Translate

الجمعة، 11 فبراير 2022

شرح الايات الاولي من سورة الاعراف

سورة الأعراف - سورة 7 - عدد آياتها 206

التعريف بسورة الأعراف
سورة الأَعْرَاف 7/114
سبب التسمية :
سُميت ‏هذه ‏السورة ‏بسورة ‏الأعراف ‏لورود ‏ذكر ‏اسم ‏الأعراف ‏فيها
=‏وهو ‏سور ‏مضروب ‏بين ‏الجنة ‏والنار[في شكل جبل] ‏يحول ‏بين ‏أهلهما

= ‏روى ‏ابن ‏جرير ‏عن ‏حذيفة ‏أنه ‏سئل ‏عن ‏أصحاب ‏الأعراف ‏فقال ‏ :هم ‏قوم ‏استوت ‏حسناتهم ‏وسيئاتهم ‏فقعدت ‏بهم ‏سيئاتهم ‏عن ‏دخول ‏الجنة ‏وتخلفت ‏بهم ‏حسناتهم ‏عن ‏دخول ‏النار ‏فوقفوا ‏هنالك ‏على ‏السور ‏حتى ‏يقضي ‏الله ‏بينهم ‏‏.

التعريف بالسورة :
1) سورة مكية ماعدا الآيات من " 163 : 170 " فمدنية ،
2) هي من سوره الطول .
3) عدد آياتها .206 آية ،
4) هي السورة السابعة في ترتيب المصحف ،
5) نزلت بعد سورة " ص " ،
6) تبدأ السورة بحروف مقطعة " المص " ،الآية 206 من السورة بها سجدة . ،
7) الجزء "9" ، الحزب " 16،17 ،18 " ، الربع " 1،2،3،4،5،6 " .
محور مواضيع السورة :
سورة الأعراف من أطول السور المكية وهي أول سورة عرضت للتفصيل في قصص الأنبياء ومهمتها كمهمة السورة المكية تقرير أصول الدعوة الإسلامية من توحيد الله جل وعلا وتقرير البعث والجزاء وتقرير الوحي والرسالة .
سبب نزول السورة :
1) عن ابن عباس قال : كان ناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفلاها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجوه الحمُرِ من الذباب وهي تقول : " اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا له منه فلا أُحِلّه "

= فأنزل الله تعالى على نبيه " يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد " فأُمِروا بلبس الثياب .

2) عن أبي بكر الهذلي قال : لما نزلت " ورحمتي وسعت كل شئ " قال إبليس: يا رب وانا من الشىء فنزلت " فسأكتبها للذين يتقون " الآية فنزعها الله من إبليس .

3) قال ابن مسعود : نزلت في بلعم بن باعورا رجل من بني إسرائيل وقال ابن عباس وغيره من المفسرين : هو بلعم بن باعورا وقال الوالبي : هو رجل من مدينة الجبارين يقال له بلعم وكان يعلم اسم الله الأعظم فلما نزل بهم موسىأتاه بنو عمه وقومه وقالوا إن موسى رجل حديد ومعه جنود كثيرة وإنه إن يظهر علينا يهلكنا فادع الله أن يرد عنا موسى ومن معه قال إني إن دعوت الله أن يرد موسى ومن معه ذهبت دنياي وآخرتي فلم يزالوا به حتى دعا عليهم فسلخه مما كان عليه فذلك قوله فانسلخ منها .

4) وقال عبد الله بن عمرو بن العاص وزيد بن أسلم: نزلت في أمية بن أبي الصلت الثقفي وكان قد قرأ الكتب وعلم أن الله مُرسِلُ رسولا في ذلك الوقت ورجا أن
يكون هو ذلك الرسول فلما أُرسِلَ محمدحسده وكفر به وروى عكرمة عن ابن عباسفي هذه الآية قال : هو رجل أُعطي ثلاث دعوات يستجاب له فيها وكانت له امرأة يقال لها البسوس وكان له منها ولد وكانت له محبة فقالت اجعل لي منها دعوة واحدة قال لك واحدة فماذا تأمرين قالت ادع الله أن يجعلني أجمل امرأة في بني اسرائيل فلما علمت أن ليس فيهم مثلها رغبت عنه وأرادت شيئا أخر فدعا الله عليها أن يجعلها كلبة نبآية فذهبت فيها دعوتان وجاء بنوها فقالوا ليس لنا على هذا قرار قد صارت امنا كلبة نبآية يعيرنا بها الناس فادع الله ان يردها إلى الحال التي كانت عليها فدعا الله فعادت كما كانت وذهبت الدعوات الثلاث وهي البسوس وبها يضرب المثل في الشؤم فيقال أشام من البسوس .
5) قال ابن عباس: قال جهل بن أبي قشير وشموال بن زيد وهما من اليهود: يا محمد أخبرنا متى الساعة إن كنت نبيا ؟ فإنّا نعلم متى هي ؛ فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال قتادة : قالت قريش لمحمد : إن بيننا وبينك قرابة فَاسِرّ الينا متى تكون الساعة؟ فأنزل الله تعالى " يسألونك عن الساعة ". أخبرنا أبو سعيد بن أبي بكر الوراق قال أخبرنا محمد بن أحمد بن حمدان قال حدثنا أبو يعلى قال حدثنا عقبة بن مكرم قال حدثنا يونس قال حدثنا عبد الغفار بن القاسم عن ابان بن لقيط عن قرظة بن حسان قال سمعت ابا موسى في يوم جمعة على منبر الصلاة يقول : سئل رسول الله عن الساعة وأنا شاهد فقال: لا يعلمها إلا الله لا يجليها لوقتها إلا هو ولكن سأحدثكم بأشراطها وما بين يديها إن بين يديها ردما من الفتن وهرجا ، فقيل : وما الهرج يا رسول الله ؟ قال : هو بلسان الحبشة القتل وأن تحصر قلوب الناس وأن يلقى بينهم التناكر فلا يكاد أحد يعرف أحدا ويرفع ذوو الحجى وتبقى رجاجة من الناس لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا .
فضل السورة :
2) عن أبي أيوب وزيد بن ثابت " أن النبي قرأ في المغرب بالأعراف في الركعتين جميعا ".
سورة رقم -7-

بسم الله الرحمن الرحيم



المص

كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ


اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ


وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ


فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ


فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ


فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ


وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ


وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم بِمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ

==============


المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10) وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)

الأعراف - تفسير ابن كثير

المص (1) كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7)

تفسير سورة الأعراف
بسم الله الرحمن الرحيم
{ المص (1) كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ (3) }

قال الحافظ ابن كثير:
قد تقدم الكلام في أول "سورة البقرة" على ما يتعلق بالحروف وبسطه، واختلاف الناس فيه.

وقال ابن جرير: حدثنا سفيان بن وَكِيع، حدثنا أبي، عن شَرِيك، عن عطاء بن السائب، عن أبي الضُّحَى، عن ابن عباس: { المص } أنا الله أفصل وكذا قال سعيد بن جُبَير.
[قوله] (1)

={ كِتَابٌ أُنزلَ إِلَيْكَ } أي: هذا كتاب أنزل إليك، أي: من ربك، { فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ } قال مجاهد، [وعطاء] (2) وقتادة والسُّدِّي: شَكٌّ منه.
قلت المدون والحرج هو الضيق الطفيف
========================
معنى كلمة حرج – معجم لسان العرب – قاموس عربي عربي
حرج: الْحِرْجُ وَالْحَرَجُ: الْإِثْمُ أو ضيق قليل أو كثير . {أي فلا يكن في نفسك منه أي شعور بالإثم أو أي رغبة في إِلْقَاءَ الْمُلَامَةِ عَنْ نَفْسِك;

قلت المدون: وبهذا التنزيل رفع الله تعالي تأثم النبي والمؤمنين من أي تأثم أو تشكك في نفوسهم من هذا التكليف المنزل للنبي والمؤمنين 

قال في لسان العرب

= وَالْحَارِجُ: الْآثِمُ; قَاْلَ ابْنُ سِيدَهْ: أُرَاهُ عَلَى النَّسَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لَهُ
قلت المدون وما سيأتي مظللا باللون الأصفر باقي معني الحرج في لسان العرب:


= وَقَوْلُهُمْ: رَجُلٌ مُتَحَرِّجٌ؛ ڪَقَوْلِهِمْ: رَجُلٌ مُتَأَثِّمٌ وَمُتَحَوِّبٌ وَمُتَحَنِّثٌ، يُلْقِي الْحَرَجَ وَالْحِنْثَ وَالْحُوبَ وَالْإِثْمَ عَنْ نَفْسِهِ.

= وَرَجُلٌ مُتَلَوِّمٌ إِذَا تَرَبَّصَ بِالْأَمْرِ يُرِيدُ إِلْقَاءَ الْمُلَامَةِ عَنْ نَفْسِهِ; قَاْلَ الْأَزْهَرِيُّ: وَهَذِهِ حُرُوفٌ جَاءَتْ مَعَانِيهَا مُخَالِفَةً لِأَلْفَاظِهَا; وَقَالَ: قَاْلَ ذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى. وَأَحْرَجَهُ أَيْ آثَمَهُ. وَتَحَرَّجَ: تَأَثَّمَ. وَالتَّحْرِيجُ: التَّضْيِيقُ; وَفِي الْحَدِيثِ: (حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ). قَاْلَ ابْنُ الْأَثِيرِ: الْحَرَجُ فِي الْأَصْلِ الضِّيقُ، وَيَقَعُ عَلَى الْإِثْمِ وَالْحَرَامِ; وَقِيلَ: الْحَرَجُ أَضْيَقُ الضِّيقِ; فَمَعْنَاهُ أَيْ لَا بَأْسَ وَلَا إِثْمَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ مَا سَمِعْتُمْ، وَإِنِ اسْتَحَالَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْأَمَّةِ مِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّ ثِيَابَهُمْ ڪَانَتْ تَطُولُ، وَأَنَّ النَّارَ ڪَانَتْ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ فَتَأْكُلُ الْقُرْبَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ، لَا أَنْ نَتَحَدَّثَ عَنْهُمْ بِالْكَذِبِ. وَيَشْهَدُ لِهَذَا التَّأْوِيلِ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ فَإِنَّ فِيهِمُ الْعَجَائِبَ; وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ إِذَا أَدَّيْتَهُ عَلَى مَا سَمِعْتَهُ، حَقًّا ڪَانَ أَوْ بَاطِلًا، لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ إِثْمٌ لِطُولِ الْعَهْدِ وَوُقُوعِ الْفَتْرَةِ، بِخِلَافِ الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِصِحَّةِ رِوَايَتِهِ وَعَدَالَةِ رُوَاتِهِ; وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّ الْحَدِيثَ عَنْهُمْ لَيْسَ عَلَى الْوُجُوبِ لِأَنَّ قَوْلَهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ: (بَلِّغُوا عَنِّي) عَلَى الْوُجُوبِ، ثُمَّ أَتْبَعَهُ بِقَوْلِهِ: (وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ عَلَيْكُمْ إِنْ لَمْ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ). قَالَ: وَمِنْ أَحَادِيثِ الْحَرَجِ قَوْلُهُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، فِي قَتْلِ الْحَيَّاتِ: (فَلْيُحَرِّجْ عَلَيْهَا) هُوَ أَنْ يَقُولَ لَهَا: أَنْتِ فِي حَرَجٍ أَيْ فِي ضِيقٍ، إِنْ عُدْتِ إِلَيْنَا فَلَا تَلُومِينَا أَنْ نُضَيِّقَ عَلَيْكِ بِالتَّتَبُّعِ وَالطَّرْدِ وَالْقَتْلِ. قَالَ: وَمِنْهَا حَدِيثُ الْيَتَامَى: (تَحَرَّجُوا أَنْ يَأْكُلُوا مَعَهُمْ) أَيْ ضَيَّقُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ. وَتَحَرَّجَ فُلَانٌ إِذَا فَعَلَ فِعْلًا يَتَحَرَّجُ بِهِ، مِنَ الْحَرَجِ، الْإِثْمُ وَالضِّيقُ; وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّجُ حَقَّ الضَّعِيفَيْنِ الْيَتِيمِ وَالْمَرْأَةِ) أَيْ أُضَيِّقُهُ وَأُحَرِّمُهُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُمَا; وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صَلَاةِ الْجُمْعَةِ: ڪَرِهَ أَنْ يُحْرِجَهُمْ أَيْ يُوقِعَهُمْ فِي الْحَرَجِ. قَاْلَ ابْنُ الْأَثِيرِ: وَوَرَدَ الْحَرَجُ فِي أَحَادِيثَ ڪَثِيرَةٍ وَكُلُّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى. وَرَجُلٌ حَرَجٌ وَحَرِجٌ: ضَيِّقُ الصَّدْرِ; وَأَنْشَدَ:
لَا حَرِجُ الصَّدْرِ وَلَا عَنِيفُ
وَالْحَرَجُ: الضِّيقُ. وَحَرِجَ صَدْرُهُ يَحْرَجُ حَرَجًا: ضَاقَ فَلَمْ يَنْشَرِحْ لِخَيْرٍ، فَهُوَ حَرِجٌ وَحَرَجٌ، فَمَنْ قَاْلَ حَرِجٌ؛ ثَنَّى وَجَمَعَ، وَمَنْ قَاْلَ حَرَجٌ أَفْرَدَ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا وَحَرِجًا; قَاْلَ الْفَرَّاءُ: قَرَأَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُمَرُ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، حَرَجًا، وَقَرَأَهَا النَّاسُ حَرِجًا. قَالَ: وَالْحَرَجُ فِيمَا فَسَّرَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ الْمَوْضِعُ الْكَثِيرُ الشَّجَرِ الَّذِي لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الرَّاعِيَةُ; قَالَ: وَكَذَلِكَ صَدْرُ الْكَافِرِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ الْحِكْمَةُ; قَالَ: وَهُوَ فِي ڪَسْرِهِ وَنَصْبِهِ بِمَنْزِلَةِ الْوَحَدِ وَالْوَحِدِ، وَالْفَرَدِ وَالْفَرِدِ، وَالدَّنَفِ وَالدَّنِفِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْحَرَجُ فِي اللُّغَةِ أَضْيَقُ الضِّيقِ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ ضَيِّقٌ جِدًّا. قَالَ: وَمَنْ قَاْلَ رَجُلٌ حَرِجُ الصَّدْرِ فَمَعْنَاهُ ذُو حَرَجٍ فِي صَدْرِهِ، وَمَنْ قَاْلَ حَرِجٌ جَعَلَهُ فَاعِلًا; وَكَذَلِكَ رَجُلٌ دَنِفٌ ذُو دَنَفٍ، وَدَنِفٌ نَعْتٌ; الْجَوْهَرِيُّ: وَمَكَانٌ حَرَجٌ وَحَرِجٌ أَيْ مَكَانٌ ضَيِّقٌ ڪَثِيرُ الشَّجَرِ. وَالْحَرِجُ: الَّذِي لَا يَكَادُ يَبْرَحُ الْقِتَالَ; قَالَ:
مِنَّا الزُّوَيْنُ الْحَرِجُ الْمُقَاتِلُ
وَالْحَرِجُ: الَّذِي لَا يَنْهَزِمُ ڪَأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ الْعُذْرُ فِي الِانْهِزَامِ. وَالْحَرِجُ: الَّذِي يَهَابُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْأَمْرِ، وَهَذَا ضَيِّقٌ أَيْضًا. وَحَرِجَ إِلَيْهِ: لَجَأَ عَنْ ضِيقٍ. وَأَحْرَجَهُ إِلَيْهِ: أَلْجَأَهُ وَضَيَّقَ عَلَيْهِ. وَحَرَّجَ فُلَانٌ عَلَى فُلَانٍ إِذَا ضَيَّقَ عَلَيْهِ، وَأَحْرَجْتُ فُلَانًا: صَيَّرْتُهُ إِلَى الْحَرَجِ، وَهُوَ الضَّيِّقُ; وَأَحْرَجْتُهُ: أَلْجَأْتُهُ إِلَى مَضِيقٍ، وَكَذَلِكَ أَحْجَرْتُهُ وَأَحْرَدْتُهُ، بِمَعْنًى وَاحِدٍ; وَيُقَالُ: أَحْرَجَنِي إِلَى ڪَذَا وَكَذَا فَحَرِجْتُ إِلَيْهِ أَيِ انْضَمَمْتُ. وَأَحْرَجَ الْكَلْبَ وَالسَّبُعَ: أَلْجَأَهُ إِلَى مَضِيقٍ فَحَمَلَ عَلَيْهِ. وَحَرِجَ الْغُبَارُ، فَهُوَ حَرِجٌ: ثَارَ فِي مَوْضِعٍ ضَيِّقٍ، فَانْضَمَّ إِلَى حَائِطٍ أَوْ سَنَدٍ; قَالَ:
وَغَارَةٍ يَحْرَجُ الْقَتَامُ لَهَا يَهْلِكُ فِيهَا الْمُنَاجِدُ الْبَطَلُ
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: قَاْلَ اللَّيْثُ: يُقَالُ لِلْغُبَارِ السَّاطِعِ الْمُنْضَمِّ إِلَى حَائِطٍ أَوْ سَنَدٍ قَدْ حَرِجَ إِلَيْهِ; وَقَالَ لَبِيدٌ:
حَرِجًا إِلَى أَعْلَامِهِنَّ قَتَامُهَا
وَمَكَانٌ حَرِجٌ وَحَرِيجٌ; قَالَ:
وَمَا أَبْهَمَتْ فَهُوَ حَجٌّ حَرِيجٌ
وَحَرِجَتْ عَيْنُهُ تَحْرَجُ حَرَجًا أَيْ حَارَتْ; قَاْلَ ذُو الرُّمَّةِ:
تَزْدَادُ لِلْعَيْنِ إِبْهَاجًا إِذَا سَفَرَتْ وَتَحْرَجُ الْعَيْنُ فِيهَا حِينَ تَنْتَقِبُ
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَنْصَرِفُ وَلَا تَطْرِفُ مِنْ شِدَّةِ النَّظَرِ. الْأَزْهَرِيُّ: الْحَرَجُ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ فَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَتَحَرَّكَ مِنْ مَكَانِهِ فَرَقًا وَغَيْظًا. وَحَرِجَ عَلَيْهِ السُّحُورُ إِذَا أَصْبَحَ قَبْلَ أَنْ يَتَسَحَّرَ، فَحَرُمَ عَلَيْهِ لِضِيقِ وَقْتِهِ. وَحَرِجَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَرْأَةِ حَرَجًا: حَرُمَتْ، وَهُوَ مِنَ الضِّيقِ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِذَا حَرُمَ فَقَدْ ضَاقَ. وَحَرِجَ عَلَيَّ ظُلْمُكَ حَرَجًا أَيْ حَرُمَ. وَيُقَالُ: أَحْرَجَ امْرَأَتَهُ بِطَلْقَةٍ أَيْ حَرَّمَهَا; وَيُقَالُ: أَكَسَعَهَا بِالْمُحْرِجَاتِ؟ يُرِيدُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ. الْأَزْهَرِيُّ: وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: وَحَرْثٌ حِرْجٌ أَيْ حَرَامٌ; وَقَرَأَ النَّاسُ: وَحَرْثٌ حِجْرٌ. الْجَوْهَرِيُّ: وَالْحِرْجُ لُغَةٌ فِي الْحَرَجِ، وَهُوَ الْإِثْمُ; قَالَ: حَكَاهُ يُونُسُ. وَالْحَرَجَةُ: الْغَيْضَةُ لِضِيقِهَا; وَقِيلَ: الشَّجَرُ الْمُلْتَفُّ، وَهِيَ أَيْضًا الشَّجَرَةُ تَكُونُ بَيْنَ الْأَشْجَارِ لَا تَصِلُ إِلَيْهَا الْآكِلَةُ، وَهِيَ مَا رَعَى مِنَ الْمَالِ. وَالْجَمْعُ مِنْ ڪُلِّ ذَلِكَ: حَرَجٌ وَأَحْرَاجٌ وَحَرَجَاتٌ; قَاْلَ الشَّاعِرُ:
أَيَا حَرَجَاتِ الْحَيِّ حِينَ تَحَمَّلُوا بِذِي سَلَمٍ لَا جَادَكُنَّ رَبِيعُ!
وَحِرَاجٌ; قَاْلَ رُؤْبَةُ:
عَاذَا بِكُمْ مِنْ سَنَةٍ مِسْحَاجِ شَهْبَاءَ تُلْقِي وَرَقَ الْحِرَاجِ
وَهِيَ الْمَحَارِيجُ. وَقِيلَ: الْحَرَجَةُ تَكُونُ مِنَ السَّمُرِ وَالطَّلْحِ وَالْعَوْسَجِ وَالسَّلَمِ وَالسَّدْرِ; وَقِيلَ: هُوَ مَا اجْتَمَعَ مِنَ السَّدْرِ وَالزَّيْتُونِ وَسَائِرِ الشَّجَرِ; وَقِيلَ: هِيَ مَوْضِعٌ مِنَ الْغَيْضَةِ تَلْتَفُّ فِيهِ شَجَرَاتٌ قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ; قَاْلَ أَبُو زَيْدٍ: سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لَالْتِفَافِهَا وَضِيقِ الْمَسْلَكِ فِيهَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الْحَرَجَةُ مُجْتَمَعُ شَجَرٍ. قَاْلَ الْأَزْهَرِيُّ: قَاْلَ أَبُو الْهَيْثَمِ: الْحِرَاجُ غِيَاضٌ مِنْ شَجَرِ السَّلَمِ مُلْتَفَّةٌ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَنْفُذَ فِيهَا; قَاْلَ الْعَجَّاجُ:
عَايَنَ حَيًّا ڪَالْحِرَاجِ نَعَمُهْ يَكُونُ أَقْصَى شَلِّهِ مُحْرَنْجِمُهْ
وَفِي حَدِيثِ حُنَيْنٍ: حَتَّى تَرَكُوهُ فِي حَرَجَةٍ; الْحَرَجَةُ بِالْفَتْحِ وَالتَّحْرِيكِ: مُجْتَمَعُ شَجَرٍ مُلْتَفٍّ ڪَالْغَيْضَةِ. وَفِي حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ عَمْرٍو: نَظَرْتُ إِلَى أَبِي جَهْلٍ فِي مِثْلِ الْحَرَجَةِ. وَالْحَدِيثُ الْآخَرُ: إِنَّ مَوْضِعَ الْبَيْتِ ڪَانَ فِي حَرَجَةٍ وَعِضَاهِ. وَحِرَاجُ الظَّلْمَاءِ: مَا ڪَثُفَ وَالْتَفَّ; قَاْلَ ابْنُ مَيَّادَةَ:
أَلَا طَرَقَتْنَا أُمُّ أَوْسٍ وَدُونَهَا حِرَاجٌ مِنَ الظَّلْمَاءِ يَعْشَى غُرَابُهَا؟
خَصَّ الْغُرَابَ لِحِدَّةِ الْبَصَرِ، يَقُولُ: فَإِذَا لَمْ يُبْصِرْ فِيهَا الْغُرَابُ مَعَ حِدَّةِ بَصَرِهِ فَمَا ظَنُّكَ بِغَيْرِهِ؟ وَالْحَرَجَةُ: الْجَمَاعَةُ مِنَ الْإِبِلِ، قَاْلَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْحَرَجَةُ مِائَةٌ مِنَ الْإِبِلِ. وَرَكِبَ الْحَرَجَةَ أَيِ الطَّرِيقَ; وَقِيلَ: مُعْظَمُهُ، وَقَدْ حُكِيَتْ بِجِيمَيْنِ. وَالْحَرَجُ: سَرِيرٌ يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَرِيضُ أَوِ الْمَيِّتُ; وَقِيلَ: هُوَ خَشَبٌ يُشَدُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ قَاْلَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَإِمَّا تَرَيْنِي فِي رِحَالَةِ جَابِرٍ عَلَى حَرَجٍ ڪَالْقَرِّ تَخْفِقُ أَكْفَانِي
ابْنُ بَرِّيٍّ: أَرَادَ بِالرِّحَالَةِ الْخَشَبَ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ، وَأَرَادَ بِالْأَكْفَانِ ثِيَابَهُ الَّتِي عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدَّرَ أَنَّهَا ثِيَابُهُ الَّتِي يُدْفَنُ فِيهَا. وَخَفْقُهَا ضَرْبُ الرِّيحِ لَهَا. وَأَرَادَ بِجَابِرٍ جَابِرَ بْنَ حُنَيٍّ التَّغْلَبِيَّ، وَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِ الرُّومِ، فَلَمَّا اشْتَدَّتْ عِلَّتُهُ صُنِعَ لَهُ مِنَ الْخَشَبِ شَيْئًا ڪَالْقَرِّ يُحْمَلُ فِيهِ; وَالْقَرُّ: مَرْكَبٌ مِنْ مَرَاكِبِ الرِّجَالِ بَيْنَ الرَّحْلِ وَالسَّرْجِ. قَالَ: ڪَذَا ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ غَيْرُهُ: هُوَ الْهَوْدَجُ. الْجَوْهَرِيُّ: الْحَرَجُ خَشَبٌ يُشَدُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ تُحْمَلُ فِيهِ الْمَوْتَى، وَرُبَّمَا وُضِعَ فَوْقَ نَعْشِ النِّسَاءِ. قَاْلَ الْأَزْهَرِيُّ: وَحَرَجُ النَّعْشِ شَجَارٌ مِنْ خَشَبٍ جُعِلَ فَوْقَ نَعْشِ الْمَيِّتِ، وَهُوَ سَرِيرُهُ. قَاْلَ الْأَزْهَرِيُّ: وَأَمَّا قَوْلُ عَنْتَرَةَ يَصِفُ ظَلِيمًا وَقُلُصَهُ:
يَتْبَعْنَ قُلَّةَ رَأْسِهِ وَكَأَنَّهُ حَرَجٌ عَلَى نَعْشٍ لَهُنَّ مُخَيَّمِ
هَذَا يَصِفُ نَعَامَةً يَتْبَعُهَا رِئَالُهَا، وَهُوَ يَبْسُطُ جَنَاحَيْهِ وَيَجْعَلُهَا تَحْتَهُ. قَاْلَ ابْنُ سِيدَهْ: وَالْحَرَجُ مَرْكَبٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ لَيْسَ لَهُ رَأْسٌ. وَالْحَرَجُ وَالْحِرْجُ: الشَّخْصُ. وَالْحَرَجُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي لَا تُرْكَبُ وَلَا يَضْرِبُهَا الْفَحْلُ لِيَكُونَ أَسْمَنَ لَهَا إِنَّمَا هِيَ مُعَدَّةٌ; قَاْلَ لَبِيدٌ:
حَرَجٌ فِي مِرْفَقَيْهَا ڪَالْفَتَلْ
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: هَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ، وَهُوَ مَدْخُولٌ. وَالْحَرَجُ وَالْحُرْجُوجُ: النَّاقَةُ الْجَسِيمَةُ الطَّوِيلَةُ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ; وَقِيلَ: الشَّدِيدَةُ، وَقِيلَ: هِيَ الضَّامِرَةُ وَجَمْعُهَا حَرَاجِيجُ. وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ: نَاقَةٌ حُرْجُجٌ، بِمَعْنَى الْحُرْجُوجِ، وَأَصْلُ الْحُرْجُوجِ حُرْجُجٌ، وَأَصْلُ الْحُرْجُجِ حُرْجٌ، بِالضَّمِّ. وَفِي الْحَدِيثِ: قَدِمَ وَفْدُ مَذْحَجَ عَلَى حَرَاجِيجَ، جَمْعُ حُرْجُوجٍ وَحُرْجِيجٍ، وَهِيَ النَّاقَةُ الطَّوِيلَةُ; وَقِيلَ: الضَّامِرَةُ، وَقِيلَ: الْحُرْجُوجُ الْوَقَّادَةُ الْحَادَّةُ الْقَلْبِ; قَالَ:
أَذَاكَ وَلَمْ تَرْحَلْ إِلَى أَهْلِ مَسْجِدٍ بِرَحْلِيَ حُرْجُوجٌ عَلَيْهَا النَّمَارِقُ
وَالْحُرْجُوجُ: الرِّيحُ الْبَارِدَةُ الشَّدِيدَةُ; قَاْلَ ذُو الرُّمَّةِ:
أَنْقَاءُ سَارِيَةٍ حَلَّتْ عَزَالِيَهَا مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، رِيحٌ غَيْرُ حُرْجُوجِ
وَحَرَجَ الرَّجُلُ أَنْيَابَهُ يَحْرُجُهَا حَرْجًا: حَكَّ بَعْضَهَا إِلَى بَعْضٍ مِنَ الْحَرَدِ; قَاْلَ الشَّاعِرُ:
وَيَوْمٌ تُحْرَجُ الْأَضْرَاسُ فِيهِ لِأَبْطَالِ الْكُمَاةِ، بِهِ أُوَامُ
وَالْحِرْجُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ: الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ، وَقِيلَ: هِيَ نَصِيبُ الْكَلْبِ مِنَ الصَّيْدِ وَهُوَ مَا أَشْبَهَ الْأَطْرَافَ مِنَ الرَّأْسِ وَالْكُرَاعِ وَالْبَطْنِ، وَالْكِلَابُ تَطْمَعُ فِيهَا. قَاْلَ الْأَزْهَرِيُّ: الْحِرْجُ مَا يُلْقَى لِلْكَلْبِ مِنْ صَيْدِهِ، وَالْجَمْعُ أَحْرَاجٌ; قَاْلَ جَحْدَرٌ يَصِفُ الْأَسَدَ:
وَتَقَدُّمِي لِلَّيْثِ أَمْشِي نَحْوَهُ حَتَّى أُكَابِرَهُ عَلَى الْأَحْرَاجِ
وَقَالَ الطِّرِمَّاحُ:
يَبْتَدِرْنَ الْأَحْرَاجَ ڪَالثَّوْلِ، وَالْحِرْ جُ لِرَبِّ الْكِلَابِ يَصْطَفِدُهْ
يَصْطَفِدُهُ أَيْ يَدَّخِرُهُ وَيَجْعَلُهُ صَفَدًا لِنَفْسِهِ وَيَخْتَارُهُ; شَبَّهَ الْكِلَابَ فِي سُرْعَتِهَا بِالزَّنَابِيرِ، وَهِيَ الثَّوْلُ. وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ: أَحْرِجْ لِكَلْبِكَ مِنْ صَيْدِهِ فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى الصَّيْدِ. وَقَالَ الْمُفَضَّلُ: الْحِرْجُ حِبَالٌ تُنْصَبُ لِلسَّبُعِ; قَاْلَ الشَّاعِرُ:
وَشَرُّ النُّدَامَى مَنْ تَبِيتُ ثِيَابُهُ مُجَفَّفَةً ڪَأَنَّهَا حِرْجُ حَابِلِ
وَالْحِرْجُ: الْوَدَعَةُ، وَالْجَمْعُ أَحْرَاجٌ وَحِرَاجٌ; وَقَوْلُ الْهُذَلِيِّ:
أَلَمْ تَقْتُلُوا الْحِرْجَيْنِ، إِذْ أَعْرَضَا لَكُمْ يَمُرَّانِ بِالْأَيْدِي اللِّحَاءَ الْمُضَفَّرَا؟
إِنَّمَا عَنَى بِالْحِرْجَيْنِ رَجُلَيْنِ أَبْيَضَيْنِ ڪَالْوَدَعَةِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيَاضُ لَوْنَهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ڪَنَّى بِذَلِكَ عَنْ شَرَفِهِمَا، وَكَانَ هَذَانِ الرَّجُلَانِ قَدْ قَشَرَا لِحَاءَ شَجَرِ الْكَعْبَةِ لِيَتَخَفَّرَا بِذَلِكَ. وَالْمُضَفَّرُ: الْمَفْتُولُ ڪَالضَّفِيرَةِ. وَالْحِرْجُ: قِلَادَةُ الْكَلْبِ، وَالْجَمْعُ أَحْرَاجٌ وَحِرَجَةٌ; قَالَ:
بِنَوَاشِطٍ غُضْفٍ يُقَلِّدُهَا الْأَ حْرَاجَ، فَوْقَ مُتُونِهَا لُمَعُ
الْأَزْهَرِيُّ: وَيُقَالُ ثَلَاثَةُ أَحْرِجَةٍ، وَكَلْبٌ مَحَرَّجٌ، وَكِلَابٌ مُحَرَّجَةٌ أَيْ مُقَلَّدَةٌ; وَأَنْشَدَ فِي تَرْجَمَةِ عَضْرَسَ:
مُحَرَّجَةٌ حُصٌّ ڪَأَنَّ عُيُونَهَا إِذَا أَيَّهَ الْقَنَّاصُ بِالصَّيْدِ، عَضْرَسُ
مُحَرَّجَةٌ: مُقَلَّدَةٌ بِالْأَحْرَاجِ، جَمْعُ حِرْجٍ لِلْوَدَعَةِ. وَحُصٌّ: قَدِ انْحَصَّ شَعَرُهَا، وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ فِي قَوْلِهِ:
طَاوِي الْحَشَا قَصُرَتْ عَنْهُ مُحَرَّجَةٌ
قَالَ: مُحَرَّجَةٌ: فِي أَعْنَاقِهَا حِرْجٌ، وَهُوَ الْوَدَعُ. وَالْوَدَعُ: خَرَزٌ يُعَلَّقُ فِي أَعْنَاقِهَا. الْأَزْهَرِيُّ: وَالْحِرْجُ الْقِلَادَةُ لِكُلِّ حَيَوَانٍ. قَالَ: وَالْحِرْجُ: الثِّيَابُ الَّتِي تُبْسَطُ عَلَى حَبْلٍ لِتَجِفَّ، وَجَمْعُهَا حِرَاجٌ فِي جَمْعِهَا. وَالْحِرْجُ: جَمَاعَةُ الْغَنَمِ، عَنْ ڪُرَاعٍ، وَجَمْعُهُ أَحْرَاجٌ. وَالْحُرْجُ: مَوْضِعٌ مَعْرُوفٌ.

معنى كلمة حرج – معجم لسان العرب – قاموس عربي عربي

=======باقي المعني من نفسير ابن كثير::
وقيل: لا تتحرج به في إبلاغه والإنذار به [واصبر] (3) كما صبر أولو العزم من الرسل؛ ولهذا قال: { لِتُنْذِرَ بِهِ } أي: أنزل إليك لتنذر به الكافرين، { وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } .


ثم قال تعالى مخاطبًا للعالم: { اتَّبِعُوا مَا أُنزلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ } أي: اقتفوا آثار النبي الأمي الذي جاءكم بكتاب أنزل إليكم من رب كلّ شيء ومليكه، { وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ } أي: لا تخرجوا عما جاءكم به الرسول إلى غيره، فتكونوا قد عدلتم عن حكم الله إلى حكم غيره.
{ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } كقوله: { وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ } [ يوسف : 103 ] . وقوله: { وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } [ الأنعام : 116 ] وقوله: { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } [ يوسف : 106 ] .
{ وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ (4) فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (5) فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6) فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ (7) }
يقول تعالى: { وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا } أي: بمخالفة رسلنا وتكذيبهم، فأعقبهم ذلك خِزْيُ الدنيا موصولا بذُلِّ الآخرة، كما قال تعالى: { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ } [ الأنعام : 10 ] . وقال تعالى: { فَكَأَيِّنْ (4) مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ } [ الحج: 45 ] .
__________
(1) زيادة من د.
(2) زيادة من م.
(3) زيادة من ك، م، أ.
(4) في أ: "وكأين". (3/387)



وقال تعالى: { وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ } [ القصص : 58 ].

وقوله: { فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } أي: فكان منهم من جاءه أمر الله وبأسه ونقمته { بَيَاتًا } أي: ليلا { أَوْ هُمْ قَائِلُونَ } من القيلولة، وهي: الاستراحة وسط النهار. وكلا الوقتين وقت غَفْلة ولَهْو (1) كما قال [تعالى] (2) { أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُون * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [ الأعراف : 97، 98 ].

 

= وقال: { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِين * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ } [ النحل : 45-47 ] .

 


وقوله: { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } أي: فما كان قولهم عند مجيء العذاب إلا أن اعترفوا بذنوبهم، وأنهم حقيقون بهذا.

 

= كما قال تعالى: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً [ وَأَنْشَأَْ بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ * فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ. قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا ] خَامِدِين } (3) [ الأنبياء : 11-15 ] .

 


وقال ابن جرير: في هذه الآية الدلالة الواضحة على صحة ما جاءت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم"،

 

= حدثنا بذلك ابن حُمَيْد، حدثنا جرير، عن أبي سِنان، عن عبد الملك بن مَيْسَرة الزرّاد قال: قال عبد الله بن مسعود [رضي الله عنه] (4) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما هلك قوم حتى يُعْذِروا من أنفسهم". قال: قلت لعبد الملك: كيف يكون ذاك؟ قال: فقرأ هذه الآية: { فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ } (5) .

 


وقوله: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ } الآية، كقوله [تعالى] (6) { وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}[ القصص: 65 ]

=وقوله: { يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ } [ المائدة : 109 ]

 

= فالرَّبُّ تبارك وتعالى يوم القيامة يسأل الأمم عما أجابوا رسله فيما أرسلهم به، ويسأل الرسل أيضا عن إبلاغ (7) رسالاته؛

 

= ولهذا قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، في تفسير هذه الآية: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } قال: يسأل الله الناس عما أجابوا المرسلين، ويسأل المرسلين عما بلغوا.


وقال ابن مَرْدُويه: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أبو سعيد الكنْدي، حدثنا المحاربي، عن لَيْث، عن نافع، عن ابن عمر [رضي الله عنهما] (8) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم رَاعٍ وكلكم مسئول عن رَعِيَّتِهِ، فالإمام يُسْأل عن الرجل (9)
__________
(1) في ك: "لهو وغفلة".
(2) زيادة من أ.
(3) زيادة من ك، د، أ، وفي هـ "إلى قوله".
(4) زيادة من أ.
(5) تفسير الطبري (12/304).
(6) زيادة من ك، م، أ.
(7) في ك، م: "بلاغ".
(8) زيادة من أ.
(9) في ك: "عن رعيته". (3/388)


وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآَيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9)

والرجل يسأل عن أهله (1) والمرأة تسأل عن بيت زوجها، والعبد يسأل عن مال سيده". قال الليث: وحدثني ابن طاوس، مثله، ثم قرأ: { فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ } (2) .
وهذا الحديث مُخَرَّجٌ في الصحيحين بدون هذه الزيادة (3)
وقال ابن عباس: { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } يوضع الكتاب يوم القيامة، فيتكلم بما كانوا يعملون، { وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ } يعني: أنه تعالى يخبر عباده يوم القيامة بما قالوا وبما عملوا، من قليل وكثير، وجليل وحَقِير؛ لأنه تعالى شهيد على كل شيء، لا يغيب عنه شيء، ولا يغفل عن شيء، بل هو العالم بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، { وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } [ الأنعام: 59 ] .
{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (8) وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ (9) }
يقول [تبارك و] (4) تعالى: { وَالْوَزْن } أي: للأعمال (5) يوم القيامة { الْحَق } أي: لا يظلم تعالى أحدا، كما قال تعالى: { وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ } [ الأنبياء: 47 ] وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا } [ النساء : 40 ] وقال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ } [ القارعة : 6-11 ] وقال تعالى: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ * فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ } [ المؤمنون : 101 -103 ] .
فصــــــــــــــــــــــــــــل:
والذي يوضع في الميزان يوم القيامة (6) قيل:

1-الأعمال وإن كانت أعراضًا، إلا أن الله تعالى يقلبها يوم القيامة أجساما.
قال البغوي: يروى هذا عن ابن عباس (7) كما جاء في الصحيح من أن "البقرة" و "آل عمران" يأتيان (8) يوم القيامة كأنهما غمامتان -أو: غيَايَتان -أو فِرْقَان من طير صَوَافّ.

 

---من ذلك في الصحيح قصة القرآن وأنه يأتي صاحبه في صورة شاب شاحب اللَّون، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا القرآن الذي
__________
(1) في أ: "أهل بيته".
(2) وفي إسناده عبد الرحمن بن محمد المحاربي، قال ابن معين: يروى المناكير عن المجهولين، ولكن روي من وجه آخر عن نافع عن ابن عمر وفي الصحيحين.
(3) صحيح البخاري برقم (5188) وصحيح مسلم برقم (1829).
(4) زيادة من أ.
(5) في ك: "الأعمال".
(6) في ك: "يوم القيامة في الميزان".
(7) معالم التنزيل للبغوي (3/215).
(8) في أ: "تأتيان".  (3/389)



وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ (10)

أسهرت ليلك وأظمأت نهارك (1) وفي حديث البراء، في قصة سؤال القبر: "فيأتي المؤمن شابٌّ حسن اللون طيّب الريح، فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا عملك الصالح" (2) وذكر عكسه في شأن الكافر والمنافق.

قلت المدون فللآخرة وعند الله ماهيات الأعمال كما هي لكن تتغير أشكال الأعمال بهيئات مختلفة يوم القيامة فالعمل الصالح سيأتي صاحبه في شكل مؤمن شابٌّ حسن اللون طيّب الريح  وهكذا بموازين الآخرة في أشكال مختلفة ثابتة في كل معانيها عن المؤمنين أو الكافرين وقد استقرت هذه المعاني في نفوس ووجدان الخلق بمعانيها الجديدة كأنها ثابتة من القدم عند الخلق من ذلك الاعمال الصالحة او الطالحة ومن ذلك ان يأتي العمل في شكل ظلة او غمامة تظل صاحبها او صاحب يصحبه قي طريقه او علي الصراط او ا شابه ذلك أو ظلة لصاحبها من شمس الآخرة او كمثاقيل تطبب الميزان او ..........
وقيل: يوزن كتاب الأعمال، كما جاء في حديث البطاقة، في الرجل الذي يؤتى به ويوضع له في كِفَّة تسعة وتسعون سجلا كل سِجِلّ مَدّ البصر، ثم يؤتى بتلك البطاقة فيها: "لا إله إلا الله" فيقول: يا رب، وما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول الله تعالى: إنك لا تُظلَم. فتوضع تلك البطاقة في كفة الميزان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فَطاشَت السجلات، وثَقُلَتِ البطاقة".

وقد رواه الترمذي بنحو من هذا (3) وصححه.

ومثل


16.حديث صاحب البطاقة كيف فهمه الناس؟

 

إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ، يَقُولُ اللَّهُ : مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيَخْرُجُونَ قَدِ امْتُحِشُوا وَعَادُوا حُمَمًا

 

قلت المدون ::: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ ، وَأَهْلُ النَّارِ النَّارَ ، يَقُولُ اللَّهُ : مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ فَأَخْرِجُوهُ ، فَيَخْرُجُونَ قَدِ امْتُحِشُوا وَعَادُوا حُمَمًا
ضوابط أحكام الشفاعة

بداية اقول


رواه الترمذي بنحو من هذا (3) وصححه.
وقيل: يوزن صاحب العمل، كما في الحديث: "يُؤتَى يوم القيامة بالرجل السَّمِين، فلا يَزِن عند الله جَنَاح بَعُوضَة" (4) ثم قرأ: { فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [ الكهف : 105 ] .
وفي مناقب عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: "أتعجبون من دِقَّة ساقَيْهِ، فوالذي (5) نفسي بيده لهما في الميزان أثقل من أُحُدٍ" (6)
وقد يمكن الجمع بين هذه الآثار بأن يكون ذلك كله صحيحا، فتارة (7) توزن الأعمال، وتارة توزن محالها، وتارة يوزن فاعلها، والله أعلم.
{ وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ (10) }
يقول تعالى ممتنا على عبيده (8) فيما مكن لهم من أنه جَعَل الأرض قرارًا، وجعل لها رواسي وأنهارًا، وجعل لهم فيها منازل وبيوتًا، وأباح منافعها، وسَخَّر لهم السحاب لإخراج أرزاقهم منها، وجعل لهم فيها معايش، أي: مكاسب وأسبابًا يتجرون فيها، ويتسببون أنواع الأسباب، وأكثرهم مع هذا قليل الشكر على ذلك، كما قال تعالى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } [ إبراهيم : 34 ] .
وقد قرأ الجميع: { مَعَايِش } بلا همز، إلا عبد الرحمن بن هُرْمُز الأعرج فإنه همزها. والصواب الذي عليه الأكثرون بلا همز؛ لأن معايش جمع معيشة، من عاش يعيش عيشا، ومعيشة أصلها "مَعْيِشَة" فاستثقلت الكسرة على الياء، فنقلت إلى العين فصارت مَعِيشة، فلما جمعت رجعت الحركة إلى الياء لزوال الاستثقال، فقيل: معايش. ووزنه مفاعل؛ لأن الياء أصلية في الكلمة. بخلاف مدائن
__________
(1) ورواه أحمد في مسنده (5/348) وابن ماجه في السنن برقم (3781) من طريق بشير بن المهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدة بن الحصيب، رضي الله عنه، مرفوعا
(2) رواه أحمد في مسنده (5/287).
(3) سنن الترمذي برقم (2639) ورواه ابن ماجة في السنن برقم (2639) والحاكم في المستدرك (1/529) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد على شرطهما ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي،
(4) رواه البخاري في صحيحه برقم (4729) بنحوه من حديث أبي هريرة، رضي الله عنه.
(5) في د، م: "والذي".
(6) رواه أحمد في مسنده (1/420).
(7) في ك: "وتارة".
(8) في م: "عباده". (3/390)



وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآَدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11)

وصحائف وبصائر، جمع مدينة وصحيفة وبصيرة من: مدن وصحف وأبصر، فإن الياء فيها زائدة، ولهذا تجمع على فعائل، وتهمز لذلك، والله أعلم.
{ وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (11) }
ينبه تعالى بني آدم في هذا المقام على شرف أبيهم آدم، ويبين لهم عداوة عدوهم إبليس، وما هو مُنْطَوٍ عليه من الحسد لهم ولأبيهم آدم، ليحذروه ولا يتبعوا طرائقه، فقال تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ [ فَسَجَدُوا ] } (1) وهذا كقوله تعالى: { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [ فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ ] } (2) الآية [ الحجر : 28 -30 ] ، وذلك أنه تعالى لما خلق آدم، عليه السلام، بيده من طين لازب، وصوره بشرًا [سويا] (3) ونفخ فيه من روحه، وأمر الملائكة بالسجود له تعظيما لشأن الرب تعالى وجلاله، فسمعوا كلهم وأطاعوا، إلا إبليس لم يكن من الساجدين. وقد تقدم الكلام على إبليس في أول تفسير "سورة البقرة".
وهذا الذي قررناه هو اختيار ابن جرير: أن المراد بذلك كله آدم، عليه السلام.
وقال سفيان الثوري، عن الأعمش، عن المِنْهَال بن عمرو، عن سعيد بن جُبَيْر، عن ابن عباس: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } قال: خُلِقوا في أصلاب الرجال، وصُوِّروا في أرحام النساء.
رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (4)
ونقله ابن جرير عن بعض السلف أيضا: أن المراد بخلقناكم ثم صورناكم: الذرية.
وقال الربيع بن أنس، والسُّدي، وقتادة، والضحاك في هذه الآية: { وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ } أي: خلقنا آدم ثم صورنا الذرية.
وهذا فيه نظر؛ لأنه قال بعده: { ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ } فدل على أن المراد بذلك آدم، وإنما قيل ذلك بالجمع لأنه أبو البشر، كما يقول الله تعالى لبني إسرائيل الذين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم: { وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى } [ البقرة : 57 ] والمراد: آباؤهم الذين كانوا في زمن موسى [عليه السلام] (5) ولكن لما كان ذلك مِنَّةً على الآباء الذين هم أصلٌ صار كأنه واقع على الأبناء. وهذا بخلاف قوله تعالى: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ [ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ] } (6) [ المؤمنون : 12 -13 ] فإن المراد منه آدم المخلوق من السلالة (7) وذريته مخلوقون من
__________
(1) زيادة من ك.
(2) زيادة من م.
(3) زيادة من ك، م، أ.
(4) المستدرك (2/319).
(5) زيادة من أ.
(6) زيادة من م، أ، وفي هـ: "الآية".
(7) في ك، م: "من سلالة من طين".  (3/391)


نطفة، وصح هذا لأن المراد من (1) خلقنا الإنسان الجنس، لا معينا، والله أعلم.
__________
(1) في ك، م، أ: "في".  (3/392) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه محمد وسلم وهب الله لك حسن الاستماع وأشعر ...