Translate

الجمعة، 3 فبراير 2023

أبو بكر الصديق أول الخلفاء الراشدين

ابو بكر الصديق 

ترجمة حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

هو عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب ابن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشّي التيميّ. يلتقي مع رسول الله في مرة بن كعب. أبو بكر الصديق بن أبي قحافة. واسم أبي قحافة عثمان. وأمه أم الخير سَلمَى بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة، وهي ابنة عم أبي قحافة.

أسلم أبو بكر ثم أسلمت أمه بعده، وصحب رسول الله ﷺ. قال العلماء: لا يعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله، إلا آل أبي بكر الصديق وهم: عبد الله بن الزبير، أمه أسماء بنت أبي بكر بن أبي قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون. وأيضاً أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنهم.

ولقب عَتِيقاً لتعتقه من النار وقيل لحسن وجهه. وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ قال: «أبو [7]بكر عتيق الله من النار » فمن يومئذ سمي « عتيقاً ». وقيل سمي عتيقاً لأنه لم يكن في نسبه شىء يعاب به. وأجمعت الأثمة على تسميته صديقا. قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «إن الله تعالى هو الذي سمى أبا بكر على لسان رسول الله ﷺ صدّيقاً» وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول الله ﷺ ولازم الصدق فلم تقع منه هنات ولا كذبة في حال من الاحوال. وعن عائشة أنها قالت:

«لما أسري بالنبي ﷺ إلى المسجد الأقصى أصبح يحدث الناس بذلك فارتد ناس ممن كان آمن وصدق به وفتنوا به. فقال أبو بكر: إني لأصدقه في ما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء غدوة أو روحة، فلذلك سمي أبا بكر الصدّيق »

وقال أبو محجن الثقفي:

وسميت صديقاً وكل مهاجر

سواك يسمى باسمه غير منكر

[8]

سبقت إلى الإسلام والله شاهد

وكنت جليساً في العريش المشهر

ولد أبو بكر سنة 573 م بعد الفيل بثلاث سنين تقريباً، وكان رضي الله عنه صديقاً لرسول الله قبل البعث وهو أصغر منه سناً بثلاث سنوات وكان يكثر غشيانه في منزله ومحادثته. وقيل: كنى بأبي بكر لابتكاره الخصال الحميدة, فلها أسلم آزر النبي ﷺ في نصر دين الله تعالى بنفسه وماله. وكان له لما أسلم 40,000 درهم أنفقها في سبيل الله مع ما كسب من التجارة.

قال تعالى ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ وَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَىٰ﴾. الليل 17 - 19

وقد أجمع المفسرون على أن المراد منه أبو بكر. وقد رد الفخر الرازي على من قال إنها نزلت في حق علي رضي الله عنه.

كان أبو بكر رضي الله عنه من رؤساء قريش في الجاهلية محبباً فيهم مؤلفاً لهم، وكان إليه الأشناق[1] في [9]الجاهلية. كان إذا عمل شيئاً صدقته قريش، وأمضوا حمالته وحمالة من قام معه، وإن احتملها غيره خذلوه ولم يصدقوه. فلما جاء الإسلام سبق إليه، وأسلم من الصحابة بدعائه خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم: عثمان بن عفان، والزُّبَير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص، وطلحة بن عبيد الله، وأسلم أبواه وولداه وولد ولده من الصحابة فجاءبالخمسة الذين أسلموا بدعائه إلى رسول الله فأسلموا وصلوا.

وقد ذهب جماعة إلى أنه أول من أسلـم؛ قال الشعبي: سألت ابن عباس من أول من أسلم؟ قال: أبوبكر ،أما سمعت قول حسان:

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة

فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا

خير البرية أتقاها وأعدلها

بعد النبي وأوفاها بما حملا

والثاني التالي المحمود مشهده

وأول الناس قدماً صدّق الرسلا

[10]وكان أعلم العرب بأنساب قريش وما كان فيها من خير وشر. وكان تاجرا ذا ثروة طائلة، حسن المجالسة، عالماً بتعبير الرؤيا، وقد حرم الخمر على نفسه في الجاهلية هو وعثمان بن عفان. ولما أسلم جعل يدعو الناس إلى الاسلام قال رسول الله ﷺ « ما دعوت أحداً إلى الإسلام إلا كانت عنده كَبوة ونظر وتردد إلا ما كان من أبي بكر رضي الله عنه ما علم عنه حين ذكرته له » أي أنه بادر به. ونزل فيه وفي عمر ﴿وشاورهم في الأمر﴾، آل عمران 159 فكان أبو بكر بمنزلة الوزير من رسول الله ﷺ فكان يشاوره في أموره كلها.

وقد أصاب أبا بكر من إيذاء قريش شيء كثير. فمن ذلك أن رسول الله ﷺ لما دخل دار الأرْقَم ليعبد الله ومن معه من أصحابه سرًا ألح أبو بكر رضي الله عنه في الظهور، فقال النبي ﷺ يا أبا بكر إنا قليل. فلم يزل به حتى خرج رسول الله ﷺ ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم وقام أبو بكر في الناس خطيباً ورسول الله ﷺ جالس ودعا إلى رسول الله، فهو أول خطيب دعا إلى الله تعالى فثار المشركون على أبي بكر رضي الله عنه وعلى المسلمين يضربونهم فضربوهم ضرباً شديداً. ووَطىء أبو بكر [11]بالأرجل وضرب ضرباً شديداً. وصار عُتْبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بنعلين مخصوفتين ويحرفهما إلى وجهه حتى صار لا يعرف أنفه من وجهه، فجاءت بنو تيم يتعادَون فأجْلت المشركين عن أبي بكر إلى أن أدخلوه منزله ولا يشكون في موته، ثم رجعوا فدخلوا المسجد فقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة، ثم رجعوا إلى أبي بكر وصار والده أبو قحافة وبنو تيم يكلمونه فلا يجيب حتى آخر النهار، ثم تكلم وقال: ما فعل رسول الله ﷺ؟ فعذلوه فصار يكرر ذلك فقالت أمه: والله ما لي علـم بصاحبك. فقال: إذهبي إلى أم جميل فاسأليها عنه وخرجت إليها وسألتها عن محمد بن عبد الله، فقالت: لا أعرف محمداً ولا أبا بكر ثم قالت: تريدين أن أخرج معك؟ قالت: نعم. فخرجت معها إلى أن جاءت أبا بكر فوجدته صريعاً فصاحت وقالت: إن قوماً نالوا هذا منك لأهل فسق وإني لأرجو أن ينتقم الله منهم، فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: ما فعل رسول الله ﷺ؟ فقالت: هذه أمك، قال فلا عَيْنَ عليك منها أي أنها لا تفشي سرك. قالت: سالم هو في دار الأرقم. فقال: والله لا أذوق طعاماً ولا أشرب شراباً أو آتيَ رسول الله ﷺ. قالت [12]أمه فأمهلناه حتى إذا هدأت الرِّجل وسكن الناس. خرجنا به يتكىء عليّ حتى دخل على رسول الله ﷺ فرق له رقة شديدة وأكب عليه يقبله وأكب عليه المسلمون كذلك فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما بي من بأس إلا ما نال الناس من وجهي، وهذه أمي برة بولدها فعسى الله أن يستنقذها من النار، فدعا لها رسول الله ﷺ ودعاها إلى الإسلام فأسلمت[2].

ولما اشتد أذى كفار قريش لم يهاجر أبو بكر إلى الحبشة مع المهاجرين بل بقي مع رسول الله ﷺ تاركاً عياله وأولاده وأقام معه في الغـار ثلاثة أيام؛ قال الله تعالى ﴿ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾. التوبة 41

ولما كانت الهجرة جاء رسول الله ﷺ إلى أبي بكر وهو نائم فأيقظه، فقال رسول الله ﷺ: قد أذن لي في الخروج قالت عائشة: فلقد رأيت أبا بكر يبكي من الفرح، ثم خرجا حتى دخلا الغار فأقاما فيه ثلاثة [13]أيام[3]. وأن رسول الله لولا ثقته التامة بأبى بكر لما صاحبه في هجرته فاستخلصه لنفسه، وكل من سوى أبي بكر فارق رسول الله، وإن الله تعالى سماه « ثانـي اثنين ».

قال رسول الله ﷺ لحسان بن ثابت: هل قلت في أبي بكر شيئاً؟ فقال: نعم. فقال: قل وأنا أسمع. فقال:

وثانيَ اثنين في الغار المنيف وقد

طاف العدو به إذ صعَّد الجبلا

وكان حِبّ رسول الله قد علموا

من البرية لم يعدِل به رجلاً

فضحك رسول الله حتى بدت نواجذه، ثم قال: صدقت يا حسان هو كما قلت.

وكان النبي ﷺ يكرمه ويجله ويثني عليه في وجهه واستخلفه في الصلاة، وشهد مع رسول الله بدرا وأحداً والخندق وبيعة الرضوان بالخدّيبية وخيبر وفتح مكة وحنيناً [14]والطائف وتَبوك وحَجة الوَداع. ودفع رسول الله رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر وكانت سوداء، وكان فيمن ثبت معه يوم أحد وحين ولّى الناس يوم حنين. وهو من كبار الصحابة الذين حفظوا القرآن كله. ودفع أبو بكر عقبة بن أبي معيط عن رسول الله لما خنق رسول الله وهو يصلي عند الكعبة خنقاً شديداً. وقال: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ﴾. المؤمن [غافر] 28

قال رسول الله ﷺ: «لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ». رواه البخاري ومسلم

وأعتق أبو بكر سبعة ممن كانوا يعذبون في الله تعالى وهم: بلال وعامر بن فهيرة، وزِنِّيرة، والنَّهديّة، وابنتها، وجارية بني مؤمّل، وأم عُبيس. وكان أبو بكر إذا مُدح قال: «أللهم أنت أعلم بي من نفسي وأنا أعلم بنفسي منهم. اللهم اجعلني خيراً مما يظنون واغفر لي ما لا يعلمون ولا تؤاخذني بما يقولون».

قال عمر رضي الله عنه: أمرنا رسول الله ﷺ أن [15]نتصدق ووافق ذلك مالاً عندي. فقلت اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته، فجئت بنصف مالى. فقال: ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وجاء أبو بكر بكل ما عنده. فقال: يا أبا بكر. ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. قلت: لا أسبقه إلى شيء أبداً.

روي لأبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ 142 حديثاً اتفق البخاري ومسلم منها على ستة، وانفرد البخاري بأحد عشر، ومسلم بحديث واحد، وسبب قلة رواياته مع تقدم صحبته وملازمته النبي صلى الله عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار الأحاديث واعتناء التابعين بسماعها، وتحصيلها، وحفظها.

[16]بعض الأحاديث المصرحة بفضل أبي بكر:

عن عمرو بن العاص: أن النبي عليه السلام بعثه على جيش ذات السلاسل قال: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ فقال: عائشة. فقلت: من الرجال؟ فقال: أبوها. فقلت: ثم من؟ قال : ثم عمر بن الخطاب. فعد رجالاً. رواه البخاري ومسلم.

وعن ابن عمر قال: قال رسول الله ﷺ. «من جرَّ ثوبه خُيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة» فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه. فقال رسول الله ﷺ: «إنك لست تصنع ذلك خيلاء» رواه البخاري.

وعن أبي هريرة: قال رسول الله ﷺ: « من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا. [17]فقال رسول الله ﷺ: ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة » رواه مسلم.

وعن أبي هريرة: أن رسول الله ﷺ كان على حراء هو وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير. فتحركت الصخرة فقال النبي عليه السلام: «اهدأ فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد» رواه مسلم.

وعن حذيفة قال: قال رسول الله ﷺ « اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر» رواه الترمذي.

وعن ابن عمر: أن رسول الله ﷺ قال لأبي بكر «أنت صاحبي على الحوض وصاحبي في الغار» رواه الترمذي.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «ما نفعني مال أحد قط ما نفعني مال أبي بكر » فبكى أبو بكر وقال: وهل أنا ومالي إلا لك يا رسول الله.

ومن فضائله رضي الله عنه:

أن عمر بن الخطاب كان يتعاهد عجوزاً كبيرة عمياء في بعض حواشي المدينة من الليل فيستقي لها ويقوم [18]بأمرها. فكان إذا جاء وجد غيره قد سبقه إليها فأصلح ما أرادت. فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها فرصده عمر فإذا الذي يأتيها هو أبو بكر الصديق، وهو خليفة. فقال عمر: أنت هو لعمري.

وهو أول خليفة في الإسلام، وأول أمير أرسل على الحج، حج بالناس سنة تسع هجرية، وأول من جمع القرآن، وأول من سمى مصحف القرآن مصحفاً، وكان يفتي الناس في زمان رسول الله ﷺ أبو بكر وعمر.

توفي أبو بكر يوم الإثنين 22 جمادى الآخرة سنة 13 هـ - 23 آب - أغسطس سنة 634 م وتوفي أبوه بعده بنحو ستة أشهر وله 63 سنة كرسول الله ﷺ وعمر بن الخطاب.

صفته رضي الله عنه

كان أبو بكر رجلاً أبيض خفيف العارضين لا يتمسك إزاره، معروق الوجه، ناتىء الجبهة عاري [19]الأشاجع[4] أَقْنَى[5] غائر العينين حَمْش الساقين[6] ممحوص الفخذين[7] يخضب بالحِناء والكَتَم[8] .

زوجاته وأولاده

تزوج أبو بكر في الجاهلية ( قتيلة بنت سعد ) فولدت له عبد الله وأسماء . أما عبد الله فإنه شهد يوم الطائف مع النبي ﷺ وبقي إلى خلافة أبيه، ومات في خلافته وترك سبعة دنانير فاستكثرها أبو بكر. وولد لعبد الله اسماعيل فمات ولا عقب له. وأما أسماء فهي ذات النِّطاقَين، وهي التي قطعت قطعة من نطاقها فربطت به على فم السفرة في الجراب التي صنعت لرسول الله، وأبي بكر عند قيامها بالهجرة وبذلك سميت «ذات النطاقين» وهي أسن من عائشة . وكانت أسماء أشجع نساء [20]الإسلام، وأثبتهن جأشاً، وأعظمهن تربية للولد على الشهامة، وعزة النفس، تزوجها الزبير بمكة فولدت له عدة أولاد، ثم طلقها فكانت مع ابنها عبد الله بن الزبير حتى قتل بمكة، وعاشت مائة سنة حتى عميت، وماتت.

وتزوج أبو بكر أيضاً في الجاهلية (أم رومان) فولدت له عبد الرحمن، وعائشة زوجة رسول الله توفيت في حياة رسول الله في سنة ست من الهجرة فنزل رسول الله قبرها واستغفر لها، وكانت حية وقت حديث الإفك، وحديث الإفك في سنة ست فن شعبان، فعبد الرحمن شقيق عائشة، شهد بدراً وأحداً مع الكفار، ودعا إلى البراز فقام إليه أبو بكر ليبارزه، فقال له رسول الله ﷺ «متعنا بنفسك» وكان شجاعاً رامياً، أسلم في هدنة الحديبية وحسن إسلامه، شهد اليمامة مع خالد بن الوليد فقتل وهو من أكابرهم، وهو الذي قتل مُحكَّم اليمامة بن الطفيل الذي كان من قواد بني حنيفة المشهورين، رماه بسهم في نحره فقتله، كما سيأتي ذكر ذلك في موقعة اليمامة،. وكان عبد الرحمن أسن ولد أبي بكر وكان فيه دُعابة. توفي فجأة بمكان اسمه حبش على نحو عشرة [21]أميال من مكة، وحمل إلى مكة ودفن فيها، وكان موته سنة 53 هـ.

وتزوج أبو بكر في الإسلام (أسماء بنت عُمَيس) وكانت قبله عند جعفر بن أبي طالب. فلما قتل جعفر تزوجها أبو بكر الصديق فولدت له محمد بن أبي بكر ثم مات عنها فتزوجها علي بن أبي طالب رضي الله عنه فولدت له يحيى. وأما محمد بن أبي بكر فكان يكنى أبا القاسم، وكان من نسابة قريش، ولاه علي بن أبي طالب رضي الله عنه مصر فقاتله صاحب معاوية، وظفر به فقتله، وولد له القاسم.

وتزوج أيضاً في الإسلام (حبيبة بنت خارجة بن زيد بن أبي زهير الخزرجي) فولدت له جارية سمتها عائشة أم كلثوم. تزوجها طلحة بن عبيد الله فولدت له زكريا، وعائشة، ثم قتل عنها فتزوجها عبد الرحمن بن عبيد الله بن أبي ربيعة المخزومي.

***

قال الأستاذ واشنجتون إيرفنج في كتاب (محمد وخلفاؤه) :

[22]كان أبو بكر رجلاً عاقلاً سديد الرأي وقد كان في بعض الأحيان شديد الحذر والحيطة في إدارته، لكنه كان شريف الأغراض غير محب للذات، ساعياً للخير لا لمصلحته الذاتية فلم يبتغ من وراء حكمه مطامع دنيوية بل كان لا يهمه الغنى، زاهدا في الفخر، راغبا عن اللذات ولم يقبل أجرا على خدماته غير مبلغ زهيد يكفي لمعاش رجل عربي عادي ما كان يرد إليه في يوم الجمعة إلى المحتاجين، والفقراء، ويساعد المعوزين بماله الخاص.

هامش

الأشناق : الديات ، ج شنق.

راجع السيرة الحلبية.

راجع « الهجرة الى المدينة » في كتاب محمد رسول الله للمؤلف صفحة 154.

الأشاجع هي أصول الأصابع التي تتصل بعصب ظاهر الكف. وقيل هي عروق ظاهر الكف.

أي ارتفع أنفه واحدودب وسطه وسبغ طرفه وقيل نتأ وسط قصبته وضاق منخراه فهو أقنى.

دقيقهما.

أي خلص من الاسترخاء.

الكتم من نبات الجبال ورقه كورق الآس يخضب به مدقوقا وله ثمر كقدر الفلفل ويسود إذا نضج.

======

حديث السقيفة

وبيعة أبي بكر الصديق

توفي رسول الله ﷺ يوم الإثنين 12 ربيع الأول من السنة الحادية عشرة من الهجرة (9 حزيران يونيه سنة 632 م) فهب الأنصار يطالبون بالخلافة قبل أن يدفن رسول الله مع أم المهاجرين لم يكونوا قد فكروا في الخلافة، بل كان كبار الصحابة مشغولين بتجهيز رسول الله ودفنه، وطمع سعد بن أبي عبادة في أن يكون خليفة ويكنى أبا ثابت، وكان نقيب بني سعادة والسيد المطاع في [23]الخزرج.

اجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة [1] وجاؤوا بسعد بن أبي عبادة وهو مريض بالحمى ليبايعوه، وطلبوا إليه أن يخطب. فقال لابنه أو بعض بني عمه: إني لا أقدر لشكواي أن أسمع القوم كلهم كلامي، ولكن تلق مني قولي فأسمعهم، فكان يتكلم ويحفظ الرجل قوله فيرفع صوته فيسمع أصحابه.

هامش

سقيفة بني ساعدة بالمدينة وهي ظلة كانوا يجلسون تحتها. أما بنو ساعدة الذين أضيفت إليهم السقيفة فهم حي من الأنصار وهم بنو ساعدة بن كعب بن الخزرج وكانت دار سعد مما يلي سوق المدينة وعندها السقيفة.

=============

خطبة سعد بن عبادة

قال سعد بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

« يا معشر الأنصار، لكم سابقة في الدين، وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب. إن محمداً عليه السلام لبث بضع عشرة سنة في قومه يدعوهم إلى عبادة الرحمن، وخلع الأنداد والأوثان، فما آمن به من قومه إلا رجال قليل، ما كانوا يقدرون على أن يمنعوا [24]رسول الله، ولا أن يعزوا دينه، ولا أن يدفعوا عن أنفسهم ضيماً عُمُّوا به، حتى إذا أراد بكم الفضيلة، ساق إليكم الكرامة وخصكم بالنعمة، فرزقكم الإيمان به وبرسوله، والمنع له ولأصحابه، والإعزاز له ولدينه، والجهاد لأعدائه، فكنتم أشد الناس على عدوه حتى استقامة العرب لأمر الله طوعاً وكرهاً، وأعطى البعيد المقادة صاغراً داخراً حتى أثخن الله عز وجل لرسوله بكم الأرض، ودانت بأسيافكم له العرب، وتوفاه الله وهو عنكم راض وبكم قرير عين استبِدُّوا بالأمر دون الناس، فإنه لكم دون الناس.[1]

هذه خطبة سعد بن عبادة. فقد كان يرى أن المهاجرين استبدوا بالأمر، وأن الأنصار أحق بالولاية للأسباب التي ذكرها، مع أن المهاجرين لم يكونوا قد اجتمعوا، ولم يتشاوروا في أمر الخلافة، ولم يقرروا شيئا. ولا شك في أن هذه الخطبة حازت استحسان الأنصار، ولا سيما الخزرج، فأجابوا بأجمعهم أن قد وفقت في الرأي، وأصبت في القول، ولن نعدو ما رأيت، نوليك هذا الأمر فإنك فينا مقنْع، ولصالح [25]المؤمنين رضاً.

وطبيعي أن يحتج المهاجرون على هذا الكلام. فقالوا: نحن المهاجرون وأصحاب رسول الله الأولون، وعشيرته وأولياؤه. فقال الأنصار: «منا أمير ومنكم أمير» ولن نرضى بدون هذا أبداً. فقال سعد: «هذا أول الوَهْن» .

بلغ عمر بن الخطاب ما كان من خطبة سعد وما وقع من خلاف بين الأنصار الذين أثاروا هذا الموضوع وبين المهاجرين، فجاء إلى منزل رسول الله؛ وأرسل إلى أبي بكر أن أخرج إلي فأرسل إليه أني مشتغل فأرسل إليه أنه قد حدث أمر لا بد لك من حضوره. فخرج فأعلمه الخبر فمضيا مسرعين إلى السقيفة ومعهما أبو عبيدة بن الجراح، وأراد عمر رضي الله عنه أن يبدأ بالكلام، فأسكته أبو بكر قائلا: «رويداً حتى أتكلم» ثم تكلم بكل ما أراد أن يقول عمر.

هامش

تاريخ الطبري الجزء الثالث.

=======

[25]

خطبة أبي بكر الصديق

بدأ أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: [26]« إن الله بعث محمدا رسولاً إلى خلقه ، وشهيداً على أمته ليعبدوا الله ويوحدوه ، وهم يعبدون من دونه آلهة شتی ، ويزعمون أنها لهم عنده شافعة ، ولهم نافعة وإنما هي من حجر منحوت ، وخشب منجور . ثم قرأ : ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لاَ يَضًّرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاَءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ الله﴾ يونس ۱۸ ﴿وَقَالُوا مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لَيُقَرِّبُونَا إِلَى الله زُلْفَى﴾الزمر 3. فعظم على العرب أن يتركوا دين آبائهم ، فخص الله المهاجرين الأولين من قومه بتصديقه ، والإيمان به ، والمواساة له والصبر معه على شدة أذى قومهم لهم ، وتكذيبهم إياهم ، وكل الناس لهم مخالف. زار عليهم ، فلم يستوحشوا لقلة عددهم ، وشنف الناس لهم [1] وإجماع قومهم عليهم ، فهم أول من عبد الله في الأرض ، وآمن بالله وبالرسول وهم أولياؤه وعشيرته وأحق الناس بهذا الأمر من عبده ، ولا ينازعهم ذلك إلا ظالم، أنتم يا معشر الأنصار من لا ينكر فضلهم في الدين ، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام . رضيكم الله أنصاراً لدينه [27]ولرسوله، وجعل إليكم هجرته وفيكم جلة أزواجه وأصحابه فليس بعد المهاجرين الأولين عندنا بمنزلتكم ، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، لا تُفْتاتون بمشْوَرة، ولا تُقضى دونكم الأمور.

هامش

بغض الناس لهم .

=============

خطبة الحُبَاب بن المنذر

فقام الحُبَاب بن المنذر بن الجَموح الأنصاري الخزرجي السَّلمي ، ويكنى أبا عمر وكان يقال له ذو الرأي. فقال :

« یا معشر الأنصار املكوا عليكم أمركم فإن الناس في فينكم وفي ظلكم ولن يجتري مجترىء على خلافكم، ولن يصدر الناس إلا عن رأيكم ، أنتم أهل العز والثروة ، وأولو العدد والمَنَعة والتجربة، ذوو البأس والنجدة وإنما ينظر الناس إلى ما تصنعون، ولا تختلفوا فيفسد رأيكم، وينتقض عليكم أمركم أبي هؤلاء إلا ما سمعتم فمنا أمير ومنهم أمير»

ورد عمر بن الخطاب على الحُبَاب فقال :

[28]«هيهات لا يجتمع اثنان في قَرَن[1] والله لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيها من غيركم ولكن العرب لا تمتنع أن تولي أمرها من كانت النبوة فيهم وولي أمرهم فيهم، ولنا بذلك على من أبي من العرب الحجة الظاهرة والسلطان المبين، من ذا ينازعنا سلطان محمد وإمارته،ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مُدْل بباطل أو متجانف لإثم [2] أو متورط في هلكة». فقام الحُباب بن المنذر فقال :

« یا معشر الأنصار املكوا على أيديكم، ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه، فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر فإن أبوا عليكم ما سألتموه فأجلوهم عن هذه البلاد، وتولوا عليهم هذه الأمور، فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم فإنه بأسيأفكم دان لهذا الدين من دان ممن لم يكن يدين، أنا جذيلها[3]، المحكك وعُذَيقًها المرَجَّب، [29] أما والله لو شئتم لنعيدنَّها جَذَعة »

لقد لج الحباب في الخصومة، واستعمل في خطبته ألفاظاً شديدة وحرض الأنصار على إجلاء المهاجرين من المدينة إذا لم يولوهم الخلافة وتوعدهم بالشر لذلك قال له عمر محتدًا، إذن يقتلك الله. قال: بل إياك يقتل.

قال أبو عبيدة :«يا معشر الأنصار إنكم أول من نصر وآزر فلا تكونوا أول من غير وبدل».

وعندئذ قام بَشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس الخزرجي الأنصاري ، ويكنى أبا النعمان فقال:

«يا معشر الأنصار إنا والله لئن كنا أولى فضيلة في جهاد المشركين و سابقة في هذا الدين، ما أردنا به إلا رضا ربنا ، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا. فيا ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك، ألا إن محمداً ﷺ من قريش وقومه أحق به وأولى، وايم الله لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر أبداً فاتقوا الله ولا تخالفوهم ولا تنازعوهم»

فأراد أبو بكر بحكمته أن يضع حدّاً لهذا الخلاف خشية استحكامه فرشح للخلافة اثنين من المهاجرين [30]قائلا : «هذا عمر وهذا أبوعبيدة فأيهما شئتم فبايعوا».

فقالا : لا والله لا نتولى هذا الأمر عليك، فإنك أفضل المهاجرين وثاني إثنين إذ هما في الغار وخليفة رسول الله على الصلاة والصلاة أفضل دین المسلمين فمن ذا ينبغي له أن يتقدمك، أو يتولى هذا الأمر عليك أبسط يدك نبايعك ». فلما ذهبا ليبایعاه سبقهما إليه بشير بن سعد فبايعه، فهو على ذلك أول من بايع أبا بكر الصديق.

ولما رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد، وما تدعو إليه قريش وما تطلب الخزرج من تأمير سعد بن عبادة، قال بعضهم لبعض وفيهم أُسَيد بن حُضَير (الذي كان رئيس الأوس يوم بُعَاث ومن أحسن الناس صوتاً بالقرآن، وكان أحد المشهود لهم بالعقل وأحد النقباء):

والله لئن وَلِيتْها الخزرج عليكم مرة لا زالت لهم عليكم بذلك الفضيلة، ولا جعلوا لكم معهم فيها نصيبا أبداً فقوموا فبايعوا أبا بكر فقاموا إليه فبايعوه، فأنكر على سعد بن عبادة وعلى الخزرج ما كانوا أجمعواه له من [31]أمرهم.

ولم يلق الرأي الذي قاله الأنصار «منا أمير ومنكم أمير» قبولاً حتى سعد نفسه فإنه لما سمع به قال: «هذا أول الوَهْن» لأن انقسام القوة موهن لها، وكذا رفضه عمر حيث قال: «هيهات لا يجتمع اثنان في قَرَن» وأسرع عمر في مبايعة أبي بكر علماً منه بمكانته واعترافاً بفضله.

أقبل الناس يبايعون أبا بكر من كل جانب، وأقبلت أَسْلم بجماعاتها حتى تضايقت بهم السكك فبايعوا فكان عمر يقول: «ما هو إلا أن رأيت أسلم فأيقنت بالنصر» وكاد الناس من شدة الزحام يطأون سعد بن عبادة الذي كان يومئذ مريضاً ولا يستطيع النهوض، وحدثت بينه وبين عمر مشادَّة، وأخيراً حمل سعد وأدخل في داره وترك أياما ثم بعث إليه أن أقبل فبايع فقد بايع الناس وبايع قومك فقال:

« أما والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبل، وأخضب سنان رمحي وأضربكم بسيفي ما ملكته يدي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي، فلا أفعل. [32]وايم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي ».

هذا ما أجاب به سعد من دعوه إلى مبايعة أبي بكر بعد أن علم أن البيعة قد تمت ولكن ماذا يفيد امتناعه عن البيعة، وليس له أنصار ولا أغلبية! لقد طمع في الخلافة، وظن أن قومه سيقاومون ويتمسكون به إلى آخر رَمَق من حياتهم. إنه توعد وهدد بمفرده لذلك لم يكترث به أحد فتركوه وشأنه.

فلما علم أبو بكر بما قال سعد؛ قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع. فقال له بشير بن سعد: إنه قد لج وأبى، وليس بمبايعتكم حتى يقتل، وليس بمقتول حتى يقتل معه ولده، وأهل بيته، وطائفة من عشيرته، فاتركوه فليس تركه بضاركم إنما هو رجل واحد. فتركوه عملاً برأي بشير.

هامش

القرن : الحبل، ولا يقال للحبل قرن حتى يقرن فيه بعيران.

متجانف لإثم : ای مائل متعمد.

الجذل: أصل الشجرة، وعود ينصب لتحتك به الجربی من الإبل فتستشفى به والعذق: النخلة بحملها وقول الحباب «أنا جذيلها المحكك وعذيقهاالمرجب» مثل يضرب لمن يستشفی برأیه ويعتمد عليه، أي قد جربتني الأمور ولي رأی و علم يستشفي بها كما تستشفى هذه الإبل بهذا الجدل . وصغره على جهة المدح وصغر العذق على جهة المدح أو التعظيم . والترجيب : أن تدعم الشجرة إذا كثر حملها لئلا تتكسر أغصانها . وقيل ترجيبها هو أن يوضع الشوك حوالي الأعذاق لئلا يصل إليها أكل فلا تسرق . وقد أراد بالترجيب التعظيم.

=====

====

تخلف عليّ رضي الله عنه عن البيعة

قال الزهري: «بقي عليّ وبنو هاشم والزبير ستة أشهر لم يبايعوا أبا بكر حتى ماتت فاطمة رضي الله عنها [33]فبايعوه[1]) وكانت فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله مما أفاء الله عليه بالمدينة وفَدَكَ[2] وما بقي من خمس خَيْبر فأبى أبو بكر أن يدفع إليها شيئاً؛ لأن رسول الله قال: «لا نُوْرَثُ ما تركناه صدقة» فوجدت فاطمة على أبي بكر الصديق في ذلك ولم تكلمه حتى توفيت.

وقد كان عليّ رضي الله عنه يرى أنه أحق بالخلافة من أبي بكر لقرابته من رسول الله، لذلك فقد تخلف عن البيعة [3] مع أن رسول الله لما مرض وتعذر عليه الخروج إلى الصلاة. قال مروا أبا بكر فليصل بالناس. فقالت له عائشة: يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق إذا قام مقامك لا يسمع الناس من البكاء قال: مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس. فعاودته مثل مقالتها. فقال: إنكن صواحبات يوسف. مروا أبا بكر فليصل بالناس. [34]وفي تقديمه أبا بكر إلى الصلاة إشارة إلى أنه الخليفة بعده قال الزبير: لا أغمد سيفا ً حتى يبايع عليّ. فقال عمر: خذوا سيفه واضربوا به الحجر. ثم أتاهم عمر فأخذهم للبيعة. وقيل لما سمع عليٌ ببيعة أبي بكر خرج في قميصه ما عليه إزار، ولا رداء عجلاً حتى يبايعه ثم استدعى إزاره ورداءه فتجلّله. قال ابن الأثير: والصحيح أن أمير المؤمنين ما بايع إلا بعد ستة أشهر.

وممن تخلف عن بيعة أبي بكر عتبة بن أبي لهب، وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو، وسلمان الفارسي، وأبو ذر، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب وأبي بن كعب ومالوا مع علي، وتخلف أيضاً أبو سفيان من بني أمية.

هامش

أصح الأقوال أن فاطمة توفيت بعد رسول الله بستة أشهر.

قرية بخيبر.

وفي أسد الغابة رواية عن يحيى بن عروة المرادي؛ قال سمعت علياً رضي الله عنه يقول قُبض النبي ﷺ وأنا أرى أني أحق بهذا الأمر. فاجتمع المسلمون على أبي بكر فسمعت وأطعت. ثم إن أبا بكر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني. فجعلها في عمر فسمعت وأطعت. ثم إن عمر أصيب فظننت أنه لا يعدلها عني فجعلها في ستة أنا أحدهم فولوها عثمان فسمعت وأطعت. ثم إن عثمان قتل فجاءوا فبايعوني طائعين غير مكرهين. الخ.

======

أفضل الناس بعد رسول الله

أفضل الناس بعد رسول الله ﷺ«أبو بكر» رضي الله عنه. وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة هو «عليّ» وهؤلاء جوزوا إمامة المفضول مع وجود الفاضل. وحجتهم أن قيام عليّ بالجهاد كان أكثر من قيام أبي بكر [35]فوجب أن يكون علي أفضل منه لقوله تعالى: ﴿وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾.

وأجاب أهل السنة عنه بأن الجهاد على قسمين: جهاد بالدعوة إلى الدين وجهاد بالسيف. ومعلوم أن أبا بكر رضي الله عنه جاهد في الدين في أول الإسلام بدعوة الناس إلى الإسلام. وبدعوته أسلم عثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وسعيد، وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم أجمعين. وعلي رضي الله عنه إنما جاهد بالسيف عند قوة الإسلام، فكان الأول أولى، وحجة القائلين بفضل أبي بكر رضي الله عنه قوله ﷺ: «ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين والمرسلين أفضل من أبي بكر » [1].

راجع كتاب معالم أصول الدين لفخر الدين محمد بن عمر الرازي - الباب العاشر في الإمامة - المسألة السابعة.

=======

تجهيز رسول الله ودفنه

بعد أن بويع أبو بكر جهز رسول الله ودفن ليلة الأربعاء وقد غسّل في قميصه وغسّله العباس، والفضل [36]وقُثَم ابنا العباس، وأسامة بن زيد، وشقران مولى رسول الله، وحضرهم أوس بن خَوْلى الأنصاري من بئر يقال لها الغَرس لسعد بن خثيمة بقباء، وكان العباس وابناه يقلبونه، وأسامة وشقران يصبان الماء، وعلي يغسله وعليه قميصه، وهو يقول (بأبي أنت وأمي ما أطيبك حيّاً وميتاً) . وكفن في ثلاثة أثواب يمانية [1] بيض من كرسف (قطن) ليس في كفنه قميص ولا عمامة ولا عروة.

وبعد أن غسل رسول الله وكفن، وضع على سرير وأدخل عليه المسلمون أفواجا يقومون ويصلون عليه، ثم يخرجون ويدخل آخرون ولم يؤمهم في الصلاة عليه إمام حتى إذا فرغت الرجال دخلت النساء ثم دخل الصبيان.

وكان أول من دخل أبو بكر وعمر. فقالا: (السلام عليك أيها النبي..ورحمة الله وبركاته) ومعهما نفر من المهاجرين والأنصار قدر ما يسع البيت، فسلموا كما سلم أبو بكر، وعمر، وصفوا صفوفاً لا يؤمهم عليه [37]أحد فقال أبو بكر وعمر وهما في الصف الأول حيال رسول الله:

«اللهم إنا نشهد أن قد بَلّغ ما أنزل عليه ونصح لأمته، وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله دينه، وتمت كلماته فآمن به وحده لا شريك له. فاجعلنا يا إلهنا ممن يتبع القول الذي أنزل معه، واجمع بيننا وبينه حتى يعرفنا ونعرفه، فإنه كان بالمؤمنين رؤوفا رحيماُ. لا نبتغي بالإيمان بدلاُ، ولا نشتري به ثمنا أبداً».

فيقول الناس آمين آمين، ثم يخرجون ويدخل غيرهم. ولما فرغوا نادى عمر حلوا الجنازة وأهلها.

ولما اختلفوا في موضع دفنه قال أبو بكر: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (ما مات نبي قط إلا يدفن حيث تقبض روحه) قال عليّ: وأنا أيضاً سمعته، فرفع فراشه ودفن. ولما أرادوا أن يحفروا لرسول الله، كان بالمدينة رجلان أبو عبيدة بن الجراح يضرح لأهل مكة، وكان أبو طلحة الأنصاري هو الذي يلحد لأهل المدينة. فجاء أبو طلحة وألحد لرسول الله، وجعل في قبره قطيفة حمراء كان يلبسها فبسطت تحته، وكانت الأرض ندية، ورش قبره [38]ﷺ بلالٌ بتربة بدأ من قبل رأسه وجعل عليه من حصباء العَرْصة[2] حمراً وبيضاً، ورفع قبره عن الأرض قدر شبر، ونزل قبره عليٌ، والفضل وقُثَم ابنا العباس، وشقران، وأوس بن خولى الأنصاري.

وقيل: في ثلاثة أثواب سَحولية. وسحول - مثل رسول - بلدة باليمن يجلب منها الثياب.

عرصة الدار: ساحتها وهي البقعة الواسعة التي ليس فيها بناء والجمع عراص وعرصات.

=========

خطبة أبي بكر بعد البيعة

بعد أن تمت بيعة أبي بكر بيعة عامة، صعد المنبر وقال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:

«أيها الناس قد وُلِّيت عليكم، ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأتُ فقوموني، الصدق أمانة، والكَذِب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ له حقه، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق إن شاء الله تعالى، لا يدع أحد منكم الجهاد، فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم رحمكم الله»[1].

[39]فيا لها من كلمات جامعة حوت الصراحة والعدل، مع التواضع والفضل، والحث على الجهاد لنصرة الدين، وإعلاء شأن المسلمين.

الجزء الثاني من تاريخ الكامل لابن الأثير.

===========

إرسال جيش أسامة بن زيد[1]

يوم الأربعاء 14 ربيع الأول سنة 11هـ (11 حزيران - يونيه 632م)

كان رسول الله قد استعمل أسامة بن زيد، وأمره بالتوجه إلى حدود الشام للأخذ بثأر من قتل في غزوة مُؤْتة، وقد كان رسول الله قد ضرب البعث على أهل المدينة ومَن حولها، وفيهم عمر بن الخطاب وعسكر جيش أسامة بالجُرْف[2] فاشتكى رسول الله ثم وجد من نفسه راحة فخرج رسول الله عاصباً رأسه فقال:

[40]«أيها الناس أنفذوا جيش أسامة» ثلاث مرات. وقال: «إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبله، وايم الله إنه كان خليقاً للإمارة، وايم الله إنه لمن أحب الناس إليّ من بعده» .

وذلك لأن الناس طعنوا في إمارة أسامة، لأنه كان شاباًّ لم يتم العشرين من عمره.

توفي رسول الله ولم يسر الجيش، وارتد كثير من العرب ونجم النفاق، واشرأبت أعناق اليهود والنصارى وبقي المسلمون لا يدرون ماذا يصنعون لوفاة نبيهم، وقلة عددهم، وكثرة عدوهم. فقال الناس لأبي بكر: إن جيش أسامة جند المسلمين، والعرب قد انتقضت بك فلا ينبغي أن تفرق عنك جماعة المسلمين.

فماذا يصنع أبو بكر؟ إنهم يعترضون على إمارة أسامة لصغر سنه، ويعترضون على إرسال جيش المسلمين لارتداد العرب، وقلة عدد المسلمين، وخوفهم على مركزهم بالمدينة. غير أن رسول الله كان يشدد في إرسال جيش أسامة، وقد أخذ أبو بكر عهداً على نفسه بأن لا يعصي الله ورسوله. فهل يخالف أمر [41]رسول الله؟ كلا، فإن ذلك ليس من طبيعته ولا من خلقه، وإنما خلقه الثبات إلى آخر لحظة وتنفيذ أوامر رسول الله بكل دقة في كل كبيرة وصغيرة مهما كلفه ذلك القوة إيمانه، وثبات يقينه وعملا بواجب الصداقة. هذا كانت إجابته للمعترضين في غاية القوة حيث قال:

«والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله ﷺ ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته».

وقال لعمر لما أرسله أسامة يستأذنه في الرجوع وطلب إليه الأنصار إن أبي أن يولي عليه من هو أقدم من أسامة :

«لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أرد قضاء قضى به رسول الله ﷺ». فقال عمر: إن الأنصار أمروني أن أبلغك وأنهم يطلبون إليك أن تولي أمرهم رجلاً أقدم سناًّ من أسامة. فوثب أبو بكر وكان جالساً يأخذ بلحية عمر فقال له:

« ثكلتْك أمك وعدمَتك يا ابن الخطاب، استعمله [42]«رسول الله ﷺ وتأمرني أن أنزعه» .

فخرج عمر إلى الناس بعد أم سمع ورأى من أبي بكر ما رأى. فقالوا له: ما صنعت؟ فقال: امضوا ثكلتكم أمهاتكم، ما لقيت في سببكم من خليفة رسول الله.

وإجابة أبي بكر بهذه القوة تذكرنا بما قاله رسول الله لعمه أبي طالب حين ظن أنه قد خذله وضعف عن نصرته: (يا عماه لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك دونه فيه ما تركته) .

خرج أبو بكر حتى أتى الجيش وأشخصهم وشيعهم وهو ماش وأسامة راكب وعبد الرحمن بن عوف يقود دابة أبي بكر فقال له أسامة: يا خليفة رسول الله، والله لتركبن أو لأنزلن. فقال «والله لا تنزل ووالله لا أركب وما عليَّ أن أغبر قدمي في سبيل الله ساعة. فإن للغازي بكل خطوة يخطوها سبعمائة حسنة تكتب له وسبعمائة درجة ترفع له وترفع عنه سبعمائة خطيئة» حتى إذا انتهى قال إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل، ومعنى [43]ومعنى ذلك أنه يستأذن أسامة - قائد الجيش - أن يترك له عمر لأنه كان في الجيش فأذن له [3] وكان إرسال الجيش بعد بيعة أبي بكر بيوم أعني يوم الأربعاء 14 من ربيع الأول.

هو أسامة بن زيد بن حارثة، أمه أم أيمن وكان أسود أفطس. أردفه رسول الله خلفه يوم الفتح على راحلته القصواء واستعمله وهو ابن ثماني عشرة سنة. روي له عن رسول الله 128 حديثاً وروى عنه ابن عباس وجماعة من كبار التابعين وكانت وفاته بالمدينة وقيل بوادي القرى وحمل إلى المدينة سنة 54 هـ.

الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام. انظر خريطة مكة والمدينة من (كتاب محمد رسول الله) للمؤلف.

ودع أبو بكر أسامة من الجرف ورجع. والجرف موضع قريب من المدينة.

======

======

وصية أبي بكر الجيش

أوصى أبو بكر جيش أسامة فقال:

« يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني:

لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثِّلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيراً أو شيخاً كبيرا ولا امرأة، ولا تعقروا نحلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا بعد شيء فاذكروا اسم [44]الله عليها. وتلقون أقواماً قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً. اندفعوا باسم الله».

وقال لأسامة «إصنع ما أمرك به نبي الله ﷺ. ابدأ ببلاد قضاعة ثم ائت آبِلَ [1] ولا تقصرن من شئ من أمر رسول الله ﷺ ولا تعجلن لما خلفت عن عهده» .

فسار أسامة وأوقع بقبائل من قضاعة التي ارتدت وغنم وعاد وكانت غيبته أربعين يوما سوى مقامه ومنقلبه راجعاً من غير أن يفقد أحدا من رجاله.

وكان إنفاذ جيش أسامة أعظم الأمور نفعاً للمسلمين؛ فإن العرب قالوا لو لم يكن بالمسلمين قوة لما أرسلوا هذا الجيش فكفوا عن كثير مما كانوا يريدون أن يفعلوه.

ولم نعثر في المراجع التاريخية على عدد جيش أسامة ولا على قوة جيش العدو وخسائره، ولم نعلم ما هي الغنائم التي غنمها المسلمون .

في الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جهز جيشا بعد حجة الوداع وقبل وفاته وأمر عليهم أسامة بن زيد وأمره أن يوطئ خيله آبل الزيت - بلفظ الزيت من الأدهان - بالأردن من مشارف الشام - معاجم البلدان

=====

إمارة باذان[1] على اليمن في عهد رسول الله

باذان رجل من الفرس بعثه كسرى أبرويز إلى اليمن نائباً عليها فبقي إلى بعثة رسول الله ﷺ وهو آخر من قدم من اليمن من ولاة العجم.

ولما كاتب النبي كِسرى بما كاتبه مزق كسرى الكتاب وبعث إلى باذان أن أرسل إلى هذا الرجل الذي بالحجاز رجلين وكتب مهما إلى النبي يأمره بالمسير معهما إلى كسرى فقال لهم رسول الله: إرجعا وقولا لباذان أسلم فإن أسلم أؤمره على ما تحت يده وأملكه على قومه. فأتيا إلى باذان وكان كسرى قد مات. فقال باذان: إني لأراه نبياً ولننظرن فإن كان ما قال حقا فهو فإنه لنبي مرسل، وإن لم يكن فنرى فيه رأينا. فلم يلبث أن قدم عليه كتاب [46]شيرويه بن كسرى بقتل كسرى ويأمره بأخذ الطاعة له باليمن، فأسلم باذان وأسلم معه جماعة منة العجم وبعث بذلك سنة 10 هجرية. فجمع له النبي عمل اليمن وأمَّره على جميع مخاليفه فلم يزل عاملاً عليها حتى مات.

فلما مات باذان فرق رسول الله أمراءه في اليمن بالكيفية الآتية:

(1) عمرو بن حزم على نجْران.

(2) خالد بن سعيد بن العاص على ما بين نجران وزَبِيد.

(3) عامر بن شهر الهَمْذاني على هَْمدان.

(4) شهر بن باذان على صنعاء.

(5) الطاهر بن أبي هالة على عَكٌ والأشعريين.

(6) أبو موسى الأشعري على مأرِب.

(7) يعلى بن أمية على الجنَد.

(8) زياد بن لبيد الأنصاري على أعمال حَضْرَمَوْت.

(9) عكاشة بن ثور على السَّكاسِك والسَّكون.

[47](10) عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري على بني معاوية بن كِنْدة.

وكان معاذ بن جبل معلماً يتنقل في عمالة كل عامل باليمن وحضرموت.

صحة اسمه: باذان بالنون لا باذام كما ذكر خطأ بتاريخ الطبري الجزء الثالث صفحة 213 و214 المطبوع بالمطبعة الحسينية المصرية.

==========

ظهور المتنبئين في بلاد العرب

ادعى النبوّة بعض العرب في الجهات النائية عن المدينة ومكة مثل اليمامة واليمن توصلا إلى الملك والرياسة والتغلب على القبائل المجاورة لهم، فمنهم من حاول محاكاة القرآن تغريراً بعقول السذج من العرب فجاء كلامه سخيفاً مضحكاً لا معنى له، ومنهم من لم يقتصر على ذلك بل أتى بالأعاجيب، وما هي إلا شعبذة وكهانة وكحر مبين، لكنهم افتضحوا وظهر كذبهم ونفاقهم. وعدا ذلك فإنهم أحلوا المحرمات وارتكبوا الفواحش فكان مصيرهم الخذلان والفشل. وقد خضعت جميع هذه القبائل إلى الإسلام بفضل حزم أبي بكر الصديق ومحاربته أهل الردة كما سيأتي ذكر ذلك مفصلاً. والآن نبدأ بأخبار الأسود العنسي الكذاب:

=====

الأسود العَنْسي النبي الكذاب

الأسود العنسي يلقب بذي الخمار لأنه كان معتماً متخمراً دائماً [1]واسمه عيهلة بن كعب بن عوف العَنْسي، وعنس بطن من مَذْحج [2]. وكان كاهناً مشعبذاً يُري قومه الأعاجيب ويجلبهم بحلاوة منطقة. ادعى النبوّة حين مرض النبي واتبعه مَذْحج عامة وكانت ردته أول ردة في الإسلام على عهد رسول الله. وقد سمى نفسه رحمن اليمن أي أنه يتكلم باسم الرحمن، كما سمى مسيلمة رحمن اليمامة. ويقال كان له شيطان يخبره بكل شيء.

فغزا نجران وكان عليها عمرو بن حزم وخالد بن سعيد فأخرجهما ومعه 700 فارس إلى صنعاء وعليها شهر ابن باذان فخرج إليه شهر فقتله الأسود. كان قواده قيس بن عبد يغوث المرادي ومعاوية بن قيس الجَنْبي ويزيد بن محرم ويزيد بن حُصَين الحارثي ويزيد بن الأفْكَل [49]الأزدي. استولى الأسود على صنعاء وغلب على حضرموت إلى أعمال الطائف إلى البحرين والأحساء إلى عدن، وقد استولى على جنوب غربي بلاد الرب في أقل من شهر وأسند أمر جنده إلى قيس بن عبد يغوث وأسند أمر الأبناء [3] إلى فيروز وداذويه فلما أثخنا في الأرض استخف بقيس وبفيروز الديلمي وداذويه.

خاف من بحضرموت من المسلمين أن يحاربهم الأسود أو يظهر كذاب آخر مثله فأتى من باليمن كتاب من رسول الله يأمرهم بقتال الأسود فقام معاذ يتنقل في القبائل فقويت نفوس المسلمين. وكان الذي قدم بكتاب النبي ﷺ وَبَر بن يُحَنّس الأزدي.

متخمرا لابسا الخمار، الخمار ثوب تغطي به المرأة رأسها.

البطن دون القبيلة

الأبناء هم من أولاد الفرس الذين سيرهم كسرى أنوشروان مع سيف بن ذي يزن إلى اليمن لقتال الحبشة فأقاموا باليمن.

=========

قتل الأسود العنسي

من سخافة عقل الأسود استخفافه بقائد جيشه وبفيروز وداذويه وهم الذين أعانوه على إخضاع اليمن له في مدة قصيرة. ثم إنه بعد أن قتل شهر بن باذان تزوج [50]امرأته آزاد وهي ابنة عم فيروز. فلما علم المسلمون تغيره على رئيس جنده دعوه وأنبأوه بكتاب رسول الله بقتل الأسود ففرح فيروز لذلك النبأ وكلموا آزاد زوجته في قتله، وكانت تبغضه لأنه قتل زوجها ولأنه كان سيء الخلق فاسقاً.

تمكن فيروز، وداذويه، وقيس من دخول القصر بالرغم من وجود الحراس وذلك بواسطة نقب نقبوه بإشارة من آزاد ثم انقضوا عليه وقتلوه وحزوا رأسه. ولما طلع الفجر نادوا بشعار المسلمين وهو الأذان. ولما اجتمع المسلمون والكفار ألقوا إليهم الرأس، وبذلك خلصت صنعاء والجَنَد [1] من هذا الشر المستطير، واتفق الناس على تولية معاذ بن جبل فكان يصلي بالناس، وعاد عمال رسول الله إلى أعمالهم وكتبوا إليه ﷺ بالخبر، فوصل الرسول المدينة صبيحة اليوم الذي توفي فيه رسول الله، وكان بين خروج [51]الأسود ومقتله نحو أربعة أشهر.

وقد جاء في أسَدِ الغابة عند ترجمة باذان أن باذان كان له أثر كبير في قتل الأسود مع أنه لم يكن له أي أثر في ذلك لأن باذان مات في عهد رسول الله وفرق ﷺ أمراءه على اليمن فكان شهر بن باذان على صنعاء[2] ثم استولى عليها الأسود الذي قتل غيلة كما تقدم.

الجند بالتحريك: قال أبو سنان اليمامي: اليمن فيها 33 منبرا قديما و40 حديثا وأعمال اليمن في الإسلام مقسومة على ثلاثة ولاة: فوال على الجند ومخاليفها وهو أعظمه. ووال على صنعاء ومخالفيها وهي أوسطها، ووال على حضرموت ومخالفيها وهو أدناها. والجند مسماة بجند بن شهران بطن من المعافر.

صنعاء هي أم اليمن وقطبها لأنها في الوسط منها وكان إسمها في الجاهلية ازال وقيل سميت باسم الذي بناها وهو صنعاء بن أزال. قال الياقوت : صنعاء منسوبة إلى جودة الصنعة وهي مشهورة بجودة فواكهها. وبنى أبرهة بصنعاء كنيسة يقال لها القليس وقد ذكرناها في كتاب «محمد رسول الله»

======

قتال أهل الردة

لما توفي رسول الله اشتد الأمر على المسلمين لارتداد العرب وخافوا الإغارة على المدينة بعد أن سير أبو بكر جيش أسامة إذ قد استفحل أمر مُسَيلمة وطُلَيحة واجتمع على طليحة عوام طيء وأسد، وارتدت غَطَفان تبعاً لعيينة ابن حصين فإنه قال لَنبيٌّ من الحليفين - يعني أسداً وغطفان - أحب إلينا من نبي من قريش. وقد مات محمد [52]وطليحة حي فاتبعه وتبعته غطفان وكان عيينة من المؤلفة قلوبهم، ومن الأعراب الجفاة.

قدمت رسل النبي ﷺ من اليمامة وأسد وغيرهما ودفعوا كتبهم لأبي بكر، وأخبروه الخبر عن مسيلمة، وطليحة، فعزم أبو بكر على قتالهم واستعد لصد هجمات المغيرين إلى أن يأتي جيش أسامة، والآن نذكر ما كان من أمر طليحة الذي ادعى النبوة.

=======طليحة الأسدي

طليحة بن خويلد الأسدي من بني أسد بن خزيمة كان كاهنا فأسلم ثم ارتد وادعى النبوة في حياة رسول الله، وظهر في بني أسد واتبعه أفاريق [1] من العرب ونزل سَمِيراء [2] بطريق مكة، فوجه إليه النبي ﷺ ضرار بن الأزور عاملاً على بني أسد، وأمرهم بالقيام على من ارتد فضعف أمر طليحة حتى لم يبق إلا أخذه فضربه به [53]بسیف فلم يصنع فيه شيئاً ، فاعتقد الناس أن السلاح لا يؤثر فيه فكثر جمعه ، ومات النبي ﷺ وهم على ذلك وأكثر من تبعه من أسد، وغطفان ، وطيء، وفزارة وغيرهم ، وفر ضرار ومن معه إلى المدينة . وكان طليحة يدعي أن جبرائيل يأتيه ، وكان يسجع للناس الأكاذيب ، وكان يأمرهم بترك السجود في الصلاة يقول : إن الله لا يصنع بتعفير وجوهكم ، وتقبيح أدباركم شيئا فاذكروا الله قيامة فإن الرغوة فوق الصريح . وأنفذ طليحة وفوده إلى أبي بكر في الموادعة على الصلاة[3] وترك الزكاة ، فأبی أبو بكر ذلك وكان لطليحة أخ يدعي حِبَال جعله على فريق من أتباعه. ولما عرض الوفد على أبي بكر ترك الزكاة قال : «والله لو منعوني عقالاً لجاهدتهم عليه» [4].

في الحديث: أفاريق العرب، وهو جمع أفراق وأفراق جمع فرقة.

سميراء بفتح أوله وكسر ثانيه بالمد وقيل بالضم: ماء بين ثور والحاجز في طريق مكة.

الموادعة : المصالحة

لو منعوني عقالا : قيل المراد الحبل. وإنما ضرب به مثلا لتقليل ما عساهم أن يمنعوه . وقيل المراد بالعقال نفس الصدقة

=============

الإغارة على المدينة

توقع أبو بكر الإغارة على المدينة فجعل بعد سير الوفد على أنقاب المدينة عليًّا وطلحة ، والزبير ، وابن [54]مسعود ، وألزم أهل المدينة بحضور المسجد خوف الإغارة من العدو لقربهم . فيا لبثوا إلا ثلاثاً حتى طرقوا المدينة ليلاً ، وخلفوا بعضهم بذي حُسًى [1] ليكونوا لهم رداءً[2] فوافوا ليلاً الأنقاب ، وعليها المقاتلة فمنعوهم خارج المدينة وأرسلوا إلى أبي بكر بالخبر فخرج إليهم جيش المدينة واتبعوهم حتى إذا كانوا بذی حسًی خرج إليهم اصحاب طليحة بقرب قد نفخوها وفيها الحبال فدهدهوها [3] على الأرض فنفرت إبل المسلمين وهم عليها ورجعت بهم إلى المدينة ، ولم يصرع مسلم . وظن الكفار بالمسلمين الوهن ثم انضم إلى رجال طليحة غيرهم من أصحابه ، وبات أبو بكر بالمدينة يعبي الجيش ثم خرج ليلاً يمشي وعلى ميمنته النعمان بن مقرِّن وعلى ميسرته عبد بن مقرن وعلى الساقة سويد بن مقرِّن . فما طلع الفجر إلا وهم والعدو على صعيد واحد، فقاتلها المسلمون حتى ولوا مدبرین ، واقتفى أثرهم أبو بكر حتى نزل بذي القَصَّة[4]. وكان ذلك أول الفتح فوضع بها الحامية وعليها النعمان بن مقرِّن ، وحلف أبو بكر [55]ليقتلن من المشركين بمن قتلوا من المسلمين وزيادة وازداد المسلمون قوة وثباتاً

كانت هذه الموقعة صغيرة ، ولكن كان للنصر الذي أحرزه أبو بكر شأن كبير ، ووقع عظيم في النفوس . وقد كان المرتدون يتحدثون فيما بينهم بقلة عدد المسلمين فلو أنهم انهزموا لكان الخطب فادحاً . وعلى أثر هذا الانتصار طرقت المدينة الصدقات فانتعش المسلمون وقویت عزيمتهم وكان أول من جاء بالصدقات إلى الخليفة وفود بني تميم وبني طيء .

ذو حسى : واد بدیار عبس وغطفان

معيناً

دحرجوها

ذو القصة : موضع على بريد من المدينة

==========

عودة أسامة

سنة 11 هـ ( سبتمبر سنة 632م)

وأخيراً عاد أسامة من غزوته ، وأصبحت المدينة في مأمن من الخطر ، ووزع أبو بكر الغنائم على الناس ، وقد نال أبو بكر ما أراد من إرسال أسامة واعتقد العرب بقوة المسلمين . ثم إن أبا بكر استفاد من الفرصة التي سنحت له بطرد المرتدين من ذي القصة إلى الرَّبذَة [1] [56]واستخلف أسامة على المدينة وقال له ولجنده استريحوا وأريحوا ظهوركم ثم خرج في الذين خرج معهم إلى ذي القصة وهم قوة صغيرة . فقال له المسلمون: ننشدك الله يا خليفة رسول الله الا تعرض نفسك فإنك إن تصب لم يكن للناس نظام، ومقامك أشد على العدو فابعث رجلاً فإن أصيب أمرت أخر، فقال: «ولا والله لا أفعل ولا واسينكم بنفسي».

سار ابو بكر إلى ذي حسي ، وذي القصة حتى نزل بالأبرق[2]، فاقتتلوا فهزم الحارث، وعوف، وأخذ الحطيئة أسيراً ، فطارت عبس ، وبنو بكر وأقام أبو بكر على الأبرق أياماً، وغلب على بني ذبيان وبلادهم وحماها الدواب المسلمين وصدقاتهم، ولا انهزمت عبس وذبيان رجعوا إلى طليحة وهو ببُزَاخَة [3] وكان رحل من سَمِيراء إليها، فأقام عليها، وعاد أبو بكر إلى المدينة.

الربذة : من قرى المدينة على ثلاثة أميال وبها قبر أبي ذر وجماعة من الصحابة.

موضع كان من منازل بني ذبيان

بزاخة : ماء لبني أسد بأرض نجد

=============

إرسال البعوث إلى المرتدين

شعبان سنة 11 هـ ( تشرين الأول أكتوبر سنة 632م)

لما استراح أسامة وجنده وكان قد جاءتهم صدقات كثيرة تفضل عنهم نظم أبو بكر البعوث ، وعقد الألوية فعقد أحد عشر لواء . وفيما يلي أسماء القواد ووجهتهم :

(1) خالد بن الوليد: سار إلى طليحة بن خويلد الأسدي فإذا فرغ منه سار إلى مالك بن نويرة بالبُطاح إن أقام له

(2) عكرمة بن أبي جهل: إلى مسيلمة

(3) المهاجر بن أبي أمية: إلى جنود العنسي ومعونة الأبناء على قيس بن المكشوح ثم يمضي إلى كِندة بحضرموت

(4) خالد بن سعيد إلى مشارف الشام

[58](5) عمرو بن العاص: إلى قُضاعة ووديعة

(6) حذيفة بن مِحْصَن الغلفاني: إلى أهل دَبا

(7) عرفجة بن هرثمة: إلى مَهَرة.

(8) شرحبيل بن حسنة: في أثر عكرمة بن أبي جهل فإذا فرغ من العامة لحق بخيله إلى قضاعة.

(9) معن بن حاجز: إلى بني سليم ومن معهم من هوازن.

(10) سوید بن مقِّرن: إلى تهامة باليمن.

(11) العلاء بن الحضرمي: إلى البحرين.

هؤلاء هم القواد الذي اختارهم أبو بكر لقتال أهل الردة، وعقد لكل واحد منهم لواء ومن هذا يتبين أنهم أرسلوا إلى جميع العرب الذين كانوا قد ارتدوا، فما أصعب مهمة أبي بكر ومهمة قواده الذين كلفوا بإخضاع المرتدين وإعادتهم إلى لواء الإسلام، ولم يبق بالمدينة غير قوة صغيرة. وبقي أبو بكر في المدينة ولم يبعث عمر بن الخطاب، وعليّ بن أبي طالب، والزبير مع كفايتهم [59]الحربية ، بل أبقاهم معه لاستشارتهم.

فَصَلَت الأمراء من ذي القصة ونزلوا على قَصْدهم فلحق بكل أمير جنده وقد عهد إليهم عهده وكتب إلى من بعث إليه من جميع المرتدین.

وهذا نص الكتاب الذي أرسله أبو بكر إلى المرتدين من العرب وأعطى كل أمير نسخة منه:

بسم الله الرحمن الرحيم

و من أبي بكر خليفة رسول الله ﷺ إلى من بلغه كتابي هذا من عامة وخاصة، أقام على إسلامه أو رجع عنه. سلام علی من اتبع الهدى ولم يرجع بعد الهدى إلى الضلالة والعمى، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله. نُقر بما جاء به ونكفر من أبی ونجاهده.

« أما بعد فإن الله تعالى أرسل محمداً بالحق من عنده إلى خلقه بشيرا ونذيرا وداعية إلى الله بإذنه وسراجاً [60]منيراً لينذر من كان حياً ويحق القول على الكافرين فهدى الله بالحق من أجاب إليه وضرب رسول الله ﷺ بإذنه من أدبر عنه حتى صار إلى الإسلام طوعاً أو كرهاً ، ثم توفي الله رسوله ﷺ وقد نفذ أمر الله ونصح لأمته وقضى الذي عليه . وكان الله قد بين له ذلك ولأهل الإسلام في الكتاب الذي أنزل ، فقال ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ﴾ الزمر 30، وقال : ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ الأنبياء 34، وقال للمؤمنين ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ آل عمران 144، من كان يعبد محمد فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله وحده لا شريك له فإن الله له بالمرصاد، حي قيوم لا يموت ولا تأخذه سنة ولا نوم. حافظ لأمره، منتقم من عدوه يجزيه، وإني أوصيكم بتقوى الله وحظكم ونصيبكم من الله، وما جاءکم به نبيكم ﷺ وأن تهتدوا بهداه، وأن تعتصموا بدين الله فإن كل من لم يهده الله ضال وكل من لم يعافه مبتلى، وكل من لم يعنه الله مخذول ، فمن هداه الله كان مهتدياً ومن أضله كان ضالاً. قال الله تعالى « من [61]يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً» الكهف 17، ولم يقبل منه في الآخرة صَرْفٌ ولا عدلٌ[1].

وقد بلغني رجوع من رجع منكم عن دينه بعد أن أقر بالإسلام وعمل به اغتراراً بالله وجهالة بأمره وإجابة للشيطان . قال الله تعالى ﴿وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾[2]. أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو . بئس للظالمين بدلا }} الكهف 51، وقال : ﴿ إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا . إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير ﴾ فاطر 6، وإني بعثت إليكم ( فلاناً) في جيش من المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان وأمرته أن لا يقاتل أحداً ولا يقتله حتى يدعوه إلى داعية الله فمن استجاب له وأقر وكف وعمل صالحا قبل منه وأعانه عليه . ومن أبی أمرت أن يقاتله على ذلك ثم لا يبقى على أحد منهم قدر عليه وأن يحرقهم بالنار ويقتلهم كل قتلة، وأن يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام، فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز [62] الله . وقد أمرت رسولي أن يقرأ كتابي في كل مجمع لكم . والداعية الأذان . فإذا أذن المسلمون فأذنوا كفوا عنهم وإن لم يؤذنوا عاجلوهم وإن أذنوا اسألوهم ما عليهم فإن أبوا عاجلوهم وإن أقروا اقبلوا منهم واحملوهم على ما ينبغي لهم » هذا إعلان عام للمرتدين وقد أمرهم بالخضوع والعودة إلى الإسلام حالاً بمجرد الدعوة وإلا كان كل أمير في حل من قتل من أبي وحرقه واستعمال الشدة معه وسبي الذراري والنساء وأعطى لكل قائد عهداً بوصية مما يجب عليه أن يتبعه ويسلكه للقيام بالمهمة التي عهد إليه بها، وهذا نص العهد :

بسم الله الرحمن الرحيم

و هذا عهد من أبي بكر خليفة رسول الله ﷺ ( لفلان ) حين بعثه لقتال من رجع عن الإسلام وعهد إليه أن يتقي الله ما استطاع في أمره كله . سره وعلانيته [63]وأمره بالجد في أمر الله ومجاهدة من تولى عنه ورجع عن الإسلام إلى أماني الشيطان بعد أن يعذر إليهم فيدعوهم بداعية الإسلام ، فإن أجابوه أمسك عنهم وإن لم يجيبوه شن غارته عليهم حتى يقروا له ثم ينبئهم بالذي عليهم والذي لهم فيأخذ ما عليهم ويعطيهم الذي لهم لا ينظرهم ولا يرد المسلمين عن قتال عدوهم ، فمن أجاب إلى أمر الله عز وجل قبل ذلك منه وأعانه عليه بالمعروف. إنما يقاتل بالمعروف وإنما يقاتل من كفر بالله على الإقرار بما جاء من عند الله فإذا أجاب الدعوة لم يكن عليه سبيل وكان الله حسيبه بعد فيها استسر به . ومن لم يجب داعية الله قتل وقوتل حيث كان وحيث بلغ مراغمه لا يقبل من أحد شيئا أعطاه إلا الإسلام . فمن أجابه وأقر قبل منه وعلمه ، ومن أبی قاتله . فإن أظهره الله عليه قتل منهم كل قتلة بالسلاح والنيران . ثم قسم ما افاء الله عليه إلا الخمس فإنه يبلغناه ، وأن يمنع أصحابه العجلة والفساد، وأن لا يدخل فيهم حشوا حتى يعرفهم ويعلم ما هم لئلا يكونوا عيونا ولئلا يؤتي المسلمون من قبلهم ، وأن يقتصد بالمسلمين ويرفق بهم في السير والمنزل ويتفقدهم ولا يعجل بعضهم عن بعض ويستوصي بالمسلمين في حسن الصحبة ولين القول».

الصرف: التوبة والعدل الفدية

فسق عن أمر ربه : خرج عن طاعته .

==

موقعة بُزَاخة

وفرار طُلِيحة إلى الشام

وجه أبو بكر خالد بن الوليد لمحاربة طليحة فإذا فرغ من قتاله سار إلى مالك بن نُوَيرة بالبُطاح[1].

وكان أبو بكر بعث عدي بن حاتم[2] قبل خالد بن الوليد إلى طيء وأتْبعه خالداً وأمره أن يبدأ بطيء ومنهم يسير إلى بُزَاخة ثم إلى البُطاح ولا يبرح إذا فرغ من قوم حتى يأذن له وأظهر للناس أنه خارج بجيش إلى خيبر حتى يلاقي خالد وذلك بقصد إرهاب العدو . قدم عدي بن حاتم إلى طيء كما أمره أبو بكر [65]ليدعوهم إلى الإسلام قبل أن يحاربهم خالد . فلما دعاهم وخوَّفهم طلبوا إليه أن يتوسط في تأخير الجيش عنهم ثلاثة أيام حتى يتمكنوا من سحب من انضم منهم إلى طليحة بن خويلد الأسدي ببزاخة لئلا يقتلهم . فعاد عدي وأخبر خالدة بالخبر فتأخر وأرسلت طيء إلى إخوانهم عند طليحة فلحقوا بهم فعادت طبيء إلى خالد بإسلامهم .

بعد ذلك هم خالد بالرحيل إلى جَديلة[3] فاستمهله عدي أيضاً ريثما يكلمهم . فذهب إليهم يدعوهم إلى الإسلام فلم يزل بهم حتى أجابوه ، فعاد إلى خالد بإسلامهم ولحق بالمسلمين ألف راكب منهم وكان خير مولود في أرض طيء وأعظمه بركة عليهم لأنه كفاهم شر القتال بدخولهم في الإسلام وأفاد جيش المسلمين وأراحهم من قتالهم وأفادهم بما انضم إليهم منهم ، وفي الحقيقة فإن الخدمة التي أداها عديّ بن حاتم للطرفين خدمة جليلة لا تقدر .

وكان خالد قد أرسل عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم طليعة فلقيها حِبال أخو طليحة فقتلاه فبلغ خبره [66]طليحة فخرج هو وأخوه سلمة فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتاً ورجعا . فلا أقبل خالد بجيشه رأوا عكاشة وثابتاً قتيلين فتحرج المسلمون لذلك وقالوا قتل سیدان من سادات المسلمين وفارسان من فرسانهم .

سار خالد بجيشه إلى بزاخة والتقى بجيش طليحة فتقاتلوا قتالاً شديداً وطليحة متلفف في كسائه يتنبأ لهم . وكان عُيينة بن حصْن[4] يقاتل مع طليحة في 700 من بني فَزَارة قتالاً شديداً.

ولما اشتدت الحرب کر عيينة بن حصن على طليحة وقال له : هل جاءك جبريل ؟ قال لا . فرجع فقاتل ثم عاد إلى طليحة فقال له لا أبالك هل جاءك جبريل ؟ قال لا . فقال عيينة حتى متى ؟ قد والله بلغ منا . ثم رجع فقاتل قتالاً شديداً . ثم كر على طليحة . فقال هل جاءك جبريل ؟ فقال نعم . قال : فماذا قال لك ؟ قال : قال لي : إن لك رحمی کرحاه ، وحديثاً لا تنساه . فقال عيينة قد علم الله أنه سيكون حديث لا تنساه. "لا أنصرفوا يا [67]بني فَزَارة فإنه كذاب » فانصرفوا، وانهزم الناس

وكان طليحة قد أعد فرسه وراحلة لامرأته «النَّوَار»، فلما غشوه ركب فرسه وحمل امرأته ثم نجابها وقال : «يا معشر فزارة من استطاع أن يفعل هكذا وينجو بامرأته فليفعل»، ثم انهزم فلحق بالشام ثم نزل على كلب وأسلم حين بلغه أن أسداً وغطفان قد أسلموا، ولم يزل مقيماً في كلب، حتى مات أبو بكر وكان قد خرج معتمراً، ومر بجنبات المدينة ؛ فقيل لأبي بكر : هذا طليحة فقال : ماذا أصنع به قد أسلم ؟

ولما أوقع الله بطليحة وفزارة ما أوقع أقبل أولئك يقولون : ندخل فيما خرجنا منه ونؤمن بالله ورسوله، ونسلّم لحكمه في أموالنا وأنفسنا . وقد بايع خالد من خضع وأسلم من القبائل، وهذا نص البيعة:

«عليكم عهد الله وميثاقه ، لتؤمننّض بالله ورسوله، ولتقيمن الصلاة ولتؤتن الزكاة وتبایعون على ذلك أبناءكم ونساءكم».

[68]ولم يقبل من أحد من أسد، وغطفان ، وطيء، وعامر إلا أن يأتوه بالذين حرقوا ومثّلوا وعدوا على الإسلام في حال ردتهم فأتوه بهم فمثل بهم وحرقهم ورضخهم بالحجارة ورمی بهم من الجبال ونكسهم في الآبار وأرسل إلى أبي بكر يعلمه ما فعل وأرسل إليه قرة ابن هبيرة ونفراً معه وزهيراً موثقين.

أما أم زمْل بنت مالك بن حذيفة بن بدر فكانت قد سپیت ایام أمها أم قرفة[5]، فوقعت لعائشة فأعتقتها ورجعت إلى قومها وارتدت، واجتمع إليها الفَلُّ، فأمرتهم بالقتال، وكثف جمعها، وعظمت شوكتها. فلما بلغ خالداً أمرها سار إليها فاقتتلوا قتالاً شديدهً أول يوم وهي واقفة على جمل كان لأمها وهي في مثل عزها فاجتمع على الحمل فوارس فعقروه وقتلوها، وقتل حول الجمل مائة رجل، وبعث خالد بالفتح إلى أبي بكر. [69]

أسر عيينة بن حصن

كان خالد بن الوليد أسر عيينة بن حصن فقدم به إلى أبي بكر فكان صبيان المدينة يقولون له وهو مكتوف : يا عدو الله أكفرتَ بعد إيمانك !؟ فيقول ما آمنتُ بالله طَرْفة عين فتجاوز عنه أبو بكر وحقن دمه

مثال من كلام طليحة

وأخذ من أصحاب طليحة رجلاً كان عالماً به فسأله خالد عما كان يقول فقال : إن مما آتي به : «الحمام واليَمَام ، والصُّردِ والصَّوام[6]، قد صمن قبلكم بأعوام ليبلغنَّ مُلِّكنا العراق والشام» ولم يبلغ ملك طليحة لا العراق ولا الشام بل هو الذي فر إلى الشام.

ويغلب على ظني أن خالداً هذا السجع السخيف لم يتمالك من الضحك مع أن طليحة كان شاعراً.

البطاح : ماء في ديار بني أسد بن خزيمة

عدي بن حاتم الطائي الذي يضرب بأبيه المثل في الجود، وقد وفد عدي على النبي ﷺ سنة تسع في شعبان فأسلم وكان نصرانية ووفد على أبي بكر في الردة بصدقات قومه وثبت على الإسلام ولم يرتد وكان جواد شريفاً في قومه معظم عندهم وعند غيرهم . محاضر الجواب وكان يفت الخبز للنمل ويقول انهن جارات ولهن حق . توفي سنة 67 ه.

بطن من بطون طيء

عيينة بن حصن يكنى أبا مالك أسلم بعد الفتح. وقيل أسلم قبل الفتح وكان من المؤلفة قلوبهم ومن الأعراب الجفاة، وارتد. وكان عيينة في الجاهلية من الجرارين يقود عشرة ألاف وتزوج عثمان بن عفان زوجته.

راجع ام قرفة في كتاب محمد رسول الله للمؤلف، ص 307 و308.

الصرد وزان عمر: نوع من الغربان، ورجل صائم وصوام مبالغة.

================

هزيمة بني تميم

وقصة مالك بن نُوَيرة

بعد أن أخضع خالد بن الوليد القبائل التي تقطن التلال الواقعة شمالي المدينة سار لقتال بني تميم بهضبة عند الخليج الفارسي وهم قسمان : نصاری وعباد أصنام منتشرون في المراعي الواسعة بين اليامة ومصب الفرات وكانوا قد أسلموا في زمن النبي ﷺ كسائر القبائل العربية وفرق فيهم عماله ، فكان الزِّبْرِقان منهم وسهل بن منجاب وقيس بن عاصم وصفوان بن صفوان وسَبرَة بن عمرو ووكيع بن مالك ومالك بن نويرة . ثم ارتدوا ومنعوا الزكاة بعد وفاة رسول الله ولما تولى أبو بكر الخلافة وانتصر في أول موقعة له سار صفوان بن صفوان إلى أبي بكر بصدقات بني عمرو إلا أنه في هذه الأثناء تشاغلت تميم بعضها ببعض ، وبينما هم كذلك جاءتهم سَجاح بنت الحارث بن سوید بن عقفان التميمية قد أقبلت من الجزيرة وادعت النبوة وكانت ورهطها في أخوالها من [71]تغلب تقود ربيعة ومعها الهذيل بن عمران في بني تغلب وكان: نصرانياً فترك دينه وتبعها، كما أن سَجاح كانت قد اعتنقت الديانة المسيحية قبل أن تتنبأ ومعها عَقَّة بن هلال في النمر وزياد بن فلان في إياد والسليل بن قيس في شیبان، فأتاهم أمر أعظم مما هم فيه لاختلافهم.

وكانت سَجَاح تريد غزو المدينة، فأرسلت إلى مالك بن نويرة تطلب الموادعة فأجابها إلا أن قبائل تميم الأخرى أبَوْا أتباعها ، وحاربوها في عدة مواقع فانهزمت هي ومالك ، وبعد أن صالحتهم وبادلتهم الأسرى سارت في جنود الجزيرة قاصدة اليمامة وقالت :

«عليكم باليامة ودُفُّوا[1] دفيف الحمامة. فإنها غزوة صَرَّامة[2] لا يلحقكم بعدها ملامة».

وكانت سَجَاح تريد مهاجمة مسيلمة ، فقصدت بني حنيفة . فبلغ ذلك مسيلمة فخاف إن هو شغل بها أن يغلب ثُمامةُ وشُرَحْبيل بن حسنة والقبائل التي حولهم على حجر وهي اليامة فأهدى لها ثم أرسل يستأمنها على نفسه [72]حتى يأتيها فجاءها في أربعين من بني حنيفة. فقال مسيلمة: لنا نصف الأرض وكان لقريش نصفها لو عدلت، وقد رد الله عليك النصف الذي ردت قريش.

واجتمع مسيلمة بسجاح وضرب لها قبة وتزوجها وصالحها على غلات الهامة سنة تأخذ النصف وتترك النصف، فأخذت النصف وانصرفت إلى الجزيرة وخلفت الهذيل وعقبة وزيادة لأخذ النصف الباقي فلم يفاجئهم إلا دنو خالد إليهم فانفضوا، ويلاحظ أن سجاح لم تقم مع زوجها مسيلمة الذي آمنت به، بل تركته وعادت إلى الجزيرة.

أما مالك بن نويرة فإنه ندم على ما فعل لاتباعه سجاح وتحير في أمره وسار خالد بن الوليد بعد أن فرغ من فزارة وغطفان وأسد وطيء يريد البطاح، وبها مالك بن نويرة قد تردد عليه أمره. وتخلفت الأنصار عن خالد وقالوا ما هذا بعهد الخليفة إلينا إن نحن فرغنا من بزاخة أن نقيم حتى يكتب إلينا فتركهم خالد ومضى، وندمت الأنصار ولحقوه ثم سار حتى قدم البطاح فلم يجد فيها أحداً، وكان مالك بن نويرة قد فرقهم ونهاهم [73]الاجتماع فلا قدم خالد البطاح بث السرايا وأمرهم بداعية الإسلام وأن يأتوه بكل من لم يجب، وإن امتنع أن يقتلوه. فجاءته الخيل مالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن یربوع . وكان فيهم أبو قتادة ، فشهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا ، وقال قوم إنهم لم يفعلوا ذلك .

فلما اختلفوا في أمرهم أمر خالد بن الوليد بحبسهم فحبسوا في ليلة باردة وأمر منادياً فنادى أدفئوا أسراكم وهي في لغة كنانة القتل فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم فقتل ضرار بن الأزور مالكاً ، وسمع خالد الداعية[3] فخرج وقد فرغوا منهم فقال : «إذا أراد الله أمراً أصابه».

زواج خالد

تزوج خالد أم تميم امرأة مالك بن نويرة . ولما وصل الخبر إلى المدينة قال عمر لأبي بكر إن سيف خالد فيه رَهَق[4] وأكثر عليه في ذلك . فقال يا عمر : « تأوّل فأخطأ فارفع لسانك عن خالد فإني لا أشِيم[5] سيفأ سلَّه [74]الله على الكافرين » ووَدَى مالكا[6]، وكتب إلى خالد أن يقدم عليه ففعل ودخل المسجد وعليه قَباء[7] وقد غرز في عمامته أسهماً، فقام عمر فنزعها وحطمها، وقال له: قتلت امرأ مسلماً ثم نزوت على امرأته[8] والله لأرجمنك بأحجارك وخالد لا يكلمه يظن أن رأي أبي بكر مثله، ودخل على أبي بكر فأخبره الخبر واعتذر إليه فعذره، وتجاوز عنه وعنفه في التزويج الذي كانت عليه العرب من كراهته أيام الحرب فخرج خالد وعمر جالس. فقال: هلم إلي يا ابن أم شَمْلة فعرف عمر أن أبا بكر قد رضي عنه فلم يكلمه. وقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر يطالب بدم أخيه ويسأله أن يرد عليهم سبيهم فأمر أبو بكر برد السبي وودى مالكاً من بيت المال. غير أن سير ويليام موير يقول في كتابه (الخلافة) طبعة 1924 صفحة 26[9] إن أبا بكر أمر برد الأسرى لكنه رفض أن يدي مالكاً من غير أن يشير إلى المصدر الذي استند إليه في الرفض، وهذا يخالف ما جاء في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير [75]وأسد الغابة. فقد ورد في هذه المراجع أن أبا بكر أمر برد السبي وودى مالكاً. وقد كانت زوجة مالك بن نويرة غاية الجمال. وكان خالد بن الوليد يحبها فقتل زوجها مالكا ليتزوجها مع أنه أقر بالإسلام. وقال مالك عندما أمر خالد بقتله: «إن هذه التي قتلتني» يريد زوجته، وهذا الذي استوجب غضب عمر على خالد. وكان يريد أن يرجمه باعتباره زانياً.

وفي زواج خالد بزوجة مالك بن نميرة يقول أبو نمير السعدي:

ألا أقل لحي أوطئوا بالسنابك

تطاول هذا الليل من بعد مالك

قضى خالد بغيا عليه بعرسه

وكان هوى فيها قبل ذلك

فأمضى هواه خالد غير عاطف

عنان الهوى عنها ولا متمالك

[76]

فأصبح ذا أهل وأصبح مالك

إلى غير أهل هالكاً في الهوالك[10][11]

كان ممن شهد لمالك بالإسلام أبو قتادة الحارث بن ربعي أخو بني سلمة وقد كان عاهد الله أن لا يشهد مع خالد بن الوليد حرباً أبداً بعدها وكان يحدث أنهم لما غشوا القوم راعوهم تحت الليل فأخذ القوم السلاح قال فقلنا إنا مسلمون. فقالوا ونحن مسلمون. قلنا فما بال السلاح معكم؟ قالوا فما بال السلاح معكم؟ قلنا فإن كنتم كما تقولون فضعوا السلاح. قال فوضعوها ثم صلينا وصلوا. وكان خالد يعتذر في قتله أنه قال وهو يراجعه: ما إخال صاحبكم إلا وقد كان يقول كذا وكذا. قال أو ما تعده لك صاحباً؟ ثم قدمه وضرب عنقه وعنق أصحابه.

هامش

دفوا : أسرعوا

مرامة : قاطعة

الداعية: الصراخ

الرهق: غشيان المحارم.

لا أشيم: لا أغمد سيفا.

دفع ديته (المصحح) .

قباء ثوب يلبس فوق الثياب، وقيل يلبس فوق القميص ويتمنطق عليه ج أقبية.

نزا: وثب.

Muir 'Sir William' - The Caliphate (924) Page 26

راجع تاريخ أبي الفداء.

نستبعد صحة هذه الرواية. وليس كل ما ورد من الروايات في كتب التاريخ صحيحا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله الله في أصحابي لا تتخذوهم هدفا ... أي اتقوا الله في أصحابي لا تؤذوهم. ونحن نميل إلى اختيار الروايات التي تنزه الصحابة جميعا رضي الله عنهم وغفر لهم.(المنقح).

========

===موقعة اليمامة

أخر سنة 11 هـ وبدء سنة 633 م

كان خالد بن الوليد يحارب المرتدين في اليمامة من أتباع مسيلمة. واليمامة موطن بني حنيفة في وسط شبه جزيرة العرب وفي اتجاه الشرق قليلاً، الشرق منها يوالي البحرين وبني تميم، والغرب يوالي أطراف اليمن والحجاز والجنوب نجران، والشمال أرض نجد. وطول اليامة عشرون مرحلة وهي على أربعة أيام من مكة. بلاد نخل وزرع.

بلغ عدد جيوش مسيلمة 40٬000 مقاتل وهؤلاء هم الذين سار خالد لمحاربتهم.

كان مسيلمة رجلا صغير الجسم دمیم الوجه له كفاءة تؤهله للزعامة. وكان قد قدم إلى النبي ﷺ في وفد بني حَنيفة واجتمع برسول الله ثم رجع إلى قومه وادعى أنه شريك رسول الله في النبوة، فاتبعه بنو حنيفة. وكتب مسیلمة إلى رسول الله يذكر أنه شريكه في النبوة وأرسل كتاباً مع رسولين فسألها رسول الله عنه فصدقاه فقال ها لولا أن الرسل لا تقتل لقتلتكما، وكان كتاب مسيلمة:

[78]«من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الل . اما بعد فإني أشركت معك في الأمر وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصفها ولكن قريشا قوم يعتدون» فكتب إليه رسول الله : «بسم الله الرحمن الرحيم. من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب أما بعد فالسلام على من اتبع الهدى فإن الأرض الله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين». فلما مات رسول الله وبعث أبو بكر السرايا إلى المرتدين أرسل عكرمة بن أبي جهل في عسكر إلى مسلمة، وأتبعه شرحبيل بن حسنة فاستعجل وانهزم وأقام شرحبيل بالطريق حين أدركه الخبر وكتب عكرمة إلى أبي بكر بالخبر، فكتب إليه أبو بكر «لا أرينك ولا تراني، لا ترجعن فتوهن الناس، امض إلى حذيفة وعرفجة فقاتل أهل عمان ومهرة ثم تسير أنت وجندك لا تستبرئون الناس حتى تلقي بها مهاجر بن أبي أمية[1] باليمن وحضرموت». وكتب إلى شرحبيل بالمقام إلى أن يأتي خالد فإذا [79]فرغوا من مسيلمة تلحق بعمرو بن العاص تعينه على قضاعة.

فلا رجع خالد من البطاح إلى أبي بكر واعتذر إليه فقبل عذره وأوعب معه المهاجرين والأنصار، وعلى الأنصار (ثابت بن قيس بن شاس) وعلى المهاجرين (أبو حذيفة وزيد بن الخطاب) وأقام خالد بالبطاح ينتظر وصول البعث إليه. فلما وصلوا إليه سار إلى اليامة بجيشه لملاقاة العدو . ولما بلغ مسيلمة دنو خالد ضرب عسكره بِعَقْرَباء[2] وخرج إليه الناس وخرج مجاعة بن مرارة في سرية يطلب ثأراً لهم في بني عامر - فلم يكن يقصد قتال المسلمين -فأخذه المسلمون وأصحابه وقتلهم خالد واستبقاه لشرفه في بني حنيفة وكانوا ما بين أربعين إلى ستين وترك مسيلمة [80]الأموال وراء ظهره.

وفي صباح اليوم التالي التقى الجيشان بسهل عقرباء وقال شرحبيل بن مسيلمة : «یا بني حنيفة قاتلوا فإن اليوم يوم الغَيرة فإن انهزمتم تستردف النساء سپیات وینکحن غير خطيبات. فقاتلوا عن أحسابكم وامنعوا نساء كم» فاقتتلوا بعقرباء.

وكانت راية المهاجرين مع سالم مولى أبي حذيفة. وكانت مع عبد الله بن حفص بن غانم فقتل فقالوا لسالم «نخشى عليك من نفسك» فقال «بئس حامل القرآن أنا إذاً».

وكانت راية الأنصار مع ثابت بن قيس بن شاس وكان أول من لقي المسلمين نهار الرجال بن عنفوة[3]، فقتله زيد بن الخطاب واشتد القتال ولم يلق المسلمون حربا مثلها قط وانهزم المسلمون وخلص بنو حنيفة إلى [81]مجّاعة وإلى خالد فزال خالد عن الفسطاط ودخلوا إلى مجاعة وهو عند زوجة خالد يحرسها فأرادوا قتلها فنهاهم مجاعة عن قتلها وقال «أنا لها جار» فتركوها، وقال لهم «عليكم بالرَّجَال» فقطعوا الفسطاط وحاق الخطر بالمسلمين في هذه الساعة وأخذ بعضهم يحث على القتال ويستفز الهمم. فقال ثابت بن قیس :

«بئس ما عودتم أنفسكم يا معشر المسلمين. اللهم إني أبرأ إليك مما يصنع هؤلاء - يعني أهل اليمامة - وأعتذر إليك مما يصنع هؤلاء يعني المسلمين» ثم قاتل حتی قتل

وقال زيد بن الخطاب :

«ولا تحوُّزَ بعد الرجال. والله لا أتكلم اليوم حتی نهزمهم، أو أقتل فأكلمه بحجتي. غضوا أبصاركم.وعضوا على أضراسكم أيها الناس واضربوا في عدوكم وامضوا قدم».

وقال أبو حذيفة :

«يا أهل القرآن زینوا القرآن بالفعال»

[82]وقد كانت لهذه الكلمات الحماسية أثرها في النفوس فحمل خالد في الناس حتى ردهم إلى أبعد مما كانوا واشتد القتال وقاتل العدو قتال المستميت. وكانت الحرب يومئذ تارة للمسلمين، وتارة لبني حنيفة. وقُتل سالم وأبو حذيفة وزيد بن الخطاب وغيرهم من كبار المسلمين.

ولما رأی خالد ما الناس فيه واختلاط جيشه، أراد أن يميزهم لتدب فيهم روح الغَيرة فقال:

«امتازوا أيها الناس لنعلم بلاء كل حيّ ولنعلم من این نؤتَی».

وكان أهل البوادي قد جنبوا المهاجرين والأنصار، وجنبهم المهاجرون والأنصار. فلما امتازوا قال بعضهم لبعض «اليوم يستحي من الفرار» فيا رثي يوم كان أعظم نكاية، غير أن القتل كان في المهاجرين والأنصار وأهل القرى أكثر منه في البوادي.

وثبت مسیلمة فدارت رحاهم عليه، وأدرك خالد أن الحالة لا تهدأ إلا إذا قتل مسيلمة فحمل عليهم ودعا إلى البراز ونادي بشعار المسلمين يومئذ وكان «یا محمداه».

[83]فلم يبرز إليه أحد إلا قتله، وحمل على مسيلمة ففر وفر أصحابه ، وصاح خالد في الناس فهجموا عليهم فكانت الهزيمة ، ونادي المحكم بن الطُّفيل وهو أحد قواد بني حنيفة المشهورين «يا بني حنيفة الحديقة. الحديقة[4]» ثم رماه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق بسهم فوضعه في نحره فقتله. وكان ممن دخل الحديقة مسيلمة. وقال البَرَاء بن مالك «يا معشر المسلمين ألقوني عليهم في الحديقة» فتردد المسلمون خوفاً عليه. ثم احتملوه فألقوه. فلما أشرف على الحديقة من الجدار اقتحم فقاتلهم عن باب الحديقة التي كانت مغلقة حتى فتحها للمسلمين فاندفع المسلمون إليها كالسيل الجارف، فأغلق الباب عليهم بعد دخولهم جميعا ، ورمی بالمفتاح من وراء الجدار حتى لا يتمكن أحد من الخروج فاقتتلوا قتالاً شديداً وقتل مسیلمة. قتله وحشي مولی جبير بن مطعم ورجل من الأنصار كلاهما قد أصابه، ووحشي هذا هو قاتل حمزة كما تقدم في السيرة النبوية. فولت بنو حنيفة عند قتله منهزمة وأخذهم السيف من كل جانب حتى قتلوا عن [84]آخرهم وأخبر خالد بقتل مسيلمة فخرج بمَجَّاعة يرسف في الحديد ليدله على مسيلمة وأخذ يكشف له عن جثت القتلى حتى عثر عليه ، فقال مجاعة لخالد «ما جاءك إلا سرعان الناس[5] وإن جماهير الناس في الحصون». فقال ويلك ما تقول؟ قال هو والله الحق فهلم لأصالحك عن قومي، وكان خالد نهكته الحرب، وأصيب معه من أشراف الناس من أصيب فقد رق وأحب الدعة والصلح ثم قال مجاعة: أنطلق إليهم فأشاورهم وننظر في هذا الأمر فارجع إليك، فانطلق ودخل الحصون، وليس فيها إلا النساء والصبيان، ومشيخة فانية ورجال ضعفي فظاهر الحديد على النساء وأمرهن أن ينشرن شعورهن وأن يشرفن على رؤوس الحصون حتى يرجع إليهم ثم رجع فأتي فقال: قد أبوا ما صالحتك عليه وقد أشرف لك نقضاً عليَّ وهم مني براء - فنظر خالد إلى رؤوس الحصون وقد اسودت - ولكن إن شئت صنعت شيئاً فعزمت على القوم. قال ما هو؟ قال تأخذ من ربع السبي وتدع ربعاً . فقال قد فعلت . قال : قد صالحتك.

[85]فلما فرغ فتحت الحصون فإذا ليس فيها إلا النساء والصبيان والشيوخ فقال خالد لمجاعة: ويحك ! خدعتني. قال: قومي ولم أستطع إلا ما صنعت

وقيل صالحه خالد على الذهب والفضة والسلاح ونصف السبي ولما عرض هذا الصلح عارض قوم من بني حنيفة، ومنهم سلمة بن عمير الحنفي فإنه أبى إلا الحرب وتجنيد أهل القرى والعبيد غير أن مجاعة أصر على الصلح وكتب خالد كتاب الصلح وهذا نصه : «هذا ما قاضى عليه خالد بن الوليد مجاعة بن مرارةوسلمة بن عمير وفلاناً وفلاناً : قاضاهم على الصفراء، والبيضاء[6] ونصف السبي والحلقة[7] والكراع[8] وحائط من كل قرية ومزرعة على أن يسلموا ثم أنتم آمنون بأمان الله ولكم ذمة خالد بن الوليد، وذمة أبي بكر خليفة رسول الله لا وذمم المسلمين على الوفاء» .

ثم وصل كتاب أبي بكر إلى خالد أن يقتل كل محتلم لكنه وصل متأخرة لأن خالدة كان قد صالحهم فوفي [86]هم ولم يغدر، والذي أوصل كتاب أبي بكر هوسلمة بن سَلَامَة بن وَقْش.

وحشرت بنو حنيفة إلى البيعة والبراءة مما كانوا عليه إلى خالد، وخالد في عسکره.

محاولة اغتيال خالد

لما اجتمعت بنو حنيفة للبيعة، قال سَلَمَةُ بن عمير لمجاعة استأذن لي على خالد أكلمه في حاجة له عندي ونصيحة، وقد أراد أن يفتك به فأذن له. فأقبل سلمة ابن عمير مشتملاً على السيف يريد ما يريد. فقال خالد: من هذا المقبل؟ قال مجاعة: هذا الذي كلمتك فيه وقد أذنت له. قال: أخرجوه عني. فأخرجوه عنه ففتشوه فوجدوا معه السيف فلعنوه وشتموه وأوثقوه وقالوا: لقد أردت أن تهلك قومك، وأيم الله ما أردت إلا تُستأصل بنوحنيفة، وتسبى الذرية والنساء، وايم الله لوأن خالداً علم أنك حملت السلاح لقتلك وما نأمنه إن بلغه أن يقتل الرجال ويسبي النساء بما فعلت فأوثقوه وجعلوه في الحصن وتتابع بنو حنيفة على البراء مما كانوا عليه وعلى الإسلام.

[87]وعاهدهم سلمة على أن لا يحدث حدثاً ويتركوه فأبوا ولم يثقوا بحمقه أن يقبلوا منه عهداً. فأفلت ليلاً فعمد إلى عسکر خالد فصاح به الحرس وفزعت بنو حنيفة فأتبعوه فأدركوه في بعض الحوائط، فشد عليهم بالسيف، فاكتنفوه بالحجارة، وأجال السيف على حلقه فقطع أوداجه[9].

زواج خالد للمرة الثانية

تقدم عند ذكر قصة مالك بن نويرة أن خالد بن الوليد تزوج أم تميم امرأة مالك بعد قتله، وأن أبا بكر لما استدعاه إليه عنفه على ذلك لكنه في هذه المرة أراد أن أيضاً بابنة مجاعة فعرض عليه ذلك. فقال له مجاعة: «مهلاً إنك قاطع ظهري ، وظهرك معي عند صاحبك» قال : أيها الرجل زوجني فزوجه. فبلغ ذلك أبا بكر ، فكتب إليه كتاباً شديد اللهجة وهذا ما جاء فيه :

[88]«لعمري يا ابن أم خالد إنك لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم ألف ومائتي رجل من المسلمين لم يجف بعد».

فلا نظر خالد في الكتاب جعل يقول : «هذا عمل الأُعَيْسِر يعني عمر بن الخطاب[10]».

ثم ذهب وفد من بني حنيفة إلى أبي بكر وقص عليه ما كان من أمر مسيلمة، وسألهم عن بعض أسجاع مسیلمة فقالوا له شيئاً منها فقال «ويحكم إن هذا الكلام ما خرج من إلّ ولا بِرّ فأين يذهب بكم»؟.

خسائر بني حنيفة: قتل بعقرباء 7000، وبالحديقة نحو 7000، وفي الطلب نحو منها، وكانت موقعة عقرباء أعظم مواقع أهل الردة.

خسائر المسلمين : قتل من المهاجرين والأنصار من المدينة 360ومن المهاجرين من غير المدينة 300 أو يزيدون عدا الجرحى.

[89]

أسماء من قتل باليامة من مشهوري الصحابة أبوحبة بن غَزية الأنصاري.

أبودُجانة الأنصاري.

أبو عقيل البَلَوي.

أبو قيس بن الحارث بن قيس بن علي السهمي.

جنادة بن عبد الله المطلبي القرشي.

زُرَارة بن قيس الأنصاري.

السائب بن عثمان بن مظعون الجُمَحي.

السائب بن العوام أخو الزبير لأبويه.

سعد بن جماز الأنصاري

سلمة بن مسعود بن سنان الأنصاري .

شجاع بن وهب الأسدي.

صفوان بن عمرو.

ضرار بن الأزور الأسدي.

الطفيل بن عمرو الدوسي.

عامر بن ثابت بن سلمة الأنصاري.

عائذ بن ماعص الأنصاري.

[90] عبَّاد بن بِشرْ الأنصاري.

عباد بن الحارث الأنصاري.

عبد الله بن الحارث بن قيس بن علي السهمي

عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول .

عبد الله بن عتيك الأنصاري

عبد الله بن مخرمة بن عبد العزى العامري .

علي بن عبيد الله بن الحارث

عُمارة بن حزم الأنصاري

عمیر بن أوس بن عَتِيك الأنصاري .

فروة بن النعمان .

قيس بن الحارث بن علي الأنصاري .

مالك بن أمية السلمي

مالك بن عمرو السلمي

مالك بن أوس بن عتيك الأنصاري .

مسعود بن سنان الأسود

معن بن علي بن الجد البلوي

النعمان بن عمر بن الربيع البلوي

مریم بن عبد الله المطلبي القرشي .

ورقة بن إياس بن عمرو الأنصاري.

[91] الوليد بن عبد شمس بن المغيرة المخزومي ابن عم خالد

يزيد بن أوس.

یزید بن ثابت أخو زيد بن ثابت.

المهاجر بن أبي أمية أخو أم سلمة زوج النبيلة لأبيها وأمها . كان اسمه الوليد فسماه رسول الله المهاجر.

عقرباء : منزل من أرض اليمامة في طريق النباح قريب من قرقری من اعمال العِرْض وهو لقوم من بني عامر بن ربيعة وهي التي خرج إليها مسيلمة لما بلغه خالد إلى اليامة فنزل بها لأنها في طريق اليامة ودون الأموال وجعل ريف اليمامة وراء ظهره. النباح بين البصرة واليمامة وقرقری أرض يمر بها قاصد اليمامة من البصرة فيها قرى وزروع ونخيل كثيرة، والعِرْض بكسر أوله وسكون ثانيه وادي اليمامة ويقال لكل واد فيه قرى ومياه عرض.

نهار الرجال بن عنفوة كان قد هاجر إلى النبي ﷺ وفقه في الدين فبعثه معلماً لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة. وليشدد من أمر المسلمين فكان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة. شهد له أنه، سمع رسول الله يقول: إنه قد أشرك معه فصدقوه وأستجابوا له.

الحديقة هي بستان في أرض اليمامة لمسيلمة مسور بحائط قوي كانوا يسمونه "حديقة الرحمن" فسموه "حديقة الموت".

سرعان الناس: اوائلهم.

الذهب والفضة

السلاح

الكراع وزان غراب : الخيل

الودج بفتح الدال والكسر لغة: عرق الأخدع الذي يقطعه الذابح فلا يبقى معه حياة. والودجان عرقان غليظان يكتنفان ثغرة النحر يمينا ويسارا والجمع أوداج مثل سبب وأسباب.

راجع تعليقنا على زواج سیدنا خالد ص 56 (المنقح)

=============

أسجاع مسيلمة

كان مسيلمة يصانع قومه ويلاطفهم مع ادعائه النبوة ليلتف قومه حوله وليكثر أتباعه وأنصاره، وقد ساعده على ذلك نهار الرجال بن عنفوة الذي كان قد هاجر إلى النبي ﷺ وقرأ القرآن وفقه في الدين وبعثه معلماً لأهل اليمامة وليشغب على مسيلمة، لكنه ما لبث أن انضم إلى مسیلمة وصدقه في الظاهر. لذلك قيل إنه كان أعظم فتنة على بني حنيفة من مسيلمة، وهو الذي شهد أن محمداً شهد لمسيلمة أنه رسول الله. وقد اتفق المؤرخون على أن مسيلمة ادعى النبوة قبل وفاة رسول الله ، غير أن الأستاذ مرجوليث يزعم أنه تنبأ قبل مبعث رسول الله [1]، وهذا من الغرابة بمكان وليس في التاريخ ما يؤيد [92]زعمه، فيا الذي ألجأه إلى ذلك؟ إن السبب الذي دعاه إلى ذلك هو نفس السبب الذي دفعه إلى الاعتراض والطعن في السيرة النبوية لتشويهها، إنه يريد أن يفهم القارىء أن رسول الله هو الذي قلد مسيلمة وحذا حذوه، فادعى النبوة، وهو يعلم حق العلم أن مسيلمة كذاب، وأنه مقلد طامع في الملك، ولهذا قدم إلى النبي ﷺ في وفد بني حنيفة وسأله أن يشركه معه في النبوة فأبی وحاول أن يضاهي القرآن تغريراً بعقول السذج من قومه فجاء كلامه سخيفاً.

وإنا بعد ذلك نورد من أسجاعه ما عثرنا عليه ليتبين القارىء عقلية هذا المتنبی ومبلغ علمه.

(1) والليل الدامس . والذئب الهامس[2]. ما قطعت اسَيِّد من رَطْب ولا يابس.

(2) والليل الأطحم[3]: والذئب الأدلم[4]. والجَذَع الأزلم[5] ما انتهكت أسيد من مَحْرَم.

[93](3) إن بني تميم قوم طهر لَقَاحٌ لا مكروه عليهم ولا إتاوة. نجاورهم ما حيينا بإحسان. نمنعهم من كل إنسان. فإذا متنا فأمرهم إلى الرحمن.

(4) والشاء وألوانها. وأعجبُها السود وألبانها والشاة السوداء واللبن الأبيض، إنه لعَجَب محض. وقد حرم المذْق فما لكم لا تَمجَّعون.

(5) يا ضِفدع ابنة ضفدعين. نِقّي ما تنِقّين أعلاك في الماء وأسفلك في الطين. لا الشارب تمنعين. ولا الماء تكِدّرين.

(6) والمبذّرات زرعاً. والحاصدات حصدأ. والذاريات قمحاً. والطاحنات طحناً. والخابزات خُبزاً. والثاردات ثرداً. واللاقمات لقماً. إهالة وسمناً. لقد فُضّلتم على أهل الوبر. وما سبقكم أهل المَدَر. ریفکم فامنعوه. والباغي فناوئوه.

راجع دائرة المعارف الإسلامية « مسيلمة.The Enyclopaebis of Islam Musilam.

الشديد

الأسود

لأدلم : الأسود الطويل

الجذع الأزلم: الدهر

====

أعمال مسيلمة المشئومة

لما ادعى مسيلمة النبوة لم يكتف قومه بساع [94]أسجاعه لتصديقه فيما يدعي ولا سيما أنه كان يبلغهم معجزات النبي التي بهرت ألباب العرب، فكانوا يأتون إليه ملتمسين منه المعونة عند الحاجة وليروا قدرته على إتيان المعجزات کجميع الأنبياء، فكان نفسه مضطراً إلى إجابة مطالبهم وإلا كذبوه وسخروا منه وانصرفوا من حوله، فحاول أن يظهر لهم بعض أعماله بيد أنه لم يوفق في واحد منها، ويا ليته لم يوفق فقط، بل كانت تأتي أعاله بعكس المقصود. وهذا خذلان وخزي من الله تعالى ليتجلى للخلق كذبه وشؤمه على أتباعه. أتته امرأة فقالت : إن نخلنا لسُحُق[1] وإن آبارنا لجُرُز[2] فادع الله لمائنا ونخلنا کھا دعا محمد ﷺ لأهل هَزْمان، فسأل نهاراً عن ذلك فذكر أن النبي ﷺ دعا لهم وأخذ من ماء آبارهم فتمضمض منه ومجه في الآبار ففاضت ماء وأنجبت كل نخلة وأطلعت فسيلاً قصيراً مكمماً، ففعل مسيلمة مثله فغار ماء الآبار ويبس النخل والعياذ بالله. وقال له نهار : أمرر يدرك على أولاد بني حنيفة [95]مثل محمد، ففعل وأمرَّ يده على رؤوسهم وحنكهم[3]، فقرع كل صبي مسح رأسه، ولثِغ[4] کل صبي حنکه.

وجاء أبو طلحة النمري فسأله عن حاله فأخبره أنه يأتيه رجل في ظلمة فقال : «أشهد أنك الكاذب وأن محمداً صادق، ولكن كذاب ربيعة أحب إلينا من صادق مضر» فقتل معه يوم عقرباء كافراً.

وقالوا لمسيلمة تتبع حيطانهم كما كان محمد يصنع فصل بها. فدخل حائطاً من حوائط اليمامة فتوضأ، فقال نهار لصاحب الحائط: ما يمنعك من وضوء الرحمن فتسقي به حائطك حتى يَرْوَى ويبتلّ كما صنع بنو المهريَّة - أهل بيت من بني حنيفة - وكان رجل من المهرية قدم على النبي فأخذ وضوءه فنقله إلى اليامة فأفرغه في بئره ثم نزع ﷺ وسقی وكانت أرضه تَهوماً فرويت وجزأت فلم تلف إلا خضراء مهتزة، ففعل الرجل فعادت يباساً لا ينبت مرعاها.

وأتاه رجل فقال : ادع الله لأرض فإنها مُسبخة كما [96]دعا محمد لسُلمى على أرضه، فقال ما يقول يا نهار، فقال قدم عليه سلمى وكانت أرضه سبخة فدعا له وأعطاه سَجْلاً من ماء[5] ومج له فيه[6] فأفرغه في بئره ثم نزع فطابت وعذبت ففعل ذلك، فانطلق الرجل ففعل بالسجل کا فعل سلمي فغرقت أرضه فما جف ثراها ولا أدرك ثمرها. وأتته امرأة فاستجلبته إلى نخل لها يدعو لها فيها فجذت كبائسها[7] يوم عقرباء كلها.

هذه بعض أعمال مسيلمة المشئومة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يفضحه بها، وقد أشرنا إلى مستر مرجوليث زعم أن مسيلمة ادعى النبوة قبل النبي ﷺ، لكن هناك ما يثبت عكس زعمه، فإنه حاول تقليد الإسلام فأخفق، فمن ذلك أن عبد الله بن النَوَّاحة كان يؤذن له، وكان الذي يقيم له حجير بن عمير فيزيد في صوته ويبالغ[8] لتصديق نفسه وتصديق نهار وتضليل من كان قد أسلم.

طويلة

انقطع الماء عنها فهي يابسة

حنكت الصبي تحنيكاً: مضغت تمراً أو نحوه ودلكت به حنکه

ثقل لسانه بالكلام

السجل: الدلو العظيمة

مج الرجل الماء من فيه رمی به.

الكبائس جمع الكباسة وهي عنقود النخل والمراد قطعت عناقيد نخلها

عند قوله : أشهد أن مسيلمة رسول الله.

======

ردة أهل البحرين[1]

سنة 11 هـ ( 632- 633 م)

بينما كان خالد بن الوليد يواصل انتصاراته من شال شبه جزيرة العرب إلى وسطها كانت الجيوش التي أرسلها ابو بکر تحارب القبائل المرتدة والثائرة في الجهات الأخرى . وكان المنذر بن ساوی العبدي عاملاً على البحرين في زمن رسول الله غير أنه مرض فمات بعد النبي ﷺ بقليل فارتد بعده أهل البحرين وارتدت بكر.

وكان الجارود بن المعلَّی قدم على رسول الله ﷺ في وفد عبد قَيْس سنة عشر، فأسلم وكان نصرانياً، ففرح النبي ﷺ بإسلامه فأكرمه وقربه. وبعد أن تفقه في الدين رده إلى قومه عبد القيس<ref>)يكني الجارود ابا المنذر، وقيل اسمه بشر وإنما لقب الجارود لأنه أغار في الجاهلية على بكر وائل فأصابهم وچردهم./ref> فلما توفي رسول الله بلغه أنهم [98] قالوا «لو كان محمد نبياًّ لم يمت» فجمعهم وقال لهم :

«أتعلمون أنه كان الله أنبياء فيما مضى؟ قالوا نعم. قال فيها فعلوا؟ قالوا ماتوا. قال فإن محمداً ﷺ قد مات کا ماتوا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله». فأسلموا وثبتوا على إسلامهم.

وكان أبو بكر بعث العَلاءَ بن الحَضْرَميِّ على قتال أهل الردة بالبحرين، فلما كان بحيال اليمامة لحق به ثُمامة ابن أَثال الحنفي في مُسلمة بني حنيفة، ولحق به أيضاً قيس ابن عاصم المنقري، وانضم إليه عمرو والأبناء، وسعد ابن تميم، والرَّباب لحقنه في مثل عِدَّته فسلك بهم الدهناء[2] حتى كانوا في بحبوحتها نزل وأمر الناس بالنزول في الليل فنفرت إبلهم باحمالها فيا بقي عندهم بعير ولا زاد ولا ماء، فلحقهم من الغم ما لا يعلمه إلا الله ووصى بعضهم بعضاً، فدعاهم العلاء فاجتمعوا إليه فقال : «ما هذا الذي غلب عليكم من الغم؟». فقالوا: وكيف نلام ونحن إن بلغنا غدا لم تحمَ [99]الشمس حتى نهلك؟.

فقال : «لن تراعوا أنتم المسلمون وفي سبيل الله وأنصار الله فأبشروا فوالله لن تُخْذلوا»

كرامة العلاء بن الحضرمي

كان العلاء بن الحضرمي مجاب الدعوة فلا صلی الجيش صلاة الصبح جثا العلاء لركبتيه وجثا الناس فنصب في الدعاء ونصبوا معه، فلمع لهم سراب الشمس فالتفت إلى الصف. فقال رائد ينظر ما هذا، ففعل ثم رجع فقال «سراب» فأقبل على الدعاء ثم لمع لهم آخر فكذلك، ثم لمع لهم آخر. فقال «ماء» فقام وقام الناس فمشوا إليه حتى نزلوا إليه، فشربوا واغتسلوا، فيما ارتفع النهار حتی أقبلت الإبل من كل وجه فأناخت وشربت، ولم يكن هذا المكان غدير ولا ماء قبل اليوم، ثم ساروا فنزلوا بهجر[3]، وأرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينزل بعبد القيس على الحطم مما يليه، وسار هو فيمن معه حتى [100]نزل عليه فيما بلى هجر.

تجمع المشركون كلهم إلى الحُطَم بن ربيعة إلا أهل دارين[4] وتجمع المسلمون كلهم إلى العلاء بن الحَضرمي.

حرب الخنادق

كان كل فريق متخوفاً من الآخر فخندق المسلمون والمشركون ولبثوا يتراوحون القتال ويراجعون إلى خنادقهم شهراً

جیش العدو يلهو ويسكر

طال مکث الجيشين في الخندق، ففي ذات ليلة سمع المسلمون في معسكر المشركين ضوضاء شديدة، فأرسل العلاء عبد الله بن حَذَف ليأتيهم بخبر القوم، فعاد وأخبرهم أن القوم سکاری، فخرج المسلمون عليهم، واقتحموا الخندق، ووضعوا السيوف فيهم، واستولى [101]المسلمون على ما في العسكر، وقتل الحطم، قتله قيس ابن قيس بن عاصم بعد أن قطع عفيف بن المنذر التميمي ساقه، وقسم العلاء الأنفال ونفل رجالاً من أهل البلاء ثياباًً. فأعطى ُثمَامَة بن أُثَال الحنفي خميصة ذات أعلام كانت للحطم يباهي بها وهي التي كانت سبباً في قتله[5].

المسير إلى دارين وكرامة أخرى للعلاء

ثم قصد معظم الجيش إلى دارین وهي فرضة بالبحرين، وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفر البحر في بعض الحالات، فركبوا إليها السفن ولحق باقي الجيش ببلاد قومهم، فكتب العلاء إلى من ثبت على إسلامه من بكر وائل يأمرهم بالقعود للمنهزمين والمرتدین بكل طريق ففعلوا، وجاءت رسلهم إلى العلاء بذلك فأمر أن يؤتي من وراء ظهره فندب الناس إلى دارین وقال لهم :

« قد أراكم الله من آياته في البر لتعتبروا بها في [102]البحر فانهضوا إلى عدوكم واستعرضوا البحر. وبعد ذلك ارتحلوا واقتحموا البحر على الخيل والإبل وغير ذلك وفيهم الماشي على قدميه ودعا ودعوا وهذا دعاؤهم :

«يا أرحم الراحمين، یا کریم یا حليم يا أحد يا صمد يا حي يا محيي الموتى يا حي يا قيوم. لا إله إلا أنت یا ربنا».

فاجتازوا ذلك الخليج بإذن الله يمشون على رمل فوقه ماء يغمر أخفاف الإبل.

انتصار المسلمين وهزية المشركين

التقى المسلمون والمشركون واقتتلوا قتالا شديداً فانتصر المسلمون وانهزم المشركون. وأكثر المسلمون القتل فيهم وغنموا وسبوا فبلغ نفل الفارس ستة آلاف والراجل ألفين، وقال في ذلك عفيف بن المنذر :

ألم تر أن الله ذلَّل بحرَه

وأنزل بالكفار إحدى الجلائل

[103]

دعونا الذي شق البحار فجاءنا

بأعجب من قلق البحار الأوائل

وجاء في أسد الغابة أن العلاء بن الحضرمي هو من حضر موت حليف حرب بن أمية وقد خاض البحر بكلمات قالها ودعا بها.

إسلام راهب

كان مع المسلمين راهب من أهل هَجَر فأسلم، فقيل له : ما حملك على الإسلام؟ قال : ثلاثة أشياء خشيت أن يمسخني الله بعدها[6] (1) فيض في الرمال. (2) تمهيد أثباج البحر، «أي أعاليه أو معظمه» .

(3) دعاء سمعته في عسكرهم في الهواء سَحَراً: «اللهم أنت الرحمن الرحيم لا إله غيرك، والبديع فليس قبلك شيء، والدائم غير الغافل، الحي الذي لا يموت، وخالق ما يُرَى وما لا يُرَى، وكل يوم أنت في شان علمت كل شيء بغير تعلّم».

[104]فعلمت أن القوم لم يعاونوا بالملائكة إلا وهم على حق ، فكان أصحاب النبي ﷺ يسمعون هذا منه بعد ، ولم يرو لنا التاريخ اسم هذا الراهب الذي أسلم .

كتاب العلاء إلى أبي بكر

كتب العلاء إلى أبي بكر بهزيمة أهل الخندق وقتل الحطم وهذا نص الكتاب :

«أما بعد فإن الله تبارك اسمه سلب عدونا عقولهم وأذهب ريحهم بشراب أصابوه من النهار ، فاقتحمنا عليهم خندقهم فوجدناهم سکاری فقتلناهم إلا الشريد وقد قتل الله الحطم».

فكتب إليه أبو بكر : «أما بعد فإن بلغك عن بني شيبان بن ثعلبة تمام على ما بلغك وخاض فيه المرجفون فابعث إليهم جندأ فأوطئهم وشرد مبهم من خلفهم فلم يجتمعوا ولم يصر ذلك من إرجافهم إلى شيء».

ردة أهل عمان ومهرة

عُمان اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن

البحرين: اسم جامع لبلاد على ساحل الخليج الفارسي بين البصرة وعمان واليامة في وسط الطريق بين مكة والبحرين

أرض من ديار بني تميم فيها سبعة جبال من الرمل الأحمر.

هجر: مدينة وهي قاعدة البحرين.

دار ین: فرضية بالبحرين.

أي في قتل ثمامة بعد ذلك .

أي إذا لم أسلم

=====

ردة أهل عمان ومهرة

عُمان اسم كورة عربية على ساحل بحر اليمن [105]والهند تشتمل على بلدان كثيرة ذات نخل وزروع إلا أن حرها يضرب به المثل. قال الزجاجي سمیت عان بعان ابن إبراهيم الخليل، وعمان أرض جبلية يكتنفها الجبل الأخضر وسلسلة جبال أخري صغيرة بالقرب من ساحل البحر، وعاصمتها الأن مسقط على الخليج الفارسي.

ومَهَرَة. قال صاحب معجم البلدان بالفتح والسكون هكذا يرويه عامة الناس، والصحيح مهرة بالتحريك وجدته بخطوط جماعة من أئمة العلم القدماء لا يختلفون فيه، هذا ما أثبته یاقوت في معجمه ، غير أن دائرة المعارف الإسلامية كتبتها بالسكون هكذا Mahra وكتاب القرون الوسطى لجامعة كامبردج الجزء الثاني وكان الواجب أن تصحح بالتحريك Mahara. كذلك وقع في نفس هذا الخطا مستر موير في كتاب الخلافة وتقع مهرة في الجنوب الشرقي من شبه جزيرة العرب على المحيط الهندي بين حضرموت وعُمان.

نبغ بعمان ذو التاج لَقيط بن مالك الأزدي ، وكان يسامي في الجاهلية الجُلَنْدَي، وادعى النبوة، وغلب على عمان مرتداً، والتجأ جَيْفَر بن الجُلَنْدَي رئيس أهل عمان [106]وعَبَّاد إلى الجبال والبحر، ثم بعث جيفر إلى أبي بكر يطلب منه النجدة، فأرسل إليه حذيفة بن محصن الغَلْفاني من حِمْيَر[1]، وأرسل عَرْفَجَة البارقي من الأَزْد إلى مهرة، فإذا قربا من عمان يكاتبان جيفراً، فمضيا إلى ما أمرا به، وكان أبو بكر بعث عكرمة إلى مسيلمة باليمامة، واتبعه شرحبيل بن حسنة وأمرها بما أمر به حذيفة وعرفجة، فإذا فرغا منه سارا إلى اليمن فلحقها عكرمة قبل عمان، فلما وصلوا رجاماً[2] وهي قريب من عمان كاتبوا جيفراً وعباداً، وبلغ لقيطاً مجيء الجيش فجمع جموعه وعسکر بدَبَا وخرج جيفر وعباد من موضعها الذي كانا فيه فعسکرا بصُحَار[3] وأرسلا إلى حذيفة وعكرمة وعرفجة فقدموا عليهما، وكاتبوا رؤساء مع لقيط وانفضوا عنه ثم التقوا على دَبَا[4] فاقتتلوا قتالاً شديداً كانت الغلبة [107] فيه للقيط، ورأى المسلمون الخلل والمشركون الظفر، وبینما هم كذلك جاءت المسلمين النجدات من بني ناجية، وعليهم الخرٍّيت بن راشد، ومن عبد القيس وعليهم سَيحان بن صُوحان وغيرهم، فقوى الله المسلمين فولى المشركون الأدبار وقتل منهم في المعركة نحو (10,000) وسبوا الذراري وقسموا الأموال وبعثوا بالخمس إلى أبي بكر مع عرفجة وكان الخمس 800 رأس، وبقي حذيفة يسكن الناس ويحفظ النظام.

أما مهرة فإن عكرمة بن أبي جهل سار إليهم بعد أن فرغ من عمان ومعه جيوش من ناجية، وعبد القيس وراسب، وسعد، فاقتحم بلادهم فوجد جمعين من مهرة، أحدهما مع رجل منهم يقال له شخریت والآخر المصبَّح أحد بني محارب، ومعظم الناس معه غير أنهما كانا مختلفين، فكاتب عكرمة شخريتاً قبل أن يحاربه، فأجابه وأسلم وانضم إليه ثم كاتب المصبح الذي كان معه معظم الناس يدعوه إلى الإسلام فلم يجب اغتراراً بكثرة جيشه فسار إليه مع شخريت وحاربه فانهزم المرتدون وقتل رئيسهم، وأصاب المسلمون كثيرا من الغنائم، وما أصابوا (2000) نجيبة[5] وأرسل عكرمة خمس الغنائم [108]إلى أبي بكر مع شخريت، واشتدت شوكة عكرمة، وأسلم المرتدون.

في أسد الغابة حذيفة القلعاني والصواب ما ذكرنا کما جاء في تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير.

جبل طويل أحمر وهو الذي نزل به جيش أبي بكر يريدون عيان أيام الردة ويوم الرجام من أيامهم.

قال ياقوت: هي قصبة عمان مما يلي الجبل وتوأم قصبتها ما يلي الساحل، وهي مدينة طيبة الهواء كثيرة الخيرات والفواكه مبنية بالأجر والساج كبيرة ليس في تلك النواحي مثلها.

دبا: سوق من اسواق العرب بعمان.

الإبل العتاق السريعة

====

ردة اليمن

ارتد قیس بن عبد يغوث بن مكْشوح باليمن ثانية لما بلغه وفاة رسول الله، مع أنه كان اشترك هو وفيروز وداذَوَيْه في قتل الأسود العَنْسي كما تقدم ذكره، فلما ارتد أراد التخلص من فيروز وداذويه فخدعهما ودعاهما إلى طعام صنعه لهما فدخل عليه داذويه فقتله، وأما فيروز فلا همّ بالدخول سمع امرأتين على سطحين تتحدثان فقالت إحداها: هذا مقتول کا قتل داذويه ففر إلى جبل خَوْلان وهم أخوال فيروز فامتنع بهم وكتب إلى أبي بكر يخبره وعمد قيس إلى تفريق الأبناء، فلما علم فيروز جد في حربه، وأرسل إلى بني عقيل بن ربيعة وإلى عك يستمدهم فمدوه بالرجال فخرج بهم ومن اجتمع عنده، فلقوا قيساً بالقرب من صنعاء فاقتتلوا قتالاً شديداً انهزم قيس وأصحابه. وبينما هم كذلك قدم عِكْرِمة ابن أبي جهل من مَهَرَة مع جيشه وقدم أيضاً المهاجر بن أبي أمية في جمع من مكة والطائف وبَجِيلة مع جَرِير إلى [109]نجران فانضم إليه فروة بن مسيك المرادي فأقبل عمرو بن معدي كرب الذي كان قد ارتد حتى دخل على المهاجر من غير أمان فأوثقه المهاجر وأخذ قيسأ أيضأ فأوثقه وسيرها إلى أبي بكر فقال لقيس:

«یا قیس قتلت عباد الله واتخذت المرتدین وَلِيجَة[1] من دون المؤمنين» فانتفى قيس من أن يكون قارف من داذويه شيئاً، وكان قتله سراً فتجافي له عن دمه.

وقال لعمرو بن معدي كرب:

«أما تستحي أنك كل يوم مهزوم أو مأسور. لو نصرت هذا الدين لرفعك الله».

فقال : لا جرم أقبلن ولا أعود فخلى أبو بكر سبيله.

ورجعا إلى عشائرهما فسار المهاجر من نَجْران[2] [110]والتقت الخيول على أصحاب العنسي فاستأمنوا فلم يؤمنهم وقتلهم بكل سبيل ثم سار إلى صنعاء فدخلها وكتب إلى أبي بكر بذلك.

الوليجة: البطانة

نجران: من مخاليف اليمن من ناحية مكة دخل أهلها النصرانية بعد أن كانوا أهل شرك يعبدون الأصنام.

===ردة حَضْرَمَوْتَ وكِنْدَةَ

حضرموت صقع ببلاد العرب قيل سمي بحضرموت ابن قحطان لأنه أول من نزله، وكان اسم هذا الرجل عامراً، فكان إذا حضر حرباً أكثر من القتل فصاروا يقولون عند حضوره حضرموت ثم جرى ذلك عليه لقباً وسكنوا الضاد للتخفيف، وجعلوا الاسم مركباً مزجيّاً على الأشهر، ثم صاروا يقولون للأرض التي كانت بها هذه القبيلة حضرموت ثم أطلق على البلاد نفسها.

تحد حضرموت غرباً باليمن وشرقاً بعمان وشمالاً بالدَّهْناء، وقال ياقوت وهي ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر وحولها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف.

كان الأشعث بن قیس قدم على النبي صلى الله عليه وسلم في وفد كندة من حضرموت فأسلموا وسألوا أن [111]يبعث عليهم رجلاً يعلمهم السنن ويجبي صدقاتهم فأنفذ معهم زیاد بن لبيد البياضي[1] عاملا للنبي صلى الله عليه وسلم يجبيهم، فلما مات رسول الله نكص الأشعث عن بيعة أبي بكر رضي الله عنه ونهاه ابن امرىء القيس بن عابس فلم ينته، فكتب زیاد إلى أبي بكر بذلك فكتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية وكان على صنعاء بعد قتل العنسي أن يمد زیاداً بنفسه ويعينه على المرتدين من عنده من المسلمين. فجمع زیاد جموعه وأوقع بمخاليفه فنصره الله عليهم حتى تحصنوا بالنُّجَيْر[2] بعد أن رموه، فحصرهم فيه، ثم قدم إليه عكرمة بجيشه فأعيوا عن المقام في الحصن، فاجتمعوا إلى الأشعث وسألوه أن يأخذ لهم الأمان فأرسل إلى زياد بن لبيد يسأله الأمان حتى يلقاه ويخاطبه فأمنه، فلما اجتمع به سأله أن يؤمن أهل النجير ويصالحهم فامتنع عليه وراده حتى آمن سبعين رجلا منهم وفيهم أخو قيس وبنو عمه وأهله ونسي نفسه وأن يكون حكمه في الباقي نافذاً، فخرج سبعون فأراد قتل [112]الأشعث وقال له: أخرجت نفسك من الأمان بتكملة عدد السبعين فسأله أن يحمله إلى أبي بكر ليرى فيه رأيه وفتحوا له حصن النجير وكان فيه كثير فعمد إلى أشرافهم نحو 700 رجل فضرب أعناقهم ولام القوم الأشعث وقالوا لزياد: إن الأشعث غدر بنا. أخذ الأمان لنفسه وأهله وماله ولم يأخذ لنا وإنما نزل على أن يأخذ لنا جميعاً. وأبی زیاد ان يوارى جثث من قتل وتركهم للسباع وكان هذا أشد على من بقي من القتل، وبعث السبي مع نهيك بن أوس بن خزيمة وكتب إلى أبي بكر: إنا لم نؤمنه إلا على حكمك، وبعث الأشعث في وثاق وماله معه ليرى فيه رأيه، فأخذ أبو بكر يقرّع الأشعث ويقول له: فعلتَ، فعلتَ. فقال الأشعث: استبقني لحربك ، وسأله أن يرد عليه زوجته وقد كان خطب أم فروة بنت أبي قُحَافة أخت أبي بكر لما قدم على رسول الله فزوّجه وأخرها إلى أن يقدم الثانية. فحقن أبو بكر دمه بعد أن أسلم أمامه ورد عليه أهله وقال له « انطلق فليبلغني عنك خير».

ولما تزوج الأشعث أم فروة اخترط سيفه ودخل سوق الإبل فجعل لا يرى جملا ولا ناقة إلا عرقبه وصاح [113]الناس « كفر الأشعث » فلما فرغ طرح سيفه وقال: إني والله ما كفرت ولكن زوّجني هذا الرجل أخته ولو كان ببلادنا لكانت لنا وليمة غير هذه. يا أهل المدينة انحروا وكلوا. ويا أصحاب الإبل تعالوا خذوا أثمانها. فما رؤیت وليمة مثلها.

زياد بن لبيد الأنصاري يكنى أبا عبد الله خرج من المدينة إلى رسول الله وأقام معه بمكة حتى هاجر مع رسول الله إلى المدينة فكان يقال له مهاجري أنصاري. شهد العقبة وبدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله.

النجير: حصن قرب حضرموت

=====

مسير خالد إلى العراق وصلح الحيرة

سنة 12 هـ - 633 م

كان المثنى[1] بن حارثة الشيباني من حارب وانتصر في البحرين، فاستأذن أبا بكر أن يغزو العراق، فأذن له فكان يغزوهم قبل قدوم خالد فتقدم نحو الخليج الفارسي، وأخضع القطيف، ثم قاد جيشه إلى دلتا الفرات، وبلغ عدد جيشه 8000 مقاتل، لكنه وجد مقاومة من جيش العدو، فأرسل أبو بكر إلى خالد بن [114]الوليد وهو باليمامة يأمره بالمسير إلى العراق. وقد أخمدت الثورة في جميع العرب في أوائل السنة الثانية عشرة الهجرية، فاهتم أبو بكر بتوجيه الجنود إلى جهات أخرى فأرسل جيشين إلى الشمال وأمر على أحدها خالد، ومعه المثنى للزحف نحو الأُبَلَّة[2] ثم الزحف نحو الحيرة[3] وأمر على الجيش الثاني عياضاً ووجهه إلى دُومة بين الخليج الفارسي وخليج العقبة، ثم بالمسير إلى الحيرة أيضاً، فإذا سبق أحدهما الآخر كان أميراً على صاحبه. أما عياض الذي كانت وجهته دومة فقد عوقه العدو مدة طويلة، وأما خالد فإنه لم يلق مقاومة في طريقه إلى العراق کا لقي عياض، وانضم إليه عدد كبير من البدو فتقوی بهم، وكثر جيشه حتى صار عدده 10,000 مقاتل عدا جیش المثنى البالغ عدده 8,000 وكان الجميع تحت قيادة خالد. فكان أول من لاقاه هُرْمُز وكان العرب يبغضونه [115]لظلمه، ويضربونه مثلاً فيقولون: « أكفر من هرمز»

فكتب إليه خالد قبل خروجه:

«أما بعد فأسلم تسلم، أو أعقد لنفسك وقومك الذمة، وأقرر بالجزية، وإلا فلا تلومن إلا نفسك، فقد جئتك بقوم يحبون الموت کا تحبون الحياة».

وقد جعل هرمز على مقدمته قُبَاذ وأنُوشَجَان، وكانا من أولاد أَرْدَشير الأكبر، فسمع خالد فمال بالناس إلى كاظمة[4] فسبقه هرمز إليها، فقدم خالد فنزل على غير ماء. فقال له أصحابه في ذلك : ما نفعل؟ فقال لهم: « لعمري ليصيرن الماء لأصبر الفريقين وأكرم الجندين » وتقدم خالد إلى الفرس، وأرسل الله سحابة فأغدرت وراء صف المسلمين فقويت قلوبهم.

موقعة ذات السلاسل

خرج هرمز ودعا خالداً إلى البراز، وأوطا أصحابه على الغدر بخالد فبرز إليه خالد، ومشی نحوه [116]راجلاً ونزل هرمز أيضاً وتضاربا فاحتضنه خالد وحمل أصحاب هرمز فما شغله ذلك قتله ، وانهزم الفرس بعد أن قتل منهم عدد عظيم وسميت الموقعة « ذات السلاسل » لأن فريقاً من جند الفرس قد قرنهم هُرْمُز بالسلاسل خوفاً من فرارهم. ونجا قباذ وأنو شجان، وأخذ خالد سلب هرمز، وكانت قلنسوته بمائة ألف لأنه كان قد تم شرفه في الفرس، وكانت هذه عادتهم إذا تم شرف الإنسان تكون قلنسوته بمائة ألف، وكانت القلنسوة مفصصة بالجواهر، وبعث خالد بالفتح والأخماس إلى أبي بكر، ومما غنمه المسلمون في ميدان القتال فيل فأرسل إلى المدينة مع الغنائم. فلما طيف به ليراه الناس جعل ضعيفات النساء يقلن « أمن خلق الله هذا؟» فرده أبو بكر.

حصن المرأة وحصن الرجل

ثم صار خالد حتى نزل بموضع الجسر الأعظم بالبصرة وخرج المثنى بن حارثة حتى انتهى إلى « حصن المرأة » فخلفه المثنی بن حارثة عليه أخاه فحاصرها ومضى [117]المثني إلى زوجها وهو في حصنه المسمى «حصن الرجل» فحاصره واستنزلهم عنوة فقتلهم وغنم أموالهم. ولما بلغ المرأة ذلك صالحت المثني وأسلمت فتزوجها المثنى، وكان هذا الحصن قصراً واسم المرأة كما جاء في البَلاَذُري «کامورزاد بنت نرسي» وهي بنت عم النوشجان، وإنما سمیت «المرأة»، لأن أبا موسى الأشعري قد نزل بها فزودنه خبيصاً فجعل يكثر أن يقول أطمعونا من خبيص «المرأة»، فغلب على اسمها.

وقد نال كل فارس في يوم ذات السلاسل 1000 درهم والراجل الثلث.

المثنى هو الذي أطمع أبا بكر والمسلمين في الفرس وهون أمر الفرس وكان شهماً شجاعاً حسن الرأي. أبلى في قتل الفرس بلاء لم يبلغه أحد، وكانت تأتي أخبار انتصاراته أبا بكر فقال من هذا الذي تأتينا وقائعه قبل معرفة نسبه؟ فقال قيس بن عاصم أما إنه غير شامل الذكر ولا مجهول النسب ولا قليل العدد ولا خليل الغارة. ذلك المثنى بن حارثة الشيباني.

الأبلة : بلدة على شاطىء دجلة البصرة العظمى في زاوية الخليج الذي يدخل إلى مدينة البصرة وهي أقدم من البصرة لأن البصرة مصرت في أيام عمر بن الخطاب، وكانت الأبلة حينئذ مدينة.

الحيرة كانت على ثلاثة أميال من الكوفة على موضع يقال له النَّجَف، وكانت الحيرة مركزاً لجملة ملوك اعتنقوا المسيحية وحكموا أكثر من 600 سنة تحت ظل الفرس

كاظمة: على سيف البحر في طريق البحرين من البصرة بينها وبين البصرة مرحلتان. وهي اليوم في الكويت إلى الغرب من عاصمتها

====

انهزام الفرس ثانية

موقعة الشنی[1]

صفر سنة 12 هـ - سنة 633 م

لما وصل خبر انهزام هرمز إلى المدائن عاصمةالفرس، أرسل ملكهم أردشير جيشأ أخر وأمر عليه [118]قارن بن قريانس. فلما انتهى إلى المذار[2] انضم إلى الجيش المنهزم ورجعوا ومعهم قُبَاذ وأَنُوشَجَان ونزلوا الثنى وهو نهر متفرع من الدجلة والتقوا بالمثنى الذي كان قد توقف عند الثني فأحدق الخطر بالمثنى، فوافاه خالد والتقوا في الوقت المناسب، ودارت رحى القتال بينهم وانتهى الأمر بفرار الفرس، وقتل منهم نحو 30,000[3] سوی من غرق وفر من نجا منهم بالقوارب. وقد كان النهر عائقا في سبيل اقتفاء أثر العدو، غير أن الغنائم كانت عظيمة، وقتل كل رجل قادر على الحرب، وأسر النساء، وأخذ الجزية من الفلاحين، وصاروا ذمة، وصارت أرضهم لهم، وكان في السبي أبو الحسن البصري وكان نصرانياً وأمر على الجند سعيد بن نعمان وعلى الجزية سويد بن مقرن المزني

أما قارن بن قریانس أمير جيش الفرس الذي أرسله أردشير لإمداد هرمز فقد قتله معقل بن الأعشى بن النَّبّّاش، وقتل عاصم أنو شَجان وقتل عدي بن حاتم [119]قُباذ، وكان قارن قد تم شرفه ولم يقاتل المسلمون بعده أحدا تم شرفه في الأعاجم . وزاد سهم الفارس يوم على سهمه في ذات السلاسل . الفارس يوم الثني

هامش

الثني: من كل شهر منعطفه ويقال الثنى اسم لكل نهر.

المذار في ميسان بين واسط والبصرة وهي قصبة ميسان وبها قبر عبد الله بن علي ابن ابي طالب ويقال إن الحريري صاحب المقامات قد مات بها.

ذكر هذا العدد الطبري وابن الأثير لكن مستر موير في كتابه الخلافة لم يحدد العدد بل قال إن عدد القتلى كان كثيراً وعلى كل حال فالعدد تقريبي.

====

موقعة الوَلَجة[1]

شهر صفر سنة 12 هـ - إبريل سنة 633م

اضطرب البلاط الملكي في فارس من جراء انتصارات العرب، وتحدثوا فيما بينهم بأنه يجب محاربة العرب بعرب مثلهم يعرفون خططهم الحربية. فجند الملك جيشاً عظيماً من قبيلة بكر والقبائل الأخرى الموالية له تحت قيادة قائد مشهور منهم يدعى الَأْندَرْزَغَر وكان فارسياً من مولدِي السواد. وأرسل بَهْمَن جاذَوَيْه في أثره ليقود جيوش الملك وحشر الأندرزغر من بين الحيرة وكَسْكَر، ومن عرب الضاحية، وتقدمت الجيوش [120]المتحدة نحو الولجة بالقرب من ملتقى النهرین.

أما خالد فإنه ترك فرقة لحراسة الأراضي التي غزاها في الدلتا وسار للقاء العدو من الثني ، فاشتبك الجيشان بالولجة في قتال طويل عنيف، وقد انتصر المسلمون فيه بفضل تدابير قائدهم الذي باغت العدو وأجهده بكمين في ناحيتين، وكمين من الخلف، وكانت الهزيمة كاملة، ففر الفرس وفر العرب الموالون لهم بعد أن قتل وأسر منهم عدد عظيم، ومضى الأندرزغر منهزمة فيات عطشأ في الفلاة، وبذل خالد الأمان للفلاحين فعادوا وصاروا ذمة ، وسبی ذراري المقاتلة ومن أعانهم.

خطبة خالد

قام خالد في الناس خطيبة يرغبهم في بلاد العجم. ويزهدهم في بلاد العرب وقال:

«ألا ترون إلى الطعام كرَفْغ التراب[2]، وبالله لو لم يلزمنا الجهاد في الله والدعاء إلى الله عز وجل ، ولم يكن إلا للمعاش لكان الرأي أن نقارع على هذا الريف

[121]حتى تكون أولى به ، ونولي الجوع والإقلال من تولاه ، من الاقل عما أنتم عليه».

هامش

الولجة بارض کسکر موضع مما يلي البر وكسسكر كورة واسعة ينسب إليها

أي كثير

==

موقعة أُلَّيْس[1]

شهر ربيع الأول سنة 12 هـ - أيار مايو سنة 633 م

انقسمت قبيلة بني بكر في القتال إلى قسمين، قسم مع خالد وقسم مع الفرس . ولما أصاب خالد يوم الولجة من أصاب من بكر بن وائل من أنصارهم الذين أعانوا أهل الفرس ، غضب لهم نصاری قومهم فكاتبوا الأعاجم وكاتبتهم الأعاجم فاجتمعوا إلى أليّس وعليهم عبد الأسود العِْجلي، وكان أشد الناس على أولئك النصارى مسلمو بني عجل.

[122]كتب أَرْدَشير ملك الفرس إلى بَهْمن جاذَوَیه وهو بقُسْيانا: أن سر حتى تقدم أُلَّيْس بجيشك إلى من اجتمع بها من فارس ونصارى العرب، فقدم بهمن جادویه وجابان فسار جابان نحو أليس وهي في منتصف الطريق بين الحيرة والأُبُلَّة ثم انطلق بهمن إلى أردشير ليعرف رأيه ويتلقی أمره فوجده مريضاً فبقي ملازماً البلاط

أما جابان فإنه مضى حتى أتي أليس فنزل بها. وكان خالد قد بلغه تجمع عبد الأسود ومن فسار إليهم وهو لا يشعر بدنو جابان، وترك عند الحفير فرقة قوية لحماية ظهره، وبرز أمام الصف ونادي رؤساءهم إلى البراز له فبرز له مالك بن قيس فقال له خالد «یا بن الخبيثة ما جرأك عليّ من بينهم وليس فيك وفاء؟» فضربه وقتله، ونشبت الحرب بين الفريقين واقتتلوا قتالاً شدیداً.

نهر الدم

ولما وجد خالد شدة مقاومة العدو قال: [123]«اللهم إن لك عليّ إن منحتنا أكتافهم ألا أستبقي منهم أحداً قدرنا عليه حتى أجري نهرهم بدمائهم».

وأخيراً لم يستطع الفرس مقاومة المسلمين ففروا منهزمين فأمر خالد منادیه فنادى في الناس «الأسر. الأسر. لا تقتلوا إلا من امتنع».

فأقبلت الخيول بهم أفواجاً مستأسرين يساقون سوقاً وقد وكل بهم رجالاً يضربون أعناقهم في النهر، فجرت الدماء في النهر فسمي لذلك «نهر الدم » وبعث خالد بالخبر مع رجل يدعى جَنْدَلاً من بني عِجْل إلى أبي بكر، يخبره بفتح أُلَّيس وبقدر الفيء وبعدة السبي وبما حصل من الأخماس، وبأهل البلاد من الناس، وأمر أبو بكر لجندل بجارية من ذلك السبي. وبلغ قتلى العدو من 70,000 کما ذکر ذلك الطبري وكما جاء في شعر أبي مقرن الأسود بن قرطبة حيث قال:

قتلنا منهم سبعين ألفاً

بقية حربهم نخب الأسار [124]

موقعة أمْغِيْشِيَا وهدمها

لما فرغ خالد من أليس سار إلى أمغيشيا وكانت مصراً كالحيرة فغزا أهلها وأعجلهم أن ينقلوا أموالهم فغنم جميع ما فيها وقد جلا أهلها وتفرقوا في السواد وبلغ سهم الفارس 1500 سوى الذي نُفِّلَه أهل البلاء. أرسل إلى أبي بكر بالفتح ومبلغ الغنائم . فلما بلغ ذلك أبا بكر قال «أعجزت النساء أن يلدن مثل خالد» وفي رواية «عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله[2] أعجزت النساء أن ينسلن مثل خالد».

هامش

أليس مصغر: في أول أرض العراق من ناحية البادية وهي على صلب الفرس، قال أبو مقرن الأسود بن قطبة يذكر يوم أليس:

بقينا يوم أليس وأمغى

ويوم المقر آساد النها.

فلم أر مثلها فضلات حرب

أشد على الجحاجحة الكبا.

قتلنا منهم سبعين ألفا

بقية حربهم نخب الأسا.

سوى من ليس يحصى من قتيل

ومن قد جال جولان الغبا.

خراذيله قطع اللحم، مفردها خرذولة.

======

حصار الحيرة وتسليمها

الأولى سنة 12 هـ- أيلول سبتمبر سنة 633

سار خالد من أمغيشيا إلى الحيرة، وحمل الرجال والرحال والأثقال في السفن فخرج مرزبان الحيرة «حاكمها الفارسي» ويدعى الأزاذبة وأرسل ابنه فقطع الماء عن السفن ، وذلك بسد الفرات فبقيت السفن على

[125]الأرض فسار خالد في خيل نحو ابن الأزاذبة فلقيه على فم فُرات بادَقْلَی فقتله وقتل أصحابه، غير أن المدينة كانت محصنة بأربعة حصون فأبت التسليم فحصرهم وقاتلهم المسلمون فاقتحموا الدور والدیورة[1] وأكثروا القتل فنادى القسيسون والرهبان « يا أهل القصور ما يقتلنا غيركم، فنادى أهل القصور المسلمين. «قد قبلنا واحدة من ثلاث : إما الإسلام، أو الجزية، أو المحاربة » .

أما الأزاذبة فإنه هرب إذ بلغه موت اردشير

وهذه أسماء قصور الحيرة التي تحصنوا فيها :

(1) القصر الأبيض وفيه إيَاس بن قَبِيصة الطائي وكان ضِرَار بن الأزور محاصراً له.

(2) قصر الغَرِيَّيْن وفيه عدي بن عدي. وكان ضرار ابن الخطاب محاصراً له.

(3) قصر ابن مازن وفيه ابن أكال. وكان ضرار بن مقرن المزني محاصراً له.

[126](4) قصر ابن ُبَقيلة وفيه عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة. وكان المثني محاصراً له.

خرج هؤلاء الرؤساء الأربعة من قصورهم فأرسلهم المسلمون إلى خالد فكان أول من طلب الصلح، عمرو بن عبد المسيح ، فصالحوه على 190,000 وأهدوا له الهدايا وبقوا على دينهم. وبعث خالد بالفتح والهدايا إلى أبي بكر مع الهذيل الكاهلي فقبلها أبو بكر من الجزَاء، وكتب إلى خالد: أن أحسب لهم هديتهم من الجزاء إلا أن تكون من الجزاء، وخذ بقية ما عليهم فقوّ بها أصحابك.

محاورة بين خالد بن الوليد وعمرو بن عبد المسيح

لما مثل عمرو بن عبد المسيح أمام خالد قال له خالد :

- كم أتى عليك ؟

- مئون من السنين

- فيا أعجب ما رأيت ؟

[127]- رأيت القرى منظومة ما بين دمشق والحيرة تخرج المرأة من الحيرة فلا تزود إلا رغيفاَ[2] فتبسم خالد وقال:

- هل لك من شيخك إلا عمله. خرفت والله يا عمرو. ثم أقبل على أهل الحيرة وقال: ألم يبلغني أنكم خبثة خدعة مكرة، فما لكم تتناولون حوائجكم بخَرف[3] لا يدري من أين جاء؟ فتجاهل له عمرو وأحب أن يريه من نفسه ما يعرف به عقله، ويستدل به على صحة ما حدث به فقال:

- وحقك أيها الأمير إني لأعرف من أين جئت.

- فقال : من أين جئت ؟

- فقال عمرو : أقرب أم أبعد ؟

- ما شئت.

- من بطن أمي.

- فأين تريد؟

- أمامي.

- وما هو؟

[128]- الآخرة.

- فمن أين أقصى أثرك

- من صلب أبي.

- ففيم أنت ؟

- في ثيابي.

- أتعقل؟

- إي والله وأقيد.

- إنما أسألك.

- فأنا أجيبك.

- أسلم أنت أم حرب؟

- بل سلم .

- فما هذه الحصون ؟

- بنيناها للسفيه نحبسه حتى ينهاه الحليم.

- قتلت أرضٌ جاهلَها. وقتل أرضاً عالمُها، والقوم أعلم بما فيهم. - فقال عمرو: أيها الأمير، النملة أعلم بما في بيتها من الجمل ما في بيت النمل.

[129]

خالد يتناول السم الزعاف فلا يؤثر فيه

ذكرنا کرامتين للعلاء بن الحضرمي. والآن نذكر كرامة لخالد بن الوليد، ولم يكن أحدهما ساحراً ولا کاهناً. بل كان كل منها بطلاً مقداماً، فقد كان عمرو بن عبد المسيح بن بقيلة خادم معه كِيس فيه سُمّ فأخذه خالد ونثره في يده وقال: لم تستصحب هذا؟ قال: خشيت أن تكون على غير ما رأيت فكان أحب إليّ من مكروه أدخله على قومي. فقال خالد: لن تموت نفسه حتى تأتي على أجلها، وقال : «بسم الله خير الأسماء. رب الأرض ورب السماء الذي لا يضر مع اسمه داء. الرحمن الرحيم» فابتلع خالد السم. فقال عمرو: «والله يا معشر العرب لتملكن ما أردتم. ما دام أحد منكم هكذا»[4] لم يكن لابتلاع السم أي تأثير في خالد، فلم يمرض، ولم يمت مع عمرو بن عبد للسيح كان قد أعده للانتحار.

[130]وصالح خالد أهل الحيرة، ففرضت عليهم الجزية عدا رجال الدين واشتغل المسلمون بحماية المدينة من الهجوم عليها. وكان لعبد المسيح الذي مر ذكره ابنة تدعى كرامة فتمسك خالد بتسليمها إلى شويل؛ لأنه كان رآها شابة فال إليها، فوعده النبي ﷺ ذلك، فلما فتحت الحيرة طلبها وشهد له شهود بوعد النبي ﷺ أن يسلمها إليه، وعلى ذلك سلمها له خالد، فاشتد ذلك على أهل بيتها وقرابتها. فقالت لهم: اصبروا فإنما هذا رجل أحمق. رآني في شبيبتي فظن أن الشباب يدوم، فافتدت منه بألف درهم ورجعت إلى أهلها.

صلاة الفتح

لما فتح خالد الحيرة صلى صلاة الفتح ثماني ركعات لا يسلم فيهن وقال:

لقد قاتلت يوم مؤتة فانقطع في يدي تسعة أسياف وما لقيت قوماً کقوم لقيتهم من أهل فارس، وما لقيت من أهل فارس کاهل ألّيس.

وبعد أن احتل خالد الحيرة مكث فيها عاماً عيَّن [131]عمالاً لجباية الخراج وأمراء للثغور، وتم صلح الحيرة بدفع مبلغ 600,000 درهم جزية وهو مبلغ قليل، لكنه كان في نظر العرب مبلغاً عظيماً

الفرس وشرب الخمر

ذکر خالد في كتبه إلى الفرس غير مرة الخمر. فمما جاء في أحد كتبه إليهم : «ألا فقد جشكم بقوم يحبون الموت کا تحبون شرب الخمر» وهذا يدل على أن الخمور كانت منتشرة عندهم، وأنهم كانوا يقبلون على شربها حتى عُني خالد بذكرها.

متاعب الفرس الداخلية

وفي هذه الأثناء كانت الفرس تعاني كثيراً من المتاعب الداخلية بعد ملكها أردشير، وذلك أن شيري ابن کسری قتل كل من كان يناسبه إلى کسری بن قُباذ، ولهذا اقتصر همهم على حماية المدائن عاصمة ملكهم وما جاورها إلى نهر شير الذي هو فرع من نهر الفرات وكان المثني يهدد هذه الناحية لكنه توقف عن الزحف، لأن أبا بكر نهي عن التقدم إلا أن تحمي ظهور المسلمين.

ديورة جمع دير مثل بعل وبعولة

اي لأنها لا تعدم ما تأكله في طريقها لقرب القرى من بعضها مع بعد المسافة بين دمشق والحيرة ولكرم الأهلين.

برجل فاسد، العقل لكبر سنه

راجع تاريخ الطبري والكامل لابن الأثير عند ذكر فتح الحيرة.

===

فتح الأنبار

موقعة ذات العيون

أنبار هي فيروز سابور القديمة. مدينة شهيرة في العراق من ولاية بغداد بينها وبين بغداد عشرة فراسخ، وهي إلى غربيها على الفرات قرب مخرج نهر عيسى، وبابل في شماليها وتبعد عنها نحو ثمانين ميلاً. قيل سميت بالأنبار لأنه كان يجمع فيها أنابير الحنطة والشعير والتبن وانابير جمع أنبار.

سار خالد على تعبئته إلى الأنبار وعلى مقدمته الأقرع بن حابس فحاصرها المسلمون وقد تحصن أهل الأنبار وخندقوا عليهم وأشرفوا من حصنهم وعلى جنودهم شيرزاد صاحب ساباط، وطاف خالد بالخندق وأنشب القتال وأوصي رماته أن يقصدوا عيون جیش العدو فرموا رشقاً واحداً ثم تابعوا فأصابوا ألف عين فسميت تلك الوقعة ( ذات العيون ) وتصايح القوم «ذهبت عيون أهل الأنبار». فلما رأى ذلك شیرزاد أرسل يطلب الصلح على أمر لم يرضه خالد، فرد رسله ونحر من إبل العسكر كل ضعيف وألقي الإبل في أضيق [133]مكان في الخندق حتى ردمه بها وجاز هو وأصحابه فوقها، فاجتمع المسلمون والمشركون في الخندق فأرسل شیرزاد إلى خالد يطلب منه الصلح على ما أراد فصالحه على أن يلحقه بمأمنه من غير أن يأخذ شيئاً من المتاع. وخرج شيرزاد إلى بهمن جاذویه. ثم صالح خالد من حول الأنبار وأهل كَلْوَاذي.

===========

فتح عين التمر[1]

لما فرغ خالد من الأنبار استخلف عليها الزبرقان بن بدر وسار إلى عين التمر وهي قلعة على حدود الصحراء على مسيرة ثلاثة أيام غرباً، وبها مِهران بن بهَرام جُوبين في جمع عظيم من العجم وعقَّة بن أبي عَقَّة في جمع عظيم من العرب وتغلب وإياد وغيرهم، فلا سمعوا بخالد، قال عَقَّة لمِهران «إن العرب أعلم بقتال العرب فدعنا وخالداً» قال : «صدقت فأنتم أعلم بقتال العرب وإنكم لمثلنا في قتال العجم» فخدعه واتقی به وقال «إن احتجتم إلينا أعنّاكم» فلامه أصحابه من الفرس على هذا القول فقال لهم «إنه قد جاءكم من قتل ملوككم وفل

[134]حدکم فاتقيته بهم. فإن كانت لهم على خالد فهي لكم. وإن كانت الأخرى لم يبلغوا منهم حتى يهنوا فنقاتلهم ونحن أقوياء وهم ضعفاء» فاعترفوا بفضل الرأي. وسار عقة إلى خالد فعبأ خالد جنده، وبينما كان عقة يقيم صفوفه حمل عليه خالد بنفسه فاحتضنه وأخذه أسيراً کما احتضن هُرْمُز من قبل في موقعة ذات السلاسل. فانهزم الفرس من غير قتال وأكثر المسلمون فيهم الأسر فسألوه الأمان فأبی فنزلوا على حكمه، فأخذهم أسرى وقتل عَقَّة ثم قتلهم أجمعين وسبي كل من في الحصن وغنم ما فيه. ووجد في بيعتهم[2] أربعين غلاما يتعلمون الإنجيل على مذهب نسطور[3]. وكان عليهم باب مغلق فكسره عنهم وقسمهم بين القواد. وكان منهم أبو زياد مولي ثَقِيف ونُصَير أبو موسى بن نصير، وأرسل الوليدَ بن عقبة إلى أبي بكر بالخبر والأخماس.

هامش

في معجم البلدان، عين التمر بلدة قريبة من الأنبار غربي الكوفة يجلب منها التمر إلى سائر البلاد وهو بها كثير جداً وهي على طرف البرية وهي قديمة.

البيعة: كنيسة للنصاری

راجع مذهب نسطور في كتاب « محمد رسول الله » للمؤلف عند ذكر إسلام النجاشي صفحة 343 و344.

===========

موقعة دُومة الجندل

'شهر رجب سنة 12هـ - أيلول سبتمبر سنة 633 هـ

دَومة الجندل مدينة بينها وبين دمشق خمس ليال وبعدها من المدينة خمس عشرة ليلة، وهي أقرب بلاد الشام إلى المدينة وبقرب تبوك. وكان رسول الله ﷺ خرج لغزوها في ربيع الأول سنة خمس ( يولية سنة 626 م) وكانت أول غزوات الشام[1].

وكان أبو بكر قد أرسل جيشين إلى الشمال وأمّر على أحدها خالداً ووجهته نحو الأَبَلَّة ثم الزحف على الحيرة، وأمر على الثاني عياضاً ووجهته إلى دومة ثم المسير إلى الحيرة، فإذا سبق أحدهما الآخر كان أميراً على الحيرة، إلا أن عياضاً الذي كانت وجهته دومة عوقه العدو مدة طويلة ولم يستطع الانضمام إلى خالد، فلما أرسل خالد الوليد بن عقبة إلى أبي بكر بخبر فتح عين التمر اهتم أبو بكر فأرسل الوليد لمساعدة عياض. وكان، خالد [136]لما فرغ من عين التمر أتاه كتاب عياض يستمده فسار خالد إليه تاركا القعقاع على الحيرة، وكان بدومة رئيسان أُكَيدِر ابن عبد الملك[2] والجُودِيّ بن ربيعة يساعدهما بنو کلب وقبائل أخرى من صحراء الشام.

ولما سمع أكيدر بقدوم خالد تخوف وبادر بالتسليم، إلا أن خالداً أسره وضرب عنقه ثم أخذ ما كان معه. ثم هاجم عياض القبائل المعادية من جهة الشام وخالد من جهة فارس فانهزم العدو شر هزيمة، وأخذ الجوديّ أسيراً فقتله وقتل الأسرى، وأخذ حصونهم، وسبي الذرية والسرح فباعهم واشتري خالد ابنة الجودي وكانت موصوفة بالجمال وتزوجها في ميدان القتال! ثم رجع إلى الحيرة، وكان يريد محاربة أهل المدائن فمنعه من ذلك كراهيةُ مخالفة أبي بكر.

هامش

راجع کتاب « محمد رسول الله» للمؤلف صفحة 265.

راجع بعث خالد بن الوليد إلى اكيدر في كتاب «محمد رسول الله» للمؤلف صفحة 428-429.

======

البعوث إلى العراق

شهر شعبان سنة 12هـ - تشرين الأول أكتوبر سنة 633

لقد شجع غياب خالد الفرس ومن والاهم من [137]العرب، ولا سيما بني تغلب على مناوشة المسلمين وطمع الأعاجم، وكاتبهم عرب الجزيرة غضباً لعقة الذي قتله خالد بعين التمر، إلا أن القعقاع استطاع الدفاع عن الأنبار، ولما قدم خالد خرج وعلى مقدمته الأقرع بن حابس واستخلف على الحيرة عِياض بن غَنْم، وهاجم الفرس على الشاطىء الشرقي للفرات فهزمهم وقتل قوادهم، وهاجم البدو على الشاطيء الغربي ليلاً وهم نیام فقتلهم وسبي الذرية وأرسل الغنائم إلى المدينة.

===

موقعة الفِرَاض

انهزام الفرس والروم والبدو

شهر ذي القعدة سنة 12 هـ - كانون الثاني يناير سنة 634 م

ثم قصد خالد إلى الفراض تخوم الشام والعراق والجزيرة فأفطر بها رمضان في تلك السفرة التي اتصلت فيها الغزوات، فلما اجتمع المسلمون بالفراض حمیت الروم واغتاظت، واستعانوا بمن يليها من مسالح أهل فارس، واستمدوا تغلب وإياداً والنمر، فأمدوهم [138]وناهضوا خالداً حتى إذا صار الفرات بينهم قالوا« إما أن تعبروا إلينا وإما أن نعبر إليكم» قال خالد «بل أعبروا إلينا قالوا فتنحوا حتى نعبر» فقال خالد « لا نفعل ولكن اعبروا أسفل منا » فقالت الروم وفارس بعضهم البعض احتسبوا ملككم. هذا رجل يقاتل على دين. وله عقل وعلم والله لينصرن ولنخذلن. ثم لم ينتفعوا بذلك. فعبروا أسفل من خالد. فلا تتاموا قالت الروم: امتازوا حتى نعرف اليوم ما كان من حسن أو قبيح من أينا يحبيء ففعلوا واقتتلوا قتالاً شديداً طويلاً. ثم إن الله عز وجل ٍٍٍهزمهم، وقتل يوم الفراض في المعركة وفي الطلب 100,000 کما رواه الطبري، وأقام خالد على الفراض بعد الوقعة عشراً، ثم أذن بالرجوع إلى الحيرة لخمس بقين من ذي القعدة

قال مستر موير في كتابه « الخلافة » عند ذكر هذه الموقعة صفحة 61 طبعة سنة 1924 إن هذا العدد (100,000) خرافي ويريد بذلك أنه عدد عظيم غير معقول إلا أن المؤرخين لم يذكروا عدد جيش خالد ولا عدد جيش العدو، والذي نعلمه أن جيش العدو كان عظيماً، لأنه جيش متحد مؤلف من ثلاثة جيوش: جیش [139]الفرس والروم والعرب الذين انضموا إليهم، فإذا كانت الموقعة انتهت بانهزام هذه الجيوش انهزاماً تاماً فلا بد أن يكون عدد القتلى كبيراً، فإن لم يكن مئة ألف بالضبط کما رواه الطبري فهو يقرب من ذلك-

قال القعقاع يصف موقعة الفراض:

لَقِينا بالفِراض جموعَ رُومِ

وفُرس غَمَّها طولُ السلام

أبدْنا جَمعَهم لما التقينا

وبَيّتنا بجمع بني رزام

فما فتئت جنودُ السلمِِ حتى

رأينا القوم كالغنم السُّوام

====

خالد يحج سراً

شهر ذي الحجة سنة 12 هـ - شباط فبراير سنة 634م

لما أيقن خالد من انهزام العدو اشتاق إلى زيارة مكة وإلى تأدية فريضة الحج متخفيا من غير أن يستأذن أبا بكر فأمر جيشه بالعودة إلى الحيرة وتظاهر بأنه سائر في مؤخرة الجيش، فبدأ رحلته إلى مكة ومعه عِدّة من أصحابه لخمس بقين من ذي القعدة ولم يكن معه دلیل، فاخترق الصحراء مسرعة رغماً عن صعوبة الطريق.

[140]ولما أدى فريضة الحج عاد إلى الحيرة في أوائل فصل

الربيع فكانت غيبته على الجند يسيرة ، فما وصلت إلى

الحيرة مؤخرة الجيش حتى وافاهم خالد مع صاحب الساقة

فقدما معا، وخالد وأصحابه محلقون ، وقد كان تكتمه

شديداً حتى إنهم ظنوا أنه كان في هذه المدة بالفراض ولم

يعلم أبو بكر بحج خالد مع أنه كان في الحج أيضاً ، غير

أنه بعد قليل بلغه الخبر فاستاء جدًا وعتب عليه ، وكانت

عقوبته أن صرفه إلى الشام ليمد جموع المسلمين باليرموك

فأرسل إليه كتاباً هذا نصه :

« سر حتى تأتي جموع المسلمين باليرموك فإنهم قد

شجو(۱) وأشجوا وإياك أن تعود لمثل ما فعلت ، فإنه لم

يُشجِ الجموعَ من الناس بعون الله شجاك ، ولم ينزعِ

الشجى من الناس نزعك ، فليهنئك أبا سليمان النية

والحُظوة ، فأتمم يتمم الله لك ، ولا يدخلنك عُجبٌ

فتخسر و تخذل ، وإياك أن تدلّ بعمل فإن الله له المن وهو

وليّ الجزاء » .

***

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شجي الرجل يشجي : حزن . وشجاه الهم يشجوه شجواً من باب قتل اذا احزنه.

141 [141]وفي هذه السنة «سنة 12 هـ » تزوج عمر رضي

الله عنه عاتكة بنت زيد، وفيها مات أبو مرثد الغنوي، وهو أبو مرثد کناز بن الحصين الذي حمل اللواء في بعث حمزة، وكان أول لواء عقده رسول الله[1]، وفيها مات أبو العاص بن الربيع في ذي الحجة ، وكان من الأسرى يوم بدر ثم أسلم ، وهو زوج زینب بنت رسول الله، وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد رضي الله عنها أخت خديجة أم المؤمنين، وأوصى إلى الزبير، وتزوج علي عليه السلام ابنته أمامة بنت زينب بنت رسول الله، وفيها اشتری عمر أسلم مولاه، [وحج] بالناس في هذه السنة أبو بكر، واستخلف على المدينة عثمان بن عفان كا ذكر ذلك الواقدي.

هامش

راجع بعث حمزة في كتاب و محمد رسول الله ، للمؤلف. صفحة 193 *

=

غزو الشام

سنة 12 - 13 هـ - 633 - 634 م

بعد أن عاد أبو بكر من الحج وجه الجنود إلى الشام تحت قيادة خالد بن سعيد بن العاص . وكان أول لواء [142]عقده إلى الشام . وهو من الذين أسلموا قديماً وهاجر إلى الحبشة ، إلا أن أبا بكر عزله قبل أن يسير، وكان سبب عزله أنه تأخر عن بيعة أبي بكر شهرين ولقي علي بن أبي طالب وعثمان بن عفان فقال يا أبا الحسن « یا بني عبد مناف ، أغلبتم عليها ؟ » فقال علي : « أمغالبة ترى أم خلافة » ؟

فأما أبو بكر فلم يحقدها عليه ، وأما عمر فاضطغنها عليه ، فلا ولاه أبو بكر لم يزل به عمر حتى عزله عن الإمارة وجعله رداء للمسلمين بتيماء[1] ( جنوب شرقي تبوك ) وأمره أن لا يفارقها إلا بأمره وأن يدعو من حوله من العرب إلا من ارتد وأن لا يقاتل إلا من قاتله ، فاجتمع إليه جموع كثيرة من الروم ، وعلى ذلك أمره أبو بكر بالإقدام بحيث لا يؤتى من خلفه ، فتقدم شمالاً نحو البحر الميت فسار إليه بطريق الروم[2] ويدعى

تيماء: بلد في أطراف الشام بين الشام ووادي القرى على طريق حج الشام ودمشق . والأبلق الفرد : حصن السموءل بن عاديا مشرف عليه فلذلك كان يقال لها تيماء اليهود . قال بعض العرب يذكر تيماء:

إلى الله أشكولا إلى الناس أنني

أنني بتيماء تيماء اليهود غريب

وإني بتهباب الرياح موكل

طروب إذا هبت علي جنوب

وإن هب علوى الرياح وجدتني

كأني لعلوي الرياح نسيب

البطريق : لقب عسكري رومي عال يعادل اليوم جنرال . [143]

« باهان » ولما وجد أنه تقدم كثيرة كتب إلى أبي بكر يستمده .

وكان قد قدم إلى أبي بكر بالمدينة جيوش المسلمين من اليمن بعد أن هزموا المرتدين ، وكانوا على استعداد للحرب في جهات أخرى ، فأرسل أبو بكر عكرمة بن أبي جهل والوليد بن عقبة لإمداد خالد في الشمال .

أسرع خالد بن سعيد في أوائل فصل الربيع للغزو ناسيا ما أمره به أبو بكر من عدم الزحف ، فوقع في شرك باهان جهة دمشق ، وكان قد وصل إلى مرج الصفر ، شرقي بحيرة طبرية فأطبق عليه العدو من الخلف، ومنعه من التقهقر، وقتل ابنه سعيد في المعركة وفر خالد بفلول جيشه إلى المدينة وبقي عكرمة ردءا للجيش بدل خالد ، فرد عنهم باهان وجنوده أن يطلبوه وأقام من الشام على قرب .

ثم أمر أبو بكر يزيد بن أبي سفيان على جيش عظيم هو جمهور من انتدب إليه فيهم سهيل بن عمر و في أمثاله من أهل مكة وشيعه ماشيا وأوصاه وغيره من الأمراء . [144]== وصية أبي بكر ليزيد بن أبي سفيان == كان مما قاله أبو بكر ليزيد : « إني وليتك لأبلوك وأجربك وأخرجك فإن أحسنت رددتك إلى عملك وزدتك ، وإن أسأت عزلتك ، فعليك بتقوى الله فإنه يرى من باطنك مثل الذي من ظاهرك ، وإن أولى الناس بالله أشدهم توليأ له وأقرب الناس من الله أشدهم تقربا إليه بعمله ، وقد وليتك عمل خالد فإياك وعبية الجاهلية فإن الله يبغضها ويبغض أهلها ، وإذا قدمت على جندك فأحسن صحبتهم وابدأهم بالخير وعدهم إياه ، وإذا وعظتهم فأوجز ، فإن كثير الكلام ينسي بعضه بعضا ، وأصلح نفسك يصلح لك الناس ، وصل الصلوات لأوقاتها بإنمسام ركوعها وسجودها والتخشع فيها ، وإذا قدم عليك رسل عدوك فأكرمهم وأقلل أبثهم حتى يخرجوا من عسكرك وهم جاهلون به ، ولا ترينهم فيروا خيلك ويعلموا علمك وأنزلهم في ثروة عسكرك وامنع من قبلك من محادثتهم وكن أنت المتولي لكلامهم ولا تجعل سرك لعلانيتك [145]با

فيختلط أمرك ، وإذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ، ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتي من قبل نفسك ، واسمر بالليل في أصحابسك تأتك الأخبار وتنكشف عنك الأستار ، وأكثر حرسك و بددهم في عسكرك ، وأكثر مفاجأتهم في محارسهم بغير علم منهم بك ، فمن وجدته غفل عن حرسه فأحسن أدبه وعاقبه في غير إفراط، وأعقب بينهم بالليل واجعل النوبة الأولى أطول من الأخيرة فإنها أيسرها لقربها من النهار ، ولا تخف عن عقوبة المستحق ، ولا تلجن فيها ولا تسرع إليها ولا تخذلها مدفعة ولا تغفل عن أهل عسكرك فتفسدهم ولا تتجسس عليهم فتفضحهم ، ولا تكشف الناس عن أسرارهم واكتف بعلانيتهم . ولا تجالس العباثين وجالس أهل الصدق والوفاء ، وأصدق اللقاء ولا تجبن فيجبن الناس . واجتنب الغلول ( الخيانة في المغنم ) فإنه يقرب الفقر ويدفع النصر، وستجدون أقواما حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعهم وما حبسوا أنفسهم له »[1].

وهذه من أحسن الوصايا وأكثرها نفعا لولاة [146]الأمر ، فإنه ذكر فيها واجبات القائد نحو جنده ، ونحو عدوه ، ومنع من تعرض القائد للمتدينين الذين حبسوا أنفسهم في الصوامع احترامأ لدينهم

وقد انقسم الجيش إلى ثلاثة أقسام كل قسم مؤلف ۵۰۰۰ مقاتل، وأمر على اثنين منهما شرحبيل بن حسنة الذي كان قد من عند خالد بن الوليد إلى أبي بكر ، وعلى الثالث عمرو بن العاص ، وعين لكل جيش وجهته في الشام فوجة عمرة إلى أيلة على رأس خلیج العقبة[2]. ومن ثم لغزو جنوب الشام أو فلسطين ، ووجه یزید وشرحبيل إلى تبوك ، ثم غزوا أوساط الشام . وحمل معاوية بن أبي سفيان لواء أخيه يزيد وانضم خالد بن سعید متطوعة إلى جيش شرحبيل وكان تعيين الأمراء الثلاثة في شهر صفر سنة 13 ه - نیسان إبريل سنة 634 م ثم لما وصلت الجيوش الأخرى إلى المدينة أرسلهم أبو بكر الإمداد جيوش الشسام وأمر عليهم أبا عبيدة بن الجراح . وعلى ذلك كان عدد الجيوش التي أرسلت أربعة ، وكان أبو عبيدة أميرة عليهم جميعا ، هه وبلغ عدد [147]J الجيش الزاحف ۲۶۰۰۰ بما في ذلك جيش عكرمة ، وخرج نحو الف من الصحابة في جيش الشام ، ومن بينهم ۱۰۰ ممن شهدوا موقعة بدر بخلاف جیش العراق فإن المهاجرين لم يقاتلوا فيه . سار أبو عبيدة على باب من البلقاء[3] فقاتله أهله ثم صالحوه فكان أول صلح في الشام .

الظروف الملائمة لفتح الشام

كان إمبراطور الروم يبعث إلى القبائل العربية في جنوبي فلسطين إعانة مالية سنوية ، غير أنه اضطر بسبب ما أنفقه على الجيش في محاربة الفرس إلى قطع الإعانة مراعية في ذلك الاقتصاد في النفقات وعلى ذلك اعتبيزت هذه القبائل أنفسها أحرارة غير مقيدين محالفتهم الروم فانضموا إلى المسلمين ، ثم إن أهل الشام أيضأ أرهقتهم زيادة الضرائب فضلا عما كانوا لاقونه من الاضطهادات الدينية ، ولذلك لم يحركوا [148]ساكنة ، وقد كانوا يفضلون حكم العرب لحسن معاملتهم وعدهم في أحكامهم ، كل هذه كانت ظروف ملائمة للمسلمين المهاجمين

استعداد هرقل

وصل أمراء المسلمين إلى الشام فأخذ عمرو طریق المعرقة[4] ونزل بالعربة وهي واد بين البحر الميت وخليج العقبة ، ونزل أبو عبيدة الجابية[5]، ونزل يزيد البلقاء ، ونزل شرحبيل الأردن وقيل بصری . فبلغ الروم ذلك فكتبوا إلى هرقل، وكان بالقدس فقال : أرى أن تصالحوا المسلمين فوالله لأن تصالحوهم على نصف ما يحصل من الشام ويبقوا لكم نصفه مع بلاد الروم أحب إليكم من أن يغلبوكم على الشام ونصف بلاد الروم ، فتفرقوا عنه وعصره فجمعهم وسار إلى حمص فنزلها وأعد الجنود والعساكر ، وأراد إشغال كل طائفة من المسلمين بطائفة من جنوده لكثرة عسكره لتضعف كل فرقة [149]من المسلمين عمن بإزائها، فأرسل إلى عمرو أخاه تذارق[6] لأبيه وأمه فخرج نحوهم في ۹۰,۰۰۰ وبعث من يسوقهم حتى نزل صاحب الساقية ثنية جلق بأعلى فلسطين . وبعث جرجة بن توذرا نحو يزيد بن أبي سفيان فعسكر بإزائه. وبعث الراقص فاستقبل شرحبيل بن حسنة , وبعث الفيتار بن نسطوس في 60,000 نحو أبي عبيدة فهابهم المسلمون ، وكاتبوا عمرة أن ما الرأي ؟ فأجابهم : أن الرأي لمثلنا الاجتماع، فإن مثلنا إذا اجتمعنا لا يغلب من قلة ، فإن تفرقنا لا تقوم كل فرقة من استقبلها لكثرة عدونا ، وكتبوا إلى أبي بكر فأجابهم مثل جواب عمرو . وقال « إن مثلكم لا يؤتي من قلة إنما يؤتى العشرة آلاف إذا أتوا من تلقاء الذنوب فاحترسوا من الذنوب واجتمعوا باليرموك متساندين ، وليصل كل رجل منكم بأصحابه » وكان جميع فرق المسلمين ,۲۱ سوى عكرمة في ۹۰۰۰، وبلغ ذلك هرقل فكتب إلى بطارقته أن اجتمعوا لهم . واجتمع المسلمون باليرموك كا أمرهم أبو بكر ، واجتمع الروم هناك أيضأ وعليهم الدارق وعلى [150]4 المقدمة جوجة وعلى مجنبتيه الراقص وياهان ، ولم يكن قد وصل بعد إليهم ، وعلى الحرب الفيفار ، فنزلوا الواقوصة وهي على ضفة اليرموك وصار الوادي خندقة لهم ، وإنما أراد باهان وأصحابه أن تستفيق الروم ويأنسوا بالمسلمين ، وانتقل المسلمون عن عسكرهم الذي اجتمعوا به فنزلوا عليهم بحذائهم على طريقهم وليس للروم طريق إلا عليهم . فقال عمرو : « أيها الناس أبشروا حصرت والله الروم ، وقل ما جاء محصور بخير، وأقاموا صفرا وشهري ربيع لا يقدرون منهم على شيء من الوادي والخندق ، ولا يخرج عليهم الروم إلا ردهم المسلمون . وكان قتال المسلمين لهم على تساند کل أمير على أصحابه لا يجمعهم أحد حتى قدم خالد بن الوليد من العراق ؛ وكان القسيسون والرهبان يحرضون الروم .

هامش

راجع , الكامل ، لابن الأثير الجزء الثاني عنده ذكي فتوح الشام.

ايلة : مدينة لليهود الذين حرم الله عليهم مصيد فمسخوا قردة وخنازير.

البلقاء : منطقة في شرفي نهر الأردن قاعدتها السلط و بجودة حنطتها يضربه المثل.

المعرفة هي الطريق التي كانت قريش تسلكها إذا أرادت الشام.

الجابية أصلها في اللغة الحوض الذي يجب فيه الماء للإبل وهي قرية من أعمال دمشق . ثم من عمل الجيدور من ناحية الجولان قرب مرج الصفر في شال حوران.

تذارق وهو تیودر (Theodore).

===

مسير خالد بن الوليد من العراق إلى الشام

وموقعة اليرموك

كان اهتمام أبي بكر الصديق بغزو الشام أشد من اهتمامه بالعراق . لذلك عول على استدعاء خالد بن الوليد [151]و 6 4 ، وأمره بالمسير وأن يأخذ نصف الناس ويستخلف على النصف الآخر المثنى بن حارثة الشيباني ، ووعده بأنه إذا انتصر في الشام أعاده إلى العراق . ثم بدأ خالد يختار جيشه فاستأثر خالد بأصحاب النبي على المثنى ، وترك للمثنی عددهم من أهل القناعة ممن ليس له صحبة . ثم قسم الجند نصفين ، فقال المثنى : « والله لا أقيم إلا على إنقاذ أمر ابي بكر ، وبالله ما أرجو النصر إلا بأصحاب النبي . فلا رأی خالد ذلك أرضاه . فكان عدد الجيش الذي خرج معه ۹۰۰۰ وصاحبه المثني إلى حدود الصحراء ليودعه . سار خالد بجيشه فلما وصل إلى قراقر وهو ماء الكلب أغار على أهلها وأراد أن يسير عنهم مفوز 1، إلى سوي وهو ماء لبهراء . ثم أتي اراك فصالحوه . ثم أتی تدمر (۲) ففتحها صلحا، ذلك أنه لما مر بها في طريقه تحصن أهلها منه فأحاط . هم من كل وجه فلم يقدر عليهم . ولما أعجزه ذلك وأعجله الرحيل . قال : > . (۱) فاز : قطع المفازة ، والمفازة الموضع المهلك ، مأخوذ من فوز بالتشديد إذا مات لأنها مظنة الموت (۲) تدمر : مدينة قديمة مشهورة في برية الشام بينها وبين حلب خمسة أيام . [152]د يا أهل تدمر والله لو كنتم في السحاب الاستنزلناكم ولأظهرنا الله عليكم ، ولئن أنتم لم تصالحوا الأرجعن إليكم إذا انصرفت من وجهي هذا ثم لأدخلن مدينتكم حتى أقتل مقاتليكم وأسبي ذراريكم » . فلما ارتحل عنهم بعثوا إليه وصالحوه على ما أدوه له ورضي به . ثم أتي خالد القريتين (1) فقاتلهم فظفر بهم ، وغنم وأتی حوارين . فقاتل أهلها وهزمهم وقتل وسبی وأتي قصم - وهي موضع بالبادية قرب الشام من نواحي العراق - فصالحه مشجعة من قضاعة وسار فوصل ثنية العقاب - وهي ثنية مشرفة على غوطة دمشق يطؤها القاصد من دمشق إلى حمص - ناشر رايته العقاب وهي راية سوداء . ثم سار فأتی راهط ۲) (۲) فأغار على غسان في يوم فصحهم (۳) فقاتل وأرسل سرية إلى كنيسة بالغوطة غير (1) القريتين قرية كبيرة من أعمال حمص في طريق البرية . قال أبو حذيفة في فتوح الشام و وسار خالد بن الوليد رضي الله عنه من تدمر إلى القريتين وهي التي تاسی حوار بين وبينها وبين تدهر مرحلتان و ان حوار ين قرية أخرى غير القريتين (۲) مرچ راهط بنواحي دمشق وهو أشهر المروج في الشعر فإذا ذكر مرج في الشعر (۳) فصح النصارى مثل الفطر وزنا ومعني وهو الذي يأكلون فيه اللحم بعد الصيام وهو عيد لهم مثل عيد المسلمين فإياه يعني [153]فقتلوا الرجال وسبوا النساء وساقوا العيال إلى خالد ثم سار حتى وصل بصرى فقاتل من بها فظفر بهم وصالحهم ، فكانت بصري أول مدينة فتحت بالشام على يد خالد وأهل العراق وبعث بالأخماس إلى أبي بكر ، ثم سار فطلع على المسلمين في ربيع الآخر باليرموك ، فوجدهم يقاتلون الروم متساندين كل أمير على جيش : أبو عبيدة على جيش ، ويزيد بن أبي سفيان على جيش ، وشرحبيل بن حسنة على جيش وعمرو بن العاص على جيش . فقال خالد : c 4 « إن هذا اليوم من أيام الله ، لا ينبغي فيه الفخر ، ولا البغي فأخلصوا لله جهادكم ، وتوجهوا لله تعالى بعملكم ، فإن هذا يوم له ما بعده ؛ وإن من وراء كم لو يعلم عملكم حال بينكم وبين هذا . فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه هو الرأي من واليكم » قالوا في الرأي ؟ قال إن الذي أنتم عليه أشد على المسلمين ما غشيهم . وأنفع للمشركين من أمدادهم . ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم . والله فهلموا فلنتعاور(۱) الإمارة . فليكن علينا بعضنا اليوم ؛ وبعضنا (1) أي نتداول . ۔ ۱۰ س [154].. . غدة، والآخر بعد غد حتى يتامر كلكم ؛ ودعوني اليوم عليكم . قالوا : نعم ، فأمروه فكان الفتح على يد خالد . وجاء البريد(۱) يومئذ بموت أبي بكر ؛ وخلافة وتأمير أبي عبيدة على الشام كله ؛ وعزل خالد فأخذ الكتاب منه وتركه في كنانته ، ووكل به من يمنعه أن يخبر الناس بالأمر لئلا يضعفوا إلى أن هزم الله العدو ؛ وقتل منهم نحو ۱۰۰٫۰۰۰؛ ثم دخل على أبي عبيدة وسلم عليه بالإمارة . === التحام الجيشين وانتصار المسلمين ===

كان عدد جيش المسلمين كا يأتي : ۲۱,۰۰ عدد جيش الأمراء الأربعة . 6,۰۰۰ جيش عكرمة بن أبي جهل ۹,۰۰ جيش خالد الوليد ,۳ فلول جيش خالد بن سعیدہ ۳۹,۰۰۰ مجموع جيش المسلمين وقيل (1) البريد : الرسول وكان اسمه ميه بن تيم . سه وه ی [155]جيش الروم : ,۸۰ مقید 4۰,۰۰۰ مسلسل للموت . 40٬۰۰۰ مربوطين بالعائم لئلا يفروا . ,۸۰ راجل ولم يعرف عدد الفرسان في الجيشين عبا خالد جيشه وقسمه إلى أربعين گردوسأ۱) وجعل على كل كردوس رجلا من الشجعان وجعله على ثلاث فرق ، قلب وميمنة وميسرة : (1) أبو عبيدة على كراديس القلب (۲) عمرو بن العاص وشرحبيل بن حسنة على كراديس الميمنة (3) يزيد بن أبي سفيان على كراديس الميسرة . (1) الكردوس : الخيل العظيمة وقيل القطعة من الخيل العظيمة والكراديس الفرق منهم ، ويقال کردم القائد مخیله ای جعلها كتيبة كتيبة . ۹ما صمم [156]وجعل على الطلائع قباث بن أشيم، وعلى الأقباض (۲) عبد الله بن مسعود . وكان أبو سفيان يسير فيقف على الكراديس فيقول : د الله . الله . إنكم ذادة العرب وأنصار الإسلام وإنهم ذادة الروم وأنصار الشرك اللهم إن هذا يوم من أيامك . اللهم أنزل نصرك على عبادك » وقال رجل لخالد: «ما أكثر الروم وأقل المسلمين » اكبر مني (۱) قباث بن أشيم سكن دمشق وشهد بدرا وعقل مجيء الفيل إلى مكة . سأله عید الله بن مروان و انت اكبر ام رسول الله ؟ فقال : د بل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أسن منه + فانظر أيها القارىء إلى أدب قباث وحسن جوابه وكان سبب إسلامه أن رجالا من قومه اتوه فقالوا إن محمد بن عبد عبد المطلب، قد خرج يدعو الناس إلى دين غير ديننا فقام قباش حتی أتی رسول الله فلا دخل عليه ، قال اجلس یا قباث أنت الذي قلت لو خرجت نساء قريش باكمتها ردت محمدأ واصحابه - قال قباث والذي بعثك بالحق ما تحرك به لساني ولا ترمرمت به شفتاي ولا سمعته أذناني وما هو إلا شيء هجس في نفسي . أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد رسول الله وأن ما جئت به حق . (اسد الغابة ). فقد علم رسول الله بما هجم بنفس قباث ولم ينطق به فكان ذلك سببه إسلامه وهذا موضع يطول بنا شرحه فليتدبره القارىء (۲) على الأقباض أي على الغنائم لأن القبض ما جمع من الغنائم . - JOY [157]و فقال خالد : «ما أقل الروم وأكثر المسلمين . إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان لا بعدد الرجال . والله لوددت أن الأشقر ( فرسه ) براء من توجيه وأنهم أضعفوا في العدد » وكان فرسه قد حفي في مسيره ثم أمر خالد عكرمة والقعقاع وكانا على تجنبتي القلب فأنشبا القتال وارتجز القعقاع وقال : يا ليتني ألقاك في الطراد قبل اعترام الجحفل الواد وأنت في حلبتك الوراد وقال عكرمة : قد علمت بهكة الجواري انسي على مكرمة احامي فنشب القتال ، والتحسم الناس ، وتطارد الفرسان ، ثم أتی البريد كما ذكرنا .

إسلام جَرَجَة

ثم خرج ( جرجة ) حتى كان بين الصفين ، ونادی ليخرج إلى خالد فخرج إليه خالد ، وأقام أبا عبيدة مكانه فواقفه بين الصفين حتى اختلفت أعناق دابتيها ، وقد { lon [158]أمن أحدها صاحبه ، فقال جرجة : یا خالد أصدقني ولا تكذبني ، فإن الحر لا يكذب ، ولا تخادعني فإن الكريم لا يخادع ، أنشدك بالله هل أنزل الله على نبيكم سيفا من السماء فأعطاکه ، فلا تسله على قوم إلا هزمتهم ؟ » قال : ولا. قال : فبم سمیت سیف الله ؟ قال : إن الله عز وجل بعث فينا نبيه صلى الله عليه وسلم فدعانا فنفرنا عنه ، ونأينا عنه جميعا ، ثم إن بعضنا صدقه وتابعه ، وبعضنا باعده وكذبة ، فكنت فيمن كذبه وباعده وقاتله ، ثم إن الله أخذ بقلوبنا ونواصينا فهدانا به فتابعناه . فقال : أنت سيف من سيوف الله سله الله على المشركين ، ودعا لي بالنصر فسميت سيف الله بذلك ، فأنا من أشد المسلمين على المشركين - صدقتني ثم أعاد عليه جرجة : [159]- يا خالد . أخبرني الأم تدعوني ؟ - إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ، والإقرار بما جاء به من عند الله - فمن لم يجبكم ؟ - فالجزية ونمنعه . . فإن لم يعطها ؟ - نؤذنه بحرب ثم نقاتله - في منزلة الذي يدخل فيكم ويجيبكم إلى هذا الأمر اليوم ؟ - منزلتنا واحدة فيما افترض الله علينا شريفنا ، ووضيعنا ، وأ ولنا وآخرنا . ثم أعاد عليه جرجة : . هل لمن دخل فيكم اليوم يا خالد مثل ما لكم من الأجر والد خر؟ نعم وأفضل [160]6 6 - كيف يساويكم وقد سبقتموه ؟ - إنا دخلنا في هذا الأمر وبايعنا نبينا وهو حي بين أظهرنا تأتيه أخبار السماء ، ويخبرنا بالكتب ، ويرينا الآيات وحق لمن رأى ما رأينا ، وسمع ما سمعنا أن يسلم ويبايع ، وإنكم أنتم لم تروا ما رأينا ، ولم تسمعوا ما سمعنا من العجائب والحجج فمن دخل في هذا الأمر منكم بحقيقة ونية كان أفضل منا . - بالله لقد صدقتني ولم تخادعني ولم تألفتني ؟ - بالله لقد صدقتك وما بي إليك ، ولا إلى أحد منكم وحشة وإني لولي ما سألت عنه - صدقتني . ثم قلب جرجة الترس ومال مع خالد. وقال : علمني الإسلام فال به خالد إلى فسطاطه فشن عليه قربة من ماء ثم صلی جرجة ركعتين وحملت الروم مع أنقلابه على خالد إذ كانوا يظنون ان جرجة يحمل على المسا فأزالوا المسلمين عن مواقفهم ، فركب خالد معه جرجة والروم خلال المسلمين فتنادي الناس فثابوا ، وتراجعت الروم على مواقفهم . حم [161]

استمرار القتال

زحف خالسد حتی تصافح الجيشان بالسيوف ، فضرب فيهم خالد وجرجة من ارتفاع النهار إلى الغروب ، ثم أصيب جرجة ، ولم يصل صلاة سجد فيها إلا الركعتين اللتين أسلم عليها وصلى الناس الأولى والعصر إيماء وتضعضع الروم ، ونهض خالد بالقلب حتى كان بين خيلهم ورجلهم ، ففر الفرسان إلى الصحراء ، وبقي المشاة ؛ فاقتحم المسلمون خندقهم فهوى فيها المقترنون بالسلاسل والعائم وغيرهم، وقتلوا وقتل النيقار وأشراف الروم ، وكان عدد من تهافت في الخندق ,۱۲۰ منهم ,۸۰ مقترن وه ,40 مطلق سوی من قتل في المعركة من الفرسان والمشاة . ولما انهزمت الروم كان هرقل بحمص فنادی بالرحيل عنها قريبة وجعلها بينه وبين المسلمين ، وامر عليها أميرة كيا أمر على دمشق .

قتلى المسلمين

أصيب من المسلمين ۳۰۰۰ منهم : [162]عكرمة وابنه عمر و . سلمة بن هشام . وعمرو بن سعيد . أبان بن سعيد وأثبت خالد بن سعيد فلا يدري این مات بعد . جندب بن عمرو ، الطفيل بن عمرو . طليب بن عمير . هشام بن العاص . عياش بن أبي ربيعة . سعيد بن الحارث بن قيس بن علي السهمي . نعیم بن عبد الله النحام العدوي . النصير بن الحارث بن علقمة. أبو الروم بن عمير بن هاشم العبدري . وأصيبت عين أبي سفيان بن حرب في الموقعة فأخرج السهم من عينه أبو حثمة . وقد قاتل النساء ومنهن جويرية بنت أبي سفيان وقال خالد يومئذ : « الحمد لله الذي قضى على أبي بكر بالموت وكان أحب إلى من عمر والحمد لله الذي ولي عمر وكان أبغض إلى من أبي بكر ثم ألزمني حبه » وكان عمر ساخطأ على خالد في خلافة أبي بكر كلها لوقعته بابن نويرة وما كان يعمل في حربه ، ولذا كان أول عمله عزل خالد . وقال لا يلى لي عملا أبدأ . ثم إن عمر رضي الله عنه لما رأى انتصارات خالد الباهرة وانقياد . [163]المسلمين له في جميع الوقائع واستماتتهم بين يديه خشي أن يفتتن الناس به وربما تحدثه نفسه فيشق عصا المسلمين. وروى أن استدعاه بعد عزله إلى المدينة فعاتبه خالد . فقال له عمر : (ما عزلتك لريبة فيك ولكن افتتن بك الناس فخفت أن تفتتن بالناس). عمر

====

المثني بالعراق

بعد رحيل خالد بن الوليد

النصف الأول من سنة 13 هـ ( آذار مارس - آب أغسطس سنة 634 م)

لم يكن خالد بن الوليد مطمئناً على حالة العراق بعد أن نقص عدد الجيش فأرسل المرضى والنساء والأطفال إلى بلادهم. وبذل المثنى ما في وسعه بعد رحيل خالد عنه لتقوية ما بينه وبين الفرس من جهة العاصمة وقد تولى أمر الفرس بعد مسير خالد بقليل شَهْر َبَرَاز بن أردشير بن شهریار سابور ففكر في طرد المسلمين فجند جيشاً قوياً مؤلفاً من 10,000 مقاتل تحت قيادة هُرمُز جاذَوَیه وخرج المثنَّى من الحيرة نحوه وكان عدد جيشه أقل [164]كثيرة من جيش الفرس وعلى مجبتيه العثی ومسعود أخواه فأقام ببابل وأقبل هرمز نحوه . ولما كان ملك الفرس واثقة من النصر، أرسل إلى المثنى كتابة قبيحة قال فيه : « إني بعثت إليكم جندة من وحش أهل فارس ، إنما هم رعاة الدجاج والخنازير ولست أقاتلك إلا بهم » . فكتب إليه المثنی : « إنما أنت أحد رجلين ، إما باغ فذلك شرلك وخير لنا ، وإما کاذب فأعظم الكاذبين فضيحة عند الله وعند الناس الملوك . وأما الذي يدلنا عليه الرأي فإنكم إنما اضطررتم إليهم فالحمد لله الذي رد كيدكم إلى رعاة الدجاج والخنازير .

=======

موقعة بابل

صيف سنة 13 ه - - سنة 634 م

وبعد أن أرسل المثنى هذا الرد إلى شهر براز زحف اللقاء هرمز ببابل تاركة بالحيرة قوة صغيرة فاقتتلوا قتالا [165]شديدة وكان على جيش الفرس فيل كبير يفرق جموع المسلمين فأحاط به المثنی ومعه ناس وتمكنوا من قتله فانهزم الفرس وتبعهم جيش المثني إلى أبواب المدائن ( عاصمة الفرس ) يقتلونهم . وفي ذلك يقول عبدة بن الطبيب السعدي وكان عبدة قد هاجر المهاجرة حليلة له حتى شهد موقعة بابل ، فلما آيسته رجع إلى البادية فقال من قصيدة له : مل حبل خولة بعد البين موصول أم أنت عنها بعيد الدار مشغول للأحبسة أيام تذكرها وللتوی قبل يوم البين تأویل حقت تمويلة في حي عهدتهم دون المدائن فيها الديك والفيل يقارعون رؤوس العجم منهم فوارس لا عزل ولا ميل 6 وقال الفرزدق يسدد بيوتات بكر بن وائل وذكر المثنی وقتله الفيل : وبيت المثنى قاتل الفيل مثوة ببابل إذ في فارس ملك بابل المثني يطلب النجدة من أبي بكر لما انهزم هرمز جادویه قتل الجند ملكهم شهر براز۱) Shahra - Brava (). [166]واختلف أهل فارس وبقي ما دون دجلة بيد المثنى فاضطر أن يحمي حدودة شاسعة لم تكن جنوده تكفي لحمايتها ثم اجتمعت الفرس على ابنة كسرى واسمها « دخت زنان » لكنها ما لبثت أن خلعت وتولى الملك سابور بن شهربراز إلا أنه قتل وملكت « آزرمي دخت»(۱)، وهذا الخلاف والغدر أديا إلى إضعاف السلطة الحاكمة في فارس ولم يكن هناك ما يخشاه المثني كثيرا ولكنه على كل حال كان في حاجة إلى حماية الحدود کا قلنا. فكتب إلى أبي بكر يستمده ويستأذنه في الاستعانسة ممن حسنت توبته من المرتدين لأنهم أنشط في القتال من غيرهم . فلما أبطأ خبر أبي بكر على المنسي استخلف على المسلمين بشير بن الخصاصية وسار إلى المدينة إلى أبي بكر فلا قدم المدينة وجد أبا بكر مريضأ فاستدعى أبو بكر عمر وقال له : « إني لأرجو أن أموت يومي الاثنين ) وإذا مت فلا تمسين حتى تندب الناس مع وإن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس مع المثنى ولا يشغلنكم مصيبة وإن عظمت عن أمر دينكم هذا ( وذلك يوم المثنی Azarmi- Durkle()

=======

وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه

22 جمادى الآخرة سنة 13 هـ ( 23 آب أغسطس سنة 634 م)

توفي أبو بكر رضي الله عنه لثمان بقين من جمادی الآخرة ليلة الثلاثاء بين المغرب والعشاء وهو ابن ثلاث وستين سنة، وكان قد سمه اليهود في أرز وقيل في حريرة

[168]وهي الحساء، فأكل هو والحارث بن كلدة وقال لأبي بكر أكلنا طعاماً مسموماً سم سنة فماتا بعده بسنة، وقيل إنه اغتسل وكان يوما بارداً فحم خمسة عشر يوماً لا يخرج إلى الصلاة فأمر عمر أن يصلي بالناس[1]. ولما مرض قال له الناس ألا ندعو الطبيب؟ فقال: أتاني وقال لي أنا فاعل ما أريد، فعلموا مراده وسكتوا عنه ثم مات.

وكانت خلافته سنتين وثلاثة أشهر وعشر ليال، وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عمیس وابنه عبد الرحمن[2] وأن يكفن في ثوبيه ويشتري معها ثوب ثالث. وقال: الحي أحوج إلى الجديد من الميت إنما هو للمهلة والصَّديد. غسلت أبا بكر زوجته أسماء ثم خرجت فسألت من حضرها من المهاجرين فقالت إني صائمة وهذا يوم شديد البرد فهل عليّ غسل؟ قالوا لا[3].

[169]وقد روي أنه اغتسل في يوم بارد فحم فمن ذلك يتبين أن الجو كان بارداً في هذه الأيام فإنه حم بسبب استحمامه في يوم بارد. كذلك غسل في يوم بارد؛ لذلك نرجح أن سبب وفاته كان تأثره بالبرد لا بسبب السم الذي قيل إن اليهود دسوه له في الحساء؛ لأن حادثة السم المزعومة كانت قبل وفاته بسنة. ودفن ليلة وفاته وصلى عليه عمر بن الخطاب وكبَّر عليه أربعاً في مسجد رسول الله ﷺ بين القبر والمنبر، ودخل قبره ابنه عبد الرحمن وعمر وعثمان وطلحة وجعل رأسه عند كتفي النبي ﷺ وألصقوا لحده بلحد النبي ﷺ وجعل قبره مثل قبره مسطحاً وناحت عليه عائشة والنساء فنهاهن عن البكاء عمر فأبين فقال لهشام بن الوليد ادخل فأخرج إليّ ابنة أبي قحافة. فأخرج إليه أم فروة بنت أبي قحافة أخت أبي بكر فعلاها بالدِّرة (السوط) ضربات فتفرق النوح حين سمعن ذلك . وكان آخر ما تكلم به «توفني مسلماً وألحقني بالصالحين» وكانت عائشة رضي الله عنها تمرضه.

أبو بكر يستشير أصحابه في عمر

قد أبو بكر في مرضه الذي توفي فيه لعمر بن الخطاب عقد الخلافة من بعده، ولما أراد العقد له دعا [170]عبد الرحمن بن عوف . فقال : أخبرني عن عمر . فقال يا خليفة رسول الله : هووالله أفضل من رأيك فيه من رجل ، ولكن فيه غلظة . فقال أبو بكر : ذلك لأنه يراني رقيقة ولو أفضى الأمر إليه لترك كثيرة مما هو عليه . ويا أبا محمد قد رمقته فرأيتني إذا غضبت على الرجل في الشيء ، أراني الرضا عنه ، وإذا لنت له أراني الشدة عليه ، لا تذكر يا أبا محمد مما قلت لك شيئا . قال : نعم . ثم دعا عثمان بن عفان ، فقال : يا أبا عبد الله أخبرني عن عمر . قال : أنت أخبر به . فقال أبو بكر : علي ذلك يا أبا عبد الرحمن . قال : اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته ، وأن ليس فينا مثله . قال أبو بكر : يا أبا عبد الله لا تذكر ما ذكرت لك شيئا . قال : أفعل , فقال أبو بكر : لو تركته ما عدوتك وما أدري لعله تاركه ، والخيرة له ألا يلي من أموركم شيئا ولوددت أني كنت خلوأ من أموركم ، وأني كنت فيمن مضى من سلفكم . يا أبا عبد الله لا تذكر ما قلت لك من أمر عمر ، ولا مما دعوتك له شيئا ودخل على أبي بكر طلحة بن عبيد الله . فقال : . م . جمعه ۱۷۱ سه [171]6 استخلفت على الناس عمر ، وقد رأيت ما يلقي الناس منه وأنت معه ، فكيف به إذا خلا بهم ، وأنت لاق ربك فسائلك عن رعيتك ؟ فقال أبو بكر : وكان مضطجعة أجلسوني . فأجلسوه . فقال لطليحة : «أبالله تفرقني أو بالله تخوفني ، إذا لقيت الله ربي فساءلني قلت : استخلفت على أهلك خير أهلك ؟ . وأشرف أبو بكر على الناس من حظيرته وأساء بنت عمیس ممسكته موشومة اليدين وهو يقول : « أترضون بمن أستخلف عليكم فإني والله ما الوت من جهد الرأي ، ولا وليت ذا قرابة ، وإني قد استخلفت عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا فقالوا : و سمعنا وأطعنا » قال الواقدي : دعا ابو بکر عثمان خالية . فقال له بسم الله الرحمن الرحيم . هذا ما عهد به أبو بكر بن أبي قحافة إلى المسلمين . أما بعد » ثم أغمي عليه فذهب عنه . فكتب عثمان : « أما بعد فإني أستخلف عليکم عمر بن الخطاب ولم آلكم خيرة » ثم أفاق أبو بكر فقال : « اقرأ علي » فقرأ عليه فكبر أبو بكر . أكتب : « (( [172]وقال : «أراك خفت أن يختلف الناس إن مت في غشيتي». قال : نعم . قال : «جزاك الله خيراً عن الإسلام وأهله» وأقرها أبو بكر رضي الله عنه من هذا الموضع. فأبو بكر كان يرى ويعتقد أن عمر بن الخطاب خير من يتولى الخلافة بعده مع شدته. والحقيقة أنه كان كذلك.

هامش

اغتسل يوم الاثنين لسبع خلون من جمادى الآخرة. عن عبد الرحمن بن أبي بکر.

في نزهة النواظر أن الذي غسله علي رضي الله عنه، وهذا غير ثابت، والصواب أن أسماء زوجته هي التي غسلته.

راجع طبقات ابن سعد «أبو بكر».

========

وصية أبي بكر لعمر بن الخطاب

ثم احضر ابو بکر عمر فقال له : «إني قد استخلفتك على أصحاب رسول الله ﷺ» وأوصاه بتقوى الله ثم قال:

« یا عمر إن الله حقاً بالليل ولا يقبله في النهار، وحقاً في النهار ولا يقبله بالليل وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدي الفريضة. ألم تر یا عمر أنما ثقلت موازین من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق، وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه غداً إلا حق أن يكون ثقيلاً. ألم تر با عمر إنما خفّت موازين من خفت موازينه يوم

[173]القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم ، وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفة . ألم تر یا عمر إنما نزلت آية الرخاء مع آية الشدة ، وأية الشدة مع آية الرخاء . ليكون المؤمن راغبا راهبة ، لا يرغب رغبة يتمنی فيها على الله ما ليس له ، ولا يرهبه رهبة يلقي فيها بیدیه . ألم تر یا عمر إنما ذكر الله أهل النار بأسوأ أعمالهم. فإذا ذكرتهم قلت إني لأرجو ألا أكون منهم وأنه إنما ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم لأنه تجاوز لهم عها كان من سيء فإذا ذكرتهم قلت اين عملي من فإذا حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من حاضر من الموت ولست بمعجزة » . أعمالهم (

خطبة على في تأبين أبي بكر

لما سمع علي رضي الله عنه خبر وفاة أبي بكر جاء باكية مسرعا مسترجعة حتى وقف بالباب وهو يقول : رحمك الله يا أبا بكر کنت والله أول القوم إسلامة . وأ خلقهم إيمانا وأشدهم يقينا، وأعظمهم غنی ، واحفظهم على رسول الله وأحدهم على الإسلام ، به ۱۷۶ می [174]4 6 - 4 وأحماهم عن أهله ، وأنسبهم برسول الله خلقأ، وفض ، وهدية ، وصمتا ، فجزاك الله عن الإسلام ، وعن رسول الله ، وعن المسلمين خيرة ، صدقت رسول الله حين كذبه الناس وواسيته حين بخلوا ، وقمت معه حين قعدوا ، وساك الله في كتابه صديقأ . فقال : ( والذي جاء بالصدق وصدق به ) يريد محمدأ ويريدك . کنت والله للإسلام حصنة ، وللكافرين ناكبأ ، لم تضلل حجتك ولم تضعف بصيرتك ، ولم تجبن نفسك كالجبل لا تحركه العواصف ، ولا تزيله القواصف ، كنت کا قال رسول الله ضعيفا في بدنك ، قوية في دينك ، متواضعة في نفسك ، عظيم عند الله ، جلية في الأرض كبيرة عند المؤمنين ، لم يكن لأحسد عندك مطمع ولا هوى ، فالضعيف عندك قوي والقوي عندك ضعيف، حتى تأخذ الحق من القوي وتعطيه للضعيف، فلا حرمنا الله أجرك ، ولا أضلنا بعدك 6

خطبة ابنته عائشة في تأبينه

نشر الله يا أبت وجهك ، وشكر لك صالح سعيك ، فلقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها ، وللآخرة YO. [175]معزة بإقبالك عليها، ولئن كان أعظم المصائب بعد رسول الله رزؤك ، وأكبر الأحداث بعده فقدك ، إن كتاب الله عز وجل ليعدنا بالصبر عنك حسن العوض ، موعده فيك بالصبر عنك ، ومستعينة كثرة الاستغفار لك ، فسلم الله عليك ، تودیع غير قالية لحياتك ، ولا زارية على القضاء فيك وانا منتجزة من 4

اعتراف أبي بكر

قال أبو بكر : إني لا أسي على شيء من الدنيا إلا على ثلاث فعلتهن وددت لو أني تركتهن ، وثلاث تركتهن وددت أني فعلتهن وثلاث وددت أني سألت عنهن رسول فأما الثلاث اللاتي وددت أني تركتهن فوددت أني لم أكشف بيت فاطمة عن شيء وإن كانوا قد غلقوه على الحرب ، ووددت أني لم أكن حرقت الفجاءة السلمی(۱) (۱) واسمه إياس بن عبد یالیل . والسبب الذي دعا أبا بكر إلى حرقه وهو إليه فقال أعني بالسلاح آفاتل به اهل الردة فأعطاه سلاحأ وامره إمرة فخالف إلى المسلمين وخرج حتى نزل بالراء وبعث نجبة بن ابي الميثاء من بني الشريد وأمره بالمسلمين فشن الغارة على كل مسلم في سليم وعامر وهوازن : ۱۷۹ [176]وأني كنت قتلته سريحة أو خليته نجيحأ . ووددت أني يوم سقيفة بني ساعدة كنت قد قذفت الأمر في عنق أحد الرجلين ( يريد عمر وأبا عبيدة ) فكان أحدهما أميرة وكنت وزيرة . أما اللاتي تركتهن فوددت أني يوم أتيت بالأشعث ابن قيس أسيرة كنت ضربت عنقه فإنه تخيل إلى أنه لا يرى شرا إلا أعان عليه . ووددت أني حين سيرت خالد بن الوليد إلى أهل الردة كنت أقمت بذي القصة فإن ظفر المسلمون ظفروا وإن هزموا كنت بصدد لقاء أو مدد، أو وددت أني كنت إذ وجهت خالد بن الوليد إلى الشام كنت وجهت عمر بن الخطاب إلى العراق فكنت بسطت يدي كلتيها في سبيل الله ومد يديه ووددت أني كنت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد، ووددت أني كنت سألته هل فبلغ ذلك أبا بكر فأرسل إلى طريفة بن حاجز فأمره أن يجمع له ويسير إليه وبعث إليه عبدالله بن قيس الجاسي عونا فنهضا إليه وطلباه فلاذ منها ثم لقياه على الجواء فاقتلوا وقتل نجبة وهرب الفجاءة فلحقه طريفة فأسره ثم بعث به إلى أبي بكر . فلما قدم أمر أبو بكر أن توقف له نار في مصلى المدينة ثم رمي به مقموطة . فهذا الذي ندم أبو بكر على حرقه وود لو قتله أو خلى سبيله . [177]للأنصار في هذا الأمر نصيب ، ووددت أني كنت سألته عن ميراث ابنة الأخ والعمة فإن في نفسي منها شيئا

عمل أبي بكر ومنزله مدة خلافته

كان أبو بكر قبل أن يشتغل بأمور المسلمين تاجرة وكان منزله بالسنح عند زوجته حبيبة ( والسنح من ضواحي المدينة ) ثم تحول إلى المدينة بعدما بويع له بستة أشهر وكان يغدو على رجليه إلى المدينة وربما ركب على فرس وعليه إزار ورداء مشق فيوافي المدينة ، فيصلي الصلوات بالناس فإذا صلي العشاء إلى أهله بالسنح ، فكان إذا حضر صلى بالناس وإذا لم يحضر صلی الخطاب ، فكان يقيم يوم الجمعة صدر النهار بالسنح يصبغ رأسه ولحيته ثم يروح لقدر الجمعة فيجمع الناس وكان رجلا تاجرة ، فكان يغدو كل يوم إلى السوق فيبيع ويبتاع ، وكانت له قطعة غنم تروح عليه وربما خرج هو بنفسه فيها وربما كفيها فرعيت له ، وكان يحلب للحي أغنامهم ، فلما بويع له بالخلافة قالت جارية من الحي « الأن لا تحلب لنا منائح دارنا ، فسمعها أبو بكر مي عمر بن می ۱۷۸ س [178]19 ۹۰۰۰ درهم 4 فقال : بلى لعمري لأحلبنها لكم وإني لأرجو أن لا يغيرني ما دخلت فيه من خلق کنت عليه » فكان يجلب لهم . ثم نظر أبو بكر في أمره فقال : لا والله ما تصلح أمور الناس التجارة وما يصلحهم إلا التفرغ لهم والنظر في شأنهم ولا بد لعيالي مما يصلحهم ، فترك التجارة وأنفق من مال المسلمين ما يصلحه ويصلح عياله يوما بيوم و يحج ويعتمر ؛ وكان الذي فرضوا له في كل سنة فلما حضرته الوفاة ؛ قال « ردوا ما عندنا مال المسلمين فإني لا أصيب من هذا المال شيئا ، وإن أرضي التي بمكان كذا وكذا للمسلمين بما أصبت من أموالهم » فدفع ذلك إلى عمر ودفع إليه بعيرة وعبدة وقطيفة ما تساوي خمسة دراهم . . فقال عمر . و لقد أتعب من بعده » وحسبوا ما أنفقه على أهله من بیت المال فوجدوه ۸۰۰۰ درهم في ولايته وكان يوزع الصدقات على الفقراء وعلى تجهيز الجيوش . كذلك كان يوزع غنائم الحرب على الناس حال وصولها أو في صباح اليوم التالي ولم يكن له حراس يحرسونه وكان يستشير عمر بن الخطاب [179]

بيت مال المسلمين

.. Y كان لأبي بكر الصديق بيت مال بالسنح معروف ليس يحرسه أحد فقيل له : يا خليفة رسول الله ألا تجعل على بيت المال من يحرسه ؟ فقال : لا يخاف عليه . فقيل له : لم ؟ قال : عليه قفل . وكان يعطي ما فيه حتی يبقى فيه شيء . فلا تحول أبو بكر إلى المدينة حوله فيجعل بيت ماله في الدار التي كان فيها وكان يسوي بين الناس في القسم : الحر والعبد، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير فيه سواء ولما توفي ودفن دعا عمر بن الخطاب الأمناء ودخل بهم بیت المال ومعه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان وغيرها ففتحوا بیت المال فلم يجدوا فيه دينارة ولا درها فترحموا على أبي بكر . وكان بالمدينة وزان على عهد رسول الله وكان يزن ما كان عند ابی بکر من مال فسئل الوزان : كم بلغ ذلك المال الذي ورد على أبي بكر ؟ فقال : مائتي ألف [180]

حج أبي بكر

استعمل أبو بكر على الحج سنة 11 هـ عمر بن الخطاب، ثم اعتمر أبو بكر في رجب سنة 12 هـ، ثم رجع إلى المدينة . فلما كان وقت الحج سنة 12 هـ حج أبو بكر بالناس تلك السنة وأفرد الحج واستخلف على المدينة عثمان بن عفان

جمع القرآن

. كان أبو بكر الصديق أعلم الصحابة بالقرآن ، لأن رسول الله قدمه إماما للصلاة بالصحابة مع قوله : « يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ، وقال : ولا ينبغي لقوم أبو بكر أن يؤمهم غيره » ولما رای کثرة من قتل من كبار الصحابة باليمامة أمر يجمع القرآن من أفواه الرجال، وجريد النخل والجلود ، وترك ذلك المكتوب عند حفصة بنت عمر رضي الله عنها زوجة رسول الله[1].

[181]جاء في صحيح البخاري عن زيد بن ثابت قال : « أرسل إلى أبو بكر مقتل أهل اليامة وعنده عمر . فقال : إن عمر أتاني فقال : إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس ، وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن إلا أن يجمعوه ، وإني لأرى أن يجمع القرآن . قال أبو بكر : فقلت لعمر كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله ؟ فقال عمر : هو والله خير . فلم يزل عمر يراجعني فيه حتی شرح الله لذلك صدري فرأيت الذي رأی عمر . قال زيد : وعمر عنده جالس لا يتكلم . فقال أبو بكر : إنك شاب عاقل ولا نتهمك وقد كنت تكتسب الوحي لرسول الله ولا فتتبع القرآن فأجمعه . فوالله لو كلفني نقل جبل ما كان أثقل علي مما كلفني به من جمع القرآن . فقلت : كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله ؟ فقال أبو بكر : هو والله خير فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح صدر أبي بكر وعمر . فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت لم أجدها مع غيره ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) إلى آخرها. فكانت . ص ۲۸۲ مه [182]الصحف التي فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حتى توفاه الله ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما»

====

قضاته وكتابه وعماله

لما ولّي أبو بكر قال أبو عبيدة : أنا أكفيك بيت المال . وقال له عمر : أنا أكفيك القضاء فمكث عمر سنة لا يأتيه رجلان وكان يكتب له علي بن أبي طالب، وزيد بن ثابت ، وعثمان بن عفان ، فإن غابوا كان يكتب له من وكان عامله على مكة ( عتاب بن أسيد ) : وقد أسلم عتاب يوم الفتح ، واستعمله رسول الله على مكة حين انصرف عنه بعد الفتح وسنه يومئذ عشرون سنة قيل إنه توفي في اليوم الذي توفي فيه أبو بكر . وكان رجلا صالح فاضة وكان على الطائف ( عثمان بن أبي العاص ): استعمله رسول الله على الطائف وأقره أبو بكر وعمر [183]رضي الله عنها روی عن رسول الله تسعة أحاديث . روى مسلم ثلاثة منها ، واستعمله عمر على عمان والبحرين ثم نزل البصرة . توفي في خلافة معاوية ، وله عقب كثير أشراف . وكان على صنعاء ( المهاجر بن أبي أمية ) وهو اخو أم سلمة أم المؤمنين . وله في قتال المرتدين باليمن آثار كثيرة مر ذكرها . وكان على حضرموت ( زياد بن لبيد الأنصاري) أقام مع رسول الله بمكة حتى هاجر فكان يقال له مهاجري انصاری . شهد العقبة ، وبدرة وأحدة ، والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ، واستعمله رسول الله على حضرموت وعلى خولان(1) ( يعلى بن أمية ) ويقال له يعلى بن أمه ، أسلم يوم فتح مكة وشهد حنينة والطائف وتبوك مع رسول الله ، روی له عن رسول الله ۲۸ حديثا . اتفق البخاري ومسلم على ثلاثة منها وقتل بصفين سنة ۳۷ ه (۱) خولان : خلاف من يخالیف اليمن . منية وهي IAC -[184]( . وعلى زبید ورمعد ( أبو موسى الأشعري ) : قدم على رسول الله بمكة قبل هجرته إلى المدينة فأسلم ، ثم هاجر إلى الحبشة ثم هاجر إلى رسول الله أصحاب السفينتين بعد فتح خیبر ، فأسهم له منها ولم يسهم منها الأحد غاب عن فتحها غيره . وكان حسن الصوت . استعمله رسول الله على زبيده ، وعدن ، وساحل اليمن روي له عن رسول الله ۳۶۰ حديثة . اتفق البخاري ومسلم منها على 50 وانفرد البخاري بخمسة عشر. توفي بمكة ، وقيل بالكوفة سنة . ه ه وهو ابن ۹۳ سنة وعلى الجند ( معاذ بن جبل): كان معانا فقيهة فاضلا صالحا . أسلم وهو ابن ثماني عشرة سنة مع السبعين من الأنصار ثم شهد بدرة واحدة والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله ، روي له عن رسول الله ۱۰۷ حديثة اتفق البخاري ومسلم على حديثين منها، وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بحديث . توفي في طاعون عمواس بالشام سنة ۱۸ ه وهو ابن ۳۳ سنة وهو من الأربعة الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله ، أرسله 6 (۱) زبيد : واد باليمن ورمع : موضع باليمن وقيل هو جبلي باليمن [185]رسول الله إلى اليمن يدعوه إلى الإسلام وشرائعه . وهو أحد الذين كانوا يفتون على عهد رسول الله وعلى البحرين ( العلاء بن الحضرمي ) : ولاه النبي ة البحرين وتوفي النبي ة وهو عليها فأقره أبو بكر ثم عمر . توفي سنة 14 ه واليأ عليها ، وكان مجاب الدعوة وخاض البحر بكلمات قالهن . وكان له أثر عظيم في قتال أهل الردة في البحرین کا تقدم وبعث ( مجریر بن عبد الله ) إلى نجران . روي له عن رسول الله ۱۰۰ حدیث اتفق البخاري ومسلم منها على ثانية وانفرد البخاري بحديث ومسلم بستة. قدم على النبي سنة عشر من الهجرة في شهر رمضان فبايعه وأسلم . وكان عمر بن الخطاب يقول « جرير يوسف هذه الأمة » لحسنه وكان طويلا يصل إلى سنام البعير يغضب لحيته بزعفران بالليل ويغسلها إذا أصبح واعتزل عليا ومعاوية وأقام بالجزيرة ونواحيها حتى توفي 4 وبعث ( عبد الله بن ثوب ) إلى جرش وهو عبد (1) جرش : من مخاليف اليمن جهة مكة ب- ۱۸۹ . [186]أسمع الله بن ثوب أبو مسلم الخولاني من كبار التابعين وكان فاض” ناسكة له فضائل كثيرة أسلم قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم . بعث الأسود بن قيس بن ذي الخيار الذي تنبأ باليمن إلى أبي مسلم فلما جاءه قال : أتشهد أني رسول ؟ قال : ما قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم . فرد ذلك عليه وفي كل مرة يقول مثل قوله الأول فأمر به فألقي في نار عظيمة فلم تضره ، فقيل له أنفيه عنك وإلا أفسد عليك من اتبعك . قال فأمره بالرحيل فأتى المدينة وقد قبض النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبو بكر فأناخ أبو مسلم راحلته بباب المسجد ودخل المسجد فقام يصلي إلى سارية وبصر به عمر بن الخطاب فقام إليه . فقال : من الرجل ؟ قال : من أهل اليمن . قال : ما فعل الرجل الذي أحرقه الكذاب بالنار ؟ قال : ذاك عبد الله ابن ثوب . قال : أنشدك الله أنت هو؟ قال : اللهم نعم فاعتنقه عمر وبكى ثم ذهب به حتى أجلسه فيها بينه وبين أبي بكر وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني من أمة محمد من فعل به ما فعل بابراهیم خلیل الله و أسد الغابة » .

وبعث ( عياض بن غنم ) إلى دومة الجندل . أسلم مه ۱۸۷ به [187]عياض قبل الحديبية وشهدها، وكان صالحا فاض جوادة . وكان يسمى « زاد الركب » يطعم الناس زاده فإذا نفد الزاد نحرهم بعيره . توفي بالشام سنة ۲۰ ه. وهو ابن f وكان بالشام ( أبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة ) أسلم شرحبيل قدها وأخواه لأمه جنادة وجابر . هاجروا إلى الحبشة ثم إلى المدينة . توفي في طاعون عمواس سنة ۱۸ ه وله ۹۷ سنة . أصيب هو وأبو عبيدة رضي الله عنهما في يوم واحد وكان بالشام أيضا عمرو بن العاص ویزید بن سفيان . وكان يقال ليزيد يزيد الخير . أسلم يوم الفتح وشهد حنينا وأعطاه رسول الله و ۱۰۰ بعير وأربعين أوقية يومئذ. فلا استخلف عمسر ولاه فلسطين وناحيتها . مات في طاعون عمواس سنة ۱۸ ه وكان على العراق المثنی بن حارثة الشيباني . ابي .

خاتم أبي بكر

كان نقش خاتمه : « نعم القادر الله » .

========

حكم أبي بكر وكلماته

(1) احرص على الموت توهب لك الحياة.

(2) إذا استشرت فاصدق الحديث تصدق المشورة ولا تخزن عن المشير خبرك فتؤتي من قبل نفسك.

(3) إذا فاتك خير فأدركه وإن أدركك فاسبقه.

(4) أربع من كن فيه كان من خيار عباد الله: من فرح بالتائب، واستغفر للمذنب، ودعا المدبر، وأعان المحسن.

(5) أصلح نفسك يصلح لك الناس.

(6) أكيس الكَيِّس التقوى، وأحمق الحمق الفجور، وأصدق الصدق الأمانة، وأكذب الكذب الخيانة.

(7) إن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ له بحقه، وإن أضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق.

(8) إن الله قرن وعده بعيده ليكون العبد راغباً راهباً.

(9) إن الله يرى من باطنك ما يرى من ظاهرك.

[189](10) إن العبد إذا دخله العجب بشيء من زينة الدنيا مقته الله تعالى حتى يفارق تلك الزينة.

(11) إن عليك من الله عيونا تراك.

(12) إن كثير الكلام ينسى بعضه بعضاً.

(13) إن كل من لم يهده الله ضال، وكل من لم يعافه الله مبتلي. وكل من لم يعنه الله مخذول. فمن هدي الله كان مهتدياً. ومن أضله الله كان ضالاً

(14) ثلاثة من كن فيه كن عليه : البغي والكث[1] والمكر.

(15) حق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلا، وحق الميزان يوضع فيه الباطل أن يكون خفيفة.

(16) خير الخصلتين لك أبغضها إليك.

(17) ذل قوم أسندوا رأيهم إلى امرأة.

(18) رحم الله أمرا أعان أخاه بنفسه. [190](19) صنائع المعروف تقي مصارع السوء.

(20) لا خير في خير بَعده النار، ولا شر في شر بعده الجنة.

(21) لا دين لأحد لا إيمان له، ولا أجر لمن لا حِسبة له، ولا عمل لمن لا نية له.

(22) لا يكونن قولك لغواً في عفو ولا عقوبة.

(23) ليتني كنت شجرة تعضَد ثم تؤكل.

(24) ليست مع العزاء مصيبة.

(25) الموت أهون مما بعده وأشد مما قبله.

وكان يأخذ بطرف لسانه ويقول :

(26) «هذا الذي أوردني الموارد».

(27) قال رجل لأبي بكر رضي الله عنه: «والله لأسبنك سباً يدخل القبر معك»، فقال: «معك يدخل لا».

هذه بعض كلمات أبي بكر الصديق التي عثرنا [191]عليها. ومع ذلك فإنه كان قليل الكلام، طويل الصمت، كثير العبادة. كذلك لم يرو عنه من الأحاديث إلا 42 حديثاً مع تقدم صحبته وملازمته لرسول الله ﷺ. وعندي أن ذلك لإيثاره الصمت وشدة الاحتياط، فإنه كان يمسك لسانه ويقول : «هذا الذي أوردني الموارد» فهل يُعتبر بذلك الذين يؤثرون الكلام على الصمت والقول على العمل ؟؟

هامش

نكث الرجل العهد نكثاً: نقضه

==========

خاتمة في حياة خالد بن الوليد

( سیف الله )

خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد بن عمرو بن مخزوم، أبو سليان وقيل أبو الوليد. أمه لُبَابه الصغرى وهي بنت الحارث بن حَزْن الهلالية وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج رسول الله وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي ﷺ وهو ابن خالة أولاد العباس بن عبد المطلب الذين من لبابة.

هو البطل المشهور والفارس المأثور. صاحب الفتوحات العظيمة والغزوات الكثيرة، وأشهر الفاتحين في الإسلام.

[192]كان أحد أشراف قريش في الجاهلية، وكان إليه القبة وأعئة الخيل في الجاهلية. أما القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش وأما الأعنة فإنه كان المقدم على خيل قريش في الحرب أي أنه كان قائد فرسانهم .

حارب المسلمين في غزوة أحد قبل إسلامه. ولما خالف الرماة أمر رسول الله وبرحوا مكانهم طمعاً في الغنيمة، ورأی خالد خلاء الجبل الذي كان فيه الرماة وقلة أهله أتي من خلف المسلمين وكر عليهم بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل، فوقع الاختلاط فيهم إلا أن كفار قريش لم يجنوا ثار انتصارهم فلم يحاولوا الهجوم على المدينة بل قفلوا راجعين إلى مكة.

وكان خالد من الذين يناوشون المسلمين هو وعمرو ابن العاص في غزوة الخندق وكان قائداً لفرسان قريش في الحديبية

إسلامه

كان خبر إسلام خالد أن عمرو بن العاص لما عاد من الحبشة بعد مقابلة النجاشي لقي خالد الوليد وهو [193]مقبل من مكة. قال عمرو بن العاص: «فقلت له أين يا أبا سليمان؟ قال والله لقد أستقام المِيْسَم ( أي تبين الطريق وظهر الأمر ) وأن الرجل لنبي. أذهب والله فأسلم فحتى متی؟ قلت : والله ما جئت إلا لأسلم فقدمنا المدينة على رسول الله فتقدم خالد بن الوليد». قدم خالد هو وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة العبدري على رسول الله فلما رآهم ﷺ قال لأصحابه «رمتكم مكة بأفلاذ كبدها» وذلك لرفعة شأنهم في قریش.

قال خالد بن الوليد ولما أراد الله عز وجل بي ما أراد من الخير، قذف في قلبي الإسلام وحضر لي رشدي وقلت قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمداً يظهر. فلما جاء لعمرة القضية تغيبت ولم أشهد دخوله وكان أخي الوليد بن الوليد دخل معه فطلبني فلم يجدني فكتب إليَّ كتاباً فإذا فيه:

( بسم الله الرحمن الرحيم. أما بعد فإني لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك، أو [194]مثل الإسلام يجهله أحد؟ قد سألني رسول الله عنك. فقال أين خالد؟ فقلت يأتي الله به. فقال ما مثله يجهل الإسلام ولو كان يجعل نكايته مع المسلمين على المشركين كان خيراً له ولقدمناه على غيره. فاستدرك یا أخي قد فاتك من مواطن صالحة).

فلما جاءني في كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة رسول الله ﷺ، ورأيت في المنام كأني في بلاد ضيقة جدية فخرجت إلى بلاد خضراء واسعة. فلما أجمعت على الخروج إلى المدينة لقيت صفوان بن أمية فقلت: يا أبا وهب أما ترى أن محمد ظهر على العرب والعجم؟ فلو قدمنا عليه واتبعناه فإن شرفه شرف لن ؟ فقال: لولم يبق غيري ما اتبعته أبداً. فقلت هذا رجل قُتل أخوه وأبوه ببدر. فلقيت عكرمة بن أبي جهل فقلت له مثل ما قلت لصفوان فقال مثل الذي قال صفوان. قلت فاکتم ذكر ما قلت لك. قال لا أذكره. ثم لقيت عثمان بن طلحة الحجبي. قلت هذا لي صديق فأردت أن أذكر له. ثم ذكرت قتل أبيه طلحة وعمه عثمان و إخوته الأربعة: مسافع والجلاس والحارث وكلاب، فإنهم قتلوا كلهم يوم أحد فكرهت أن أذكر [195]له. ثم قلت له: إنما نحن بمنزلة ثعلب في جحر لو صب فيه ذنوب من ماء لخرج. ثم قلت له ما قلت لصفوان وعكرمة فأسرع الإجابة وواعدني إن سبقني أقسام بمحل كذا وإن سبقته إليه انتظرته فلم يطلع الفجر حتى التقينا فعدونا حتى انتهينا إلى الهدة ( اسم محل ) فوجدنا عمرو ابن العاص بها. فقال مرحبا بالقوم فقلنا وبك، قال أين مسيركم؟ قلنا الدخول في الإسلام فقال : وذلك الذي أقدمني»

فوصلوا المدينة وقال خالد « فلبست من صالح ثيابي ثم عمدت إلى رسول الله ﷺ فلقيت أخي فقال أسرع فإن رسول الله ﷺ قد سر بقدومكم وهو ينتظركم، فأسرعنا المشي فأطلعت عليه فيها زال رسول الله لا يبتسم حتى وقفت عليه. فسلمت عليه بالنبوة فرد علي السلام بوجه طلق فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله قال : «الحمد لله الذي هداك، وقد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير»، قلت: یا رسول الله ادع الله لي يغفر تلك المواطن التي كنت أشهدها عليك. فقال : «الإسلام يجب ما كان قبله». وتقدم عثمان بن طلحة وعمر و فاسلما وقد شهد رسول الله [196]لخالد بالعقل کہا تری.

إن خالداً كا قلنا كان من رجال قريش المعدودين فكان أشجعهم قلباً، عالماً بفنون الحرب، فارساً مغواراً لا يرهب الموت، ولا تهوله كثرة الجيوش لكنه مع ذللك أخفق في محاربة رسول الله ولم تنفعه شجاعته ولم تفده فروسيته لذلك كان يرى أنه في غير شيء إزاء رسول الله {دصل}} کا اعترف بنفسه. فاذا يعمل خالد وغير خالد أمام النبوة ورسول الله يهده الله سبحانه وتعالى بالقوى الظاهرة والباطنة وتقع على يديه المعجزات الباهرة التي دونها بطولة الأبطال وشجاعة الشجعان وعلوم الخلق كافة ويبشره الله بالنصر والفتح المبين !؟ وماذا يفعل وهو يرى انتشار الإسلام ودخول الناس في دين الله أفواجأ. وقد ألفي نفسه وحيدأ عمرو بن العاص لا يقدر على عمل شيء. هذا وقد كان رسول الله يعرف الرجال ويقدرهم ولذلك كان يرجو أن يهدي الله خالداً إلى الإسلام ويجعل نكايته مع المسلمين على المشركين، فنصحه أخوه الوليد الذي سبقه إلى الإسلام أن يسلم فأثر فيه النصح بعد أن فكر في مواقفه الماضية، وفكر في كرامته فبادر إلى الدخول في الإسلام تكفيراً عن سيئاته وإراحة لضميره وصوناً [197]لكرامته، وقد صدقت فيه فراسة رسول الله کا صدقت فراسته في عمر بن الخطاب، فإن خالداً بعد أن أسلم دافع عن الإسلام دفاعا مجيداً قل أن يحدث مثله في تاريخ العالم. وقد شهد له بذلك الصحابة والأمم التي حاربها من فرس وروم واعترف له علماء التاريخ بالكفاية الحربية النادرة، وصدق فيه قول رسول الله «إنه سيف من سيوف الله».

وقد كتب الأستاذ أوجست مولر في كتابه «الاسلام» يصفه فقال: «لقد كان خالد من أولئك الذين كانت عبقريتهم الحربية هي كل حياتهم الفكرية مثل نابليون فإنه لم يعن بشيء غير الحرب ولم يرد أن يتعلم شيئا غير ذلك».

وهذا ما قاله خالد عن نفسه {دمض|شغلني الجهاد عن تعلم كثير من القرآن}}.

ومن ذا الذي يدري ماذا كان يصنعه خالد لو أنه تلقى الفنون الحربية واستعمال الأسلحة المختلفة وأساليب القيادة وخطط الهجوم والدفاع أو لو أنه عاش في زمن انتشرت فيه الطرق المنظمة وامتدت السكك [198]{ الحديدية لنقل الجيوش وتموينها، في زمن اختراع التلغراف والتليفون واللاسلكي والأسلاك الشائكة ، والغازات الخانقة ، والمدافع الكبيرة والأساطيل العجيبة ، والمفرقعات المخيفة ، والطيارات التي تلقي القنابل ؟ ! ألا ترى أنه بمواهبه الحربية الفطرية وشجاعة قلبه وعقيدته الاسلامية قاد جيوش المسلمين على قلة عددهم وعددهم التي لم تتجاوز السيف والقوس والفرش ، فهزم امبراطوريتين ملكتا العالم بكثرة جيوشها ووفرة الذخائر والمال - ألا وهيا الفرس والرومان ، فكانت جيوشها تقتل وتفر أمامه من الميدان مهزومة ، وكبار القادة يصرعون أو يسلمون ، والمدن الحصينة تفتح أبوابها وتسلم وتخضع أمام قوة العقيدة وصدق الإيمان والإخلاص وعدم الاكتراث بمواجهة الجيوش الجرارة طمعا في الشهادة ! فهل تقاس هذه الشجاعة الخارقة وتلك المواهب النادرة التي اكتسحت الأمم بأي قائد من قواد الدنيا ؟ اللهم لا . كان خالد بن الوليد موضع إعجاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه وحسن تقديره ، فكان إذا هزم [199]الفرس استدعاه لقتال الروم فيسير إلى الشام هو وجيشه الذي كان أطوع له من بنانه ، من غير أن يذوق للراحة طعي فلا يكاد يقود الجيش في الميدان الأخر حتى يفتح البلاد والحصون المنيعة ويوقع الرعب في قلوب الأعداء فيستولي المسلمون على بلادهم ويفر أمبراطور الروم من وجهه ويودع الشام الوداع الأخيرة کا فر وقتل قواد الفرس وعظياؤهم . أليس من المدهش أن خالدة لم يهزم في موقعة من المواقع بل كان رائده النصر على الدوام !؟ وكان العدو يخاف ويقع الرعب في قلبه بمجرد ذكر اسمه أو اقتراب جيشه . لذلك كانوا يبادرون إلى عقد الصلح معه لئلا يداهمهم بما لا قبل لهم به . وقد ساله عظيم من الروم هل أنزل الله عليه سيفا من السماء يحارب به الأعداء ؟

***

كان إسلام خالد في شهر صفر بعد الحديبية ، وكانت الحديبية في ذي القعدة من السنة السادسة الهجرية ( فبراير سنة ۱۲۸م). [200]أمام ذلك شهد خالد غزوة مؤتة ، وقد كان الأمير في غزوة مؤتة زيد بن حارثة واستشهد فيها زيد ثم أخذ الراية بعده جعفر بن أبي طالب فاستشهد أيضا . ثم أخذها عبد الله ابن رواحة فقتل أيضا . ثم اتفق المسلمون على دفع الراية إلى خالد بن الوليد فأخذها وقاتل قتالا شديدا . وما زال پدافع القوم حتى انحازوا عنه . ثم ارتد بانتظام وعاد بجيش المسلمين سالمة إلى المدينة ، وفي هذه الغزوة سیاه النبي : سيف من سيوف الله ، إذ لولا تدبيره وإحكامه خطة التقهقر لقضي على الجيش لقلة عدده الجيش العظيم وشهد خالد فتح مكة ، وحنينة ، وفي غزوة حنين قتل امرأة فنهاه النبيلة عن قتل النساء ، والأولاد ، والأجراء . ثبت في صحيح البخاري عن خالد أنه قال : اندق في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فيها ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية » وولاه رسول الله أعنة الخيل ، فكان في مقدمتها ، وشهد فتح مكة فأبلى فيها ، وبعثه رسول الله إلى العزی 6 [201]( صنم ) فهدمها وقال : يا عز كفرانك لا سبحانك إنسي رأیت الله قد أهانك وبعد أن هدم خالد العزي رجع إلى رسول الله فقال له : هل هدمتها ؟ قال نعم . فقال له : هل رأيت شيئا ؟ فقال لا . قال فإنك لم تهدمها فارجع إليها فاهدمها . فرجع وهو متغيظ فلما انتهى إليها جرد سیفه فخرجت إليه امرأة سوداء عريانة ناشرة الرأس فجعل السادن ( خادم الصنم ) يصيح بها قال خالد وأخذني اقشعرار في ظهري فجعل السادن يصيح و ويقول : اس شدي شدة لا تكذبي أعز القسي للقناع وشمري أعز إذا لم تقتلي اليوم خالد فبوني بذنب عاجل وتنصري فأقبل خالد إليها بالسيف فضربها فشقها نصفين ثم رجع إلى رسول الله فأخبره . فقال : « نعم تلك العزي قد أيست أن تعبد بېلادكم أبدا » ثم قال خالد : و أي رسول الله الحمد لله الذي أكرمنا بك وأنقذنا من التهلكة . ولقد كنت أرى ابي يأتي إلى العزى ومعه مائة من الإبل والغنم فيذبحها للقرى ويقيم عندها ثم ينصرف [202]إلينا مسرورة فنظرت إلى ما مات عليه أبي وذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله كيف خدع حتى صار بذبح الحجر لا ولا يبصر ولا ينفع » فقال « إن هذا الأمر إلى الله فمن پیسرها ره للهدی پیسر، ومن ييسره للضلالة كان فيها . رسول الله : ولا الخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة وأرسله رسول الله إلى أكیدر صاحب دومة في رجب سنة تسع فأسره وأحضره عند رسول الله فصالحه على الجزية ، ورده إلى بلده . وأرسله رسول الله سنة عشر إلى بني الحارث بن کعب بن مذحج فقدم معه رجال منهم فأسلموا ورجعوا إلى قومهم . وأمره أبو بكر الصديق رضي الله عنه على قتال مسيلمة الكذاب والمرتدين باليامة ، وكان له في قتالهم الأثر العظيم کھا مر ذكره في كتابنا هذا ، وله الآثار المشهورة في قتال الروم بالشام ، والفرع بالعراق , وهو أول من أخذ الجزية من الفرس في صلح الحيرة ، وافتتح دمشق وكان في قلنسوته شعر من شعر رسول الله يستنصر [203]به ويتبرك فلا يزال منصورة . ولما حضرت خالدأ الوفاة قال : و لقد شهدت مائة زحف أو نحوها وما في بدني موضع شبر إلا وبه ضربة ، أو طعنة ، أو رمية ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت العير ، فلا نامت أعين الجبناء ، وما لي من عمل أرجی من لا إله إلا الله وأنا متترس ها » وكان يشبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلقه وصفته ( وتوفي في خلافة عمر بن الخطاب سنة ۲۱ ه (641 - 64۲ م) وعمره بضع وأربعون سنة ، وكانت وفاته بحمص ، وقبره مشهور يزار إلى الآن في ضمن مسجد واقع خارج السور إلى الجهة الشمالية من حمص وقد أتصل به العمران وصار حوله هذا العهد حي يسمى ( حي سيدي خالد ) كما يسمى المسجد أيضأ مسجد سيدي خالد قال رفيق بك العظم في كتابه « أشهر مشاهير [204]الإسلام ، وقد زرته مرة فوجدت عليه من المهابة والوقار ما يأخذ بمجامع القلوب التي يعرف أصحابها أقدار الرجال ويتأثرون بذكرى عصر أولئك الأبطال . وقد كان لخالد أولاد كثيرون انقرضوا جميعا في الطاعون فلم يبق منهم أحد ، وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة وكان عمر يقول لما مات خالد : قد ثلم في الإسلام ثلمة لا ترتق ، ولقد ندمت على ما كان مني إليه ورثته أمه فقالت : أنت خير من الف الف من النا اشجاع فأنت أشجع من ليا اجواد فأنت أجود من سيا ساس إذا ما كبت وجوه الرجال من عرين حميم إلى الأشبال سل ديابس يسيل بين الجبال 4 وخالد کرامات منها أنه ابتلع السم فلم يؤثر فيه كا مر ذكره ، ومنها ما رواه ابن أبي الدنيا بإسناد صحيح عن خيثمة قال أتي خالد بن الوليد رجل معه زق خمر . فقال : اللهم اجعله عسلا فصار عس . رحمه الله رحمة واسعة ونفعنا بذكرى حياته المملوءة عبرة ، وشهامة [205]وبلاء حسناً في سبيل الله. وسنذكر إن شاء الله تعالى بقية حروب خالد في خلافة بن عمر الخطاب في كتابنا «عمر ابن الخطاب».

وقد أردنا بهذه الكلمة الوجيزة تذكير المسلمين بحياة هذا البطل الطائر الصيت الذي سجل في تاريخ القيادة والبطولة صفحات ذهبية خالدة، ولا شك «أن حياة خالد خالدة» في الأسفار والقلوب، وأردنا كذلك أن نصور هذه الشخصية البارزة بصورة جلية واضحة حتى تكون مائلة أمامنا باعثة للهمم، وعبرة للمعتبرين، وقدوة يقتدي بها الأبناء في حسن البلاء، والإقدام، والصبر والإخلاص، ورفعة الشأن، والتمسك بالمبدأ حتى النفس الأخير، فإن مثل هذا القائد العظيم فتح الله على المسلمين فنشروا التوحيد والعقيدة الصحيحة، وقضوا على الوثنية والشرك، ووضعوا دعائم العدل والفضل.

===========

جدول بتواريخ الحوادث المشهورة

في خلافة أبي بكر الصديق

يوم الاثنين 12 ربیع الاول سنة 11 هـ - 9 حزيران يونيو سنة 632 م.

«حدیث السقيفة وبيعة أبي بكر الصديق»

يوم الأربعاء 14 ربيع الأولى سنة 11 هـ - 11 حزيران يونيه 632 م.

«إرسال جيش أسامة بن زيد»

سنة 11 هـ - أيلول سبتمبر سنة 632 م.

«عودة أسامة»

شعبان سنة 11 هـ - تشرين الأول أكتوبر سنة 632م.

«رسال البعوث إلى المرتدين»

أخر سنة 11 هـ - بدء سنة 632 م.

«موقعة اليمامة» [207]

سنة 11 هـ - سنة 632 - 633 م.

«ردة أهل البحرين».

سنة 12 هـ - سنة 633 م

«مسير خالد بن الوليد وصلح الحيرة».

صفر سنة 12 هـ - سنة ۱۳۳ م .

«موقعة الثني».

صفر سنة 12 هـ - . نیسان إبريل سنة 633 م.

«موقعة الولجة».

ربيع الأول سنة 12 هـ - أيار مايو سنة 633 م

«حصار الحيرة وتسليمها».

رجب سنة 12 هـ - أيلول سبتمبر سنة 633 م.

«موقعة دومة الجندل».

شعبان سنة 12 هـ - تشرين الأول أكتوبر سنة 633 م.

«البعوث إلى العراق».

ذو القعدة سنة 12 هـ - كانون الثاني يناير سنة 634 م.

«موقعة الفراض - انهزام الفرس والروم والبدو». [208]

ذو الحجة سنة 12 هـ - شباط فبراير سنة 634 م.

«حج خالد سر».

سنة 12 هـ - سنة 633 م، 634 م.

«غزو الشام».

النصف الأول من سنة 13 هـ - آذار مارس، آب أغسطس سنة 634 م.

«المثني بالعراق بعد رحيل خالد بن الوليد».

صيف سنة 13 هـ - سنة 634 م.

«موقعة بابل».

28 جمادى الأولى سنة 13 هـ - 31 تموز يوليه سنة 634 م.

«بدء موقعة اليرموك».

جمادى الآخرة سنة 13 هـ - 23 آب أغسطس سنة 634 م.

«وفاة أبي بكر الصديق»

==================

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ

البرص و العميان-أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ  المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله عليه محمد وسلم وهب الله لك حسن الاستماع وأشعر ...