُ مِنْ عِظَمِ هَامَتِهِ فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ اعْتَجَرَ عَلَى رَأْسِهِ بِبُرْدِ لَهُ .
Sتَفْسِيرُ كَلِمَاتٍ
[ ص 62 ] وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي جَهْلٍ قُمْ فَانْشُدْ خُفْرَتَكَ أَيْ اُطْلُبْ مِنْ قُرَيْشٍ الْوَفَاءَ بِخُفْرَتِهِمْ لَك ، لِأَنّهُ كَانَ حَلِيفًا لَهُمْ وَجَارًا ، يُقَال : خَفَرْت الرّجُلَ خُفْرَةً إذَا أَجَرْته ، وَالْخَفِيرُ . الْمُجِيرُ . قَالَ [ عَدِيّ بْنُ زَيْدٍ ] الْعِبَادِيّ .
مَنْ رَأَيْت الْأَيّامَ خَلّدْنَ أَمْ مَنْ ... ذَا عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يُضَامَ خَفِيرُ
[ ص 63 ] يُقَالُ حَقِبَ الْأَمْرُ إذَا اشْتَدّ وَضَاقَتْ فِيهِ الْمَسَالِكُ وَهُوَ مُسْتَعَارٌ مِنْ حَقِبَ الْبَعِيرُ إذَا اشْتَدّ عَلَيْهِ الْحَقَبُ وَهُوَ الْحِزَامُ الْأَسْفَلُ وَرَاغَ حَتّى يَبْلُغَ ثِيلَهُ فَضَاقَ عَلَيْهِ مَسْلَكُ الْبَوْلِ [ ص 64 ] عُتْبَةَ فِي أَبِي جَهْلٍ سَيَعْلَمُ مُصَفّرُ اسْتِهِ مَنْ انْتَفَخَ سَحْرُهُ . السّحْرُ وَالسّحْرُ الرّئَةُ وَالسّحَرُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْحَاءِ وَهُوَ قِيَاسٌ مَنْ كُلّ اسْمٍ عَلَى فَعْلٍ إذَا كَانَ عَيْنُ الْفِعْلِ حَرْفَ حَلْقٍ أَنْ يَجُوزَ فِيهِ الْفَتْحُ فَيُقَالُ فِي الدّهْرِ الدّهَرُ وَفِي اللّحْمِ اللّحَمُ حَتّى قَالُوا فِي النّحْوِ النّحَوُ ذَكَرَهَا ابْنُ جِنّي ، وَلَمْ يَعْتَمِدُوا عَلَى هَذَا التّحْرِيكِ الّذِي مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ لَمَا كَانَ لِعِلّةِ فَلَمْ يَقْلِبُوا الْوَاوَ مِنْ أَجْلِهِ أَلِفًا حِينَ قَالُوا : النّحَوُ وَالزّهَدُ وَلَوْ اعْتَدّوا بِالْفَتْحَةِ لَقَلَبُوا الْوَاو [ ص 65 ] كَانَ الْفَتْحُ فِيهِ مِنْ أَجْلِ حَرْفِ الْحَلْقِ وَلَوْ اعْتَدّوا بِهِ لَرَدّوا الْوَاوَ فَقَالُوا : يُوضَعُ وَيُوهَبُ كَمَا قَالُوا : يَوْجَلُ .
مَنْ قَائِلٌ أَبِي عُذْرِهَا وَمَا دَاءُ أَبِي جَهْلٍ
[ ص 66 ] عُتْبَةُ وَلَا هُوَ بِأَبِي عُذْرِهَا ، قَدْ قِيلَتْ قَبْلَهُ لِقَابُوسِ بْنِ النّعْمَانِ أَوْ لِقَابُوسِ بْنِ الْمُنْذِرِ لِأَنّهُ كَانَ مُرَفّهًا لَا يَغْزُو فِي الْحُرُوبِ فَقِيلَ لَهُ مُصَفّرُ اسْتِهِ يُرِيدُونَ صُفْرَةَ الْخُلُوقِ وَالطّيبِ وَقَدْ قَالَ هَذِهِ الْكَلِمَةَ قَيْسُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي حُذَيْفَةَ يَوْمَ الْهَبَاءَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إنّ حُذَيْفَةَ كَانَ مَسْتُوهًا ، فَإِذَا لَا يَصِحّ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي أَبِي جَهْلٍ مِنْ قَوْلِ عُتْبَةَ فِيهِ هَذِهِ الْكَلِمَةَ إنّهُ كَانَ مَسْتُوهًا وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَسَادَةُ الْعَرَبِ لَا تَسْتَعْمِلُ الْخُلُوقَ وَالطّيبَ إلّا فِي الدّعَةِ وَالْخَفْضِ وَتَعِيبُهُ فِي الْحَرْبِ أَشَدّ الْعَيْبِ وَأَحْسِبُ أَنّ أَبَا جَهْلٍ لَمّا سَلِمَتْ الْعِيرُ وَأَرَادَ أَنْ يَنْحَرَ الْجَزُورَ وَيَشْرَبَ الْخَمْرَ بِبَدْرِ وَتَعْزِفَ عَلَيْهِ الْقِيَانُ بِهَا اسْتَعْمَلَ الطّيبَ أَوْ هَمّ بِهِ فَلِذَلِكَ قَالَ لَهُ عُتْبَةُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِ الشّاعِرِ فِي بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ جَهْلٍ أَبُو جَهْلٍ أَخُوكُمْ ... غَزَا بَدْرًا بِمِجْمَرَةِ وَتَوْرِ
[ ص 67 ] أَرَادَ مُصَفّرَ بَدَنِهِ وَلَكِنّهُ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي الذّمّ فَخَصّ مِنْهُ بِالذّكْرِ مَا يَسُوءُهُ أَنْ يَذْكُرَ .

مَقْتَلُ الْأَسْوَدِ الْمَخْزُومِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ خَرَجَ الْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ الْمَخْزُومِيّ ، وَكَانَ رَجُلًا شَرِسًا سَيّئَ الْخُلُقِ فَقَالَ أُعَاهِدُ اللّهَ لَأَشْرَبَن مِنْ حَوْضِهِمْ أَوْ لَأَهْدِمَنهُ أَوْ لَأَمُوتَن دُونَهُ فَلَمّا خَرَجَ خَرَجَ إلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، فَلَمّا الْتَقَيَا ضَرَبَهُ حَمْزَةُ فَأَطَنّ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ وَهُوَ دُونَ الْحَوْضِ فَوَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ تَشْخَبُ رِجْلُهُ دَمًا نَحْوَ أَصْحَابِهِ ثُمّ حَبَا إلَى الْحَوْضِ حَتّى اقْتَحَمَ فِيهِ يُرِيدُ ( زَعَمَ ) - أَنْ يَبَرّ يَمِينَهُ وَأَتْبَعَهُ حَمْزَةُ فَضَرَبَهُ حَتّى قَتَلَهُ فِي الْحَوْضِ .

دُعَاءُ عُتْبَةَ إلَى الْمُبَارَزَةِ
قَالَ ثُمّ خَرَجَ بَعْدَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، بَيْنَ أَخِيهِ شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَابْنِهِ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ ، حَتّى إذَا فَصَلَ مِنْ الصّفّ دَعَا إلَى الْمُبَارَزَةِ فَخَرَجَ إلَيْهِ فِتْيَةٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ثَلَاثَةٌ وَهُمْ عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ - وَأُمّهُمَا عَفْرَاءُ - وَرَجُلٌ آخَرُ يُقَالُ هُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، فَقَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ فَقَالُوا : رَهْطٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، قَالُوا : مَا لَنَا بِكُمْ مِنْ حَاجَةٍ ثُمّ نَادَى مُنَادِيهِمْ يَا مُحَمّدُ أَخْرِجْ إلَيْنَا أَكْفَاءَنَا مِنْ قَوْمِنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قُمْ يَا عُبَيْدَةُ بْنَ الْحَارِثِ ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ وَقُمْ يَا عَلِيّ فَلَمّا قَامُوا دَنَوْا مِنْهُمْ قَالُوا : مَنْ أَنْتُمْ ؟ قَالَ عُبَيْدَةُ عُبَيْدَةُ وَقَالَ حَمْزَةُ حَمْزَةُ وَقَالَ عَلِيّ : عَلِيّ ، قَالُوا : نَعَمْ أَكْفَاءٌ كِرَامٌ . فَبَارَزَ عُبَيْدَةُ [ ص 67 ] وَكَانَ أَسَنّ الْقَوْمِ عُتْبَةَ ( بْنَ ) رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ حَمْزَةُ شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَبَارَزَ عَلِيّ الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ . فَأَمّا حَمْزَةُ فَلَمْ يُمْهِلْ شَيْبَةَ أَنْ قَتَلَهُ ؟ وَأَمّا عَلِيّ فَلَمْ يُمْهِلْ الْوَلِيدَ أَنْ قَتَلَهُ وَاخْتَلَفَ عُبَيْدَةُ وَعُتْبَةُ بَيْنَهُمَا ضَرْبَتَيْنِ كِلَاهُمَا أَثْبَتَ صَاحِبَهُ وَكَرّ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بِأَسْيَافِهِمَا عَلَى عُتْبَةَ فَذَفّفَا عَلَيْهِ وَاحْتَمَلَا صَاحِبَهُمَا فَحَازَاهُ إلَى أَصْحَابِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ لِلْفِتْيَةِ مِنْ الْأَنْصَارِ ، حِينَ انْتَسَبُوا : أَكْفَاءٌ كِرَامٌ إنّمَا نُرِيدُ قَوْمَنَا .

الْتِقَاءُ الْفَرِيقَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ تَزَاحَفَ النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَدْ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ لَا يَحْمِلُوا حَتّى يَأْمُرَهُمْ وَقَالَ إنْ اكْتَنَفَكُمْ الْقَوْمُ فَانْضَحُوهُمْ عَنْكُمْ بِالنّبْلِ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ . فَكَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَبِيحَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : كَمَا حَدّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمّدُ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ .

ابْنُ غَزِيّةَ وَضَرَبَ الرّسُولُ لَهُ فِي بَطْنِهِ بِالْقَدَحِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حِبّانُ بْنُ وَاسِعِ بْنِ حِبّانَ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَدّلَ صُفُوفَ أَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي يَدِهِ قَدَحٌ يُعَدّلُ بِهِ الْقَوْمَ فَمَرّ بِسَوّادِ بْنِ غَزِيّةَ حَلِيفِ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ سَوّادٌ مُثَقّلَةٌ وَسَوّادٌ فِي الْأَنْصَارِ غَيْرُ هَذَا ، مُخَفّفٌ - وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ مِنْ الصّفّ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مُسْتَنْصِلٌ [ ص 68 ] وَقَالَ اسْتَوِ يَا سَوّادُ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَوْجَعْتنِي وَقَدْ بَعَثَك اللّهُ بِالْحَقّ وَالْعَدْلِ قَالَ فَأَقِدْنِي فَكَشَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ بَطْنِهِ وَقَالَ اسْتَقِدْ قَالَ فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ فَقَالَ مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ ؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ حَضَرَ مَا تَرَى ، فَأَرَدْت أَنْ يَكُونَ آخِرَ الْعَهْدِ بِك أَنْ يَمَسّ جِلْدِي جِلْدَك فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ وَقَالَ لَهُ
Sحَوْلَ سَوَادِ بَنِي غَزِيّةَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ قِصّةَ سَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ حِينَ مَرّ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ مُسْتَنْتِلٌ أَمَامَ الصّفّ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مُسْتَنْصِلٌ . قَوْلُهُ مُسْتَنْتِلٌ أَمَامَ الصّفّ يُقَالُ اسْتَنْتَلْتُ وَاسْتَنْصَلْتُ وَابْرَنُذَعْتُ وَابْرَنُتَيْتُ بِالرّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالزّايِ هَكَذَا تَقَيّدَ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفِ كُلّ هَذَا إذَا تَقَدّمْت . سَوَادٌ هَذَا بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ وَكُلّ سَوَادٍ فِي الْعَرَبِ ، فَكَذَلِكَ بِتَخْفِيفِ الْوَاوِ [ ص 68 ] عَمْرَو بْنَ سَوَادٍ أَحَدَ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ مِنْ شُيُوخِ الْحَدِيثِ وَسُوَادٌ بِضَمّ السّينِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ هُوَ ابْنُ مُرّيّ بْنِ إرَاشَةَ بْنِ قُضَاعَةَ ثُمّ مِنْ بَلِيّ حُلَفَاءِ الْأَنْصَارِ ، وَوَقَعَ فِي الْأَصْلِ مِنْ كَلَامِ ابْنِ هِشَامٍ سَوّادٌ مُثَقّلَةٌ ابْنُ غَزِيّةَ إنّمَا الصّوَابُ مَا تَقَدّمَ وَسَوَادٌ هَذَا هُوَ عَامِلُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى خَيْبَرَ الّذِي جَاءَهُ بِتَمْرِ جَنِيبٍ ذَكَرَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطّأِ وَلَمْ يُسَمّهِ . وَقَوْلُ ابْنِ هِشَامٍ : مُسْتَنْصِلٌ مَعْنَاهُ خَارِجٌ مِنْ الصّفّ مِنْ قَوْلِك : نَصّيْتُ الرّمْحَ إذَا أَخَرَجْت ثَعْلَبَةً مِنْ السّنَانِ .

مُنَاشَدَةُ الرّسُولِ رَبّهُ النّصْرَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى الْعَرِيشِ فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةُ الْيَوْمَ لَا تُعْبَدْ وَأَبُو بَكْرٍ يَقُولُ يَا نَبِيّ اللّهِ كَفَاك مُنَاشَدَتُك رَبّك ، فَإِنّ اللّهَ مُنَجّزٌ لَك مَا وَعَدَك . [ ص 69 ] [ ص 70 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَفْقَةً وَهُوَ فِي الْعَرِيشِ ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ " أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ أَتَاك نَصْرُ اللّهِ هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ
Sتَفْسِيرُ بَعْضِ مُنَاشَدَتِك
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ كَفَاك مُنَاشَدَتُك رَبّك ، فَإِنّ اللّهَ مُنَجّزٌ لَك مَا وَعَدَك ، رَوَاهُ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ كَذَلِكَ مُنَاشَدَتُك ، وَفَسّرَهُ قَاسِمٌ فِي الدّلَائِلِ فَقَالَ كَذَلِكَ قَدْ يُرَادُ بِهَا مَعْنَى الْإِغْرَاءِ وَالْأَمْرِ بِالْكَفّ عَنْ الْفِعْلِ وَأُنْشِدَ لِجَرِيرِ
[ تَقُولُ وَقَدْ تَرَامَحَتْ الْمَطَايَا ] ... كَذَاكَ الْقَوْلُ إنّ عَلَيْك عَيْنًا
[ ص 69 ] الْبُخَارِيّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَنْجَشَةَ " يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدُك سَوْقَك بِالْقَوَارِيرِ وَأَوْرَدَهُ مَرّةً أُخْرَى فَقَالَ فِيهِ شَوْفَك وَإِنّمَا دَخَلَهُ مَعْنَى النّصَبِ كَمَا دَخَلَ عَلَيْك زَيْدًا مَعْنَى النّصَبِ وَفِي دُونِك ، لِأَنّك إذَا قُلْت دُونَك زَيْدًا وَهُوَ يَطْلُبُهُ فَقَدْ أَعْلَمْته بِمَكَانِهِ فَكَأَنّك قُلْت : خُذْهُ وَمَسْأَلَةُ كَذَاكَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنّك إذَا قُلْت : كَذَاكَ الْقَوْلُ أَوْ السّيْرُ فَكَأَنّك قُلْت : كَذَاكَ أَمَرْت فَاكْفُفْ وَدَعْ فَاصِلُ الْبَابَيْنِ وَاحِدٌ وَهُوَ ظَرْفٌ بَعْدَهُ ابْتِدَاءٌ وَهُوَ خَبَرٌ يَتَضَمّنُ مَعْنَى الْأَمْرِ أَوْ الْإِغْرَاءِ بِالشّيْءِ أَوْ تَرْكِهِ فَنَصَبُوا بِمَا فِي ضِمْنِ الْكَلَامِ وَحَسُنَ ذَلِكَ حَيْثُ لَمْ يَعْدِلُوا عَنْ عَامِلٍ لَفْظِيّ إلَى مَعْنَوِيّ وَإِنّمَا عَدَلُوا عَنْ مَعْنَوِيّ إلَى مَعْنَوِيّ وَلَوْ أَنّهُمْ حِينَ قَالُوا : دُونَك زَيْدًا يَلْفِظُونَ بِالْفِعْلِ فَيَقُولُونَ اسْتَقَرّ دُونَك زَيْدٌ وَهُمْ يُرِيدُونَ الْإِغْرَاءَ بِهِ وَالْأَمْرَ بِأَخْذِهِ لَمَا جَازَ النّصْبُ بِوَجْهِ لِأَنّ الْفِعْلَ ظَاهِرٌ لَفْظِيّ ، فَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْمَعْنَوِيّ .
مَعْنَى مُنَاشَدَةِ أَبِي بَكْرٍ
فَصْلٌ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْمَعَانِي أَنْ يُقَالَ كَيْفَ جَعَلَ أَبُو بَكْرٍ يَأْمُرُ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِالْكَفّ عَنْ الِاجْتِهَادِ فِي الدّعَاءِ وَيُقَوّي رَجَاءَهُ وَيُثَبّتُهُ وَمَقَامُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هُوَ الْمَقَامُ الْأَحْمَدُ وَيَقِينُهُ فَوْقَ يَقِينِ كُلّ أَحَدٍ ، فَسَمِعْت شَيْخَنَا الْحَافِظَ - رَحِمَهُ اللّهُ - يَقُولُ فِي هَذَا : كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ وَكَانَ صَاحِبُهُ فِي مَقَامِ الرّجَاءِ وَكِلَا ، الْمَقَامَيْنِ سَوَاءٌ فِي الْفَضْلِ لَا يُرِيدُ أَنّ النّبِيّ وَالصّدّيقَ سَوَاءٌ وَلَكِنْ الرّجَاءُ وَالْخَوْفُ مَقَامَانِ لَا بُدّ لِلْإِيمَانِ مِنْهُمَا ، فَأَبُو بَكْرٍ كَانَ فِي تِلْكَ السّاعَةِ فِي مَقَامِ الرّجَاءِ لِلّهِ وَالنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ كَانَ فِي مَقَامِ الْخَوْفِ مِنْ اللّهِ لِأَنّ لِلّهِ أَنْ يَفْعَلَ مَا شَاءَ فَخَافَ أَنْ لَا يَعْبُدَ اللّهَ فِي الْأَرْضِ بَعْدَهَا ، فَخَوْفُهُ ذَلِكَ عِبَادَةٌ . وَأَمّا قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فَذَهَبَ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ إلَى غَيْرِ هَذَا ، وَقَالَ إنّمَا قَالَ ذَلِكَ الصّدّيقُ مَأْوِيَةً لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَرِقّةً عَلَيْهِ لِمَا رَأَى مِنْ نَصَبِهِ فِي الدّعَاءِ وَالتّضَرّعِ حَتّى سَقَطَ الرّدَاءُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ فَقَالَ لَهُ بَعْضَ هَذَا يَا رَسُولَ اللّهِ أَيْ لِمَ تُتْعِبْ نَفْسَك هَذَا التّعَبَ وَاَللّهِ قَدْ وَعَدَك بِالنّصْرِ وَكَانَ رَقِيقَ الْقَلْبِ شَدِيدَ الْإِشْفَاقِ عَلَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 70 ]
جِهَادُ النّبِيّ فِي الْمَعْرَكَةِ
قَالَ الْمُؤَلّفُ وَأَمّا شِدّةُ اجْتِهَادِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَصَبُهُ فِي الدّعَاءِ فَإِنّهُ رَأَى الْمَلَائِكَةَ تَنْصَبُ فِي الْقِتَالِ وَجِبْرِيلُ عَلَى ثَنَايَاهُ الْغُبَارُ وَأَنْصَارُ اللّهِ يَخُوضُونَ غِمَارَ الْمَوْتِ . وَالْجِهَادُ عَلَى ضَرْبَيْنِ جِهَادٌ بِالسّيْفِ وَجِهَادٌ بِالدّعَاءِ وَمِنْ سُنّةِ الْإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَرَاءِ الْجُنْدِ لَا يُقَاتِلُ مَعَهُمْ فَكَانَ الْكُلّ فِي اجْتِهَادٍ وُجِدَ وَلَمْ يَكُنْ لِيُرِيحَ نَفْسَهُ مِنْ أَحَدِ الْجِدّيْنِ وَالْجِهَادَيْنِ وَأَنْصَارُ اللّهِ وَمَلَائِكَتُهُ يَجْتَهِدُونَ وَلَا لِيُؤْثِرَ الدّعَةَ وَحِزْبُ اللّهِ مَعَ أَعْدَائِهِ يَجْتَلِدُونَ .
الْمُفَاعَلَةُ
وَقَوْلُهُ كَفَاك مُنَاشَدَتُك رَبّك ، وَالْمُفَاعَلَةُ لَا تَكُونُ إلّا مِنْ اثْنَيْنِ وَالرّبّ لَا يَنْشُدُ عَبْدَهُ فَإِنّمَا ذَلِكَ لِأَنّهَا مُنَاجَاةٌ لِلرّبّ وَمُحَاوَلَةٌ لِأَمْرِ يُرِيدُهُ فَلِذَلِكَ جَاءَتْ عَلَى بِنَاءِ الْمُفَاعَلَةِ وَلَا بُدّ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ فِعْلَيْنِ لِفَاعِلَيْنِ إمّا مُتّفِقَيْنِ فِي اللّفْظِ وَإِمّا مُتّفِقَيْنِ فِي الْمَعْنَى ، وَظَنّ أَكْثَرُ أَهْلِ اللّغَةِ أَنّهَا قَدْ تَكُونُ مِنْ وَاحِدٍ نَحْوَ عَاقَبْت الْعَبْدَ وَطَارَقْتُ النّعْلَ وَسَافَرْت ، وَعَافَاهُ اللّهُ فَنَقُولُ أَمّا عَاقَبْت الْعَبْدَ فَهِيَ مُعَامَلَةٌ بَيْنَك وَبَيْنَهُ عَامَلَك بِالذّنْبِ وَعَامَلْته بِالْعُقُوبَةِ فَأُخِذَ لَفْظُهَا مِنْ الْعُقُوبَةِ وَوَزْنُهَا مِنْ الْمُعَاوَنَةِ وَأَمّا طَارَقْت النّعْلَ فَمِنْ الطّرْقِ وَهُوَ الْفَوْهُ فَقَدْ قَوّيْتهَا وَقَوّتْك عَلَى الْمَشْيِ فَلَفْظُهَا مِنْ الطّرْقِ وَبِنَاؤُهَا عَلَى وَزْنِ الْمُعَاوَنَةِ وَالْمُقَاوَاةِ فَهَذَا اتّفَاقٌ فِي الْمَعْنَى ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي اللّفْظِ وَأَمّا سَافَرَ الرّجُلُ فَمِنْ سَفَرْت : إذَا كَشَفْت عَنْ وَجْهِك ، فَقَدْ سَفَرَ لِقَوْمِ وَسَفَرُوا لَهُ فَهَذِهِ مُوَافَقَةٌ فِي اللّفْظِ وَالْمَعْنَى ، وَأَمّا الْمُعَافَاةُ فَإِنّ السّيّدَ يُعْفِي عَبْدَهُ مِنْ بَلَاءٍ فَيُعْفِي الْعَبْدُ سَيّدَهُ مِنْ الشّكْوَى وَالْإِلْحَاحِ فَهَذِهِ مُوَافَقَةٌ فِي اللّفْظِ ثُمّ تُضَافُ إلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ اتّسَاعًا فِي الْكَلَامِ وَمَجَازًا حَسَنًا .
عَصَبَ وَعَصَمَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - هَذَا جِبْرِيلُ عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ وَهُوَ الْغُبَارُ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّهُ قَالَ رَأَيْته عَلَى فَرَسٍ لَهُ شَقْرَاءَ ، وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ حَمْرَاءُ ، وَقَدْ عَصَمَ بِثَنِيّتِهِ الْغُبَارَ قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : عَصَمَ وَعَصَبَ بِمَعْنَى وَاحِدٍ يُقَالُ عَصَبَ الرّيقَ بِفِيهِ إذَا يَبِسَ وَأَنْشَدَ
يَعْصِبُ فَاهُ الرّيقُ أَيّ عَصْبِ ... عَصْبَ الْجُبَابِ بِشِفَاهِ الْوَطْبِ
وَخَالَفَهُ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ وَقَالَ هُوَ عُصُمٌ مِنْ الْعَصِيمِ وَالْعُصْمَ وَهِيَ كَالْبَقِيّةِ تَبْقَى فِي الْيَدِ وَغَيْرِهَا مِنْ لَطْخِ حِنّاءٍ أَوْ عَرَقٍ أَوْ شَيْءٍ يُلْصَقُ بِالْعَضُدِ كَمَا قَالَتْ [ ص 71 ] الْعَرَبِ لِأُخْرَى : أَعْطِنِي عُصُمَ حِنّائِك ، أَيْ مَا سَلَتَتْ مِنْ حِنّائِهَا ، وَقَشَرَتْهُ مِنْ يَدِهَا .

أَوّلُ قَتِيلٍ
[ ص 71 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ رُمِيَ مِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بِسَهْمِ فَقُتِلَ فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ رُمِيَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ ، وَهُوَ يَشْرَبُ مِنْ الْحَوْضِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ نَحْرَهُ فَقُتِلَ .

تَحْرِيضُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْقِتَالِ
قَالَ ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى النّاسِ فَحَرّضَهُمْ وَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ لَا يُقَاتِلُهُمْ الْيَوْمَ رَجُلٌ فَيُقْتَلُ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ، مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ إلّا أَدْخَلَهُ اللّهُ الْجَنّةَ . فَقَالَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، وَفِي يَدِهِ تَمَرَاتٌ يَأْكُلُهُنّ بَخٍ بَخٍ أَفَمَا بَيْنِي وَبَيْنَ أَنْ أَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا أَنْ يَقْتُلَنِي هَؤُلَاءِ ؟ ثُمّ قَذَفَ التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ الْقَوْمَ حَتّى قُتِلَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ : أَنّ عَوْفَ بْنَ الْحَارِثِ ، وَهُوَ ابْنُ عَفْرَاءَ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ قَالَ غَمْسُهُ يَدَهُ فِي الْعَدُوّ حَاسِرًا . فَنَزَعَ دِرْعًا كَانَتْ عَلَيْهِ فَقَذَفَهَا ، ثُمّ أَخَذَ سَيْفَهُ فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ [ ص 72 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ الْعُذْرِيّ ، حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ، أَنّهُ حَدّثَهُ أَنّهُ لَمّا التّقَى النّاسُ وَدَنَا بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ قَالَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ : اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يُعْرَفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ فَكَانَ هُوَ الْمُسْتَفْتِحَ .
Sحَدِيثُ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ حَدِيثَ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ حِينَ أَلْقَى التّمَرَاتِ مِنْ يَدِهِ وَقَالَ بَخٍ بَخٍ وَهِيَ كَلِمَةٌ مَعْنَاهَا التّعَجّبُ وَفِيهَا لُغَاتٌ بَخْ بِسُكُونِ الْخَاءِ وَبِكَسْرِهَا مَعَ التّنْوِينِ وَبِتَشْدِيدِهَا مُنَوّنَةً وَغَيْرَ مُنَوّنَةً وَفِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ وَالْبُخَارِيّ : أَنّ هَذِهِ الْقِصّةَ كَانَتْ أَيْضًا يَوْمَ أُحُدٍ لَكِنّهُ لَمْ يُسَمّ فِيهَا عُمَيْرًا ، وَلَا غَيْرَهُ فَاَللّهُ أَعْلَمُ .
حَدِيثُ عَوْفِ ابْنِ عَفْرَاءَ
وَقَوْلُ عَوْفِ ابْنِ عَفْرَاءَ : مَا يُضْحِكُ الرّبّ مِنْ عَبْدِهِ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَدْ قِيلَ فِي عَوْفٍ عَوْذٌ بِالذّالِ الْمَنْقُوطَةِ وَيُقَوّي هَذَا الْقَوْلَ أَنّ أَخَوَيْهِ مُعَاذٌ وَمُعَوّذٌ . [ ص 72 ]
ضَحِكُ الرّبّ
وَيُضْحِكُ الرّبّ أَيْ يُرْضِيهِ غَايَةَ الرّضَى ، وَحَقِيقَتُهُ أَنّهُ رِضًى مَعَهُ تَبْشِيرٌ وَإِظْهَارُ كَرَامَةٍ وَذَلِكَ أَنّ الضّحِكَ مُضَادّ لِلْغَضَبِ وَقَدْ يَغْضَبُ السّيّدُ وَلَكِنّهُ يَعْفُو وَيُبْقِي الْعَتَبَ فَإِذَا رَضِيَ فَذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ الْعَفْوِ فَإِذَا ضَحِكَ فَذَلِكَ غَايَةُ الرّضَى ، إذْ قَدْ يَرْضَى وَلَا يُظْهِرُ مَا فِي نَفْسِهِ مِنْ الرّضَى ، فَعَبّرَ عَنْ الرّضَى وَإِظْهَارِهِ بِالضّحِكِ فِي حَقّ الرّبّ سُبْحَانَهُ مَجَازًا وَبَلَاغَةً وَتَضْمِينًا لِهَذِهِ الْمَعَانِي فِي لَفْظٍ وَجِيزٍ وَلِذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي طَلْحَةَ بْنِ الْبَرَاءِ اللّهُمّ الْقَ طَلْحَةَ يَضْحَكُ إلَيْك ، وَتَضْحَكُ إلَيْهِ فَمَعْنَى هَذَا : الْقَهُ لِقَاءَ مُتَحَابّيْنِ مُظْهِرَيْنِ لِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا مِنْ رِضًى ، وَمَحَبّةٍ فَإِذَا قِيلَ ضَحِكَ الرّبّ لِفُلَانِ فَهِيَ كَلِمَةٌ وَجِيزَةٌ تَتَضَمّنُ رِضًى مَعَ مَحَبّةٍ وَإِظْهَارِ بِشْرٍ وَكَرَامَةٍ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِمَا ، فَهِيَ مِنْ جَوَامِعِ الْكَلِمِ الّتِي أُوتِيَهَا عَلَيْهِ السّلَامُ . [ ص 73 ]

رَمْيُ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ
[ ص 73 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَ حَفْنَةً مِنْ الْحَصْبَاءِ فَاسْتَقْبَلَ قُرَيْشًا بِهَا ، ثُمّ قَالَ شَاهَتْ الْوُجُوهُ ، ثُمّ نَفَحَهُمْ بِهَا ، وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَقَالَ شِدّوا ، فَكَانَتْ الْهَزِيمَةُ فَقَتَلَ اللّهُ تَعَالَى مَنْ قَتَلَ مِنْ صَنَادِيدِ قُرَيْشٍ ، وَأَسَرَ مَنْ أَسَرَ مِنْ أَشْرَافِهِمْ . فَلَمّا وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ يَأْسِرُونَ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ قَائِمٌ عَلَى بَابِ الْعَرِيشِ الّذِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُتَوَشّحًا السّيْفَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَخَافُونَ عَلَيْهِ كَرّةَ الْعَدُوّ وَرَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا ذُكِرَ لِي - فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النّاسُ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَاَللّهِ لَكَأَنّك يَا سَعْدُ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ الْقَوْمُ ، قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللّهُ بِأَهْلِ الشّرْكِ . فَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ بِأَهْلِ الشّرْكِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ

نَهَى النّبِيّ أَصْحَابَهُ عَنْ قَتْلِ نَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَعْبَدٍ ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِهِ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَئِذٍ إنّي قَدْ عَرَفْت أَنّ رِجَالًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ قَدْ أُخْرِجُوا كَرْهًا ، لَا حَاجَةَ لَهُمْ بِقِتَالِنَا ، فَمَنْ لَقِيَ مِنْكُمْ أَحَدًا مِنْ بَنِي هَاشِمٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ فَلَا يَقْتُلْهُ وَمَنْ لَقِيَ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَا يَقْتُلْهُ فَإِنّهُ إنّمَا أُخْرِجَ مُسْتَكْرَهًا قَالَ فَقَالَ أَبُو حُذَيْفَةَ أَنَقْتُلُ أَبَاءَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَإِخْوَتَنَا وَعَشِيرَتَنَا . وَنَتْرُكُ الْعَبّاسَ وَاَللّهِ لَئِنْ لَقِيته لَأَلْجُمَنّهُ السّيْفَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ لَأَلْجُمَنّهُ ( السّيْفَ ) - قَالَ فَبَلّغْت رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لِعُمَرِ بْنِ الْخَطّابِ : " يَا أَبَا حَفْصٍ " - قَالَ عُمَرُ وَاَللّهِ إنّهُ لَأَوّلُ يَوْمٍ كَنّانِي فِيهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَبِي حَفْصٍ - أَيُضْرَبُ وَجْهُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالسّيْفِ ؟ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي فَلِأَضْرِبَ عُنُقَهُ بِالسّيْفِ فَوَاَللّهِ لَقَدْ نَافَقَ . فَكَانَ أَبُو حُذَيْفَةَ يَقُولُ مَا أَنَا بِآمِنِ مِنْ تِلْكَ الْكَلِمَةِ الّتِي قُلْت يَوْمَئِذٍ وَلَا أَزَالُ مِنْهَا خَائِفًا ، . إلّا أَنْ تُكَفّرَهَا عَنّي الشّهَادَةُ . فَقُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ شَهِيدًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَإِنّمَا نَهَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ قَتْلِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ لِأَنّهُ كَانَ أَكَفّ الْقَوْمِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ جَمِيعًا وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ لَا يُؤْذِيهِ وَلَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ شَيْءٌ يَكْرَهُهُ وَكَانَ مِمّنْ قَامَ فِي نَقْضِ الصّحِيفَةِ الّتِي كَتَبَتْ قُرَيْشٌ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ . فَلَقِيَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ ، حَلِيفُ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، فَقَالَ الْمُجَذّرُ لِأَبِي الْبَخْتَرِيّ [ ص 74 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَدْ نَهَانَا عَنْ قَتْلِك - وَمَعَ أَبِي الْبَخْتَرِيّ زَمِيلٌ لَهُ قَدْ خَرَجَ مَعَهُ مِنْ مَكّةَ ، وَهُوَ جُنَادَةُ بْنُ مُلَيْحَةَ بِنْتِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ : وَجُنَادَةُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ . وَاسْمُ أَبِي الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ - قَالَ وَزَمِيلِي ؟ فَقَالَ لَهُ الْمُجَذّرُ لَا وَاَللّهِ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي زَمِيلِك ، مَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلّا بِك وَحْدَك ؟ فَقَالَ لَا وَاَللّهِ إذَنْ لَأَمُوتَن أَنَا وَهُوَ جَمِيعًا ، لَا تَتَحَدّثُ عَنّي نِسَاءُ مَكّةَ أَنّي تَرَكْت زَمِيلِي حِرْصًا عَلَى الْحَيَاةِ . فَقَالَ أَبُو الْبَخْتَرِيّ حِينَ نَازَلَهُ الْمُجَذّرُ وَأَبَى إلّا الْقِتَالَ يَرْتَجِزُ
لَنْ يُسْلِمَ ابْنُ حُرّة زَمِيلَهُ ... حَتّى يَمُوتَ أَوْ يَرَى سَبِيلَهُ
فَاقْتَتَلَا ، فَقَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ . وَقَالَ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ فِي قَتْلِهِ أَبَا الْبَخْتَرِيّ
إمّا جَهِلْت أَوْ نَسِيت نَسَبِي ... فَأَثْبِتْ النّسْبَةَ أَنّي مِنْ بَلِيَ
الطّاعِنِينَ بِرِمَاحِ الْيَزِنِي ... وَالضّارِبِينَ الْكَبْشَ حَتّى يَنْحَنِي
بَشّرْ بِيُتْمِ مِنْ أَبُوهُ الْبَخْتَرِيّ ... أَوْ بَشّرْنَ بِمِثْلِهَا مِنّي بَنِي
أَنَا الّذِي يُقَالُ أَصْلِي مِنْ بَلِيَ ... أَطْعُنُ بِالصّعْدَةِ حَتّى تَنْثَنِي
وَأَغْبِطُ الْقِرْنَ بِعَضْبِ مَشْرَفِي ... أُرْزِمَ لِلْمَوْتِ كَإِرْزَامِ الْمَرِيّ
فَلَا تَرَى مُجَذّرًا يَفْرِي فَرِيّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : " الْمَرِيّ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . وَالْمَرِيّ : النّاقَةُ الّتِي يُسْتَنْزَلُ لَبَنُهَا عَلَى عُسْرٍ . [ ص 75 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ إنّ الْمُجَذّرَ أَتَى رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ لَقَدْ جَهَدْت عَلَيْك أَنْ يَسْتَأْسِرَ فَآتِيك بِهِ ( فَأَبَى ) إلّا أَنْ يُقَاتِلَنِي ، فَقَاتَلْته فَقَتَلْته . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ .
Sشَرْحُ كَلَامِ أَبِي الْبَخْتَرِيّ وَالْمُجَذّرُ
فَصْلٌ
[ ص 74 ] أَبِي الْبَخْتَرِيّ أَنَا وَزَمِيلٌ . الزّمِيلُ الرّدِيفُ وَمِنْهُ ازْدَمَلَ الرّجُلُ بِحَمْلِهِ إذَا أَلْقَاهُ عَلَى ظَهْرِهِ وَفِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنّا نَتَعَاقَبُ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَةً عَلَى بَعِيرٍ فَكَانَ عَلِيّ وَأَبُو لُبَابَةَ زَمِيلَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا كَانَتْ عُقْبَتُهُ - عَلَيْهِ السّلَامُ - قَالَا لَهُ ارْكَبْ وَلْنَمْشِ عَنْك يَا رَسُولَ اللّهِ فَيَقُولُ مَا أَنْتُمَا بِأَقْوَى عَلَى الْمَشْيِ مِنّي ، وَلَا أَنَا بِأَغْنَى عَنْ الْأَجْرِ مِنْكُمَا وَقَوْلُ الْمُجَذّرِ كَإِرْزَامِ الْمَرِيّ . الْمَرِيّ : النّاقَةُ تُمْرَى لِلْحَلَبِ أَيْ تُمْسَحُ أَخْلَافُهَا . وَإِرْزَامُهَا : صَوْتُهَا وَهَدْرُهَا ، وَقَدْ تَقَدّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ أَرْزَمَتْ وَرَزَمَتْ . [ ص 75 ]

مَقْتَلُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِيهِ أَيْضًا عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَغَيْرُهُمَا ، عَنْ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ لِي صَدِيقًا بِمَكّةَ وَكَانَ اسْمِي عَبْدَ عَمْرٍو ، فَتَسَمّيْت ، حِينَ أَسْلَمْت ، عَبْدَ الرّحْمَنِ وَنَحْنُ بِمَكّةَ فَكَانَ يَلْقَانِي إذْ نَحْنُ بِمَكّةَ فَيَقُولُ يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، أَرَغِبْت عَنْ اسْمٍ سَمّاكَهُ أَبَوَاك ؟ فَأَقُولُ نَعَمْ فَيَقُولُ فَإِنّي لَا أَعْرِفُ الرّحْمَنَ فَاجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك شَيْئًا أَدْعُوك بِهِ أَمّا أَنْتَ فَلَا تُجِيبُنِي بِاسْمِك الْأَوّلِ وَأَمّا أَنَا فَلَا أَدْعُوك بِمَا لَا أَعْرِفُ قَالَ فَكَانَ إذَا دَعَانِي : يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، لَمْ أُجِبْهُ . قَالَ فَقُلْت لَهُ يَا أَبَا عَلِيّ اجْعَلْ مَا شِئْت ، قَالَ فَأَنْتَ عَبْدُ الْإِلَهِ قَالَ فَقُلْت : نَعَمْ قَالَ فَكُنْت إذَا مَرَرْت بِهِ قَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ فَأُجِيبُهُ فَأَتَحَدّثُ مَعَهُ . حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ مَرَرْت بِهِ وَهُوَ وَاقِفٌ مَعَ ابْنِهِ عَلِيّ بْنِ أُمَيّةَ أَخَذَ بِيَدِهِ وَمَعِي أَدْرَاعٌ قَدْ اسْتَلَبْتهَا ، فَأَنَا أَحْمِلُهَا . فَلَمّا رَآنِي قَالَ لِي : يَا عَبْدَ عَمْرٍو ، فَلَمْ أُجِبْهُ فَقَالَ يَا عَبْدَ الْإِلَهِ ؟ فَقُلْت : نَعَمْ قَالَ هَلْ لَك فِي ، فَأَنَا خَيْرٌ لَك مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ الّتِي مَعَك ؟ قَالَ قُلْت : نَعَمْ هَا اللّهِ ذَا ، قَالَ فَطَرَحْت الْأَدْرَاعَ مِنْ يَدِي ، وَأَخَذْت بِيَدِهِ وَيَدِ ابْنِهِ وَهُوَ يَقُولُ مَا رَأَيْت كَالْيَوْمِ قَطّ ، أَمَا لَكُمْ حَاجَةٌ فِي اللّبَنِ ؟ ( قَالَ ) : ثُمّ خَرَجْت أَمْشِي بِهِمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُرِيدُ بِاللّبَنِ أَنّ مَنْ أَسَرَنِي افْتَدَيْت مِنْهُ بِإِبِلِ كَثِيرَةِ اللّبَنِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَبِي عَوْنٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ ، قَالَ قَالَ لِي أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ابْنِهِ آخِذٌ بِأَيْدِيهِمَا : يَا عَبْدَ الْإِلَهِ مَنْ الرّجُلُ مِنْكُمْ الْمُعَلّمُ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ فِي صَدْرِهِ ؟ قَالَ قُلْت : ذَاكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ قَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ قَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَقُودُهُمَا إذْ رَآهُ بِلَالٌ مَعِي - وَكَانَ هُوَ الّذِي يُعَذّبُ بِلَالًا بِمَكّةَ عَلَى تَرْكِ الْإِسْلَامِ فَيُخْرِجُهُ إلَى رَمْضَاءِ مَكّةَ إذَا حَمِيَتْ فَيُضْجِعُهُ عَلَى ظَهْرِهِ ثُمّ يَأْمُرُ بِالصّخْرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتُوضَعُ عَلَى صَدْرِهِ ثُمّ يَقُولُ لَا تَزَالُ هَكَذَا أَوْ تُفَارِقَ دِينَ مُحَمّدٍ فَيَقُولُ [ ص 76 ] أَحَدٌ أَحَدٌ . قَالَ فَلَمّا رَآهُ قَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ قُلْت : أَيْ بِلَالٌ أَبِأَسِيرَيّ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ قُلْت : أَتَسْمَعُ يَا ابْنَ السّوْدَاءِ قَالَ لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ ثُمّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ يَا أَنْصَارَ اللّهِ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، لَا نَجَوْت إنْ نَجَا . قَالَ فَأَحَاطُوا بِنَا حَتّى جَعَلُونَا فِي مِثْلِ الْمُسْكَةِ وَأَنَا أَذُبّ عَنْهُ . قَالَ فَأَخْلَفَ رَجُلٌ السّيْفَ فَضَرَبَ رَجُلٌ ابْنَهُ فَوَقَعَ وَصَاحَ أُمَيّةُ صَيْحَةً مَا سَمِعْت مِثْلَهَا قَطّ قَالَ فَقُلْت : اُنْجُ بِنَفْسِك ، وَلَا نَجَاءَ بِك فَوَاَللّهِ مَا أُغْنِي عَنْك شَيْئًا . قَالَ فَهَبَرُوهُمَا بِأَسْيَافِهِمْ حَتّى فَرَغُوا مِنْهُمَا . قَالَ فَكَانَ عَبْدُ الرّحْمَنِ يَقُولُ يَرْحَمُ اللّهُ بِلَالًا ، ذَهَبَتْ أَدْرَاعِي وَفَجَعَنِي بِأَسِيرَيّ .
Sتَفْسِيرُ هَا اللّهِ وَهَبّرُوهُ
[ ص 76 ] عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ لِأُمَيّةِ هَا اللّهِ ذَا . هَا : تَنْبِيهٌ وَذَا إشَارَةٌ إلَى نَفْسِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إلَى الْقَسَمِ أَيْ هَذَا قَسْمِي ، وَأُرَاهَا إشَارَةً إلَى الْمُقْسِمِ وَخَفْضُ اسْمِ اللّهِ بِحَرْفِ الْقَسَمُ أَضْمَرَهُ وَقَامَ التّنْبِيهُ مَقَامَهُ كَمَا يَقُومُ الِاسْتِفْهَامُ مَقَامَهُ فَكَأَنّهُ قَالَ هَا أَنَا ذَا مُقْسِمٌ ، وَفَصْلٌ بِالِاسْمِ الْمُقْسَمِ بِهِ بَيْنَ هَا وَذَا ، فَعُلِمَ أَنّهُ هُوَ الْمُقْسِمُ فَاسْتُغْنِيَ عَنْ أَنَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ لَاهَا اللّهُ ذَا ، وَقَوْل زُهَيْرَةَ تَعَلّمْنَ هَا لَعَمْرُ اللّهِ ذَا قَسَمًا
أَكّدَ بِالْمَصْدَرِ قَسَمَهُ الّذِي دَلّ عَلَيْهِ التّقَدّمُ . وَقَوْلُهُ هَبَرُوهُ بِأَسْيَافِهِمْ مِنْ الْهَبْرَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ الْعَظِيمَةُ مِنْ اللّحْمِ أَيْ قَطَعُوهُ .

شُهُودُ الْمَلَائِكَةِ وَقْعَةَ بَدْرٍ
[ ص 77 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّهُ حَدّثَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ حَدّثَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ ، قَالَ أَقْبَلْت أَنَا وَابْنُ عَمّ لِي حَتّى أَصْعَدْنَا فِي جَبَلٍ يُشْرِفُ بِنَا عَلَى بَدْرٍ وَنَحْنُ مُشْرِكَانِ نَنْتَظِرُ الْوَقْعَةَ عَلَى مَنْ تَكُونُ الدّبْرَةُ . فَنَنْتَهِبُ مَعَ مَنْ يَنْتَهِبُ . قَالَ فَبَيْنَا نَحْنُ فِي الْجَبَلِ إذْ دَنَتْ مِنّا سَحَابَةٌ فَسَمِعْنَا فِيهَا حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ فَسَمِعْت قَائِلًا يَقُولُ اُقْدُمْ حَيْزُومُ فَأَمّا ابْنُ عَمّي فَانْكَشَفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ وَأَمّا أَنَا فَكِدْت أَهْلَكَ ثُمّ تَمَاسَكْت قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ بَعْضِ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَهَبَ بَصَرُهُ لَوْ كُنْت الْيَوْمَ بِبَدْرِ وَمَعِي بَصَرِي لَأَرَيْتُكُمْ الشّعْبَ الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ لَا أَشُكّ فِيهِ وَلَا أَتَمَارَى قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي أَبِي إسْحَاقَ بْنِ يَسَارٍ ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ، عَنْ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيّ ، وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا ، قَالَ إنّي لَأَتّبِعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ لِأَضْرِبَهُ إذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي ، فَعَرَفْت أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي [ ص 78 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ كَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ عَمَائِمَ بِيضًا قَدْ أَرْسَلُوهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ عَمَائِمَ حُمْرًا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ الْعَمَائِمُ تِيجَانُ الْعَرَبِ ، وَكَانَتْ سِيمَا الْمَلَائِكَةِ يَوْمَ بَدْرٍ تَمَائِمُ بِيضًا قَدْ أَرْخَوْهَا عَلَى ظُهُورِهِمْ إلّا جِبْرِيلُ فَإِنّهُ كَانَتْ عَلَيْهِ عِمَامَةٌ صَفْرَاءُ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مَنْ لَا أَتّهِمُ عَنْ مِقْسَمٍ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ وَلَمْ تُقَاتِلْ الْمَلَائِكَةُ فِي يَوْمٍ سِوَى بَدْرٍ مِنْ الْأَيّامِ وَكَانُوا يَكُونُونَ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَيّامِ عَدَدًا وَمَدَدًا لَا يَضْرِبُونَ
S[ ص 77 ] وَذَكَرَ قَوْلَ الْغِفَارِيّ حِينَ سَمِعَ حَمْحَمَةَ الْخَيْلِ فِي السّحَابَةِ وَسَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ اُقْدُمْ حَيْزُومُ . اُقْدُمْ بِضَمّ الدّالِ أَيْ اُقْدُمْ الْخَيْلَ وَهُوَ اسْمُ فَرَسِ جِبْرِيلَ وَهُوَ فَيْعُولٌ مِنْ الْحَزْمِ وَالْحَيْزُومُ أَيْضًا أَعْلَى الصّدْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَيْضًا سُمّيَ بِهِ لِأَنّهُ صَدْرٌ لِخَيْلِ الْمَلَائِكَةِ وَمُتَقَدّمٌ عَلَيْهَا ، وَالْحَيَاةُ أَيْضًا فَرَسٌ أُخْرَى لِجِبْرِيلَ لَا تَمَسّ شَيْئًا إلّا حَيِيَ وَهِيَ الّتِي قَبَضَ مِنْ أَثَرِهَا السّامِرِيّ ، فَأَلْقَاهَا فِي الْعِجْلِ الّذِي صَاغَهُ مِنْ ذَهَبٍ فَكَانَ لَهُ خُوَارٌ ذَكَرَهُ الزّجّاجُ .
نَسَبُ أَبِي دَاوُدَ الْمَازِنِيّ
فَصَل
وَذَكَرَ أَبَا دَاوُدَ الْمَازِنِيّ وَقَوْلَهُ لَقَدْ أَتْبَعْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسَقَطَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ أَصِلَ إلَيْهِ . اسْمُ أَبِي دَاوُدَ هَذَا عَمْرٌو ، وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ عَامِرٍ وَهَذَا هُوَ الّذِي قَتَلَ أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامٍ وَأَخَذَ سَيْفَهُ فِي قَوْلِ طَائِفَةٍ عَنْ أَهْلِ السّيَرِ غَيْرَ ابْنِ إسْحَاقَ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ كَمَا تَقَدّمَ .

مَقْتَلُ أَبِي جَهْلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلٍ يَوْمَئِذٍ يَرْتَجِزُ وَهُوَ يُقَاتِلُ وَيَقُولُ
مَا تَنْقِمُ الْحَرْبُ الْعَوَانُ مِنّي ... بَازِلِ عَامَيْنِ حَدِيثٌ سِنّي
لِمِثْلِ هَذَا وَلَدَتْنِي أُمّي
شِعَارُ الْمُسْلِمِينَ بِبَدْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ شِعَارُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَوْمَ بَدْرٍ أَحَدٌ أَحَدٌ . [ ص 79 ]
عَوْدٌ إلَى مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ عَدُوّهِ أَمَرَ بِأَبِي جَهْلٍ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى . وَكَانَ أَوّلَ مَنْ لَقِيَ أَبَا جَهْلٍ كَمَا حَدّثَنِي ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَعَبْدِ اللّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا قَدْ حَدّثَنِي ذَلِكَ قَالَا : قَالَ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ : سَمِعْت الْقَوْمَ وَأَبُو جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَرَجَةُ الشّجَرُ الْمُلْتَفّ . وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ : أَنّهُ سَأَلَ أَعْرَابِيّا عَنْ الْحَرَجَةِ فَقَالَ هِيَ شَجَرَةٌ مِنْ الْأَشْجَارِ لَا يُوصَلُ إلَيْهَا - وَهُمْ يَقُولُونَ أَبُو الْحَكَمِ لَا يَخْلُصُ إلَيْهِ . قَالَ فَلَمّا سَمِعْتهَا جَعَلْته مِنْ شَأْنِي ، فَصَمَدْت نَحْوَهُ فَلَمّا أَمْكَنَنِي حَمَلْت عَلَيْهِ فَضَرَبْته ضَرْبَةً أَطَنّتْ قَدَمَهُ بِنِصْفِ سَاقِهِ فَوَاَللّهِ مَا شَبّهْتهَا حِينَ طَاحَتْ إلّا بِالنّوَاةِ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ مِرْضَخَةِ النّوَى حِينَ يُضْرَبُ بِهَا . قَالَ وَضَرَبَنِي ابْنُهُ عِكْرِمَةُ عَلَى عَاتِقِي ، فَطَرَحَ يَدِي فَتَعَلّقَتْ بِجِلْدَةِ مِنْ جَنْبِي ، وَأَجْهَضَنِي الْقِتَالُ عَنْهُ فَلَقَدْ قَاتَلْت عَامّةَ يَوْمِي ، وَإِنّي لَأَسْحَبُهَا خَلْفِي ، فَلَمّا آذَتْنِي وَضَعْت عَلَيْهَا قَدَمِي ، ثُمّ تَمَطّيْت بِهَا عَلَيْهَا حَتّى طَرَحْتهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ حَتّى كَانَ زَمَانُ عُثْمَانَ . ثُمّ مَرّ بِأَبِي جَهْلٍ وَهُوَ عَقِيرٌ مُعَوّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، فَضَرَبَهُ حَتّى أَثْبَتَهُ فَتَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ . وَقَاتَلَ مُعَوّذٌ حَتّى قُتِلَ فَمَرّ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْتَمَسَ فِي الْقَتْلَى ، وَقَدْ قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِيمَا بَلَغَنِي [ ص 80 ] اُنْظُرُوا ، إنْ خَفِيَ عَلَيْكُمْ فِي الْقَتْلَى ، إلَى أَثَرِ جُرْحٍ فِي رُكْبَتِهِ فَإِنّي ازْدَحَمْت يَوْمًا أَنَا وَهُوَ عَلَى مَأْدُبَةٍ لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ وَنَحْنُ غُلَامَانِ وَكُنْت أَشَفّ مِنْهُ بِيَسِيرِ فَدَفَعْته فَوَقَعَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ فَجُحِشَ فِي إحْدَاهُمَا جَحْشًا لَمْ يَزَلْ أَثَرُهُ بِهِ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ : فَوَجَدْته بِآخِرِ رَمَقٍ فَعَرَفْته ، فَوَضَعْت رِجْلِي عَلَى عُنُقِهِ - قَالَ وَقَدْ كَانَ ضَبَثَ بِي مَرّةً بِمَكّةَ فَآذَانِي وَلَكَزَنِي ، ثُمّ قُلْت لَهُ هَلْ أَخْزَاك اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ ؟ قَالَ وَبِمَاذَا أَخْزَانِي ، اعْمَدْ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةَ الْيَوْمَ ؟ قَالَ قُلْت : لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ضَبَثَ قَبَضَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ . قَالَ ضَابِئُ بْنُ الْحَارِثِ الْبُرْجُمِيّ :
فَأَصْبَحْت مِمّا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ... مِنْ الْوُدّ مِثْلَ الضّابِثِ الْمَاءَ بِالْيَدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَعَارٌ عَلَى رَجُلِ قَتَلْتُمُوهُ أَخْبِرْنِي لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ ؟ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَعَمَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ ، أَنّ ابْنَ مَسْعُود ٍ كَانَ يَقُولُ قَالَ لِي : لَقَدْ ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ قَالَ ثُمّ احْتَرَزْت رَأْسَهُ ثُمّ جِئْت بِهِ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ هَذَا رَأْسُ عَدُوّ اللّهِ أَبِي جَهْلٍ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ اللّهُ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ قَالَ وَكَانَتْ يَمِينَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ قُلْت : نَعَمْ وَاَللّهِ الّذِي لَا إلَهَ غَيْرُهُ ثُمّ أَلْقَيْت رَأْسَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَحَمِدَ اللّهَ . [ ص 81 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْمَغَازِي : أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَمَرّ بِهِ إنّي أَرَاك كَأَنّ فِي نَفْسِك شَيْئًا ، أَرَاك تَظُنّ أَنّي قَتَلْت أَبَاك ، إنّي لَوْ قَتَلْته لَمْ أَعْتَذِرْ إلَيْك مِنْ قَتْلِهِ وَلَكِنّي قَتَلْت خَالِي الْعَاصِ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَأَمّا أَبُوك فَإِنّي مَرَرْت وَهُوَ يَبْحَثُ بَحْثَ الثّوْرِ بِرَوْقِهِ فَحِدْت عَنْهُ وَقَصَدَ لَهُ ابْنُ عَمّهِ عَلِيّ فَقَتَلَهُ .
Sلُغَوِيّاتٌ
[ ص 78 ] مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو فِي مَقْتَلِ أَبِي جَهْلٍ مَا شَبّهْت رِجْلَهُ حِينَ طَاحَتْ إلّا بِالنّوَاةِ تَطِيحُ مِنْ تَحْتِ الْمِرْضَخَةِ . طَاحَتْ ذَهَبَتْ وَلَا يَكُونُ إلّا ذَهَابَ هَلَاكٍ وَالْمِرْضَخَةُ . كَالْإِرْزَبّةِ يُدَقّ بِهَا النّوَى لِلْعَلَفِ وَالرّضْخُ بِالْحَاءِ مُهْمَلَةً كَسْرُ الْيَابِسِ وَالرّضْخُ كَسْرُ الرّطَبِ وَوَقَعَ فِي أَصْلِ الشّيْخِ الْمُرْضَخَةُ بِالْحَاءِ وَالْخَاءِ مَعًا ، وَيَدُلّ عَلَى أَنّهُ كُسِرَ لَمّا صُلِبَ وَأَنْشَدَ قَوْلَ الطّائِيّ
أَتَرْضَحُنِي رَضْحَ النّوَى وَهِيَ مُصْمَتٌ ... وَيَأْكُلُنِي أَكْلَ الدّبَا وَهُوَ جَائِعٌ
[ ص 79 ]
الْغُلَامَانِ اللّذَانِ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ
وَذَكَرَ الْغُلَامَيْنِ اللّذَيْنِ قَتَلَا أَبَا جَهْلٍ وَأَنّهُمَا مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَمُعَوّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنّهُمَا مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَعَفْرَاء ُ هِيَ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْد ِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنَمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّار ِ عَرَفَ بِهَا بَنُو عَفْرَاءَ وَأَبُوهُمْ الْحَارِثُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ عَلَى اخْتِلَافٍ فِي ذَلِكَ وَرِوَايَةُ ابْنِ إدْرِيسَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، كَمَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ ، قَالَ أَبُو عُمَرَ وَأَصَحّ مِنْ هَذَا كُلّهِ حَدِيثُ أَنَسٍ حِينَ قَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ أَبِي جَهْلٍ الْحَدِيثُ وَفِيهِ أَنّ ابْنَيْ عَفْرَاءَ قَتَلَاهُ . [ ص 80 ] أَبِي جَهْلٌ اعْمَدْ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ وَيُرْوَى قَتَلَهُ قَوْمُهُ أَيْ هَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَهُوَ مَعْنَى تَفْسِيرِ ابْنِ هِشَامٍ ، حَيْثُ قَالَ أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ عَارٌ وَالْأَوّلُ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَقَدْ [ أَنْشَدَ ] شَاهِدًا عَلَيْهِ
[ تُقَدّمُ قَيْسٌ كُلّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ ... وَيُثْنَى عَلَيْهَا فِي الرّخَاءِ ذُنُوبُهَا ]
وَأَعْمَدُ مِنْ قَوْمٍ كَفَاهُمْ أَخُوهُمْ ... صِدَامَ الْأَعَادِي حِينَ فُلّتْ نُيُوبُهَا
قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَهُوَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِمْ عَمِدَ الْبَعِيرُ يَعْمَدُ إذَا انْفَسَخَ سَنَامُهُ فَهَلَكَ أَيْ أَهْلَكُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ قَوْلِ أَبِي جَهْلٍ هَذَا ، وَمَا ذَكَرُوهُ أَيْضًا مِنْ قَوْلِهِ لِابْنِ مَسْعُودٍ لَقَدْ ارْتَقَيْت مُرْتَقًى صَعْبًا يَا رُوَيْعِي الْغَنَمِ . مُرْتَقًى صَعْبًا يُعَارِضُ مَا وَقَعَ فِي سَيْرِ ابْنِ شِهَابٍ وَفِي مَغَازِي ابْنِ عُقْبَةَ أَنّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَجَدَهُ جَالِسًا لَا يَتَحَرّكُ وَلَا يَتَكَلّمُ فَسَلَبَهُ دِرْعَهُ فَإِذَا فِي بَدَنِهِ نُكَتٌ سُودٌ فَحَلّ تَسْبَغَةَ الْبَيْضَةِ وَهُوَ لَا يَتَكَلّمُ وَاخْتَرَطَ سَيْفُهُ يَعْنِي سَيْفَ أَبِي جَهْلٍ فَضَرَبَ بِهِ عُنُقَهُ ثُمّ سَأَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ احْتَمَلَ رَأْسَهُ إلَيْهِ عَنْ تِلْكَ النّكَتِ السّودِ الّتِي رَآهَا فِي بَدَنِهِ فَأَخْبَرَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّ الْمَلَائِكَةَ قَتَلَتْهُ وَأَنّ تِلْكَ آثَارُ ضَرْبَاتِ الْمَلَائِكَةِ وَرَوَى يُونُسُ عَنْ أَبِي الْعُمَيْسِ قَالَ أَرَانِي الْقَاسِم بْنُ عَبْدِ الرّحْمَنِ سَيْفَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ، قَالَ هَذَا سَيْفُ أَبِي جَهْلٍ حِينَ قَتَلَهُ [ ص 81 ] فَأَخَذَهُ فَإِذَا سَيْفٌ قَصِيرٌ عَرِيضٌ فِيهِ قَبَائِعُ فِضّةٍ وَحَلَقُ فِضّةٍ قَالَ أَبُو عُمَيْسٍ فَضَرَبَ بِهِ الْقَاسِمُ عُنُقَ ثَوْرٍ فَقَطَعَهُ وَثَلَمَ فِيهِ ثَلْمًا ، فَرَأَيْت الْقَاسِمَ جَزَعَ مِنْ ثَلْمِهِ جَزَعًا شَدِيدًا .
إضْمَارُ حَرْفِ الْجَرّ
وَقَوْلُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ اللّهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ بِالْخَفْضِ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ وَغَيْرِهِ لِأَنّ الِاسْتِفْهَامَ عِوَضٌ مِنْ الْخَافِضِ عِنْدَهُ وَإِذَا كُنْت مُخَيّرًا قُلْت : اللّهَ بِالنّصْبِ لَا يُجِيزُ الْمُبَرّدُ غَيْرَهُ وَأَجَازَ سِيبَوَيْهِ الْخَفْضَ أَيْضًا لِأَنّهُ قَسَمٌ وَقَدْ عَرَفَ أَنّ الْمُقْسِمَ بِهِ مَخْفُوضٌ بِالْبَاءِ أَوْ بِالْوَاوِ وَلَا يَجُوزُ إضْمَارُ حُرُوفِ الْجَرّ إلّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَوْ مَا كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ جِدّا كَمَا رُوِيَ أَنّ رُؤْبَةَ كَانَ يَقُولُ إذَا قِيلَ لَهُ كَيْفَ أَصْبَحْت ؟ خَيْرٌ عَافَاك اللّهُ . وَقَوْلُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي أَبِي جَهْلٍ حِينَ ذَكَرَ مُزَاحَمَتِهِ لَهُ فِي مَأْدُبَةِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي الْمَوْلِدِ التّعْرِيفُ بِعَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ وَذَكَرْنَا خَبَر جَفْنَتِهِ وَسَبَبَ غِنَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ صُعْلُوكًا بِأَتَمّ بَيَانٍ .

خَبَرُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 82 ] وَقَاتَلَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ الْأَسَدِيّ ، حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ ، يَوْمَ بَدْرٍ بِسَيْفِهِ حَتّى انْقَطَعَ فِي يَدِهِ فَأَتَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ جِدَلًا مِنْ حَطَبٍ فَقَالَ قَاتِلْ بِهَذَا يَا عُكّاشَةُ ، فَلَمّا أَخَذَهُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَزّهُ فَعَادَ سَيْفًا فِي يَدِهِ طَوِيلَ الْقَامَةِ شَدِيدَ الْمَتْنِ أَبْيَضَ الْحَدِيدَةِ فَقَاتَلَ بِهِ حَتّى فَتَحَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ ذَلِكَ السّيْفُ يُسَمّى : الْعَوْنَ . ثُمّ لَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَشْهَدُ بِهِ الْمَشَاهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قُتِلَ فِي الرّدّةِ وَهُوَ عِنْدَهُ قَتَلَهُ طُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الْأَسَدِيّ ، فَقَالَ طُلَيْحَةُ فِي ذَلِكَ
فَمَا ظَنّكُمْ بِالْقَوْمِ إذْ تَقْتُلُونَهُمْ ... أَلَيْسُوا وَإِنْ لَمْ يُسْلِمُوا بِرِجَالِ
فَإِنْ تَكُ أَذَاوُدٌ أُصِبْنَ وَنِسْوَةٌ ... فَلَنْ تَذْهَبُوا قِرْعًا بِقَتْلِ حِبَالِ
نَصَبْت لَهُمْ صَدْرَ الْحِمَالَةِ إنّهَا ... مُعَاوِدَةٌ قِيلَ الْكُمَاةُ نَزَالِ
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَةً ... وَيَوْمًا تَرَاهَا غَيْرَ ذَاتِ جِلَالِ
عَشِيّةَ غَادَرْت ابْنَ أَقْرَمَ ثَاوِيًا ... وَعُكّاشَةَ الْغَنَمِيّ عِنْدَ حِجَالِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حِبَالِ ابْنُ طُلَيْحَةَ بْنُ خُوَيْلِدٍ . وَابْنُ أَقْرَمَ ثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ الْأَنْصَارِيّ . [ ص 83 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ الّذِي قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَدْخُلُ الْجَنّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا مِنْ أُمّتِي عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ قَالَ إنّك مِنْهُمْ أَوْ اللّهُمّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ " ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ . فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ " سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ . وَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغْنَا عَنْ أَهْلِهِ مِنّا خَيْرُ فَارِسٍ فِي الْعَرَبِ ؛ قَالُوا : وَمَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ الْأَسَدِيّ : ذَاكَ رَجُلٌ مِنّا يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ لَيْسَ مِنْكُمْ وَلَكِنّهُ مِنّا لِلْحِلْفِ
Sخَبَرُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ
يُقَالُ فِيهِ عُكّاشَةُ بِالتّشْدِيدِ وَالتّخْفِيفِ وَهُوَ مَنْ عَكَشَ عَلَى الْقَوْمِ إذَا حَمَلَ عَلَيْهِمْ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ لِعُكّاشَةَ [ وَالْعُكّاشُ ] الْعَنْكَبُوتُ وَأَمّا سَيْفُهُ الّذِي كَانَ جِزْلًا [ ص 82 ] قِيلَ إنّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَوَارَثًا عِنْدَ آلِ عُكّاشَةَ وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلِ عُكّاشَةَ فِي السّيْفِ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جَحْشٍ ، وَسَيَأْتِي ، ذِكْرُهَا عِنْدَ غَزْوَةِ أُحُدٍ ، وَأَمّا قَوْلُهُ فَلَنْ يَذْهَبُوا قِرْعًا بِقَتْلِ حِبَالِ
فَالْقِرْعُ أَنْ يُطَلّ الدّمُ وَلَا يُطْلَبُ بِثَأْرِهِ وَحِبَالُ هُوَ ابْنُ أَخِي طُلَيْحَةَ لَا ابْنُهُ وَهُوَ حِبَالُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خُوَيْلِدٍ ، وَمَسْلَمَةُ أَبُوهُ هُوَ الّذِي قَتَلَ عُكّاشَةُ اعْتَنَقَهُ مَسْلَمَةُ وَضَرَبَهُ طُلَيْحَةُ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا : اللّزَامُ وَكَانَ ثَابِتُ عَلَى فَرَسٍ يُقَالُ لَهَا : الْمُخَبّرُ وَقِصّتُهُ مَشْهُورَةٌ فِي أَخْبَارِ الرّدّةِ . وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ فِي الرّدّةِ بَعْدَ قَوْلِهِ
فَيَوْمًا تَرَاهَا فِي الْجَلَالِ مَصُونَة ... وَيَوْمًا تَرَاهَا فِي ظِلَالِ عَوَالٍ
إلَى آخِرِ الشّعْر . وَذَكَرَ فِي الْخَبَرِ أَنّ عُكّاشَةَ وَثَابِتَ بْنَ أَقْرَمَ الْبَلَوِيّ حَلِيفَيْ الْأَنْصَارِ كَانَا فِي جَيْشِ خَالِدٍ حِينَ نَهَدَ إلَى طُلَيْحَةَ ، فَاسْتُقْدِمَا أَمَامَ جَيْشِ خَالِدٍ لِلْمُسْلِمِينَ فَوَقَعَا فِي خَيْلٍ لِطُلَيْحَةَ وَهُوَ فِيهِمْ فَاسْتُشْهِدَا مَعًا ، وَذَلِكَ فِي يَوْمِ بُزَاخَةَ كَذَلِكَ قَالَ كُلّ مَنْ أَلّفَ مِنْ السّيَرِ إلّا سُلَيْمَانَ التّيْمِيّ ، فَإِنّهُ ذَكَرَ أَنّ عُكّاشَةَ قُتِلَ فِي سَرِيّةٍ بَعَثَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَنِي أَسَدٍ ، وَالْأَوّلُ هُوَ الْمَعْرُوفُ . [ ص 83 ]
سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ
وَذَكَرَ قَوْلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِعُكّاشَةَ حِينَ قَالَ اُدْعُ اللّهَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَدَعَا لَهُ ثُمّ قَامَ رَجُلٌ آخَرَ فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ هَكَذَا الْحَدِيثُ فِي الصّحَاحِ ، وَزَادَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ النّمَرِيّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَمْ يُسَمّهِمْ أَنّ الرّجُلَ الّذِي قِيلَ لَهُ سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ كَانَ مُنَافِقًا ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَدْعُ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا لَا يَصِحّ ؛ لِأَنّ فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ خِيَارِ الْمُهَاجِرِينَ ، فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَهُمْ قَالَ ابْنُ بَطّالٍ مَعْنَى قَوْلِهِ سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ أَيْ سَبَقَك بِهَذِهِ الصّفَةِ الّتِي هِيَ صِفَةُ السّبْعِينَ أَلْفًا ، تَرْكُ التّطَيّرِ وَنَحْوِهِ وَلَمْ يَقُلْ لَسْت مِنْهُمْ وَلَا عَلَى أَخْلَاقِهِمْ بِحُسْنِ أَدَبِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ وَتَلَطّفِهِ فِي الْكَلَامِ [ و ] لَا سِيّمَا مَعَ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - وَاَلّذِي عِنْدِي فِي هَذَا أَنّهَا كَانَتْ سَاعَةَ إجَابَةٍ عَلِمَهَا عَلَيْهِ السّلَامُ فَلَمّا انْقَضَتْ قَالَ لِلرّجُلِ مَا قَالَ يُبَيّنُ هَذَا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، فَإِنّهُ قَالَ فِيهِ بَعْدَ ذِكْرِ عُكّاشَةَ ، فَقَامَ رَجُلٌ آخَرُ فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ فَقَالَ اللّهُمّ اجْعَلْهُ [ ص 84 ] فَقَالَ اُدْعُ اللّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَهُمْ فَقَالَ سَبَقَك بِهَا عُكّاشَةُ وَصَاحِبَهُ وَلَوْ قُلْت لَقُلْت ، وَلَوْ قُلْت لَوَجَبَتْ وَهِيَ فِي مُسْنَدِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ ، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَيْضًا . وَيُقَوّي هَذَا الْمَعْنَى رِوَايَةَ ابْنِ إسْحَاقَ ، فَإِنّهُ زَادَ فَقَالَ فِيهَا : سَبَقَك بِهِ عُكّاشَةُ وَبَرَدَتْ الدّعْوَةُ فَقِفْ عَلَى مَا ذَكَرْته فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ عُكّاشَةَ فَإِنّهُ مِنْ فَوَائِدِ هَذَا الْكِتَابِ . وَمِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِعُذْرِ وَهُوَ مِنْ النّقَبَاءِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيّدُ الْخَزْرَجِ ، لِأَنّهُ نَهَشَتْهُ حَيّةٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ هَذَا قَوْلُ الْقُتَبِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، وَلَا ابْنُ عُقْبَةَ فِي الْبَدْرِيّينَ وَقَدْ ذَكَرَهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ مِنْهُمْ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَجَمَاعَةٌ .

حَدِيثٌ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ يَوْمَ بَدْرٍ
[ ص 84 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنَادَى أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ابْنَهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرّحْمَنِ :
لَمْ يَبْقَ غَيْرُ شِكّةَ ويَعْبُوبْ ... وَصَارِمٌ يَقْتُلُ ضُلّالَ الشّيبْ
فِيمَا ذُكِرَ لِي عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمّدٍ الدّراوَرْديّ .
Sتَفْسِيرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي بَكْرٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ ِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لِابْنِهِ يَوْمَ بَدْرٍ أَيْنَ مَالِي يَا خَبِيثُ فَقَالَ لَمْ يَبْقَ إلّا شِكّةٌ ويَعْبُوبْ
الشّكّةُ السّلَاحُ وَالْيَعْبُوبُ مِنْ الْخَيْلِ الشّدِيدُ الْجَرْي ، وَيُقَالُ الطّوِيلُ وَالْأَوّلُ أَصَحّ ، لِأَنّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ عُبَابِ الْمَاءِ وَهُوَ شِدّةُ جَرْيِهِ وَيُقَالُ لِلْجَدْوَلِ الْكَثِيرِ الْمَاءِ يَعْبُوبُ وَقَدْ كَانَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَسٌ اسْمُهُ السّكْبُ وَهُوَ مِنْ سَكَبْت الْمَاءَ فَهَذَا يُقَوّي مَعْنَى الْيَعْبُوبِ وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ لِأَبِيهِ بَعْدَمَا أَسْلَمَ : يَا أَبَتْ لَقَدْ [ ص 90 ] فَقَالَ وَاَللّهِ لَوْ كُنْت أَهْدَفْت لِي أَنْتَ مَا صَدَفْت عَنْك .

طَرْحُ الْمُشْرِكِينَ فِي الْقَلِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْقَتْلَى أَنْ يُطْرَحُوا فِي الْقَلِيبِ طَرَحُوا فِيهِ إلّا مَا كَانَ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، فَإِنّهُ انْتَفَخَ فِي دِرْعِهِ فَمَلَأَهَا ، فَذَهَبُوا لِيُحَرّكُوهُ فَتَزَايَلَ لَحْمُهُ فَأَقَرّوهُ وَأَلْقَوْا عَلَيْهِ مَا غَيّبَهُ مِنْ التّرَابِ وَالْحِجَارَةِ . فَلَمّا أَلْقَاهُمْ فِي الْقَلِيبِ ، وَقَفَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ [ ص 85 ] فَقَالَ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ ، هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ فَإِنّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا ؟ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُكَلّمُ قَوْمًا مَوْتَى ؟ فَقَالَ لَهُمْ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ مَا وَعَدَهُمْ رَبّهُمْ حَقّا قَالَتْ عَائِشَةُ وَالنّاسُ يَقُولُونَ لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت لَهُمْ وَإِنّمَا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ عَلِمُوا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُمَيْدٌ الطّوِيلُ ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، قَالَ سَمِعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ وَهُوَ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَيَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ ، وَيَا أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ ، وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ ، فَعَدَدُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ فِي الْقَلِيبِ : هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبّكُمْ حَقّا فَإِنّي قَدْ وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُنَادِي قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا ؟ قَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُجِيبُونِي [ ص 86 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ يَوْمَ هَذِهِ الْمَقَالَةِ يَا أَهْلَ الْقَلِيبِ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ ، كَذّبْتُمُونِي وَصَدّقَنِي النّاسُ وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النّاسُ وَقَاتَلْتُمُونِي نَصَرَنِي النّاسُ ثُمّ قَالَ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا ؟ لِلْمَقَالَةِ الّتِي قَالَ .
Sنِدَاءُ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ
مَسْأَلَةٌ نَحْوِيّةٌ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ يَا عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَيَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ الْحَدِيثُ يَجُوزُ يَا شَيْبَةُ بْنَ رَبِيعَةَ ، بِضَمّ التّاءِ وَنَصْبِ النّونِ وَبِنَصْبِهِمَا جَمِيعًا ، أَمّا مَنْ يَقُولُ جَاءَنِي زَيْدُ ابْنُ فُلَانٍ بِالتّنْوِينِ فَهُوَ الّذِي يَقُولُ يَا زَيْدُ ابْنُ بِضَمّ الدّالِ وَيُكْتَبُ ابْنٌ بِالْأَلِفِ عَلَى هَذَا ، وَمَنْ يَقُولُ جَاءَنِي زَيْدُ ابْنُ بِلَا تَنْوِينٍ فَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي النّدَاءِ يَا زَيْدَ ابْنَ بِنَصْبِ الدّالِ [ ص 85 ] جَعَلَ الِابْنَ مَعَ مَا قَبْلِهِ اسْمًا وَاحِدًا ، فَعَلَى هَذَا تَقُولُ يَا حَارِثَ ابْنَ عَمْرٍو فَتَكْتُبُهُ بِأَلِفِ لِأَنّك أَرَدْت يَا حَارِثُ بِالضّمّ لِأَنّك لَوْ أَرَدْت يَا حَارِثَ ابْنَ بِالنّصْبِ لَمْ تُرَخّمْهُ لِأَنّهُ قَدْ صَارَ وَسَطَ الِاسْمِ وَقَدْ جَعَلَهُ سِيبَوَيْهِ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِك : امْرِئِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ وَيَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ إنْ نَوّنْت اللّامَ مِنْ أَبِي جَهْلٍ كَتَبْت الِابْنَ بِأَلِفِ وَإِنْ لَمْ تُنَوّنْهُ كَتَبْته بِغَيْرِ أَلِفٍ . وَذَكَرَ إنْكَارَ عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَالَ لَقَدْ سَمِعُوا مَا قُلْت ، قَالَتْ وَإِنّمَا قَالَ لَقَدْ عَلِمُوا أَنّ الّذِي كُنْت أَقُولُ حَقّ قَالَ الْمُؤَلّفُ وَعَائِشَةُ لَمْ تَحْضُرْ وَغَيْرُهَا مِمّنْ حَضَرَ أَحْفَظُ لِلَفْظِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ وَقَدْ قَالُوا لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَتُخَاطِبُ قَوْمًا قَدْ جَيّفُوا أَوْ أُجِيفُوا ، فَقَالَ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونُوا فِي تِلْكَ الْحَالِ عَالِمَيْنِ جَازَ أَنْ يَكُونُوا سَامِعَيْنِ إمّا بِآذَانِ رُءُوسِهِمْ إذَا قُلْنَا : إنّ الرّوحَ يُعَادُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ إلَى بَعْضِ الْجَسَدِ عِنْدَ الْمُسَاءَلَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِينَ مِنْ أَهْلِ السّنّةِ وَإِمّا بِإِذْنِ الْقَلْبِ أَوْ الرّوحِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِتَوَجّهِ السّؤَالَ إلَى الرّوحِ مِنْ غَيْرِ رُجُوعٍ مَعَهُ إلَى الْجَسَدِ أَوْ إلَى بَعْضِهِ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ عَائِشَةَ احْتَجّتْ بِقَوْلِ اللّهِ سُبْحَانَهُ { وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ } وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصّمّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْيَ } أَيْ إنّ اللّهَ هُوَ الّذِي يُهْدِي وَيُوَفّقُ وَيُوصِلُ الْمَوْعِظَةَ إلَى آذَانِ الْقُلُوبِ لَا أَنْتَ وَجَعَلَ الْكُفّارَ أَمْوَاتًا وَصُمّا عَلَى جِهَةِ التّشْبِيهِ بِالْأَمْوَاتِ [ ص 86 ] الْحَقِيقَةِ إذَا شَاءَ لَا نَبِيّهُ وَلَا أَحَدٌ ، فَإِذَا لَا تَعَلّقَ بِالْآيَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا : أَنّهَا إنّمَا نَزَلَتْ فِي دُعَاءِ الْكُفّارِ إلَى الْإِيمَانِ . الثّانِي : أَنّهُ إنّمَا نَفَى عَنْ نَبِيّهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمِسْمَعَ لَهُمْ وَصَدَقَ اللّهُ فَإِنّهُ لَا يَسْمَعُهُمْ إذَا شَاءَ إلّا هُوَ وَيَفْعَلُ مَا شَاءَ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

شِعْرُ حَسّانَ فِيمَنْ أُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ : [ ص 87 ] [ ص 88 ] [ ص 89 ]
عَرَفْت دِيَارَ زَيْنَبَ بِالْكَثِيبِ ... كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ
تَدَاوَلَهَا الرّيَاحُ وَكُلّ جَوْنٍ ... مِنْ الْوَسْمِيّ مُنْهَمِرٍ سَكُوبِ
فَأَمْسَى رَسْمُهَا خَلَقًا وَأَمْسَتْ ... يَبَابًا بَعْدَ سَاكِنِهَا الْحَبِيبِ
فَدَعْ عَنْك التّذَكّرَ كُلّ يَوْمٍ ... وَرُدّ حَرَارَةَ الصّدْرِ الْكَئِيبِ
وَخَبّرْ بِاَلّذِي لَا عَيْبَ فِيهِ ... بِصَدْقِ غَيْرِ إخْبَارِ الْكَذُوبِ
بِمَا صَنَعَ الْمَلِيكُ غَدَاةَ بَدْرٍ ... لَنَا فِي الْمُشْرِكِينَ مِنْ النّصِيبِ
غَدَاةَ كَأَنّ جَمْعَهُمْ حِرَاءٌ ... بَدَتْ أَرْكَانُهُ جُنْحَ الْغُرُوبِ
فَلَاقَيْنَاهُمْ مِنّا بِجَمْعِ ... كَأُسْدِ الْغَابِ مُرْدَانٍ وَشِيبِ
أَمَامَ مُحَمّدٍ قَدْ وَازَرُوهُ ... عَلَى الْأَعْدَاءِ فِي لَفْحِ الْحُرُوبِ
بِأَيْدِيهِمْ صَوَارِمُ مُرْهَفَاتٌ ... وَكُلّ مُجَرّبٍ خَاطِي الْكُعُوبِ
بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفِ وَازَرَتْهَا ... بَنُو النّجّارِ فِي الدّينِ الصّلِيبِ
فَغَادَرْنَا أَبَا جَهْلٍ صَرِيعًا ... وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ
وَشَيْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا فِي رِجَالٍ ... ذَوِي حَسَبٍ إذَا نُسِبُوا حَسِيبِ
يُنَادِيهِمْ رَسُولُ اللّهِ لَمّا ... قَذَفْنَاهُمْ كَبَاكِبَ فِي الْقَلِيبِ
أَلَمْ تَجِدُوا كَلَامِي كَانَ حَقّا ... وَأَمْرُ اللّهِ يَأْخُذُ بِالْقُلُوبِ ؟
فَمَا نَطَقُوا ، وَلَوْ نَطَقُوا لَقَالُوا : ... صَدَقْت وَكُنْت ذَا رَأْيٍ مُصِيبِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُلْقُوا فِي الْقَلِيبِ ، أُخِذَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، فَسُحِبَ إلَى الْقَلِيبِ ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا بَلَغَنِي فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ ، فَإِذَا هُوَ كَئِيبٌ قَدْ تَغَيّرَ لَوْنُهُ فَقَالَ يَا أَبَا حُذَيْفَةَ لَعَلّك قَدْ دَخَلَك مِنْ شَأْنِ أَبِيك شَيْءٌ ؟ أَوْ كَمَا قَالَ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ لَا ، وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ مَا شَكَكْت فِي أَبِي وَلَا فِي مَصْرَعِهِ وَلَكِنّنِي كُنْت أَعْرِفُ مِنْ أَبِي رَأْيًا وَحُلْمًا وَفَضْلًا ، فَكُنْت أَرْجُو أَنْ يَهْدِيَهُ ذَلِكَ إلَى الْإِسْلَامِ فَلَمّا رَأَيْت مَا أَصَابَهُ وَذَكَرْت مَا مَاتَ عَلَيْهِ مِنْ الْكُفْرِ بَعْدَ الّذِي كُنْت أَرْجُو لَهُ أَحْزَنَنِي ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِخَيْرِ وَقَالَ لَهُ خَيْرًا
Sمِنْ مَعَانِي شِعْرِ حَسّانَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ شِعْرَ حَسّانَ وَقَالَ فِيهِ كَخَطّ الْوَحْيِ فِي الْوَرَقِ الْقَشِيبِ
الْقَشِيبُ فِي اللّغَةِ الْجَدِيدُ وَلَا مَعْنَى لَهُ فِي هَذَا الْبَيْتِ لِأَنّهُمْ إذَا وَصَفُوا الرّسُومَ وَشَبّهُوهَا بِالْكُتُبِ فِي الْوَرَقِ فَإِنّمَا يَصِفُونَ الْخَطّ حِينَئِذٍ بِالدّرُوسِ وَالِامّحَاءِ فَإِنّ ذَلِكَ أَدَلّ عَلَى عَفَاءِ الدّيَارِ وَطُمُوسِ الْآثَارِ وَكَثْرَةُ ذَلِكَ فِي الشّعْرِ تُغْنِي عَنْ الِاسْتِشْهَادِ عَلَيْهِ وَلَكِنْ مِنْهُ قَوْلُ النّابِغَةِ
وَقَفْت فِيهَا أُصَيْلَانَا أُسَائِلُهَا ... عَيّتْ جَوَابًا وَمَا بِالرّبْعِ مِنْ أَحَدِ
إلّا الْأُوَارَيْ لِأَيّامًا أُبَيّنُهَا ... وَالنّؤْيُ كَالْحَوْضِ بِالْمَظْلُومَةِ الْجِلْدِ
[ ص 87 ] زُهَيْرٍ :
[ وَقَفْت بِهَا مِنْ بَعْدِ عِشْرِينَ حِجّةً ] ... فَلَأْيًا عَرَفْت الدّارَ بَعْدَ تَوَهّمِ
وَقَالَ آخَرُ
وَإِلّا رُسُومُ الدّارِ قَفْرًا كَأَنّهَا ... سُطُورٌ مَحَاهَا الْبَاهِلِيّ بْنُ أَصْمَعَا
وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ بِالْقَشِيبِ هَاهُنَا الّذِي خَالَطَهُ مَا يُفْسِدُهُ إمّا مِنْ دَنَسٍ وَإِمّا مِنْ قِدَمٍ يُقَالُ طَعَامٌ مُقَشّبٌ إذَا كَانَ فِيهِ السّمّ . وَقَالَ الشّاعِرُ [ خُوَيْلِدُ بْنُ مُرّةَ أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيّ :
بِهِ تَدَعُ الْكَمِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... نَحْرٌ تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبَا
مَعْنَاهُ مَسْمُومٌ لِأَنّ الْقَشْبَ هُوَ السّمّ قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ آخِرُ مَنْ يَخْرَجُ مِنْ النّارِ وَفِيهِ قَشَبَنِي رِيحُهَا ، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاهَا . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْقِشْبِ هُوَ نَبَاتٌ رَطْبٌ مَسْمُومٌ يُنْصَبُ لِسِبَاعِ الطّيْرِ فِي لَحْمٍ فَإِذَا أَكَلَتْهُ مَاتَتْ قَالَ وَالْعَرَبُ يُجْنِبُونَهُ مَاشِيَتَهُمْ فِي الْمَرْعَى ، كَيْ لَا تُحَطّمَهُ فَيَفُوحُ مِنْ رِيحِهِ مَا يَقْتُلُهَا ، فَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ الّذِي اسْتَشْهَدَ بِهِ الْقُتَبِيّ : تَخَالُهُ نَسْرًا قَشِيبًا ، أَيْ نَسْرًا أَكَلَ ذَلِكَ الْقِشْبَ فِي اللّحْمِ وَاَللّهُ أَعْلَمُ قَالَ وَالْأَلْبُ أَيْضًا ، ضَرْبٌ مِنْ الْقِشْبِ إنْ وَجَدَتْ رِيحَهُ سِبَاعُ الطّيْرِ عَمِيَتْ وَصَمّتْ وَإِنْ أَكَلَتْهُ مَاتَتْ قَالَ وَالضّجَاجُ أَيْضًا : كُلّ نَبَاتٍ مَسْمُومٍ .
مَعْنَى أَلْقَائِهِمْ فِي الْقَلِيبِ
فَصْلٌ
فَإِنْ قِيلَ مَا مَعْنَى إلْقَائِهِمْ فِي الْقَلِيبِ ، وَمَا فِيهِ مِنْ الْفِقْهِ قُلْنَا : كَانَ مِنْ سُنّتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي مَغَازِيهِ إذَا مَرّ بِجِيفَةِ إنْسَانٍ أَمَرَ بِدَفْنِهِ لَا يَسْأَلُ عَنْهُ مُؤْمِنًا ، كَانَ أَوْ كَافِرًا هَكَذَا وَقَعَ فِي السّنَنِ لِلدّارَقُطْنِيّ ، فَلِقَاؤُهُمْ فِي الْقَلِيبِ مِنْ هَذَا الْبَابِ غَيْرَ أَنّهُ كَرِهَ أَنْ يَشُقّ عَلَى أَصْحَابِهِ لِكَثْرَةِ جِيَفِ الْكُفّارِ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِدَفْنِهِمْ فَكَانَ جَرّهُمْ إلَى الْقَلِيبِ أَيْسَرَ عَلَيْهِمْ وَوَافَقَ أَنّ الْقَلِيبَ حَفَرَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي النّار ِ اسْمُهُ بَدْرٌ فَكَانَ . فَأْلًا مُقَدّمًا لَهُمْ وَهَذَا عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي بَدْرٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . [ ص 88 ]
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانَ
وَفِي شِعْرِ حَسّانَ أَيْضًا : بَنُو الْأَوْسِ الْغَطَارِفِ وَازَرَتْهَا
وَلَوْ قَالَ آزَرَتْهَا بِالْهَمْزِ لَجَازَ وَكَانَ مِنْ الْأَزْرِ وَفِي التّنْزِيلِ { فَآزَرَهُ } أَيْ شَدّ أَزْرَهُ وَقَوّاهُ وَلَكِنْ أَرَادَ حَسّانُ مَعْنَى الْوَزِيرِ فَإِنّهُ سُمّيَ وَزِيرًا مِنْ الْوِزْرِ وَهُوَ الثّقْلُ لِأَنّهُ يَحْمِلُ عَنْ صَاحِبِهِ ثِقْلًا وَيُعِينُهُ وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْوِزْرِ وَهُوَ الْمَلْجَأُ لِأَنّ الْوَزِيرَ يَلْجَأُ إلَى رَأْيِهِ وَقَدْ أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ آزَرْتهَا مُصْلَحًا بِغَيْرِ وَاوٍ إلّا أَنّ وَازَرَتْهَا وَزْنُهُ فَاعَلْت ، وَآزَرْت وَزْنُهُ أَفْعَلْت . وَقَوْلُهُ وَعُتْبَةَ قَدْ تَرَكْنَا بِالْجَبُوبِ
مَعْنَى الْجَبُوبِ
الْجَبُوبُ اسْمٌ لِلْأَرْضِ لِأَنّهَا تُجَبّ أَيْ تُحْفَرُ وَتَجُبّ مَنْ دُفِنَ فِيهَا ، أَيْ تَقْطَعُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى ، لِأَنّهُمْ قَالُوا : جَبُوبٌ مِثْلَ صَبُورٍ وَشَكُورٍ فِي الْمُؤَنّثِ وَلَمْ يَقُولُوا : جَبُوبَةٌ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ حَلُوبَةٍ وَرَكُوبَةٍ ، وَيُدْخِلُونَ فِيهَا الْأَلِفَ وَاللّامَ تَارَةً فَيَقُولُونَ الْجَبُوبُ كَمَا فِي هَذَا الْبَيْتِ وَتَارَةً يَجْعَلُونَهُ اسْمًا عَلَمًا ، فَيَقُولُونَ جَبُوبٌ مِثْلَ شَعُوبٍ قَالَ الشّاعِرُ
بَنَى عَلَى قَلْبِي وَعَيْنِي مَكَانَهُ ... ثَوَى بَيْنَ أَحْجَارٍ رَهِينَ جَبُوبِ
وَمِنْهُ قِيلَ جَبّانٌ وَجَبّانَةَ لِلْأَرْضِ الّتِي يُدْفَنُ فِيهَا الْمَوْتَى ، فَهُوَ فَعْلَانٌ مِنْ الْجَبّ وَالْجَبُوبِ وَهُوَ قَوْلُ الْخَلِيلِ فِي مَعْنَى الْجَبّانِ وَغَيْرُهُ يَجْعَلُهُ فَعّالًا مِنْ الْجُبْنِ .
مَرّةٌ أُخْرَى شِعْرُ حَسّانَ
وَقَوْلُهُ خَاطِي الْكُعُوبِ أَيْ مُكْتَنِزُ الْكُعُوبِ قَوِيّهَا [ وَالْكُعُوبُ عُقَدُ الْقَنَاةِ ] ، وَقَوْلُ حَسّانَ : الْغَطَارِفُ أَرَادَ الْغَطَارِيفَ كَمَا تَقَدّمَ فِي شِعْرِ الْجُرْهُمِيّ تَطَلّ بِهَا أَمْنًا وَفِيهَا الْعَصَافِرُ
أَرَادَ الْعَصَافِيرَ وَحَذَفَ الْيَاءَ ضَرُورَةً . [ ص 89 ]

مَنْ نَزَلَ فِيهِمْ { إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ }
وَكَانَ الْفِتْيَةُ الّذِينَ قُتِلُوا بِبَدْرِ فَنَزَلَ فِيهِمْ مِنْ الْقُرْآنِ فِيمَا ذُكِرَ لَنَا : { إِنّ الّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا } فِتْيَةً مُسَمّينَ . مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ . [ ص 90 ] بَنِي مَخْزُومٍ : أَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ . وَمِنْ بَنِي جُمَحَ : عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ . وَمِنْ بَنِي سَهْمٍ : الْعَاصِ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . وَذَلِكَ أَنّهُمْ كَانُوا أَسْلَمُوا ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَكّةَ ، فَلَمّا هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الْمَدِينَةِ حَبَسَهُمْ آبَاؤُهُمْ وَعَشَائِرُهُمْ بِمَكّةَ وَفَتَنُوهُمْ فَافْتُتِنُوا ، ثُمّ سَارُوا مَعَ قَوْمِهِمْ إلَى بَدْرٍ فَأُصِيبُوا بِهِ جَمِيعًا .

ذِكْرُ الْفَيْءِ بِبَدْرِ
ثُمّ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ بِمَا فِي الْعَسْكَرِ مِمّا جَمَعَ النّاسُ فَجَمَعَ فَاخْتَلَفَ الْمُسْلِمُونَ فِيهِ فَقَالَ مَنْ جَمَعَهُ هُوَ لَنَا ، وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يُقَاتِلُونَ الْعَدُوّ وَيَطْلُبُونَهُ وَاَللّهِ لَوْلَا نَحْنُ مَا أَصَبْتُمُوهُ لَنَحْنُ شَغَلْنَا عَنْكُمْ الْقَوْمَ حَتّى أَصَبْتُمْ مَا أَصَبْتُمْ وَقَالَ الّذِينَ كَانُوا يَحْرُسُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَخَافَةَ أَنْ يُخَالِفَ إلَيْهِ الْعَدُوّ وَاَللّهِ مَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا ، وَاَللّهِ لَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَقْتُلَ الْعَدُوّ إذْ مَنَحَنَا اللّهُ تَعَالَى أَكْتَافَهُ وَلَقَدْ رَأَيْنَا أَنْ نَأْخُذَ الْمَتَاعَ حِينَ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ مَنْ يَمْنَعُهُ وَلَكِنّا خِفْنَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَرّةَ الْعَدُوّ فَقُمْنَا دُونَهُ فَمَا أَنْتُمْ بِأَحَقّ بِهِ مِنّا . [ ص 91 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى ، عَنْ مَكْحُولٍ ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيّ - وَاسْمُهُ صِدْقِيّ بْنُ عَجْلَانَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ قَالَ سَأَلْت عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ فِينَا أَصْحَابُ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا ، فَنَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا ، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ فَقَسَمَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى السّوَاءِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ حَدّثَنِي بَعْضُ بَنِي سَاعِدَةَ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ السّاعِدِيّ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَالَ أَصَبْت سَيْفَ بَنِي عَائِذٍ الْمَخْزُومِيّينَ الّذِي يُسَمّى الْمَرْزُبَانُ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمّا أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ النّاسَ أَنْ يَرُدّوا مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ النّفَلِ أَقْبَلْت حَتّى أَلْقَيْته فِي النّفَلِ . قَالَ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَمْنَعُ شَيْئًا سُئِلَهُ فَعَرَفَهُ الْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ ، فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ إيّاهُ .
Sالْعَرْشُ وَالْعَرِيشُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ تَنَازُعَهُمْ فِي النّفْلِ وَمَا احْتَجّتْ بِهِ الطّائِفَةُ الّذِينَ كَانُوا يَحْمُونَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْعَرِيشِ وَالْعَرِيشُ كُلّ مَا أَظَلّك وَعَلَاك مِنْ فَوْقِك ، فَإِنْ عَلَوْته أَنْتَ فَهُوَ عَرْشٌ لَك ، لَا عَرِيشٌ وَالْعَرِيشُ أَيْضًا فِيمَا فَكّرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَرْبَعُ نَخَلَاتٍ أَوْ خَمْسٌ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ .
بَنُو عَابِدٍ وَبَنُو عَائِذٍ
وَذَكَرَ قَوْلَ أَبِي أُسَيْدٍ وَجَدْت يَوْمَ بَدْرٍ سَيْفَ بَنِي عَابِدٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَرْزُبَانُ . بَنُو عَابِدٍ فِي بَنِي مَخْزُومٍ ، وَهُمْ بَنُو عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَمّا بَنُو عَائِذٍ بِالْيَاءِ وَالذّالِ [ ص 91 ] بَنُو عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ رَهْطُ آلِ الْمُسَيّبِ ، وَالْأَوّلُونَ رَهْطُ آلِ بَنِي السّائِبِ .
حَوْلَ الْقَسْمِ
وَأَمّا قَوْلُهُ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ بَوَاءٍ يَقُولُ عَلَى سَوَاءٍ فَقَدْ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْأَمْوَالِ ، فَقَالَ فِيهِ فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنْ فُوَاقٍ وَفَسّرَهُ فَقَالَ جَعَلَ بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ أَيْ فَضّلَ فِي الْقَسْمِ مَنْ رَأَى تَفْضِيلَهُ وَفِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنّ مَعْنَى عَنْ فُوَاقٍ السّرْعَةُ فِي الْقَسْمِ كَفُوَاقِ النّاقَةِ وَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ أَشْهَرُ وَأَثْبَتُ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ .
سَبَبُ نُزُولِ أَوّلِ الْأَنْفَالِ
وَفِي الْحَدِيثِ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ أَنّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، قَالَ قَتَلْت يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي ، وَأَخَذْت سَيْفَهُ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ ذُو الْكَتِيفَةِ . فَأَتَيْت بِهِ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ نَفّلْنِيهِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَجْعَلَهُ فِي الْقَبْضِ فَأَخَذَنِي مَا لَا يَعْلَمُهُ إلّا اللّهُ فَقُلْت : قُتِلَ أَخِي عُمَيْرٌ وَأُخِذَ سَلَبِي فَأَنْزَلَ اللّهُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ } الْآيَةَ فَأَعْطَانِي رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ السّيْفَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَأَهْلُ السّيَرِ يَقُولُونَ قَتَلَ الْعَاصِيَ بْنَ سَعِيدٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . [ ص 92 ]

بَعْثُ ابْنِ رَوَاحَةَ وَزَيْدٍ بَشِيرَيْنِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ [ ص 92 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ الْفَتْحِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ رَوَاحَةَ بَشِيرًا إلَى أَهْلِ الْعَالِيَةِ ، بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ عَلَى رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ وَبَعَثَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إلَى أَهْلِ السّافِلَةِ . قَالَ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ : فَأَتَانَا الْخَبَرُ - حِينَ سَوّيْنَا التّرَابَ عَلَى رُقَيّةَ ابْنَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ، الّتِي كَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ . كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَلّفَنِي عَلَيْهَا مَعَ عُثْمَانَ - أَنّ زَيْدَ بْنَ حَارِثٍ قَدْ قَدّمَ . قَالَ فَجِئْته وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْمُصَلّى قَدْ غَشِيَهُ النّاسُ وَهُوَ يَقُولُ " قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ وَالْعَاصِ بْنُ هِشَامٍ وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ . قَالَ قُلْت : يَا أَبَتْ أَحَقّ هَذَا . قَالَ نَعَمْ وَاَللّهِ يَا بُنَيّ
قُفُولُ رَسُولِ اللّهِ مِنْ بَدْرٍ
ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَافِلًا إلَى الْمَدِينَةِ ، وَمَعَهُ الْأُسَارَى مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَفِيهِمْ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، وَالنّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ وَاحْتَمَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَعَهُ النّفَلُ الّذِي أُصِيبَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَجَعَلَ عَلَى النّفَلِ عَبْدِ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ، فَقَالَ رَاجِزٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يُقَالُ إنّهُ عَدِيّ بْنُ أَبِي الزّغْبَاءِ :
أَقِمْ لَهَا صُدُورَهَا يَا بَسْبَسُ ... أَلَيْسَ بِذِي الطّلْحِ لَهَا مُعَرّسُ
وَلَا بِصَحْرَاءِ غُمَيْرٍ مَحْبَسُ ... إنّ مَطَايَا الْقَوْمِ لَا تُخَيّسُ
فَحَمَلَهَا عَلَى الطّرِيقِ أَكْيَسُ ... قَدْ نَصَرَ اللّهُ وَفَرّ الْأَخْنَسُ
ثُمّ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - حَتّى إذَا خَرَجَ مِنْ مَضِيقِ الصّفْرَاءِ نَزَلَ عَلَى كَثِيبٍ بَيْنَ الْمَضِيقِ وَبَيْنَ النّازِيَةِ - يُقَالُ لَهُ سَيْرٌ - إلَى سَرْحَةٍ بِهِ . فَقَسَمَ هُنَالِكَ النّفَلَ الّذِي أَفَاءَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ عَلَى السّوَاءِ ثُمّ ارْتَحَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى إذَا كَانَ بِالرّوْحَاءِ لَقِيَهُ الْمُسْلِمُونَ يُهَنّئُونَهُ بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُمْ سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ - كَمَا حَدّثَنِي عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ ، وَيَزِيدُ بْنُ رُومَانَ : مَا الّذِي [ ص 93 ] لَقِينَا إلّا عَجَائِزَ صُلْعًا كَالْبُدْنِ الْمُعَقّلَةِ فَنَحَرْنَاهَا ، فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ قَالَ أَيْ ابْنَ أَخِي ، أُولَئِكَ الْمَلَأُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمَلَأُ الْأَشْرَافُ وَالرّؤَسَاءُ .

مَقْتَلُ النّضْرِ وَعُقْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَتّى إذَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ قُتِلَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، كَمَا أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ خَرَجَ حَتّى إذَا كَانَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ قُتِلَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عِرْقُ الظّبْيَةِ مِنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِي أَسَرَ عُقْبَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ عُقْبَةُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِقَتْلِهِ فَمَنْ لِلصّبِيّةِ يَا مُحَمّدُ ؟ قَالَ النّارُ فَقَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ الْأَنْصَارِيّ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، كَمَا حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمّارِ بْنِ يَاسِرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَام : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا ذَكَرَ لِي ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ .
Sعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ
فَصْلٌ
[ ص 93 ] وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَتَلَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلِمَةَ ، وَسَلِمَةُ هَذَا بِكَسْرِ اللّامِ وَهُوَ سَلِمَةُ بْنُ مَالِكٍ أَحَدُ بَنِي الْعَجْلَانِ بَلَوِيّ بِالنّسَبِ أَنْصَارِيّ بِالْحِلْفِ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ شَهِيدًا وَأَمّا عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ ، فَاسْمُ أَبِي مُعَيْطٍ أَبَانُ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، وَاسْمُهُ ذَكْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ يُقَالُ كَانَ أُمَيّةُ قَدْ سَاعَى أَمَةً أَوْ بَغَتْ أَمَةً لَهُ فَحَمَلَتْ بِأَبِي عَمْرٍو ، فَاسْتَلْحَقَهُ بِحُكْمِ الْجَاهِلِيّةِ وَلِذَلِكَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - لِعُقْبَةَ حِينَ قَالَ أَأُقْتَلُ مِنْ بَيْنِ قُرَيْشٍ صَبْرًا ، فَقَالَ عُمَرُ حَنّ قِدْحٌ لَيْسَ مَعَهَا يَعْرِضُ بِنَسَبِهِ وَذَلِكَ أَنّ الْقِدَاحَ فِي الْمَيْسِرِ رُبّمَا جُعِلَ مَعَهَا قِدْحٌ [ ص 94 ] وَالْيُمْنُ فَيُسْتَعَارُ لِذَلِكَ وَيُسَمّى : الْمَنِيحَ فَإِذَا حُرّكَ فِي الرّبَابَةِ مَعَ الْقِدَاحِ تَمَيّزَ صَوْتُهُ لِمُخَالَفَةِ جَوْهَرِهِ جَوْهَرَ الْقِدَاحِ فَيُقَالُ حِينَئِذٍ حِنّ قِدْحٍ لَيْسَ مِنْهَا ، فَتَمَثّلَ عُمَرُ بِهَذَا الْمَثَلِ يُرِيدُ أَنّ عُقْبَةَ لَيْسَ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - قَالَ حِينَئِذٍ إنّمَا أَنْتَ يَهُودِيّ مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ لِأَنّ الْأَمَةَ الّتِي وَلَدَتْ أَبَاهُ كَانَتْ لِيَهُودِيّ مِنْ أَهْلِ صَفّورِيَةَ ، وَاسْمُهَا : تَرَنِي ، قَالَهُ الْقُتَبِيّ ، وَكَذَلِكَ قَالَ دَغْفَلُ بْنُ حَنْظَلَةَ النّسّابَةُ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ سَأَلَهُ هَلْ أَدْرَكْت عَبْدَ الْمُطّلِب ِ ؟ فَقَالَ نَعَمْ أَدْرَكْته شَيْخًا وَسِيمًا قَسِيمًا جَسِيمًا يَحُفّ بِهِ عَشَرَةٌ مِنْ بَنِيهِ كَأَنّهُمْ النّجُومُ قَالَ فَهَلْ رَأَيْت أُمَيّةَ بْنَ عَبْدِ شَمْسٍ ؟ قَالَ نَعَمْ رَأَيْته أُخَيْفِشُ أُزَيْرِقُ دَمِيمًا ، يَقُودُهُ عَبْدُهُ ذَكْوَانُ ، فَقَالَ وَيْحَك ذَاكَ ابْنُهُ أَبُو عَمْرٍو ، فَقَالَ دَغْفَلٌ أَنْتُمْ تَقُولُونَ ذَلِكَ .
الطّعْنُ فِي نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ
قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذَا الطّعْنُ خَاصّ بِنَسَبِ عُقْبَةَ مِنْ بَنِي أُمَيّةَ ، وَفِي نَسَبِ أُمَيّةَ نَفْسِهِ مَقَالَةٌ أُخْرَى تَعُمّ جَمِيعَ الْفَصِيلَةِ وَهِيَ مَا رُوِيَ عَنْ سَفِينَةَ مَوْلَى أُمّ سَلَمَةَ حِينَ قِيلَ لَهُ إنّ بَنِي أُمَيّةَ يَزْعُمُونَ أَنّ الْخِلَافَةَ فِيهِمْ فَقَالَ كَذَبَتْ اسْتَاهُ بَنِي الزّرْقَاءِ ، بَلْ هُمْ مُلُوكٌ وَمِنْ شَرّ الْمُلُوكِ فَيُقَالُ أَنّ الزّرْقَاءَ هَذِهِ هِيَ [ أُمّ ] أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَاسْمُهَا أَرْنَبُ قَالَ الْأَصْبَهَانِيّ فِي كِتَابِ الْأَمْثَالِ قَالَ وَكَانَتْ فِي الْجَاهِلِيّةِ مِنْ صَوَاحِبِ الرّايَاتِ . قَالَ الْمُؤَلّفُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ وَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيّةِ وَنَهَى عَنْ الطّعْنِ فِي الْأَنْسَابِ وَلَوْ لَمْ يَجِبْ الْكَفّ عَنْ نَسَبِ بَنِي أُمَيّةَ إلّا لِمَوْضِعِ عُثْمَانَ بْنِ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ لَكَانَ حَرًى بذلك .

[ ص 94 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَلَقِيَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِذَلِكَ الْمَوْضِعِ أَبُو هِنْدٍ ، مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبَيَاضِيّ بِحَمِيتِ مَمْلُوءٍ حَيْسًا . [ ص 95 ] وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحَمِيت : الزّقّ ، وَكَانَ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ ، ثُمّ شَهِدَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهُوَ كَانَ حَجّامَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إنّمَا هُوَ أَبُو هِنْدٍ امْرِئِ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَنْكِحُوهُ وَأَنْكِحُوا إلَيْهِ فَفَعَلُوا [ ص 95 ]Sأَبُو هِنْدٍ الْحَجّامُ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ أَبَا هِنْدٍ الْحَجّامَ وَأَنّهُ لَقِيَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ بَدْرٍ . أَبُو هِنْدٍ اسْمُهُ عَبْدُ اللّهِ وَهُوَ مَوْلَى فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْبِيَاسِيّ وَأَمّا طَيْبَةُ الْحَجّامُ فَهُوَ مَوْلَى بَنِي حَارِثَةَ وَاسْمُهُ نَافِعٌ وَقِيلَ دُنَيْرٍ وَقِيلَ مَيْسَرَةُ وَلَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ مَضَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ قَبْلَ الْأُسَارَى بِيَوْمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَنّ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ أَسَعْدَ بْنِ زُرَارَةَ قَالَ قَدِمَ بِالْأُسَارَى حِينَ قَدِمَ بِهِمْ وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمَعَةَ زَوْجُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عِنْدَ آلِ عَفْرَاءَ ، فِي مَنَاحِتِهِمْ عَلَى عَوْفٍ وَمُعَوّذٍ ابْنَيْ عَفْرَاءَ ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْهِنّ الْحِجَابَ . قَالَ تَقُولُ سَوْدَةُ وَاَللّهِ إنّي لَعِنْدَهُمْ إذْ أَتَيْنَا ، فَقِيلَ هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى ، قَدْ أُتِيَ بِهِمْ قَالَتْ فَرَجَعْت إلَى بَيْتِي ، وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيهِ وَإِذَا أَبُو يَزِيدَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ بِحَبْلِ قَالَتْ فَلَا وَاَللّهِ مَا مَلَكَتْ نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ كَذَلِكَ أَنْ قُلْت : أَيْ أَبَا يَزِيدَ أَعْطَيْتُمْ بِأَيْدِيكُمْ إلّا مُتّمْ كِرَامًا ، فَوَاَللّهِ مَا أَنْبَهَنِي إلّا قَوْلُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْبَيْتِ يَا سَوْدَةُ أَعَلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ تُحَرّضِينَ ؟ قَالَتْ قُلْت : يَا رَسُولَ اللّهِ وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ مَا مَلَكْت نَفْسِي حِينَ رَأَيْت أَبَا يَزِيدَ مَجْمُوعَةً يَدَاهُ إلَى عُنُقِهِ أَنْ قُلْت مَا قُلْت

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ الدّارِ . أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَقْبَلَ بِالْأُسَارَى فَرّقَهُمْ بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَقَالَ اسْتَوْصُوا بِالْأُسَارَى خَيْرًا قَالَ وَكَانَ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمٍ ، أَخُو مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ لِأَبِيهِ وَأُمّهِ فِي الْأُسَارَى . [ ص 96 ] قَالَ فَقَالَ أَبُو عَزِيزٍ مَرّ بِي أَخِي مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَرَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ يَأْسِرُنِي ، فَقَالَ شُدّ يَدَك بِهِ فَإِنّ أُمّهُ ذَاتُ مَتَاعٍ لَعَلّهَا تَفْدِيهِ مِنْك ، قَالَ وَكُنْت فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَنْصَارِ حِينَ أَقْبَلُوا بِي مِنْ بَدْرٍ ، فَكَانُوا إذَا قَدّمُوا غَدَاءَهُمْ وَعَشَاءَهُمْ خَصّونِي بِالْخُبْزِ وَأَكَلُوا التّمْرَ لِوَصِيّةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِنَا ، مَا تَقَعُ فِي يَدِ رَجُلٍ مِنْهُمْ كِسْرَةُ خُبْزٍ إلّا نَفَحَنِي بِهَا . قَالَ فَأَسْتَحْيِي فَأَرُدّهَا عَلَى أَحَدِهِمْ فَيَرُدّهَا عَلَى مَا يَمَسّهَا .
بُلُوغُ مُصَابِ قُرَيْشٍ إلَى مَكّةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ أَبُو عَزِيزٍ صَاحِبَ لِوَاءِ الْمُشْرِكِينَ بِبَدْر ِ بَعْدَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ فَلَمّا قَالَ أَخُوهُ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ لِأَبِي الْيَسَرِ وَهُوَ الّذِي أَسَرَهُ مَا قَالَ قَالَ لَهُ أَبُو عَزِيزٍ يَا أَخِي ، هَذِهِ وَصَاتُك بِي ، فَقَالَ لَهُ مُصْعَبٌ إنّهُ أَخِي دُونَك . فَسَأَلْت أُمّهُ عَنْ أَغْلَى مَا فُدِيَ بِهِ قُرَشِيّ ، فَقِيلَ لَهَا : أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَبِعْت بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَفَدَتْهُ بِهَا . [ ص 96 ]
Sأُسَارَى بَدْرٍ
ذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا عَزِيزِ بْنَ عُمَيْرٍ حِينَ مَرّ بِهِ وَهُوَ أَسِيرٌ عَلَى أَخِيهِ مُصْعَبٍ فَقَالَ مُصْعَبٌ لِلّذِي أَسَرَهُ اُشْدُدْ يَدَيْك بِهِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ . قَالَ الْمُؤَلّفُ رَحِمَهُ اللّهُ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ الْهِجْرَةِ خَبَرُ إسْلَامِ مُصْعَبٍ وَمَا كَانَتْ أُمّهُ تَصْنَعُ بِهِ وَأَرْجَأْت التّعْرِيفَ بِهِ وَبِإِخْوَتِهِ إلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَأَمّا أَبُو عَزِيزٍ فَاسْمُهُ زُرَارَةُ وَأُمّهُ الّتِي أَرْسَلَتْ فِي فِدَائِهِ أُمّ الْخِنَاسِ بِنْتُ مَالِكٍ الْعَامِرِيّةُ وَهِيَ أُمّ أَخِيهِ مُصْعَبٍ وَأُخْتُهُ هِنْدُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهِنْدٌ هِيَ أُمّ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ حَاجِبُ الْكَعْبَةِ ، جَدّ بَنِي شَيْبَةَ أَسْلَمَ أَبُو عَزِيزٍ وَرَوَى الْحَدِيثَ وَأَسْلَمَ أَخُوهُ أَبُو الرّومِ ، وَأَبُو يَزِيدَ وَلَا خَفَاءَ بِإِسْلَامِ مُصْعَبٍ أَخِيهِ وَغَلِطَ الزّبَيْرُ بْنُ بَكّارٍ ، فَقَالَ قُتِلَ أَبُو عَزِيزٍ يَوْمَ أُحُدٍ كَافِرًا ، وَلَمْ يَصِحّ هَذَا عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ نُبَيْهُ بْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُ وَلَعَلّ الْمَقْتُولُ بِأُحُدِ كَافِرًا أَخٌ لَهُمْ غَيْرَهُ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَوّلَ مَنْ قَدِمَ مَكّةَ بِمُصَابِ قُرَيْشٍ الْحَيْسُمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ الْخُزَاعِيّ ، فَقَالُوا : مَا وَرَاءَك ؟ قَالَ قُتِلَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَأَبُو الْحَكَمِ بْنُ هِشَامٍ ، وَأُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ ، وَزَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَنُبَيْهٌ وَمُنَبّهٌ ابْنَا الْحَجّاجِ ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ بْنُ هِشَامٍ فَلَمّا جَعَلَ يُعَدّدُ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ . قَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ، وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الْحِجْرِ : وَاَللّهِ إنْ يَعْقِلْ هَذَا فَاسْأَلُوهُ عَنّي ؛ فَقَالُوا : مَا فَعَلَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ ؟ قَالَ هَا هُوَ ذَاكَ جَالِسًا فِي الْحِجْرِ ، وَقَدْ وَاَللّهِ رَأَيْت أَبَاهُ وَأَخَاهُ حِينَ قُتِلَا [ ص 97 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبّاسٍ ، قَالَ قَالَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كُنْت غُلَامًا لِلْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ دَخَلَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ ، فَأَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَأَسْلَمَتْ أُمّ الْفَضْلِ وَأَسْلَمْت وَكَانَ الْعَبّاسُ يَهَابُ قَوْمَهُ وَيَكْرَهُ خِلَافَهُمْ وَكَانَ يَكْتُمُ إسْلَامَهُ وَكَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ مُتَفَرّقٍ فِي قَوْمِهِ وَكَانَ أَبُو لَهَبٍ قَدْ تَخَلّفَ عَنْ بَدْرٍ فَبَعَثَ مَكَانَهُ الْعَاصِيَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَكَذَلِكَ كَانُوا صَنَعُوا ، لَمْ يَتَخَلّفْ رَجُلٌ إلّا بَعَثَ مَكَانَهُ رَجُلًا ، فَلَمّا جَاءَهُ الْخَبَرُ عَنْ مُصَابِ أَصْحَابِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، كَبَتَهُ اللّهُ وَأَخْزَاهُ وَوَجَدْنَا فِي أَنْفُسِنَا قُوّةً وَعِزّا . قَالَ وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا ، وَكُنْت أَعَمَلُ الْأَقْدَاحَ . أَنْحِتُهَا فِي حُجْرَةِ زَمْزَمَ . فَوَاَللّهِ إنّي لَجَالِسٌ فِيهَا أَنْحِتُ أَقْدَاحِي ، وَعِنْدِي أُمّ الْفَضْلِ جَالِسَةٌ وَقَدْ سِرْنَا مَا جَاءَنَا مِنْ الْخَبَرِ ، إذْ أَقْبَلَ أَبُو لَهَبٍ يَجُرّ رِجْلَيْهِ بِشَرّ حَتّى جَلَسَ عَلَى طُنُبِ الْحُجْرَةِ فَكَانَ ظَهْرُهُ إلَى ظَهْرِي ، فَبَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ إذْ قَالَ النّاسُ هَذَا أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي سُفْيَانَ الْمُغِيرَةُ - قَدْ قَدِمَ قَالَ فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ هَلُمّ إلَيّ فَعِنْدَك لَعَمْرِي الْخَبَرُ ، قَالَ فَجَلَسَ إلَيْهِ وَالنّاسُ قِيَامٌ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا ابْنَ أَخِي ، أَخْبِرْنِي كَيْفَ كَانَ أَمْرُ النّاسِ ؟ قَالَ وَاَللّهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِينَا الْقَوْمَ فَمَنَحْنَاهُمْ أَكْتَافَنَا يَقُودُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا وَيَأْسِرُونَنَا كَيْفَ شَاءُوا ، وَاَيْمُ اللّهِ مَعَ ذَلِكَ مَا لُمْت النّاسَ لَقِيَنَا رِجَالًا بِيضًا ، عَلَى خَيْلٍ بُلْقٍ بَيْنَ السّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَاَللّهِ مَا تَلِيقُ شَيْئًا ، وَلَا يَقُومُ لَهَا شَيْءٌ . قَالَ أَبُو رَافِعٍ فَرَفَعْت طُنُبَ الْحُجْرَةِ بِيَدِي ، ثُمّ قُلْت : تِلْكَ وَاَللّهِ الْمَلَائِكَةُ . قَالَ فَرَفَعَ أَبُو لَهَبٍ يَدَهُ فَضَرَبَ بِهَا وَجْهِي ضَرْبَةً [ ص 98 ] شَدِيدَةً . قَالَ وَثَاوَرْتُهُ فَاحْتَمَلَنِي فَضَرَبَ بِي الْأَرْضَ ثُمّ بَرَكَ عَلِيّ يَضْرِبُنِي ، وَكُنْت رَجُلًا ضَعِيفًا ، فَقَامَتْ أُمّ الْفَضْلِ إلَى عَمُودٍ مِنْ عُمُدِ الْحُجْرَةِ فَأَخَذْته فَضَرَبْته بِهِ ضَرْبَةً فَلَعَتْ فِي رَأْسِهِ شَجّةً مُنْكَرَةً وَقَالَتْ اسْتَضْعَفْته أَنْ غَابَ عَنْهُ سَيّدُهُ فَقَامَ مُوَلّيًا ذَلِيلًا ، فَوَاَللّهِ مَا عَاشَ إلّا سَبْعَ لَيَالٍ حَتّى رَمَاهُ اللّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلْته . [ ص 97 ]Sخَبَرُ أَبِي رَافِعٍ حِينَ قَدِمَ فَلّ قُرَيْشٍ
اسْمُ أَبِي رَافِعٍ أَسْلَمُ ، وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ : اسْمُهُ إبْرَاهِيمَ وَقِيلَ اسْمُهُ هُرْمُزَ وَكَانَ عَبْدًا قِبْطِيّا لِلْعَبّاسِ فَوَهَبَهُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا أَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَبَشّرَ أَبُو رَافِعٍ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِإِسْلَامِهِ فَأَعْتَقَهُ فَكَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقِيلَ كَانَ عَبْدًا لِبَنِي سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي ، وَهُمْ عَشَرَةٌ فَأَعْتَقُوهُ إلّا خَالِدَ بْنَ سَعِيدٍ ، فَإِنّهُ وَهَبَ حِصّتَهُ فِيهِ لِلنّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَأَعْتَقَهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَالْأَوّلُ أَصَحّ تُوُفّيَ فِي قَوْلِ الْوَاقِدِيّ قَبْلَ مَقْتَلِ عُثْمَانَ بِيَسِيرِ .
أُمّ الْفَضْلِ وَضَرْبُهَا لِأَبِي لَهَبٍ
وَذَكَرَ أَبَا لَهَبٍ وَضَرْبَهُ لِأَبِي رَافِعٍ حِينَ ذَكَرَ الْمَلَائِكَةَ وَانْتِصَارَ أُمّ الْفَضْلِ لَهُ وَضَرْبَهَا لِأَبِي لَهَبٍ وَأُمّ الْفَضْلِ هِيَ لُبَابَةُ الْكُبْرَى بِنْتُ الْحَارِثِ [ بْنِ حَزْنِ بْنِ بُجَيْرِ بْنِ الْهُزَمِ بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ [ ص 98 ] هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ ] الْهِلَالِيّةُ أُخْتُ مَيْمُونَةَ وَأُخْتُهَا لُبَابَةُ الصّغْرَى أُمّ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ ، وَلَدَتْ أُمّ الْفَضْلِ مِنْ الْعَبّاسِ سَبْعَةً نُجَبَاءَ قَالَ الشّاعِرُ
مَا وَلَدَتْ نَحِيبَةٌ مِنْ فَحْلٍ ... كَسَبْعَةِ مِنْ بَطْنِ أُمّ الْفَضْلِ
وَهُمْ عَبْدُ اللّهِ وَعُبَيْدُ اللّهِ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ وَالْفَضْلُ وَمَعْبَدُ وَقُثَمُ ، وَيُقَالُ فِي السّابِعِ كَثِيرُ بْنُ الْعَبّاسِ وَالْأَصَحّ فِي كَثِيرٍ أَنّ أُمّهُ رُومِيّةُ وَلَمْ تَلِدْ أُمّ الْفَضْلِ مِنْ الْعَبّاسِ إلّا مَنْ سَمّيْنَا وَأُخْتًا لَهُمْ وَهِيَ أُمّ حَبِيبٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ [ بْنِ بُكَيْرٍ ] ، وَذَكَرَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - رَآهَا وَهِيَ طِفْلَةً تَدِبّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ إنْ بَلَغْت هَذِهِ وَأَنَا حَيّ تَزَوّجْتهَا فَقُبِضَ عَلَيْهِ السّلَامُ قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ فَتَزَوّجَهَا سُفْيَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ [ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو ] الْمَخْزُومِيّ فَوَلَدَتْ لَهُ رِزْقًا وَلُبَابَةَ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ أَنّ أَبَا لَهَبٍ حِينَ ضَرَبَتْهُ أُمّ الْفَضْلِ بِالْعَمُودِ عَلَى رَأْسِهِ قَامَ مُنْكَسِرًا ، وَلَمْ يَلْبَثْ إلّا يَسِيرًا ، حَتّى رَمَاهُ اللّهُ بِالْعَدَسَةِ فَقَتَلَهُ . وَذَكَرَ الطّبَرِيّ فِي كِتَابِهِ أَنّ الْعَدَسَةَ قَرْحَةٌ كَانَتْ الْعَرَبُ تَتَشَاءَمُ بِهَا ، وَيَرَوْنَ أَنّهَا تُعْدِي أَشَدّ الْعَدْوَى ، فَلَمّا رُمِيَ بِهَا أَبُو لَهَبٍ تَبَاعَدَ عَنْهُ بَنُوهُ فَبَقِيَ ثَلَاثًا لَا تُقْرَبُ جِنَازَتُهُ وَلَا يُدْفَنُ فَلَمّا خَافُوا السّبّةَ دَفَعُوهُ بِعُودِ فِي حُفْرَتِهِ ثُمّ قَذَفُوهُ بِالْحِجَارَةِ مِنْ بِعِيدِ حَتّى وَارَوْهُ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ لَمْ يَحْفِرُوا لَهُ وَلَكِنْ أُسْنِدَ إلَى حَائِطٍ وَقُذِفَتْ عَلَيْهِ الْحِجَارَةُ مِنْ خَلْفِ الْحَائِطِ وَوُرِيَ وَذَكَرَ أَنّ عَائِشَةَ كَانَتْ إذَا مَرّتْ بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ غَطّتْ وَجْهَهَا ، وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيّ أَنّ بَعْضَ أَهْلِهِ رَآهُ فِي الْمَنَامِ فِي شَرّ رَحِيبَةٍ وَهِيَ الْحَالَةُ فَقَالَ مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ يَعْنِي : رَاحَةً غَيْرَ أَنّي سُقِيت فِي مِثْلِ هَذِهِ بِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ ، هَكَذَا فِي رِوَايَةِ الْأُصَيْلِيّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَفِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ قَالَ مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً غَيْرَ أَنّي سُقِيت فِي مِثْلِ هَذِهِ وَأَشَارَ إلَى النّقْرَةِ بَيْنَ السّبّابَةِ وَالْإِبْهَامِ بِعِتْقِي ثُوَيْبَةَ ، وَفِي غَيْرِ الْبُخَارِيّ أَنّ الّذِي رَآهُ مِنْ أَهْلِهِ هُوَ أَخُوهُ الْعَبّاسُ قَالَ مَكَثْت حَوْلًا بَعْدَ مَوْتِ أَبِي لَهَبٍ لَا [ ص 99 ] أَرَاهُ فِي نَوْمٍ ثُمّ رَأَيْته فِي شَرّ حَالٍ فَقَالَ مَا لَقِيت بَعْدَكُمْ رَاحَةً إلّا أَنّ الْعَذَابَ يُخَفّفُ عَنّي كُلّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وُلِدَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَكَانَتْ ثُوَيْبَةُ قَدْ بَشّرَتْهُ بِمَوْلِدِهِ فَقَالَتْ لَهُ أَشَعَرْت أَنّ آمِنَةَ وَلَدَتْ غُلَامًا لِأَخِيك عَبْدِ اللّهِ ؟ فَقُلْ لَهَا : اذْهَبِي ، فَأَنْتِ حُرّةٌ فَنَفَعَهُ ذَلِكَ وَفِي النّارِ كَمَا نَفَعَ أَخَاهُ أَبَا طَالِبٍ ذَبّهُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَهُوَ أَهْوَنُ أَهْلِ النّارِ عَذَابًا ، وَقَدْ تَقَدّمَ فِي بَابِ أَبِي طَالِبٍ أَنّ هَذَا النّفْعَ إنّمَا هُوَ نُقْصَانٌ مِنْ الْعَذَابِ وَإِلّا فَعَمَلُ الْكَافِرِ كُلّهُ مُحْبَطٌ بِلَا خِلَافٍ أَيْ لَا يَجِدُهُ فِي مِيزَانِهِ وَلَا يَدْخُلُ بِهِ جَنّةً وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَصِلُ ثُوَيْبَةَ مِنْ الْمَدِينَةِ وَيُتْحِفُهَا ؛ لِأَنّهَا كَانَتْ أَرْضَعَتْهُ [ ص 100 ] عَمّهُ حَمْزَةَ وَلَمّا افْتَتَحَ مَكّةَ سَأَلَ عَنْهَا ، وَعَنْ ابْنٍ لَهَا اسْمُهُ مَسْرُوحٌ ، فَأُخْبِرَ أَنّهُمَا قَدْ مَاتَا .

نُوَاحُ قُرَيْشٍ عَلَى قَتْلَاهُمْ
[ ص 99 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ قَالَ نَاحَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهُمْ ، ثُمّ قَالُوا : لَا تَفْعَلُوا فَيَبْلُغَ مُحَمّدًا وَأَصْحَابَهُ فَيَشْمَتُوا بِكُمْ وَلَا تَبْعَثُوا فِي أَسْرَاكُمْ حَتّى تَسْتَأْنُوا بِهِمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ فِي الْفِدَاءِ قَالَ وَكَانَ الْأَسْوَدُ بْنُ الْمُطّلِبِ قَدْ أُصِيبَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنْ وَلَدِهِ زَمَعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ ، وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ وَكَانَ يُحِبّ أَنْ يَبْكِيَ عَلَى بَنِيهِ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ سَمِعَ نَائِحَةً مِنْ اللّيْلِ فَقَالَ لِغُلَامِ لَهُ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ اُنْظُرْ هَلْ أُحِلّ النّحْبُ هَلْ بَكَتْ قُرَيْشٌ عَلَى قَتْلَاهَا ؟ لَعَلّي أَبْكِي عَلَى أَبِي حَكِيمَةَ يَعْنِي زَمَعَةَ فَإِنّ جَوْفِي قَدْ احْتَرَقَ قَالَ فَلَمّا رَجَعَ إلَيْهِ الْغُلَامُ قَالَ إنّمَا هِيَ امْرَأَةٌ تَبْكِي عَلَى بَعِيرٍ لَهَا أَضَلّتْهُ . قَالَ فَذَاكَ حِينَ يَقُولُ الْأَسْوَدُ
أَتَبْكِي أَنْ يَضِلّ لَهَا بَعِيرٌ ... وَيَمْنَعَهَا مِنْ النّوْمِ السّهُودُ
فَلَا تَبْكِي عَلَى بَكْرٍ وَلَكِنْ ... عَلَى بَدْرٍ تَقَاصَرَتْ الْجُدُودُ
عَلَى بَدْرٍ سَرَاةِ بَنِي هُصَيْصٍ ... وَمَخْزُومٍ وَرَهْطِ أَبِي الْوَلِيدِ
وَبَكّي إنْ بَكَيْت عَلَى عُقَيْلٍ ... وَبَكّي حَارِثًا أَسَدَ الْأُسُودِ
وَبَكّيهِمْ وَلَا تَسِمِي جَمِيعًا ... وَمَا لِأَبِي حَكِيمَةَ مِنْ نَدِيدِ
أَلَا قَدْ سَادَ بَعْدَهُمْ رِجَالٌ ... وَلَوْلَا يَوْمَ بَدْرٍ لَمْ يَسُودُوا
[ ص 100 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا إقْوَاءٌ وَهِيَ مَشْهُورٌ مِنْ أَشْعَارِهِمْ وَهِيَ عِنْدَنَا إكْفَاءٌ وَقَدْ أَسَقَطْنَا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ مَا هُوَ أَشْهَرُ مِنْ هَذَا .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ ضُبَيْرَةَ السّهْمِيّ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " إنّ لَهُ بِمَكّةَ كَيّسًا تَاجِرًا ذَا مَالٍ وَكَأَنّكُمْ بِهِ قَدْ جَاءَكُمْ فِي طَلَبِ فِدَاءِ أَبِيهِ فَلَمّا قَالَتْ قُرَيْشٌ لَا تَعْجَلُوا بِفِدَاءِ أُسَرَائِكُمْ لَا يَأْرَبُ عَلَيْكُمْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ قَالَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ - وَهُوَ الّذِي كَانَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَنِيَ صَدَقْتُمْ لَا تَعْجَلُوا وَانْسَلّ مِنْ اللّيْلِ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَأَخَذَهُ أَبَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ فَانْطَلَقَ بِهِ .
أَمْرُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَفِدَاؤُهُ
( قَالَ ) : ثُمّ بَعَثَتْ قُرَيْشٌ فِي فِدَاءِ الْأُسَارَى ، فَقَدِمَ مِكْرَزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الْأَخْيَفِ فِي فِدَاءِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَكَانَ الّذِي أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فَقَالَ
أَسَرْت سُهَيْلًا فَلَا أَبْتَغِي ... أَسِيرًا بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْأُمَمِ
وَخِنْدِفُ تَعْلَمُ أَنّ الْفَتَى ... فَتَاهَا سُهَيْلٌ إذَا يُظَلّمْ
ضَرَبْت بِذِي الشّفْرِ حَتّى انْثَنَى ... وَأَكْرَهْت نَفْسِي عَلَى ذِي الْعَلَمِ
وَكَانَ سُهَيْلٌ رَجُلًا أَعْلَمَ مِنْ شَفَتِهِ السّفْلَى . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا الشّعْرَ لِمَالِك بْنِ الدّخْشُمِ . [ ص 101 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَخُو بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ قَالَ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا رَسُولَ اللّهِ دَعْنِي أَنْزِعْ ثَنِيّتَيْ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، وَيَدْلَعْ لِسَانُهُ فَلَا يَقُومُ عَلَيْك خَطِيبًا فِي مَوْطِنٍ أَبَدًا ، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا أُمَثّلُ بِهِ فَيُمَثّلُ اللّهُ بِي وَإِنْ كُنْت نَبِيّا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لِعُمَرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنّهُ عَسَى أَنْ يَقُومَ مَقَامًا لَا تَذُمّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَأَذْكُرُ حَدِيثَ ذَلِكَ الْمَقَامِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَاوَلَهُمْ فِيهِ مِكْرَزٌ وَانْتَهَى إلَى رِضَاهُمْ قَالُوا : هَاتِ الّذِي لَنَا ، قَالَ اجْعَلُوا رِجْلِي مَكَانَ رِجْلِهِ وَخَلّوا سَبِيلَهُ حَتّى يَبْعَثَ إلَيْكُمْ بِفِدَائِهِ فَخَلّوْا سَبِيلَ سُهَيْلٍ وَحَبَسُوا مِكْرَزًا مَكَانَهُ عِنْدَهُمْ فَقَالَ مِكْرَزٌ [ ص 102 ]
فَدَيْت بِأَذْوَادِ ثِمَانٍ سَبَأٍ فَتًى ... يَنَالُ الصّمِيمَ غُرْمُهَا لَا الْمَوَالِيَا
رَهَنْت يَدِي وَالْمَالُ أَيْسَرُ مِنْ يَدِي ... عَلَيّ وَلَكِنّي خَشِيت الْمَخَازِيَا
وَقُلْت : سُهَيْلٌ خَيْرُنَا فَاذْهَبُوا بِهِ ... لِأَبْنَائِنَا حَتّى نُدِيرَ الْأَمَانِيَا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُ هَذَا لِمِكْرَزٍ .
Sضُبَيْرَةَ
وَذَكَرَ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ بْنِ ضُبَيْرَةَ وَقَدْ ذَكَرَ الْخَطّابِيّ عَنْ الْعَنْبَرِيّ أَنّهُ يُقَالُ فِيهِ ضَبِيرَةُ بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ وَاسْمُ أَبِي ضُبَيْرَةَ عَوْفٌ .
ابْنُ الدّخْشُمِ
وَذَكَرَ مَالِكَ بْنَ الدّخْشُمِ [ بْنِ مِرْضَخَةَ ] وَيُقَالُ فِيهِ الدّخَيْشُ وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ الدّخَيْشِ وَيُقَالُ إنّهُ الّذِي سَارّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَلَمْ يُدْرَ مَا سَارّهُ بِهِ حَتّى جَهَرَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَإِذَا هُوَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي قَتْلِهِ وَهُوَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأ ، وَاَلّذِي سَارّهُ هُوَ عِتْبَانُ بْنُ [ ص 101 ] ، وَقَدْ بَرّأَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَالِكَ بْنَ الدّخْشُمِ مِنْ النّفَاقِ حَيْثُ قَالَ أَلَيْسَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ؟ قَالُوا : بَلَى ، قَالَ أَلَيْسَ يُصَلّي ؟ قَالُوا : بَلَى فَقَالَ فِي حَدِيثِ الْمُوَطّأِ : أُولَئِكَ الّذِينَ نَهَانِي اللّهُ عَنْهُمْ ، وَقَالَ فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ فَإِنّ اللّهَ قَدْ حَرّمَ عَلَى النّارِ مَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ يَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللّهِ حَوْلَ شِعْرِ مِكْرَزٍ وَذِكْرُ مِكْرَزٍ وَقَدْ تَقَدّمَ فِي اسْمِ مِكْرَزٍ أَنّهُ يُقَالُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِهَا ، وَلَكِنْ لَا يُرْوَى فِي السّيرَةِ إلّا بِالْكَسْرِ . وَقَوْلُ مِكْرَزٍ فَدَيْت بِأَذْوَادِ ثِمَانٍ سِبًا فَتًى
بِكَسْرِ الثّاءِ مِنْ ثِمَانٍ لِأَنّهُ جَمْعُ ثَمِينٍ مِثْلَ سَمِينٍ وَسِمَانٍ . [ ص 102 ]

أَسْرُ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ وَإِطْلَاقُهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ كَانَ عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَكَانَ لِبِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أُمّ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ بِنْتِ أَبِي عَمْرٍو ، وَأُخْتُ أَبِي مُعَيْطِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو - أَسِيرًا فِي يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ فَقِيلَ لِأَبِي سُفْيَانَ افْدِ عَمْرًا ابْنَك ، قَالَ أَيُجْمَعُ عَلَيّ دَمِي وَمَالِي قَتَلُوا حَنْظَلَةَ وَأَفْدِي عَمْرًا دَعُوهُ فِي أَيْدِيهِمْ يُمْسِكُوهُ مَا بَدَا لَهُمْ . قَالَ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ مَحْبُوسٌ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إذْ خَرَجَ سَعْدُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أَكّالٍ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ثُمّ أَحَدُ بَنِي مُعَاوِيَةَ مُعْتَمِرًا وَمَعَهُ مُرَيّةٌ لَهُ وَكَانَ شَيْخًا مُسْلِمًا ، فِي غَنَمٍ لَهُ النّقِيعَ : فَخَرَجَ مِنْ هُنَالِكَ مُعْتَمِرًا ، وَلَا يَخْشَى الّذِي صُنِعَ بِهِ لَمْ يَظُنّ أَنّهُ يُحْبَسُ بِمَكّةَ إنّمَا جَاءَ مُعْتَمِرًا : وَقَدْ كَانَ عَهِدَ قُرَيْشًا لَا يَعْرِضُونَ لِأَحَدِ جَاءَ حَاجّا ، أَوْ مُعْتَمِرًا إلّا بِخَيْرِ فَعَدَا عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ بِمَكّةَ فَحَبَسَهُ بِابْنِهِ عَمْرٍو ، ثُمّ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ
أَرَهْطَ ابْنِ أَكّالٍ أَجِيبُوا دُعَاءَهُ ... تَعَاقَدْتُمْ لَا تُسْلِمُوا السّيّدَ الْكَهْلَا
فَإِنّ بَنِي عَمْرٍو لِئَامٌ أَذِلّةٌ ... لَئِنْ لَمْ يَفُكّوا عَنْ أَسِيرِهِمْ الْكَبْلَا
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فَقَالَ
لَوْ كَانَ سَعْدٌ يَوْمَ مَكّةَ مُطْلَقًا ... لَأَكْثَرَ فِيكُمْ قَبْلَ أَنْ يُؤْسَرَ الْقَتْلَا
بِعَضْبِ حُسَامٍ أَوْ بِصَفْرَاءَ نَبْعَةٍ ... تَحِنّ إذَا مَا أُنْبِضَتْ تَحْفِزُ النّبْلَا
وَمَشَى بَنُو عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَخْبَرُوهُ خَبَرَهُ ؟ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ [ ص 103 ] أَبِي سُفْيَانَ فَيَفُكّوا بِهِ صَاحِبَهُمْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَبَعَثُوا بِهِ إلَى أَبِي سُفْيَانَ فَخَلّى سَبِيلَ سَعْدٍ .

أَسْرُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَدْ كَانَ فِي الْأُسَارَى أَبُو الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، خَتَنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَزَوّجَ ابْنَتَهُ زَيْنَبَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ ، أَحَدُ بَنِي حَرَامٍ .
سَبَبُ زَوَاجِ أَبِي الْعَاصِ مِنْ زَيْنَبَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ أَبُو الْعَاصِ مِنْ رِجَالِ مَكّةَ الْمَعْدُودِينَ مَالًا ، وَأَمَانَةً وَتِجَارَةً وَكَانَ لِهَالَةِ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَكَانَتْ خَدِيجَةُ خَالَتَهُ . فَسَأَلَتْ خَدِيجَةُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُزَوّجَهُ وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُخَالِفُهَا ، وَذَلِك قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فَزَوّجَهُ وَكَانَتْ تَعُدّهُ بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهَا . فَلَمّا أَكْرَمَ اللّهُ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنُبُوّتِهِ آمَنَتْ بِهِ خَدِيجَةُ وَبَنَاتُهُ فَصَدّقْنَهُ وَشَهِدْنَ أَنّ مَا جَاءَ بِهِ الْحَقّ ، وَدِنّ بِدِينِهِ وَثَبَتَ أَبُو الْعَاصِ عَلَى شِرْكِهِ . [ ص 104 ]
سَعْيُ قُرَيْشٍ فِي تَطْلِيقِ بَنَاتِ الرّسُولِ مِنْ أَزْوَاجِهِنّ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ زَوّجَ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي لَهَبٍ رُقَيّةَ أَوْ أُمّ كُلْثُومٍ . فَلَمّا بَادَى قُرَيْشًا بِأَمْرِ اللّهِ تَعَالَى وَبِالْعَدَاوَةِ قَالُوا : إنّكُمْ قَدْ فَرَغْتُمْ مُحَمّدًا مِنْ هَمّهِ فَرُدّوا عَلَيْهِ بَنَاتِهِ فَاشْغَلُوهُ بِهِنّ . فَمَشَوْا إلَى أَبِي الْعَاصِ فَقَالُوا لَهُ فَارِقْ صَاحِبَتَك وَنَحْنُ نُزَوّجُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت ، قَالَ لَا وَاَللّهِ إنّي لَا أُفَارِقُ صَاحِبَتِي ، وَمَا أُحِبّ أَنّ لِي بِامْرَأَتِي امْرَأَةً مِنْ قُرَيْشٍ . وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُثْنِي عَلَيْهِ فِي صِهْرِهِ خَيْرًا ، فِيمَا بَلَغَنِي ثُمّ مَشَوْا إلَى عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ ، فَقَالُوا لَهُ طَلّقْ بِنْتَ مُحَمّدٍ وَنَحْنُ نَنْكِحُك أَيّ امْرَأَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ شِئْت ، فَقَالَ إنْ زَوّجْتُمُونِي بِنْتَ أَبَانِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، أَوْ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَارَقْتهَا . فَزَوّجُوهُ بِنْتَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَفَارَقَهَا ، وَلَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا ، فَأَخْرَجَهَا اللّهُ مِنْ يَدِهِ كَرَامَةً لَهَا ، وَهَوَانًا لَهُ وَخَلّفَ عَلَيْهَا عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ بَعْدَهُ .
أَبُو الْعَاصِ عِنْدَ الرّسُولِ وَبَعْثُ زَيْنَبَ فِي فِدَائِهِ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يُحِلّ بِمَكّةَ وَلَا يُحْرِمُ مَغْلُوبًا عَلَى أَمْرِهِ وَكَانَ الْإِسْلَامُ قَدْ فَرّقَ بَيْنَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ أَسْلَمَتْ وَبَيْنَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ ، إلّا أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُفَرّقَ بَيْنَهُمَا ، فَأَقَامَتْ مَعَهُ عَلَى إسْلَامِهَا وَهُوَ عَلَى شِرْكِهِ حَتّى هَاجَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَمّا صَارَتْ قُرَيْشٌ إلَى بَدْرٍ صَارَ فِيهِمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ فَأُصِيبَ فِي الْأُسَارَى يَوْمَ بَدْرٍ فَكَانَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 105 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ لَمّا بَعَثَ أَهْلُ مَكّةَ فِي فِدَاءِ أُسَرَائِهِمْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي فِدَاءِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ بِمَالِ وَبَعَثَتْ فِيهِ بِقِلَادَةِ لَهَا كَانَتْ خَدِيجَةُ أَدَخَلَتْهَا بِهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ حِينَ بَنَى عَلَيْهَا ، قَالَتْ فَلَمّا رَآهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَقّ لَهَا رَقّةً شَدِيدَةً وَقَالَ إنْ رَأَيْتُمْ أَنْ تُطْلِقُوا لَهَا أَسِيرَهَا ، وَتَرُدّوا عَلَيْهَا مَالَهَا ، فَافْعَلُوا ، فَقَالُوا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللّهِ . فَأَطْلَقُوهُ وَرَدّوا عَلَيْهَا الّذِي لَهَا
Sأَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ
[ ص 103 ] وَذَكَرَ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَاسْمُ أَبِي الْعَاصِ لَقِيطٌ وَقِيلَ فِيهِ هَاشِمٌ وَقِيلَ مُهَشّمٌ وَقِيلَ هَشِيمٌ ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ فِي أَهْلِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَكَانَ بِالشّامِ تَاجِرًا حِين قَالَهَا :
ذَكَرَتْ زَيْنَبُ لَمَا يَمّمَتْ إضَمًا ... فَقُلْت : سَقْيًا لِشَخْصِ يَسْكُنُ الْحَرَمَا
بِنْتُ الْأَمِينِ جَزَاهَا اللّهُ صَالِحَةً ... وَكُلّ بَعْلٍ سَيُثْنِي بِاَلّذِي عَلِمَا
وَلَدَتْ لَهُ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أُمَامَةَ وَعَلِيّا ، مَاتَ عَلِيّ وَهُوَ صَغِيرٌ وَتَزَوّجَ أُمَامَةَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَتَزَوّجَهَا بَعْدَهُ الْمُغِيرَةُ بْنُ نَوْفَلٍ وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ الزّرَقِيّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي ، وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ كَانَتْ تِلْكَ الصّلَاةُ صَلَاةَ الصّبْحِ هَكَذَا رَوَاهُ [ ص 104 ] جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ عَتّابٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ وَرَوَاهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ السّيرَةِ عَنْ الْمَقْبُرِيّ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ فَقَالَ فِيهِ فِي إحْدَى صَلَاتَيْ الظّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَكَانَ الّذِي أَسَرَ أَبَا الْعَاصِ مِنْ الْأَنْصَارِ عَبْدَ اللّهِ بْنَ جُبَيْرٍ ، ذَكَرَهُ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَكَانَتْ رُقَيّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تَحْتَ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ ، وَأُمّ كُلْثُومٍ تَحْتَ عُتَيْبَةَ ، فَطَلّقَاهُمَا بِعَزْمِ أَبِيهِمَا عَلَيْهِمَا وَأُمّهِمَا حِينَ نَزَلَتْ { تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ } فَأَمّا عُتَيْبَةُ ، فَدَعَا عَلَيْهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يُسَلّطَ اللّهُ عَلَيْهِ كَلْبًا مِنْ كِلَابِهِ فَافْتَرَسَهُ الْأَسَدُ مِنْ بَيْنِ أَصْحَابِهِ وَهُمْ نِيَامٌ حَوْلَهُ وَأَمّا عُتْبَةُ وَمُعَتّبٌ ابْنَا أَبِي لَهَبٍ فَأَسْلَمَا وَلَهُمَا عَقِبٌ . وَقَوْلُهُ فِي خَبَرِ هِنْدٍ : فَلَا تَضْطَنِي مِنّي . تَضْطَنِي ، أَيْ لَا تَنْقَبِضِي عَنّي وَشَاهِدُهُ [ قَوْلُ الطّرِمّاحِ بْنِ حَكِيمٍ ] :
إذَا ذُكِرَتْ مَسْعَاةُ وَالِدِهِ اضْطَنَى ... وَلَا يَضْطَنِي مِنْ شَتْمِ أَهْلِ الْفَضَائِلِ
[ ص 105 ] حَاشِيَةِ الشّيْخِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْبَيْتُ فِي الْحَمَاسَةِ يُضْنِي بِالضّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَأَنّهُ يَفْتَعِلُ مِنْ الضّنَى وَهُوَ الضّعْفُ .

خُرُوجُ زَيْنَبَ إلَى الْمَدِينَةِ
تَأَهّبُهَا وَإِرْسَالُ الرّسُولِ رَجُلَيْنِ لِيَصْحَبَاهَا
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَخَذَ عَلَيْهِ أَوْ وَعَدَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَلِكَ أَنْ يُخَلّيَ سَبِيلَ زَيْنَبَ إلَيْهِ أَوْ كَانَ فِيمَا شَرَطَ عَلَيْهِ فِي إطْلَاقِهِ وَلَمْ يَظْهَرْ ذَلِكَ مِنْهُ وَلَا مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَيَعْلَمُ مَا هُوَ إلّا أَنّهُ لَمّا خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ إلَى مَكّةَ وَخُلّيَ سَبِيلُهُ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ وَرَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ مَكَانَهُ فَقَالَ كُونَا بِبَطْنِ يَأْجَجَ حَتّى تَمُرّ بِكُمَا زَيْنَبُ فَتَصْحَبَاهَا حَتّى تَأْتِيَانِي بِهَا فَخَرَجَا مَكَانَهُمَا ، وَذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرِ أَوْ شَيْعِهِ فَلَمّا قَدِمَ أَبُو الْعَاصِ مَكّةَ أَمَرَهَا بِاللّحُوقِ بِأَبِيهَا ، فَخَرَجَتْ تَجَهّزُ .
هِنْدٌ تُحَاوِلُ تَعْرِفُ أَمْرَ زَيْنَبَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ ، قَالَ حُدّثْت عَنْ زَيْنَبَ أَنّهَا قَالَتْ بَيْنَا أَنَا أَتَجَهّزُ بِمَكّةَ لِلّحُوقِ بِأَبِي لَقِيَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، فَقَالَتْ يَا بِنْتَ مُحَمّدٍ أَلَمْ يَبْلُغْنِي أَنّك تُرِيدِينَ اللّحُوقَ بِأَبِيك ؟ قَالَتْ فَقُلْت : مَا أَرَدْت ذَلِكَ فَقَالَتْ أَيَ ابْنَةَ عَمّي ، لَا تَفْعَلِي ، إنْ كَانَتْ لَك حَاجَةٌ بِمَتَاعِ مِمّا يَرْفُقُ بِك فِي سَفَرِك ، أَوْ بِمَالِ تَتَبَلّغِينَ بِهِ إلَى أَبِيك ، فَإِنّ عِنْدِي حَاجَتَك ، فَلَا تَضْطَنِي مِنّي ، فَإِنّهُ لَا يَدْخُلُ بَيْنَ النّسَاءِ مَا بَيْنَ الرّجَالِ . قَالَتْ وَاَللّهِ مَا أُرَاهَا قَالَتْ ذَلِكَ إلّا لِتَفْعَلَ قَالَتْ وَلَكِنّي خِفْتهَا ، فَأَنْكَرْت أَنْ أَكُونَ أُرِيدَ ذَلِكَ وَتَجَهّزْت .
مَا أَصَابَ زَيْنَبَ مِنْ قُرَيْشٍ عِنْدَ خُرُوجِهَا وَمَشُورَةُ أَبِي سُفْيَانَ
[ ص 106 ] فَلَمّا فَرَغَتْ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ جَهَازِهَا قَدّمَ لَهَا حَمُوهَا كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ أَخُو زَوْجِهَا بَعِيرًا ، فَرَكِبَتْهُ وَأَخَذَ قَوْسَهُ وَكِنَانَتَهُ ثُمّ خَرَجَ بِهَا نَهَارًا يَقُودُ بِهَا ، وَهِيَ فِي هَوْدَجٍ لَهَا . وَتَحَدّثَ بِذَلِكَ رِجَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهَا حَتّى أَدْرَكُوهَا بِذِي طُوًى ، فَكَانَ أَوّلَ مَنْ سَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنُ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَالْفِهْرِيّ ، فَرَوّعَهَا هَبّارُ بِالرّمْحِ وَهِيَ فِي هَوْدَجِهَا ، وَكَانَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلًا - فِيمَا يَزْعُمُونَ - فَلَمّا رِيعَتْ طَرَحَتْ ذَا بَطْنِهَا وَبَرَكَ حَمُوهَا كِنَانَةُ وَنَثَرَ كِنَانَتَهُ ثُمّ قَالَ وَاَللّهِ لَا يَدْنُو مِنّي رَجُلٌ إلّا وَضَعْت فِيهِ سَهْمًا ، فَتَكَرْكَرَ النّاسُ عَنْهُ . وَأَتَى أَبُو سُفْيَانَ فِي جُلّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ أَيّهَا الرّجُلُ كُفّ عَنّا نَبْلَك حَتّى نُكَلّمَك ، فَكَفّ . فَأَقْبَلَ أَبُو سُفْيَانَ حَتّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ إنّك لَمْ تُصِبْ خَرَجْت بِالْمَرْأَةِ عَلَى رُءُوسِ النّاسِ عَلَانِيَةً وَقَدْ عَرَفْت مُصِيبَتَنَا وَنَكْبَتَنَا ، وَمَا دَخَلَ عَلَيْنَا مِنْ مُحَمّدٍ فَيَظُنّ النّاسُ إذَا خَرَجْت بِابْنَتِهِ إلَيْهِ عَلَانِيَةً عَلَى رُءُوسِ النّاسِ مِنْ بَيْنِ أَظْهُرِنَا أَنّ ذَلِكَ عَنْ ذُلّ أَصَابَنَا عَنْ مُصِيبَتِنَا الّتِي كَانَتْ وَأَنّ ذَلِكَ مِنّا ضَعْفٌ وَوَهَنٌ وَلَعَمْرِي مَا لَنَا بِحَبْسِهَا عَنْ أَبِيهَا مِنْ حَاجَةٍ وَمَا لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ ثَوْرَةٍ وَلَكِنْ ارْجِعْ بِالْمَرْأَةِ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَتَحَدّثَ النّاسُ أَنْ قَدْ رَدَدْنَاهَا ، فَسُلّهَا سِرّا ، وَأَلْحِقْهَا بِأَبِيهَا ، قَالَ فَفَعَلَ . فَأَقَامَتْ لَيَالِيَ حَتّى إذَا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ خَرَجَ بِهَا لَيْلًا حَتّى أَسْلَمَهَا إلَى زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَصَاحِبِهِ فَقَدِمَا بِهَا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
شِعْرٌ لِأَبِي خَيْثَمَةَ فِيمَا حَدَثَ لِزَيْنَبِ
[ ص 107 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ، أَوْ أَبُو خَيْثَمَةَ أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ فِي الّذِي كَانَ مِنْ أَمْرِ زَيْنَبَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هِيَ لِأَبِي خَيْثَمَةَ [ ص 108 ]
أَتَانِي الّذِي لَا يَقْدِرُ النّاسُ قَدَرَهُ ... لِزَيْنَبِ فِيهِمْ مِنْ عُقُوقٍ وَمَأْثَمِ
وَإِخْرَاجُهَا لَمْ يُخْزَ فِيهَا مُحَمّدٌ ... عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشَمِ
وَأَمْسَى أَبُو سُفْيَانَ مِنْ حِلْفِ ضَمْضَمٍ ... وَمِنْ حَرْبِنَا فِي رَغْمِ أَنْفٍ وَمَنْدَمِ
فَرَنّا ابْنَهُ عَمْرًا وَمَوْلَى يَمِينِهِ ... بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصّلَاصِلِ مُحْكَمِ
فَأَقْسَمْت لَا تَنْفَكّ مِنّا كَتَائِبُ ... سُرَاةُ خَمِيسٍ فِي لُهَامٍ مُسَوّمِ
نُزُوعُ قُرَيْشَ الْكُفْرَ حَتّى نَعُلّهَا ... بِخَاطِمَةِ فَوْقَ الْأُنُوفِ بِمِيسَمِ
نُنَزّلُهُمْ أَكْنَافَ نَجْدٍ وَنَخْلَةَ ... وَإِنْ يُتْهِمُوا بِالْخَيْلِ وَالرّجْلِ نُتْهِمِ
يَدَ الدّهْرِ حَتّى لَا يُعَوّجَ سِرْبُنَا ... وَنُلْحِقُهُمْ آثَارَ عَادٍ وَجُرْهُمِ
وَيَنْدَمُ قَوْمٌ لَمْ يُطِيعُوا مُحَمّدًا ... عَلَى أَمْرِهِمْ وَأَيّ حِينَ تَنَدّمِ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ إمّا لَقِيته ... لَئِنْ أَنْتَ لَمْ تُخْلِصْ سُجُودًا وَتَسْلَمْ
فَأَبْشِرْ بِخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ مُعَجّلٍ ... وَسِرْبَالِ قَارٍ خَالِدًا فِي جَهَنّمِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : وَسِرْبَالِ نَارٍ .
الْخِلَافُ بَيْنَ ابْنِ إسْحَاقَ وَابْنِ هِشَامٍ
فِي مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي : عَامِرَ بْنَ الْحَضْرَمِيّ ، كَانَ فِي الْأُسَارَى ، وَكَانَ حِلْفُ الْحَضْرَمِيّ إلَى حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَوْلَى يَمِينِ أَبِي سُفْيَانَ الّذِي يَعْنِي : عُقْبَةَ بْنَ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ ، فَأَمّا عَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ فَقُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ .
شِعْرُ هِنْدٍ وَكِنَانَةَ فِي خُرُوجِ زَيْنَبَ
وَلَمّا انْصَرَفَ الّذِينَ خَرَجُوا إلَى زَيْنَبَ لَقِيَتْهُمْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ ، فَقَالَتْ لَهُمْ
أَفِي السّلْمِ أَعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاهَ النّسَاءِ الْعَوَارِكِ
[ ص 109 ] وَقَالَ كِنَانَةُ بْنُ الرّبِيعِ فِي أَمْرِ زَيْنَبَ حِينَ دَفَعَهَا إلَى الرّجُلَيْنِ
عَجِبْت لِهَبّارِ وَأَوْبَاشٍ قَوْمَهُ
يُرِيدُونَ إخْفَارِي بِبِنْتِ مُحَمّدِ
وَلَسْت أُبَالِي مَا حَيِيت عَدِيدَهُمْ
وَمَا اسْتَجْمَعَتْ قَبْضًا يَدِي بِالْمُهَنّدِ
الرّسُولُ يُحِلّ دَمَ هَبّارٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْأَشَجّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي إسْحَاقَ الدّوْسِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً أَنَا فِيهَا ، فَقَالَ لَنَا : إنْ ظَفِرْتُمْ بِهَبّارِ بْنِ الْأَسْوَدِ أَوْ الرّجُلِ ( الْآخَرِ ) الّذِي سَبَقَ مَعَهُ إلَى زَيْنَبَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ سَمّى ابْنُ إسْحَاقَ الرّجُلَ فِي حَدِيثِهِ ( وَقَالَ هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ) فَحَرّقُوهُمَا بِالنّارِ قَالَ فَلَمّا كَانَ الْغَدُ بَعَثَ إلَيْنَا ، فَقَالَ إنّي كُنْت أَمَرْتُكُمْ بِتَحْرِيقِ هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إنْ أَخَذْتُمُوهُمَا ، ثُمّ رَأَيْت أَنّهُ لَا يَنْبَغِي لِأَحَدِ أَنْ يُعَذّبَ بِالنّارِ إلّا اللّهُ فَإِنْ ظَفِرْتُمْ بِهِمَا فَاقْتُلُوهُمَا .
Sاتّبَاعُ قُرَيْشٍ لِزَيْنَبِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ خُرُوجَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ مَكّةَ ، وَاتّبَاعَ قُرَيْشٍ لَهَا ، قَالَ [ ص 106 ] وَسَبَقَ إلَيْهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ وَالْفِهْرِيّ ، وَلَمْ يُسَمّ ابْنُ إسْحَاقَ الْفِهْرِيّ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ نَافِعُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، وَفِي غَيْرِ السّيرَةِ أَنّهُ خَالِدُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ ، هَكَذَا ذَكَرَهُ الْبَزّارُ فِيمَا بَلَغَنِي . وَذَكَرَ أَنّ زَيْنَبَ حِينَ رَوّعَهَا هَبّارُ بْنُ الْأَسْوَدِ أَلْقَتْ ذَا بَطْنِهَا ، وَزَادَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ أَنّهُ نَخَسَ بِهَا الرّاحِلَةَ فَسَقَطَتْ عَلَى صَخْرَةٍ وَهِيَ حَامِلٌ فَهَلَكَ جَنِينُهَا ، وَلَمْ تَزَلْ تُهْرِيقُ الدّمَاءَ حَتّى مَاتَتْ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ إسْلَامِ بَعْلِهَا أَبِي الْعَاصِ . وَذَكَرَ الزّبَيْرُ أَنّ هَبّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ لَمّا أَسْلَمَ وَصَحِبَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَسُبّونَهُ بِمَا فَعَلَ حَتّى شَكَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ سُبّ مَنْ سَبّك يَا هَبّارُ فَكَفّ النّاسُ عَنْ سَبّهِ بَعْدُ . وَلَدَتْ زَيْنَبُ [ أُمَامَةَ ] ، وَهِيَ الّتِي جَاءَ فِيهَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ السّلَيْمِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ الزّرَقِيّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ يُصَلّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ زَيْنَبَ الْحَدِيثَ قَالَ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدّمَ قَرِيبًا .
تَفْسِيرُ قَصِيدَةِ أَبِي خَيْثَمَةَ
[ ص 107 ] ابْنِ رَوَاحَةَ وَقِيلَ بَلْ قَالَهَا أَبُو خَيْثَمَةَ وَفِيهَا : عَلَى مَأْقِطٍ وَبَيْنَنَا عِطْرُ مَنْشَمِ
الْمَأْقِطُ مُعْتَرَكُ الْحَرْبِ وَعِطْرُ مَنْشَمِ كِنَايَةٌ عَنْ شِدّةِ الْحَرْبِ وَهُوَ مَثَلٌ وَأَصْلُهُ - فِيمَا زَعَمُوا - أَنّ مَنْشَمَ كَانَ امْرَأَةً مِنْ خُزَاعَةَ تَبِيعُ الْعِطْرَ وَالطّيبَ فَيُشْتَرَى مِنْهَا لِلْمَوْتَى ، حَتّى تَشَاءَمُوا بِهَا لِذَلِكَ وَقِيلَ إنّ قَوْمًا تَحَالَفُوا عَلَى الْمَوْتِ فَغَمَسُوا أَيْدِيَهُمْ فِي طِيبِ مَنْشَمِ الْمَذْكُورَةِ تَأْكِيدًا لِلْحَلِفِ فَضُرِبَ طِيبُهَا مَثَلًا فِي شِدّةِ الْحَرْبِ وَقِيلَ مَنْشَمُ امْرَأَةٌ مِنْ غُدَانَةَ وَهُوَ بَطْنٌ مِنْ تَمِيمٍ ثُمّ مِنْ بَنِي يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ وَأَنّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ هِيَ صَاحِبَةُ يَسَارٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ يَسَارُ الْوَاعِبِ وَأَنّهُ كَانَ عَبْدًا لَهَا ، وَأَنّهُ رَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا ، فَقَالَتْ لَهُ امْهَلْ حَتّى أُشِمّك طِيبَ الْحَرَائِرِ فَلَمّا أَمْكَنَهَا مِنْ أَنْفِهِ أَنْخَتْ عَلَيْهِ بِالْمُوسَى حَتّى أَوْعَبَتْهُ جَدْعًا ، فَقِيلَ فِي الْمَثَلِ لَاقَى الّذِي لَاقَى يَسَارُ الْكَوَاعِبِ فَقِيلَ عِطْرُ مَنْشَمِ . وَفِي الشّعْرِ بِذِي حَلَقٍ جَلْدِ الصّلَاصِلِ مُحْكَمِ
يَعْنِي : الْغُلّ وَالصّلَاصِلُ جَمْعُ : صَلْصَلَةٍ وَهِيَ صَلْصَلَةُ الْحَدِيدِ . [ ص 108 ] وَذَكَرَ قَوْلَ هِنْدِ بِنْتِ عُتْبَةَ لِفَلّ قُرَيْشٍ حِينَ رَجَعُوا مِنْ بَدْرٍ .
أَفِي السّلْمِ أَعْيَارًا جَفَاءً وَغِلْظَةً ... وَفِي الْحَرْبِ أَشْبَاه النّسَاءِ الْعَوَارِكِ
يُقَالُ عَرَكَتْ الْمَرْأَةُ وَدَرَسَتْ وَطَمَثَتْ إذَا حَاضَتْ وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا : يُقَالُ ضَحِكَتْ إذَا حَاضَتْ وَتَأَوّلَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى : { وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ } وَقَدْ قِيلَ أَيْضًا : يُقَالُ أَكْبَرَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ عَلَيْهِ قَوْلَهُ تَعَالَى : { أَكْبَرْنَهُ وَقَطّعْنَ أَيْدِيَهُنّ } وَالْهَاءُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَكْبَرْنَهُ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَصْدَرِ وَهُوَ تَأْوِيلٌ ضَعِيفٌ وَنُصِبَ أَعْيَارًا عَلَى الْحَالِ وَالْعَامِلُ فِيهِ فِعْلٌ مُخْتَزَلٌ لِأَنّهُ أَقَامَ الْأَعْيَارَ مَقَامَ اسْمٍ مُشْتَقّ فَكَأَنّهُ قَالَ أَفِي السّلْمِ بُلَدَاءَ جُفَاةً مِثْلَ الْأَعْيَارِ وَنَصْبُ جَفَاءً وَغِلْظَةً نَصْبُ الْمَصْدَرِ الْمَوْضُوعِ مَوْضِعَ الْحَالِ كَمَا تَقُولُ زَيْدٌ الْأَسَدُ شِدّةً أَيْ يُمَاثِلُهُ مُمَاثَلَةً شَدِيدَةً فَالشّدّةُ صِفَةٌ لِلْمُمَاثَلَةِ كَمَا أَنّ الْمُشَافَهَةَ صِفَةٌ لِلْمُكَالَمَةِ إذَا قُلْت : كَلّمْته مُشَافَهَةً فَهَذِهِ حَالٌ مِنْ الْمَصْدَرِ فِي الْحَقِيقَةِ وَتَعَلّقُ حَرْفِ الْجَرّ مِنْ قَوْلِهَا : أَفِي السّلْمِ بِمَا أَدّتْهُ الْأَعْيَارُ مِنْ مَعْنَى الْفِعْلِ فَكَأَنّهَا قَالَتْ [ ص 109 ] عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ ] : وَعَائِذًا بِك أَنْ يَعْلُوا فَيُطْغُونِي
اُنْظُرْهُ فِي الْهِجْرَةِ إلَى الْحَبَشَةِ .

إسْلَامُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرّبِيعِ
اسْتِيلَاءُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى تِجَارَةٍ مَعَهُ وَإِجَارَةُ زَيْنَبَ لَهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : [ ص 110 ] وَأَقَامَ أَبُو الْعَاصِ بِمَكّةَ وَأَقَامَتْ زَيْنَبُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ حِينَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا الْإِسْلَامُ حَتّى إذَا كَانَ قُبَيْلَ الْفَتْحِ خَرَجَ أَبُو الْعَاصِ تَاجِرًا إلَى الشّأْمِ وَكَانَ رَجُلًا مَأْمُونًا ، بِمَالِ لَهُ وَأَمْوَالٍ لِرِجَالِ مِنْ قُرَيْشٍ ، أَيْضَعُوهَا مَعَهُ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ تِجَارَتِهِ وَأَقْبَلَ قَافِلًا ، لَقِيَتْهُ سَرِيّةٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَصَابُوا مَا مَعَهُ وَأَعْجَزَهُمْ هَارِبًا ، فَلَمّا قَدِمَتْ السّرِيّةُ بِمَا أَصَابُوا مِنْ مَالِهِ أَقْبَلَ أَبُو الْعَاصِ تَحْتَ اللّيْلِ حَتّى دَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاسْتَجَارَ بِهَا ، فَأَجَارَتْهُ وَجَاءَ فِي طَلَبِ مَالِهِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى الصّبْحِ - كَمَا حَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ رُومَانَ - فَكَبّرَ وَكَبّرَ النّاسُ مَعَهُ صَرَخَتْ زَيْنَبُ مِنْ صُفّةِ النّسَاءِ أَيّهَا النّاسُ إنّي قَدْ أَجَرْت أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ . قَالَ فَلَمّا سَلّمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَقَالَ أَيّهَا النّاسُ هَلْ سَمِعْتُمْ مَا سَمِعْت ؟ قَالُوا : نَعَمْ قَالَ أَمَا وَاَلّذِي نَفْسُ مُحَمّدٍ بِيَدِهِ مَا عَلِمْت بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ حَتّى سَمِعْت مَا سَمِعْتُمْ إنّهُ يُجِيرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَدْنَاهُمْ . ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَدَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ فَقَالَ أَيْ بُنَيّةَ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ وَلَا يَخْلُصَن إلَيْك ، فَإِنّك لَا تَحِلّينَ لَهُ
الْمُسْلِمُونَ يَرُدّونَ عَلَيْهِ مَالَهُ ثُمّ يُسْلِمُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ إلَى السّرِيّةِ الّذِينَ أَصَابُوا مَالَ أَبِي الْعَاصِ فَقَالَ لَهُمْ إنّ هَذَا الرّجُلَ مِنّا حَيْثُ قَدْ عَلِمْتُمْ ، وَقَدْ أَصَبْتُمْ لَهُ مَالًا ، فَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَرُدّوا عَلَيْهِ الّذِي لَهُ فَإِنّا نُحِبّ ذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ فَهُوَ فَيْءُ اللّهِ الّذِي أَفَاءَ عَلَيْكُمْ فَأَنْتُمْ أَحَقّ بِهِ فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللّهِ بَلْ نَرُدّهُ عَلَيْهِ فَرَدّوهُ عَلَيْهِ حَتّى إنّ الرّجُلَ لَيَأْتِي بِالدّلْوِ وَيَأْتِي الرّجُلُ بِالشّنّةِ وَبِالْإِدَاوَةِ حَتّى إنّ أَحَدَهُمْ لَيَأْتِي بِالشّظَاظِ حَتّى رَدّوا عَلَيْهِ مَالَهُ بِأَسْرِهِ لَا يَفْقِدُ مِنْهُ شَيْئًا . ثُمّ احْتَمَلَ إلَى مَكّةَ فَأَدّى إلَى كُلّ ذِي مَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ مَالَهُ وَمَنْ كَانَ أَبْضَعَ مَعَهُ ثُمّ قَالَ يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ ، هَلْ بَقِيَ لِأَحَدِ مِنْكُمْ عِنْدِي مَالٌ لَمْ يَأْخُذْهُ ؟ قَالُوا : لَا فَجَزَاك اللّهُ خَيْرًا ، فَقَدْ وَجَدْنَاك وَفِيّا كَرِيمًا قَالَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللّهُ ، وَأَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَاَللّهِ مَا مَنَعَنِي مِنْ الْإِسْلَامِ عِنْدَهُ إلّا تَخَوّفُ أَنْ تَظُنّوا أَنّي أَرَدْت أَنْ آكُلَ أَمْوَالَكُمْ فَلَمّا أَذَاهَا اللّهُ إلَيْكُمْ وَفَرَغْت مِنْهَا أَسْلَمْت . ثُمّ خَرَجَ حَتّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
زَوْجَتُهُ تُرَدّ إلَيْهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ قَالَ رَدّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ زَيْنَبَ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا ( بَعْدَ سِتّ سِنِينَ )
مَثَلٌ مِنْ أَمَانَةِ أَبِي الْعَاصِ
[ ص 111 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ أَنّ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرّبِيعِ لَمّا قَدِمَ مِنْ الشّامِ وَمَعَهُ أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ قِيلَ لَهُ هَلْ لَك أَنْ تُسْلِمَ وَتَأْخُذَ هَذِهِ الْأَمْوَالَ ، فَإِنّهَا أَمْوَالُ الْمُشْرِكِينَ ؟ فَقَالَ أَبُو الْعَاصِ بِئْسَ مَا أَبْدَأُ بِهِ إسْلَامِي أَنْ أَخُونَ أَمَانَتِي . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التّنّورِيّ ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ ، عَنْ عَامِرٍ الشّعْبِيّ ، بِنَحْوِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي الْعَاصِ .
Sرَدّ زَيْنَبَ عَلَى زَوْجِهَا
[ ص 110 ] وَذَكَرَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّ زَيْنَبَ عَلَى أَبِي الْعَاصِ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا بَعْدَ سِتّ سِنِينَ وَيُعَارِضُ هَذَا الْحَدِيثَ مَا رَوَاهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحِ جَدِيدٍ وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَإِنْ كَانَ حَدِيثُ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ أَصَحّ إسْنَادًا عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَكِنْ لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ فِيمَا عَلِمْت لِأَنّ الْإِسْلَامَ قَدْ كَانَ فَرّقَ بَيْنَهُمَا ، قَالَ اللّهُ تَعَالَى : [ ص 111 ] { لَا هُنّ حِلّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلّونَ لَهُنّ } وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ قَالَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبّاسٍ : مَعْنَى رَدّهَا عَلَيْهِ عَلَى النّكَاحِ الْأَوّلِ أَيْ عَلَى مِثْلِ النّكَاحِ الْأَوّلِ فِي الصّدَاقِ وَالْحِبَاءِ لَمْ يُحْدِثْ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ مِنْ شَرْطٍ وَلَا غَيْرِهِ .

الّذِينَ أُطْلِقُوا مِنْ غَيْرِ فِدَاءٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَكَانَ مِمّنْ سُمّيَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى مِمّنْ مَنّ عَلَيْهِ بِغَيْرِ فِدَاءٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ مَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعْدَ أَنْ بَعَثَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِفِدَائِهِ . وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ الْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، كَانَ لِبَعْضِ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فَتَرَكَ فِي أَيْدِيهِمْ حَتّى خَلّوْا سَبِيلَهُ . فَلَحِقَ بِقَوْمِهِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ خَالِدُ بْنُ زَيْدٍ ، أَبُو أَيّوبَ الْأَنْصَارِيّ ، أَخُو بَنِي النّجّارِ . [ ص 112 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، تُرِكَ فِي أَيْدِي أَصْحَابِهِ فَلَمّا لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ فِي فِدَائِهِ أَخَذُوا عَلَيْهِ لَيَبْعَثَن إلَيْهِمْ بِفِدَائِهِ فَخَلّوْا سَبِيلَهُ فَلَمْ يَفِ لَهُمْ بِشَيْءِ فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي ذَلِكَ
وَمَا كَانَ صَيْفِيّ لِيُوفِيَ ذِمّةً ... قَفَا ثَعْلَبٍ أَعْيَا بِبَعْضِ الْمَوَارِدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أَبْيَاتٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ كَانَ مُحْتَاجًا ذَا بَنَاتٍ فَكَلّمَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ لَقَدْ عَرَفْت مَا لِي مِنْ مَالٍ ، وَإِنّي لَذُو حَاجَةٍ وَذُو عِيَالٍ فَامْنُنْ عَلَيّ فَمَنّ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَخَذَ عَلَيْهِ أَلّا يُظَاهِرَ عَلَيْهِ أَحَدًا فَقَالَ أَبُو عَزّةَ فِي ذَلِكَ يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَذْكُرُ فَضْلَهُ فِي قَوْمِهِ
مَنْ مُبَلّغٌ عَنّي الرّسُولَ مُحَمّدًا ... بِأَنّك حَقّ وَالْمَلِيكُ حَمِيدُ
وَأَنْتَ امْرِئِ وَتَدْعُو إلَى الْحَقّ وَالْهُدَى ... عَلَيْك مِنْ اللّهِ الْعَظِيمِ شَهِيدُ
وَأَنْتَ امْرِئِ بُوّئْت فِينَا مَبَاءَةً ... لَهَا دَرَجَاتٌ سَهْلَةٌ وَصُعُودُ
فَإِنّك مَنْ حَارَبْته لَمُحَارَبٌ ... شَقِيّ وَمَنْ سَالَمَتْهُ لَسَعِيدُ
وَلَكِنْ إذَا ذُكّرْت بَدْرًا وَأَهْلَهُ ... تَأَوّبَ مَا بِي : حَسْرَةٌ وَقُعُودُ
ثَمَنُ الْفِدَاءِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَانَ فِدَاءُ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ لِلرّجُلِ إلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ إلّا مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ فَمَنّ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَيْهِ .

شِعْرُ بِلَالٍ فِي مَقْتَلِ أُمَيّةَ
وَذَكَرَ قَتْلَ بِلَالٍ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ وَلَمْ يَذْكُرْ شِعْرَهُ فِي ذَلِكَ وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ وَهُوَ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ نُكَذّبْ بِحَمْلَةِ ... عَلَيْهِمْ بِأَسْيَافِ لَنَا كَالْعَقَائِقِ
وَمَطْرُورَةُ حُمْرُ الظّبَاةِ كَأَنّهَا ... إذَا رُفِعَتْ أَشْطَانُ ذَاتِ الْأَبَارِقِ
بَنِي جُمَحٍ قَدْ حَلّ قَعْصٌ بِشَيْخِكُمْ ... عَلَى مَاءِ بَدْرٍ رَأْسِ كُلّ مُنَافِقِ
هَجَمْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ وَاشْتَجَرَتْ بِهِ ... مَصَالِيتُ لِلْأَنْصَارِ غَيْرُ زَوَاهِقِ
هَوَى حِينَ لَاقَانَا وَفُرّقَ جَمْعُهُ ... عَلَى وَجْهِهِ فِي النّارِ مِنْ رَأْسِ حَالِقِ
[ ص 112 ] وَذَكَرَ الزّبَيْرُ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَنْ ابْنِ سَلّامٍ عَنْ حَمّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنّ أُمَيّةَ حِينَ أَحَاطَتْ بِهِ الْأَنْصَارُ ، قَالَ يَا أَحَدٌ رَأَى ، أَمَا لَكُمْ بِاللّبّنِ حَاجَةٌ ؟ قَالَ وَكَانَ أُمَيّةُ يُذْكَرُ بِفَصَاحَتِهِ وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِثْلَ هَذَا ، ثُمّ قَرَنَ الزّبَيْرُ هَذَا الْحَدِيثَ بِحَدِيثِ أَسْنَدَهُ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ قَالَ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ حِينَ نَزَلَتْ { قُلْ إِنْ كَانَ لِلرّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوّلُ الْعَابِدِينَ } [ الزّخْرُفِ 81 ] الْآيَةَ وَكَانَ النّضْرُ قَدْ قَالَ الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ الرّحْمَنِ فَلَمّا سَمِعَ الْآيَةَ قَالَ أَلَا تَرَاهُ قَدْ صَدّقَنِي ، فَقَالَ لَهُ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ - وَكَانَ أَفْصَحَ مِنْهُ - لَا وَاَللّهِ بَلْ كَذّبَك ، فَقَالَ مَا كَانَ لِلرّحْمَنِ مِنْ وَلَدٍ وَرُوِيَ عَنْ ثَعْلَبٍ أَنّهُ قَالَ فِي قَوْلِ أُمَيّةَ يَا أَحَدٌ : يَا اسْتِفْتَاحٌ وَمَعْنَاهُ يَا هَؤُلَاءِ . أَجِدُ رَاءٍ . [ ص 114 ]

إسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ
صَفْوَانُ يُحَرّضُهُ عَلَى قَتْلِ الرّسُولِ
[ ص 113 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ قَالَ جَلَسَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ الْجُمَحِيّ مَعَ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيّةَ بَعْدَ مُصَابِ أَهْلِ بَدْرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فِي الْحِجْرِ بِيَسِيرِ وَكَانَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ شَيْطَانًا مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ ، وَمِمّنْ كَانَ يُؤْذِي رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَصْحَابَهُ وَيَلْقَوْنَ مِنْهُ عَنَاءً وَهُوَ بِمَكّةَ وَكَانَ ابْنُهُ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ فِي أُسَارَى بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسَرَهُ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَحَدُ بَنِي زُرَيْقٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ ، قَالَ فَذَكَرَ أَصْحَابَ الْقَلِيبِ وَمُصَابَهُمْ فَقَالَ صَفْوَانُ وَاَللّهِ إنْ فِي الْعَيْشِ بَعْدَهُمْ خَيْرٌ قَالَ لَهُ عُمَيْرٌ صَدَقْت وَاَللّهِ أَمَا وَاَللّهِ لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ لَيْسَ لَهُ عِنْدِي قَضَاءٌ وَعِيَالٌ أَخْشَى عَلَيْهِمْ الضّيْعَةَ بَعْدِي ، لَرَكِبْت إلَى مُحَمّدٍ حَتّى أَقْتُلَهُ فَإِنّ لِي قِبَلَهُمْ عِلّةً ابْنِي أَسِيرٌ فِي أَيْدِيهِمْ قَالَ فَاغْتَنَمَهَا صَفْوَانُ وَقَالَ عَلَيّ دَيْنُك ، أَنَا أَقْضِيهِ عَنْك ، وَعِيَالُك مَعَ عِيَالِي أُوَاسِيهِمْ مَا بَقُوا ، لَا يَسَعُنِي شَيْءٌ وَيَعْجِزُ عَنْهُمْ فَقَالَ لَهُ عُمَيْرٌ فَاكْتُمْ شَأْنِي وَشَأْنَك ، قَالَ أَفْعَلُ .
رُؤْيَةُ عُمَرَ لَهُ وَإِخْبَارُ الرّسُولِ بِأَمْرِهِ
قَالَ ثُمّ أَمَرَ عُمَيْرٌ بِسَيْفِهِ فَشَحَذَ لَهُ وَسَمّ ثُمّ انْطَلَقَ حَتّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ ؛ [ ص 114 ] فَبَيْنَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَتَحَدّثُونَ عَنْ يَوْمِ بَدْرٍ وَيَذْكُرُونَ مَا أَكْرَمَهُمْ اللّهُ بِهِ وَمَا أَرَاهُمْ مِنْ عَدُوّهِمْ إذْ نَظَرَ عُمَرُ إلَى عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ حِينَ أَنَاخَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ مُتَوَشّحًا السّيْفَ فَقَالَ هَذَا الْكَلْبُ عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ وَاَللّهِ مَا جَاءَ إلّا لِشَرّ وَهُوَ الّذِي حَرّشَ بَيْنَنَا ، وَحَزَرْنَا لِلْقَوْمِ يَوْمَ بَدْرٍ . ثُمّ دَخَلَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ يَا نَبِيّ اللّهِ هَذَا عَدُوّ اللّهِ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ قَدْ جَاءَ مُتَوَشّحًا سَيْفَهُ قَالَ فَأَدْخِلْهُ عَلَيّ قَالَ فَأَقْبَلَ عُمَرُ حَتّى أَخَذَ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ فَلَبّبَهُ بِهَا ، وَقَالَ لِرِجَالِ مِمّنْ كَانُوا مَعَهُ مِنْ الْأَنْصَارِ : اُدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَاجْلِسُوا عِنْدَهُ وَاحْذَرُوا عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ فَإِنّهُ غَيْرُ مَأْمُونٍ ثُمّ دُخِلَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الرّسُولُ يُحَدّثُهُ بِمَا بَيْنَهُ هُوَ وَصَفْوَانَ فَيُسْلِمُ فَلَمّا رَاهَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعُمَرُ آخِذٌ بِحِمَالَةِ سَيْفِهِ فِي عُنُقِهِ قَالَ أَرْسِلْهُ يَا عُمَرُ اُدْنُ يَا عُمَيْرُ فَدَنَا ثُمّ قَالَ انْعَمُوا صَبَاحًا ، وَكَانَتْ تَحِيّةَ أَهْلِ الْجَاهِلِيّةِ بَيْنَهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ أَكْرَمَنَا اللّهُ بِتَحِيّةِ خَيْرٍ مِنْ تَحِيّتِك يَا عُمَيْرُ بِالسّلَامِ تَحِيّةِ أَهْلِ الْجَنّةِ . فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ يَا مُحَمّدُ إنْ كُنْت بِهَا لَحَدِيثُ عَهْدٍ قَالَ فَمَا جَاءَ بِك يَا عُمَيْرُ ؟ قَالَ جِئْت لِهَذَا الْأَسِيرِ الّذِي فِي أَيْدِيكُمْ فَأَحْسِنُوا فِيهِ قَالَ فَمَا بَالُ السّيْفِ فِي عُنُقِك ؟ قَالَ قَبّحَهَا اللّهُ مِنْ سُيُوفٍ وَهَلْ أَغْنَتْ عَنّا شَيْئًا ؟ قَالَ اُصْدُقْنِي ، مَا الّذِي جِئْت لَهُ ؟ قَالَ مَا جِئْت إلّا لِذَلِكَ قَالَ بَلْ قَعَدْت أَنْتَ وَصَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ فِي الْحِجْرِ ، فَذَكَرْتُمَا أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ قُلْت : لَوْلَا دَيْنٌ عَلَيّ وَعِيَالٌ عِنْدِي لَخَرَجْت حَتّى أَقْتُلَ مُحَمّدًا ، فَتَحَمّلَ لَك صَفْوَانُ بِدَيْنِك وَعِيَالِك ، عَلَى أَنْ تَقْتُلَنِي لَهُ وَاَللّهُ حَائِلٌ بَيْنَك وَبَيْنَ ذَلِكَ قَالَ عُمَيْرٌ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ اللّهِ وَقَدْ كُنّا يَا رَسُولَ اللّهِ نُكَذّبُك بِمَا كُنْت تَأْتِينَا بِهِ مِنْ خَبَرِ السّمَاءِ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْك مِنْ الْوَحْيِ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَحْضُرْهُ إلّا أَنَا وَصَفْوَانُ فَوَاَللّهِ إنّي لَأَعْلَمُ مَا أَتَاك بِهِ إلّا اللّهُ فَالْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ وَسَاقَنِي هَذَا الْمَسَاقَ ثُمّ شَهِدَ شَهَادَةَ الْحَقّ . فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " فَقّهُوا أَخَاكُمْ فِي دِينِهِ وَأَقْرِئُوهُ الْقُرْآنَ وَأَطْلِقُوا لَهُ أَسِيرًا ، فَفَعَلُوا
رُجُوعُهُ إلَى مَكّةَ يَدْعُو لِلْإِسْلَامِ
ثُمّ قَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّي كُنْت جَاهِدًا عَلَى إطْفَاءِ نُورِ اللّهِ شَدِيدٌ لِلْأَذَى لِمَنْ كَانَ عَلَى دِينِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ وَأَنَا أُحِبّ أَنْ تَأْذَنَ لِي ، فَأَقْدَمَ مَكّةَ ، فَأَدْعُوهُمْ إلَى اللّهِ تَعَالَى ، [ ص 115 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَإِلَى الْإِسْلَامِ لَعَلّ اللّهُ يُهْدِيهِمْ وَإِلّا آذَيْتهمْ فِي دِينِهِمْ كَمَا كُنْت أُوذِيَ أَصْحَابَك فِي دِينِهِمْ ؟ قَالَ فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَلَحِقَ بِمَكّةَ . وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيّةَ حِينَ خَرَجَ عُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ يَقُولُ أَبْشِرُوا بِوَقْعَةِ تَأْتِيكُمْ الْآنَ فِي أَيّامٍ تُنْسِيكُمْ وَقْعَةَ بَدْرٍ وَكَانَ صَفْوَانُ يَسْأَلُ عَنْهُ الرّكْبَانَ حَتّى قَدِمَ رَاكِبٌ فَأَخْبَرَهُ عَنْ إسْلَامِهِ فَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلّمَهُ أَبَدًا ، وَلَا يَنْفَعَهُ بِنَفْعِ أَبَدًا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا قَدِمَ عُمَيْرٌ مَكّةَ ، أَقَامَ بِهَا يَدْعُو إلَى الْإِسْلَامِ وَيُؤْذِي مَنْ خَالَفَهُ أَذًى شَدِيدًا ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ نَاسٌ كَثِيرٌ .
Sإسْلَامُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ
[ ص 113 ] وَذَكَرَ إسْلَامَ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ إلَى آخِرِهِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُشْكِلُ .

هُوَ أَوْ ابْنُ هِشَامٍ الّذِي رَأَى إبْلِيسَ وَمَا نَزَلَ فِيهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُمَيْرُ بْنُ وَهْبٍ أَوْ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، قَدْ ذَكَرَ لِي أَحَدُهُمَا ، الّذِي رَأَى إبْلِيسَ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَيْنَ أَيْ سُرّاقُ ؟ وَمَثَلَ عَدُوّ اللّهِ فَذَهَبَ فَأَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى فِيهِ { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ } فَذَكَرَ اسْتِدْرَاجَ إبْلِيسَ إيّاهُمْ وَتَشَبّهَهُ بِسُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ لَهُمْ حِينَ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ فِي الْحَرْبِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ . يَقُولُ اللّهُ تَعَالَى : { فَلَمّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ } وَنَظَرَ عَدُوّ اللّهِ إلَى جُنُودِ اللّهِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ قَدْ أَيّدَ اللّهُ بِهِمْ رَسُولَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ عَلَى عَدُوّهِمْ { نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ } وَصَدَقَ عَدُوّ اللّهِ رَأَى مَا لَمْ يَرَوْا ، وَقَالَ { إِنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ } فَذُكِرَ لِي أَنّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَهُ فِي كُلّ مَنْزِلٍ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ لَا يُنْكِرُونَهُ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَالْتَقَى الْجَمْعَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَأَوْرَدَهُمْ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 116 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : نَكَصَ رَجَعَ . قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ
نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ... تُزَجّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ .
Sهَلْ تَجَسّدَ إبْلِيسُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ ؟
[ ص 115 ] وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ أَنّ عُمَيْرَ بْنَ وَهْبٍ هُوَ الّذِي رَأَى إبْلِيسَ يَوْمَ بَدْرٍ حِينَ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَذَكَرَ غَيْرُهُ أَنّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ تَشَبّثَ بِهِ وَهُوَ يَرَى أَنّهُ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ فَقَالَ إلَى أَيْنَ سُرّاقُ أَيْنَ تَفِرّ فَلَكَمَهُ لَكْمَةً طَرَحَهُ عَلَى قَفَاهُ ثُمّ قَالَ إنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ وَإِنّمَا كَانَ تَمَثّلَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْمُدْلِجِيّ لِأَنّهُمْ خَافُوا مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ أَنْ يَعْرِضُوا لَهُمْ فَيَشْغَلُوهُمْ مِنْ أَجْلِ الدّمَاءِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَهُمْ فَتَمَثّلَ لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْمُدْلِجِيّ وَقَالَ إنّي جَارٌ لَكُمْ مِنْ النّاسِ أَيْ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ وَيُرْوَى أَنّهُمْ رَأَوْا سُرَاقَةَ [ ص 116 ] فَقَالُوا لَهُ يَا سُرَاقَةَ أَخَرَمْت الصّفّ وَأَوْقَعْت فِينَا الْهَزِيمَةَ ؟ فَقَالَ وَاَللّهِ مَا عَلِمْت بِشَيْءِ مِنْ أَمْرِكُمْ حَتّى كَانَتْ هَزِيمَتَكُمْ وَمَا شَهِدْت ، وَمَا عَلِمْت فَمَا صَدّقُوهُ حَتّى أَسْلَمُوا وَسَمِعُوا مَا أَنْزَلَ اللّهُ فَعَلِمُوا أَنّهُ كَانَ إبْلِيسُ تَمَثّلَ لَهُمْ . وَقَوْلُ اللّعِينِ إنّي أَخَافُ اللّهَ رَبّ الْعَالَمِينَ لِأَهْلِ التّأْوِيلِ فِيهِ أَقْوَالٌ أَحَدُهَا : أَنّهُ كَذَبَ فِي قَوْلِهِ إنّي أَخَافُ اللّهَ لِأَنّ الْكَافِرَ لَا يَخَافُ اللّهَ الثّانِي : أَنّهُ رَأَى جُنُودَ اللّهِ تَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ فَخَافَ أَنْ يَكُونَ الْيَوْمَ الْمَوْعُودَ الّذِي قَالَ اللّهُ فِيهِ { يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ } وَقِيلَ أَيْضًا : إنّمَا خَافَ أَنْ تُدْرِكَهُ الْمَلَائِكَةُ لَمّا رَأَى مِنْ فِعْلِهَا بِحِزْبِهِ الْكَافِرِينَ وَذَكَرَ قَاسِمُ بْنُ ثَابِتٍ فِي الدّلَائِلِ أَنّ قُرَيْشًا حِينَ تَوَجّهَتْ إلَى بَدْرٍ مَرّ هَاتِفٌ مِنْ الْجِنّ عَلَى مَكّةَ فِي الْيَوْمِ الّذِي أَوْقَعَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ يَنْشُدُ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ وَلَا يُرَى شَخْصُهُ
أَزَارَ الْحَنِيفِيّونَ بَدْرًا وَقِيعَةً ... سَيَنْقَضّ مِنْهَا رُكْنُ كِسْرَى وَقَيْصَرَا
أَبَادَتْ رِجَالًا مِنْ لُؤَيّ وَأَبْرَزَتْ ... خَرَائِدَ يَضْرِبْنَ التّرَائِبَ حُسّرَا
فَيَا وَيْحَ مَنْ أَمْسَى عَدُوّ مُحَمّدٍ ... لَقَدْ جَارَ عَنْ قَصْدِ الْهُدَى وَتَحَيّرَا
فَقَالَ قَائِلُهُمْ مَنْ الْحَنِيفِيّونَ ؟ فَقَالُوا : هُمْ مُحَمّدٌ وَأَصْحَابُهُ يَزْعُمُونَ أَنّهُمْ عَلَى دِينِ إبْرَاهِيمَ الْحَنِيفِ ثُمّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ جَاءَهُمْ الْخَبَرُ الْيَقِينُ . [ ص 117 ] [ ص 118 ]

شِعْرٌ لِحَسّانِ فِي الْفَخْرِ بِقَوْمِهِ وَمَا كَانَ مِنْ تَغْرِيرِ إبْلِيسَ بِقُرَيْشِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ [ ص 117 ]
قَوْمِي الّذِينَ هُمْ آوَوْا نَبِيّهُمْ ... وَصَدّقُوهُ وَأَهْلُ الْأَرْضِ كُفّارُ
إلّا خَصَائِصَ أَقْوَامٍ هُمْ سَلَفٌ ... لِلصّالِحِينَ مَعَ الْأَنْصَارِ أَنْصَارُ
مُسْتَبْشِرِينَ بِقَسْمِ اللّهِ قَوْلُهُمْ ... لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ
أَهْلًا وَسَهْلًا فَفِي أَمْنٍ وَفِي سَعَةٍ ... نِعْمَ النّبِيّ وَنِعْمَ الْقَسْمُ وَالْجَارُ
فَأَنْزَلُوهُ بِدَارِ لَا يُخَافُ بِهَا ... مَنْ كَانَ جَارَهُمْ دَارًا هِيَ الدّارُ
وَقَاسَمُوهُ بِهَا الْأَقْوَالَ إذْ قَدِمُوا ... مُهَاجِرِينَ وَقَسْمُ الْجَاحِدِ النّارُ
سِرْنَا وَسَارُوا إلَى بَدْرٍ لِحِينِهِمْ ... لَوْ يَعْلَمُونَ يَقِينَ الْعِلْمِ مَا سَارُوا
دَلّاهُمْ بِغُرُورِ ثُمّ أَسْلَمَهُمْ ... إنّ الْخَبِيثَ لِمَنْ وَالَاهُ غَرّارُ
وَقَالَ إنّي لَكُمْ جَارٌ فَأَوْرَدَهُمْ ... شَرّ الْمَوَارِدِ فِيهِ الْخِزْيُ وَالْعَارُ
ثُمّ الْتَقَيْنَا فَوَلّوْا عَنْ سَرَاتِهُمُ ... مِنْ مُنْجِدِينَ وَمِنْهُمْ فِرْقَةٌ غَارُوا
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي قَوْلَهُ " لَمّا أَتَاهُمْ كَرِيمُ الْأَصْلِ مُخْتَارُ " أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ .

الْمُطْمِعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ الْمُطْمِعُونَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْعَبّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ .
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَطُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : أَبَا الْبَخْتَرِيّ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ ، وَحَكِيمَ بْنَ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
[ ص 118 ] بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : النّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ .
نَسَبُ النّضْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : نَبِيهًا وَمُنَبّهًا ابْنَيْ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ يَعْتَقِبَانِ ذَلِكَ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سُهَيْلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ .
أَسْمَاءُ خَيْلِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَدّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنّهُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْخَيْلِ فَرَسُ مَرْثَدِ بْنِ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيّ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ السّبَلُ وَفَرَسُ الْمِقْدَادِ بْنِ عَمْرٍو الْبَهْرَانِيّ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ بَعْزَجَةُ وَيُقَالُ سَبْحَةُ وَفَرَسُ الزّبَيْرِ بْنِ الْعَوّامِ ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْيَعْسُوبُ .
خَيْلُ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمَعَ الْمُشْرِكِينَ مِائَةُ فَرَسٍ .

نُزُولُ سُورَةِ الْأَنْفَالِ
مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْأَنْفَالِ
[ ص 119 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا انْقَضَى أَمْرُ بَدْرٍ أَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ فِيهِ مِنْ الْقُرْآنِ الْأَنْفَالَ بِأَسْرِهَا ، فَكَانَ مِمّا نَزَلَ مِنْهَا فِي اخْتِلَافِهِمْ فِي النّفَلِ حِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ فَاتّقُوا اللّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } [ ص 120 ] فَكَانَ عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ - فِيمَا بَلَغَنِي - إذَا سُئِلَ عَنْ الْأَنْفَالِ قَالَ فِينَا مَعْشَرَ أَهْلِ بَدْرٍ نَزَلَتْ حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النّفَلِ يَوْمَ بَدْرٍ فَانْتَزَعَهُ اللّهُ مِنْ أَيْدِينَا حِينَ سَاءَتْ فِيهِ أَخْلَاقُنَا فَرَدّهُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَسَمَهُ بَيْنَنَا عَنْ بَوَاءٍ - يَقُولُ عَلَى السّوَاءِ - وَكَانَ فِي ذَلِكَ تَقْوَى اللّهِ وَطَاعَتُهُ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَصَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ
مَا نَزَلَ فِي خُرُوجِ الْقَوْمِ مَعَ الرّسُولِ لِمُلَاقَاةِ قُرَيْشٍ
ثُمّ ذَكَرَ الْقَوْمَ وَمَسِيرَهُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حِينَ عَرَفَ الْقَوْمُ أَنّ قُرَيْشًا قَدْ سَارُوا إلَيْهِمْ وَإِنّمَا خَرَجُوا يُرِيدُونَ الْعِيرَ طَمَعًا فِي الْغَنِيمَةِ فَقَالَ [ ص 121 ] { كَمَا أَخْرَجَكَ رَبّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقّ وَإِنّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقّ بَعْدَمَا تَبَيّنَ كَأَنّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ } أَيْ كَرَاهِيَةً لِلِقَاءِ الْقَوْمِ وَإِنْكَارًا لِمَسِيرِ قُرَيْشٍ ، حِينَ ذَكَرُوا لَهُمْ { وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنّهَا لَكُمْ وَتَوَدّونَ أَنّ غَيْرَ ذَاتِ الشّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ } أَيْ الْغَنِيمَةُ دُونَ الْحَرْبِ { وَيُرِيدُ اللّهُ أَنْ يُحِقّ الْحَقّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ } أَيْ [ ص 122 ] أَوْقَعَ بِصَنَادِيدِ قُرَيْشٍ وَقَادَتِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ
Sذِكْرُ مَا أَنْزَلَ اللّهُ فِي بَدْرٍ
[ ص 119 ] أَنْزَلَ سُورَةَ الْأَنْفَالِ بِأَسْرِهَا ، وَالْأَنْفَالُ هِيَ الْغَنَائِمُ وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ النّفَلُ إحْسَانٌ وَتَفَضّلٌ مِنْ الْمُنْعِمِ فَسُمّيَتْ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا ، لِأَنّ اللّهَ تَعَالَى تَفَضّلَ بِهَا عَلَى هَذِهِ الْأُمّةِ وَلَمْ يُحِلّهَا لِأَحَدِ قَبْلَهُمْ . قَالَ الْمُؤَلّفُ أَمّا قَوْلُهُ إنّ اللّهَ تَفَضّلَ بِهَا فَصَحِيحٌ فَقَالَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا أُحِلّتْ الْغَنَائِمُ لِأَحَدِ سُودِ الرّءُوسِ قَبْلَكُمْ إنّمَا كَانَتْ نَارٌ تَنْزِلُ مِنْ السّمَاءِ فَتَأْكُلُهَا وَأَمّا قَوْلُهُ فَسُمّيَتْ الْغَنَائِمُ أَنْفَالًا لِهَذَا ، فَلَا أَحْسَبُهُ صَحِيحًا ، فَقَدْ كَانَتْ الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْجَهْلَاءِ تُسَمّيهَا أَنْفَالًا . وَقَدْ أَنْشَدَ ابْنُ هِشَامٍ لِأَوْسِ بْنِ حَجَرٍ الْأَسِيدِيّ وَهُوَ جَاهِلِيّ قَدِيمٌ
نَكَصْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ يَوْمَ جِئْتُمْ ... تُزَجّونَ أَنْفَالَ الْخَمِيسِ الْعَرَمْرَمِ
فَفِي هَذَا الْبَيْتِ أَنّهَا كَانَتْ تُسَمّى أَنْفَالًا قَبْلَ أَنْ يُحِلّهَا اللّهُ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ فَأَصْلُ اشْتِقَاقِهَا إذًا مِنْ النّفَلِ وَهُوَ الزّيَادَةُ لِأَنّهَا زِيَادَةٌ فِي أَمْوَالِ الْغَانِمِينَ وَفِي بَيْتِ أَوْسِ بْنِ حَجَرٍ أَيْضًا شَاهِدٌ آخَرُ عَلَى أَنّ الْجَيْشَ كَانَ يُسَمّى : خَمِيسًا فِي الْجَاهِلِيّةِ لِأَنّ قَوْمًا زَعَمُوا أَنّ اسْمَ الْخَمِيسِ مِنْ الْخُمُسِ الّذِي يُؤْخَذُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَهَذَا لَمْ يَكُنْ حَتّى جَاءَ الْإِسْلَامُ وَإِنّمَا كَانَ لِصَاحِبِ الْجَيْشِ الرّبُعُ وَهُوَ الْمِرْبَاعُ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي اشْتِقَاقِهِ فِيمَا بَعْدُ إنْ شَاءَ اللّهُ . قَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعَطَاءٌ " يَسْأَلُونَك الْأَنْفَالَ " وَقَرَأَتْ الْجَمَاعَةُ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ } وَالْمَعْنَى صَحِيحٌ فِي الْقِرَاءَتَيْنِ لِأَنّهُمْ سَأَلُوهَا وَمَالُوا عَنْهَا لِمَنْ هِيَ . وَقَوْلُ عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ : نَزَلَتْ فِينَا أَهْلَ بَدْرٍ { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ } لِأَنّا تَنَازَعْنَا [ ص 120 ] حُمَيْدٍ وَغَيْرِهِ أَنّ عُبَادَةَ بْنَ الصّامِتِ مَعَ الّذِينَ كَانُوا مَعَهُ وَأَبَا الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو فِي طَائِفَةٍ مَعَهُ وَكَانَ أَبُو الْيُسْرِ قَدْ قَتَلَ قَتِيلَيْنِ وَأَسَرَ أَسِيرَيْنِ تَنَازَعُوا ، فَقَالَ الّذِينَ حَوَوْا الْمَغْنَمَ نَحْنُ أَحَقّ بِهِ وَقَالَ الّذِينَ شُغِلُوا بِالْقِتَالِ وَاتّبَاعِ الْقَوْمِ نَحْنُ أَحَقّ بِهِ فَانْتَزَعَهُ اللّهُ مِنْهُمْ وَرَدّهُ إلَى نَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدْ تَقَدّمَ حَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، حِينَ جَاءَ بِالسّيْفِ فَأُمِرَ أَنْ يَجْعَلَهُ فِي الْقَبَضِ فَشَقّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَكَانَ السّيْفُ لِلْعَاصِ بْنِ سَعِيدٍ يُقَالُ لَهُ ذُو الْكَنِيفَةِ فَلَمّا نَزَلَتْ الْآيَةُ أَعْطَى رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - السّيْفَ لِسَعْدِ وَقَسَمَ الْغَنِيمَةَ عَنْ بَوَاءٍ أَيْ عَلَى سَوَاءٍ وَقَدْ قَدّمْنَا الْحَدِيثَ الّذِي ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ ، وَفِيهِ أَنّهُ قَسَمَهَا عَلَى فَوَاقٍ فَأَنْزَلَ اللّهُ بَعْدُ { وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ } الْآيَةَ فَنَسَخَتْ { قُلِ الْأَنْفَالُ لِلّهِ وَالرّسُولِ } وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَالِ أَنّهَا مَنْسُوخَةٌ . وَأَمّا مَنْ زَعَمَ أَنّ الْأَنْفَالَ مَا شَذّ مِنْ الْعَدُوّ إلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دَابّةٍ أَوْ نَحْوِهَا ، فَلَيْسَتْ مَنْسُوخَةً عِنْدَهُ وَكَذَلِك قَوْلُ مُجَاهِدٍ : أَنّ الْأَنْفَالَ هُوَ الْخُمُسُ نَفْسُهُ وَإِنّمَا تَكُونُ مَنْسُوخَةً إذَا قُلْنَا إنّهَا جُمْلَةُ الْغَنَائِمِ وَهُوَ الْقَوْلُ الّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْآثَارُ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَالْأَنْفَالُ تَنْقَسِمُ أَرْبَعَةَ أَقْسَامٍ نَفَلٌ لَا يُخَمّسُ وَنَفَلٌ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ وَنَفَلٌ مِنْ الْخُمُسِ وَنَفَلُ السّرَايَا وَهُوَ بَعْدَ إخْرَاجِ الْخُمُسِ وَنَفَلٌ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ فَأَمّا الّذِي لَيْسَ فِيهِ خُمُسٌ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ وَلَا مِنْ الْخُمُسِ فَهُوَ سَلَبُ الْقَتِيلِ يُقْتَلُ فِي غَيْرِ مَعْمَعَةِ الْحَرْبِ وَفِي غَيْرِ الزّحْفِ فَهُوَ مِلْكٌ لِلْقَاتِلِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيّ ، وَأَهْلِ الشّامِ ، وَقَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ وَهُوَ أَنّ السّلَبَ مِنْ جُمْلَةِ النّفَلِ يُخَمّسُ مَعَ الْغَنِيمَةِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ الّذِي فِي الْمُوَطّأِ حِينَ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ الْفَرَسُ مِنْ النّفَلِ وَالدّرْعُ مِنْ النّفَلِ وَقَالَ فِي غَيْرِ الْمُوَطّأِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْفَرَسُ مِنْ النّفَلِ وَفِي النّفَلِ الْخُمُسُ أَنّ [ ص 121 ] الْوَلِيدَ بْنَ مُسْلِمٍ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ يُرِيدُ أَنّ السّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَفَسّرَهُ عَلَى مَذْهَبِ شَيْخِهِ وَمِنْ حُجّتِهِمْ أَيْضًا أَنّ عُمَرَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ خَمّسَ سَلَبَ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ حِينَ قَتَلَ مَرْزُبَانَ الزّأْرَةِ فَسَلَبَهُ سِوَارَيْهِ وَمِنْطَقَتَهُ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ثَمَنُهُ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَقَالَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الْأَوّلِ لَا حُجّةَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ لِأَنّهُ إنّمَا خَمّسَ الْمَرْزُبَانَ لِأَنّهُ اسْتَكْثَرَهُ وَقَالَ قَدْ كَانَ اللّبّ لَا يُخَمّسُ وَإِنّ سَلَبَ الْبَرَاءِ بَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا ، وَأَنَا خَامِسُهُ وَاحْتَجّوا بِحَدِيثِ سَلَمَةَ بْنِ أَكْوَعَ إذْ قَتَلَ قَتِيلًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَهُ سَلَبُهُ أَجْمَعُ وَمِنْ حُجّةِ مَالِكٍ وَمَنْ قَالَ بِقَوْلِهِ عُمُومُ آيَةِ الْخُمُسِ فَإِنّهُ قَالَ { وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ } وَحَدِيثُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ الّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ أَنّ عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ رَجُلًا مِنْ الْعَدُوّ فَأَرَادَ سَلَبَهُ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ وَكَانَ وَالِيًا عَلَيْهِمْ فَأَخْبَرَ عَوْفٌ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ لِخَالِدِ مَا مَنَعَك أَنْ تُعْطِيَهُ سَلَبَهُ ؟ فَقَالَ اسْتَكْثَرْته يَا رَسُولَ اللّهِ قَالَ ادْفَعْهُ إلَيْهِ فَلَقِيَ عَوْفٌ خَالِدًا فَجَبَذَ بِرِدَائِهِ وَقَالَ هَلْ أَنْجَزْت لَك مَا ذَكَرْت لَك مِنْ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - [ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ] فَاسْتُغْضِبَ فَقَالَ لَا تُعْطِهِ يَا خَالِدُ هَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو إلَيّ أُمَرَائِي [ إنّمَا مَثَلُكُمْ وَمَثَلُهُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَرْعَى إبِلًا وَغَنَمًا ، فَرَعَاهَا ، ثُمّ تَحَيّنَ سَقْيَهَا ، فَأَوْرَدَهَا حَوْضًا فَشَرَعَتْ فِيهِ فَشَرِبَتْ صَفْوَةً وَتَرَكَتْ كَدَرَهُ فَصَفْوُهُ لَكُمْ وَكَدَرُهُ عَلَيْهِمْ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ] . وَلَوْ كَانَ السّلَبُ حَقّا لَهُ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ لَمَا رَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَهَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْوَاحِدُ مِنْ النّفَلِ . وَالْقِسْمُ الثّانِي : هُوَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ تَخْمِيسِهَا ، وَهُوَ مَا يُعْطَى الْأَدِلّاءُ الّذِي يَدُلّونَ عَلَى عَوْرَةِ الْعَدُوّ وَيَدُلّونَ [ عَلَى ] الطّرُقِ وَمَا يُعْطَى الدّعَاةُ وَغَيْرُهُ مِمّا يَنْتَفِعُ أَهْلُ الْجَيْشِ بِهِ عَامّةً . وَالْقِسْمُ الثّالِثُ مَا تُنَفّلُهُ السّرَايَا ، فَقَدْ كَانَتْ تُنَفّلُ فِي الْبَدْأَةِ الرّبُعَ بَعْدَ الْخُمُسِ وَفِي الْعَوْدَةِ الثّلُثَ مِمّا غَنِمُوهُ كَذَلِكَ جَاءَ فِي حَدِيثٍ رَوَاهُ مَكْحُولٌ عَنْ حَبِيبِ بْنِ مَسْلَمَةَ وَأَخَذَتْ بِهِ طَائِفَةٌ . [ ص 122 ] كَانَ لِلرّسُولِ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَهُوَ لِلْإِمَامِ بَعْدَهُ يَصْرِفُهُ فِيمَا كَانَ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ يَصْرِفُهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَصْنَافِ الّتِي ذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ وَهُمْ ذُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ وَابْنُ السّبِيلِ وَقَدْ أُعْطِيَ الْمِقْدَادُ حِمَارًا مِنْ الْخُمُسِ أَعْطَاهُ لَهُ بَعْضُ الْأُمَرَاءِ فَرَدّهُ لَمّا لَمْ يَكُنْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ وَأَمّا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ ، فَإِنّهُ فَعَلَ خِلَافَ هَذَا ، أَعْطَاهُ مُعَاوِيَةُ ثَلَاثِينَ رَأْسًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَهَا ، إلّا أَنْ تَكُونَ مِنْ الْخُمُسِ وَأَصَحّ الْقَوْلَيْنِ أَنّ الْإِمَامَ لَهُ النّظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ رَأَى صَرْفَ الْخُمُسِ إلَى مَنَافِعِ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ تَكُنْ بِالْأَصْنَافِ الْأَرْبَعَةِ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ إلَيْهِ صَرَفَهُ . وَإِلّا بَدَأَ بِهِمْ وَصَرَفَ بَقِيّتَهُ فِيمَا يَرَى ، وَاخْتُلِفَ فِي ذَوِي الْقُرْبَى مَنْ هُمْ فَقَالَ ابْنُ عَبّاسٍ : كُنّا نَرَى أَنّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ ، فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْنَا قَوْمُنَا ، وَقَالُوا : هُمْ قُرَيْشٌ كُلّهُمْ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْكِتَابِ الّذِي كَتَبَهُ إلَى نَجْدَةَ الْحَرُورِيّ وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي قَرَابَةِ الْإِمَامِ بَعْدَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَهُمْ دَاخِلُونَ فِي الْآيَةِ أَمْ لَا ؟ " وَالصّحِيحُ دُخُولُهُمْ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ إذَا أَطْعَمَ اللّهُ نَبِيّا طُعْمَةً فَهِيَ لِلْخَلِيفَةِ بَعْدَهُ أَوْ قَالَ لِلْقَائِمِ بَعْدَهُ . وَمِمّا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ مَعْنَى آيَةِ الْخُمُسِ قِسْمُ خُمُسِ الْخُمُسِ فَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ { فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ } أَيْ لِلْكَعْبَةِ يَخْرُجُ لَهَا نَصِيبٌ مِنْ الْخُمُسِ وَلِلرّسُولِ نَصِيبٌ وَبَاقِي الْخُمُسِ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ خُمُسُ الْخُمُسِ لِلرّسُولِ وَبَاقِيهِ لِلْأَرْبَعَةِ الْأَصْنَافِ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ الْخُمُسُ كُلّهُ لِلرّسُولِ يَصْرِفُهُ فِي تِلْكَ الْأَصْنَافِ وَغَيْرِهَا ، وَإِنّمَا قَالَ اللّهُ { وَلِلرّسُولِ } تَنْبِيهًا عَلَى شَرَفِ الْمَكْسَبِ وَطِيبِ الْمَغْنَمِ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْفَيْءِ وَهُوَ مِمّا أَفَاءَ اللّهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْأَرْضِينَ الّتِي كَانَتْ لِأَهْلِ الْكُفْرِ فَقَالَ فِيهِ { لِلّهِ وَلِلرّسُولِ } الْآيَةَ وَلَمْ يَقُلْ فِي آيَاتِ الصّدَقَاتِ مِثْلَ ذَلِكَ وَلَا أَضَافَهَا لِنَفْسِهِ وَلَا لِلرّسُولِ لِأَنّ الصّدَقَةَ أَوْسَاخُ النّاسِ فَلَا تَطِيبُ لِمُحَمّدِ وَلَا لِآلِ مُحَمّدٍ فَقَالَ فِيهَا : { إِنّمَا الصّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } الْآيَةَ أَيْ لَيْسَتْ لِأَحَدِ إلّا لِهَؤُلَاءِ وَهَذَا كُلّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ الثّوْرِيّ ، وَتَفْسِيرُهُ وَسَيَأْتِي الْقَوْلُ فِي غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فِيمَا أَعْطَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُؤَلّفَةَ قُلُوبُهُمْ هَلْ كَانَ مِنْ رَأْسِ الْغَنِيمَةِ أَمْ مِنْ الْفَيْءِ أَمْ مِنْ خُمُسِ الْخُمُسِ إنْ شَاءَ اللّهُ .

{ إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبّكُمْ } أَيْ لِدُعَائِهِمْ حِينَ نَظَرُوا إلَى كَثْرَةِ عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ { فَاسْتَجَابَ لَكُمْ } بِدُعَاءِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدُعَائِكُمْ [ ص 123 ] { أَنّي مُمِدّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } { إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ } أَيْ أَنْزَلْت عَلَيْكُمْ الْأَمَنَةَ حِينَ نِمْتُمْ لَا تَخَافُونَ { وَيُنَزّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السّمَاءِ مَاءً } الْمَطَرِ الّذِي أَصَابَهُمْ تِلْكَ اللّيْلَةَ فَحَبَسَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَسْبِقُوا إلَى الْمَاءِ وَخَلّى سَبِيلَ الْمُسْلِمِينَ إلَيْهِ لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ { وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ } أَيْ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ شَكّ الشّيْطَانِ لِتَخْوِيفِهِ إيّاهُمْ عَدُوّهُمْ وَاسْتِجْلَادِ الْأَرْضِ لَهُمْ حَتّى انْتَهَوْا إلَى مَنْزِلِهِمْ الّذِي سَبَقُوا إلَيْهِ عَدُوّهُمْ .Sعَنْ قِتَالِ الْمَلَائِكَةِ
فَصْلٌ
[ ص 123 ] وَذَكَرَ قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ { بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ } وَقَدْ قَالَ فِي أُخْرَى : { بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ } فَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ إنّ الْأَلْفَ أَرْدَفَهُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ فَكَانَ الْأَكْثَرُ مَدَدًا لِلْأَقَلّ وَكَانَ الْأَلْفُ مُرْدِفِينَ لِمَنْ وَرَاءَهُمْ بِكَسْرِ الدّالِ مِنْ مُرْدِفِينَ وَكَانُوا أَيْضًا مُرْدَفِينَ بِهِمْ بِفَتْحِ الدّالِ وَالْأَلْفُ هُمْ الّذِينَ قَاتَلُوا مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمْ الّذِينَ قَالَ اللّهُ لَهُمْ { فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا } وَكَانُوا فِي صُوَرِ الرّجَالِ وَيَقُولُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ اُثْبُتُوا ، فَإِنّ عَدُوّكُمْ قَلِيلٌ وَإِنّ اللّهَ مَعَكُمْ وَنَحْوَ هَذَا ، وَقَوْلُ اللّهِ سُبْحَانَهُ { وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ } جَاءَ فِي التّفْسِيرِ أَنّهُ مَا وَقَعَتْ ضَرْبَةٌ يَوْمَ بَدْرٍ إلّا فِي رَأْسٍ أَوْ مِفْصَلٍ وَكَانُوا يَعْرِفُونَ قَتْلَى الْمَلَائِكَةِ مِنْ قَتْلَاهُمْ بِآثَارِ سُودٍ فِي الْأَعْنَاقِ وَفِي الْبَنَانِ كَذَلِكَ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرّوَايَةِ وَيُقَالُ لِمَفَاصِلِ الْأَصَابِعِ وَغَيْرِهَا بَنَانٌ وَاحِدَتُهَا بَنَانَةٌ وَهُوَ مِنْ أَبَنّ بِالْمَكَانِ إذَا أَقَامَ فِيهِ وَثَبَتَ قَالَهُ الزّجّاجُ . وَقَوْلُهُ { لِيُطَهّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشّيْطَانِ } الْآيَةَ كَانَ الْعَدُوّ قَدْ أَحْرَزُوا الْمَاءَ دُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَحَفَرُوا الْقُلُبَ لِأَنْفُسِهِمْ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ قَدْ أَحْدَثُوا وَأَجْنَبَ بَعْضُهُمْ وَهُمْ لَا يَصِلُونَ إلَى الْمَاءِ فَوَسْوَسَ الشّيْطَانُ لَهُمْ أَوْ لِبَعْضِهِمْ وَقَالَ تَزْعُمُونَ أَنّكُمْ عَلَى الْحَقّ وَقَدْ سَبَقَكُمْ أَعْدَاؤُكُمْ إلَى الْمَاءِ وَأَنْتُمْ عِطَاشٌ وَتُصَلّونَ بِلَا وُضُوءٍ وَمَا يَنْتَظِرُ أَعْدَاؤُكُمْ إلّا أَنْ يَقْطَعَ الْعَطَشُ رِقَابَكُمْ وَيُذْهِبَ قُوَاكُمْ فَيَتَحَكّمُوا فِيكُمْ كَيْفَ شَاءُوا ، فَأَرْسَلَ اللّهُ تَعَالَى السّمَاءَ فَحَلّتْ عَزَالِيهَا فَتَطَهّرُوا وَرَوَوْا وَتَلَبّدَتْ الْأَرْضُ لِأَقْدَامِهِمْ وَكَانَتْ رِمَالًا وَسَبَخَاتٍ فَثَبَتَتْ فِيهَا أَقْدَامُهُمْ وَذَهَبَ عَنْهُمْ رِجْزُ الشّيْطَانِ ثُمّ نَهَضُوا إلَى أَعْدَائِهِمْ فَغَلَبُوهُمْ عَلَى الْمَاءِ وَعَارُوا الْقُلُبَ الّتِي كَانَتْ تَلِي الْعَدُوّ فَعَطِشَ الْكُفّار ، وَجَاءَ النّصْرُ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَقَبَضَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَبْضَةً مِنْ الْبَطْحَاءِ وَرَمَاهُمْ بِهَا ، فَمَلَأَتْ عُيُونَ جَمِيعِ الْعَسْكَرِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى } أَيْ عَمّ [ ص 124 ] سَائِرَهُمْ إذْ رَمَيْت أَنْتَ الْقَلِيلَ مِنْهُمْ فَهَذَا قَوْلٌ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى : مَعْنَاهُ وَمَا رَمَيْت قُلُوبَهُمْ بِالرّعْبِ حِينَ رَمَيْت الْحَصْبَاءَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى وَقَالَ هِبَةُ اللّهِ بْنُ سَلَامَةَ الرّمْيُ أَخْذٌ وَإِرْسَالٌ وَإِصَابَةٌ وَتَبْلِيغٌ فَاَلّذِي أَثْبَتَ اللّهُ لِنَبِيّهِ هُوَ الْأَخَذُ وَالْإِرْسَالُ وَاَلّذِي نَفَى عَنْهُ هُوَ الْإِصَابَةُ وَالتّبْلِيغُ وَأَثْبَتَهُمَا لِنَفْسِهِ .

مَا نَزَلَ فِي تَبْشِيرِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمُسَاعَدَةِ وَالنّصْرِ وَتَحْرِيضِهِمْ
[ ص 124 ] قَالَ تَعَالَى : { إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا } أَيْ آزِرُوا الّذِينَ آمَنُوا { سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الّذِينَ كَفَرُوا الرّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنّهُمْ شَاقّوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } أَيْ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى عَدُوّهِمْ لِئَلّا يَنْكُلُوا عَنْهُمْ إذَا لَقُوهُمْ وَقَدْ وَعَدَهُمْ اللّهُ فِيهِمْ مَا وَعَدَهُمْ .
مَا نَزَلَ فِي رَمْيِ الرّسُولِ لِلْمُشْرِكِينَ بِالْحَصْبَاءِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى فِي رَمْيِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إيّاهُمْ بِالْحَصْبَاءِ مِنْ يَدِهِ حِينَ رَمَاهُمْ { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى } أَيْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِرَمْيِك ، لَوْلَا الّذِي جَعَلَ اللّهُ فِيهَا مِنْ نَصْرِك ، وَمَا أَلْقَى فِي صُدُورِ عَدُوّك مَعَهَا حِينَ هَزَمَهُمْ اللّهُ { وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا } أَيْ لِيَعْرِفَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ فِي إظْهَارِهِمْ عَلَى عَدُوّهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِهِمْ لِيَعْرِفُوا بِذَلِكَ حَقّهُ وَيَشْكُرُوا بِذَلِكَ نِعْمَتَهُ .
Sحَوْلَ التّوَلّي يَوْمَ الزّحْفِ وَالِانْتِصَارَاتِ الْإِسْلَامِيّةِ الْبَاهِرَةِ
وَقَوْلُهُ { فَلَا تُوَلّوهُمُ الْأَدْبَارَ } الْآيَةَ قَالَ الْحَسَنُ لَيْسَ الْفِرَارُ مِنْ الزّحْفِ مِنْ الْكَبَائِرِ إلّا يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي الْمَلْحَمَةِ الْكُبْرَى الّتِي تَأْتِي آخِرَ الزّمَانِ وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ مِنْ الْكَبَائِرِ إذَا حَضَرَ الْإِمَامُ وَلَمْ يَتَحَيّزْ إلَى فِئَةٍ فَأَمّا إذَا كَانَ الْفِرَارُ إلَى الْإِمَامِ فَهُوَ مُتَحَيّزٌ إلَى فِئَةٍ وَقَدْ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ حِينَ بَلَغَهُ قَتْلُ أَبِي عُبَيْدِ بْنِ مَسْعُودٍ وَمَا أَوْقَعَ الْفُرْسُ بِالْمُسْلِمِينَ هَلّا تَحَيّزَ إلَيّ أَبُو عُبَيْدِ بْنُ مَسْعُودٍ فَإِنّي فِئَةٌ لِكُلّ مُسْلِمٍ [ ص 125 ] النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ الّذِينَ رَجَعُوا مِنْ غَزْوَةِ مُؤْتَةَ ، ذَلِكَ أَنّهُمْ قَالُوا : نَحْنُ الْفَرّارُونَ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ بَلْ أَنْتُمْ الْعَكّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ اخْتَصَرْته ، وَالْقَدْرُ الّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ الْفِرَارُ الْوَاحِدُ مَعَ الْوَاحِدِ وَالْوَاحِدُ مَعَ الِاثْنَيْنِ فَإِذَا كَانَ الْوَاحِدُ لِلثّلَاثَةِ لَمْ يُعَبْ عَلَى الْفَارّ فِرَارُهُ كَانَ مُتَحَيّزًا إلَى فِئَةٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ . وَذَكَرَ أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ فِي مُقَدّمَاتِهِ عَنْ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ قَالَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا لَمْ يَجُزْ لَهُمْ الْفِرَارُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِهِمْ وَلَا مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ [ ص 126 ] لَنْ تُغْلَبَ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا مِنْ قِلّةٍ وَقَدْ كَانَ وُقُوفُ الْوَاحِدِ إلَى الْعَشَرَةِ حَتْمًا فِي أَوّلِ الْأَمْرِ ثُمّ خَفّفَ اللّهُ وَنَسَخَهُ بِقَوْلِهِ { الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا } الْآيَةَ كَذَلِكَ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَهُوَ قَوْلُ الْعُلَمَاءِ وَلَكِنْ لَا يَتَبَيّنُ فِيهِ النّسْخُ لِأَنّ قَوْلَهُ { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ خَبَرٌ وَالْخَبَرُ لَا يَدْخُلُهُ النّسْخُ وَقَوْلُهُ { الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ } يَدُلّ عَلَى أَنّ ثَمّ حُكْمًا مَنْسُوخًا ، وَهُوَ الثّبُوتُ لِلْعَشَرَةِ فَإِذًا الْآيَةُ ظَهْرٌ وَبَطْنٌ فَظَاهِرُهَا خَبَرٌ وَوَعْدٌ مِنْ اللّهِ تَعَالَى أَنْ تَغْلِبَ الْعَشَرَةُ الْمِائَةَ وَبَاطِنُهَا وُجُوبُ الثّبُوتِ لِلْمِائَةِ وَيَدُلّ عَلَى هَذَا الْحُكْمِ قَوْلُهُ { حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ } عَلَى الْقِتَالِ فَتَعَلّقَ النّسْخُ بِهَذَا الْحُكْمِ الْبَاطِنِ وَبَقِيَ الْخَبَرُ وَعْدًا حَقّا قَدْ أَبْصَرَهُ الْمُؤْمِنُونَ - عِيَانًا فِي زَمَنِ [ ص 127 ] عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، وَفِي بَقِيّةِ خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ فِي مُحَارَبَةِ الرّومِ وَفَارِسٍ بِالْعِرَاقِ وَالشّامِ ، فَفِي تِلْكَ الْمَلَاحِمِ هَزَمَتْ الْمِئُونُ الْآلَافَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَقَدْ هَزَمَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِائَةَ أَلْفٍ حِينَ إقْبَالِهِ مِنْ الْعِرَاقِ إلَى الشّامِ وَلَمْ يَبْلُغْ عَسْكَرُهُ خَمْسَةَ آلَافٍ بَلْ قَدْ رَأَيْت فِي بَعْضِ فُتُوحِ الشّامِ أَنّهُ كَانَ يَوْمَئِذٍ فِي أَلْفِ فَارِسٍ ، وَكَانَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ الْعِرَاقِ مَدَدًا لِلْمُسْلِمِينَ الّذِينَ بِالشّامِ وَكَانَ [ ص 128 ] الرّومُ فِي أَرْبَعِمِائَةِ أَلْفٍ فَلَقِيَ مِنْهُمْ خَالِدٌ مِائَةَ أَلْفٍ فَفَضّ جَمْعَهُمْ وَهَزَمَهُمْ وَقَدْ هَزَمَ أَهْلُ الْقَادِسِيّةِ جُيُوشَ رُسْتُمَ وَقَتَلُوهُ وَكَانَ رُسْتُمُ فِي أَكْثَرَ مِنْ مِائَتَيْ أَلْفٍ وَلَمْ يَكُنْ الْمُسْلِمُونَ فِي عُشْرِ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَجَاءُوا مَعَهُمْ بِالْفِيَلَةِ أَمْثَالَ الْحُصُونِ عَلَيْهَا الرّجَالُ فَفَرّتْ الْفِيَلَةُ وَأَطَاحَتْ مَا عَلَيْهَا ، وَلَمْ يَرُدّهَا شَيْءٌ دُونَ الْبَلَدِ الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَا ظَهَرَ مِنْ فَتْحِ اللّهِ وَنَصْرِهِ عَلَى يَدَيْ مُوسَى بْنِ نُصَيْرٍ بِإِفْرِيقِيّةَ وَالْأَنْدَلُسِ فَقَدْ كَانَ فِي ذَلِكَ أَعْجَبُ الْعَجَبِ فَكَانَ وَعْدُ اللّهِ مَفْعُولًا وَنَصْرُهُ الْمُسْلِمِينَ نَاجِزًا ، وَالْحَمْدُ لِلّهِ . [ ص 129 ] وَقَالَ النّقّاشُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ } مَعْنَاهُ إنْ يَصْبِرُوا يَغْلِبُوا ، وَغَلَبَتُهُمْ لَيْسَ بِأَنْ يُسْلِمُوا كُلّهُمْ وَلَكِنْ مَنْ سَلِمَ مِنْهُمْ رَأَى غَلَبَةَ أَهْلِ دِينِهِ وَظُهُورَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ وَلَا يَقْدَحُ فِي وَعْدِ اللّهِ أَنْ يَسْتَشْهِدَ جُمْلَةٌ مِنْ الصّابِرِينَ وَإِنّمَا هَذَا كَقَوْلِهِ { قَاتِلُوا الّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللّهِ } إلَى قَوْلِهِ { حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ } فَقَدْ نُجِزَ الْمَوْعُودُ وَغَلَبُوا كَمَا وُعِدُوا . هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ وَاَلّذِي قَدّمْنَاهُ أَبْيَنُ .
الّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فِي بَدْرٍ
[ ص 130 ] { إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ مَكّةَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا ، ثُمّ خَرَجُوا مَعَ الْمُشْرِكِينَ إلَى بَدْرٍ فَلَمّا رَأَوْا قِلّةَ الْمُسْلِمِينَ شَكّوا ، وَقَالُوا : غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ ، مِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَقَيْسُ بْنُ الْفَاكِهِ وَجَمَاعَةٌ سَمّاهُمْ أَبُو بَكْرٍ النّقّاشُ وَهُمْ الّذِينَ قُتِلُوا فَضَرَبَتْ الْمَلَائِكَةُ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ .
رَأْيُ الْأَخْنَسِ وَأَبِي جَهْلٍ فِي النّبِيّ
وَانْخَنَسَ يَوْمَئِذٍ أُبَيّ بْنِ شَرِيقٍ بِنَحْوِ مِنْ ثَلَثِمِائَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ ، فَسُمّيَ الْأَخْنَسُ بْنُ شَرِيقِ بْنِ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ عِلَاجِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غِيرَةَ ] وَذَلِكَ أَنّهُ خَلَا بِأَبِي جَهْلٍ حِينَ تَرَاءَى الْجَمْعَانِ فَقَالَ أَتَرَى أَنّ مُحَمّدًا يَكْذِبُ ؟ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ كَيْفَ يَكْذِبُ عَلَى اللّهِ وَقَدْ كُنّا نُسَمّيهِ الْأَمِينَ لِأَنّهُ مَا كَذَبَ قَطّ ، وَلَكِنْ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ السّقَايَةَ وَالرّفَادَةَ وَالْمَشُورَةَ ثُمّ تَكُونُ فِيهِمْ النّبُوءَةُ فَأَيّ شَيْءٍ بَقِيَ لَنَا ، فَحِينَئِذٍ [ ص 131 ] بِبَنِي زُهْرَةَ وَحَشَدَ إبْلِيسُ جَمِيعَ جُنُودِهِ وَجَاءَ بِنَفْسِهِ وَنَزَلَ جِبْرِيلُ بِأَلْفِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي صُوَرِ الرّجَالِ فَكَانَ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ مِنْ الْمَيْمَنَةِ وَمِيكَائِيلُ فِي خَمْسِمِائَةٍ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِي الْمَيْسَرَةِ وَوَرَاءَهُمْ مَدَدٌ لَمْ يُقَاتِلُوا ، وَهُمْ الْآلَافُ الْمَذْكُورُونَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، وَكَانَ إسْرَافِيلُ وَسَطَ الصّفّ لَا يُقَاتِلُ كَمَا يُقَاتِلُ غَيْرُهُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَكَانَ الرّجُلُ يَرَى الْمَلَكَ عَلَى صُورَةِ رَجُلٍ يَعْرِفُهُ وَهُوَ يُثَبّتُهُ وَيَقُولُ لَهُ مَا هُمْ بِشَيْءِ فَكَرّ عَلَيْهِمْ وَهَذَا فِي مَعْنَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { فَثَبّتُوا الّذِينَ آمَنُوا } ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ ، وَفِي مِثْلِ هَذَا يَقُولُ حَسّانٌ
مِيكَالُ مَعْكَ وَجِبْرِيلُ كِلَاهُمَا
مَدَدٌ لِنَصْرِك مِنْ عَزِيزٍ قَادِرِ
وَيُقَالُ كَانَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ سَبْعُونَ مِنْ الْجِنّ ، كَانُوا قَدْ أَسْلَمُوا .

مَا نَزَلَ فِي الِاسْتِفْتَاحِ
[ ص 125 ] قَالَ { إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ } أَيْ لِقَوْلِ أَبِي جَهْلٍ اللّهُمّ أَقْطَعَنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا يَعْرِفُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ . وَالِاسْتِفْتَاحُ الْإِنْصَافُ فِي الدّعَاءِ . يَقُولُ اللّهُ جَلّ ثَنَاؤُهُ { وَإِنْ تَنْتَهُوا } أَيْ لِقُرَيْشِ { فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ } أَيْ بِمِثْلِ الْوَقْعَةِ الّتِي أَصَبْنَاكُمْ بِهَا يَوْمَ بَدْرٍ { وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ } أَيْ أَنّ عَدَدَكُمْ وَكَثْرَتَكُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ لَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ شَيْئًا ، وَإِنّي مَعَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْصُرُهُمْ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ .
مَا نَزَلَ فِي حَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى طَاعَةِ الرّسُولِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ } أَيْ لَا تُخَالِفُوا أَمْرَهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ لِقَوْلِهِ وَتَزْعُمُونَ أَنّكُمْ مِنْهُ { وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ } أَيْ كَالْمُنَافِقِينَ الّذِي يُظْهِرُونَ لَهُ الطّاعَةَ وَيُسِرّونَ لَهُ الْمَعْصِيَةَ { إِنّ شَرّ الدّوَابّ عِنْدَ اللّهِ الصّمّ الْبُكْمُ الّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ } أَيْ الْمُنَافِقُونَ الّذِينَ نَهَيْتُكُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَهُمْ بُكْمٌ عَنْ الْخَيْرِ صُمّ عَنْ الْحَقّ لَا يَعْقِلُونَ لَا يَعْرِفُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ النّقْمَةِ وَالتّبَاعَةِ { وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ } أَيْ لَأَنْفَذَ لَهُمْ الّذِينَ قَالُوا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَلَكِنّ الْقُلُوبَ خَالَفَتْ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَوْ خَرَجُوا مَعَكُمْ { لَتَوَلّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ } مَا وَفَوْا لَكُمْ بِشَيْءِ مِمّا خَرَجُوا عَلَيْهِ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَلِلرّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } أَيْ لِلْحَرْبِ الّتِي أَعَزّكُمْ اللّهُ بِهَا بَعْدَ الذّلّ وَقَوّاكُمْ بِهَا بَعْدَ الضّعْفِ وَمَنَعَكُمْ بِهَا مِنْ عَدُوّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ مِنْهُمْ لَكُمْ [ ص 126 ] { وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطّفَكُمُ النّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطّيّبَاتِ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللّهَ وَالرّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } أَيْ لَا تُظْهِرُوا لَهُ مِنْ الْحَقّ مَا يَرْضَى بِهِ مِنْكُمْ ثُمّ تُخَالِفُوهُ فِي السّرّ إلَى غَيْرِهِ فَإِنّ ذَلِكَ هَلَاكٌ لِأَمَانَاتِكُمْ وَخِيَانَةٌ لِأَنْفُسِكُمْ { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفّرْ عَنْكُمْ سَيّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } أَيْ فَصْلًا بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ لِيُظْهِرَ اللّهُ بِهِ حَقّكُمْ وَيُطْفِئَ بِهِ بَاطِلَ مَنْ خَالَفَكُمْ .
مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ نِعْمَةِ اللّهِ عَلَى الرّسُولِ
ثُمّ ذَكّرَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِنِعْمَتِهِ عَلَيْهِ حِينَ مَكَرَ بِهِ الْقَوْمُ لِيَقْتُلُوهُ أَوْ يُثْبِتُوهُ أَوْ يُخْرِجُوهُ { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ } أَيْ فَمَكَرْت بِهِمْ بِكَيْدِي الْمَتِينِ حَتّى خَلّصْتُك مِنْهُمْ .
مَا نَزَلَ فِي غِرّةِ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحِهِمْ
ثُمّ ذَكَرَ غِرّةَ قُرَيْشٍ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ إذْ قَالُوا : { اللّهُمّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقّ مِنْ عِنْدِكَ } أَيْ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمّدٌ { فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السّمَاءِ } كَمَا أَمْطَرْتهَا عَلَى قَوْمِ لُوطٍ { أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ } أَيْ بَعْضَ مَا عَذّبْت بِهِ الْأُمَمَ قَبْلَنَا ، وَكَانُوا يَقُولُونَ إنّ اللّهَ لَا يُعَذّبُنَا وَنَحْنُ نَسْتَغْفِرُهُ وَلَمْ يُعَذّبْ أُمّةً وَنَبِيّهَا مَعَهَا حَتّى يُخْرِجَهُ عَنْهَا . وَذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِمْ وَرَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَذْكُرُ جَهَالَتَهُمْ وَغِرّتَهُمْ وَاسْتِفْتَاحَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ حِينَ نَعَى سُوءَ أَعْمَالِهِمْ { وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } أَيْ لِقَوْلِهِمْ إنّا نَسْتَغْفِرُ وَمُحَمّدٌ بَيْنَ أَظْهُرِنَا ، ثُمّ قَالَ { وَمَا لَهُمْ أَلّا يُعَذّبَهُمُ اللّهُ } وَإِنْ كُنْت بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَإِنْ كَانُوا يَسْتَغْفِرُونَ كَمَا يَقُولُونَ { وَهُمْ يَصُدّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } أَيْ مَنْ آمَنَ بِاَللّهِ وَعَبَدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ اتّبَعَك ، { وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلّا الْمُتّقُونَ } الّذِينَ يُحَرّمُونَ حُرْمَتَهُ وَيُقِيمُونَ الصّلَاةَ عِنْدَهُ أَيْ أَنْتَ وَمَنْ آمَنَ بِك { وَلَكِنّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ } الّتِي يَزْعُمُونَ أَنّهُ يُدْفَعُ بِهَا عَنْهُمْ { إِلّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً }
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
[ ص 127 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْمُكَاءُ الصّفِيرُ . وَالتّصْدِيَةُ التّصْفِيقُ . قَالَ عَنْتَرَةُ بْنُ عَمْرِو ( بْنِ شَدّادٍ الْعَبْسِيّ :
وَلَرُبّ قَرْنٍ قَدْ تَرَكْت مُجَدّلًا ... تَمْكُو فَرِيصَتُهُ كَشِدْقِ الْأَعْلَمِ
يَعْنِي : صَوْتَ خُرُوجِ الدّمِ مِنْ الطّعْنَةِ كَأَنّهُ الصّفِيرُ . وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَقَالَ الطّرِمّاحُ بْنُ حَكِيمٍ الطّائِيّ :
لَهَا كُلّمَا رِيعَتْ صُدَاةٌ وَرَكْدَةٌ ... بِمُصْدَانِ أَعْلَى ابْنَيْ شَمّامٍ الْبَوَئِنِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . يَعْنِي الْأُرْوِيّةَ يَقُولُ إذَا فَزِعَتْ قَرَعَتْ بِيَدِهَا الصّفَاةَ ثُمّ رَكَدَتْ تَسْمَعُ صَدَى قَرْعِهَا بِيَدِهَا الصّفَاةُ مِثْلُ التّصْفِيقِ وَالْمُصْدَانُ الْحِرْزُ . وَابْنَا شَمّامٍ جَبَلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذَلِكَ مَا لَا يُرْضِي اللّهَ عَزّ وَجَلّ وَلَا يُحِبّهُ وَلَا مَا افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ وَلَا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ { فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } أَيْ لِمَا أَوْقَعَ بِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ الْقَتْلِ .
الْمُدّةُ بَيْنَ يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ وَبَدْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاق : وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الزّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ بَيْنَ نُزُولِ { يَا أَيّهَا الْمُزّمّلُ } وَقَوْلِ اللّهِ تَعَالَى فِيهَا : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذّبِينَ أُولِي النّعْمَةِ وَمَهّلْهُمْ قَلِيلًا إِنّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا وَطَعَامًا ذَا غُصّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا } إلّا يَسِيرٌ حَتّى أَصَابَ اللّهُ قُرَيْشًا بِالْوَقْعَةِ يَوْمَ بَدْرٍ .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْأَنْكَالُ الْقُيُودُ وَاحِدُهَا : نِكْلٌ . قَالَ رُؤْبَةُ بْنُ الْعَجّاجِ : يَكْفِيك نِكْلِي بَغْيَ كُلّ نِكْلٍ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي أُرْجُوزَةٍ لَهُ .
مَا نَزَلَ فِيمَنْ عَاوَنُوا أَبَا سُفْيَانَ
[ ص 128 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ { إِنّ الّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمّ يُغْلَبُونَ وَالّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنّمَ يُحْشَرُونَ } يَعْنِي النّفَرَ الّذِينَ مَشَوْا إلَى أَبِي سُفْيَانَ وَإِلَى مَنْ كَانَ لَهُ مَالٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِي تِلْكَ التّجَارَةِ فَسَأَلُوهُمْ أَنْ يُقَوّوهُمْ بِهَا عَلَى حَرْبِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَفَعَلُوا . ثُمّ قَالَ { قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا } لِحَرْبِك { فَقَدْ مَضَتْ سُنّةُ الْأَوّلِينَ } أَيْ مَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ .
الْأَمْرُ بِقِتَالِ الْكُفّارِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدّينُ كُلّهُ لِلّهِ } أَيْ حَتّى لَا يُفْتَنَ مُؤْمِنٌ عَنْ دِينِهِ وَيَكُونُ التّوْحِيدُ لِلّهِ خَالِصًا لَيْسَ لَهُ فِيهِ شَرِيكٌ وَيَخْلَعُ مَا دُونَهُ مِنْ الْأَنْدَادِ { فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَإِنْ تَوَلّوْا } عَنْ أَمْرِك إلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ { فَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَوْلَاكُمْ } الّذِي أَعَزّكُمْ وَنَصَرَكُمْ عَلَيْهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فِي كَثْرَةِ عَدَدِهِمْ وَقِلّةِ عَدَدِكُمْ { نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النّصِيرُ } .

مَا نَزَلَ فِي تَقْسِيمِ الْفَيْءِ
ثُمّ أَعْلَمَهُمْ مَقَاسِمَ الْفَيْءِ وَحُكْمَهُ فِيهِ حِينَ أَحَلّهُ لَهُمْ فَقَالَ { وَاعْلَمُوا أَنّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } أَيْ يَوْمَ فَرّقْت فِيهِ بَيْنَ الْحَقّ وَالْبَاطِلِ بِقُدْرَتِي { يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ } مِنْكُمْ وَمِنْهُمْ { إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدّنْيَا } مِنْ الْوَادِي { وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى } مِنْ الْوَادِي إلَى مَكّةَ { وَالرّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ } أَيْ عِيرُ أَبِي سُفْيَانَ الّتِي خَرَجْتُمْ لِتَأْخُذُوهَا وَخَرَجُوا لِيَمْنَعُوهَا مِنْ غَيْرِ مِيعَادٍ مِنْكُمْ وَلَا مِنْهُمْ { وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ } أَيْ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ عَنْ مِيعَادٍ مَعَكُمْ وَمَعَهُمْ [ ص 129 ] كَثْرَةُ عَدَدِهِمْ وَقِلّةُ عَدَدِكُمْ مَا لَقِيتُمُوهُمْ { وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيَقْضِيَ مَا أَرَادَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ إعْزَازِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَإِذْلَالِ الْكُفْرِ وَأَهْلِهِ عَنْ غَيْرِ بَلَاءٍ مِنْكُمْ . فَفَعَلَ مَا أَرَادَ مِنْ ذَلِكَ بِلُطْفِهِ ثُمّ قَالَ { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } أَيْ لِيَكْفُرَ مَنْ كَفَرَ بَعْدَ الْحُجّةِ لِمَا رَأَى مِنْ الْآيَةِ وَالْعِبْرَةِ وَيُؤْمِنُ مَنْ آمَنَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ .

مَا نَزَلَ فِي لُطْفِ اللّهِ بِالرّسُولِ
ثُمّ ذَكَرَ لُطْفَهُ بِهِ وَكَيْدَهُ لَهُ ثُمّ قَالَ { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَلَكِنّ اللّهَ سَلّمَ إِنّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ } فَكَانَ مَا أَرَاك مِنْ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنْ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ شَجّعَهُمْ بِهَا عَلَى عَدُوّهِمْ وَكَفّ بِهَا عَنْهُمْ مَا تُخُوّفَ عَلَيْهِمْ مِنْ ضَعْفِهِمْ لِعِلْمِهِ بِمَا فِيهِمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تُخُوّفَ مُبْدَلَةٌ مِنْ كَلِمَةٍ ذَكَرَهَا ابْنُ إسْحَاقَ وَلَمْ أَذْكُرْهَا . { وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا } أَيْ لِيُؤَلّفَ بَيْنَهُمْ عَلَى الْحَرْبِ لِلنّقْمَةِ مِمّنْ أَرَادَ الِانْتِقَامَ مِنْهُ وَالْإِنْعَامَ عَلَى مَنْ أَرَادَ إتْمَامَ النّعْمَةِ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ وِلَايَتِهِ .

مَا نَزَلَ فِي وَعْظِ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيمِهِمْ خُطَطَ الْحَرْبِ
ثُمّ وَعَظَهُمْ وَفَهّمَهُمْ وَأَعْلَمَهُمْ الّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَسِيرُوا بِهِ فِي حَرْبِهِمْ فَقَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً } تُقَاتِلُونَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللّهَ كَثِيرًا } الّذِي لَهُ بَذَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَالْوَفَاءَ لَهُ بِمَا أَعْطَيْتُمُوهُ مِنْ بَيْعَتِكُمْ { لَعَلّكُمْ تُفْلِحُونَ وَأَطِيعُوا اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا } أَيْ لَا تَخْتَلِفُوا فَيَتَفَرّقُ أَمْرُكُمْ { وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ } أَيْ وَتَذْهَبَ حِدّتُكُمْ { وَاصْبِرُوا إِنّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ } أَيْ إنّي مَعَكُمْ إذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ { وَلَا تَكُونُوا كَالّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النّاسِ } أَيْ لَا تَكُونُوا كَأَبِي جَهْلٍ وَأَصْحَابِهِ الّذِينَ قَالُوا : لَا نَرْجِعُ حَتّى نَأْتِيَ بَدْرًا فَنَنْحَرَ بِهَا الْجُزُرَ وَتُسْقَى بِهَا [ ص 130 ] الْعَرَبُ : أَيْ لَا يَكُونُ أَمْرُكُمْ رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَلَا الْتِمَاسَ مَا عِنْدَ النّاسِ وَأَخْلِصُوا لِلّهِ النّيّةَ وَالْحِسْبَةَ فِي نَصْرِ دِينِكُمْ وَمُوَازَرَةِ نَبِيّكُمْ لَا تَعْمَلُوا إلّا لِذَلِكَ وَلَا تَطْلُبُوا غَيْرَهُ . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِذْ زَيّنَ لَهُمُ الشّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ } . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ ذَكَرَ اللّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكُفْرِ وَمَا يَلْقَوْنَ عِنْدَ مَوْتِهِمْ وَوَصَفَهُمْ بِصِفَتِهِمْ وَأَخْبَرَ نَبِيّهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْهُمْ حَتّى انْتَهَى إلَى أَنْ قَالَ { فَإِمّا تَثْقَفَنّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلّهُمْ يَذّكّرُونَ } أَيْ فَنَكّلْ بِهِمْ مِنْ وَرَائِهِمْ لَعَلّهُمْ يَعْقِلُونَ { وَأَعِدّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ } إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ } أَيْ لَا يَضِيعُ لَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعَاجِلُ خَلَفِهِ فِي الدّنْيَا . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا } أَيْ إنْ دَعَوْك إلَى السّلْمِ عَلَى الْإِسْلَامِ فَصَالِحْهُمْ عَلَيْهِ { وَتَوَكّلْ عَلَى اللّهِ } إنّ اللّهَ كَافِيك { إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 131 ] مَالُوا إلَيْك لِلسّلْمِ . الْجُنُوحُ الْمَيْلُ . قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ :
جُنُوحُ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ
[ ص 132 ] قَصِيدَةٍ لَهُ . وَالسّلْمُ أَيْضًا : الصّلْحُ وَفِي كِتَابِ اللّهِ عَزّ وَجَلّ { فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ } وَيُقْرَأُ إلَى السّلْمِ وَهُوَ ذَلِكَ الْمَعْنَى . قَالَ زُهَيْرُ بْنُ أَبِي سُلْمَى :
وَقَدْ قُلْتُمَا إنْ نُدْرِكْ السّلْمَ وَاسِعًا ... بِمَالِ وَمَعْرُوفٍ مِنْ الْقَوْلِ نَسْلَمَ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَلَغَنِي عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ ، أَنّهُ كَانَ يَقُولُ { وَإِنْ جَنَحُوا لِلسّلْمِ } الْإِسْلَامِ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافّةً } وَيُقْرَأُ فِي السّلْمِ وَهُوَ الْإِسْلَامُ . قَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ :
فَمَا أَنَابُوا لِسَلْمِ حِينَ تُنْذِرُهُمْ ... رُسُلُ الْإِلَهِ وَمَا كَانُوا لَهُ عَضُدَا
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . وَتَقُولُ الْعَرَبُ لِدَلْوِ تُعْمَلُ مُسْتَطِيلَةً السّلْمُ . قَالَ طَرَفَةُ بْنُ الْعَبْدِ أَحَدُ بَنِي قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ يَصِفُ نَاقَةً لَهُ
لَهَا مِرْفَقَانِ أَفْتَلَانِ كَأَنّمَا ... تَمُرّ بِسَلْمَى دَالِحٍ مُتَشَدّدِ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ . { وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنّ حَسْبَكَ اللّهُ } هُوَ مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ { هُوَ الّذِي أَيّدَكَ بِنَصْرِهِ } بَعْدَ الضّعْفِ { وَبِالْمُؤْمِنِينَ وَأَلّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ } عَلَى الْهُدَى الّذِي بَعَثَك اللّهُ بِهِ إلَيْهِمْ { لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنّ اللّهَ أَلّفَ بَيْنَهُمْ } بِدِينِهِ الّذِي جَمَعَهُمْ عَلَيْهِ { إِنّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } . ثُمّ قَالَ تَعَالَى : { يَا أَيّهَا النّبِيّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَيّهَا النّبِيّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الّذِينَ كَفَرُوا بِأَنّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ } أَيْ لَا يُقَاتِلُونَ عَلَى نِيّةٍ وَلَا حَقّ وَلَا مَعْرِفَةٍ بِخَيْرِ وَلَا شَرّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبّاسٍ قَالَ لَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اشْتَدّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَعْظَمُوا أَنْ يُقَاتِلَ عِشْرُونَ مِائَتَيْنِ وَمِائَةٌ أَلْفًا ، فَخَفّفَ اللّهُ عَنْهُمْ فَنَسَخَتْهَا الْآيَةُ الْأُخْرَى ، فَقَالَ { الْآنَ خَفّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ } قَالَ فَكَانُوا إذَا كَانُوا عَلَى الشّطْرِ [ ص 133 ] كَانُوا دُونَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمْ قِتَالُهُمْ وَجَازَ لَهُمْ أَنْ يَتَحَوّزُوا عَنْهُمْ .
Sمَنْ الْآخَرُونَ ؟
وَذَكَرَ قَوْلَ اللّهِ تَعَالَى : { تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوّ اللّهِ وَعَدُوّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ } وَلَمْ يَذْكُرْ الْآخَرِينَ مَنْ هُمْ وَقِيلَ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ قِيلَ هُمْ الْمُنَافِقُونَ وَقِيلَ هُمْ الْيَهُودُ وَأَصَحّ مَا فِي ذَلِكَ أَنّهُمْ الْجِنّ ، لِرِوَايَةِ ابْنِ الْمُلَيْكِيّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّهِ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ فِي آخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ قَالَ هُمْ الْجِنّ ثُمّ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ إنّ الشّيْطَانَ لَا يَخْبِلُ أَحَدًا فِي دَارٍ فِيهَا فَرَسٌ عَتِيقٌ ذَكَرَهُ الْحَارِثُ فِي مُسْنَدِهِ وَأَنْشَدَ
جُنُوحَ الْهَالِكِيّ عَلَى يَدَيْهِ ... مُكِبّا يَجْتَلِي نُقَبَ النّصَالِ
الْهَالِكِيّ : الصّيْقَلُ . وَنُقَبُ النّصَالِ جَرَبُ الْحَدِيدِ وَصَدَؤُهُ وَهُوَ فِي مَعْنَى النّقَبِ وَاحِدَتُهَا نُقْبَةٌ [ ص 132 ]

مَا نَزَلَ فِي الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثُمّ عَاتَبَهُ اللّهُ تَعَالَى فِي الْأُسَارَى ، وَأَخْذِ الْمَغَانِمِ وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ قَبْلَهُ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَأْكُلُ مَغْنَمًا مِنْ عَدُوّ لَهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَدّثَنِي مُحَمّدٌ أَبُو جَعْفَرِ بْنُ عَلِيّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، قَالَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نُصِرْت بِالرّعْبِ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا ، وَأُعْطِيت جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُحِلّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلّ لِنَبِيّ كَانَ قَبْلِي ، وَأُعْطِيت الشّفَاعَةَ خَمْسٌ لَمْ يُؤْتَهُنّ نَبِيّ قَبْلِي قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَقَال { مَا كَانَ لِنَبِيّ } أَيْ قَبْلَك { أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى } مِنْ عَدُوّهِ { حَتّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ } أَيْ يُثْخِنَ عَدُوّهُ حَتّى يَنْفِيَهُ مِنْ الْأَرْضِ { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا } أَيْ الْمَتَاعَ الْفِدَاءَ بِأَخْذِ الرّجَالِ { وَاللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ } أَيْ قَتْلَهُمْ لِظُهُورِ الدّينِ الّذِي يُرِيدُ إظْهَارَهُ وَاَلّذِي تُدْرَكُ بِهِ الْآخِرَةُ [ ص 134 ] { لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ } أَيْ مِنْ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمِ { عَذَابٌ عَظِيمٌ } أَيْ لَوْلَا أَنّهُ سَبَقَ مِنّي أَنّي لَا أُعَذّبُ إلّا بَعْدَ النّهْيِ وَلَمْ يَكُ نَهَاهُمْ لَعَذّبْتُكُمْ فِيمَا صَنَعْتُمْ ثُمّ أَحَلّهَا لَهُ وَلَهُمْ رَحْمَةً مِنْهُ وَعَائِدَةً مِنْ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ . فَقَالَ { فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ثُمّ قَالَ { يَا أَيّهَا النّبِيّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }
Sحَوْلَ غَنَائِمِ بَدْر
فَصْلٌ
[ ص 133 ] وَذَكَرَ فِي السّورَةِ { لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ } يَعْنِي بِإِحْلَالِ الْغَنَائِمِ لِمُحَمّدِ وَأُمّتِهِ لَمَسّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَقَدْ عُرِضَ عَلَيّ عَذَابُكُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشّجَرَةِ وَقَالَ لَوْ نَزَلَ عَذَابٌ مَا نَجَا مِنْهُ إلّا عُمَرُ لِأَنّ عُمَرَ كَانَ قَدْ أَشَارَ عَلَيْهِ بِقَتْلِ الْأُسَارَى وَالْإِثْخَانِ فِي الْقَتْلِ وَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ بِالْإِبْقَاءِ فَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ثُمّ نَزَلَتْ الْآيَةُ { فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيّبًا } وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ " لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ وَأَخَذَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْأُسَارَى ، فَقَالَ مَاذَا تَرَوْنَ ؟ فَقَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللّهِ كَذّبُوك وَأَخْرَجُوك ، اضْرِبْ أَعْنَاقَهُمْ وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ : يَا رَسُولَ اللّهِ أَنْتَ بِوَادٍ كَثِيرِ الْحَطَبِ فَأَضْرِمْهُ نَارًا ، ثُمّ أَلْقِهِمْ فِيهَا ، فَقَالَ الْعَبّاسُ قَطَعَ اللّهُ رَحِمَك ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللّهِ عِتْرَتُك ، وَأَصْلُك وَقَوْمُك تَجَاوَزْ عَنْهُمْ يَسْتَنْقِذْهُمْ اللّهُ بِك مِنْ النّارِ ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمِنْ قَائِلٍ يَقُولُ الْقَوْلُ مَا قَالَ عُمَرُ وَمِنْ قَائِلٍ [ ص 134 ] قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَخَرَجَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ مَا قَوْلُكُمْ فِي هَذَيْنِ الرّجُلَيْنِ إنّ مَثَلَهُمَا كَمَثَلِ إخْوَةٍ لَكُمْ كَانُوا قَبْلَكُمْ قَالَ نُوحٌ { رَبّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ } الْآيَةَ وَقَالَ مُوسَى : { رَبّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ } الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى : { إِنْ تُعَذّبْهُمْ فَإِنّهُمْ عِبَادُكَ } الْآيَةَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ { فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنّهُ مِنّي } الْآيَةَ . وَإِنّ اللّهَ يُشَدّدُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتّى تَكُونَ كَالْحَجَرِ وَيُلِينُ قُلُوبَ رِجَالٍ حَتّى تَكُونَ أَلْيَنَ مِنْ اللّبَنِ وَيُرْوَى مِنْ اللّينِ وَإِنّ بِكُمْ عِيلَةً فَلَا يَفْلِتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلّا بِفِدَاءِ أَوْ ضَرْبَةِ عُنُقٍ . قَالَ عَبْدُ اللّهِ [ بْنُ مَسْعُودٍ ] : فَقُلْت : إلّا سَهْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ وَقَدْ كُنْت سَمِعْته يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ قَالَ فَجَعَلْت أَنْظُرُ إلَى السّمَاءِ مَتَى تَقَعُ عَلَيّ الْحِجَارَةُ فَقُلْت : أُقَدّمُ الْقَوْلَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللّهِ فَقَالَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - إلّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَفَرِحْت بِذَلِكَ " ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَمّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ بِالْمَغَازِي ، فَإِنّهُمْ يَقُولُونَ إنّمَا هُوَ سَهْلُ ابْنُ بَيْضَاءَ أَخُو سُهَيْلٍ فَأَمّا ، سُهَيْلٌ فَكَانَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَقَدْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بَدْرًا ، ثُمّ إنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لَمْ يَفْدِ بَعْدَهَا بِمَالِ إنّمَا كَانَ يَمُنّ أَوْ يُفَادِي أَسِيرًا بِأَسِيرِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : وَذَلِكَ وَاَللّهُ أَعْلَمُ لِقَوْلِهِ { تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا } يَعْنِي الْفِدَاءَ بِالْمَالِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَحَلّ ذَلِكَ وَطَيّبَهُ ، وَلَكِنْ مَا فَعَلَهُ الرّسُولُ بَعْدَ ذَلِكَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَنّ أَوْ الْمُفَادَاةِ بِالرّجَالِ أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ { فَإِمّا مَنّا بَعْدُ وَإِمّا فِدَاءً } كَيْفَ قَدّمَ الْمَنّ عَلَى الْفِدَاءِ فَلِذَلِكَ اخْتَارَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَدّمَهُ وَأَمّا مَذَاهِبُ الْفُقَهَاءِ فِي هَذَا ، فَالْأَوْزَاعِيّ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ يَكْرَهُونَ أَخْذَ الْمَالِ فِي الْأَسِيرِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَقْوِيَةِ الْعَدُوّ بِالرّجَالِ وَاخْتَلَفُوا فِي الصّغِيرِ إذَا كَانَ مَعَهُ أُمّهُ فَأَجَازَ فِدَاءَهُ بِالْمَالِ أَهْلُ الْعِرَاقِ ، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ مَالِكٍ وَالصّحِيحُ مَنْعُهُ وَكَانَ الْعَبّاسُ عَمّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي الْأَسْرَى ، فَفَدَى نَفْسَهُ وَفَدَى ابْنَيْ أَخِيهِ فَقَالَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَقَدْ تَرَكْتنِي أَتَكَفّفُ قُرَيْشًا فَقِيرًا مُعْدِمًا ، فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَيْنَ الذّهَبُ الّتِي تَرَكْتهَا عِنْدَ أُمّ الْفَضْلِ وَعَدَدُهَا كَذَا وَكَذَا ، وَقُلْت لَهَا : كَيْت وَكَيْت ، فَقَالَ مَنْ أَعْلَمَك بِهَذَا يَا ابْنَ أَخِي ، فَقَالَ اللّهُ فَقَالَ حَدِيثٌ مَا اطّلَعَ عَلَيْهِ إلّا عَالِمُ الْأَسْرَارِ أَشْهَدُ أَنّك رَسُولُ [ ص 135 ] فَحِينَئِذٍ أَسْلَمَ الْعَبّاسُ وَكَانَ فِي الْأَسْرَى مَنْ يَكْتُبُ وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ أَحَدٌ يُحْسِنُ الْكِتَابَةَ فَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا مَالَ لَهُ فَيَقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يُعَلّمَ عَشَرَةً مِنْ الْغِلْمَانِ الْكِتَابَةَ وَيُخَلّيَ سَبِيلَهُ فَيَوْمَئِذٍ تَعَلّمَ الْكِتَابَةَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ غِلْمَةِ الْأَنْصَارِ ، وَهَذِهِ عُيُونُ أَخْبَارٍ وَصَلْتهَا بِمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي يَوْمِ بَدْرٍ جَمَعْتهَا مِنْ كُتُبِ التّفَاسِيرِ وَالسّيَرِ وَلَخّصْتهَا .

مَا نَزَلَ فِي التّوَاصُلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ
[ ص 135 ] وَحَضّ الْمُسْلِمِينَ عَلَى التّوَاصُلِ وَجَعَلَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارَ أَهْلَ وِلَايَةٍ فِي الدّينِ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ وَجَعَلَ الْكُفّارَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ ثُمّ قَالَ { إِلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } أَيْ يُوَالِ الْمُؤْمِنُ الْمُؤْمِنَ مِنْ دُونِ الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ ذَا رَحِمٍ بِهِ { تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ } أَيْ شُبْهَةٌ فِي الْحَقّ وَالْبَاطِلِ وَظُهُورُ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِتَوَلّي الْمُؤْمِنِ الْكَافِرَ دُونَ الْمُؤْمِنِ . [ ص 136 ] رَدّ الْمَوَارِيثَ إلَى الْأَرْحَامِ مِمّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ الْوِلَايَةِ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ دُونَهُمْ إلَى الْأَرْحَامِ الّتِي بَيْنَهُمْ فَقَالَ { وَالّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ } أَيْ بِالْمِيرَاثِ { إِنّ اللّهَ بِكُلّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }

خَيْلُ بَدْرٍ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ الْخَيْلَ الّتِي كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ فَذَكَرَ بَعْزَجَةَ فَرَسَ الْمِقْدَادِ ، وَالْيَعْسُوبَ فَرَسَ الزّبَيْرِ وَفَرَسًا لِمَرْثَدِ الْغَنَوِيّ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ خَيْلٌ إلّا هَذِهِ وَفِي فَرَسِ الزّبَيْرِ اخْتِلَافٌ وَقَدْ كَانَ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْلٌ بَعْدَ هَذَا الْيَوْمِ مِنْهَا : السّكْبُ وَاللّزَازُ وَالْمُرْتَجِزُ وَاللّحِيفُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ مِنْ حَدِيثِ عَبّاسِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ وَيُقَالُ فِيهِ اللّخِيفُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَقَالَ الْقُتَبِيّ : كَانَ الْمُرْتَجِزُ فَرَسًا اشْتَرَاهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ أَعْرَابِيّ ثُمّ أَنْكَرَ الْأَعْرَابِيّ أَنْ يَكُونَ بَاعَهُ مِنْهُ فَشَهِدَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ عَلَى الْأَعْرَابِيّ بِالْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِمَ تَشْهَدُ ؟ قَالَ أَشْهَدُ بِصِدْقِك يَا رَسُولَ اللّهِ فَجُعِلَتْ شَهَادَتُهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ وَالْحَدِيثُ مَشْهُورٌ غَيْرَ أَنّ فِي مُسْنَدِ الْحَارِثِ زِيَادَةً فِيهِ وَهِيَ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ رَدّ الْفَرَسَ عَلَى الْأَعْرَابِيّ وَقَالَ لَا بَارَكَ اللّهُ لَك فِيهَا فَأَصْبَحَتْ مِنْ الْغَدِ شَائِلَةً بِرِجْلِهَا ، أَيْ قَدْ مَاتَتْ . قَالَ الطّبَرِيّ : وَمِنْ خَيْلِهِ الضّرِسُ وَمُلَاوِحٌ وَالْوَرَدُ وَهُوَ الّذِي وَهَبَهُ لِعُمَرِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ عُمَرُ رَجُلًا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَحَدِيثُهُ فِي الْمُوَطّأِ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ مِنْ الدّرُوعِ ذَاتُ الْفُضُولِ وَأُخْرَى يُقَالُ لَهَا : فَضّةُ وَرَايَةٌ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ وَقَوْسَانِ أَحَدُهُمَا : الصّفْرَاءُ ، وَالْأُخْرَى : الزّوْرَاءُ وَسَيْفُهُ ذُو الْفَقَارِ لِفِقْرَاتِ كَانَتْ فِي وَسَطِهِ وَكَانَ لِنُبَيْهٍ وَمُنَبّهِ ابْنَيْ الْحَجّاجِ سُلِبَاهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَيُقَالُ إنّ أَصْلَهُ كَانَ مِنْ حَدِيدَةٍ وُجِدَتْ مَدْفُونَةً عِنْدَ الْكَعْبَةِ ، فَصُنِعَ مِنْهَا ذُو [ ص 136 ] عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبَ الّتِي وَهَبَهَا لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ وَكَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ الْعَرَبِ ، وَكَانَ لَهُ حَرْبَةٌ يُقَالُ لَهَا : النّبْعَةُ وَذَكَرَ الْعُقَيْلِيّ فِي كِتَابِ الضّعَفَاءِ جُمْلَةً مِنْ آلَاتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي حَدِيثٍ أَسْنَدَهُ فَمِنْهَا الْجَمْعُ اسْمُ كِنَانَتِهِ وَالْمُدِلّةُ اسْمٌ لِمِرْآةِ كَانَ يَنْظُرُ فِيهَا ، وَقَضِيبٌ يُسْمَى : الْمَمْشُوقُ وَذَكَرَ الْجَلَمَيْنِ وَنَسِيت مَا قَالَ فِي اسْمِهِ وَأَمّا بَغْلَتُهُ دُلْدُلُ وَحِمَارُهُ عُفَيْرٌ فَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا فِي كِتَابِ الْأَعْلَامِ وَذَكَرْنَا مَا كَانَ فِي أَمْرِ الْحِمَارِ مِنْ الْآيَاتِ وَزِدْنَا هُنَالِكَ فِي اسْتِقْصَاءِ هَذَا الْبَابِ وَرَأَيْنَا أَنْ لَا نُخْلِيَ هَذَا الْكِتَابَ مِمّا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ أَوْ أَكْثَرَهُ وَأَمّا دُلْدُلُ فَمَاتَتْ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ وَهِيَ الّتِي أَهْدَاهَا إلَيْهِ الْمُقَوْقِسُ ، وَأَمّا الْيَعْفُورُ فَطَرَحَ نَفْسَهُ فِي بِئْرٍ يَوْمَ مَاتَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَمَاتَ وَذَكَرَ ابْنُ فَوْرَكٍ فِي كِتَابِ الْفُصُولِ أَنّهُ كَانَ مِنْ مَغَانِمِ خَيْبَرَ ، وَأَنّهُ كَلّمَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَقَالَ لَهُ يَا رَسُولَ اللّهِ أَنَا زِيَادُ بْنُ شِهَابٍ ، وَقَدْ كَانَ فِي آبَائِي سِتّونَ حِمَارًا كُلّهُمْ رَكِبَهُ نَبِيّ ، فَارْكَبْنِي أَنْتَ وَزَادَ الْجُوَيْنِيّ فِي كِتَابِ الشّامِلِ أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - كَانَ إذَا أَرَادَ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ أَرْسَلَ إلَيْهِ هَذَا الْحِمَارَ فَيَذْهَبُ حَتّى يَضْرِبَ بِرَأْسِهِ الْبَابَ فَيَخْرُجُ الرّجُلُ فَيَعْلَمُ أَنّهُ قَدْ أُرْسِلَ إلَيْهِ فَيَأْتِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ لَهُ تُرْسٌ فِيمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ فِيهِ تِمْثَالٌ كَرَأْسِ الْكَبْشِ وَكَانَ يَكْرَهُهُ فِيهِ فَأَصْبَحَ ذَاتَ يَوْمٍ قَدْ انْمَحَى ، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ أَثَرٌ وَأَمّا رِدَاؤُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْحَضْرَمِيّ ، وَبِهِ كَانَ يَشْهَدُ الْعِيدَيْنِ كَانَ طُولُهُ أَرْبَعَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَانِ وَشِبْرٌ وَكَانَ لَهُ جَفْنَةٌ عَظِيمَةٌ يُقَالُ لَهَا الْغَرّاءُ يَحْمِلُهَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ جَرَى ذِكْرُهَا فِي حَدِيثٍ خَرّجَهُ أَبُو دَاوُدَ ، فَهَذِهِ جُمْلَةٌ تَشْرَئِبّ إلَى مَعْرِفَتِهَا أَنْفُسُ الطّالِبِينَ وَتَرْتَاحُ بِالْمُذَاكَرَةِ بِهَا قُلُوبُ الْمُتَأَدّبِينَ وَكُلّ مَا كَانَ مِنْ بَابِ الْمَعْرِفَةِ بِنَبِيّنَا عَلَيْهِ السّلَامُ وَمُتّصِلًا بِأَخْبَارِ سِيرَتِهِ مِمّا يُونِقُ الْأَسْمَاعَ وَيَهُزّ بِأَرْوَاحِ الْمَحَبّةِ الطّبَاعَ وَالْحَمْدُ لِلّهِ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ ذَلِكَ .

مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَالْمُطّلِبِ
[ ص 137 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهَذِهِ تَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمّ مِنْ ( قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ ) بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَبَنِيّ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبِ بْنِ فِهْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ . مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَيّدُ الْمُرْسَلِينَ ابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمِ وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ أَسَدُ اللّهِ وَأَسَدُ رَسُولِهِ عَمّ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ، وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ الْكَلْبِيّ ، أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَرَسُولُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ رُفَيْدَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ وَبَرَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَنَسَةُ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَأَبُو كَبْشَةَ مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 138 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنَسَةُ حَبَشِيّ ، وَأَبُو كَبْشَةَ : فَارِسِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَأَبُو مَرْثَدٍ كَنّازُ بْنُ حِصْنِ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ طَرِيفِ بْنِ جِلّانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ غَنِيّ بْنِ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَنّازُ بْنُ حُصَيْنٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَابْنُهُ مَرْثَدُ بْنُ أَبِي مَرْثَدٍ ، حَلِيفَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ ؟ وَأَخَوَاهُ الطّفَيْلُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَالْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ ؟ وَمِسْطَحٌ وَاسْمُهُ عَوْفُ بْنُ أَثَاثَةَ بْنِ عَبّادِ بْنِ الْمُطّلِبِ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
Sتَسْمِيَةُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا
[ ص 137 ] السّيرَةِ وَالتّنْبِيهُ إلَى مَا تَتَشَوّفُ إلَيْهِ نَفْسُ الطّالِبِ مِنْ هَذَا الْفَنّ وَسَائِرُهُمْ قَدْ نَسَبَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَابْنُ هِشَامٍ فِي هَذَا [ ص 138 ] طَائِفَةً لَمْ يَنْسُبْهُمْ ابْنُ إسْحَاقَ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ [ مَالِكُ ] بْنُ التّيْهَانِ تَقَدّمَ التّعْرِيفُ بِهِ فِي بَيْعَةِ الْعَقَبَةِ وَأَنّهُ مِنْ بَنِي إرَاشٍ فِي قَوْلِ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : إرَاشَةَ .

مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، تَخَلّفَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيّةَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَأَجْرُك ، وَأَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ؟ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ مِهْشَمٌ .
نَسَبُ سَالِمٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَسَالِمٌ سَائِبَةٌ لِثُبَيْتَةَ بِنْتِ يَعَارِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، سَيّبَتْهُ فَانْقَطَعَ إلَى أَبِي حُذَيْفَةَ فَتَبَنّاهُ وَيُقَالُ كَانَتْ ثُبَيْتَةُ بِنْتُ يَعَارٍ تَحْتَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ عُتْبَةَ فَأَعْتَقَتْ سَالِمًا سَائِبَةً فَقِيلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَعَمُوا أَنّ صُبَيْحًا مَوْلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ تَجَهّزَ لِلْخُرُوجِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ثُمّ مَرِضَ فَحَمَلَ عَلَى بَعِيرِهِ أَبَا سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ ثُمّ شَهِدَ صُبَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَشَاهِدَ كُلّهَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
مِنْ حُلَفَاء بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
[ ص 139 ] بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَعُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَشُجَاعُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ صُهَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ ؟ وَيَزِيدُ بْنُ رُقَيْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمُرَ بْنِ صَبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ؟ وَأَبُو سِنَانِ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ حُرْثَانَ بْنِ قَيْسٍ ، أَخُو عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ ؟ وَابْنُهُ سِنَانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ وَمُحْرِزُ بْنُ نَضْلَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ ، وَرَبِيعَةُ بْنُ أَكْثَمَ بْنِ سَخْبَرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُكَيْزِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ .
مِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرٍ
وَمِنْ حُلَفَاءِ بَنِي كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدٍ : ثَقْفُ بْنُ عَمْرٍو ، وَأَخَوَاهُ مَالِكُ بْنُ عَمْرٍو ، وَمُدْلِجُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِدْلَاجُ بْنُ عَمْرٍو . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَهُمْ مِنْ بَنِي حَجْرٍ آلِ بَنِي سُلَيْمٍ . وَأَبُو مَخْشِيّ حَلِيفٌ لَهُمْ . سِتّةَ عَشَرَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو مَخْشِيّ طَائِيّ ، وَاسْمُهُ سُوَيْدُ بْنُ مَخْشِيّ .

مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ عُتْبَةُ بْنُ غَزْوَانَ بْنِ جَابِرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ نُسَيْبِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَازِنِ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ وَخَبّابٌ مَوْلَى عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ - رَجُلَانِ .

مِنْ بَنِي أَسَدٍ
[ ص 140 ] بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَحَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ ، وَاسْمُ أَبِي بَلْتَعَةَ عَمْرٌو ، لَخْمِيّ ، وَسَعْدٌ مَوْلَى حَاطِبٍ كَلْبِيّ .

مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ ، وَسُوَيْبِطُ بْنُ سَعْدِ بْنِ حُرَيْمِلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ السّبّاقِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ . رَجُلَانِ .

مِنْ بَنِي زُهْرَةَ
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ : عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ زُهْرَةَ ؟ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ - وَأَبُو وَقّاصٍ مَالِكُ بْنُ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ وَأَخُوهُ عُمَيْرِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَة َ بْنِ ثُمَامَةَ بْنِ مَطْرُودِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ ثَوْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ هَزْلِ بْنِ قَائِشِ بْنِ دُرَيْمِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ أَهْوَدَ بْنِ بَهْرَاءِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ هَزْلُ بْنُ قَاسِ بْنِ ذَرّ - وَدَهِيرُ بْنُ ثَوْرٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ شَمْخِ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ صَاهِلَةَ بْنِ كَاهِلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ ، وَمَسْعُودُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ حَمَالَةَ بْنِ غَالِبِ بْنِ مُحَلّمِ بْنِ عَائِذَةَ بْنِ سُبَيْعِ بْنِ الْهُونِ بْنِ خُزَيْمَةَ ، مِنْ الْقَارَةِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْقَارَةُ : لَقَبٌ لَهُمْ . وَيُقَالُ قَدْ أَنْصَفَ الْقَارَةَ مَنْ رَامَاهَا وَكَانُوا رُمَاةً . [ ص 141 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَذُو الشّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ بْنِ غُبْشَانَ بْنِ سُلَيْمِ بْنِ مَلَكَانِ بْنِ أَقْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، مِنْ خُزَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا قِيلَ لَهُ ذُو الشّمَالَيْنِ لِأَنّهُ كَانَ أَعْسَرَ وَاسْمُهُ عُمَيْرٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ ، ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : خَبّابُ بْنُ الْأَرَتّ ، مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَلَهُ عَقِبٌ وَهُمْ بِالْكُوفَةِ وَيُقَالُ خَبّابُ مِنْ خُزَاعَةَ .

مِنْ بَنِي تَيْمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، وَاسْمُهُ عَتِيقُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اسْمُ أَبِي بَكْرٍ عَبْدُ اللّهِ وَعَتِيقٌ لَقَبٌ لِحُسْنِ وَجْهِهِ وَعِتْقِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَبِلَالٌ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ - وَبِلَالٌ مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي بَنِي جُمَحَ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، وَهُوَ بِلَالُ بْنُ رَبَاحٍ ، لَا عَقِبَ لَهُ - وَعَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ ، مُوَلّدٌ مِنْ مُوَلّدِي الْأَسَدِ أَسْوَدُ اشْتَرَاهُ أَبُو بَكْرٍ مِنْهُمْ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَصُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ . نَسَبُ النّمِرِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : النّمِرُ بْنُ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ أَفْصَى بْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ وَيُقَالُ صُهَيْبٌ مَوْلَى عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَيُقَالُ إنّهُ [ ص 142 ] فَقَالَ بَعْضُ مَنْ ذُكِرَ إنّهُ مِنْ النّمِرِ بْنِ قَاسِطٍ : إنّمَا كَانَ أَسِيرًا فِي الرّومِ فَاشْتَرَى مَعَهُمْ . وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ صُهَيْبٌ سَابِقُ الرّومِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ ، كَانَ بِالشّامِ فَقَدِمَ بَعْدَ أَنْ رَجَعَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ فَقَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَأَجْرُك . خَمْسَةُ نَفَرٍ

مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : أَبُو سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَشَمّاسُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الشّرِيدِ بْنِ سُوَيْدِ بْنِ هَرْمِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْزُومٍ
سَبَبُ تَسْمِيَةِ الشّمّاسِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَاسْمُ شَمّاسٍ عُثْمَانُ وَإِنّمَا سُمّيَ شَمّاسًا ، لِأَنّ شَمّاسًا مِنْ الشّمَامِسَةِ قَدِمَ مَكّةَ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَكَانَ جَمِيلًا ، فَعَجِبَ النّاسُ مِنْ جَمَالِهِ . فَقَالَ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَكَانَ خَالَ شَمّاسٍ هَا أَنَا آتِيكُمْ بِشَمّاسِ أَحْسَنَ مِنْهُ فَأُتِيَ بِابْنِ أُخْتِهِ عُثْمَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَسُمّيَ شَمّاسًا ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ وَغَيْرُهُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَرْقَمُ بْنُ أَبِي الْأَرْقَمِ ، وَاسْمُ أَبِي الْأَرْقَمِ عَبْدُ مَنَافِ بْنِ أَسَدٍ ، وَكَانَ أَسَدٌ يُكَنّى : أَبَا جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؛ وَعَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، عَنْسِيّ ، مِنْ مَدْحِجٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمُعَتّبُ بْنُ عَوْفِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْفَضْلِ بْنِ عَفِيفِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ حَبَشِيّةَ ابْنِ سَلُولَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرٍو حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي يُدْعَى : عَيْهَامَةُ خَمْسَةُ نَفَرٍ .

مِنْ بَنِي عَدِيّ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ [ ص 143 ] بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ : عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ رِيَاحِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيّ ، وَأَخُوهُ زَيْدُ بْنُ الْخَطّابِ ؛ وَمِهْجَعٌ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ ، مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، وَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَ الصّفّيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ رُمِيَ بِسَهْمِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مِهْجَعٌ مِنْ عَكّ بْنِ عَدْنَانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمْرُو بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ أَذَاةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ؟ وَأَخُوهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سُرَاقَةَ ، وَوَاقِدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَرِينِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ يَرْبُوعِ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ تَمِيمٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَخَوْلِيّ بْنُ أَبِي خَوْلِيّ وَمَالِكُ بْن أَبِي خَوْلِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو خَوْلِيّ مِنْ بَنِي عِجْلِ بْنِ لُجَيْمِ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ ، حَلِيفُ آلِ الْخَطّابِ ، مِنْ عَنْزِ بْنِ وَائِلٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْزُ بْنُ وَائِلِ : بْنِ قَاسِطِ بْنِ هِنْبِ بْنِ أَفْصَى بْنِ جَدِيلَةَ بْنِ أَسَدِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ نِزَارٍ ، وَيُقَالُ أَفْصَى : بْنُ دُعْمِيّ بْنِ جَدِيلَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَالَيْلَ بْنِ نَاشِبِ بْنِ غَيْرَةَ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثٍ وَعَاقِلِ بْنِ الْبُكَيْرِ ، وَخَالِدِ بْنِ الْبُكَيْرِ وَإِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ ، حُلَفَاءُ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبٍ ، قَدِمَ مِنْ الشّامِ بَعْدَمَا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ فَكَلّمَهُ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ قَالَ وَأَجْرِي يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ قَالَ وَأَجْرُك . أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا

مِنْ بَنِي جُمَحَ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ [ ص 144 ] بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، وَابْنُهُ السّائِبُ بْنُ عُثْمَانَ ؟ وَأَخَوَاهُ قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ مَظْعُونٍ ، وَمَعْمَرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ مَعْمَرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَامِر
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : ثُمّ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ أَبُو سَبْرَةَ بْنُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ - كَانَ خَرَجَ مَعَ أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو ، فَلَمّا نَزَلَ النّاسُ بَدْرًا فَرّ إلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَشَهِدَهُ مَعَهُ - وَعُمَيْرُ بْنُ عَوْفٍ ، مَوْلَى سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ ، مِنْ الْيَمَنِ .

مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرّاحِ ، وَهُوَ عَامِرُ بْنُ اللّهِ بْنِ الْجَرّاحِ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ ؟ وَسُهَيْلُ بْنُ وَهْبِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أَبِي أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَأَخُوهُ صَفْوَانُ بْنُ وَهْبٍ وَهُمَا ابْنَا بَيْضَاءَ وَعَمْرُو بْنُ أَبِي سَرْحِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ خَمْسَةُ نَفَرٍ .
S[ ص 139 ] بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرِ عِيَاضِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ هَكَذَا أَلْفَيْته فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ وَغَيْرِهَا مِنْ النّسَخِ الصّحَاحِ ، وَهُوَ وَهْمٌ وَالصّوَابُ عِيَاضُ بْنُ زُهَيْرٍ وَلَيْسَ الْوَهْمُ فِي ابْنِ إسْحَاقَ ، لِأَنّهُ قَدْ ذَكَرَهُ فِي الْمُهَاجِرِينَ إلَى الْحَبَشَةِ ، فَقَالَ فِيهِ ابْنُ زُهَيْرٍ عَلَى الصّوَابِ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي ابْنِ أَخِيهِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرٍ ، وَغَنْمِ بْنِ زُهَيْرٍ وَالِدُ عِيَاضِ بْنِ غَنْمٍ صَاحِبِ الْفُتُوحَاتِ الّذِي يَقُولُ فِيهِ ابْنَ الرّقَيّاتِ
وَعِيَاضٌ وَمَا عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ ... كَانَ مِنْ خَيْرِ مَنْ تُجِنّ النّسَاءُ
[ ص 140 ] عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ زُهَيْرٍ ، وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ عَمْرَو بْنَ الْحَارِثِ أَيْضًا ، فَقَالَ فِيهِ ابْنَ زُهَيْرٍ لَا ابْنَ أَبِي زُهَيْرٍ وَالْحَمْدُ لِلّهِ .

عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ
فَجَمِيعُ [ ص 145 ] بَدْرًا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ ، يَذْكُرُونَ فِي الْمُهَاجِرِينَ بِبَدْرِ ، فِي بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : وَهْبَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ ، وَحَاطِبَ بْنَ عَمْرٍو وَفِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : عِيَاضَ بْنَ أَبِي زُهَيْرٍ .

الْأَنْصَارُ وَمَنْ مَعَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : َشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ الْأَوْسِ بْنِ حَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ جُشَمِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْس ِ سَعْدُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ وَعَمْرُو بْنُ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مُعَاذِ بْنِ النّعْمَانِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَنَسِ بْنِ رَافِعِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ : سَعْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدٍ . وَمِنْ بَنِي زَعُورَاءِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ زَعُورَاءُ - سَلَمَةُ بْنُ سَلَامَةَ بْنِ وَقْشِ بْنِ زَغَبَةَ ، وَعَبّادُ بْنُ بِشْرِ بْنِ وَقْشِ بْنِ زَغَبَةَ بْنِ زَعُورَاءَ ، وَسَلَمَةُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ وَقْشٍ وَرَافِعُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ كُرْزِ بْنِ سَكَنِ بْنِ زَعُورَاءَ ، وَالْحَارِثُ بْنُ خَزْمَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُبَيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ وَمُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حَرِيشِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَسْلَمُ بْنُ حَرِيسِ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيْهَانِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ التّيْهَانِ . [ ص 146 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَتِيكُ بْنُ التّيْهَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ . خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَهْلٍ : أَخُو بَنِي زَعُورَاءَ ؟ وَيُقَالُ مِنْ غَسّانَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي ظَفَرٍ ثُمّ مِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ كَعْبٍ وَكَعْبٌ هُوَ ظَفَرٌ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ظَفَرُ بْنُ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ الْأَوْسِ : قَتَادَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ سَوَادٍ ؟ وَعُبَيْدُ بْنُ أَوْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَوَادٍ رَجُلَانِ .
سَبَبُ تَسْمِيَةِ عُبَيْدٍ بِمُقَرّنِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ عُبَيْدُ بْنُ أَوْسٍ الّذِي يُقَالُ لَهُ مُقَرّنٌ لِأَنّهُ قَرَنَ أَرْبَعَةَ أَسْرَى فِي يَوْمِ بَدْرٍ . وَهُوَ الّذِي أَسَرَ عَقِيلَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَئِذٍ . مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رِزَاحٍ وَحُلَفَائِهِمْ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ كَعْبٍ نَضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدٍ ؟ وَمُعَتّبُ بْنُ عَبْدٍ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ طَارِقٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي حَارِثَةَ
وَمِنْ بَنِي حَارِثَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ : مَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ مَسْعُودُ بْنُ عَبْدِ سَعْدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو عَبْسِ بْنِ جَبْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ جُشَمِ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ حَارِثَةَ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ ثُمّ مِنْ بَلِيّ أَبُو بَرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ وَاسْمُهُ هَانِئُ بْنُ نِيَارِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ كِلَابِ بْنِ دُهْمَانَ بْنِ غَنْمِ بْنِ ذُبْيَانَ بْنِ هُمَيْمِ بْنِ كَاهِلِ بْنِ ذُهْلِ بْنِ هُنَيّ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ [ ص 147 ]
مِنْ بَنِي عَمْرٍو
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ضُبَيْعَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ ، وَقَيْسُ أَبُو الْأَفْلَحِ بْنُ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَمَةَ بْنِ ضُبَيْعَةَ - وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرِ بْنِ مُلَيْلِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ ؟ وَأَبُو مُلَيْلِ بْنُ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَعَمْرُو بْنُ مَعْبَدِ بْنِ الْأَزْعَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْعَطّافِ بْنِ ضُبَيْعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُمَيْرُ بْنُ مَعْبَدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَهْلُ بْنُ حُنَيْفِ بْنِ وَاهِبِ بْنِ الْحَكِيمِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَجْدَعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرٌو الّذِي يُقَالُ لَهُ بِخَرَجِ بْنُ حَنَسِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي أُمَيّةَ
وَمِنْ بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ مُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَعُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَرَافِعُ ابْنُ عُنْجُدَةَ - وَعُنْجُدَةُ أُمّهُ وَفِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُبَيْدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ . وَزَعَمُوا أَنّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ وَالْحَارِثَ بْنَ حَاطِبٍ خَرَجَا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَرَجّعَهُمَا ، وَأَمَرَ أَبَا لُبَابَةَ عَلَى الْمَدِينَةِ ، فَضَرَبَ لَهُمَا بِسَهْمَيْنِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ . تِسْعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : رَدّهُمَا مِنْ الرّوْحَاءِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَحَاطِبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عُبَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ وَاسْمُ أَبِي لُبَابَةَ بَشِيرٌ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكٍ أُنَيْسُ بْنُ قَتَادَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ . [ ص 148 ] بَلِيّ : مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ ضُبَيْعَةَ وَثَابِتُ بْنُ أَقْرَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ الْعَجْلَانِ ؟ وَرِبْعِيّ بْنُ رَافِعِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ . وَخَرَجَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ ، فَرَدّهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ - سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ الْبَرْكِ - وَاسْمُ الْبَرْكِ امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ ثَعْلَبَةَ - وَعَاصِمُ بْنُ قَيْسٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَاصِمُ بْنُ قَيْسِ : بْنِ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو ضَيّاحِ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَأَبُو حَيّةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُوَ أَخُو أَبِي ضَيّاحٍ وَيُقَالُ أَبُو حَيّةَ . وَيُقَالُ لِامْرِئِ الْقَيْسِ الْبَرْكُ بْنُ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَالِمُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ ثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَخَوّاتُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ النّعْمَانِ ضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِسَهْمِ مَعَ أَصْحَابِ بَدْرٍ . سَبْعَةُ نَفَرٍ . [ ص 149 ]
مِنْ بَنِي جَحْجَبَى وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ مُنْذِرُ بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عُقْبَةَ بْنِ أُحَيْحَةَ بْنِ الْجِلَاحِ بْنِ الْحَرِيشِ بْنِ جَحْجَبَى بْنِ كُلْفَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْحَرِيسُ بْنُ جَحْجَبَى . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَنِي أُنَيْفِ أَبُو عُقَيْلِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ بَيْحَانَ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ أُنَيْفِ بْنِ جُشَمِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ تَيْمِ بْنِ إرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَارَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ تَمِيمُ بْنُ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ .
مِنْ بَنِي غَنْمٍ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ السّلْمِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْأَوْسِ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ وَمُنْذِرُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ ؟ وَمَالِكُ بْنُ قُدَامَةَ بْنِ عَرْفَجَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَرْفَجَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ النّحّاطِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ غَنْمِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ عَرْفَجَةَ ؟ وَتَمِيمٌ مَوْلَى بَنِي غَنْمٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَمِيمٌ مَوْلَى سَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ .
مِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي مُعَاوِيَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ جَبْرُ بْنُ عَتِيكِ . بْنِ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ هَيْشَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ؟ وَمَالِكُ بْنُ نُمَيْلَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ مُزَيْنَةَ ، وَالنّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 150 ]
عَدَدُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ
فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَوْسِ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَمَنْ ضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ أَحَدٌ وَسِتّونَ رَجُلًا .
S[ ص 141 ] وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْبَدْرِيّينَ عَاصِمَ بْنَ عَدِيّ لَمْ يَشْهَدْهَا ، لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَدّهُ مِنْ الرّوْحَاءِ لِسَبَبِ ذَكَرَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَلَغَهُ شَيْءٌ عَنْ أَهْلِ مَسْجِدِ الضّرَارِ ، وَكَانَ قَدْ اسْتَخْلَفَهُ عَلَى قُبَاءَ وَالْعَالِيَةِ ، فَرَدّهُ لِيَنْظُرَ فِي ذَلِكَ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ مَعَ أَهْلِ بَدْرٍ وَعَاصِمٌ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ اللّعَانِ الّذِي يُقَالُ لَهُ عُوَيْمِرٌ الْعَجْلَانِيّ وَهُوَ عُوَيْمِرُ بْنُ أَبْيَضَ وَيُقَالُ فِيهِ ابْنُ أَشْقَرَ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ تُوُفّيَ سَنَةَ خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ وَهُوَ ابْنُ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ يُكْنَى أَبَا عَمْرٍو ، وَقِيلَ أَبَا عَبْدِ اللّهِ . [ ص 142 ]
قِصّةُ خَوّاتٍ
وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ فِيمَنْ رَدّهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ بَدْرٍ وَضَرَبَ لَهُ بِسَهْمِهِ خَوّاتَ بْنَ جُبَيْرٍ ، رَدّهُ مِنْ الصّفْرَاءِ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ - فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ عُقْبَةَ أَنّ حَجَرًا أَصَابَهُ فِي رِجْلِهِ فَوَرِمَتْ عَلَيْهِ [ ص 143 ] فَرَدّهُ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - لِذَلِكَ وَهُوَ صَاحِبُ خَوْلَةَ ذَاتِ النّحْيَيْنِ فِي الْجَاهِلِيّةِ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُكَابَةَ بْنِ صَعْبِ بْنِ عَلِيّ بْنِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ ، وَيُرْوَى أَنّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - سَأَلَهُ عَنْهَا وَتَبَسّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ رَزَقَ اللّهُ خَيْرًا ، وَأَعُوذُ بِاَللّهِ مِنْ الْحَوْرِ بَعْدَ الْكَوْرِ وَيُرْوَى أَنّهُ قَالَ لَهُ مَا فَعَلَ بَعِيرُك الشّارِدُ ؟ فَقَالَ قَيّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ اللّهِ [ ص 144 ] وَقِيلَ مَعْنَى قَوْلِهِ بَعِيرُك الشّارِدُ أَنّهُ مَرّ فِي الْجَاهِلِيّةِ بِنِسْوَةِ أَعْجَبَهُ حُسْنُهُنّ فَسَأَلَهُنّ أَنْ يَفْتِلْنَ لَهُ قَيْدًا لِبَعِيرِ لَهُ زَعَمَ أَنّهُ شَارِدٌ وَجَلَسَ إلَيْهِنّ بِهَذِهِ الْعِلّةِ فَمَرّ بِهِ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَهُوَ يَتَحَدّثُ إلَيْهِنّ فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَعَنْهُنّ فَلَمّا أَسْلَمَ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ الْبَعِيرِ الشّارِدِ وَهُوَ يَتَبَسّمُ لَهُ فَقَالَ خَوّاتٌ قَيّدَهُ الْإِسْلَامُ يَا رَسُولَ اللّه قَالَ الْوَاقِدِيّ : يُكَنّى أَبَا صَالِحٍ وَرَوَى النّمَرِيّ فِي [ ص 145 ] خَوّاتٍ أَنّ عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ ، كَنّاهُ أَبَا عَبْدِ اللّهِ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ مَعَهُ فِي رَكْبٍ فَقَالَ لَهُ الرّكْبُ غَنّنَا مِنْ شِعْرِ ضِرَارٍ ، فَقَالَ عُمَرُ دَعُوا أَبَا عَبْدِ اللّهِ يُغَنّينَا بُنَيّاتِ فُؤَادِهِ قَالَ فَأَنْشَدَهُمْ حَتّى السّحَرِ فَقَالَ عُمَرُ ارْفَعْ لِسَانَك يَا أَبَا عَبْدِ اللّهِ فَقَدْ أَسْحَرْنَا [ ص 146 ] عَصَرٍ : وَذَكَرَ النّعْمَانَ بْنَ عَصَرٍ ، وَلَمْ يَنْسُبْهُ وَهُوَ ابْنُ عَصَرِ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَدِيمٍ الْبَلَوِيّ ، وَقِيلَ عَصَرُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ وَائِلَةَ بْنِ حَارِثَةَ الْبَلَوِيّ ، قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ . [ ص 147 ] وَذَكَرَ فِي نَسَبِ زَيْدِ بْنِ وَدِيعَةَ جَزْءَ بْنَ عَدِيّ . وَذَكَرَ أَبُو بَحْرٍ أَنّهُ قَيّدَهُ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ جَزْءَ بِسُكُونِ الزّايِ وَأَنّهُ لَمْ يَجِدْهُ عَنْ غَيْرِهِ إلّا بِكَسْرِ الزّايِ . [ ص 148 ] وَذَكَرَ رَافِعَ ابْنَ عُنْجُدَةَ وَقَالَ هِيَ أُمّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَاهُ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْحَارِثِ وَالْعُنْجُدَةُ حَبّ الزّبِيبِ وَيُقَالُ هُوَ الزّبِيبُ وَأَمّا عَجْمُ الزّبِيبِ فَهُوَ الْفِرْصِدُ [ أَوْ الْفِرْصِيدُ أَوْ الْفِرْصَادُ ] قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ . وَذَكَرَ كَعْبَ بْنَ جَمّازٍ بِالْجِيمِ وَالزّايِ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، لَا كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ، فَإِنّ أَهْلَ النّسَبِ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، غَيْرَ أَنّ الدّارَقُطْنِيّ قَيّدَ فِيهِ رِوَايَةً ثَالِثَةً ابْنَ حِمّانَ بِنُونِ وَحَاءٍ مَكْسُورَةٍ . [ ص 149 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا حُمَيْضَةَ وَاسْمُهُ مَعْبَدُ بْنُ عَبّادٍ قَالَ أَبُو عُمَرَ كَذَا قَيّدَهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَغَيْرُهُ يَقُولُ فِيهِ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ فِيهِ أَبُو خُمَيْصَةَ بِخَاءِ مَنْقُوطَةٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ . وَذَكَرَ فِي الْبَلَوِيّينَ أَبَا عُقَيْلٍ وَلَمْ يُسَمّهِ وَكَانَ اسْمُهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ عَبْدَ الْعُزّى ، فَسَمّاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَبْدَ الرّحْمَنِ عَدُوّ الْأَوْثَانِ بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَعْلَبَةَ قُتِلَ بِالْيَمَامَةِ . [ ص 150 ]
صَاحِبُ الصّاعِ
وَأَمّا أَبُو عَقِيلٍ صَاحِبُ الصّاعِ الّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ فَاسْمُهُ حَثْحَاثٌ وَفِيهِ أُنْزِلَتْ { الّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطّوّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } وَذَلِكَ أَنّهُ جَاءَ بِصَاعِ مِنْ تَمْرٍ فَوَضَعَهُ فِي الْعَرَقَةِ حِينَ حَثّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عَلَى النّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَضَحِكَ مِنْهُ الْمُنَافِقُونَ وَقَالُوا إنّ اللّهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عَقِيلٍ

مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثُمّ مِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَسَعْدُ بْنُ رَبِيعِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَبِي زُهَيْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ ، وَخَلّادُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَارِثَةَ بْنِ امْرِئِ الْقَيْسِ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي زَيْدٍ
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ . بَشِيرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ خِلَاسِ بْنِ زَيْدٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ وَيُقَالُ جُلَاسٍ وَهُوَ عِنْدَنَا خَطَأٌ - وَأَخُوهُ سِمَاكُ بْنُ سَعْدٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : سُبَيْعُ بْنُ قَيْسِ عَيْشَةَ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ وَعَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَيْشَةَ أَخُوهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسُ : بْنُ عَنْبَسَةَ بْنِ أُمَيّةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْسٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 151 ]
مِنْ بَنِي أَحْمَرَ
وَمِنْ بَنِي أَحْمَرَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ أَحْمَرَ وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمٍ رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فُسْحُمٌ أُمّهُ وَهِيَ امْرَأَةٌ مِنْ الْقَيْنِ بْنِ جِسْرٍ .
مِنْ بَنِي جُشَمَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جُشَمَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَزَيْدُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمَا التّوْأَمَانِ خُبَيْبُ بْنُ إسَافَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَدِيجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ جُشَمَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ رَبّهِ بْنِ زَيْدٍ ، وَأَخُوهُ حُرَيْثُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ زَعَمُوا ، وَسُفْيَانُ بْنُ بُسْرٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سُفْيَانُ بْنُ بِشْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَعْبِ بْنِ زَيْدِ .

مِنْ بَنِي جَدَارَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي جَدَارَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : تَمِيمُ بْنُ يَعَارِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جَدَارَةَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ مِنْ بَنِي حَارِثَةَ . [ ص 152 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جَدَارَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ الْمُزَيّنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جَدَارَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : زَيْدُ بْنُ الْمُرَيّ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عُرْفُطَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ جَدَارَةَ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ
وَمِنْ بَنِي الْأَبْجَرِ ، وَهُمْ بَنُو خُدْرَةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَبِيعِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ الْأَبْجَرِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَوْفٍ
وَمِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ بَنُو الْحُبْلَى - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : الْحُبْلَى : سَالِمُ بْنُ غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ ، وَإِنّمَا سُمّيَ الْحُبْلَى ، لِعِظَمِ بَطْنِهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ أُبَيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ ( الْمَشْهُورُ بِابْنِ سَلُولَ ) ، وَإِنّمَا سَلُولُ امْرَأَةٌ وَهِيَ أُمّ أُبَيّ وَأَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي جَزْءٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي جَزْءِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ : زَيْدُ بْنُ وَدِيعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ قَيْسِ بْنِ جَزْءٍ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبِ بْنِ كَلَدَةَ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ اللّهِ بْنِ غَطَفَانَ ؟ وَرِفَاعَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ ؟ وَعَامِرُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ وَهُوَ مِنْ بَلِيّ ، مِنْ قُضَاعَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو حُمَيْضَةَ مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْمُقَدّمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ غَنْمٍ .
[ ص 153 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَعْبَدُ بْنُ عَبّادِ بْنِ قُشَيْرِ بْنِ الْمُقَدّمِ ، وَيُقَالُ عُبَادَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ الْقُدْمِ .
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . سِتّةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَامِرُ بْنُ الْعُكَيْرِ وَيُقَالُ عَاصِمُ بْنُ الْعُكَيْرِ .
مِنْ بَنِي سَالِمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ نَضْلَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ الْعَجْلَانِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي أَصْرَمَ
وَمِنْ بَنِي أَصْرَمَ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذَا غَنْمُ بْنُ عَوْفٍ ، أَخُو سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَغَنْمُ بْنُ سَالِمٍ الّذِي قَبْلَهُ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ - عُبَادَةُ بْنُ الصّامِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ أَصْرَمَ ؛ وَأَخُوهُ أَوْسُ بْنُ الصّامِتِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي دَعْدٍ
وَمِنْ بَنِي دَعْدِ بْنِ فِهْرِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : النّعْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ دَعْدٍ ، وَالنّعْمَانُ الّذِي يُقَالُ لَهُ قَوْقَلٌ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي قِرْيُوشِ بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَان بْنِ سَالِمٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قِرْيُوسُ بْنُ غَنْمٍ - ثَابِتُ بْنُ هَزّالِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قِرْيُوشٍ . رَجُلٌ .
وَمِنْ بَنِي مَرْضَخَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمٍ : مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ بْنِ مِرْضَخَةَ رَجُلٌ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ : بْنِ مَالِكِ بْنِ الدّخْشُمِ بْنِ مَرْضَخَةَ [ ص 154 ]
مِنْ بَنِي لَوْذَان وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي لَوْذَان بْنِ سَالِمٍ : رَبِيعُ بْنُ إيَاسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ لَوْذَان ، وَأَخُوهُ وَرَقَةُ بْنُ إيَاسٍ ، وَعَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَمْرُو بْنُ إيَاسٍ ، أَخُو رَبِيعٍ وَوَرَقَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ بَلِيّ ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُصَيْنَةَ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : غُصَيْنَةُ أُمّهُمْ وَأَبُوهُمْ عَمْرُو بْنُ عُمَارَةَ - الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زُمْرَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَارَةَ بْنِ مَالِكِ ابْنِ عُصَيْنَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ بُتَيْرَةَ بْنِ مَشْنُوّ بْنِ قَسْرِينَ بْنِ تَيْمِ بْنِ أَرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُمَيْلَةَ بْنِ قِسْمِيلِ بْنِ فَارَانَ بْنِ بَلِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخِفَافِ بْنِ قُضَاعَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ . قَسْرُ بْنُ تَمِيمِ بْنِ إرَاشَةَ وَقِسْمِيلُ بْنُ فَارَانَ . وَاسْمُ الْمُجَذّرِ عَبْدُ اللّهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُبَادَةُ بْنُ الْخَشْخَاشِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَمْزَمَةَ وَنَحّابُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُمَارَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَحّاثُ بْنُ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَزَمَةَ بْنِ أَصْرَمَ . وَزَعَمُوا أَنّ عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ - حَلِيفٌ لَهُمْ - مِنْ بَهْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا ، خَمْسَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُتْبَةُ بْنُ بَهْزٍ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ .
مِنْ بَنِي سَاعِدَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَاعِدَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ : أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو دُجَانَةَ ( سِمَاكُ ) بْنُ أَوْسِ بْنِ خَرَشَةَ بْنِ لَوْذَان بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . [ ص 155 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خُنَيْسِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ لَوْذَان بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلَانِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ الْمُنْذِرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ خَنْبَشَ
مِنْ بَنِي الْبَدِيّ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي الْبَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ أَبُو أُسَيْدِ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ الْبَدِيّ وَمَالِكُ بْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ إلَى الْبَدِيّ . رَجُلَانِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : مَالِكُ بْنُ مَسْعُودِ : بْنِ الْبَدِيّ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ .
مِنْ بَنِي طَرِيفٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي طَرِيفِ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ سَاعِدَةَ : عَبْدُ رَبّهِ بْنِ حَقّ بْنِ أَوْسِ بْنِ وَقْشِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ طَرِيفٍ رَجُلٌ . وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ مِنْ جُهَيْنَةَ : كَعْبُ بْنُ حِمَارِ بْنِ ثَعْلَبَةَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ كَعْبُ بْنُ جِمَارٍ وَهُوَ مِنْ غُبْشَانَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَضَمْرَةُ وَزِيَادٌ وَبَسْبَسٌ بَنُو عَمْرٍو .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ضَمْرَةُ وَزِيَادٌ ابْنَا بِشْرٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَامِرٍ مِنْ بَلِيّ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُشَمَ
وَمِنْ بَنِي جُشَمِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ : خِرَاشُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَالْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، وَعُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَتَمِيمٌ مَوْلَى خِرَاشِ بْنِ الصّمّةِ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَرَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ حَرَامٍ ، وَمُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، وَمُعَوّذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ حَرَامٍ ، وَخَلّادُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَابِي بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ ، وَحَبِيبُ بْنُ أَسْوَدَ مَوْلًى لَهُمْ [ ص 156 ] ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ وَثَعْلَبَةُ الّذِي يُقَالُ لَهُ الْجَذَعُ وَعُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ حَرَامٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
نَسَبُ الْجَمُوحِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : كُلّ مَا كَانَ هَا هُنَا الْجَمُوحُ ( فَهُوَ الْجَمُوحُ ) بْنُ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ إلّا مَا كَانَ مِنْ جَدّ الصّمّةِ ( بْنِ عَمْرٍو ) ، فَإِنّهُ الْجَمُوحُ بْنُ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عُمَيْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ لَبْدَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ .
Sقِرْيُوشٌ أَوْ قِرْيُوسٌ
[ ص 151 ] وَقَعَ فِي أَنْسَابِ الْبَدْرِيّينَ ابْنُ قِرْيُوشٍ بِكَسْرِ الْقَافِ وَالشّينِ الْمَنْقُوطَةِ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قِرْيُوسٌ بِالسّينِ الْمُهْمَلَةِ كَذَا قَيّدَهُ أَبُو الْوَلِيدِ وَفِي أَكْثَرِ الرّوَايَاتِ قَرْبُوسٌ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمَضْمُومَةِ الْمَنْقُوطَةِ بِوَاحِدَةِ فَقِرْيُوشٌ فِعْيُولٌ مِنْ التّقَرّشِ وَهُوَ التّكَسّبُ وَبِالسّينِ فِعْيُولٌ مِنْ الْقَرْسِ وَهُوَ الْبَرْدُ وَقِرْيُوشٌ بِالشّيْنِ الْمَنْقُوطَةِ أَصَحّ فِيهِ لِأَنّهُ مِنْ التّقَرّشِ وَهُوَ التّكَسّبُ كَمَا سُمّيَتْ قُرَيْشٌ بِهِ قَالَهُ قُطْرُبٌ . وَمِمّنْ لَمْ يَشْهَدْ بَدْرًا لِعُذْرِ وَهُوَ مِنْ النّقَبَاءِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ سَيّدُ الْخَزْرَجِ لِأَنّهُ نَهَشَتْهُ حَيّةٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ الْخُرُوجَ هَذَا قَوْلُ الْقُتَبِيّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا ابْنُ عُقْبَةَ وَقَدْ ذَكَرَتْهُ طَائِفَةٌ فِيهِمْ ابْنُ الْكَلْبِيّ وَجَمَاعَةٌ . وَذَكَرَ أَبَا الضّيَاحِ وَاسْمُهُ النّعْمَانُ وَقِيلَ عُمَيْرُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ النّعْمَانِ قُتِلَ يَوْمَ خَيْبَرَ .
جَدَارَةٌ أَوْ خَدَارَةٌ
وَذَكَرَ فِي بَنِي النّجّارِ مَنْ يَنْسُبُ إلَى جَدَارَةِ بَنِي الْحَارِثِ ، وَجَدَارَةُ أَخُو خُدْرَةَ رَهْطُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ ، وَغَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ يَقُولُ فِي جَدَارَةَ خَدَارَةَ بِالْخَاءِ الْمَضْمُومَةِ قَالَهُ ابْنُ دُرَيْدٍ [ ص 152 ] النّمَرِيّ ، فَهُمَا خُدْرَةُ وَخُدَارَةُ ابْنَا الْحَارِثِ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ وَقَالَهُ ابْنُ هِشَامٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كَذَلِكَ قَالَ أَبُو عُمَرَ وَقَيّدَهُ الشّيْخُ أَبُو بَحْرٍ عَنْ أَبِي الْوَلِيدِ فَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ [ ص 153 ]
رُجَيْلَةُ أَوْ رُخَيْلَةُ
وَذَكَرَ رُجَيْلَةَ بْنَ ثَعْلَبَةَ وَقُيّدَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ رُخَيْلَةُ بِالْخَاءِ الْمَنْقُوطَةِ كَمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ . [ ص 154 ]
تَصْوِيبُ نَسَبٍ
وَذَكَرَ فِيهِمْ أَبَا شَيْخِ بْنَ ثَابِتٍ وَاسْمُهُ أُبَيّ وَهُوَ أَخُو حَسّانٍ وَقِيلَ بَلْ هُوَ ابْنُ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ وَحَسّانٌ عَمّهُ وَوَقَعَ فِي نُسْخَةِ الشّيْخِ أَبِي بَحْرٍ غَلَطٌ أَصْلَحْته ، وَكَانَ قَبْلَ الْإِصْلَاحِ أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ . [ ص 155 ] [ ص 156 ] [ ص 157 ] [ ص 158 ] [ ص 159 ] [ ص 160 ] [ ص 161 ] [ ص 162 ] [ ص 163 ]

مِنْ بَنِي عُبَيْدٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي خَنْسَاءِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ : بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورِ بْنِ صَخْرِ بْنِ مَالِكِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ مَالِكِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَالطّفَيْلُ بْنُ النّعْمَانِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَسِنَانُ بْنُ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْجَدّ بْنِ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ ، وَعُتْبَةُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ صَخْرِ ابْنِ خَنْسَاءَ وَجَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ ابْنِ خَنْسَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ حِمْيَرَ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ حِمْيَرَ ، حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ مِنْ بَنِي دُهْمَانَ . تِسْعَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ جَبّارُ بْنُ صَخْرِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ خُنَاسٍ
مِنْ بَنِي خُنَاسٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي خُنَاسِ بْنِ سِنَانِ عُبَيْدٍ : يَزِيدُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسٍ ، وَمَعْقِلُ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ سَرْحِ بْنِ خُنَاسٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ بَلْدَمَةَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بُلْذُمَةُ وَبُلْدُمَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالضّحّاكُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ ، وَسَوَادُ بْنُ زُرَيْقِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوَادُ بْنُ رِزْنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ . وَيُقَالُ مَعْبَدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَيْفِيّ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . [ ص 157 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ غَنْمٍ سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي النّعْمَانِ
وَمِنْ بَنِي النّعْمَانِ بْنِ سِنَانِ بْنِ عُبَيْدٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ النّعْمَانِ ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ رِئَابِ بْنِ النّعْمَانِ وَخُلَيْدَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ النّعْمَانِ . وَالنّعْمَانُ بْنُ سِنَانٍ مَوْلًى لَهُمْ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَوَادٍ
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي حَدِيدَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَمْرُو بْنُ سَوَادٍ ، لَيْسَ لِسَوَادِ ابْنٌ يُقَالُ لَهُ غَنْمٌ أَبُو الْمُنْذِرِ وَهُوَ يَزِيدُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ وَسُلَيْمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَدِيدَةَ ؛ وَقُطْبَةُ بْنُ عَامِرِ بْنِ حَدِيدَةَ ؛ وَعَنْتَرَةُ مَوْلَى سُلَيْمِ بْنِ عَمْرٍو أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَنْتَرَةُ ، مِنْ بَنِي سُلَيْمِ بْنِ مَنْصُورٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ذَكْوَانَ .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ نَابِي بْنِ عَمْرِو بْنِ سَوَادِ بْنِ غَنْمِ : عَبْسُ بْنُ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ ، وَثَعْلَبَةُ بْن غَنَمَةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو الْيُسْرِ وَهُوَ كَعْبُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبّادِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ سَوَادٍ ، وَسَهْلُ بْنُ قَيْسِ بْنِ أَبِي كَعْبِ بْنِ الْقَيْنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَوَادٍ ، وَعَمْرُو بْنُ طَلْقِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أَوْسِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ عَلِيّ بْنِ أَسَدِ بْنِ سَارِدَةَ بْنِ تَزِيدَ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَوْسُ بْنُ عَبّادِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُدَيّ بْنِ سَعْدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَإِنّمَا نَسَبَ ابْنُ إسْحَاقَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فِي بَنِي سَوَادٍ ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ لِأَنّهُ فِيهِمْ . [ ص 158 ]
تَسْمِيَةُ مَنْ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَاَلّذِينَ كَسَرُوا آلِهَةَ بَنِي سَلِمَةَ : مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ أُنَيْسٍ ، وَثَعْلَبَةُ بْنُ غَنَمَةَ وَهُمْ فِي بَنِي سَوَادِ بْنِ غَنْمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي زُرَيْقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَخْلَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَامِرُ بْنُ الْأَزْرَقِ : قَيْسُ بْنُ مِحْصَنِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَيْسُ بْنُ حِصْنٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو خَالِدٍ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ وَجُبَيْرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَبُو عُبَادَةَ وَهُوَ سَعْدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدٍ وَأَخُوهُ عُقْبَةُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدٍ وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ مَخْلَدٍ ؟ وَمَسْعُودُ بْنُ خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ مَخْلَدٍ سَبْعَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي خَالِدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : عَبّادُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَامِرِ بْنِ خَالِدٍ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي خَلَدَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ : أَسْعَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ وَالْفَاكِهُ بْنُ بِشْرِ بْنِ الْفَاكِهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ خَلَدَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بُسْرُ بْنُ الْفَاكِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمُعَاذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَأَخُوهُ عَائِذُ بْنُ مَاعِصِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ وَمَسْعُودُ بْنُ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ خَلَدَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَأَخُوهُ خَلّادُ بْنُ رَافِعِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ ، وَعُبَيْدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْعَجْلَانِ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ . [ ص 159 ] وَمِنْ بَنِي بَيَاضَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ زُرَيْقٍ . زِيَادُ بْنُ لَبِيَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ سِنَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَدِيّ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَفَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَذْفَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ وَدْفَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَخَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ الْعَجْلَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ وَرُجَيْلَةُ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ رُخَيْلَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَطِيّةُ بْنُ نُوَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَطِيّةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ بَيَاضَةَ ، وَخَلِيفَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَامِرِ بْنِ فُهَيْرَةَ بْنِ بَيَاضَةَ . سِتّةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَلِيفَةُ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ : رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَان بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ . رَجُلٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي النّجّارِ ، وَهُوَ تَيْمُ اللّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْخَزْرَجِ ثُمّ مِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ : أَبُو أَيّوبَ خَالِدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ كُلَيْبِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ . وَمِنْ بَنِي عُسَيْرَةَ بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ : ثَابِتُ بْنُ خَالِدِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ خَنْسَاءَ بْنِ عُسَيْرَةَ . رَجُلٌ . [ ص 160 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عُسَيْرٌ وَعُشَيْرَةُ .

مِنْ بَنِي عَمْرٍو
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَبْدِ عَوْفِ بْنِ غَنْمٍ : عُمَارَةُ بْنُ حَزْمِ بْنِ زَيْدِ بْنِ لَوْذَان بْنِ عَمْرٍو ، وَسُرَاقَةُ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ غَزِيّةَ بْنِ عَمْرٍو . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ
وَمِنْ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عُبَيْدٍ ، وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسِ بْنِ قَهْدٍ : وَاسْمُ قَهْدٍ خَالِدُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عُبَيْدٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَارِثَةُ بْنُ النّعْمَانِ : بْنِ نَفْعِ بْنِ زَيْدٍ .
مِنْ بَنِي عَائِذٍ وَحُلَفَائِهِمْ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَائِذِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ - وَيُقَالُ عَابِدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : سُهَيْلُ بْنُ رَافِعِ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ عَائِذٍ ، وَعَدِيّ بْنُ الزّغْبَاءِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي زَيْدٍ
وَمِنْ بَنِي زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمٍ : مَسْعُودُ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبُو خُزَيْمَةَ بْنُ أَوْسِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَصْرَمَ بْنِ زَيْدٍ وَرَافِعُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادِ بْنِ زَيْدٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي سَوَادٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي سَوَادِ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَنْمٍ : عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ وَمُعَاذٌ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَهُمْ بَنُو عَفْرَاءَ .
نَسَبُ عَفْرَاءَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : عَفْرَاءُ بِنْتُ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ ، وَيُقَالُ رِفَاعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالنّعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَيُقَالُ نُعَيْمَانُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . [ ص 161 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَامِرُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ قَيْسِ بْنِ خَالِدِ بْنِ خَلَدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَوَادٍ ، وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَشْجَعَ وَوَدِيعَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ جُهَيْنَةَ ، وَثَابِتُ بْنُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَوَادٍ ( و ) زَعَمُوا أَنّ أَبَا الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ ابْنِ عَفْرَاءَ ، قَدْ شَهِدَ بَدْرًا . عَشْرَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْحَمْرَاءِ مَوْلَى الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ .
مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ - وَعَامِرٌ مَبْذُولٌ ثُمّ مِنْ بَنِي عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَبْذُولٍ : ثَعْلَبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَتِيكٍ وَسَهْلُ بْنُ عَتِيكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَتِيكٍ ، وَالْحَارِثُ بْنُ الصّمّةِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكٍ ، كُسِرَ بِهِ بِالرّوْحَاءِ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِسَهْمِهِ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ
وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ - وَهُمْ بَنُو حُدَيْلَةَ - ثُمّ مِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ .
نَسَبُ حُدَيْلَةَ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حُدَيْلَةُ بِنْتُ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ اللّهِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهِيَ أُمّ مُعَاوِيَةَ بْنُ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فَبَنُو مُعَاوِيَةَ يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : أُبَيّ بْنُ كَعْبِ بْنِ قَيْسٍ ، وَأَنَسُ بْنُ مُعَاذِ بْنِ أَنَسِ بْنِ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرٍو
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهُمْ بَنُو مَغَالَةَ بِنْتِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ خُزَيْمَةَ ، وَيُقَالُ إنّهَا مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ ، وَهِيَ أُمّ عَدِيّ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ فَبَنُو عَدِيّ . يَنْتَسِبُونَ إلَيْهَا : [ ص 162 ] أَوْسُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ وَأَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو شَيْخِ أُبَيّ بْنِ ثَابِتٍ أَخُو حَسّانِ بْنِ ثَابِتٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو طَلْحَةَ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ عَدِيّ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .

مِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّار ِ
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ ( بَنِي ) عَدِيّ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ النّجّارِ : حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ، وَعَمْرُو بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ وَهْبِ بْنِ عَدِيّ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَهُوَ أَبُو حَكِيمٍ وَسَلِيطُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَتِيكِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَأَبُو سَلِيطٍ ، وَهُوَ أُسَيْرَةَ بْنِ عَمْرٍو وَعَمْرُو أَبُو خَارِجَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ وَثَابِتُ بْنُ خَنْسَاءَ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ؟ وَعَامِرُ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْحَسْحَاسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ؟ وَمُحْرِزُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَدِيّ بْنِ عَامِرٍ ؟ وَسَوَادُ بْنُ غَزِيّةَ بْنِ أُهَيْبِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَلِيّ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ سَوَادٌ .
مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ جُنْدُبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيّ بْنِ النّجّارِ : أَبُو زَيْدٍ ، قَيْسُ بْنُ سَكَنِ بْنِ قَيْسِ بْنِ زَعُورَاءَ بْنِ حَرَامٍ وَأَبُو الْأَعْوَرِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ظَالِمِ بْنِ عَبْسِ بْنِ حَرَامٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ أَبُو الْأَعْوَرِ الْحَارِثُ بْنُ ظَالِمٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسُلَيْمُ بْنُ مِلْحَانَ ، وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ - وَاسْمُ مِلْحَانَ مَالِكُ بْنُ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامٍ . أَرْبَعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَوْفِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ [ ص 163 ] قَيْسُ بْنُ أَبِي صَعْصَعَةَ - وَاسْمُ صَعْصَعَةَ عَمْرُو بْنُ زَيْدِ بْنِ عَوْفٍ - وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : وَعُصَيْمَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي خَنْسَاءِ بْنِ مَبْذُولٍ
وَمِنْ بَنِي خَنْسَاءِ بْنِ مَبْذُولِ بْنِ عَمْرِو بْنِ غَنْمِ بْنِ مَازِنٍ : أَبُو دَاوُدَ عُمَيْرُ بْنُ عَامِرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ خَنْسَاءَ وَسُرَاقَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَطِيّةَ بْنِ خَنْسَاءَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنٍ
وَمِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ النّجّارِ : قَيْسُ بْنُ مَخْلَدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ صَخْرِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ
وَمِنْ بَنِي دِينَارِ بْنِ النّجّارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي مَسْعُودِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ النّعْمَانُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ وَالضّحّاكُ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ مَسْعُودٍ ، وَسُلَيْمُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارٍ ، وَهُوَ أَخُو الضّحّاكِ وَالنّعْمَانِ ابْنَيْ عَبْدِ عَمْرٍو ، لِأُمّهِمَا ، وَجَابِرُ بْنُ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ بْنِ حَارِثَةَ وَسَعْدُ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْأَشْهَلِ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . وَمِنْ بَنِي قَيْسِ بْنِ مَالِكِ بْنِ كَعْبِ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ دِينَارِ بْنِ النّجّارِ : كَعْبُ بْنُ زَيْدِ بْنِ قَيْسٍ : وَبُجَيْرُ بْنُ أَبِي بُجَيْرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بُجَيْرٌ مِنْ عَبْسِ بْنِ بَغِيضِ بْنِ رَيْثِ بْنِ غَطَفَانَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي جَذِيمَةَ بْنِ رَوَاحَةَ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا .

مَنْ فَاتَ ابْنَ إسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَذْكُرُ فِي الْخَزْرَجِ بِبَدْرِ فِي بَنِي الْعَجْلَانِ بْنِ زَيْدِ بْنِ غَنْمِ بْنِ سَالِمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ الْخَزْرَجِ : عِتْيَانَ بْنَ مَالِكِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَجْلَانِ [ ص 164 ] وَمُلَيْلَ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَعِصْمَةَ بْنِ الْحُصَيْنِ بْنِ وَبَرَةَ بْنِ خَالِدِ بْنِ الْعَجْلَانِ وَفِي بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَهُمْ فِي بَنِي زُرَيْقٍ هِلَالِ بْنِ الْمُعَلّى بْنِ لَوْذَان بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَدِيّ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ زَيْدِ مَنَاةَ بْنِ حَبِيبٍ .
عَدَدُ الْبَدْرِيّينَ جَمِيعًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ مَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ وَمَنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ ثَلَاثُ مِائَةَ رَجُلٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا ؟ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ ثَلَاثَةٌ وَثَمَانُونَ رَجُلًا ، مِنْ الْأَوْسِ وَاحِدٌ وَسِتّونَ رَجُلًا ، وَمِنْ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا .

مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
الْقُرَشِيّونَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ
وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ بَدْرٍ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ثُمّ مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ قَتَلَهُ عُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ ، قَطَعَ رِجْلَهُ فَمَاتَ بِالصّفْرَاءِ . رَجُلٌ . [ ص 165 ]
مِنْ بَنِي زُهْرَةَ
وَمِنْ بَنِي زُهْرَةَ بْنِ كِلَابٍ . عُمَيْرُ بْنُ أَبِي وَقّاصِ بْنِ أُهَيْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ زُهْرَةَ ، وَهُوَ أَخُو سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ؟ وَذُو الشّمَالَيْنِ بْنُ عَبْدِ عَمْرِو بْنِ نَضْلَةَ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ خُزَاعَةَ ، ثُمّ مِنْ بَنِي غُبْشَانَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَدِيّ
وَمِنْ بَنِي عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : عَاقِلُ بْنُ الْبُكَيْرِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ لَيْثِ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ ، وَمِهْجَعُ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ . رَجُلَانِ . [ ص 166 ]
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : صَفْوَانُ ابْنُ بَيْضَاءَ رَجُلٌ . سِتّةُ نَفَرٍ .
وَمِنْ الْأَنْصَارِ
وَمِنْ الْأَنْصَارِ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ : سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ ، وَمُبَشّرُ بْنُ عَبْدِ الْمُنْذِرِ بْنِ زَنْبَرٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ : يَزِيدُ بْنُ الْحَارِثِ ، وَهُوَ الّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ فُسْحُمٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
وَمِنْ بَنِي سَلِمَةَ ؟ ثُمّ مِنْ بَنِي حَرَامِ بْنِ كَعْبِ بْنِ غَنْمِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَلَمَةَ : عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي حَبِيبٍ
وَمِنْ بَنِي حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ حَارِثَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ غَضَبِ بْنِ جُشَمَ : رَافِعُ بْنُ الْمُعَلّى . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي النّجّارِ
وَمِنْ بَنِي النّجّارِ . حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ بْنِ الْحَارِثِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي غَنْمٍ
وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ النّجّارِ : عَوْفٌ وَمُعَوّذٌ ابْنَا الْحَارِثِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ سَوَادٍ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ . رَجُلَانِ . ثَمَانِيَةُ نَفَرٍ .
Sحَوْلَ الّذِينَ اُسْتُشْهِدُوا فِي بَدْرٍ
فَصْلٌ
[ ص 164 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ اُسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي وَقّاصٍ ، وَذَكَرَ الْوَاقِدِيّ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ قَدْ رَدّهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنّهُ اسْتَصْغَرَهُ فَبَكَى عُمَيْرٌ فَلَمّا رَأَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بُكَاءَهُ أَذِنَ لَهُ فِي الْخُرُوجِ مَعَهُ فَقُتِلَ وَهُوَ ابْنٌ لِسِتّ عَشْرَةَ سَنَةً قَتَلَهُ الْعَاصُ بْنُ سَعِيدٍ . وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ حَارِثَةَ بْنَ سُرَاقَةَ ، فِيمَنْ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ أَوّلُ قَتِيلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ رَمَاهُ حِبّانُ بْنُ الْعَرَقَةِ بِسَهْمِ فَأَصَابَ حَنْجَرَتَهُ فَمَاتَ وَجَاءَتْ أُمّهُ وَهِيَ الرّبِيعُ بِنْتُ النّضْرِ عَمّةُ أَنَسٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ قَدْ عَلِمْت مَوْضِعَ حَارِثَةَ مِنّي فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنّةِ أَصْبِرُ وَأَحْتَسِبُ وَإِنْ يَكُنْ غَيْرَ ذَلِكَ فَسَتَرَى مَا أَصْنَعُ فَقَالَ أَوَ جَنّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ ؟ إنّمَا هِيَ جَنّاتٌ وَإِنّ ابْنَك مِنْهَا لَفِي الْفِرْدَوْس [ ص 165 ] وَذَكَرَ فِيهِمْ عُمَيْرَ بْنَ الْحُمَامِ بْنِ الْجَمُوحِ ، وَقَدْ قَدّمْنَا ذِكْرَهُ وَقَتَلَهُ خَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ . وَذَكَرَ ذَا الشّمَالَيْنِ الْخُزَاعِيّ الْغَبّاشَ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ ، وَهُوَ الّذِي ذَكَرَهُ الزّهْرِيّ فِي حَدِيثِ التّسْلِيمِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ قَالَ فَقَامَ ذُو الشّمَالَيْنِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ ، فَقَالَ أَقُصِرَتْ الصّلَاةُ أَمْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ لَمّا لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ هَكَذَا بِهَذَا اللّفْظِ إلّا ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ ، وَهُوَ غَلَطٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَإِنّمَا هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ السّلَمِيّ وَاسْمُهُ خِرْبَاقُ وَذُو الشّمَالَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَحَدِيثُ التّسْلِيمِ مِنْ رَكْعَتَيْنِ شَهِدَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَكَانَ إسْلَامُهُ بَعْدَ بَدْرٍ بِسَنَتَيْنِ وَمَاتَ ذُو الْيَدَيْنِ السّلَمِيّ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ ، وَرَوَى عَنْهُ حَدِيثَهُ فِي التّسْلِيمِ ابْنُهُ مَطِيرُ بْنُ الْخِرْبَاقِ يَرْوِيهِ عَنْ مَطِيرٍ ابْنُهُ شُعَيْبُ بْنِ مَطِيرٍ . وَلَمّا رَأَى الْمُبَرّدُ حَدِيثَ الزّهْرِيّ : فَقَامَ ذُو الشّمَالَيْنِ وَفِي آخِرِهِ أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ ؟ قَالَ هُوَ ذُو الشّمَالَيْنِ وَذُو الْيَدَيْنِ ، كَانَ يُسَمّى بِهِمَا جَمِيعًا ، وَجَهِلَ مَا قَالَهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسّيَرِ فِي ذِي الشّمَالَيْنِ وَلَمْ يَعْرِفْ رِوَايَةً إلّا الرّوَايَةَ الّتِي فِيهَا الْغَلَطُ قَالَ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الْكَامِلِ فِي بَابِ الْأَذْوَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ . وَمِنْ الْبَدْرِيّينَ عُلَيْفَةُ بْنُ عَدِيّ الْبَيَاضِيّ أَيْضًا ، هَكَذَا اسْمُهُ عِنْدَ أَهْلِ السّيَرِ وَسَمّاهُ ابْنُ إسْحَاقَ فَقَالَ خَلِيفَةُ بْنُ عَدِيّ بِالْخَاءِ . وَمِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ هِشَامٍ عَنْ الْبَكّائِيّ وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ عَنْ سَعْدٍ عَنْهُ عِيَاضُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي شَدّادِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ هِلَالِ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ ضَبّةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ وَهُوَ مِمّنْ هَاجَرَ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَهُ فِي الْبَدْرِيّينَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَخَلِيفَةُ بْنُ خَيّاطٍ وَجَمَاعَةٌ . وَمِمّنْ ذُكِرَ فِي الْبَدْرِيّينَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ يَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ السّلَمِيّ ، وَابْنُهُ مَعْنُ بْنُ يَزِيدَ وَأَبُوهُ الْأَخْنَسُ وَلَا [ ص 166 ] بَيْعَةَ الرّضْوَانِ ، وَيَزِيدُ بْنُ الْأَخْنَسِ هَذَا هُوَ ابْنُ الْأَخْنَسِ بْنِ جَنَابِ بْنِ حَبِيبِ بْنِ جُرّةَ بِضَمّ الْجِيمِ ابْنِ زُغْبٍ مِنْ بَنِي بُهْثَةَ بْنِ سُلَيْمٍ . قَالَ ابْنُ مَاكُولَا : لَا يُعْرَفُ جُرّةُ بِضَمّ الْجِيمِ إلّا هَذَا ، وَلَا جِرّةَ بِكَسْرِ الْجِيمِ إلّا السّوْمُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ جِرّةَ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ أُمّ الشّدّاخِ وَاسْمُهُ يَعْمُرُ بْنُ عَوْفٍ وَقَدْ تَقَدّمَ ذِكْرُهُ فِي حَدِيثِ قُصَيّ وَلِمَ سُمّيَ الشّدّاخُ . وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْبَدْرِيّينَ خُدَيْمُ بْنُ فَاتِكِ [ بْنِ الْأَخْرَمِ ] وَأَخُوهُ سَبْرَةُ [ ص 167 ] الْأَسَدِيّانِ . وَمِمّنْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ فِي الْبَدْرِيّينَ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حِزَامٍ ، وَقَالَ أَبُو عُمَرَ لَا يَصِحّ شُهُودُهُ بَدْرًا ، وَذَكَرَ اخْتِلَافَ النّاسِ فِي ذَلِكَ وَفِي السّنَنِ لِأَبِي دَاوُدَ أَنّ جَابِرًا قَالَ كُنْت أَمِيحُ أَصْحَابِي الْمَاءَ يَوْمَ بَدْرٍ أَيْ كَانَ صَغِيرًا فَلَمْ يُسْهَمْ لَهُ وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنّ هَذِهِ الرّوَايَةَ تَصْحِيفٌ وَأَنّ الصّحِيحَ كُنْت مَنِيحَ أَصْحَابِي يَوْمَ بَدْرٍ وَالْمَنِيحُ السّهْمُ يُرِيدُ أَنّهُمْ كَانُوا يُرْسِلُونَهُ فِي حَوَائِجِهِمْ لِصِغَرِ سِنّهِ . وَمِمّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ ابْنِ هِشَامٍ : طُلَيْبُ بْنُ عُمَيْرٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ قُصَيّ ، وَأُمّهُ أَرْوَى عَمّةُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ

عَدَدُهُمْ
[ ص 174 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : فَجَمِيعُ مَنْ أُحْصِيَ لَنَا مِنْ قَتْلَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ خَمْسُونَ رَجُلًا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : حَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَمْرٍو : أَنّ قَتْلَى بَدْرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا ، وَالْأَسْرَى كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبّاسٍ ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيّبِ . وَفِي كِتَابِ اللّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : { أَوَلَمّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا } يَقُولُهُ لِأَصْحَابِ أُحُدٍ - وَكَانَ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْهُمْ سَبْعِينَ رَجُلًا - يَقُولُ قَدْ أَصَبْتُمْ يَوْمَ بَدْرٍ مِثْلَيْ مَنْ اُسْتُشْهِدَ مِنْكُمْ يَوْمَ أُحُدٍ ، سَبْعِينَ قَتِيلًا وَسَبْعِينَ أَسِيرًا . وَأَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ :
فَأَقَامَ بِالْعَطَنِ الْمُعَطّنِ مِنْهُمْ
سَبْعُونَ عُتْبَةُ مِنْهُمْ وَالْأَسْوَدُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : يَعْنِي قَتْلَى بَدْرٍ وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ فِي حَدِيثِ يَوْمِ أُحُدٍ سَأَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللّهُ تَعَالَى فِي مَوْضِعِهَا .
مَنْ فَاتَ ابْنَ إسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ هَؤُلَاءِ السّبْعِينَ الْقَتْلَى .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : وَهْبُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ حَلِيفٌ لَهُمْ وَعَامِرُ بْنُ زَيْدٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
مِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عُقْبَةُ بْنُ زَيْدٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ ، وَعُمَيْرٌ مَوْلَى لَهُمْ . رَجُلَانِ . [ ص 175 ]
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : نُبَيْهُ بْنُ زَيْدِ بْنِ مُلَيْصٍ وَعُبَيْدُ بْنُ سَلِيطٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ قَيْسٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي تَيْمٍ
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مَالِكُ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنُ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ أُسِرَ فَمَاتَ فِي الْأُسَارَى ، فَعُدّ فِي الْقَتْلَى ، وَيُقَالُ وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : حُذَيْفَةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ ، وَهِشَامُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، وَزُهَيْرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ أَبُو أُسَيْدِ مَالِكُ بْنُ رَبِيعَةَ ، وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ قَتَلَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَعَائِذُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ ، أُسِرَ ثُمّ اُفْتُدِيَ فَمَاتَ فِي الطّرِيقِ مِنْ جِرَاحَةٍ جَرَحَهُ إيّاهَا حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَعُمَيْرٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ طَيّءٍ ، وَخِيَارٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْقَارَةِ . سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : سَبْرَةُ بْنُ مَالِكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو
الْحَارِثُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ ، وَعَامِرُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ أَخُو عَاصِمِ بْنُ ضُبَيْرَةَ ، قَتَلَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ سَلَمَةَ الْعَجْلَانِيّ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ . رَجُلَانِ .
Sابْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُذْعَانَ
[ ص 174 ] عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُذْعَانَ التّيْمِيّ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ جُذْعَانَ هُوَ الْجَوَادُ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ الْجَفْنَةِ الْعَظِيمَةِ الّتِي كَانَ يَأْكُلُ مِنْهَا الرّاكِبُ عَلَى الْبَعِيرِ وَكَانَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَسْتَظِلّ بِظِلّهَا ، وَوَقَعَ فِيهَا إنْسَانٌ فَغَرِقَ وَمَاتَ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي أَوّلِ هَذَا الْكِتَابِ حَدِيثَهُ وَالسّبَبَ فِي غِنَاهُ بَعْدَ أَنْ كَانَ صُعْلُوكًا ، وَسُؤَالَ عَائِشَةَ عَنْهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هَلْ يَنْتَفِعُ بِجُودِهِ أَمْ لَا . [ ص 175 ] أَبِي حُذَيْفَةَ وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيهِمْ أَيْضًا حُذَيْفَةَ بْنَ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَاسْمُ أَبِي حُذَيْفَةَ هَذَا مُهَشّمٌ وَهُوَ أَخُو هِشَامٍ وَهَاشِمٍ [ وَبِهِ كَانَ يُكَنّى ] ابْنَيْ الْمُغِيرَةِ وَهِشَامٌ وَالِدُ أَبِي جَهْلٍ وَهَاشِمٌ جَدّ عُمَرَ لِأُمّهِ وَمُهَشّمٌ هُوَ أَبُو حُذَيْفَةَ وَأَمّا أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ فَاسْمُهُ قَيْسٌ ، وَلَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ابْنُ إسْحَاقَ وَلَا ابْنُ هِشَامٍ ، وَإِنّمَا قَالُوا فِيهِ مُهَشّمٌ وَهُوَ عِنْدَ أَهْلِ النّسَبِ غَلَطٌ إنّمَا مُهَشّمٌ أَبُو حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ .

مَنْ قُتِلَ بِبَدْرِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
[ ص 167 ] قُرَيْشٍ ، ثُمّ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَقَتَلَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، مَوْلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ وَزَيْدٌ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ وَعَامِرُ بْنُ الْحَضْرَمِيّ حَلِيفَانِ لَهُمْ قَتَلَ عَامِرًا : عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَقَتَلَ الْحَارِثَ النّعْمَانُ بْنُ عَصَرٍ ، حَلِيفُ الْأَوْسِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَعُمَيْرُ بْنُ أَبِي عُمَيْرٍ ، وَابْنُهُ مَوْلَيَانِ لَهُمْ . قَتَلَ عُمَيْرَ بْنَ أَبِي عُمَيْرٍ : سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُبَيْدَةُ بْنُ سَعِيدِ ( بْنِ ) الْعَاصِمِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ ، وَالْعَاصُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . وَعُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ أَبِي الْأَقْلَحِ ، أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ ، صَبْرًا . [ ص 168 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْن الْمُطّلِبِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : اشْتَرَكَ فِيهِ هُوَ وَحَمْزَةُ وَعَلِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَشَيْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ؟ وَالْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَعَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي أَنْمَارِ بْنِ بَغِيضٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا .
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : الْحَارِثُ بْنُ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ ، قَتَلَهُ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - خَبِيبُ بْنُ إسَافَ ، أَخُو بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَطُعَيْمَةُ بْنُ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ؟ وَيُقَالُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ : زَمْعَةُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ ثَابِتُ بْنُ الْجِذْعِ ، أَخُو بَنِي حَرَامٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . وَيُقَالُ اشْتَرَكَ فِيهِ حَمْزَةُ وَعَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَثَابِتٌ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْحَارِثُ بْنُ زَمَعَةَ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَعُقَيْلُ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ وَعَلِيّ ، اشْتَرَكَا فِيهِ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو الْبَخْتَرِيّ وَهُوَ الْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ أَسَدٍ قَتَلَهُ الْمُجَذّرُ بْنُ ذِيَادٍ الْبَلَوِيّ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبُو الْبَخْتَرِيّ الْعَاصُ بْنُ هَاشِمٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَنَوْفَلُ بْنُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ ، وَهُوَ ابْنُ الْعَدَوِيّةِ عَدِيّ خُزَاعَةَ ، وَهُوَ الّذِي قَرَنَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ وَطَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ حِينَ أَسْلَمَا فِي حَبْلٍ فَكَانَا يُسَمّيَانِ الْقَرِينَيْنِ لِذَلِكَ وَكَانَ مِنْ شَيَاطِينِ قُرَيْشٍ - قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ . [ ص 169 ]
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالصّفْرَاءِ ، فِيمَا يَذْكُرُونَ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بِالْأُثَيْلِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ النّضْرُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ كَلَدَةَ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَزَيْدُ بْنُ مُلَيْصِ مَوْلَى عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَ زَيْدَ بْنَ مُلَيْصٍ بِلَالَ بْنَ رَبَاحٍ ، مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ وَزَيْدٌ حَلِيفٌ لِبَنِي عَبْدِ الدّارِ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو .
مِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : عُمَيْرُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُثْمَانُ بْنُ مَالِكِ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ ، قَتَلَهُ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ - وَاسْمُهُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَخْزُومٍ - ضَرَبَهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ ، فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَضَرَبَ ابْنُهُ عِكْرِمَةُ يَدَ مُعَاذٍ فَطَرَحَهَا ، ثُمّ ضَرَبَهُ مُعَوّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ حَتّى أَثْبَتَهُ ثُمّ تَرَكَهُ وَبِهِ رَمَقٌ ثُمّ ذَفّفَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَاحْتَزّ رَأْسَهُ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْسَابِ قُرَيْشٍ لَهُ وَالْعَاصُ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا حَدّثَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ [ وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ] إذْ مَرّ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ ، [ ص 170 ] وَالْعَاصُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : ثُمّ أَحَدُ بَنِي عَمْرِو بْنِ تَيْمٍ ، وَكَانَ شُجَاعًا ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو مُسَافِعٍ الْأَشْعَرِيّ ، حَلِيفٌ لَهُمْ قَتَلَهُ أَبُو دُجَانَةَ السّاعِدِيّ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَرْمَلَةُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي زُهَيْرٍ أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، وَيُقَالُ بَلْ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَحَرْمَلَةُ ، مِنْ الْأَسَدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَسْعُودُ بْنُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ - وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو قَيْسِ بْنُ الْفَاكِهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَرِفَاعَةُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ قَتَلَهُ سَعْدُ بْنُ الرّبِيعِ ، أَخُو بَلْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَالْمُنْذِرُ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ قَتَلَهُ مَعْنُ بْنُ عَدِيّ بْنِ الْجَدّ بْنِ الْعَجْلَانِ حَلِيفُ بَنِي عُبَيْدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدٍ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ .
Sمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدّمَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْحَدِيثَ الّذِي أَسْنَدَهُ أَبُو عُبَيْدٍ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ ، قَالَ قَتَلْت يَوْمَ بَدْرٍ الْعَاصَ بْنَ سَعِيدٍ وَأَخَذْت سَيْفَهُ ذَا الْكَتِيفَةِ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ [ ص 168 ] عَلِيّ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ . قَالَ الْمُؤَلّفُ وَبَعْضُ أَهْلِ التّفْسِيرِ يَقُولُونَ قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ كَعْبُ بْنُ عَمْرٍو . وَقَالَ أَبُو عُبَيْدِ اللّهِ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْقَاضِي فِي [ ص 169 ] قُرَيْشٍ لَهُ وَالْعَاصِي قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا حَدّثَ إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ ، قَالَ بَيْنَمَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ [ وَعُمَرُ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ] إذْ مَرّ بِهِ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِي ، [ ص 170 ] فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إنّي وَاَللّهِ يَا ابْنَ أَخِي مَا قَتَلْت أَبَاك يَوْمَ بَدْرٍ وَلَكِنّي قَتَلْت خَالِي الْعَاصَ بْنَ هِشَام ٍ وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ أَعْتَذِرُ مِنْ قَتْلِ مُشْرِكٍ قَالَ فَقَالَ لَهُ سَعِيدُ بْنُ الْعَاصِ : [ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ حَدِيثُ السّنّ ] لَوْ قَتَلْته كُنْت عَلَى الْحَقّ وَكَانَ عَلَى الْبَاطِلِ قَالَ فَعَجِبَ عُمَرُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوَى كَفّيْهِ وَقَالَ قُرَيْشٌ أَفْضَلُ النّاسِ إسْلَامًا ، وَأَعْظَمُ النّاسِ أَمَانَةً وَمَنْ يُرِدْ بِقُرَيْشِ سُوءًا يَكُبّهُ اللّهُ لِفِيهِ وَقَالَ قَالَ عَمّي مُصْعَبُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ زَعَمُوا أَنّ عُمَرَ قَالَ رَأَيْته يَبْحَثُ التّرَابَ كَأَنّهُ ثَوْرٌ فَصَدَدْت عَنْهُ وَحَمَلَ لَهُ عَلِيّ فَقَتَلَهُ [ ص 171 ]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ شَرِيكُ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الشّرِيكُ السّائِبُ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي وَكَانَ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ - فِيمَا بَلَغَنَا - وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ : أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ مِمّنْ بَايَعَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ قُرَيْشٍ ، وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ غَيْرُ ابْنِ إسْحَاقَ : أَنّ الّذِي قَتَلَهُ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ .
[ ص 172 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، وَحَاجِبُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عَبْدِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ عَائِذُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَيُقَالُ حَاجِزُ بْنُ السّائِبِ - وَاَلّذِي قَتَلَ حَاجِبَ بْنَ السّائِبِ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعُوَيْمِرُ بْنُ السّائِبِ بْنِ عُوَيْمِرٍ قَتَلَهُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ مُبَارَزَةً فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ ، وَجَابِرُ بْنُ سُفْيَانَ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ طَيّءٍ ، قَتَلَ عَمْرًا يَزِيدُ بْنُ رُقَيْشٍ ، وَقَتَلَ جَابِرًا أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نَيّارٍ ( فِيمَا ) قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : سَبْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا .
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : مُنَبّهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرِ بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، وَابْنُهُ الْعَاصُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ الْحَجّاجِ ، قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَنُبَيْهُ بْنُ الْحَجّاجِ بْنِ عَامِرٍ قَتَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقّاصٍ اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ .
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَيُقَالُ النّعْمَانُ بْنُ مَالِكٍ الْقَوْقَلِيّ ، وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ . [ ص 173 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَعَاصِمُ بْنُ عَوْفِ بْنِ ضُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ ، قَتَلَهُ أَبُو الْيُسْرِ أَخُو بَنِي سَلِمَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ : أُمَيّةُ بْنُ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ ، قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَازِنٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ قَتَلَهُ مُعَاذُ ابْنُ عَفْرَاءَ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَخَبِيبُ بْنُ إسَافَ ، اشْتَرَكُوا فِي قَتْلِهِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَابْنُهُ عَلِيّ بْنُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، قَتَلَهُ عَمّارُ بْنُ يَاسِرٍ ، وَأَوْسُ بْنُ مِعْيَرِ بْنِ لَوْذَان بْنِ سَعْدِ بْنِ جُمَحَ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَيُقَالُ قَتَلَهُ الْحُصَيْنُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَعُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ اشْتَرَكَا فِيهِ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : مُعَاوِيَةُ بْنُ عَامِرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ عَبْدِ الْقَيْس ِ قَتَلَهُ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ . وَيُقَالُ قَتَلَهُ عُكّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمَعْبَدُ بْنُ وَهْبٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي كَعْبِ بْنِ عَوْفِ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لَيْثٍ ، قَتَلَ مَعْبَدًا خَالِدٌ وَإِيَاسُ ابْنَا الْبُكَيْرِ وَيُقَالُ أَبُو دُجَانَةَ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . رَجُلَانِ .
Sالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ
[ ص 171 ] وَذَكَرَ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ ، وَاسْمُ أَبِي السّائِبِ صَيْفِيّ بْنُ عَابِدٍ وَأَنْكَرَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْ يَكُونَ السّائِبُ قُتِلَ كَافِرًا قَالَ وَقَدْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ ابْنِ الزّبَيْرِ أَنّ السّائِبَ قُتِلَ كَافِرًا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ وَأَحْسَبُهُ اتّبَعَ فِي ذَلِكَ قَوْلَ ابْنِ إسْحَاقَ ، قَالَ وَقَدْ نَقَضَ الزّبَيْرُ ذَلِكَ فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِهِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ حَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ مُحَمّدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ثَوْبَانَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عِكْرِمَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ كَعْبٍ مَوْلَى سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ فَالَ مَرّ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ ، وَمَعَهُ جُنْدُهُ فَزَحَمُوا السّائِبَ بْنَ صَيْفِيّ بْنِ عَابِدٍ فَسَقَطَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ مُعَاوِيَةُ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ خَلِيفَةٌ فَقَالَ ارْفَعُوا الشّيْخَ فَلَمّا قَامَ قَالَ مَا هَذَا يَا مُعَاوِيَةُ ؟ تَصْرَعُونَنَا حَوْلَ الْبَيْتِ ؟ أَمَا وَاَللّهِ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ أَتَزَوّجَ أُمّك ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ لَيْتَك فَعَلْت ، فَجَاءَتْ بِمِثْلِ أَبِي السّائِبِ يَعْنِي عَبْدَ اللّهِ بْنَ السّائِبِ وَهَذَا وَاضِحٌ فِي إدْرَاكِهِ الْإِسْلَامَ وَفِي طُولِ عُمُرِهِ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ حَدّثَنِي أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ اللّيْثِيّ ، قَالَ حَدّثَنِي أَبُو السّائِبِ يَعْنِي : الْمُنَاجِزَ وَهُوَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ السّائِبِ ، قَالَ كَانَ جَدّي أَبُو السّائِبِ شَرِيكَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ نِعْمَ الشّرِيكُ كَانَ أَبُو السّائِبِ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي [ وَلَا يُدَارِي ] ، وَهَذَا كُلّهُ مِنْ الزّبَيْرِ مُنَاقَضَةٌ فِيمَا ذُكِرَ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ كَافِرًا . وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ : السّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ الّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - نِعْمَ الشّرِيكُ أَبُو السّائِبِ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي كَانَ قَدْ أَسْلَمَ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ فِيمَا بَلَغَنَا . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَذَكَرَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ [ ص 172 ] عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّ السّائِبَ بْنَ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ [ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ] مِمّنْ هَاجَرَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَأَعْطَاهُ يَوْمَ الْجِعْرَانَةِ مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ . قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا أَوْلَى مَا عُوّلَ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْبَابِ وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنّ الْحَدِيثَ فِيمَنْ كَانَ شَرِيكَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - مِنْ هَؤُلَاءِ مُضْطَرِبٌ جِدّا ، مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ الشّرِكَةَ لِلسّائِبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِأَبِي السّائِبِ أَبِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ الزّبَيْرِ هَهُنَا ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِقَيْسِ بْنِ السّائِبِ [ بْنِ عُوَيْمِرٍ ] ، وَمَعَهُمْ مَنْ يَجْعَلُهَا لِعَبْدِ بْنِ أَبِي السّائِبِ وَهَذَا اضْطِرَابٌ لَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ وَلَا تَقُومُ بِهِ حُجّةٌ وَالسّائِبُ بْنُ أَبِي السّائِبِ مِنْ الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَمِمّنْ حَسُنَ إسْلَامُهُ . هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ فِي كِتَابِ الِاسْتِيعَابِ حَدّثَنِي بِهِ أَبُو بَكْرِ بْنُ طَاهِرٍ الْإِشْبِيلِيّ عَنْ أَبِي عَلِيّ الْغَسّانِيّ عَنْهُ كَذَلِكَ اخْتَلَفَتْ الرّوَايَةُ فِي هَذَا الْكَلَامِ كَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِي وَلَا يُمَارِي فَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي أَبِي السّائِبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مِنْ قَوْلِ أَبِي السّائِبِ فِي النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . [ ص 173 ]
أَوْسُ بْنُ خَوْلِيّ
وَذَكَرَ فِيمَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ الْأَنْصَارِ : أَوْسَ بْنَ خَوْلِيّ أَحَدَ بَنِي الْحُبْلَى ، يُقَالُ كَانَ مِنْ الْكَمَلَةِ وَكَانَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ آخَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ شُجَاعِ بْنِ وَهْبٍ ، وَالْخَوْلِيّ فِي اللّغَةِ هُوَ الّذِي يَقُومُ عَلَى الْخَيْلِ وَيَخْدُمُهَا وَفِي الْخَبَرِ أَنّ جَمِيلًا الْكَلْبِيّ كَانَ خَوْلِيّا لِمُعَاوِيَةَ ، وَفِي هَذَا مَا يَدُلّ عَلَى أَنّ الْيَاءَ فِي الْخَيْلِ أَصْلُهَا الْوَاوُ .
أَخُو طَلْحَةَ
وَذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ فِيمَنْ قُتِلَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِمّنْ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ مَالِكَ بْنَ عُبَيْدِ اللّهِ بْنِ عُثْمَانَ وَهُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّهِ .

ذِكْرُ أَسْرَى قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
[ ص 176 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ ؛ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ . [ ص 177 ]
مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ
وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : السّائِبُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ هَاشِمِ بْنِ الْمُطّلِبِ وَنُعْمَانُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ بْنِ الْمُطّلِبِ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَمْرُو بْنُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أَمَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي وَجْزَةَ بْنِ أَبِي عَمْرِو بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَيُقَالُ ابْنُ أَبِي وَحْرَةَ ، فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ ( عَبْدِ ) شَمْسٍ ، وَأَبُو الْعَاصِ بْنُ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ . [ ص 178 ] وَمِنْ حُلَفَائِهِمْ أَبُو رِيشَةَ بْنُ أَبِي عَمْرٍو ، وَعَمْرُو بْنُ الْأَزْرَقِ ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ بْنِ الْحَضْرَمِيّ سَبْعَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَدِيّ بْنُ الْخِيَارِ بْنِ عَدِيّ بْنِ نَوْفَلٍ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ شَمْسِ ابْنُ أَخِي غَزْوَانَ بْنِ جَابِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي مَازِنِ بْنِ مَنْصُورٍ وَأَبُو ثَوْرٍ ، حَلِيفٌ لَهُمْ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : أَبُو عَزِيزُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ عَبْدِ الدّارِ وَالْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . وَيَقُولُونَ نَحْنُ بَنُو الْأَسْوَدِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ السّبّاقِ رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي أَسَدٍ وَحُلَفَائِهِمْ
وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ . السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ وَالْحُوَيْرِثُ بْنُ عَبّادِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَائِذِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَسَدٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَسَالِمُ بْنُ شَمّاسٍ حَلِيفٌ لَهُمْ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ بْنِ مُرّةَ : خَالِدُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأُمَيّةُ بْنُ أَبِي حُذَيْفَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْوَلِيدُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، وَعُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ؟ وَصَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَأَبُو الْمُنْذِرِ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَيْرِ بْنِ مَخْزُومٍ وَأَبُو عَطَاءٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَالْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، [ ص 179 ] كَانَ - فِيمَا يَذْكُرُونَ - أَوّلُ مَنْ وَلّى فَارّا مُنْهَزِمًا ، وَهُوَ الّذِي يَقُولُ
وَلَسْنَا عَلَى الْأَدْبَارِ تَدْمِي كُلُومُنَا ... وَلَكِنْ عَلَى أَقْدَامِنَا يَقْطُرُ الدّمُ
تِسْعَةُ نَفَرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُرْوَى : " لَسْنَا عَلَى الْأَعْقَابِ " . وَخَالِدُ بْنُ الْأَعْلَمِ مِنْ خُزَاعَةَ ، وَيُقَالُ عُقَيْلِيّ .
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : أَبُو وَدَاعَةَ بْنُ صُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ كَانَ أَوّلَ أَسِيرٍ اُفْتُدِيَ مِنْ أَسْرَى بَدْرٍ افْتَدَاهُ ابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ ؟ وَفَرْوَةُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَحَنْظَلَةُ بْنُ قَبِيصَةَ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ وَالْحَجّاجُ بْنُ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ أَرْبَعَةُ نَفَرٍ . [ ص 180 ]
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرِو بْنِ هُصَيْصِ بْنِ كَعْبٍ : عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَأَبُو عَزّةَ عَمْرُو بْنُ عَبْدِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ وُهَيْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَالْفَاكِهُ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، ادّعَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ رَبَاحُ بْنُ الْمُغْتَرِفِ وَهُوَ يَزْعُمُ أَنّهُ مِنْ بَنِي شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - وَيُقَالُ إنّ الْفَاكِهَ بْنَ جَرْوَلَ بْنِ حِذْيَمِ بْنِ عَوْفِ بْنِ غَضَبِ بْنِ شَمّاخِ بْنِ مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ - وَوَهْبُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبِ بْنِ خَلَفِ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ وَرَبِيعَةُ بْنُ دَرّاجِ بْنِ الْعَنْبَسِ بْنِ أُهْبَانَ بْنِ وَهْبِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ جُمَحَ . خَمْسَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : سُهَيْلُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ أَسَرَهُ مَالِكُ بْنُ الدّخْشُمِ ، أَخُو بَنِي سَالِمِ بْنِ عَوْفٍ ، [ ص 181 ] وَعَبْدُ بْنِ زَمَعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ وَعَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ مَشْنُوءِ بْنِ وَقْدَانَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرٍ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : الطّفَيْلُ بْنُ أَبِي قُنَيْعٍ وَعُتْبَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَحْدَمٍ . رَجُلَانِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَجَمِيعُ مَنْ حُفِظَ لَنَا مِنْ الْأُسَارَى ثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعُونَ رَجُلًا .
مَا فَاتَ ابْنَ إسْحَاقَ ذِكْرُهُمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَقَعَ مِنْ جُمْلَةِ الْعَدَدِ رَجُلٌ لَمْ نَذْكُرْ اسْمَهُ . وَمِمّنْ لَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ الْأُسَارَى :
مِنْ بَنِي هَاشِمٍ
مِنْ بَنِي هَاشِمِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عُتْبَةُ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي فِهْرٍ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ
وَمِنْ بَنِي الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : عَقِيلُ بْنُ عَمْرٍو ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَأَخُوهُ تَمِيمُ بْنُ عَمْرٍو ، وَابْنُهُ . ثَلَاثَةُ نَفَرٍ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : خَالِدُ بْنُ أُسَيْدِ بْنِ أَبِي الْعِيصِ ، وَأَبُو الْعَرِيضِ يَسَارٌ مَوْلَى الْعَاصِ بْنِ أُمَيّةَ . رَجُلَانِ . [ ص 182 ]
مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ
وَمِنْ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ : نَبْهَانَ مَوْلًى لَهُمْ . رَجُلٌ . مِنْ بَنِي أَسَدٍ : وَمِنْ بَنِي أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى : عَبْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ
وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الدّارِ بْنِ قُصَيّ : عَقِيلٌ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ الْيَمَنِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي تَيْمٍ
وَمِنْ بَنِي تَيْمِ بْنِ مُرّةَ : مُسَافِعُ بْنُ عِيَاضِ بْنِ صَخْرِ بْنِ عَامِرِ بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمٍ وَجَابِرُ بْنُ الزّبَيْرِ حَلِيفٌ لَهُمْ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ
وَمِنْ بَنِي مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَةَ : قَيْسُ بْنُ السّائِبِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي جُمَحَ
وَمِنْ بَنِي جُمَحَ بْنِ عَمْرٍو : عَمْرُو بْنُ أُبَيّ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَبُو رُهْمِ بْنُ عَبْدِ اللّهِ ، حَلِيفٌ لَهُمْ وَحَلِيفٌ لَهُمْ ذَهَبَ عَنّي اسْمُهُ وَمَوْلَيَانِ لِأُمَيّةِ بْنِ خَلَفٍ أَحَدُهُمَا نِسْطَاسٌ وَأَبُو رَافِعٍ غُلَامُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ . سِتّةُ نَفَرٍ . [ ص 183 ]
مِنْ بَنِي سَهْمٍ
وَمِنْ بَنِي سَهْمِ بْنِ عَمْرٍو : أَسْلَمَ ، مَوْلَى نُبَيْهٍ الْحَجّاجِ . رَجُلٌ .
مِنْ بَنِي عَامِرٍ
وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ : حَبِيبُ بْنُ جَابِرٍ وَالسّائِبُ بْنُ مَالِكٍ . رَجُلَانِ .
مِنْ بَنِي الْحَارِثِ
وَمِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ : شَافِعٌ وَشَفِيعٌ حَلِيفَانِ لَهُمْ مِنْ أَرْضِ الْيَمَنِ . رَجُلَانِ .
Sتَسْمِيَةُ مَنْ أُسِرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ
[ ص 176 ] ابْنُ إسْحَاقَ ، وَلَا ابْنُ هِشَامٍ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ وَالْحَاجَةُ مَاسّةٌ بِقَارِئِ السّيرَةِ إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ فَأَوّلُهُمْ وَأَفْضَلُهُمْ الْعَبّاسُ عَمّ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَلَا خَفَاءَ بِإِسْلَامِهِ وَفَضْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا سَبَبَ إسْلَامِهِ فِي فَصْلٍ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ وَأَنّ أَبَا الْيُسْرِ كَعْبَ بْنِ عَمْرٍو هُوَ الّذِي أَسَرَهُ وَكَانَ قَصِيرًا ذَمِيمًا ، وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَنّهُ قِيلَ لِلْعَبّاسِ كَيْفَ أَسَرَك أَبُو الْيُسْرِ وَلَوْ أَخَذْته بِكَفّك لَوَسِعَتْهُ كَفّك ، فَقَالَ مَا هُوَ إلّا أَنْ لَقِيته ، فَظَهَرَ فِي عَيْنِي كَالْخَنْدَمَةِ ، وَالْخَنْدَمَةُ جَبَلٌ مِنْ جِبَالِ مَكّةَ .
عَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
وَعَقِيلُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ مِمّنْ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلَامُهُ أَسْلَمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ ، وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَا أَبَا يَزِيدَ إنّي أُحِبّك حُبّيْنِ حُبّا لِقَرَابَتِك مِنّي ، وَحُبّا لِمَا أَعْلَمُ مِنْ حُبّ عَمّي إيّاكَ سَكَنَ عَقِيلٌ الْبَصْرَةَ ، وَمَاتَ بِالشّامِ فِي خِلَافَةِ مُعَاوِيَةَ . رَوَى عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَدِيثًا فِي الْوُضُوءِ بِالْمُدّ وَالطّهُورِ بِالصّاعِ وَحَدِيثًا آخَرَ أَيْضًا : لَا تَقُولُوا بِالرّفَاءِ وَالْبَنِينَ وَقُولُوا : بَارَكَ اللّهُ لَك ، وَبَارَكَ عَلَيْك . وَكَانَ أَسَنّ مِنْ جَعْفَرٍ بِعَشْرِ سِنِينَ وَكَانَ جَعْفَرٌ أَسَنّ مِنْ عَلِيّ بِعَشْرِ سِنِينَ وَكَانَ طَالِبٌ أَسَنّ مِنْ عَقِيلٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ .
نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ
وَمِنْهُمْ نَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ ، يُقَالُ أَسْلَمَ عَامَ الْخَنْدَقِ ، وَهَاجَرَ ، وَقِيلَ بَلْ أَسْلَمَ حِينَ أُسِرَ وَذَلِكَ أَنّ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَالَ لَهُ افْدِ نَفْسَك ، قَالَ لَيْسَ لِي مَالٌ أَفْتَدِي بِهِ قَالَ افْدِ نَفْسَك بِأَرْمَاحِك الّتِي بِجُدّةِ قَالَ وَاَللّهِ مَا عَلِمَ أَحَدٌ أَنّ لِي بِجُدّةِ أَرْمَاحًا [ ص 177 ] وَهُوَ مِمّنْ ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يَوْمَ حُنَيْن ٍ وَأَعَانَ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - عِنْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا بِثَلَاثَةِ آلَافِ رُمْحٍ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَنّي أَنْظُرُ إلَى أَرْمَاحِك هَذِهِ تَقْصِفُ ظُهُورَ الْمُشْرِكِينَ . مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَصَلّى عَلَيْهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا - أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ وَغَيْرُهُ وَمِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرّبِيعِ صِهْرُ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَدْ ذَكَرْنَا خَبَرَهُ مَعَ مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مِنْ حَدِيثِهِ وَذَكَرْنَا الِاخْتِلَافَ فِي اسْمِهِ قَبْلَ هَذَا . وَمِنْهُمْ أَبُو عَزِيزِ بْنُ عُمَيْرٍ الْعَبْدَرِيّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا اسْمَهُ وَاسْمَ أُمّهِ وَإِخْوَتِهِ فِي أَوّلِ خَبَرِ بَدْرٍ . وَمِنْهُمْ السّائِبُ بْنُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى ، وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ - ذَاكَ رَجُلٌ لَا أَعْلَمُ فِيهِ عَيْبًا ، وَمَا أَحَدٌ إلّا وَأَنَا أَقْدِرُ أَنْ أَعِيبَهُ بَعْدَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَقَدْ قِيلَ إنّ هَذِهِ الْمَقَالَةَ قَالَهَا عُمَرُ فِي ابْنِهِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ السّائِبِ ، وَالسّائِبُ هَذَا هُوَ أَخُو فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ الْمُسْتَحَاضَةِ . وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ هِشَامٍ ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي الْمُؤَلّفَةِ قُلُوبُهُمْ . وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي السّائِبِ ، وَاسْمُ أَبِي السّائِبِ صَيْفِيّ ، وَقَدْ تَقَدّمَ قَوْلُ عُمَرَ فِيهِ وَفِي أَبِيهِ وَعَنْهُ أَخَذَ أَهْلُ مَكّةَ الْقِرَاءَةَ وَعَلَيْهِ قَرَأَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ مِنْ قُرّاءِ أَهْلِ مَكّةَ . [ ص 178 ] وَمِنْهُمْ الْمُطّلِبُ بْنُ حَنْطَبِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ ، وَبَنُو عُمَرَ بْنُ مَخْزُومٍ ثَلَاثَةٌ عَبْدُ الْعُزّى ، وَعَابِدٌ وَمِنْ أَهْلِ النّسَبِ مَنْ ذَكَرَ فِيهِمْ عُثْمَانَ بْنَ عُمَرَ وَبَنُو مَخْزُومٍ ثَلَاثَةٌ عُمَرُ وَالِدُ هَؤُلَاءِ الثّلَاثَةِ وَعِمْرَانُ وَعَامِرٌ هَؤُلَاءِ فِيهِمْ الْعَدَدُ وَيُذْكَرُ فِي بَنِي مَخْزُومٍ أَيْضًا عُمَيْرٌ وَعَمِيرَةُ وَلَمْ يُعْقِبْ عَمِيرَةُ إلّا بِنْتًا اسْمُهَا : زَيْنَبُ وَمِنْ حَدِيثِ الْمُطّلِبِ [ ص 179 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنّي بِمَنْزِلَةِ السّمْعِ وَالْبَصَرِ مِنْ الرّأْسِ وَفِي إسْنَادِهِ ضَعْفٌ .
الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ
وَمِنْ وَلَدِهِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُطّلِبِ ، وَكَانَ أَكْرَمَ أَهْلِ زَمَانِهِ وَأَسْخَاهُمْ ثُمّ تَزَهّدَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَمَاتَ بِمَنْبِجَ وَفِيهِ يَقُولُ [ عَبَاءَةُ بْنُ عُمَرَ ] الرّاتِجِيّ يَرْثِيهِ
سَأَلُوا عَنْ الْجُودِ وَالْمَعْرُوفِ مَا فَعَلَا ... فَقُلْت إنّهُمَا مَاتَا مِنْ الْحَكَمِ
مَاتَا مَعَ الرّجُلِ الْمُوفِي بِذِمّتِهِ ... قَبْلَ السّؤَالِ إذَا لَمْ يُوفَ بِالذّمَمِ
وَذَكَرَ الدّارَقُطْنِيّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَعْرُوفٍ قَالَ حَضَرْت وَفَاةَ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ فَأَصَابَتْهُ مِنْ الْمَوْتِ شِدّةٌ فَقَالَ قَائِلٌ فِي الْبَيْتِ اللّهُمّ هَوّنْ عَلَيْهِ الْمَوْتَ فَقَدْ كَانَ وَقَدْ كَانَ يُثْنِي عَلَيْهِ فَأَفَاقَ الْحَكَمُ فَقَالَ مَنْ الْمُتَكَلّمُ ؟ فَقَالَ الرّجُلُ أَنَا ، فَقَالَ الْحَكَمُ يَقُولُ لَك مَلَكُ الْمَوْتِ أَنَا بِكُلّ سَخِيّ رَفِيقٌ ثُمّ كَأَنّمَا كَانَتْ [ ص 180 ] فَتِيلَةً فَطُفِئَتْ وَقَدْ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ الزّبَيْرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَيْضًا ، وَحِين سُجِنَ الْحَكَمُ فِي وِلَايَةٍ وَلِيَهَا ، قَالَ فِيهِ شَاعِرٌ
خَلِيلِيّ إنّ الْجُودَ فِي السّجْنِ فَابْكِيَا ... عَلَى الْجُودِ إذْ سُدّتْ عَلَيْهِ مَرَافِقُهْ
فِي أَبْيَاتٍ فَأَعْطَى قَائِلَ هَذَا الشّعْرِ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ .
مِنْ الّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أُسَارَى بَدْرٍ
وَمِنْهُمْ أَبُو وَدَاعَةَ الْحَارِثُ بْنُ صُبَيْرَةَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ سَهْمٍ أَسْلَمَ هُوَ وَابْنُهُ الْمُطّلِبُ بْنُ أَبِي وَدَاعَةَ يَوْمَ فَتْحِ مَكّةَ . وَمِنْهُمْ الْحَجّاجُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيّ بْنِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ وَلَمْ يُوَافِقْ الْوَاقِدِيّ وَلَا غَيْرُهُ لِابْنِ إسْحَاقَ عَلَى قَوْلِهِ سَعِيدِ بْنِ سَهْمٍ وَقَالُوا : إنّمَا هُوَ سَعْدٌ وَقَدْ تَقَدّمَ هَذَا ، وَأَحْسَبُ ذِكْرَ الْحَجّاجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَهْمًا فَإِنّهُ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْحَبَشَةِ وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَعْدَ أُحُدٍ ، فَكَيْفَ يُعَدّ فِي أَسْرَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ . وَمِنْهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ بْنِ خَلَفٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَقُتِلَ يَوْمَ الْجَمَلِ وَمِنْهُمْ وَهْبُ بْنُ عُمَيْرٍ الْجُمَحِيّ أَسْلَمَ بَعْدَ أَنْ جَاءَ أَبُو عُمَيْرٍ فِي فِدَائِهِ فَأَسْلَمَا جَمِيعًا ، وَقَدْ ذَكَرَ خَبَرَ إسْلَامِهِ ابْنُ إسْحَاقَ قَبْلَ هَذَا . وَمِنْهُمْ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَسْلَمَ وَمَاتَ بِالشّامِ شَهِيدًا ، وَهُوَ خَطِيبُ قُرَيْشٍ ، وَأَخْبَارُهُ مَشْهُورَةٌ فِي السّيرَةِ وَغَيْرِهَا . [ ص 181 ] وَمِنْهُمْ عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ أَخُو سَوْدَةَ بِنْتِ زَمَعَةَ أَسْلَمَ ، وَهُوَ الّذِي خَاصَمَهُ سَعْدٌ فِي ابْنِ وَلِيدَةِ زَمَعَةَ وَاسْمُ الِابْنِ الْمُخَاصَمُ فِيهِ عَبْدُ الرّحْمَنِ وَهُوَ الّذِي قَالَ فِيهِ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ هُوَ لَك يَا عَبْدُ بْنُ زَمَعَةَ . [ ص 182 ] وَمِنْهُمْ قَيْسُ بْنُ السّائِبِ [ بْنِ عُوَيْمِرِ بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ ] الْمَخْزُومِيّ إلَيْهِ كَانَ وَلَاءُ مُجَاهِدِ بْنِ جُبَيْرٍ الْقَارِي ، وَيُقَالُ فِيهِ مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ إسْحَاقَ ، وَكَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي مَوْلَايَ قَيْسِ بْنِ السّائِبِ أَنْزَلَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { وَعَلَى الّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } فَأَفْطَرَ وَأَطْعَمَ عَنْ كُلّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَهُوَ الّذِي قَالَ كَانَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - فِي الْجَاهِلِيّةِ شَرِيكِي ، فَكَانَ خَيْرَ شَرِيكٍ لَا يُشَارِينِي وَلَا يُمَارِينِي وَقِيلَ إنّ أَبَاهُ قَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَتَقَدّمَ الِاضْطِرَابُ فِي ذَلِكَ وَالِاخْتِلَافُ وَقَوْلُهُ يُشَارِينِي مِنْ شَرِيَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ إذَا تَغَاضَبُوا . وَمِنْهُمْ نِسْطَاسٌ مَوْلَى أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ ، يُقَالُ إنّهُ أَسْلَمَ بَعْدَ أُحُدٍ ، وَكَانَ يُحَدّثُ عَنْ انْهِزَامِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ وَدُخُولِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ فِي الْقُبّةِ وَهُرُوبِ صَفْوَانَ بِخَبَرِ عَجِيبٍ لَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ ، فَهَذِهِ جُمْلَةُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ الْأُسَارَى الّذِينَ أُسِرُوا يَوْمَ بَدْرٍ . [ ص 183 ]
مِمّنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْ الْأُسَارَى
وَذَكَرَ فِيمَنْ لَمْ يُسْلِمْ مِنْهُمْ عَبْدَ اللّهِ بْنَ حُمَيْدِ بْنِ زُهَيْرٍ الْأَسَدِيّ ، وَالْمَعْرُوفُ فِيهِ عُبَيْدُ اللّهِ بْنُ حُمَيْدٍ ، كَذَلِكَ ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ ، وَأَبُو عُمَرَ وَالْكَلَابَاذِيّ أَبُو نَصْرٍ وَهُوَ مَوْلَى حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ . وَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي نَسَبِ بَلِيّ بْنِ فَارَانَ بْنِ عَمْرٍو ، فَإِنّهُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ النّسَبِ فَرّانٍ بِغَيْرِ أَلِفٍ غَيْرَ أَنّ مِنْهُمْ مَنْ يُشَدّدُ الرّاءَ وَهُوَ ابْنُ دُرَيْدٍ وَقَالَ هُوَ فَعْلَانُ مِنْ الْفِرَارِ .

تَارِيخُ وَفَاةِ رُقَيّةَ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ فِي السّيرَةِ تَخَلّفَ عُثْمَانَ عَلَى امْرَأَتِهِ رُقَيّةَ فَضَرَبَ لَهُ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - بِسَهْمِهِ وَأَجْرِهِ كَانَ مَوْتُهَا يَوْمَ قَدِمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بَشِيرًا بِوَقْعَةِ بَدْرٍ ، وَهَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي وَفَاةِ رُقَيّةَ وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيّ فِي التّارِيخِ حَدِيثَ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - شَهِدَ دَفْنَ بِنْتِهِ رُقَيّةَ وَقَعَدَ عَلَى قَبْرِهَا ، وَدَمَعَتْ عَيْنَاهُ فَقَالَ " أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ اللّيْلَةَ ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَنَا ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَنْزِلَ فِي قَبْرِهَا " ، ثُمّ أَنْكَرَ الْبُخَارِيّ هَذِهِ الرّوَايَةَ وَخَرّجَهُ فِي كِتَابِ الْجَامِعِ فَقَالَ فِيهِ عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَلَمْ يُسَمّ رُقَيّةَ وَلَا غَيْرَهَا وَرَوَاهُ الطّبَرِيّ ، فَقَالَ فِيهِ عَنْ أَنَسٍ شَهِدْنَا دَفْنَ أُمّ كُلْثُومٍ بِنْتِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَيّنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَهُوَ كُلّهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَمَنْ قَالَ كَانَتْ رُقَيّةَ فَقَدْ وَهِمَ بِلَا شَكّ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ أَيّكُمْ يُقَارِفُ اللّيْلَةَ فَقَالَ فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ يَعْنِي : الذّنْبَ هَكَذَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَانَ أَوْلَى بِهَذَا ، وَإِنّمَا أَرَادَ أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ أَهْلَهُ وَكَذَا رَوَاهُ غَيْرُهُ بِهَذَا اللّفْظِ قَالَ ابْنُ بَطّالٍ : أَرَادَ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَنْ يَحْرِمَ عُثْمَانَ [ ص 184 ] كَانَ أَحَقّ النّاسِ بِذَلِكَ لِأَنّهُ كَانَ بَعْلَهَا ، وَفَقَدَ مِنْهَا عِلْقًا لَا عِوَضَ مِنْهُ لِأَنّهُ حِينَ قَالَ عَلَيْهِ السّلَامُ " أَيّكُمْ لَمْ يُقَارِفْ اللّيْلَةَ أَهْلَهُ سَكَتَ عُثْمَانُ " ، وَلَمْ يَقُلْ أَنَا ، لِأَنّهُ كَانَ قَدْ قَارَفَ لَيْلَةَ مَاتَتْ بَعْضَ نِسَائِهِ وَلَمْ يَشْغَلْهُ الْهَمّ بِالْمُصِيبَةِ وَانْقِطَاعِ صِهْرِهِ مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَنْ الْمُقَارَفَةِ فَحُرِمَ بِذَلِكَ مَا كَانَ حَقّا لَهُ وَكَانَ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَغَيْرِهِ وَهَذَا بَيّنٌ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ وَلَعَلّ النّبِيّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَدْ كَانَ عَلِمَ ذَلِكَ بِالْوَحْيِ فَلَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا ، لِأَنّهُ فَعَلَ فِعْلًا حَلَالًا ، غَيْرَ أَنّ الْمُصِيبَةَ لَمْ تَبْلُغْ مِنْهُ مَبْلَغًا يَشْغَلُهُ حَتّى حُرِمَ مَا حُرِمَ مِنْ ذَلِكَ بِتَعْرِيضِ غَيْرِ تَصْرِيحٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ .

مَا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ
قَالَ [ ص 184 ] ابْنُ إسْحَاقَ : وَكَانَ مِمّا قِيلَ مِنْ الشّعْرِ فِي يَوْمِ بَدْر ٍ وَتَرَادّ بِهِ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ لِمَا كَانَ فِيهِ قَوْلُ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ يَرْحَمُهُ اللّهُ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا وَنَقِيضَتُهَا [ ص 185 ]
أَلَمْ تَرَ أَمْرًا كَانَ مِنْ عَجَبِ الدّهْرِ ... وَلِلْحَيّنِ أَسْبَابٌ مُبَيّنَةُ الْأَمْرِ
وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ ... فَحَانُوا تَوَاصٍ بِالْعُقُوقِ وَبِالْكُفْرِ
عَشِيّةَ رَاحُوا نَحْوَ بَدْرٍ بِجَمْعِهِمْ ... فَكَانُوا رُهُونًا لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
وَكُنّا طَلَبْنَا الْعِيرَ لَمْ نَبْغِ غَيْرَهَا ... فَسَارُوا إلَيْنَا فَالْتَقَيْنَا عَلَى قَدْرِ
فَلَمّا الْتَقَيْنَا لَمْ تَكُنْ مَثْنَوِيّةٌ ... لَنَا غَيْرَ طَعْنٍ بِالْمُثَقّفَةِ السّمْرِ
وَضَرْبٍ بِبِيضِ يَخْتَلِي الْهَامَ حَدّهَا ... مُشَهّرَةِ الْأَلْوَانِ بَيّنَةِ الْأُثُرِ
وَنَحْنُ تَرَكْنَا عُتْبَةَ الْغَيّ ثَاوِيًا ... وَشَيْبَةَ فِي الْقَتْلَى تَجَرْجُمُ فِي الْجَفْرِ
وَعَمْرٌو ثَوَى فِيمَنْ ثَوَى مِنْ حُمَاتِهِمْ ... فَشُقّتْ جُيُوبُ النّائِحَاتِ عَلَى عَمْرِو
جُيُوبُ نِسَاءٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... كِرَامٍ تَفَرّعْنَ الذّوَائِبَ مِنْ فِهْرِ
أُولَئِكَ قَوْمٌ قُتّلُوا فِي ضَلَالِهِمْ ... وَخَلّوْا لِوَاءً غَيْرَ مُحْتَضَرِ النّصْرِ
لِوَاءَ ضَلَالٍ قَادَ إبْلِيسُ أَهْلَهُ ... فَخَاسَ بِهِمْ إنّ الْخَبِيثَ إلَى غَدْرِ
وَقَالَ لَهُمْ إذْ عَايَنَ الْأَمْرَ وَاضِحًا ... بَرِئْت إلَيْكُمْ مَا بِي الْيَوْمَ مِنْ صَبْرِ
فَإِنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَإِنّنِي ... أَخَافُ عِقَابَ اللّهِ وَاَللّهُ ذُو قَسْرِ
فَقَدّمَهُمْ لِلْحَيْنِ حَتّى تَوَرّطُوا ... وَكَانَ بِمَا لَمْ يَخْبُرْ الْقَوْمُ ذَا خُبْرِ
فَكَانُوا غَدَاةَ الْبِئْرِ أَلْفًا وَجَمْعُنَا ... ثَلَاثُ مِئِينٍ كَالْمُسَدّمَةِ الزّهْرِ
وَفِينَا جُنُودُ اللّهِ حِينَ يُمِدّنَا ... بِهِمْ فِي مَقَامٍ ثَمّ مُسْتَوْضَحِ الذّكْرِ
فَشَدّ بِهِمْ جِبْرِيلُ تَحْتَ لِوَائِنَا ... لَدَى مَأْزِقٍ فِيهِ مَنَايَاهُمْ تَجْرِي
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 186 ]
أَلَا يَا لَقَوْمِي لِلصّبَابَةِ وَالْهَجْرِ ... وَلِلْحُزْنِ مِنّي وَالْحَرَارَةِ فِي الصّدْرِ
وَلِلدّمْعِ مِنْ عَيْنَيّ جَوْدًا كَأَنّهُ ... فَرِيدٌ هَوَى مِنْ سِلْكٍ نَاظِمُهُ يَجْرِي
عَلَى الْبَطَلِ الْحُلْوِ الشّمَائِلِ إذْ ثَوَى ... رَهِينَ مَقَامٍ لِلرّكِيّةِ مِنْ بَدْرِ
فَلَا تَبْعُدْنَ يَا عَمْرُو مِنْ ذِي قُرَابَةٍ ... وَمِنْ ذِي نَدَمٍ كَانَ ذَا خُلُقٍ غَمْرِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ صَادَفُوا مِنْك دَوْلَةً ... فَلَا بُدّ لِلْأَيّامِ مِنْ دُوَلِ الدّهْرِ
فَقَدْ كُنْت فِي صَرْفِ الزّمَانِ الّذِي مَضَى ... هَوَانًا مِنْك ذَا سُبُلٍ وَعْرِ
فَإِلّا أَمُتْ يَا عَمْرُو أَتْرُكْ ثَائِرًا ... وَلَا أُبْقِ بُقْيَا فِي إخَاءٍ وَلَا صِهْرِ
وَأَقْطَعُ ظَهْرًا مِنْ رِجَالٍ بِمَعْشَرِ ... كِرَامٍ عَلَيْهِمْ مِثْلَ مَا قَطَعُوا ظَهْرِي
أَغُرّهُمْ مَا جَمّعُوا مِنْ وَشِيظَةٍ ... وَنَحْنُ الصّمِيمَ فِي الْقَبَائِلِ مِنْ فِهْرِ
فَيَالَ لُؤَيّ ذَبّبوا عَنْ حَرِيمِكُمْ ... وَآلِهَةٍ لَا تَتْرُكُوهَا لِذِي الْفَخْرِ
تَوَارَثَهَا آبَاؤُكُمْ وَوَرِثْتُمْ ... أَوَاسِيّهَا وَالْبَيْتَ ذَا السّقْفِ وَالسّتْرِ
فَمَا لِحَلِيمِ قَدْ أَرَادَ هَلَاكَكُمْ ... فَلَا تَعْذِرُوهُ آلَ غَالِبٍ مِنْ عُذْرِ
وَجِدّوا لِمَنْ عَادَيْتُمْ وَتَوَازَرُوا ... وَكُونُوا جَمِيعًا فِي التّأَسّي وَفِي الصّبْرِ
لَعَلّكُمْ أَنْ تَثْأَرُوا بِأَخِيكُمْ ... وَلَا شَيْءَ إنْ لَمْ تَثْأَرُوا بِذَوِي عَمْرِو
بِمُطَرّدَاتِ فِي الْأَكُفّ كَأَنّهَا ... وَمِيضٌ تُطِيرُ الْهَامَ بَيّنَةَ الْأُثْرِ
كَأَنْ مُدِبّ الذّرّ فَوْقَ مُتُونِهَا ... إذَا جُرّدَتْ يَوْمًا لِأَعْدَائِهَا الْخُزْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَبْدَلْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَصِيدَةِ كَلِمَتَيْنِ مِمّا رَوَى ابْنُ إسْحَاقَ ، وَهُمَا " الْفَخْرِ " فِي آخِرِ الْبَيْتِ و " فَمَا لِحَلِيمِ " فِي أَوّلِ الْبَيْتِ لِأَنّهُ نَالَ فِيهِمَا مِنْ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
Sأَشْعَارُ يَوْمَ بَدْرٍ
وَقَدْ قَدّمْنَا فِي آخِرِ حَدِيثِ الْهِجْرَةِ أَنّا لَا نَعْرِضُ لِشَرْحِ شَيْءٍ مِنْ الشّعْرِ الّذِي هُجِيَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ وَنَالَ فِيهِ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمُشْرِكُونَ إلّا شِعْرًا أَسْلَمَ صَاحِبُهُ وَتَكَلّمْنَا هُنَالِكَ عَلَى مَا قِيلَ فِي تِلْكَ الْأَشْعَارِ وَذَكَرْنَا قَوْلَ مَنْ طَعَنَ عَنْ ابْنِ إسْحَاقَ بِسَبَبِهَا هُنَالِكَ وَبَيّنّا الْحَقّ وَالْحَمْدُ لِلّهِ .
الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ
الشّعْرُ الْمَنْسُوبُ إلَى حَمْزَةَ فِيهِ وَمَا ذَاكَ إلّا أَنّ قَوْمًا أَفَادَهُمْ أَفَادَهُمْ أَهْلَكَهُمْ يُقَالُ فَادَ الرّجُلُ وَفَاظَ وَفَطَسَ وَفَازَ وَفَوّزَ إذَا هَلَكَ وَلَا يُقَالُ فَاضَ بِالضّادِ وَلَا يُقَالُ فَاظَتْ نَفْسُهُ إلّا فِي لُغَةِ بَنِي ضَبّةَ بْنِ أُدّ . وَقَوْلُهُ تَوَاصٍ هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الْوَصِيّةِ وَهُوَ الْفَاعِلُ بِأَفَادَهُمْ . [ ص 185 ] الْجَفْرِ . الْجَفْرُ كُلّ بِئْرٍ لَمْ تُطْوَ وَمِثْلُهَا : الْجَفْرَةُ وَيُجَرْجَمُ يُجْعَلُ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ . [ ص 186 ]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَلَمْ أَرَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يَعْرِفُهَا وَلَا نَقِيضَتَهَا ، وَإِنّمَا كَتَبْنَاهُمَا لِأَنّهُ يُقَالُ إنّ عَمْرَو بْنَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ جُدْعَانَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْر ٍ ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ ابْنُ إسْحَاقَ فِي الْقَتْلَى ، وَذَكَرَهُ فِي هَذَا الشّعْر [ ص 187 ]
أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أَبْلَى رَسُولَهُ ... بَلَاءَ عَزِيزٍ ذِي اقْتِدَارٍ وَذِي فَضْلِ
بِمَا أَنْزَلَ الْكُفّارَ دَارَ مَذَلّةٍ ... فَلَاقَوْا هَوَانًا مِنْ إسَارٍ وَمِنْ قَتْلِ
فَأَمْسَى رَسُولُ اللّهِ قَدْ عَزّ نَصْرُهُ ... وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ أُرْسِلَ بِالْعَدْلِ
فَجَاءَ بِفُرْقَانِ مِنْ اللّهِ مُنَزّلٍ ... مُبَيّنَةٌ آيَاتُهُ لِذَوِي الْعَقْلِ
فَآمَنَ أَقْوَامٌ بِذَاكَ وَأَيْقَنُوا ... فَأَمْسَوْا بِحَمْدِ اللّهِ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
وَأَنْكَرَ أَقْوَامٌ فَزَاغَتْ قُلُوبُهُمْ ... فَزَادَهُمْ ذُو الْعَرْشِ خَبْلًا عَلَى خَبْلِ
وَأَمْكَنَ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ رَسُولَهُ ... وَقَوْمًا غِضَابًا فِعْلُهُمْ أَحْسَنُ الْفِعْلِ
بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا ... وَقَدْ حَادَثُوهَا بِالْجَلَاءِ وَبِالصّقْلِ
فَكَمْ تَرَكُوا مِنْ نَاشِئٍ ذِي حَمِيّةٍ ... صَرِيعًا وَمِنْ ذِي نَجْدَةٍ مِنْهُمْ كَهْلِ
تَبِيتُ عُيُونُ النّائِحَاتِ عَلَيْهِمْ ... تَجُودُ بِإِسْبَالِ الرّشَاشِ وَبِالْوَبْلِ
نَوَائِحَ تَنْعَى عُتْبَةَ الْغَيّ وَابْنَهُ ... وَشَيْبَةَ تَنْعَاهُ وَتَنْعَى أَبَا جَهْلِ
وَذَا الرّجُلِ تَنْعَى وَابْنَ جُدْعَانَ فِيهُمُ ... مُسَلّبَةً حَرّى مُبَيّنَةَ الثّكْلِ
ثَوَى مِنْهُمْ فِي بِئْرِ بَدْرٍ عِصَابَةٌ ... ذَوِي نَجَدَاتٍ فِي الْحُرُوبِ وَفِي الْمَحْلِ
دَعَا الْغَيّ مِنْهُمْ مَنْ دَعَا فَأَجَابَهُ ... وَلِلْغَيّ أَسْبَابٌ مُرَمّقَةُ الْوَصْلِ
فَأَضْحَوْا لَدَى دَارِ الْجَحِيمِ بِمَعْزِلِ ... عَنْ الشّغَبِ وَالْعُدْوَانِ فِي أَشْغَلْ الشّغْلِ
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، فَقَالَ [ ص 188 ]
عَجِبْت لِأَقْوَامِ تَغَنّى سَفِيهُهُمْ ... بِأَمْرِ سَفَاهٍ ذِي اعْتِرَاضٍ وَذِي بُطْلِ
تَغَنّى بِقَتْلَى يَوْمَ بَدْرٍ تَتَابَعُوا ... كِرَامِ الْمَسَاعِي مِنْ غُلَامٍ وَمِنْ كَهْلِ
مَصَالِيتَ بِيضٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... مَطَاعِينَ فِي الْهَيْجَا مَطَاعِيمَ فِي الْمَحْلِ
أُصِيبُوا كِرَامًا لَمْ يَبِيعُوا عَشِيرَةً ... بِقَوْمِ سِوَاهُمْ نَازِحِي الدّارِ وَالْأَصْلِ
كَمَا أَصْبَحَتْ غَسّانُ فِيكُمْ بِطَانَةً ... لَكُمْ بَدَلًا مِنّا فَيَا لَك مِنْ فِعْلِ
عُقُوقًا وَإِنّمَا بَيّنًا وَقَطِيعَةً ... يَرَى جَوْرَكُمْ فِيهَا ذَوُو الرّأْيِ وَالْعَقْلِ
فَإِنْ يَكُ قَوْمٌ قَدْ مَضَوْا لِسَبِيلِهِمْ ... وَخَيْرُ الْمَنَايَا مَا يَكُونُ مِنْ الْقَتْلِ
فَلَا تَفْرَحُوا أَنْ تَقْتُلُوهُمْ فَقَتْلُهُمْ ... لَكُمْ كَائِنٌ خَبْلًا مُقِيمًا عَلَى خَبْلِ
فَإِنّكُمْ لَنْ تَبْرَحُوا بَعْدَ قَتْلِهِمْ ... شَتِيتًا هَوَاكُمْ غَيْرُ مُجْتَمِعِي الشّمْلِ
بِفَقْدِ ابْنِ جُدْعَانَ الْحَمِيدِ فِعَالُهُ ... وَعُتْبَةَ وَالْمَدْعُوّ فِيكُمْ أَبَا جَهْلِ
وَشَيْبَةَ فِيهُمُ وَالْوَلِيدَ وَفِيّهُمْ ... أُمَيّةُ مَأْوَى الْمُعْتَرِينَ وَذُو الرّجْلِ
أُولَئِكَ فَابْكِ ثُمّ لَا تَبْكِ غَيْرَهُمْ ... نَوَائِحُ تَدْعُو بِالرّزِيّةِ وَالثّكْلِ
وَقُولُوا لِأَهْلِ الْمَكّتَيْنِ تَحَاشَدُوا ... وَسِيرُوا إلَى آطَامِ يَثْرِبَ ذِي النّخْلِ
جَمِيعًا وَحَامُوا آلَ كَعْبٍ وذَبّبوا ... بِخَالِصَةِ الْأَلْوَانِ مُحْدَثَةِ الصّقْلِ
وَإِلّا فَبَيّتُوا خَائِفِينَ وَأَصْبِحُوا ... أَذَلّ لِوَطْءِ الْوَاطِئِينَ مِنْ النّعْلِ
عَلَى أَنّنِي وَاَللّاتِي يَا قَوْمُ فَاعْلَمُوا ... بِكُمْ وَاثِقٌ أَنْ لَا تُقِيمُوا عَلَى تَبْلِ
سِوَى جَمْعِكُمْ لِلسّابِغَاتِ وَلِلْقَنَا ... وَلِلْبِيضِ وَالْبِيضِ الْقَوَاطِعِ وَالنّبْلِ
Sشِعْرُ عَلِيّ
[ ص 187 ] وَقَالَ فِي الشّعْرِ الّذِي يُعْزَى إلَى عَلِيّ بِأَيْدِيهِمْ بِيضٌ خِفَافٌ عَصَوْا بِهَا يُقَالُ عَصَيْت بِالسّيْفِ وَعَصَوْت بِالْعَصَا ، فَإِذَا أَخْبَرْت عَنْ جَمَاعَةٍ قُلْت : عَصُوا بِضَمّ الصّادِ كَمَا يُقَالُ عَمُوا ، وَمِنْ الْعَصَا تَقُولُ عَصَوْا ، كَمَا تَقُولُ غَزَوْا . وَقَوْلُهُ مُسَلّبَةً أَيْ قَدْ لَبِسَتْ السّلَابَ وَهِيَ خِرْقَةٌ سَوْدَاءُ تَلْبَسُهَا الثّكْلَى . قَالَ لَبِيدٌ
وَإِنّنِي مُلَاعِبُ الرّمَاحِ ... وَمِدْرَهَ الْكَتِيبَةَ الرّدَاحِ
يَضْرِبْنَ حُرّ أَوْجُهٍ صِحَاحٍ ... فِي السّلُبِ السّودِ وَفِي الْأَمْسَاحِ
فَالسّلُبُ جَمْعُ سِلَابٍ . [ ص 188 ]

وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ بْنِ مِرْدَاسٍ ، أَخُو بَنِي مُحَارِبِ بْنِ فِهْرٍ فِي يَوْمِ بَدْرٍ [ ص 189 ]
عَجِبْت لِفَخْرِ الْأَوْسِ وَالْحَيْنُ دَائِرٌ ... عَلَيْهِمْ غَدًا وَالدّهْرُ فِيهِ بَصَائِرُ
وَفَخْرِ بَنِي النّجّارِ وَإِنْ كَانَ مَعْشَرٌ ... أُصِيبُوا بِبَدْرِ كُلّهِمْ ثَمّ صَابِرُ
فَإِنْ تَكُ قَتْلَى غُودِرَتْ مِنْ رِجَالِنَا ... فَإِنّا رِجَالٌ بَعْدَهُمْ سَنُغَادِرُ
وَتَرْدِي بِنّا الْجُرْدُ الْعَنَاجِيجُ وَسْطَكُمْ ... بَنِي الْأَوْسِ حَتّى يَشْفَى النّفْسَ ثَائِرُ
وَوَسْطَ بَنِي النّجّارِ سَوْفَ نَكُرّهَا ... لَهَا بِالْقَنَا وَالدّارِعِينَ زَوَافِرُ
فَنَتْرُكُ صَرْعَى تَعْصِبُ الطّيْرُ حَوْلَهُمْ ... وَلَيْسَ لَهُمْ إلّا الْأَمَانِيّ نَاصِرُ
وَتَبْكِيهِمْ مِنْ أَهْلِ يَثْرِبَ نِسْوَةٌ ... لَهُنّ بِهَا لَيْلٌ عَلَى النّوْمِ سَاهِرُ
وَذَلِكَ أَنّا لَا تَزَالُ سُيُوفُنَا ... بِهِنّ دَمٌ مِمّنْ يُحَارِبْنَ مَائِرُ
فَإِنْ تَظْفَرُوا فِي يَوْمِ بَدْرٍ فَإِنّمَا ... بِأَحْمَدَ أَمْسَى جَدّكُمْ وَهُوَ ظَاهِرُ
وَبِالنّفْرِ الْأَخْيَارِ هُمْ أَوْلِيَاؤُهُ ... يُحَامُونَ فِي اللّأْوَاءِ وَالْمَوْتُ حَاضِرُ
يُعَدّ أَبُو بَكْرٍ وَحَمْزَةُ فِيهُمُ ... وَيُدْعَى عَلِيّ وَسْطَ مَنْ أَنْتَ ذَاكِرُ
وَيُدْعَى أَبُو حَفْصٍ وَعُثْمَانُ مِنْهُمْ ... وَسَعْدٌ إذَا مَا كَانَ فِي الْحَرْبِ حَاضِرُ
أُولَئِكَ لَا مَنْ نَتّجَبُ فِي دِيَارِهَا ... بَنُو الْأَوْسِ وَالنّجّارِ حِينَ تُفَاخِرُ
وَلَكِنْ أَبُوهُمْ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... إذَا عُدّتْ الْأَنْسَابُ كَعْبٌ وَعَامِرُ
هُمْ الطّاعِنُونَ الْخَيْلَ فِي كُلّ مَعْرَكٍ ... غَدَاةَ الْهِيَاجِ الْأَطْيَبُونَ الْأَكَاثِرُ
فَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ فَقَالَ
عَجِبْت لِأَمْرِ اللّهِ وَاَللّهُ قَادِرٌ ... عَلَى مَا أَرَادَ لَيْسَ لِلّهِ قَاهِرُ
قَضَى يَوْمَ بَدْرٍ أَنْ نُلَاقِيَ مَعْشَرًا ... بَغَوْا وَسَبِيلُ الْبَغْيِ بِالنّاسِ جَائِرُ
وَقَدْ حَشَدُوا وَاسْتَنْفَرُوا مَنْ يَلِيهِمْ ... مِنْ النّاسِ حَتّى جَمْعُهُمْ مُتَكَاثِرُ
وَسَارَتْ إلَيْنَا لَا نُحَاوِلُ غَيْرَنَا ... بِأَجْمَعِهَا كَعْبٌ جَمِيعًا وَعَامِرُ
وَفِينَا رَسُولُ اللّهِ وَالْأَوْسُ حَوْلَهُ ... لَهُ مَعْقِلٌ مِنْهُمْ عَزِيزٌ وَنَاصِرُ
وَجَمْعُ بَنِي النّجّارِ تَحْتَ لِوَائِهِ ... يُمَشّونَ فِي الْمَاذِي وَالنّقْعُ ثَائِرُ
فَلَمّا لَقِينَاهُمْ وَكُلّ مُجَاهِدٌ ... لِأَصْحَابِهِ مُسْتَبْسِلُ النّفْسِ صَابِرُ
شَهِدْنَا بِأَنّ اللّهَ لَا رَبّ غَيْرَهُ ... وَأَنّ رَسُولَ اللّهِ بِالْحَقّ ظَاهِرُ
وَقَدْ عُرّيَتْ بِيضٌ خِفَافٌ كَأَنّهَا ... مَقَايِيسُ يُزْهِيهَا لِعَيْنَيْك شَاهِرُ
بِهِنّ أَبَدْنَا جَمْعَهُمْ فَتَبَدّدُوا ... وَكَانَ يُلَاقِي الْحَيْنَ مَنْ هُوَ فَاجِرُ
فَكُبّ أَوْ جَهِلَ صَرِيعًا لِوَجْهِهِ ... وَعُتْبَةُ قَدْ غَادَرْنَهُ وَهُوَ عَائِرُ
وَشَيْبَةُ وَالتّيْمِيّ غَادَرْنَ فِي الْوَغَى ... مَا مِنْهُمْ إلّا بِذِي الْعَرْشِ كَافِرُ
فَأَمْسَوْا وَقُودَ النّارِ فِي مُسْتَقَرّهَا ... وَكُلّ كَفُورٍ فِي جَهَنّمَ صَائِرُ
تَلَظّى عَلَيْهِمْ وَهِيَ قَدْ شَبّ حَمْيُهَا ... بِزُبُرِ الْحَدِيدِ وَالْحِجَارَةِ سَاجِرُ
وَكَانَ رَسُولُ اللّهِ قَدْ قَالَ أَقَبِلُوا ... فَوَلّوْا وَقَالُوا : إنّمَا أَنْتَ سَاحِرُ
لِأَمْرِ أَرَادَ اللّهُ أَنْ يَهْلِكُوا بِهِ ... وَلَيْسَ لِأَمْرِ حَمّهُ اللّهُ زَاجِرُ
[ ص 189 ]

[ ص 190 ] وَقَالَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَعْرَى السّهْمِيّ يَبْكِي قَتْلَى بَدْرٍ : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَتُرْوَى لِلْأَعْشَى بْنِ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ أَحَدِ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلِيفِ بَنِي نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : حَلِيفُ بَنِي عَبْدِ الدّارِ :
مَاذَا عَلَى بَدْرٍ وَمَاذَا حَوْلَهُ ... مِنْ فِتْيَةٍ بِيضِ الْوُجُوهِ كِرَامِ
تَرَكُوا نُبَيْهًا خَلْفَهُمْ وَمُنَبّهًا ... وَابْنَيْ رَبِيعَةَ خَيْرِ خَصْمِ فِئَامِ
وَالْحَارِثَ الْفَيّاضَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ ... كَالْبَدْرِ جَلّى لَيْلَةَ الْإِظْلَامِ
وَالْعَاصِيَ بْنَ مُنَبّهٍ ذَا مِرّةٍ ... رُمْحًا تَمِيمًا غَيْرَ ذِي أَوْصَامِ
تَنْمِي بِهِ أَعْرَاقُهُ وَجُدُودُهُ ... وَمَآثِرُ الْأَخْوَالِ وَالْأَعْمَامِ
وَإِذَا بَكَى بَاكٍ فَأَعْوَلَ شَجْوَهُ ... فَعَلَى الرّئِيسِ الْمَاجِدِ ابْنِ هِشَامِ
حَيّا الْإِلَهُ أَبَا الْوَلِيدِ وَرَهْطَهُ ... رَبّ الْأَنَامِ وَخَصّهُمْ بِسَلَامِ
فَأَجَابَهُ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ ، فَقَالَ
ابْكِ بَكَتْ عَيْنَاك ثُمّ تَبَادَرَتْ ... بِدَمِ تُعَلّ غُرُوبُهَا سَجّامِ
مَاذَا بَكَيْت بِهِ الّذِينَ تَتَابَعُوا ... هَلّا ذَكَرْت مَكَارِمَ الْأَقْوَامِ
وَذَكَرْت مِنّا مَاجِدًا ذَا هِمّةٍ ... سَمْحَ الْخَلَائِقِ صَادِقَ الْإِقْدَامِ
أَعْنِي النّبِيّ أَخَا الْمَكَارِمِ وَالنّدَى ... وَأَبَرّ مَنْ يُولِي عَلَى الْإِقْسَامِ
فَلِمِثْلِهِ وَلِمِثْلِ مَا يَدْعُو لَهُ ... كَانَ الْمُمَدّحَ ثَمّ غَيْرَ كَهَامِ

شِعْرٌ لِحَسّانِ فِي بَدْرٍ أَيْضًا
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيّ أَيْضًا [ ص 191 ] [ ص 192 ] [ ص 193 ]
تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ ... تَشْفِي الضّجِيعَ بِبَارِدِ بَسّامِ
كَالْمِسْكِ تَخْلِطُهُ بِمَاءِ سَحَابَةٍ ... أَوْ عَاتِقٍ كَدَمِ الذّبِيحِ مُدَامِ
نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَصّدٌ ... بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ
بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ ... فُضُلًا إذَا قَعَدَتْ مَدَاكُ رُخَامِ
وَتَكَادُ تَكْسَلُ أَنْ تَجِيءَ فِرَاشَهَا ... فِي جِسْمِ خَرْعَبَةٍ وَحُسْنِ قَوَامِ
أَمّا النّهَارُ فَلَا أَفْتُرُ ذِكْرَهَا ... وَاللّيْلُ تُوزِعُنِي بِهَا أَحْلَامِي
أَقْسَمْت أَنْسَاهَا وَأَتْرُكُ ذِكْرَهَا ... حَتّى تُغَيّبَ فِي الضّرِيحِ عِظَامِي
يَا مَنْ لِعَاذِلَةِ تَلُومُ سَفَاهَةٌ ... وَلَقَدْ عَصَيْت عَلَى الْهَوَى لُوّامِي
بَكَرَتْ عَلَيّ بِسُحْرَةِ بَعْدَ الْكَرَى ... وَتَقَارُبٍ مِنْ حَادِثِ الْأَيّامِ
زَعَمَتْ بِأَنّ الْمَرْءَ يَكْرُبُ عُمْرَهُ ... عَدَمٌ لِمُعْتَكِرِ مِنْ الْأَصْرَامِ
إنْ كُنْت كَاذِبَةَ الّذِي حَدّثْتنِي ... فَنَجَوْت مَنْجَى الْحَارِثِ بْنِ هِشَامِ
تَرَكَ الْأَحِبّةَ أَنْ يُقَاتِلَ دُونَهُمْ ... وَنَجَا بِرَأْسِ طِمِرّةٍ وَلِجَامِ
تَذَرُ الْعَنَاجِيحَ الْجِيَادَ بِقَفْرَةِ ... مَرّ الدّمُوكِ بِمُحْصَدِ وَرِجَامِ
مَلَأَتْ بِهِ الْفَرْجَيْنِ فَارْمَدّتْ بِهِ ... وَثَوَى أَحِبّتُهُ بِشَرّ مَقَامِ
وَبَنُو أَبِيهِ وَرَهْطُهُ فِي مَعْرَكٍ ... نَصَرَ الْإِلَهُ بِهِ ذَوِي الْإِسْلَامِ
طَحَنَتْهُمْ وَاَللّهُ يُنْفِذُ أَمْرَهُ ... حَرْبٌ يُشَبّ سَعِيرُهَا بِضِرَامِ
لَوْلَا الْإِلَهُ وَجَرْيُهَا لَتَرَكْنَهُ ... جَزَرَ السّبَاعِ وَدُسْنَهُ بِحَوَامِي
مِنْ بَيْنِ مَأْسُورٍ يُشَدّ وَثَاقُهُ ... صَقْرٍ إذَا لَاقَى الْأَسِنّةَ حَامِي
وَمُجَدّلٍ لَا يَسْتَجِيبُ لِدَعْوَةِ ... حَتّى تَزُولَ شَوَامِخُ الْأَعْلَامِ
بِالْعَارِ وَالذّلّ الْمُبَيّنِ إذْ رَأَى ... بِيضَ السّيُوفِ تَسُوقُ كُلّ هُمَامِ
بِيَدَيْ أَغَرّ إذَا انْتَمَى لَمْ يُخْزِهِ ... نَسَبُ الْقِصَارِ سَمَيْدَعٍ مِقْدَامِ
بِيضٌ إذَا لَاقَتْ حَدِيدًا صَمّمَتْ ... كَالْبَرْقِ تَحْتَ ظِلَالِ كُلّ غَمّامِ
Sحَوْلَ شِعْرِ حَسّانٍ
وَفِي شِعْرِ حَسّانٍ تَبَلَتْ فُؤَادَك فِي الْمَنَامِ خَرِيدَةٌ [ ص 190 ] [ ص 191 ] يَكُونَ أَرَادَ بِالْمَنَامِ النّوْمَ وَمَوْضِعَ النّوْمِ وَوَقْتَ النّوْمِ لِأَنّ مَفْعَلًا يَصْلُحُ فِي هَذَا كُلّهِ فِي ذَوَاتِ الْوَاوِ وَقَدْ تُسَمّى الْعَيْنُ أَيْضًا مَنَامًا ، لِأَنّهَا مَوْضِعُ النّوْمِ وَعَلَيْهِ تُؤُوّلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا } أَيْ فِي عَيْنِك ، وَيُقَوّيهِ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ { وَيُقَلّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ }
الْفَرْقُ بَيْنَ مَفْعَلٍ وَفَعْلٍ
وَلَا فَرْقَ عِنْدَ النّحْوِيّينَ بَيْنَ مَفْعَلٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَفَعْلٍ نَحْوَ مَضْرَبٍ وَضَرْبٍ وَمَنَامٍ وَنَوْمٍ وَكَذَلِكَ هُمَا فِي التّعْدِيَةِ سَوَاءٌ نَحْوَ ضَرَبَ زَيْدٌ عَمْرًا وَمَضْرَبُ زَيْدٌ عَمْرًا ، وَأَمّا فِي حُكْمِ الْبَلَاغَةِ وَالْعِلْمِ بِجَوْهَرِ الْكَلَامِ فَلَا سَوَاءَ فَإِنّ الْمَصْدَرَ إذَا حَدّدْته قُلْت : ضَرْبَةً وَنَوْمَةً وَلَا يُقَالُ مَضْرَبَةً وَلَا مَنَامَةً فَهَذَا فَرْقٌ وَفَرْقٌ آخَرُ تَقُولُ مَا أَنْتَ إلّا نَوْمٌ وَإِلّا سَيْرٌ إذَا قَصَدْت التّوْكِيدَ وَلَا يَجُوزُ مَا أَنْتَ إلّا مَنَامٌ وَإِلّا مَسِيرٌ وَمِنْ جِهَةِ النّظَرِ أَنّ الْمِيمَ لَمْ تُزَدْ إلّا لِمَعْنَى زَائِدٍ كَالزّوَائِدِ الْأَرْبَعِ فِي الْمُضَارِعِ وَعَلَى مَا قَالُوهُ تَكُونُ زَائِدَةً لِغَيْرِ مَعْنًى . فَإِنْ قُلْت : فَمَا ذَاكَ الْمَعْنَى الّذِي تُعْطِيهِ الْمِيمُ ؟ قُلْنَا : الْحَدَثُ يَتَضَمّنُ زَمَانًا وَمَكَانًا وَحَالًا ، فَالْمَذْهَبُ عِبَارَةٌ عَنْ الزّمَانِ الّذِي فِيهِ الذّهَابُ وَعَنْ الْمَكَانِ أَيْضًا ، فَهُوَ يُعْطِي مَعْنَى الْحَدَثِ وَشَيْئًا زَائِدًا عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا أَرَدْت الْحَدَثَ مَقْرُونًا بِالْحَالَةِ وَالْهَيْئَةِ الّتِي يَقَعُ عَلَيْهَا ، قَالَ اللّهُ سُبْحَانَهُ { وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللّيْلِ وَالنّهَارِ } فَأَحَالَ عَلَى التّفَكّرِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ الْمُسْتَمِرّةِ عَلَى الْبَشَرِ ثُمّ قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : { لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ } وَلَمْ يَقُلْ مَنَامٌ لِخُلُوّ هَذَا الْمَوْطِنِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ وَتَعَرّيه مِنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الزّائِدِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى ، وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ جَوْهَرَ الْكَلَامِ لَمْ يَعْرِفْ إعْجَازَ الْقُرْآنِ .
عَوْدٌ إلَى شِعْرِ حَسّانٍ
وَفِي هَذَا الشّعْرِ بُنِيَتْ عَلَى قَطَنٍ أَجَمّ كَأَنّهُ [ ص 192 ] وَأَجَمّ أَيْ لَا عِظَامَ فِيهِ . وَقَوْلُهُ كَأَنّهُ فُضُلًا ، نُصِبَ فُضُلًا عَلَى الْحَالِ أَيْ كَانَ قَطْعُهَا إذَا كَانَتْ فُضُلًا ، فَهُوَ حَالٌ مِنْ الْهَاءِ فِي : كَأَنّهُ وَإِنْ كَانَ الْفَضْلُ مِنْ صِفَةِ الْمَرْأَةِ لَا مِنْ صِفَةِ الْقَطَنِ وَلَكِنْ لَمّا كَانَ الْقَطَنُ بَعْضَهَا صَارَ كَأَنّهُ حَالٌ مِنْهَا ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ الضّمِيرِ فِي قَعَدَتْ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَعْمَلَ مَا بَعْدَ إذَا فِيمَا قَبْلَهَا ، وَالْفُضُلُ مِنْ النّسَاءِ وَالرّجَالِ الْمُتَوَشّحُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَالْمَدَاكُ صَلَاءَةُ الطّيبِ وَهُوَ مَفْعَلٌ مِنْ دُكْت أَدُوكُ إذَا دَقَقْت ، وَمِنْهُ الدّوْكَةُ وَالدّوكَةُ وَقَوْلُهُ مَرّ الدّمُوكِ يُقَالُ دَمَكَهُ دَمْكًا ، إذَا طَحَنَهُ طَحْنًا سَرِيعًا ، وَبَكَرَةٌ دَمُوكٌ أَيْ سَرِيعَةُ الْمَرّ وَكَذَلِكَ أَيْضًا : رَحَى دَمُوكٌ وَالْمُحْصَدُ الْحَبْلُ الْمُحْكَمُ الْفَتْلُ وَالرّجَامُ وَاحِدُ الرّجَامَيْنِ وَهُمَا الْخَشَبَتَانِ اللّتَانِ تُلْقَى عَلَيْهِمَا الْبَكَرَةُ وَالرّجَامُ أَيْضًا : جَمْعُ رُجْمَةٍ وَهِيَ حِجَارَةٌ مُجْتَمِعَةٌ جَمْعُ رَجَمٍ وَهُوَ الْقَبْرُ وَمِنْهُ قَوْلُ أَبِي الطّيّبِ
تَمَتّعْ مِنْ رُقَادٍ أَوْ سُهَادٍ ... وَلَا تَأْمَلْ كَرًى تَحْتَ الرّجَامِ
فَإِنّ لِثَالِثِ الْحَالَيْنِ مَعْنًى ... سِوَى مَعْنَى انْتِبَاهِك وَالْمَنَامِ
[ ص 193 ] الْأَلْوَانِ وَالْخُلُقِ عَزِيزٌ وَأَمّا انْقَضّ فَلَيْسَ مِنْهُ فِي شَيْءٍ لِأَنّك تَقُولُ فِي مَعْنَاهُ تَقَضّضَ الْبِنَاءُ فَالْقَافُ فَاءُ الْفِعْلِ وَكَذَلِكَ تَقَضّي الْبَازِي ، لِأَنّهُ مَعَهُ وَغَلِطَ الْفَسَوِيّ فِي الْإِيضَاحِ فَجَعَلَ يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضّ مِنْ بَابِ احْمَرّ وَإِنّمَا هُوَ مِنْ بَابِ انْقَدّ وَانْجَرّ وَالنّونُ زَائِدَةٌ وَوَزْنُهُ انْفَعَلَ وَكَذَلِكَ غَلِطَ الْقَالِي فِي النّوَادِرِ فَقَالَ فِي قَوْلِهِ وَجَرْيُهَا انْثِرَارٌ أَنّهُ افْعِلَالٌ مِنْ النّثْرِ كَمَا قَالَ الْفَسَوِيّ فِي الِانْقِضَاضِ وَإِنّمَا هُوَ انْفِعَالٌ مِنْ عَيْنٍ ثَرّةٍ أَيْ كَثِيرَةِ الْمَاءِ . وَدُسْنَهُ بِحَوَامّ يَعْنِي : الْحَوَافِرَ وَمَا حَوْلَ الْحَوَافِرِ يُقَالُ الْحَامِيَةُ وَجَمْعُهُ حَوَامّ .

شِعْرُ الْحَارِثِ فِي الرّدّ عَلَى حَسّانٍ
فَأَجَابَهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ ، فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ هِشَامٍ ، فَقَالَ [ ص 194 ]
اللّهُ أَعْلَمُ مَا تَرَكْت قِتَالَهُمْ ... حَتّى حَبَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِدِ
وَعَرَفْت أَنّي إنْ أُقَاتِلْ وَاحِدًا ... أُقْتَلْ وَلَا يَنْكِي عَدُوّي مَشْهَدِي
فَصَدَدْت عَنْهُمْ وَالْأَحِبّةُ فِيهُمُ ... طَمَعًا لَهُمْ بِعِقَابِ يَوْمٍ مُفْسِدِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : قَالَهَا الْحَارِثُ يَعْتَذِرُ مِنْ فِرَارِهِ يَوْمَ بَدْرٍ . قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْ قَصِيدَةِ حَسّانٍ ثَلَاثَةَ أَبْيَاتٍ مِنْ آخِرِهَا ، لِأَنّهُ أَقْذَعَ فِيهَا .
Sحَوْلَ شِعْرِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ
وَقَوْلِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ : حَتّى عَلَوْا مُهْرِي بِأَشْقَرَ مُزْبِد ِ يَعْنِي : الدّمَ وَمُزْبِدٌ قَدْ عَلَاهُ الزّبَدُ . [ ص 194 ] فِيهُمُ يَعْنِي مَنْ قُتِلَ أَوْ أُسِرَ مِنْ رَهْطِهِ وَإِخْوَتِهِ .

شِعْرُ لِحَسّانِ فِيهَا أَيْضًا
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ :
لَقَدْ عَلِمَتْ قُرَيْشٌ يَوْمَ بَدْرٍ ... غَدَاةَ الْأَسْرِ وَالْقَتْلِ الشّدِيدِ
بِأَنّا حِينَ تَشْتَجِرُ الْعَوَالِي ... حُمَاةُ الْحَرْبِ يَوْمَ أَبِي الْوَلِيدِ
قَتَلْنَا ابْنَيْ رَبِيعَةَ يَوْمَ سَارَا ... إلَيْنَا فِي مُضَاعَفَةِ الْحَدِيدِ
وَفَرّ بِهَا حَكِيمٌ يَوْمَ جَالَتْ ... بَنُو النّجّارِ تَخْطِرُ كَالْأُسُودِ
وَوَلّتْ عِنْدَ ذَاكَ جُمُوعُ فِهْرٍ ... وَأَسْلَمَهَا الْحُوَيْرِثُ مِنْ بَعِيدِ
لَقَدْ لَاقَيْتُمْ ذُلّا وَقَتْلًا ... جَهِيزًا نَافِذًا تَحْتَ الْوَرِيدِ
وَكُلّ الْقَوْمِ وَلّوْا جَمِيعًا ... وَلَمْ يَلْوُوا عَلَى الْحَسَبِ التّلِيدِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
يَا حَارّ قَدْ عَوّلْت غَيْرَ مُعَوّلٍ ... عِنْدَ الْهِيَاجِ وَسَاعَةَ الْأَحْسَابِ
إذْ تَمْتَطِي سُرُحَ الْيَدَيْنِ نَجِيبَةً ... مَرْطَى الْجِرَاءِ طَوِيلَةَ الْأَقْرَابِ
وَالْقَوْمُ خَلْفَك قَدْ تَرَكْت قِتَالَهُمْ ... تَرْجُو النّجَاءَ وَلَيْسَ حِينَ ذَهَابِ
أَلَا عَطَفْت عَلَى ابْنِ أُمّك إذْ ثَوَى ... قَعْصَ الْأَسِنّةِ ضَائِعَ الْأَسْلَابِ
عَجِلَ الْمَلِيكُ لَهُ فَأَهْلَكَ جَمْعَهُ ... بِشَنَارِ مُخْزِيَةٍ وَسُوءِ عَذَابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتًا وَاحِدًا أَقْذَعَ فِيهِ . [ ص 195 ]

[ ص 195 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا : قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَيُقَالُ بَلْ قَالَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الْحَارِثِ السّهْمِيّ :
مُسْتَشْعِرِي حَلَقِ الْمَاذِيّ يَقْدُمُهُمْ ... جَلْدُ النّحِيزَةِ مَاضٍ غَيْرُ رِعْدِيدِ
أَعْنِي رَسُولَ إلَهِ الْخَلْقِ فَضّلَهُ ... عَلَى الْبَرّيّةِ بِالتّقْوَى وَبِالْجُودِ
وَقَدْ زَعَمْتُمْ بِأَنْ تَحْمُوا ذِمَاركُمْ ... وَمَاءُ بَدْرٍ زَعَمْتُمْ غَيْرَ مَوْرُودِ
ثُمّ وَرَدْنَا وَلَمْ نَسْمَعْ لِقَوْلِكُمْ ... حَتّى شَرِبْنَا رُوَاءَ غَيْرَ تَصْرِيدِ
مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلِ غَيْرِ مُنْجَدِمٍ ... مُسْتَحْكَمٍ مِنْ حِبَالِ اللّهِ مَمْدُودِ
فِينَا الرّسُولُ وَفِينَا الْحَقّ نَتْبَعُهُ ... حَتّى الْمَمَاتِ وَنَصْرٌ غَيْرُ مَحْدُودِ
وَافٍ وَمَاضٍ شِهَابٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ ... بَدْرٌ أَنَارَ عَلَى كُلّ الْأَمَاجِيدِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : بَيْتُهُ " مُسْتَعْصِمِينَ بِحَبْلِ غَيْرِ مُنْجَذِمٍ " عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
خَابَتْ بَنُو أَسَدٍ وَآبَ غَزِيّهُمْ ... يَوْمَ الْقَلِيبِ بِسَوْءَةٍ وفُضُوحِ
مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِي تَجَدّلَ مُقْعَصًا ... عَنْ ظَهْرِ صَادِقَةِ النّجَاءِ سَبُوحِ
حَيْنًا لَهُ مِنْ مَانِعٍ بِسِلَاحِهِ ... لَمّا ثَوَى بِمَقَامِهِ الْمَذْبُوحِ
وَالْمَرْءُ زَمْعَةُ قَدْ تَرَكْنَ وَنَحْرَهُ ... يُدْمِي بِعَانِدِ مُغْبَطٍ مَسْفُوحِ
مُتَوَسّدًا حُرّ الْجَبِينِ مُعَفّرًا ... قَدْ عُرّ مَارِنُ أَنْفِهِ بِقُبُوحِ
وَنَجَا ابْنُ قَيْسٍ فِي بَقِيّةِ رَهْطِهِ ... بِشَفَا الرّمَاقِ مُوَلّيًا بِجُرُوحِ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا [ ص 196 ]
أَلَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَتَى أَهْلَ مَكّةَ ... إبَارَتُنَا الْكُفّارَ فِي سَاعَةِ الْعُسْرِ
قَتَلْنَا سَرَاةَ الْقَوْمِ عِنْدَ مَجَالِنَا ... فَلَمْ يَرْجِعُوا إلّا بِقَاصِمَةِ الظّهْرِ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ
قَتَلْنَا سُوَيْدًا ثُمّ عُتْبَةَ بَعْدَهُ ... وَطُعْمَةَ أَيْضًا عِنْدَ ثَائِرَةِ الْقَتْرِ
فَكَمْ قَدْ قَتَلْنَا مِنْ كَرِيمٍ مُرَزّإِ ... لَهُ حَسَبٌ فِي قَوْمِهِ نَابِهُ الذّكْرِ
تَرَكْنَاهُمْ لِلْعَاوِيَاتِ يَنُبْنَهُمْ ... وَيَصْلَوْنَ نَارًا بَعْدَ حَامِيَةِ الْقَمْرِ
لَعُمْرك مَا حَامَتْ فَوَارِسُ مَالِكٍ ... وَأَشْيَاعُهُمْ يَوْمَ الْتَقَيْنَا عَلَى بَدْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ
قَتَلْنَا أَبَا جَهْلٍ وَعُتْبَةَ قَبْلَهُ ... وَشَيْبَةُ يَكْبُو لِلْيَدَيْنِ وَلِلنّحْرِ

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا :
نَجّى حَكِيمًا يَوْمَ بَدْرٍ شَدّهُ ... كَنَجَاءِ مُهْرٍ مِنْ بَنَاتِ الْأَعْوَجِ
لَمّا رَأَى بَدْرًا تَسِيلُ جِلَاهُهُ ... بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ
لَا يَنْكُلُونَ إذَا لَقُوا أَعْدَاءَهُمْ ... يَمْشُونَ عَائِدَةَ الطّرِيقِ الْمَنْهَجِ
كَمْ فِيهُمُ مِنْ مَاجِدٍ ذِي مَنْعَةٍ ... بَطَلٍ بِمَهْلَكَةِ الْجَبَانِ الْمُحْرَجِ
وَمُسَوّدٍ يُعْطِي الْجَزِيلَ بِكَفّهِ ... حَمّالِ أَثْقَالِ الدّيَاتِ مُتَوّجِ
زَيْنِ النّدِيّ مُعَاوِدٍ يَوْمَ الْوَغَى ... ضَرْبَ الْكُمَاةِ بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَجِ
[ ص 197 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : قَوْلُهُ سَلْجَجِ عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
Sعَوْدٌ إلَى حَسّانٍ
[ ص 196 ] بِكَتِيبَةِ خَضْرَاءَ مِنْ بَلْخَزْرَجِ الْعَرَبُ تَجْعَلُ الْأَسْوَدَ أَخْضَرَ فَتَقُولُ لَيْلٌ أَخْضَرُ كَمَا قَالَ [ ذُو الرّمّةِ ] :
قَدْ أَعْسَفَ النّازِحُ الْمَجْهُولُ مَعْسَفُهُ ... فِي ظِلّ أَخْضَرَ يَدْعُو هَامَةَ الْبُومِ
وَتُسَمّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ إذَا اشْتَدّتْ خُضْرَتُهُ وَفِي التّنْزِيلِ مُدْهَامّتَانِ قَالَ أَهْلُ التّأْوِيلِ سَوْدَاوَانِ مِنْ شِدّةِ الْخُضْرَةِ . وَقَوْلُهُ بِكُلّ أَبْيَضَ سَلْجَجِ وَهُوَ السّيْفُ الْمَاضِي الّذِي يَقْطَعُ الضّرْبَةَ بِسُهُولَةِ وَمَعَهُ الْمَثَلُ الْأَخْذُ سَلَجَانَ وَالْقَضَاءُ لِيّانْ أَيْ الْأَخْذُ سَهْلٌ يَسُوغُ فِي الْحَلْقِ بِلَا عُسْرٍ كَمَا قَالُوا : الْأَخْذُ سُرّيْطٌ [ وَسُرّيْطَى ] وَالْقَضَاءُ ضُرّيْطٌ [ وَضُرّيْطَى ] فَسُرّيْطٌ مِنْ سَرِطْت الشّيْءَ إذَا [ ص 197 ] فَسَلْجَجُ مِنْ هَذَا ، إلّا أَنّهُمْ ضَاعَفُوا الْجِيمَ كَمَا ضَاعَفُوا الدّالَ مِنْ مَهْدَدِ وَلَمْ يُدْغِمُوا إلّا أَنّهُمْ أَلْحَقُوهُ بِجَعْفَرِ . وَقَوْلُهُ بَلْخَزْرَجِ أَرَادَ بَنِي الْخَزْرَجِ ، فَحَذَفَ النّونَ لِأَنّهَا مِنْ مَخْرَجِ اللّامِ وَهُمْ يَحْذِفُونَ اللّامَ فِي مِثْلِ عَلْمَاءِ وَظِلْتُ كَرَاهِيَةَ اجْتِمَاعِ اللّامَيْنِ وَكَذَلِكَ أَحَسْتُ كَرَاهِيَةَ التّضْعِيفِ وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا - تَرِبَتْ يَمِينُك وَأُلْتِ أَرَادَتْ أُلِلْتِ أَيْ طُعِنْت مِنْ قَوْلِهِمْ مَالُهُ أُلّ وَغُلّ ، وَيُرْوَى : أُلّتْ فَتَكُونُ التّاءُ عَلَمًا لِلتّأْنِيثِ أَيْ أُلّتْ يَدُك ، وَعِنْدَنَا فِيهِ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ وَهِيَ تَرِبَتْ يَدَاك وَأُلّتِ بِكَسْرِ التّاءِ وَتَشْدِيدِ اللّامِ وَهِيَ عَلَى لُغَةِ مَنْ يَقُولُ فِي : رَدَدْتِ رَدّتْ فَيُدْغِمُ مَعَ ضَمِيرِ الْفَاعِلِ وَهِيَ لُغَةٌ حَكَاهَا سِيبَوَيْهِ [ مِنْ أَحْكَامِ الْأَفْعَالِ الْمَبْنِيّةِ عَلَى صِيغَةِ الْمَبْنِيّ لِلْمَجْهُولِ ]

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ حَسّانٌ أَيْضًا :
فَمَا نَخْشَى بِحَوْلِ اللّهِ قَوْمًا ... وَإِنْ كَثُرُوا وَأُجْمِعَتْ الزّحُوفُ
إذَا مَا أَلّبُوا جَمْعًا عَلَيْنَا ... كَفَانَا حَدّهُمْ رَبّ رَءُوفُ
سَمَوْنَا يَوْمَ بَدْرٍ بِالْعَوَالِي ... سِرَاعًا مَا تُضَعْضِعُنَا الْحُتُوفُ
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِي النّاسِ أَنْكَى ... لِمَنْ عَادُوا إذَا لَقِحَتْ كُشُوفُ
وَلَكِنّا تَوَكّلْنَا وَقُلْنَا ... مَآثِرُنَا وَمَعْقِلُنَا السّيُوفُ
لَقِينَاهُمْ بِهَا لَمّا سَمَوْنَا ... وَنَحْنُ عِصَابَةٌ وَهُمْ أُلُوفُ
[ ص 198 ] وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا ، يَهْجُو بَنِي جُمَحَ وَمَنْ أُصِيبَ مِنْهُمْ
جَمَحَتْ بَنُو جُمَحٍ لِشِقْوَةِ جَدّهِمْ ... إنّ الذّلِيلَ مُوَكّلُ بِذَلِيلِ
قُتِلَتْ بَنُو جُمَحٍ بِبَدْرِ عِنْوَةً ... وَتَخَاذَلُوا سَعْيًا بِكُلّ سَبِيلِ
جَحَدُوا الْكِتَابَ وَكَذّبُوا بِمُحَمّدِ ... وَاَللّهُ يُظْهِرُ دِينَ كُلّ رَسُولِ
لَعَنَ الْإِلَهُ أَبَا خُزَيْمَةَ وَابْنَهُ ... وَالْخَالِدَيْنِ وَصَاعِدَ بْنَ عَقِيلِ

شِعْرُ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي قَطْعِ رِجْلِهِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُطّلِبِ فِي يَوْمِ بَدْرٍ وَفِي قَطْعِ رِجْلِهِ حِينَ أُصِيبَ فِي مُبَارَزَتِهِ هُوَ وَحَمْزَةَ وَعَلِيّ حِينَ بَارَزُوا عَدُوّهُمْ - قَالَ ابْنُ هِشَامٍ ، وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِعُبَيْدَةَ
سَتَبْلُغُ عَنّا أَهْلَ مَكّةَ وَقْعَةٌ ... يَهُبّ لَهَا مَنْ كَانَ عَنْ ذَاكَ نَائِيَا
بِعُتْبَةَ إذْ وَلّى وَشَيْبَةُ بَعْدَهُ ... وَمَا كَانَ فِيهَا بِكْرُ عُتْبَةَ رَاضِيَا
فَإِنْ تَقْطَعُوا رِجْلِي فَإِنّي مُسْلِمٌ ... أُرَجّي بِهَا عَيْشًا مِنْ اللّهِ دَانِيَا
مَعَ الْحُورِ أَمْثَالِ التّمَاثِيلِ أَخَلِصَتْ ... مَعَ الْجَنّةِ الْعُلْيَا لِمَنْ كَانَ عَالِيَا
وَبِعْت بِهَا عَيْشًا تَعَرّقْتُ صَفْوَهُ ... وَعَالَجْته حَتّى فَقَدْت الْأَدَانِيَا
فَأَكْرَمَنِي الرّحْمَنُ مِنْ فَضْلِ مَنّهِ ... بِثَوْبِ مِنْ الْإِسْلَامِ غَطّى الْمَسَاوِيَا
وَمَا كَانَ مَكْرُوهًا إلَيّ قِتَالُهُمْ ... غَدَاةَ دَعَا الْأَكْفَاءَ مَنْ كَانَ دَاعِيَا
وَلَمْ يَبْغِ إذْ سَأَلُوا النّبِيّ سَوَاءَنَا ... ثَلَاثَتَنَا حَتّى حَضَرْنَا الْمُنَادِيَا
لَقِينَاهُمْ كَالْأُسْدِ تَخْطِرُ بِالْقَنَا ... نُقَاتِلُ فِي الرّحْمَنِ مَنْ كَانَ عَاصِيَا
فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا مِنْ مَقَامِنَا ... ثَلَاثَتِنَا حَتّى أُزِيرُوا الْمَنَائِيَا
[ ص 199 ] قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : لَمّا أُصِيبَتْ رِجْلُ عُبَيْدَةَ قَالَ أَمَا وَاَللّهِ لَوْ أَدْرَكَ أَبُو طَالِبٍ هَذَا الْيَوْمَ لَعَلِمَ أَنّي أَحَقّ مِنْهُ بِمَا قَالَ حِينَ يَقُولُ
كَذَبْتُمْ وَبَيْتِ اللّهِ يُبْزَى مُحَمّدٌ ... وَلَمّا نُطَاعِنْ دُونَهُ وَنُنَاضِلْ
وَنُسْلِمُهُ حَتّى نُصْرَعَ حَوْلَهُ ... وَنَذْهَلُ عَنْ أَبْنَائِنَا وَالْحَلَائِلِ
وَهَذَانِ الْبَيْتَانِ فِي قَصِيدَةٍ لِأَبِي طَالِبٍ وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِيمَا مَضَى مِنْ هَذَا الْكِتَابِ .

رِثَاءُ كَعْبٍ لِعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : فَلَمّا هَلَكَ عُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ مِنْ مُصَابِ رِجْلِهِ يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ الْأَنْصَارِيّ يَبْكِيهِ
أَيَا عَيْنُ جُودِي وَلَا تَبْخَلِي ... بِدَمْعِك حَقّا وَلَا تَنْزُرِي
عَلَى سَيّدٍ هَدّنَا هُلْكُهُ ... كَرِيمِ الْمَشَاهِدِ وَالْعُنْصُرِ
جَرِيءِ الْمَقْدِمِ شَاكِي السّلَاحِ ... كَرِيمِ النّثَا طَيّبِ الْمَكْسِرِ
عُبَيْدَةَ أَمْسَى وَلَا نَرْتَجِيهِ ... لِعُرْفِ عَرَانَا وَلَا مُنْكِرِ
وَقَدْ كَانَ يَحْمِي غَدَاةَ الْقِتَا ... لِ حَامِيَةَ الْجَيْشِ بِالْمِبْتِرِ

شِعْرٌ لِكَعْبِ فِي بَدْرٍ
[ ص 200 ] وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا ، فِي يَوْمِ بَدْرٍ
أَلَا هَلْ أَتَى غَسّانَ فِي نَأْيِ دَارِهَا ... وَأَخْبَرُ شَيْءٍ بِالْأُمُورِ عَلِيمُهَا
بِأَنْ قَدْ رَمَتْنَا عَنْ قِسِيّ عَدَاوَةٍ ... مَعَدّ مَعًا جُهّالُهَا وَحَلِيمُهَا
لِأَنَا عَبَدْنَا اللّهَ لَمْ نَرْجُ غَيْرَهُ ... رَجَاءَ الْجِنَانِ إذْ أَتَانَا زَعِيمُهَا
نَبِيّ لَهُ فِي قَوْمِهِ إرْثُ عِزّةٍ ... وَأَعْرَاقُ صِدْقٍ هَذّبَتْهَا أُرُومُهَا
فَسَارُوا وَسِرْنَا فَالْتَقَيْنَا كَأَنّنَا ... أُسُودُ لِقَاءٍ لَا يُرْجَى كَلِيمُهَا
ضَرَبْنَاهُمْ حَتّى هَوَى فِي مَكَرّنَا ... لِمَنْخِرِ سَوْءٍ مِنْ لُؤَيّ عَظِيمُهَا
فَوَلّوْا وَدُسْنَاهُمْ بِبِيضِ صَوَارِمَ ... سَوَاءٌ عَلَيْنَا حِلْفُهَا وَصَمِيمُهَا
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا :
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا ابْنَيْ لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ
لَمَا حَامَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَلَا صَبَرُوا بِهِ عِنْدَ اللّقَاءِ
وَرَدْنَاهُ بِنُورِ اللّهِ يَجْلُو ... دُجَى الظّلْمَاءِ عَنّا وَالْغِطَاءِ
رَسُولُ اللّهِ يَقْدُمُنَا بِأَمْرِ ... مِنْ أَمْرِ اللّهِ أُحْكِمَ بِالْقَضَاءِ
فَمَا ظَفَرَتْ فَوَارِسُكُمْ بِبَدْرِ ... وَمَا رَجَعُوا إلَيْكُمْ بِالسّوَاءِ
فَلَا تَعْجَلْ أَبَا سُفْيَانَ وَارْقُبْ ... جِيَادَ الْخَيْلِ تَطْلُعُ مِنْ كَدَاءِ
بِنَصْرِ اللّهِ رُوحُ الْقُدْسِ فِيهَا ... وَمِيكَالُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ
Sوَذَكَرَ شِعْرَ كَعْبٍ وَفِيهِ
لَعَمْرُ أَبِيكُمَا يَا ابْنَيْ لُؤَيّ ... عَلَى زَهْوٍ لَدَيْكُمْ وَانْتِخَاءِ
الِانْتِخَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ النّخْوَةِ وَيُقَالُ نُخِيَ الرّجُلُ وَانْتَخَى . وَمِنْ الزّهْوِ زُهِيَ وَازْدَهَى ، وَلَا يَكُونُ الْأَمْرُ مِنْ مِثْلِ هَذَا إلّا بِاللّامِ لِأَنّ الْفِعْلَ فِيهِ لِغَيْرِ الْمُخَاطَبِ وَإِذَا أُمِرَ مَنْ لَيْسَ بِمُخَاطَبِ فَإِنّمَا يُؤْمَرُ بِاللّامِ كَقَوْلِك : لِتُزْهَ يَا فُلَانٌ وَلِتُعْنَ بِحَاجَتِي ، وَكَانَ الْقِيَاسُ أَيْضًا أَنْ لَا يُقَالَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ مَا أَفْعَلَهُ وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ كَذَا ، كَمَا لَا يُقَالُ فِي الْمَرْكُوبِ مَا أَرْكَبَهُ وَلَا فِي الْمَضْرُوبِ مَا أَضْرَبَهُ وَلَكِنّهُ قَدْ جَاءَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا أَزْهَاهُ وَمَا أَعْنَاهُ بِحَاجَتِي ، وَقَالُوا : هُوَ أَشْغَلُ مِنْ ذَاتِ النّحْيَيْنِ وَهُوَ أَزْهَى مِنْ غُرَابٍ وَالْفِعْلُ فِي هَذَا كُلّهِ زُهِيَ وَشُغِلَ فَهُوَ مَشْغُولٌ وَمَزْهُوّ . وَقِيلَ فِي الْمَجْنُونِ مَا أَجَنّهُ حَكَاهُ أَبُو [ ص 198 ] الْجَرْمِيّ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ : وَاعْلَمْ أَنّ الْعَرَبَ تُقَدّمُ فِي كَلَامِهَا مَا هُمْ بِهِ أَهَمّ ، وَهُمْ بِبَيَانِهِ أَعْنَى ، وَإِنْ كَانَ جَمِيعًا يَهُمّانِهِمْ وَيَعْنِيَانِهِمْ فَقَالَ أَهَمّ وَأَعْنَى ، وَهُوَ مِنْ هَمّهِمْ وَعَنَاهُمْ فَهُمْ بِهِ مَعْنِيّونَ مِثْلَ مَضْرُوبُونَ فَجَازَ فِي هَذِهِ الْأَفْعَالِ مَا تَرَى ، وَسَبَبُ جَوَازِهِ أَنّ الْمَفْعُولَ فِيهَا فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى ، فَالْمَزْهُوّ مُتَكَبّرٌ وَكَذَا الْمَنْخُوّ وَالْمَشْغُولُ مُشْتَغِلٌ وَفَاعِلٌ لِشُغْلِهِ وَالْمَعْنِيّ بِالْأَمْرِ كَذَلِكَ وَالْمَجْنُونُ كَالْأَحْمَقِ فَيُقَالُ مَا أَجَنّهُ كَمَا يُقَالُ مَا [ ص 199 ] أَحْمَقَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَضْرُوبٌ وَلَا مَرْكُوبٌ وَلَا مَشْتُومٌ وَلَا مَمْدُوحٌ فَلَا يُقَالُ فِي شَيْءٍ مِنْهُ مَا أَفْعَلَهُ وَلَا هُوَ أَفْعَلُ مِنْ غَيْرِهِ . فَإِنْ قُلْت : فَكَانَ يَنْبَغِي عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا أَنْ يُؤْمَرَ فِيهِ بِغَيْرِ اللّامِ كَمَا يُؤْمَرُ الْفَاعِلُ إذًا ، وَقَدْ قُلْتُمْ أَنّهُ فَاعِلٌ فِي الْمَعْنَى فَالْجَوَابُ أَنّ الْأَمْرَ إنّمَا هُوَ بِلَفْظِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ تَضْرِبُ وَتَخْرُجُ فَإِذَا أَمَرْت حَذَفْت حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ وَبَقِيَتْ حُرُوفُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَتِهَا ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ زُهِيت فَأَنْتَ تُزْهَى ، وَلَا شُغِلْت فَأَنْتَ تُشْغَلُ لِأَنّك لَوْ حَذَفْت مِنْهُ حَرْفَ الْمُضَارَعَةِ لَبَقِيَ لَفْظُ الْفِعْلِ عَلَى بِنْيَةٍ لَيْسَتْ لِلْغَائِبِ وَلَا لِلْمُخَاطَبِ لِأَنّ بِنْيَةَ الْأَمْرِ لِلْمُخَاطَبِ افْعَلْ وَبِنْيَتُهُ لِلْغَائِبِ فَلْيَفْعَلْ وَالْبِنْيَةُ الّتِي قَدّرْنَاهَا لَا تَصْلُحُ لِوَاحِدِ مِنْهُمَا ، لِأَنّك كُنْت : تَقُولُ أَزْهَى مِنْ زُهِيت ، وَكُنْت تَقُولُ مِنْ شُغِلْت أَشْغَلُ فَتَخْرُجُ مِنْ بَابِ شُغِلْت فَأَنْتَ مَشْغُولٌ إلَى بَابِ شَغَلْت غَيْرَك ، فَأَنْتَ شَاغِلٌ فَلَمْ يَسْتَقِمْ فِيهِ الْأَمْرُ إلّا بِاللّامِ . [ ص 200 ] وَمِيكَالُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ
أَرَادَ الْمَلَأَ وَلَيْسَ مِنْ بَابِ مَدّ الْمَقْصُورِ إذْ لَا يَجُوزُ فِي عَصَى عَصَاءٌ وَلَا فِي رَحَى : رَحَاءٌ فِي الشّعْرِ وَلَا فِي الْكَلَامِ وَإِنْ كَانُوا قَدْ أَشْبَعُوا الْحَرَكَاتِ فِي الضّرُورَةِ فَقَالُوا : فِي الْكَلْكَلِ الْكَلْكَالَ وَفِي الصّيَارِفِ الصّيَارِيفَ وَلَكِنّ مَدّ الْمَقْصُورِ أَبْعَدُ مِنْ هَذَا ، لِأَنّ زِيَادَةَ [ ص 201 ] زِيَادَةُ أَلِفٍ وَهَمْزُ مَا لَيْسَ بِمَهْمُوزِ غَيْرَ أَنّهُ قَدْ جَاءَ فِي شِعْرِ طَرَفَةَ وَكَشْحَانِ لَمْ يَنْقُصْ طَوَاءَهُمَا الْحَبَلْ
[ ص 202 ] طَرَفَةَ فِي أَنّهُ لَمْ يُرِدْ الطّوَى الّذِي هُوَ مَصْدَرُ طَوِيَ يَطْوِي : إذَا جَاعَ وَخَوِيَ بَطْنُهُ وَإِنّمَا أَرَادَ رِقّةَ الْخَصْرِ وَذَلِكَ جَمَالٌ فِي الْمَرْأَةِ وَكَمَالٌ فِي الْخِلْقَةِ فَجَاءَ بِاللّفْظِ عَلَى وَزْنِ جَمَالٍ وَكَمَالٍ وَظَهَرَ فِي لَفْظِهِ كَانَ فِي نَفْسِهِ وَالْعَرَبُ تَنْحُو بِالْكَلِمَةِ إلَى وَزْنِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهَا ، وَقَدْ مَضَى مِنْهُ كَثِيرٌ وَسَيَرِدُ عَلَيْك مَا هُوَ أَكْثَرُ . [ ص 203 ] كَانَ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَإِنّ هَمْزَتَهُ تُقْلَبُ أَلِفًا فِي الْوَقْفِ بِإِجْمَاعِ نَعَمْ وَفِي الْوَصْلِ فِي بَعْضِ اللّغَاتِ فَيَكُونُ الْأَلِفُ عِوَضًا مِنْ الْهَمْزَةِ وَقَدْ [ ص 204 ] قَالُوا : هَرَاقَ الْمَاءَ وَإِنّمَا كَانَتْ الْهَاءُ بَدَلًا مِنْ الْهَمْزَةِ فَجَمَعُوا بَيْنَهُمَا ، وَقَالُوا فِي النّسَبِ إلَى فَمٍ فَمَوِيّ وَقَالُوا : فِي النّسَبِ إلَى الْيَمَنِ : [ ص 205 ] قَالُوا : يَمَانٍ فَعَوّضُوا الْأَلِفَ مِنْ إحْدَى الْيَاءَيْنِ ثُمّ قَالُوا : يَمَانِيّ بِالتّشْدِيدِ فَجَمَعُوا بَيْنَ الْعِوَضِ وَالْمُعَوّضِ مِنْهُ فَيَا طِيبَ الْمَلَاءِ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ الْخَطَاءُ فِي الْخَطَأِ . قَالَ الشّاعِرُ
فَكُلّهُمْ مُسْتَقْبِحٍ لِصَوَابِ مَنْ ... يُخَالِفُهُ مُسْتَحْسِنٌ لِخَطَائِهِ
[ ص 206 ] قَالَ وَرَقَةُ إلّا مَا غَفَرْت خَطَائِيَا
( فَإِنْ قِيلَ ) : فَقَدْ أَنْشَدَ أَبُو عَلِيّ فِي مَدّ الْمَقْصُورِ
يَا لَك مِنْ تَمْرٍ وَمِنْ شِيشَاءِ ... يَنْشَبُ فِي الْمَسْعَلِ وَاللّهَاءِ
[ ص 207 ] أَرَادَ جَمْعَ لَهَاةٍ . قُلْنَا : يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُوَلّدًا ، وَإِنْ كَانَ عَرَبِيّا ، فَلَعَلّ الرّوَايَةَ فِيهِ اللّهَاءُ بِكَسْرِ اللّامّ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ أَكَمَةَ وَإِكَامٍ وَقَدْ ذَكَرَهَا أَبُو عُبَيْدٍ فِي الْغَرِيبِ الْمُصَنّفُ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ .

شِعْرُ طَالِبٍ فِي مَدْحِ الرّسُولِ وَبُكَاءُ أَصْحَابِ الْقَلِيبِ
[ ص 201 ] وَقَالَ طَالِبُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، يَمْدَحُ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَيَبْكِي أَصْحَابَ الْقَلِيبِ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ
أَلَا إنّ عَيْنِي أَنْفَدَتْ دَمْعَهَا سَكْبًا ... تَبْكِي عَلَى كَعْبٍ وَمَا إنْ تَرَى كَعْبَا
أَلَا إنّ كَعْبًا فِي الْحُرُوبِ تَخَاذَلُوا ... وَأَرْدَاهُمْ ذَا الدّهْرُ وَاجْتَرَحُوا ذَنْبَا
وَعَامِرٌ تَبْكِي لِلْمُلِمّاتِ غُدْوَةً ... فَيَالَيْتَ شِعْرِي هَلْ أَرَى لَهُمَا قُرْبَا
هُمَا أَخَوَايَ لَنْ يُعَدّا لِغِيّةِ ... تَعُدّ وَلَنْ يَسْتَامَ جَارُهُمَا غَصْبَا
فَيَا أَخَوَيْنَا عَبْدَ شَمْسٍ وَنَوْفَلًا ... فِدَا لَكُمَا لَا تَبْعَثُوا بَيْنَنَا حَرْبَا
وَلَا تُصْبِحُوا مِنْ بَعْدِ وُدّ وَأُلْفَةٍ ... أَحَادِيثَ فِيهَا كُلّكُمْ يَشْتَكِي النّكْبَا
أَلَمْ تَعْلَمُوا مَا كَانَ فِي حَرْبِ دَاحِسٍ ... وَجَيْشُ أَبِي يَكْسُو مَلَأَ الشّعْبَا
فَلَوْلَا دِفَاعُ اللّهِ لَا شَيْءَ غَيْرُهُ ... لَأَصْبَحْتُمْ لَا تَمْنَعُونَ لَكُمْ سِرْبَا
فَمَا إنْ جَنَيْنَا فِي قُرَيْشٍ عَظِيمَةً ... سِوَى أَنْ حَمَيْنَا خَيْرَ مَنْ وَطِئَ التّرْبَا
أَخَا ثِقَةٍ فِي النّائِبَاتِ مُرَزّأً ... كَرِيمًا نَثَاهُ لَا بَخِيلًا وَلَا ذَرْبَا
يُطِيفُ بَهْ الْعَافُونَ يَغْشَوْنَ بَابَهُ ... يَؤُمّونَ بَحْرًا لَا نَزُورًا وَلَا صَرْبَا
فَوَاَللّهِ لَا تَنْفَكّ نَفْسِي حَزِينَةً ... تَمَلْمَلُ حَتّى تَصْدُقُوا الْخَزْرَجَ الضّرْبَا

شِعْرُ ضِرَارٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ
وَقَالَ ضِرَارُ بْنُ الْخَطّابِ الْفِهْرِيّ يَرْثِي أَبَا جَهْلٍ [ ص 202 ]
أَلَا مَنْ لِعَيْنِ بَاتَتْ اللّيْلَ لَمْ تَنَمْ ... تُرَاقِبُ نَجْمَانِ فِي سَوَادٍ مِنْ الظّلَمْ
كَأَنّ قَذَى فِيهَا وَلَيْسَ بِهَا قَذًى ... سِوَى عِبْرَةٍ مِنْ جَائِلِ الدّمْعِ تَنْسَجِمْ
فَبَلّغْ قُرَيْشًا أَنّ خَيْرَ نَدِبّهَا ... وَأَكْرَمَ مَنْ يَمْشِي بِسَاقِ عَلَى قَدَمِ
ثَوَى يَوْمَ بَدْرٍ رَهْنَ خَوْصَاءِ رَهْنُهَا ... كَرِيمُ الْمَسَاعِي غَيْرُ وَغْدٍ وَلَا بَرَمْ
فَآلَيْت لَا تَنْفَكّ عَيْنِي بِعَبْرَةِ ... عَلَى هَالِكٍ بَعْدَ الرّئِيسِ أَبِي الْحَكَمْ
عَلَى هَالِكٍ أَشْجَى لُؤَيّ بْنَ غَالِبٍ ... أَتَتْهُ الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرٍ فَلَمْ يَرِمْ
تَرَى كِسْرَ الْخَطّى فِي نَحْرِ مُهْرِهِ ... لَدَى بَائِنٍ مِنْ لَحْمِهِ بَيْنَهَا خِذَمْ
وَمَا كَانَ لَيْثٌ سَاكِنٌ بَطْنَ بِيشَةٍ ... لَدَى غَلَلٍ يَجْرِي بِبَطْحَاءَ فِي أَجَمْ
بأْحر أَمْنُهُ حِينَ تَخْتَلِفُ الْقَنَا ... وَتُدْعَى نَزَلَ فِي الْقَمَاقِمَة الْبُهْمِ
فَلَا تَجْزَعُوا آلَ الْمُغِيرَةِ وَاصْبِرُوا ... عَلَيْهِ وَمَنْ يَجْزَعْ عَلَيْهِ فَلَمْ يُلَمْ
وَجِدّوا فَإِنّ الْمَوْتَ مَكْرُمَةٌ لَكُمْ ... وَمَا بَعْدَهُ فِي آخِرِ الْعَيْشِ مِنْ نَدَمْ
وَقَدْ قُلْت إنّ الرّيحَ طَيّبَةٌ لَكُمْ ... وَعِزّ الْمَقَامِ غَيْرُ شَكّ لِذِي فَهَمْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِضِرَارِ .
شِعْرُ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فِي رِثَاءِ أَبِي جَهْلٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ يَبْكِي أَخَاهُ أَبَا جَهْلٍ
أَلَا يَا لَهْفَ نَفْسِي بَعْدَ عَمْرٍو ... وَهَلْ يُغْنِي التّلَفّظُ مِنْ قَتِيلِ
يُخَبّرُنِي الْمُخَبّرُ أَنّ عَمْرًا ... أَمَامَ الْقَوْمِ فِي جَفْرٍ مُحِيلِ
فَقِدْمًا كُنْت أَحْسَبُ ذَاكَ حَقّا ... وَأَنْتَ لِمَا تَقَدّمَ غَيْرُ فِيلِ
وَكُنْت بِنِعْمَةِ مَا دُمْت حَيّا ... فَقَدْ خُلّفْت فِي دَرَجِ الْمَسِيلِ
كَأَنّي حِينَ أُمْسِي لَا أَرَاهُ ... ضَعِيفُ الْعَقْدُ ذُو هَمّ طَوِيلِ
عَلَى عَمْرٍو إذَا أَمْسَيْت يَوْمًا ... وَطَرْفُ مَنْ تَذَكّرَهُ كَلِيلِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِلْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ وَقَوْلُهُ " فِي جَعْفَرٍ " عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .

شِعْرُ ابْنِ الْأَسْوَدِ فِي بُكَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ
[ ص 203 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْأَسْوَدِ بْنِ شَعُوبٍ اللّيْثِيّ وَهُوَ شَدّادُ بْنُ الْأَسْوَدِ :
تُحَيّي بِالسّلَامَةِ أُمّ بَكْرٍ ... وَهَلْ لِي بَعْدَ قَوْمِي مِنْ سَلَامِ
فَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الْقَيْنَاتِ وَالشّرْبِ الْكِرَامِ
وَمَاذَا بِالْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ ... مِنْ الشّيزَى تُكَلّلُ بِالسّنَامِ
وَكَمْ لَك بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْحَوْمَاتِ وَالنّعَمِ الْمُسَامِ
وَكَمْ لَك بِالطّوِيّ طَوِيّ بَدْرٍ ... مِنْ الْغَايَاتِ وَالدّسُعِ الْعِظَامِ
وَأَصْحَابِ الْكَرِيمِ أَبِي عَلِيّ ... أَخِي الْكَاسِ الْكَرِيمَةِ وَالنّدَامِ
وَإِنّك لَوْ رَأَيْت أَبَا عَقِيلٍ ... وَأَصْحَابَ الثّنِيّةِ مِنْ نَعَامِ
إذَنْ لَظَلِلْت مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهِمْ ... كَأُمّ السّقَبِ جَائِلَةِ الْمَرَامِ
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ لَسَوْفَ نَحْيَا ... وَكَيْفَ لِقَاءُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ ؟
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : أَنْشَدَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ النّحْوِيّ :
يُخَبّرُنَا الرّسُولُ بِأَنْ سَنَحْيَا ... وَكَيْفَ حَيَاةُ أَصْدَاءٍ وَهَامِ
قَالَ وَكَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمّ ارْتَدّ .

شِعْرُ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ فِي رِثَاءِ قَتْلَى بَدْرٍ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَرْثِي مَنْ أُصِيبَ مِنْ قُرَيْشٍ يَوْمَ بَدْرٍ [ ص 204 ] [ ص 205 ]
أَلَا بَكَيْت عَلَى الْكِرَا ... مِ بَنِي الْكِرَامِ أُولِي الْمَمَادِحْ
كَبُكَا الْحَمَامِ عَلَى فُرُو ... عِ الْأَيْكِ فِي الْغُصْنِ الْجَوَانِحْ
يَبْكِينَ حَرّى مُسْتَكِي ... نَاتٍ يَرُحْنَ مَعَ الرّوَائِحْ
أَمْثَالُهُنّ الْبَاكِيَا ... تُ الْمُعْوِلَاتِ مِنْ النّوَائِحْ
مَنْ يَبْكِهِمْ يَبْكِ عَلَى ... حُزْنٍ وَيَصْدُقُ كُلّ مَادِحْ
مَاذَا بِبَدْرِ فَالْعَقَن ... جَحَاجِحْ
فَمُدَافِعُ الْبَرْقَيْنِ فَالْح ... الْأَوَاشِحْ
شُمْطٍ وَشُبّانٌ بِهَا ... لَيْلٍ مَغَاوِيرٍ وَحَاوِحْ
أَلَا تَرَوْنَ لِمَا أَرَى ... وَلَقَدْ أَبَانَ لِكُلّ لَامِحْ
أَنْ قَدْ تَغَيّرَ بَطْنُ م ... الْأَبَاطِحْ
مِنْ كُلّ بِطَرِيقِ لِطَ ... رِيقِ نَقِيّ الْقَوْنِ وَاضِحْ
دُعْمُوصُ أَبْوَابِ الْمُلُو ... كِ وَجَائِبُ لِلْخَرْقِ فَاتِحْ
مِنْ السّرَاطِمَةِ الْخَلَا ... جِمَةِ الْمَلَاوِثَةِ الْمَنَاجِحْ
الْقَائِلِينَ الْفَاعِلِي ... ينَ الْآمِرِينَ بِكُلّ صَالِحْ
الْمُطْعِمِينَ الشّحْمَ فَو ... كَالْأَنَافِحْ
نُقُلُ الْجِفَانِ مَعَ الْجِفَا ... نِ إلَى جِفَانٍ كَالْمَنَاضِحْ
لَيْسَتْ بِأَصْفَارِ لِمَنْ ... يَعْفُو وَلَا رَحّ رَحَاحْ
لِلضّيْفِ ثُمّ الضّيْفِ بَعْدَ ... [ الضّيْفِ ] وَالْبُسُطِ السّلَاطِحْ
وُهُبُ الْمِئِي ... نَ مِنْ الْمِئِينَ إلَى الْمِئِينَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَب ... بَلَادِحْ
لِكِرَامِهِمْ فَوْقَ الْكِرَا ... مِ مَزِيّةٌ وَزْنَ الرّوَاجِحْ
كَتَثَاقُلِ الْأَرْطَالِ بِالْق ... الْمَوَائِحْ
خَذَلَتْهُمْ فِئَةٌ وَهُمْ ... يَحْمُونَ عَوْرَاتِ الْفَضَائِحْ
الضّارِبِينَ التّقُدُمِي ... الصّفَائِحْ
وَلَقَدْ عَنَانِي صَوْتُهُمْ ... مِنْ بَيْنِ مُسْتَسْقٍ وَصَائِحْ
لِلّهِ دَرّ بَنِي عَ ... لِيّ أَيّمٍ مِنْهُمْ وَنَاكِحْ
إنْ لَمْ يُغَيّرُوا غَارَةً ... شَعْوَاءَ تُجْحِرُ كُلّ نَابِحْ
بِالْمُقْرَبَاتِ الْمُبْعَدَا ... تِ الطّامِحَاتِ مَعَ الطّوَامِحْ
مُرْدًا عَلَى جُرْدٍ إلَى ... أُسْدٍ مُكَالَبَةً كَوَالِحْ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
بِزُهَاءِ أَلْفٍ ثُمّ أَلْ ... فٍ بَيْنَ ذِي بَدَنٍ وَرَامِحْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْنَا مِنْهَا بَيْتَيْنِ نَالَ فِيهِمَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . وَأَنْشَدَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ بَيْتَهُ
وَيُلَاقِ قِرْنٌ قِرْنَهُ ... مَشْيَ الْمُصَافِحِ لِلْمُصَافِحْ
وَأَنْشَدَنِي أَيْضًا :
وُهُبُ الْمِئِينَ مِنْ الْمِئِي ... ينَ إلَى الْمِئِينَ مِنْ اللّوَاقِحْ
سَوْقُ الْمُؤَبّلِ لِلْمُؤَب ... بَلَادِحْ

[ ص 206 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أُمَيّةُ بْنُ أَبِي الصّلْتِ ، يَبْكِي زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ ، وَقَتْلَى بَنِي أَسَدٍ
عَيْنُ بَكّي بِالْمُسْبِلَاتِ أَبَا الْحَ ... ارِثِ لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ
وَابْكِي عَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَ ... أْسِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدّفَعَهْ
تِلْكَ بَنُو أَسَدٍ إخْوَةُ الْجَو ... خَدَعَهْ
هُمْ الْأَسِرّةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْ ... بٍ وَهُمْ ذُرْوَةُ السّنَامِ وَالْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرِ شَعَرَ ال ... رّأْسِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
أَمْسَى بَنُو عَمّهِمْ إذَا حَضَرَ الْبَ ... أْسُ أَكْبَادُهُمْ عَلَيْهِمْ وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : هَذِهِ الرّوَايَةُ لِهَذَا الشّعْرِ مُخْتَلِطَةٌ لَيْسَتْ بِصَحِيحَةِ الْبِنَاءِ لَكِنْ أَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ وَغَيْرُهُ رَوَى بَعْضٌ مَا لَمْ يَرْوِ بَعْضٌ
عَيْنُ بِكَيّ بِالْمُسْبِلَاتِ أَبَا الْحَا ... رِث لَا تَذْخَرِي عَلَى زَمْعَهْ
وَعَقِيلَ بْنَ أَسْوَدَ أَسَدَ الْبَأْ ... سِ لِيَوْمِ الْهِيَاجِ وَالدّفَعَهْ
فَعَلَى مِثْلِ هُلْكِهِمْ خَوَتْ الْجَو ... خَدَعَهْ
وَهُمْ الْأَسِرّةُ الْوَسِيطَةُ مِنْ كَعْ ... بٍ وَفِيهِمْ كَذِرْوَةِ الْقَمَعَهْ
أَنْبَتُوا مِنْ مَعَاشِرَ شَعَرَ الرّأْ ... سِ وَهُمْ أَلْحَقُوهُمْ الْمَنَعَهْ
فَبَنُو عَمّهُمْ إذَا حَضَرَ الْبَأْ ... سُ عَلَيْهِمْ أَكْبَادُهُمْ وَجِعَهْ
وَهُمْ الْمُطْعِمُونَ إذْ قَحَطَ الْقَطْ ... رُ وَحَالَتْ فَلَا تَرَى قَزَعَهْ

شِعْرُ أَبِي أُسَامَةَ
[ ص 207 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ ، مُعَاوِيَةُ بْنُ زُهَيْرِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ضُبَيْعَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ عَدِيّ بْنِ جُشَمَ بْنِ مُعَاوِيَةَ حَلِيفُ بَنِي مَخْزُومٍ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَكَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ مَرّ بِهُبَيْرَةَ بْنِ أَبِي وَهْبٍ وَهُمْ مُنْهَزِمُونَ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ أَعْيَى هُبَيْرَة ، فَقَامَ فَأَلْقَى عَنْهُ دِرْعَهُ وَحَمَلَهُ فَمَضَى بِهِ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَهَذِهِ أَصَحّ أَشْعَارِ أَهْلِ بَدْرٍ [ ص 208 ] [ ص 209 ] [ ص 210 ] [ ص 211 ] [ ص 212 ]
وَلَمّا أَنْ رَأَيْت الْقَوْمَ خُفّوا ... وَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ خِيَارَهُمْ أَذُبَاحُ عِتْرٍ
وَكَانَتْ جُمّةً وَافَتْ حِمَامًا ... وَلُقّينَا الْمَنَايَا يَوْمَ بَدْرِ
نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا ... كَأَنّ زُهَاءَهُمْ عِيطَانُ بَحْرِ
وَقَالَ الْقَائِلُونَ مِنْ ابْنِ قَيْسٍ ؟ ... فَقُلْت : أَبُو أُسَامَةَ غَيْرُ فَخْرِ
أَنَا الْجُشَمِيّ كَيْمَا تَعْرِفُونِي ... أُبَيّنُ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ
فَإِنْ تَكُ فِي الْغَلَاصِمِ مِنْ قُرَيْشٍ ... فَإِنّي مِنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ
فَابْلُغْ مَالِكًا لَمّا غُشِينَا ... وَعِنْدَك مَالٌ إنْ نَبّأْت خُبْرِي
وَأَبْلِغْ إنْ بَلَغْت الْمَرْءَ عَنّا ... هُبَيْرَة ، وَهُوَ ذُو عِلْمٍ وَقَدْرِ
بِأَنّي إذْ دُعِيت إلَى أُفَيْدِ ... كَرَرْت وَلَمْ يَضِقْ بِالْكَرّ صَدْرِي
عَشِيّة لَا يُكَرّ عَلَى مُضَافٍ ... وَلَا ذِي نَعْمَةٍ مِنْهُمْ وَصِهْرٍ
فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ ... وَدُونك مَالِكًا يَا أُمّ عَمْرٍو
فَلَوْلَا مَشْهَدِي قَامَتْ عَلَيْهِ ... مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِي
دَفُوعٌ لِلْقُبُورِ بِمَنْكِبَيْهَا ... كَانَ بِوَجْهِهَا تَحْمِيمَ قَدْرِ
فَأُقْسِمُ بِاَلّذِي قَدْ كَانَ رَبّي ... وَأَنْصَابٍ لَدَى الْجَمَرَاتِ مُغْرِ
لَسَوْفَ تَرَوْنَ مَا حَسْبِي إذَا مَا ... تَبَدّلَتْ الْجُلُودُ جُلُود نِمْرِ
فَمَا إنْ خَادِرٌ مِنْ أُسْدِ تَرْجٍ ... مُدِلّ عَنْبَسٌ فِي الْغِيلِ مُجْرِي
فَقَدْ أَحْمَى الْأَبَاءَةَ مِنْ كُلَافٍ ... فَمَا يَدْنُو لَهُ أَحَدٌ بِنَقْرِ
بِخَلّ تَعْجِزُ الْحَلْفَاءُ عَنْهُ ... يُوَاثِبُ كُلّ هَجْهَجَةٍ وَزَجْرِ
بِأَوْشَكَ سُورَةً مِنّي إذَا مَا ... حَبَوْت لَهُ بِقَرْقَرَةِ وَهَدْرِ
بِبَيْضِ كَالْأَسِنّةِ مُرْهَقَاتٍ ... كَأَنّ ظُبَاتِهِنّ جَحِيمُ جَمْرِ
وَأَكْلَفَ مُجْنَإِ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ ... وَصَفْرَاءَ الْبُرَايَةِ ذَاتِ أَزْرِ
وَأَبْيَض كَالْغَدِيرِ ثَوَى عَلَيْهِ ... عُمَيْرٌ بِالْمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرِ
أُرَفّلُ فِي حَمَائِلِهِ وَأَمْشِي ... كَمِشْيَةِ خَادِرٍ لَيْثٍ سِبَطْرِ
يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا ... فَقُلْت : لَعَلّهُ تَقْرِيبُ غَدْرِ
وَقُلْت أَبَا عَدِيّ لَا تَطُرْ ... وَذَلِكَ إنْ أَطَعْت الْيَوْمَ أَمْرِي
كَدَأْبِهِمْ بِفَرْوَةَ إذْ أَتَا ... فَظَلّ يُقَادُ مَكْتُوفًا بِضَفْرِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَأَنْشَدَنِي أَبُو مُحْرِزٍ خَلَفٌ الْأَحْمَرُ : نَصُدّ عَنْ الطّرِيقِ وَأَدْرَكُونَا كَأَنّ سِرَاعَهُمْ تَيّارُ بَحْرِ وَقَوْلُهُ مُدَلّ عَنْبَس فِي الْغِيلِ مُجْرِي عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ .
Sشَرْحُ شِعْرِ أَبِي أُسَامَةَ
وَذَكَرَ شِعْرَ أَبِي أُسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ الْجُشَمِيّ وَفِيهِ وَقَدْ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ
الْعَرَبُ تَضْرِبُ زَوَالَ النّعَامَةِ مَثَلًا لِلْفِرَارِ وَتَقُولُ شَالَتْ نَعَامَةُ الْقَوْمِ إذَا فَرّوا وَهَلَكُوا . فَالَ الشّاعِرُ
يَا لَيْتَ مَا أُمّنَا شَالَتْ نَعَامَتُهَا ... إمّا إلَى جَنّةٍ إمّا إلَى نَارٍ
وَقَالَ أُمَيّةُ اشْرَبْ هَنِيئًا فَقَدْ شَالَتْ نَعَامَتُهُمْ
وَالنّعَامَةُ فِي اللّغَةِ بَاطِنُ الْقَدَمِ وَمَنْ مَاتَ فَقَدْ شَالَتْ رِجْلُهُ أَيْ ارْتَفَعَتْ وَظَهَرَتْ نَعَامَتُهُ وَالنّعَامَةُ أَيْضًا الظّلْمَةُ وَابْنُ النّعَامَةِ عِرْقٌ فِي بَاطِنِ الْقَدَمِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ كَمَا يُقَالُ زَالَ سَوَادُهُ وَضَحَا ظِلّهُ إذَا مَاتَ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ ضَرَبَ النّعَامَةَ مَثَلًا ، وَهُوَ الظّاهِرُ فِي بَيْتِ أَبِي أُسَامَةَ ؟ لِأَنّهُ قَالَ زَالَتْ نَعَامَتُهُمْ لِنَفْرِ وَالْعَرَبُ تَقُولُ أَشْرَدُ مِنْ نَعَامَةٍ وَأَنْفَرُ مِنْ نَعَامَةٍ قَالَ الشّاعِرُ
هُمْ تَرَكُوك أَسْلَحَ مِنْ حُبَارَى ... رَأَتْ صَقْرًا وَأَشْرَدَ مِنْ نَعَامٍ
[ ص 208 ] وَقَالَ آخَرُ وَكُنْت نَعَامًا عِنْدَ ذَاكَ مُنَفّرًا
فَإِذَا قُلْت : زَالَتْ نَعَامَتُهُ فَمَعْنَاهُ نَفَرَتْ نَفْسُهُ الّتِي هِيَ كَالنّعَامَةِ فِي شَرُودِهَا وَقَوْلُهُ وَأَنْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى
سَرَاةُ كُلّ شَيْءٍ مَا عَلَا مَعَهُ وَسَرَاةُ الْفَرَسِ : ظَهْرُهُ لِأَنّهُ أَعْلَاهُ قَالَ الشّاعِرُ يَصِفُ حِمَارًا : بُسْرَاتِهِ نَدَبٌ لَهَا وَكُلُومٌ
وَقَوْلُهُمْ سَرَاةُ الْقَوْمِ كَمَا تَقُولُ كَاهِلُ الْقَوْمِ وَذِرْوَةُ الْقَوْمِ قَالَ مُعَاوِيَةُ إنّ مُضَرَ كَاهِلُ الْعَرَبِ ، وَتَمِيمٌ كَاهِلُ مُضَرَ ، وَبَنُو سَعْدٍ كَاهِلُ تَمِيمٍ . وَقَالَ بَعْضُ خُطَبَاءِ بَنِي تَمِيمٍ لَنَا الْعِزّ الْأَقْعَسُ وَالْعَدَدُ الْهَيْضَلُ وَنَحْنُ فِي الْجَاهِلِيّةِ الْقُدّامُ وَنَحْنُ الذّرْوَةُ وَالسّنَامُ وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ بَيّنٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَقُولَ فِي الذّرْوَةِ وَلَا فِي السّنَامِ وَلَا فِي الْكَاهِلِ إنّهُ جَمْعٌ أَيْ مِنْ أَبْنِيَةِ الْجَمْعِ وَلَا اسْمٌ لِلْجَمْعِ فَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقَالَ فِي سَرَاةِ الْقَوْمِ أَنّهُ جَمْعُ سَرِيّ لَا عَلَى الْقِيَاسِ وَلَا عَلَى غَيْرِ الْقِيَاسِ كَمَا لَا يُقَالُ ذَلِكَ فِي كَاهِلِ الْقَوْمِ وَسَنَامِ الْقَوْمِ وَالْعَجَبُ كَيْفَ خَفِيَ هَذَا عَلَى النّحْوِيّينَ حَتّى قَلّدَ الْخَالِفُ مَعَهُمْ السّالِفَ فَقَالُوا : سَرَاةٌ جَمْعُ سَرِيّ وَيَا سُبْحَانَ اللّهِ كَيْفَ يَكُونُ جَمْعًا لَهُ وَهُمْ يَقُولُونَ فِي جَمْعِ سَرَاةٍ سَرَوَاتٍ مِثْلَ قَطَاةٍ وَقَطَوَاتٍ يُقَالُ هَؤُلَاءِ مِنْ سَرَوَاتِ النّاسِ كَمَا تَقُولُ مِنْ رُءُوسِ النّاسِ قَالَ فِي بْنِ الْخَطِيمِ
وَعَمْرَةُ مِنْ سَرَوَاتِ النّسَا ... ءِ تَنْفَحُ بِالْمِسْكِ أَرْدَانُهَا
وَلَوْ كَانَ السّرَاةُ جَمْعًا مَا جُمِعَ لِأَنّهُ عَلَى وَزْنِ فَعْلَة ، وَمِثْلُ هَذَا الْبِنَاءِ فِي الْجَمُوعِ لَا يُجْمَعُ وَإِنّمَا سَرِيّ فَعِيلٌ مِنْ السّرْوِ وَهُوَ الشّرَفُ فَإِنْ جُمِعَ عَلَى لَفْظِهِ قِيلَ سُرًى وَأَسْرِيَاءُ مِثْلَ غَنِيّ وَأَغْنِيَاءَ وَلَكِنّهُ قَلِيلٌ وُجُودُهُ وَقِلّةُ وُجُودِهِ لَا يَدْفَعُ الْقِيَاسَ فِيهِ وَقَدْ حَكَاهُ سِيبَوَيْهِ . وَقَوْلُهُ أَذْبَاحُ عِتَرٍ جَمْعُ ذَبْحٍ وَعِتَرٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ الصّنَمُ الّذِي كَانَ يَعْتِرُ لَهُ فِي الْجَاهِلِيّةِ أَيْ تُذْبَحُ بِهِ الْعَتَائِرُ جَمْعُ : عَتِيرَةٍ وَهِيَ الرّجَبِيّةُ وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي نَسَبِ [ ص 209 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - أَوّل مَنْ سَنّ الْعَتِيرَة ، وَأَنّهُ بُورُ بْنُ صَحُورَا ، وَأَنّ أَبَاهُ سَنّ رَجَبًا لِلْعَرَبِ فَكَانَ يُقَالُ لَهُ سَعْدٌ رَجَبٍ وَلَوْ قَالَ أَذْبَاحُ عِتَرِ بِفَتْحِ الْعَيْنِ لَجَازَ لِأَنّهُ مَصْدَرٌ . وَقَوْلُهُ وَكَانَتْ جُمّةً . الْجُمّةُ السّوَادُ وَالْجُمّةُ الْفِرْقَةُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِالْجُمّةِ سَوَادَ الْقَوْمِ وَكَثْرَتَهُمْ فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْفِرْقَةَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَوْجَهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ . وَقَوْله : عَطَيَانُ بَحْرٌ فَيَضَانُهُ . وَقَوْلُهُ أُبَيّنُ نِسْبَتِي نَقْرًا بِنَقْرِ
النّقْرُ الطّعْنُ فِي النّسَبِ وَغَيْرِهِ يَقُولُ إنْ طَعَنْتُمْ فِي نَسَبِي ، وَعِبْتُمُوهُ بَيّنْت الْحَقّ وَنَقَرْت فِي أَنْسَابِكُمْ أَيْ عِبْتهَا ، وَجَازَيْت عَلَى النّقْرِ بِالنّقْرِ وَقَالَتْ جَارِيَةٌ مِنْ الْعَرَبِ : مَرّوا بِي عَلَى بَنِي نَظَرِي يَعْنِي الْفَتَيَانِ الّذِينَ يَنْظُرُونَ إلَيّ وَلَا تَمُرّوا بِي عَلَى بَنَاتِ نَقْرِي ، يَعْنِي النّسَاءَ اللّوَاتِي يَنْقُرْنَ أَيْ يَعِبْنَ . وَقَوْلُهُ دُعِيت إلَى أُفَيْدِ تَصْغِيرُ وَفْدٍ وَهُمْ الْمُتَقَدّمُونَ مِنْ كُلّ شَيْءٍ مِنْ نَاسٍ أَوْ خَيْلٍ أَوْ إبِلٍ وَهُوَ اسْمٌ لِلْجَمْعِ مِثْلَ رَكْبٍ وَلِذَلِكَ جَازَ تَصْغِيرُهُ وَقِيلَ أُفَيْدِ اسْمُ مَوْضِعٍ . وَقَوْلُهُ عَلَى مُضَافٍ . الْمُضَافُ الْخَائِفُ الْمُضْطَرّ . وَقَوْلُهُ فَدُونَكُمْ بَنِي لَأْيٍ أَخَاكُمْ
[ ص 210 ] صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَاشْتِقَاقُ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَقُلْنَا فِي لُؤَيّ إنّهُ تَصْغِيرُ لَأْيٍ وَاخْتَرْنَا هَذَا الْقَوْلَ عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْأَنْبَارِيّ وَقُطْرُبٍ وَحَكَيْنَا قَوْلَهُ وَشَاهِدَهُ وَإِنّمَا أَرَادَ هَهُنَا بِبَنِي لَأْيٍ بَنِي لُؤَيّ فَجَاءَ بِهِ مُكْثَرًا عَلَى مَا قُلْنَاهُ . وَقَوْلُهُ مُوَقّفَةُ الْقَوَائِمِ أُمّ أَجْرِ
يَعْنِي : الضّبُعَ وَمُوَقّفَةُ مِنْ الْوَقْفِ وَهُوَ الْخَلْخَالُ لِأَنّ فِي قَوَائِمِهَا سَوَادًا . قَالَ الشّاعِرُ [ أَبُو وَجْزَةَ السّعْدِيّ ] :
وَخَائِفٍ لَحْمٍ شَاكًا برَاشَتُهُ ... كَأَنّهُ قَاطِمٌ وَقْفَيْنِ مِنْ عَاجِ
وَأُمّ أَجْرِ جَمْعُ جَرْ وَكَمَا نَقُولُ دَلْوٌ وَأَدْلٍ وَهَذَا كَقَوْلِ الْهُذَلِيّ
وَغُودِرَ ثَاوِيًا وَتَأَوّبَتْهُ ... مُوَقّفَةُ أُمَيْمُ لَهَا فَلِيلُ
وَالْفَلِيلُ عُرْفُهَا ، وَكَقَوْلِ الْآخَرِ
يَا لَهْفَ مِنْ عَرْفَاءَ ذَاتِ فَلِيلَةٍ ... جَاءَتْ إلَيّ عَلَى ثَلَاثٍ تَخْمَع
وَتَظِلّ تَنْشِطُنِي وَتَلْحَمُ أَجْرِيًا ... وَسَطَ الْعَرِينِ وَلَيْسَ حَيّ يَدْفَعُ
لَوْ كَانَ سَيْفَيْ بِالْيَمِينِ دَفَعْتهَا ... عَنّي وَلَمْ أُوكَلْ وَجَنْبِي الْأَضْبُعُ
فَوَصَفَهَا أَنّهَا تَخْمَع ، كَمَا قَالَ ابْنُ الْمُهَلّبِ الضّبُعَةُ الْعَرْجَاءُ وَلَحِنَ فِي قَوْلِهِ الضّبْعَةُ . وَقَالَ آخَرُ
فَلَوْ مِاْت مِنْهُمْ مَنْ جَرَحْنَا لَأَصْبَحَتْ ... ضِبَاعٌ بِأَكْنَافِ الشّرَيْفِ عَرَائِسَا
[ ص 211 ] قَفَاهُ فِيمَا ذُكِرَ وَتَسْتَعْمِلُ كَمَرَتَهُ لِأَنّهَا أَشْيَقُ الْبَهَائِمِ وَلِذَلِكَ يُقَالُ لَهَا حِينَ تُصْطَادُ أَبْشِرِي أُمّ عَامِرٍ بِجَرَادِ عُضَالٍ وَكَمَرِ رِجَالٍ يَخْدَعُونَهَا بِذَلِكَ وَهِيَ تَكَنّى أُمّ عَامِرٍ وَأُمّ عَمْرٍو ، وَأُمّ الْهِنّبْرِ [ وَأُمّ عِتَابٍ وَأُمّ طَرِيقٍ وَأُمّ نَوْفَلٍ ] ، وَأُمّ خَنْوَرٍ وَأُمّ خَنْوَرٍ مَعًا وَتُسَمّى : حَضَاجِرَ وَجَعَار [ وَالْعَثْوَاءُ وَذِيخَة وَعَيْلَم وجيعر ، وَأُمّ جَعْوَر ] وَقَثَام وَجَيْأَل وَعَيْشُوم ، وَقَثَام أَيْضًا اسْمٌ لِلْغَنِيمَةِ الْكَثِيرَةِ يُقَالُ أَصَابَ الْقَوْمُ قُثَامًا ، قَالَهُ الزّبَيْرُ وحيثل وَعَيْثُوم ، وَأَمّا الذّكَرُ مِنْهَا فَعَيْلَام وَعِثْيَان وَذِيخٌ [ وَأَبُو كَلَدَةَ وَنَوْفَلٌ وَالْأَعْشَى ] . وَقَوْلُهُ فِي وَصْفِ الْأَسَدِ فِي الْغِيلِ مُجْرٍ أَيْ ذُو أُجَرَاءَ وَالْأَبَاءَةُ الْأَجَمَةُ الّتِي هُوَ فِيهَا ، وَكَذَلِكَ الْغِيلُ وَالْخِدْرُ وَالْعَرِين وَالْعِرّيسَة . وَقَوْلُهُ أُحْمَى الْأَبَاءَةَ أَيْ حَمَاهَا ، وَأَحْمِي لُغَةٌ فِي حَمَى لَكِنّهَا ضَعِيفَةٌ وَلَعَلّهُ أَرَادَ . أَحْمَى الْأَبَاءَةَ أَيْ جَعَلَهَا كَالنّارِ الْحَامِيَةِ يُقَالُ أَحْمَيْت الْحَدِيدَةَ فِي النّارِ يَعْنِي : إنّ أَبَاءَتَهُ قَدْ حَمِيَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبْ . وَقَوْلُهُ مِنْ كُلَافٍ ، لَعَلّهُ أَرَادَ مِنْ شِدّةِ كَلَفٍ بِمَا يَحْمِيهِ فَجَاءَ بِهِ عَلَى وَزْنِ فَعَالٍ لِأَنّ الْكِلْفَ إذَا اشْتَدّ كَالْهَيَامِ وَالْعِطَاشِ وَفِي مَعْنَى الشّعَارِ وَلَعَلّ كُلَافًا اسْمُ مَوْضِعٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْكُلَاف : اسْمُ شَجَرٍ وَاَللّهُ أَعْلَمُ . وَقَوْلُهُ بِخَلّ هُوَ الطّرِيقُ فِي الرّمْلِ وَالْهَجْهَجَة مِنْ قَوْلِك : هَجْهَجْت بِالذّئْبِ إذَا زَجَرْته . قَالَ الشّاعِرُ لَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا صِيَاحُ الْهَجْهَجِ
وَقَوْلُهُ بِقَرْقَرَةِ وَهَدْرِ . الْقَرْقَرَةُ صَوْتٌ شَدِيدٌ مُتَقَطّعٌ وَجَاءَ فِي صِفَةِ عَامِرٍ الْحَدّاءِ أَنّهُ كَانَ قَرَاقِرِي الصّوْتِ فَلَمّا كَبِرَ وَضَعُفَ صَوْتُهُ قَالَ
أَصْبَحَ صَوْتُ عَامِرٍ صَئِيّا ... أَبْكَمَ لَا يُكَلّمُ الْمَطِيّا
[ ص 212 ] عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْحَدّاءُ التّغْلِبِيّ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ بَنُو الْحَدّاءِ وَذَكَرَ أَهْلُ اللّغَةِ أَنّ الْكَشِيشَ أَوّلُ رُغَاءِ الْجَمْلِ ثُمّ الْكَتِيتَ ثُمّ الْهَدَرَ ثُمّ الْقَرْقَرَةَ ، ثُمّ الزّغْدَ وَيُقَالُ زَغَدَ يَزْغُدُ ثُمّ الْقُلَاخُ [ أَوْ الْقَلْخُ أَوْ الْقَلِيخُ الْأَخِيرَةُ عَنْ سِيبَوَيْهِ ] إذَا جَعَلَ كَأَنّهُ يَتَقَلّعُ . وَقَوْلُهُ وَأَكْنَفَ مُجْنَإِ يَعْنِي : التّرْسَ وَهُوَ مِنْ أَجَنَأْت الشّيْءَ إذَا جَنَيْته فَهُوَ مُجْنَأً وَيَعْنِي : بِصَفْرَاءَ الْبُرَايَةِ الْقَوْسَ وَبُرَايَتَهَا : مَا يُرَى مِنْهَا ، وَجَعَلَهَا صَفْرَاءَ . لِجَدّتِهَا وَقُوّتِهَا . وَقَوْلُهُ وَأَبْيَضَ كَالْغَدِيرِ أَرَادَ السّيْفَ وَعُمَيْرٌ اسْمُ صَانِعٍ وَالْمَدَاوِسُ جَمْعُ مِدْوَسٍ وَهِيَ الْآلَةُ الّتِي يُدَوّسُ بِهَا الْحَدّادُ وَالصّيْقَلُ مَا يَصْنَعُهُ وَوَصَفَهُ إيّاهَا بِالْمُغْرِ الْمُغْرُ جَمْعُ أَمْغَرَ وَهُوَ الْأَحْمَرُ وَالْخَادِرُ الدّاخِلُ فِي الْخِدْرِ وَمُسْبَطِرّ : غَيْرُ مُنْقَبِضٍ . وَقَوْلُهُ يَقُولُ لِي الْفَتَى سَعْدٌ هَدِيّا
الْهَدْيُ مَا يُهْدَى إلَى الْبَيْتِ وَالْهَدْي أَيْضًا الْعَرُوسُ تُهْدَى إلَى زَوْجِهَا ، وَنَصَبَ هَدْيًا هُنَا عَلَى إضْمَارِ فِعْلٍ كَأَنّهُ أَرَادَ اهْدِ هَدْيًا .

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ أَيْضًا [ ص 213 ]
أَلَا مِنْ مُبَلّغٍ عَنّي رَسُولًا ... مُغَلْغَلَةً يُثَبّتُهَا نَطِيفُ
أَلَمْ تَعْلَمْ مَرَدّي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَدْ بَرَقَتْ بِجَنْبَيْك الْكُفُوفُ
وَقَدْ تُرِكَتْ سَرَاةُ الْقَوْمِ صَرْعَى ... كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ
وَقَدْ مَالَتْ عَلَيْك بِبَطْنِ بَدْرٍ ... خِلَافَ الْقَوْمِ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ
فَنَجّاهُ مِنْ الْغَمَرَاتِ عَزْمِي ... وَعَوْنُ اللّهِ وَالْأَمْرُ الْحَصِيفُ
وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ وَجْدِي ... وَدُونَك جَمْعُ أَعْدَاءٍ وُقُوفُ
وَأَنْتَ لِمَنْ أَرَادَك مُسْتَكِينٌ ... بِجَنْبِ كُرَاشَ مَكْلُومٌ نَزِيفُ
وَكُنْت إذَا دَعَانِي يَوْمَ كَرْبٍ ... مِنْ الْأَصْحَابِ دَاعٍ مُسْتَضِيفُ
فَأَسْمِعْنِي وَلَوْ أَحْبَبْت نَفْسِي ... أَخٌ فِي مِثْلِ ذَلِكَ أَوْ حَلِيفُ
أَرُدّ فَأَكْشِفُ الْغُمّى وَأَرْمِي ... إذَا كَلَحَ الْمَشَافِرُ وَالْأُنُوفُ
وَقِرْنٌ قَدْ تُرِكَتْ عَلَى يَدَيْهِ ... يَنُوءُ كَأَنّهُ غُصْنٌ قَصِيفُ
دَلَفْت لَهُ إذَا اخْتَلَطُوا بِحَرّى ... مُسَحْسَحَةٍ لِعَانِدِهَا حَفِيفُ
فَذَلِكَ كَانَ صُنْعِي يَوْمَ بَدْرٍ ... وَقَبْلُ أَخُو مَدَارَاة عَزُوفُ
أَخُوكُمْ فِي السّنِينَ كَمَا عَلِمْتُمْ ... وَحَرْبٍ لَا يَزَالُ لَهَا صَرِيفُ
وَمِقْدَامٌ لَكُمْ لَا يَزْدَهِينِي ... جِنَانُ اللّيْلِ وَالْأَنَسُ اللّفِيفُ
أَخُوضُ الصّرّةَ الْحَمّاءَ خَوْضًا ... إذَا مَا الْكَلْبُ أَلْجَأَهُ الشّفِيفُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : تَرَكْت قَصِيدَةً لِأَبِي أُسَامَةَ عَلَى اللّامّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ بَدْرٍ إلّا فِي أَوّلِ بَيْتٍ مِنْهَا وَالثّانِي ، كَرَاهِيَةُ الْإِكْثَارِ .
Sشَرْحُ الْقَصِيدَةِ الْفَاوِيّةِ لِأَبِي أُسَامَةَ
[ ص 213 ] الْفَاوِيّ كَأَنّ رُءُوسَهُمْ حَدَجٌ نَقِيفُ
الْحَدَجُ جَمْعُ حَدَجَةٍ وَهِيَ الْحَنْظَلَةُ وَالنّقِيفُ الْمَنْقُوفُ كَمَا قَالَ أَمْرُؤُ الْقِيسِ
كَأَنّ غَدَاةَ الْبَيْنِ يَوْمَ تَحَمّلُوا ... لَدَى سَمُرَاتِ الْحَيّ ] نَاتِفُ حَنُظَلٍ
وَهُوَ الْمُسْتَخْرِجُ حَبّ الْحَنْظَلِ . وَقَوْلُهُ دَاهِيَةٌ خَصِيفُ أَيْ مُتَرَاكِمَةٌ مِنْ خَصَفْت النّعْلَ أَوْ مِنْ خَصَفْت اللّيفَ إذَا نَسَخْته ، وَقَدْ يُقَالُ كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ أَيْ مُنْتَسِجَةٌ بَعْضُهَا بِبَعْضِ مُتَكَاثِفَةٌ وَفِي كِتَابِ سِيبَوَيْهِ : كَتِيبَةٌ خَصِيفٌ أَيْ سَوْدَاءُ . وَقَوْلُهُ وَمُنْقَلَبِي مِنْ الْأَبْوَاءِ ، هُوَ الْمَوْضِعُ الّذِي فِيهِ قَبْرُ آمِنَةَ أُمّ رَسُولِ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - وَسُمّيَ الْأَبْوَاءَ ، لِأَنّ السّيُولَ تَتَبَوّأهُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنّ رَسُولَ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - زَارَ قَبْرَ أُمّهِ بِالْأَبْوَاءِ فِي أَلْفٍ مُقَنّعٍ فَبَكَى وَأَبْكَى ، وَوَجَدْت عَلَى الْبَيْتِ الْمُتَقَدّمِ الّذِي فِيهِ حَدَجٌ نَقِيفُ فِي حَاشِيَةِ الشّيْخِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْحَنْظَلُ . مِنْ الْأَعْلَاثِ وَهُوَ يَنْبُتُ شَرْيًا ، كَمَا يَنْبُت شَرِيّ الْقِثّاءِ وَالشّرِيّ : شَجَرُهُ ثُمّ يَخْرُجُ فِيهِ زَهْرٌ ثُمّ يَخْرُجُ فِي الزّهْرُ جِرَاءَ مِثْلَ جِرَاءِ الْبِطّيخِ فَإِذَا ضَخُمَ وَسَمِنَ حَبّهُ سَمّوْهُ الْحَدَجَ وَاحِدَتُهُ حَدَجَةٌ فَإِذَا وَقَعَتْ فِيهِ الصّفْرَةُ سَمّوْهُ الْخُطْبَانُ وَزَادَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنّ الْحَنْظَلَةَ إذَا اسْوَدّتْ بَعْدَ الْخُضْرَةِ فَهِيَ قَهْقَرَةٌ وَذُكِرَ فِي الْقِثّاءِ الْحَدَجُ وَالْجِرَاءُ كَمَا ذُكِرَ فِي الْحَنْظَلِ وَكَذَلِكَ الشّرْيَةُ اسْمٌ لِشَجَرَتِهِمَا ، وَفِي الْقِثّاءِ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بِطّيخًا الْقُحّ وَقَبْلَ الْقُحّ يَكُونُ خَضَفًا ، وَأَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقُشْعُرُ وَالشّعْرُورُ وَالضّغْبُوسُ وَثَقِيفٌ مَعْنَاهُ مَكْسُورٌ .لِأَنّهُ يُقَالُ نَقَفْت رَأْسَهُ عَنْ دِمَاغِهِ أَيّ كَسَرْته . [ ص 214 ] أَخُوضُ الصّرّةَ الْحَمّاءَ . الصّرّةُ الْجَمَاعَةُ وَالصّرّةُ الصّيَاحُ وَالصّرّةُ شِدّةُ الْبَرْدِ وَإِيّاهَا عَنِيَ لِأَنّهُ ذَكَرَ الشّفِيفَ فِي آخِرِ الْبَيْتِ وَهُوَ بَرْدٌ وَرِيحٌ وَيُقَالُ لَهُ الشّفّانُ أَيْضًا ، أَنْشَدَ ابْنُ الْأَنْبَارِيّ
قُلْ لِلشّمَالِ الّتِي هَبّتْ مُزَعْزَعَةً ... تُذْرِي مَعَ اللّيْلِ شَفّانًا بِصُرّادِ
اقْرِي السّلَامَ عَلَى نَجْدٍ وَسَاكِنِهِ ... وَحَاضِرٍ بِاللّوَى إنْ كَانَ أَوْ بَادِ
سَلَامُ مُغْتَرِبٍ فِقْدَانَ مَنْزِلِهِ ... إنّ أَنْجَدَ النّاسِ لَمْ يَهْمُمْ بِإِنْجَادِ

شِعْرُ هِنْدَ بِنْتِ عُتْبَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدُ بِنْتُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَة َ تَبْكِي أَبَاهَا يَوْمَ بَدْرٍ [ ص 215 ]
أَعَيْنَيّ جُودَا بِدَمْعِ سَرِبْ ... عَلَى خَيْرِ خِنْدِفَ لَمْ يَنْقَلِبْ
تَدَاعَى لَهُ رَهْطُهُ غُذْوَةً ... بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطّلِبْ
يُذِيقُونَهُ حَدّ أَسْيَافِهِمْ ... يَعُلّونَهُ بَعْدَ مَا قَدْ عَطِبْ
يَجُرّونَهُ وَعَفِيرُ التّرَابِ ... عَلَى وَجْهِهِ عَارِيًا قَدْ سُلِبْ
وَكَانَ لَنَا جَبَلًا رَاسِيًا ... جَمِيلَ الْمَرَاةِ كَثِيرَ الْعُشُبْ
وَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أَعْنِهِ ... فَأُوتِيَ مِنْ خَيْرِ مَا يَحْتَسِبْ
وَقَالَتْ هِنْدٌ أَيْضًا :
يَرِيبُ عَلَيْنَا دَهْرُنَا فَيَسُوءُنَا ... وَيَأْبَى فَمَا نَأْتِي بِشَيْءِ يُغَالِبُهْ
أَبَعْدَ قَتِيلٍ مِنْ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ ... يُرَاعُ امْرِئِ إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَ صَاحِبُهْ
أَلَا رُبّ يَوْمٍ قَدْ رُزِئْت مُرَزّأً ... تَرُوحُ وَتَغْدُو بِالْجَزِيلِ مَوَاهِبُهْ
فَأَبْلِغْ أَبَا سُفْيَانَ عَنّي مَأْلُكًا ... فَإِنْ أَلْقَهُ يَوْمًا فَسَوْفَ أُعَاتِبُهْ
فَقَدْ كَانَ حَرْبٌ يَسْعَرُ الْحَرْبَ إنّهُ ... لِكُلّ امْرِئِ فِي النّاسِ مَوْلًى يُطَالِبُهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدِ . قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدٌ أَيْضًا :
لِلّهِ عَيْنًا مَنْ رَأَى ... مُلْكًا كَهُلْكِ رِجَالِيَهْ
يَا رُبّ بَاكٍ لِي غَدًا ... فِي النّائِبَاتِ وَبَاكِيَهْ
كَمْ غَادَرُوا يَوْمَ الْقَلِي ... بِ غَدَاةَ تِلْكَ الْوَاعِيَهْ
مِنْ كُلّ غَيْثٍ فِي السّنِي ... نَ إذَا الْكَوَاكِبُ خَاوِيَهْ
قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَالْيَوْمُ حَقّ حَذَارِيَهْ
قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةَ مُوَامِيَهْ
يَا رُبّ قَائِلَةٍ غَدًا ... يَا وَيْحَ أُمّ مُعَاوِيَهْ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ : وَبَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالشّعْرِ يُنْكِرُهَا لِهِنْدِ . [ ص 216 ] قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ : وَقَالَتْ هِنْدٌ أَيْضًا :
يَا عَيْنُ بَكّي عُتْبَهْ ... شَيْخًا شَدِيدَ الرّقَبَهْ
يُطْعِمُ يَوْمَ الْمَسْغَبَهْ ... يَدْفَعُ يَوْمَ الْمَقْلَبَهْ
إنّي عَلَيْهِ حَرِبَهْ ... مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ
لَنَهْبِطَنّ يَثْرِبَهْ ... بِغَارَةِ مُنْثَعِبَهْ
فِيهَا الْخُيُولُ مُقْرَبَهْ ... كُلّ جَوَادٍ سَلْهَبَهْ
Sشِعْرُ هِنْدٍ
وَفِي شِعْرِ هِنْدٍ : جَمِيلُ الْمَرَاةِ أَرَادَتْ مِرْآةَ الْعَيْنِ فَنُقِلَتْ حَرَكَةُ الْهَمْزَةِ ؟ إلَى السّاكِنِ فَذَهَبَتْ الْهَمْزَةُ وَإِنّمَا تَذْهَبُ الْهَمْزَةُ إذَا نُقِلَتْ حَرَكَتهَا ، لِأَنّهَا تَبْقَى فِي تَقْدِيرِ أَلِفٍ سَاكِنَةٍ وَالسّاكِنُ الّذِي قَبْلَهَا بَاقٍ عَلَى حُكْمِ السّكُونِ لِأَنّ الْحَرَكَةَ الْمَنْقُولَةَ إلَيْهِ عَارِضَةٌ فَكَأَنّهُ قَدْ اجْتَمَعَ سَاكِنَانِ فَحُذِفَتْ الْأَلِفُ لِذَلِكَ هَذَا مَعْنَى كَلَامِ ابْنِ جِنّي . [ ص 215 ] هِنْدٍ : فَأَمّا بُرَيّ فَلَمْ أُعِنْهُ
فَهُوَ تَصْغِيرٌ الْبَرَاءِ اسْمُ رَجُلٍ وَقَوْلُهَا :
قَدْ كُنْت أَحْذَرُ مَا أَرَى ... فَأَنَا الْغَدَاةُ مُوَامِيَهْ
[ ص 216 ] مُوَامِيَهْ أَيْ ذَلِيلَةٌ وَهُوَ مُؤَامِية بِهَمْزَةِ وَلَكِنّهَا سُهّلَتْ فَصَارَتْ وَاوًا ، وَهِيَ مِنْ لَفْظِ الْأُمّةِ تَقُولُ تَأَمّيْتُ أَمَةً أَيْ اتّخَذْتهَا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَقْلُوبًا مِنْ الْمُوَاءَمَةِ وَهِيَ الْمُوَافَقَةُ فَيَكُونُ الْأَصْلُ مُوَائِمَةً ثُمّ قُلِبَ فَصَارَ مُوَامِيَة عَلَى وَزْنِ مُفَاعِلَةٍ تُرِيدُ أَنّهَا قَدْ ذَلّتْ فَلَا تَأْبَى ، بَلْ تُوَافِقُ الْعَدُوّ عَلَى كُرْهٍ وَمِنْهُ اشْتِقَاقُ التّوْأَمِ لِأَنّ وَزْنَهُ فَوْعَلَ مِثْلَ التّوْلَجِ وَالتّاءُ فِيهِمَا جَمِيعًا بَدَلٌ مِنْ وَاوٍ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ . وَقَوْلُهَا : مَلْهُوفَةٌ مُسْتَلَبَهْ
الْأَجْوَدُ فِي مُسْتَلَبَهْ أَنْ يَكُونَ بِكَسْرِ اللّامّ مِنْ السّلَابِ وَهِيَ الْخِرْقَةُ السّوْدَاءُ الّتِي تُخَمّرُ بِهَا الثّكْلَى ، وَمِنْهُ قَوْلُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ عُمَيْسٍ حِينَ مَاتَ عَنْهَا جَعْفَرٌ تَسَلّبِي ثَلَاثًا ، ثُمّ اصْنَعِي مَا شِئْت وَهُوَ حَدِيثٌ مَنْسُوخٌ بِالْإِحْدَادِ وَمُتَأَوّلٌ ذَكَرَهُ الطّبَرِيّ .

 

=========

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه محمد وسلم وهب الله لك حسن الاستماع وأشعر ...